المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: تعريف الكفر الذي ينفيه هؤلاء الأئمة: - العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

[مدحت آل فراج]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولإثبات وصف الشرك مع الجهل وقبل قيام الحجة الرسالية

- ‌الفصل الأولالأدلة على إثبات وصف الشرك مع الجهل وقبل قيام الحجة الرسالية

- ‌المبحث الأول: فتور الرسالات قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: اقتران وصفي الشرك والجهل:

- ‌الفصل الثانيعلة ثبوت وصف الشرك قبل قيام الحجة

- ‌المبحث الأول: حجية الميثاق:

- ‌المبحث الثاني: توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلهية وهو الحجة عليه:

- ‌المبحث الثالث: الميثاق حجة في بطلان الشرك والعذاب عليه بعد الحجة الرسالية:

- ‌المبحث الرابع: التحسين والتقبيح العقلي للأفعال قبل بلوغ الشرائع:

- ‌الباب الثانيكيفية انتقال العبد من الشرك إلى الإسلام

- ‌الفصل الأولالأدلة من القرآن الكريم على فهم حقيقة الإسلام

- ‌المبحث الأول: الانخلاع من الشرك شرط في تحقيق الإسلام:

- ‌المبحث الثاني: الكفر بالطاغوت شرط في الإيمان بالله وحده:

- ‌المبحث الثالث: إفراد الله بالحكم شرط في تحقيق الإسلام:

- ‌الفصل الثانيالأدلة من السنة المطهرة على فهم حقيقة الإسلام

- ‌المبحث الأول: العلم بمعنى الشهادتين شرط في عصمة الدم والمال:

- ‌المبحث الثاني: اليقين والعمل بمقتضى الشهادة شرط في صحتها:

- ‌المبحث الثالث: الكفر بما يعبد من دون الله شرط في عصمة الدم والمال:

- ‌المبحث الرابع: كلمة التوحيد تعصم قائلها بشرط البراءة من الشرك:

- ‌المبحث الخامس: لب التوحيد معرفة الله:

- ‌المبحث السادس: استحالة عبادة الله بالشرك:

- ‌المبحث السابع: العلم قبل القول والعمل:

- ‌الفصل الثالثتوصيف العلماء لحقيقة الإسلام

- ‌المبحث الأول: التوحيد شرط صحة في إسلام العبد:

- ‌المبحث الثاني: التزام أحكام الإسلام شرط في قبوله

- ‌المبحث الثالث: الحنيف التارك للشرك عن قصد وعلم:

- ‌المبحث الرابع: التوحيد بالقول والعمل شرط في تحقق النجاة:

- ‌المبحث الخامس: قبول الأحكام من غير الله شرك في الألوهية والربوبية:

- ‌الفصل الرابعأركان الإيمان وحدوده

- ‌المبحث الأول: تلازم الإيمان والإسلام:

- ‌المبحث الثاني: العلم والعمل ركنا الإيمان

- ‌الباب الثالثالردة وعدم تأثير عارض الجهل فيها

- ‌الفصل الأولالأدلة من القرآن الكريم على عدم تأثير عارض الجهل في الردة

- ‌المبحث الأول: الجهل أساس النفاق وعلته:

- ‌المبحث الثاني: حكم المستهزئ بآيات الله:

- ‌المبحث الثالث: تنزيل آيات الكفار على من فعل فعلهم من المسلمين:

- ‌الفصل الثانيالأدلة من السنة المطهرة على عدم تأثير عارض الجهل في الردة

- ‌المبحث الأول: حكم الاعتراض على حكم النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثاني: صفة الخوارج وحكمهم

- ‌المبحث الثالث: التغيظ من الصحابة دلالة على كفر صاحبه:

- ‌المبحث الرابع: فرق القدرية وحكمها

- ‌الفصل الثالثباب الردة من كتب السلف

- ‌المبحث الأول: الشرك لا يجتمع مع الإسلام

- ‌المبحث الثاني: غالب الردة تنشأ عن الجهل والاشتباه:

