الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
أركان الإيمان وحدوده
المبحث الأول: تلازم الإيمان والإسلام:
قال ابن تيمية وقال ابن أبي شيبة: لا يكون إسلام إلا بإيمان ولا إيمان إلا بإسلام (1) ا. هـ.
وقال (نقلاً عن ابن عبد البر) فمثل الإسلام من الإيمان كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى في المعنى والحكم فشهادة الرسول غير شهادة الوحدانية فهما شيئان في الأعيان. وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم كشيء واحد كذلك الإيمان والإسلام أحدهما مرتبط بالآخر فهما كشيء واحد لا إيمان لمن لا إسلام له ولا إسلام لمن لا إيمان له. إذا لا يخلو المسلم من إيمان يصح به إسلامه ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه. من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان واشترط للإيمان الأعمال الصالحة فقال في تحقيق ذلك: (فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ). وقال في تحقيق الإيمان بالعمل: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى). فمن كان ظاهره أعمال الإسلام ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب فهو منافق نفاقا ينقل عن الملة، ومن كان عقده الإيمان بالغيب ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد. ومن كان مؤمناً بالغيب مما أُخبرت به الرسل عن الله عاملاً بما أمر الله فهو مؤمن مسلم ولولا أنه كذلك لكان المؤمن يجوز أن لا يسمى مسلماً ولجاز أن المسلم لا يسمى مؤمناً بالله. وقد أجمع أهل القبلة على أن كل مؤمن مسلم وكل مسلم مؤمن بالله وملائكته وكتبه (2). ا. هـ.
وقال ابن رجب والتحقيق في الفرق بينهما: أن الإيمان: هو تصديق القلب وإقراره ومعرفته، والإسلام: هو استسلام العبد لله وخضوعه وانقياده له وذلك يكون بالعمل وهو الدين كما سمى الله في كتابه الإسلام ديناً .... ثم إن الشهادتين من خصال الإسلام بغير
(1) جـ: 7 ص: 329 لمجموع الفتاوى.
(2)
جـ: 7 ص: 333 لمجموع الفتاوى.
نزاع، وليس المراد الإتيان بلفظهما دون التصديق بهما. فعلم أن التصديق بهما داخل في الإسلام، وقد فسر الإسلام المذكور في قوله تعالى:(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ). بالتوحيد والتصديق طائفة من السلف منهم: محمد بن جعفر بن الزبير.
وأما إذا نفي الإيمان عن أحد وأثبت له الإسلام كالأعراب الذين أخبر الله عنهم فإنه ينتفي عنهم رسوخ الإيمان في القلب ونثبت لهم المشاركة في أعمال الإسلام الظاهرة مع نوع إيمان يصحح لهم العمل. إذ لولا هذا القدر من الإيمان لم يكونوا مسلمين (1). ا. هـ.
قلت: فهذه نصوص العلماء متضافرة في أن الإسلام لا بد له من إيمان في الباطن يصححه، وأن الإيمان لا يثبت بدون إسلام في الظاهر ببينه، وهذه المسألة في غاية الخطورة ومنها بعلم قول العلماء أن التلفظ بالشهادتين يحكم لصاحبه بالإسلام وهذا حق لا ريب فيه لكن لا بد لهذا التلفظ من شروط وهي وجود إيمان في الباطن يحقق هذا الإسلام الظاهري كما نص على ذلك العلماء ونحن لم نؤمر بشق بطون الناس والاطلاع على بواطنهم بل أمرنا بمعاملتهم بالظاهر ويفترض في قائلها توفير الإيمان لديه في الباطن وتغيير الاعتقاد.
فإذا أظهر ناقضاً حكم الشرع بأنه يستلزم فساد وخلو الباطن من الإيمان وصحيح الاعتقاد قطعنا بفسادهما وتثبت عليه أحكام الردة.
لأنه كما قال ابن تيمية لأن الظاهر إنما يكون دليلاً صحيحاً معتمداً إذا لم يثبت أن الباطن بخلافه، فإذا قام دليل على الباطن لم يلتفت إلى ظاهر قد علم أن الباطن بخلافه (2). ا. هـ.
الإنخلاع من الشرك والتزام الأحكام حق لا إله إلا الله:
قلت: وهذا حكم بالظاهر ومن هنا نعلم -بفضل الله وكرمه- دلالة النصوص المستفيضة وأقوال أهل العلم على أن غاية القتال: الانخلاع من الشرك والبراءة من الطواغيت وإفراد الله بالتأله والطاعة وحده لا شريك له وهو ما سلف ذكره من النصوص المستفيضة ونُقول أهل العلم في هذا المسألة العظيمة:
فإن الله أنزل الكتب وأرسل الرسل وخلق الكون بأسره وأقام سوق الآخرة ليعبد جل
(1) جامع العلوم والحكم الطبعة الخامسة ص: 27: 29.
(2)
الصارم المسلول ص: 301.
