الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن هذا يقتضي الطعن فيما نقلوه من القرآن والسنة فإن الفاسق شهادته مردودة فما بالنا بالكافر.
قال أبو بكر بن العربي في قوله تعالى: (
…
إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
…
)
…
المسألة الثانية: -من ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعاً لأن الخبر أمانة والفسق قرينة تبطلها (1). ا. هـ.
وكذلك أيضاً يستلزم تكفيرهم للصحابة تكذيب القرآن الذي أخبر بعدالتهم وخبرتهم في أكثر من آية، وكذلك تواتر ثناء النبي، صلى الله عليه وسلم، عليهم والشهادة لأعيان منهم بالجنة، والأخبار لا يدخلها النسخ بخلاف الأوامر وأخطر ذلك على الإطلاق أم تكفيرهم للصحابة يستلزم الطعن فيما نقلوه من القرآن والسنة.
قال القاضي عياض. وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قال قولا: يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير جميع الصحابة كقول الكميلية من الرافضة بتكفير جميع الأمة بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، إذ لم تقدم علياً وكفرت علياً إذ لم يتقدم ويطلب حقه في التقديم فهؤلاء قد كفروا من وجوه لأنهم أبطلوا الشريعة بأمرها إذ قد انقطع نقلها ونقل القرآن إذ ناقلوه كفرة في زعمهم وإلى هذا والله أعلم أشار مالك في أحد قوليه بقتل من كفر الصحابة (2). ا. هـ.
المبحث الثالث: التغيظ من الصحابة دلالة على كفر صاحبه:
قال القرطبي في قوله تعالى: (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)[الفتح: 29].
الخامسة: روى أبو عروة الزبيري من ولد الزبير: كنا عند مالك بن أنس فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -فقرأ مالك هذه الآية: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ). حتى بلغ (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ). فقال مالك: من أصبح من الناس في قلبه غبط على أحد من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقد أصابته هذه الآية: ذكره الخطيب أبو بكر.
قلت: لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله -رب العالمين- وأبطل شرائع المسلمين قال الله -
(1) أحكام القرآن جـ: 4 ص: 1715.
(2)
كتاب الشفاء بشرح نور الدين القاري مطبعة المدني جـ: 5 ص: 427، 428.
تعالى-: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ). الآية وقال: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ). إلى غير ذلك من الآي التي تضمنت الثناء عليهم والشهادة لهم بالصدق والفلاح قال الله -تعالى-: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) وقال (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ -إلى قوله: أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ). ثم قال -عز من قائل-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ -إلى قوله- فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). وهذا كله مع علمه تبارك وتعالى بحالهم ومآل أمرهم (ثم ذكر أحاديث في مدحهم رضي الله عنهم جميعاً) والأحاديث بهذا المعنى كثيرة فحذار من الوقوع في أحد منهم، كما فعل من طعن في الدين فقال: إن المعوذتين ليستا من القرآن، وما صح حديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في تثبيتهما ودخولهما في جملة التنزيل إلا عن عقبة بن عامر، وعقبة بن عامر ضعيف لم يوافقه غيره عليها فروايته مطرحة. وهذا رد لما ذكرناه من الكتاب والسنة وإبطال لما نقلته لنا الصحابة من الملة فإن عقبة بن عامر بن عيسى الجهني ممن روى لنا الشريعة في الصحيحين البخاري ومسلم وغيرهما فهو ممن مدحهم الله ووصفهم وأثنى عليهم ووعدهم مغفرة وأجراً عظيماً. فمن نسبه أو واحداً من الصحابة إلى كذب فهو خارج عن الشريعة مبطل للقرآن طاعن على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ا. هـ.
وقال ابن كثير (فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ). أي: فكذلك أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فآزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الزرع (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ).
ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال: لأنهم يغيظونهم من وغاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية ووافقه طائفة من العلماء على ذلك والأحاديث في فضائل الصحابة رضي الله عنهم والنهي عن التعرض بمساءة كثيرة ويكفيهم ثناء الله عليهم ورضاه عنهم ا. هـ.
وقال البغوي: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) أي: إنما كثرهم وقواهم ليكونوا غيظاً للكافرين. قال مالك بن أنس: من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقد أصابته هذه الآية. ا. هـ.
وقال الإمام الطبري: وقوله: (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) يقول تعالى ذكره:
يعجب هذا الزرع الذي استغلظ فاستوى على سوقه في تمامه وحسن نباته وبلوغه وانتهائه الذين زرعوه "ليغيظ بهم الكفار"، يقول: فكذلك مثل محمد، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه واجتماع عددهم حتى كثروا ونموا وغلظ أمرهم كهذا الزرع وصف جل ثناؤه صفته ثم قال ليغيظ بهم الكفار. ا. هـ.
وقال ابن تيمية (1) في الصارم ص: 504 وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم بقتل من سب الصحابة وكفر الرافضة قال محمد بن يوسف الفرياني وسئل عمن شتم أبا بكر قال: كافر، قيل: فيصلى عليه؟ قال: لا. وسأله: كيف يصنع به وهو يقول لا إله إلا الله؟ قال: لا تمسوه بأيديكم ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته، وقال أحمد بن يونس: لو أن يهودياً ذبح شاة وذبح رافضي لأكلت ذبيحة اليهودي، ولم آكل ذبيحة الرافضي لأنه مرتد عن الإسلام. وكذلك قال أبو بكر بن هاني: لا تؤكل ذبيحة الروافض والقدرية كما لا تؤكل ذبيحة المرتد مع أنه تؤكل ذبيحة الكتابي لأن هؤلاء يقامون مقام المرتد، وأهل الذمة يقرون على دينهم وتؤخذ منهم الجزية. وكذلك قال عبد الله بن إدريس من أعيان أئمة الكوفة: ليس لرافضي شفعة إلا لمسلم.
