الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد أن ذكر بعضاً من أعلام الشرك الأكبر فقال: وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان، فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان. وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى ..
وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال: هي كفر قولاً يطلق كما دل على ذلك الدلائل الشرعية. فإن "الإيمان" من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله. ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه (1). ا. هـ.
المبحث الثالث: الإسم الواحد يثبت وينفى بحسب ما يتعلق به من أحكام:
أقول وبالله التوفيق:
أن هؤلاء العلماء يستخدمون لفظ الكفر بعدة اعتبارات وبحسب ما يتعلق به من الأحكام وأن الاسم الواحد يُنفي ويُثبت بحسب الأحكام المتعلقة به، فلا يجب إذا ثبت أو نفي في حكم أن يكون كذلك في بقية الأحكام وهذا مشهور في كلام العرب-.
فالكفر قبل قيام الحجة له حد وأحكام تختلف عنه بعد قيام الحجة فتارة ينفون الكفر إلا بعد الحجة بحسب ما يتعلق به من أحكام وهذا لا ينفي الكفر الآخر الثابت لأصحابه قبل قيام الحجة وبلوغ الرسالة.
قال شيخ الإسلام في هذا المعنى: وجماع الأمر أن الاسم الواحد ينفي ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به، فلا يجب إذا ثبت أو نفي في حكم أن يكون كذلك في سائر الأحكام، وهذا في كلام العرب وسائر الأمم، لأن المعنى مفهوم، مثل ذلك: المنافقون قد يجعلون من المؤمنين في موضع وفي موضع آخر يقال: ما هم منهم.
قال تعالى: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً ....).
فهنالك جعل هؤلاء المنافقين الخائفين من العدو .. الناكلين عن الجهاد، الناهين لغيرهم، الذامين للمؤمنين: منهم. وقال في آية أخرى: (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ
(1) جـ: 35 ص: 164: 165 لمجموع الفتاوى.
وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ
…
). وهؤلاء: ذنبهم أخف، فإنهم لم يؤذوا المؤمنين لا بنهي ولا سلق بألسنة حداد ولكن حلفوا بالله أنهم من المؤمنين في الباطن بقلوبهم، وإلا فقد علم المؤمنون أنهم منهم في الظاهر فكذبهم الله وقال (وما هم منكم) وهناك قال:(قد يعلم الله المعوقين منكم). فالخطاب: لمن كان في الظاهر مسلماً مؤمناً وليس مؤمناً بأن منكم من هو بهذه الصفة، وليس مؤمناً بل أحبط الله عمله فهو منكم في الظاهر لا الباطن.
ولهذا لما استؤذن النبي في قتل بعض المنافقين قال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) فإنهم من أصحابه في الظاهر عند من لا يعرف حقائق الأمور، وأصحابه الذين هم أصحابه ليس فيهم نفاق
…
وكذلك: الأنساب مثل كون الإنسان أباً لآخر أو أخاه يثبت في بعض الأحكام دون بعض فإنه قد ثبت في الصحيحين أنه لما اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة بن الأسود في ابن وليدة زمعة، وكان عتبة بن أبي وقاص قد فجر بها في الجاهلية، وولدت منه ولداً فقال عتبه لأخيه سعد: إذا قدمت مكة فانظر ابن وليدة زمعة فإنه ابني. فاختصم فيه وهو وعبد بن زمعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي عتبة، عهد إلى أخي عتبة فيه إذا قدمت مكة انظر إلى ابن وليدة زمعة فإنه ابني، ألا ترى يا رسول الله شبهه بعتبة؟
فقال عبد: يا رسول الله أخي وابن ووليدة أبي ولد على فراش أبي.
فرأى النبي شبهاً بيناً بعتبة فقال: "هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفرش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة". لما رأى من شبهه البين بعتبة ..
فتبين أن الاسم الواحد ينفي في حكم، ويثب في حكم. فهو أخ في الميراث وليس بأخ في المحرمية ..
ولفظ النكاح وغيره في الأمر يتناول الكامل وهو العقد والوطء كما في قوله: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء). وقوله (حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ). وفي النهي يعم الناقص والكامل، فينهي عن العقد مفرداً وإن لم يكن وطء كقوله:(وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء)(1). ا. هـ.
(1) جـ: 7 ص: 418: 419 لمجموع الفتاوى.