جلاله -وحده بلا شريك ويدان له بالطاعة ويكفر بكل مطاع سواه ويكون ذلك كله بالقلب والجوارح وجعل علامة هذا الاعتقاد القلبي: التلفظ بالشهادتين في الظاهر. وعند هذا يرفع القتال "إلا بحقها"، ومن المعلوم بيقين أن إفراد الله بالعبادة هو حق "لا إله إلا الله" فإذا ظهر من العبد خلاف ما أقر به عاد القتال لتحقيق غايته.
ولو كان المراد من الناس مجرد التلفظ بالشهادتين فقط -دون الانخلاع من الشرك والعبودية بشتى صورها لغير الله كاف فلم قال صلى الله عليه وسلم: "إلا بحقها"؟! إذ لو كان التلفظ هو وحده حقها لكان كل من تلفظ بالشهادتين قد أتى بحقها وكان ذكر هذه اللفظة "إلا بحقها" لغو لا حكم لها ولا حقيقة مترتبة عليها -والعياذ بالله-.
ونحن نبرأ بكلام إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم من ذلك الذي أوتى جوامع الكلم.
ويلزم من قائل هذه المقالة تصحيح إسلام وإيمان المنافق لأنه نطق بالشهادتين وهذا هو وحده وحقها! وإن ظهر منه ما يدل على نفاقه مثل سب الله وكتابه ونبيه، صلى الله عليه وسلم، وموالاة الكفار والبراءة من المسلمين والتحاكم لغير الله ورفضه حاكمية الله والمسرة بهزيمة المسلمين والحزن بانخذال المشركين.
من سوغ ترك الانقياد للشرع فقد كفر:
قال ابن تيمية: ومن قال إن من تكلم بالشهادتين ولم يؤد الفرائض ولم يجتنب المحارم يدخل الجنة ولا يعذب أحد منهم بالنار فهو كافر مرتد يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل بل الذين يتكلمون بالشهادتين "أصناف" منهم منافقون في الدرك الأسفل من النار (1). ا. هـ.
وقال: وقال حنبل حدثنا: الحميدي: قال وأخبرت أن ناساً يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت ويصلي مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان مقراً بالفرائض واستقبال القبلة. فقلت: هذا الكفر الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ). الآية.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر بالله ورد على أمره وعلى الرسول ما جاء به من عند الله (2). أ. هـ.
(1) جـ: 35 ص: 106 لمجموع الفتاوى.
(2)
جـ: 7 ص: 209 لمجموع الفتاوى.
وقال: قال أحمد بن حنبل: حدثنا خلف بن حيان حدثنا معقل بن عبيد الله العبسي قال: قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء فنفر منه أصحابنا نفوراً شديداً منهم ميمون بن مهران وعبد الكريم بن مالك فإنه عاهد الله أن لا يؤويه وإياه سقف بيت إلا المسجد قال معقل: فحججت فدخلت على عطاء بن أبي رباح في نفر من أصحابي وهو يقرأ (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ..) فقلت إن لنا حاجة فأخلنا، ففعل. فأخبرته أن قوماً قبلنا قد أحدثوا وتكلموا وقالوا: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين. قال: أو ليس الله -تعالى- يقول: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). فالصلاة والزكاة من الدين، قال فقلت: إنهم يقولون ليس في الإيمان زيادة. قال: أو ليس قد قال الله -تعالى- فيما أنزل: (لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ). هذا الإيمان، فقلت: إنهم انتحلوا. وبلغني أن ابن ذر دخل عليك في أصحاب له فعرضوا عليك قولهم فقبلته فقلت هذا الأمر. فقال: لا والله والذي لا إله إلا هو مرتين أو ثلاثاً ثم قال: قدمت المدينة فجلست إلى نافع فقلت: يا أبا عبد الله إن لي إليك حاجة فقال سر: أم علانية؟ فقلت: لا بل سر، قال: رب سر لا خير فيه، فقلت: ليس من ذلك فلما صلينا العصر قام وأخذ بثوبي ثم خرج من الخوخة ولم ينتظر القاص فقال: ما حاجتك؟ قال فقلت: اخلني هذا فقال: تنح. قال: فذكرت له قولهم فقال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،:"أمرت أن أضربهم بالسيف حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".
قال: فقلت: إنهم يقولون: نحن نقر بأن الصلاة فرض ولا نصلي وبأن الخمر حرام ونشربها وأن نكاح الأمهات حرام ونحن ننكح فنثر يده من يدي وقال من فعل هذا فهو كافر (1). أ. هـ.
حقوق لا إله إلا الله:
قلت: فهذا حق لا إله إلا الله: الكفر بما يعبد من دون الله والتزام شرائع الإسلام.
وكما نص العلماء من قبل على أنه: لا إسلام لمن لا إيمان له. فإذا نطق العبد بالشهادتين يُفترض في قائلها أنه محقق لشروطها مع توفر الإيمان لديه في الباطن فإذا قام دليل في الظاهر على فساد الإيمان في الباطن قطعنا بفسادهما جميعاً وهذا حكم بالظاهر.
(1) جـ: 7 ص: 204: 205 لمجموع الفتاوى.