وقال في ص: 505 وصرح جماعات من أصحابنا: بكفر الخوارج المعتقدين: البراءة من علي وعثمان، وبكفر الرافضة المعتقدين: لسب جميع الصحابة الذين كفروا الصحابة وفسقوهم وسبوهم.
وقال أبو بكر عبد العزيز في المقنع: فأما الرافضي فإن كان يسب فقد كفر فلا يزوج. ولفظ بعضهم وهو الذي نصره القاضي أبو يعلى: أنه إن سبهم سباً يقدح في دينهم وعدالتهم كفر بذلك، وإن سبهم سباً لا يقدح مثل أن يسب أبا أحدهم أو يسبه سباً يقصد به غيظه ونحو ذلك -لم يكفر.
قال أحمد في رواية أبي طالب في الرجل يشتم عثمان: هذا زندقة، وقال في رواية المروزي: من شتم أبا بكر وعمر وعائشة ما أراه على الإسلام، قال القاضي أبو يعلى: فقد أطلق القول فيه أنه يكفر بسبه لأحد من الصحابة وتوقف في رواية عبد الله وأبي طالب عن قتله وكمال الحد وإيجاب التعزير يقتضي أنه لم يحكم بكفره قال: فيحتمل أن يحمل قوله
(1) الصارم المسلول ص: 504.
"ما أراه على الإسلام" إذا استحل سبهم بأنه يكفر بلا خلاف، ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحل ذلك، بل فعله مع اعتقاده لتحريمه كمن يأتي المعاصي قال: ويحتمل قوله "ما أراه على الإسلام" على سب يطعن في عدالتهم نحو قوله: ظلموا وفسقوا بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، وأخذوا الأمر بغير حق، ويحمل قوله في اسقاط القتل على سب لا يطعن في دينهم نحو قوله: كان فيهم قلة علم وقلة معرفة بالسياسة والشجاعة وكان فيهم شح ومحبة للدنيا ونحو ذلك قال: ويحتمل أن يحمل كلامه على ظاهره فتكون في سابهم روايتان إحداهما يكفر والثانية يفسق.
وعلى هذا استقر قول القاضي وغيره حكوا في تكفيرهم روايتين قال القاضي: ومن قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف ..
ونحن نرتب الكلام في فصلين أحدهما: في سبهم مطلقاً، والثاني: في تفصيل أحكام الساب (وأخذ يسرد حجج الفريقين القائلين بالتكفير والقائلين بالعصيان دون الكفر) وقال في ص: 512 وأما من قال "يقتل الساب" أو قال "يكفر" فلهم دلالات احتجوا بها:
منها قوله تعالى (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ -إلى قوله- لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ). فلا بد أن يغيظ بهم الكفار، وإذا كان الكفار يغاظون بهم، فمن غيظ بهم فقد شارك الكفار فيما أذلهم الله به وأخزاهم وكبتهم على كفرهم، ولا يشارك الكفار في غيظهم الذي كبتوا به جزاء لكفرهم إلا كافر، لأن المؤمن لا يكبت جزاء للكفر يوضح ذلك قوله تعالى:(لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ).
تعليق للحكم بوصف مشتق مناسب لأن الكفر مناسب لأن يغاظ صاحبه فإذا كان هو الموجب لأن يغيظ الله صاحبه بأصحاب محمد، فمن غاظه الله بأصحاب محمد فقد وجد في حقه موجب ذلك وهو الكفر
…
ومن ذلك ما خرجاه في الصحيحين عن أنس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:"آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار". وفي لفظة قال في الأنصار "لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق"
…
ولمسلم عن أبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:"لا يبغض الأنصار رجل آمن بالله واليوم الآخر". وروى مسلم في صحيحه أيضاً عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:"لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر". فمن سبهم فقد زاد على
بغضهم فيجب أن يكون منافقاً لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر -إلى أن قال- في ص: 518: 519.
فصل في تفصيل القول فيهم. أما من اقترن بسبه دعوى أن علياً إله أو أنه كان النبي وإنما غلط جبرائيل في الرسالة فهذا لا شك في كفره، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره.
وكذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت أو زعم أن له تأويلات باطلة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك وهؤلاء يسمون: القرامطة والباطنية ومنهم التناسخية وهؤلاء لا خلاف في كفرهم.
وأما من سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم.
وأما من لعن وقبح مطلقاً فهذا محل الخلاف فيهم لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب أيضاً في كفره لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كقر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق وأن هذه الآية التي هي:(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). وخيرها هو: القرن الأول كان عامتهم كفاراً أو فساقاً ومضمونها: أن هذه الأمم شر الأمم وأن سابقي هذه الأمم هم: شرارها. وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام ولهذا تجد عامة من ظهر عليه شيء من هذه الأقوال فإنه يتبين أنه زنديق (1). ا. هـ.
قلت: فمن هذه النقول المستفيضة -بفضل الله وعونه- ثبت أن سب الصحابة سبا يقدح في دينهم وعدالتهم بوصفهم أنهم كفار أو فساق أن مثل هذا كفره متعين، بل هو
(1) الصارم المسلول ص: 504: 519.