الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالإسلام مع فعله كالسجود للصليب، أو المشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها فإنه يكفر .....
وأما الكفر بالاعتقاد فكثيرة جداً فمن اعتقد: قدم العالم، أو حدوث الصانع، أو اعتقد نفي ما هو ثابت لله تعالى بالإجماع أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان والاتصال والانفصال كان كافراً ....
والرضى بالكفر كفر، والعزم على الكفر كفر في الحال، وكذا لو تردد هل يكفر كفر في الحال، وكذا تعليق الكفر بأمر مستقبل كفر في الحال ....
إذا عرفت هذا فمن تثبت ردته فهو مهدور الدم لأنه أتى بأفحش أنواع الكفر وأغلظها حكماً. قال الله تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ). إلى قوله: (خَالِدُونَ) وهل تستحب توبته أو تجب قولان: أحدهما تستحب لقوله عليه السلام: "من بدل دينه فاقتلوه" والصحيح أنها تجب ....
لأن الغالب في الردة أن تكون: عن شبهة عرضت فلم يجز القتل قبل كشفها، والاستتابة منها كأهل الحرب فإنا لا نقتلهم إلا بعد بلوغ الدعوة وإظهار المعجزة (1). ا. هـ.
المبحث الثاني: غالب الردة تنشأ عن الجهل والاشتباه:
قلت: انظر -رحمك الله- إلى قوله أيضاً ولو فعل فعلاً أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلى من كافر وإن كان صاحبه مصرحاً بالإسلام مع فعله فيقال فيها: ما قيل من قبل وكذلك قوله بوجوب استتابة المرتد معللاً ذلك: بأن غالب الردة تكون عن شبهة وهذا أيضاً ما قاله الإمام الطحاوي: أن الاستتابة تشرع لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرة.
وقال ابن قدامة مرجحاً وجوب الاستتابة قال: ولأن الردة في الغالب إنما تكون لشبهة عرضت له، فإذا تأتى عليه وكشفت شبهته رجع إلى الإسلام ....
فإن قتل قبل الاستتابة لم يجب ضمانه، لأن عصمته قد زالت بردته (2). ا. هـ.
وقال صاحب كتاب مواهب الجليل شرح مختصر خليل (للحطاب) قال: قال ابن العربي في أول كتاب التوسط في أصول الدين: ألا ترى أن المرتد استحب العلماء له الإمهال، لعله إنما ارتد لريب فيتربص به مدة لعله أن يراجع الشك باليقين والجهل بالعلم
(1) كفاية الأخيار جـ: 2 ص: 123 - باب الردة.
(2)
الكافي -باب المرتد.
ولا يجب ذلك لحصول العلم بالنظر الصحيح الأول (1). ا. هـ.
وهذا يوضح بجلاء هدم قاعدة العذر بالجهل على الإطلاق التي أصلها بعض المتأخرين فإن الردة كثيراً ما تقع من أصحابها بجهل وتأويل فاسد، وليس العلم شرطاً في ثبوتها.
قال الشوكاني ولكن لا يخفى عليك ما تقرر في أسباب الردة أنه لا يعتبر في ثبوتها العلم بمعنى: ما قاله من جاء بلفظ كفري أو فعل فعلاً كفرياً (2). اهـ.
قلت: وما نقلته من أبواب الردة سابقاً متواتر في كتب الفقه للعلماء الأجلاء ولولا خشية الإطالة لجئت منها بالكثير، وهو أنهم يكفرون من نقض التوحيد ولا يوقفونه على العلم بخلاف فرعيات الشريعة فهي لا يكفر صاحبها إلا أن يكون عالماً بتحريمها.
لأن التوحيد كما ذكرت من قبل الحجة عليه العقل والفطرة والميثاق لا يحتاج ذلك إلى رسول بخلاف الفروع فإنها متوقفة على البلاغ.
وفي نهاية هذا الفصل أذكر فيه نواقض الإسلام العشرة التي ذكرها صاحب الولاء والبراء نقلاً عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب قال: ذكر أهل العلم أن هناك عشرة نواقض هامة هي:
(1)
الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ)[النساء: 116].
(2)
من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كفر إجماعاً.
(3)
من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً.
(4)
من اعتقد أن غير هدي النبي، صلى الله عليه وسلم، أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر.
(5)
من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولو عمل به كفر إجماعاً والدليل قوله تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)[محمد: 9].
(1) مواهب الجليل بشرح مختصر خليل (للحطاب) جـ: 6 ص: 281.
(2)
الدر النضيد ص: 43.
(6)
من استهزأ بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه كفر والدليل قوله تعالى: (قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة: 65: 66].
(7)
السحر ومنه: الصرف، والعطف فمن فعله أو رضي به كفر. والدليل قوله تعالى:(وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ)[البقرة: 102].
(8)
مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين. والدليل قوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[المائدة: 51].
(9)
من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباع النبي، صلى الله عليه وسلم، وأنه يسعه الخروج من شريعته كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليهما السلام فهو كافر.
(10)
الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ)[السجدة: 22].
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره وكلها من أعظم ما يكون خطراً ومن أكثر ما يكون وقوعاً فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه (1). ا. هـ.
قلت: وبهذا قد تم هذا الباب -بفضل الله وكرمه- وهو حكم الشرع فيمن أحدث ردة وبدّل دينه بعد أن استقام على التوحيد والإسلام.
* * *
(1) الولاء والبراء ص: 77.