- ‌الباب الرابعالرد على الشبهات في قضية عدم العذر بالجهل والتأويل في أصل الدين

- ‌الفصل الأولالرد على الشبه المستدل بها خطأ من القرآن الكريم

- ‌المبحث الأول: تخصيص عموم رخصة الخطأ:

- ‌المبحث الثاني: شروط الاجتهاد:

- ‌المبحث الثالث: إثبات الضلال قبل البيان:

- ‌الفصل الثانيالرد على الشبه المستدل بها خطأ من السنة المطهرة

- ‌المبحث الأول: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة:

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الطلب من المخلوق وبين الطلب به:

- ‌المبحث الثالث: التأويل دليل على مخالفة النص الجزئي لقاعدة كلية:

- ‌الفصل الثالثتقسيم الدين إلى أصول وفروع

- ‌المبحث الأول: أصول الدين المزعومة عند أهل البدع:

- ‌المبحث الثاني: أحكام أصول الدين وبيانها بياناً شافياً قاطعا للعذر:

- ‌الفصل الرابعموقف ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب من تكفير المعين

- ‌المبحث الأول: المشرك ليس من عداد المسلمين:

- ‌المبحث الثاني: الجهل سبب غلبة الشرك على النفوس:

- ‌المبحث الثالث: الإسم الواحد يثبت وينفى بحسب ما يتعلق به من أحكام:

- ‌المبحث الرابع: تعريف الكفر الذي ينفيه هؤلاء الأئمة:

- ‌نتائج البحث

- ‌ مراجع البحث

الفصل: ‌المبحث الرابع: تعريف الكفر الذي ينفيه هؤلاء الأئمة:

قلت: فالكفر الذي ينفيه ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله تعالى- هو الكفر الذي يستحق صاحبه العقوبة في الدارين القتل في الدنيا والخلود في النيران في الآخرة وهذا لا يكون إلا بعد الحجة الرسالية لأن العقوبة والعذاب متوقفة على بلاغ الرسالة لقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وهذا الكفر أصحابه إن كانوا واقعين في الشرك فهم مشركون وليسوا بمسلمين، وكفار لكن الكفر الغير معذب عليه وبرهان هذا ما يلي:

أولاً: النقاط الستة السابقة.

‌المبحث الرابع: تعريف الكفر الذي ينفيه هؤلاء الأئمة:

ثانياً: قال ابن تيمية: فإن حال: الكافر لا تخلو من أن يتصور الرسالة أولا فإن لم يتصور فهو في غفلة عنها، وعدم إيمان كما قال تعالى:(وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً). وقال: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ).

لكن الغفلة المحضة لا تكون إلا لمن لم تبلغه الرسالة، والكفر المعذب عليه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة

فكل مكذب لما جاءت به الرسل فهو كافر. وليس كل كافر مكذباً. بل قد يكون مرتاباً إن كان ناظراً فيه، أو معرضاً عنه بعد أن لم يكن ناظراً فيه وقد يكون غافلاً عنه لم يتصوره بحال. لكن عقوبة هذا موقوفة على تبليغ المرسل إليه (1). ا. هـ.

فانظر -رحمك الله- إلى قول الإمام في أول النقل فإن حال الكافر: لا تخلو من أن يتصور الرسالة أو لا ثم قال وأما الكفر المعذب عليه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة وقوله العقوبة متوقفة على تبليغ المرسل إليه.

وقال رحمه الله منكراً على من يقول أن حسن التوحيد وقبح الشرك وإمكان المعاد لا يعلم بالعقل فقال:

وكثير من هؤلاء يعتقدون أن في ذلك ما لا يجوز أن يعلم بالعقل: كالمعاد؛ وحسن التوحيد، والعدل، والصدق، وقبح الشرك، والظلم، والكذب. والقرآن يبين: الأدلة العقلية

(1) جـ: 2 ص: 78: 79 لمجموع الفتاوى.

ص: 278

الدالة على ذلك، وينكر على من لم يستدل بها، ويبين أنه بالعقل يعرف المعاد وحسن عبادته وحده وحسن شكره وقبح الشرك وكفر نعمه كما قد بسطت الكلام على ذلك في مواضع ..

فتارك الواجب وفاعل القبيح وإن لم يعذب بالآلام كالنار فيسلب من النعم وأسبابه ما يكون جزاءه. وهذا جزاء من لم يشكر النعمة بل كفرها -أن يسلبها فالشكر قيد النعم، وهو موجب للمزيد، والكفر بعد قيام الحجة موجب للعذاب وقبل ذلك ينقص النعمة ولا يزيد مع أنه لا بد من إرسال رسول يستحق معه النعيم أو العذاب، فإنه ما ثم دار إلا الجنة أو النار (1). ا. هـ.

انظر إلى قول الشيخ أن العقل يعلم به حسن التوحيد والمعاد وقبح الشرك. ولذلك فالكفر ثابت قبل الحجة لمخالفة حجية العقل والفطرة وهذا الكفر ينقص النعمة ولا يزيد والكفر بعد الحجة موجب للعذاب.

ولذلك قال: قالوا- أي: أهل السنة-: ولما كان العلم بالله إيماناً، والجهل به كفراً وكان العمل بالفرائض إيماناً، والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله، صلى الله عليه وسلم، إليهم، ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفراً، ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيماناً، وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله، ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافراً وبعد مجيء الخبر، من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافراً.

والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر (2). ا. هـ.

انظر لهذا النقل أن الجهل بالله كفر قبل الخبر وبعد الخبر والمقصود الجهل بتوحيده والدليل على ذلك: قوله أن أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد أقروا بالله أول ما بعث رسوله، صلى الله عليه وسلم، إليهم ومن المعلوم بيقين أن الإقرار هنا هو الإقرار بتوحيد الإلهية لا بتوحيد الربوبية الذي لا يفرق بين الموحدين والمشركين بل هو متوفر لديهم جميعاً- إذاً فالجهل بالله كفر قبل الخبر وبعد الخبر، لكن قبل الخبر ينقص النعمة ولا يزيد ومحرم على أصحابه دخول

(1) جـ: 16 ص: 252: 253 لمجموع الفتاوى.

(2)

جـ: 7 ص: 325 لمجموع الفتاوى.

ص: 279

الجنة وإن ماتوا على ذلك لا يصلي عليهم ولا يستغفر لهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين لأنهم مشركون وليسوا بمسلمين، إلا أنهم لا يعذبون في الدارين إلا بعد إقامة الحجة. وهذا هو الكفر بعد الخبر وهو الكفر المعذب عليه وكما أنهم لا يعذبون فهم أيضاً لا ينعمون.

قال الشيخ: فلا ينجون من عذاب الله إلا من أخلص لله دينه وعبادته ودعاه مخلصاً له الدين، ومن لم يشرك به ولم يعبده فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره: كفرعون وأمثاله، فهو أسوأ حالاً من المشرك، فلا بد من عبادة الله وحده، وهذا واجب على كل أحد، فلا يسقط عن أحد البتة، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله ديناً غيره.

ولكن لا يعذب الله أحداً حتى يبعث إليه رسولا وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان، فمن لا ذنب له لا يدخل النار، ولا يعذب الله بالنار أحداً إلا بعد أن يبعث إليه رسولاً (1). ا. هـ.

فمن هذه النقول للشيخ يتبين أنه لا يحكم بالإسلام للمشرك الجاهل البتة إلا أنه لا يحكم عليه بالعذاب في الدارين إلا بعد إقامة الحجة وهم قبلها مشركون وليسوا بمسلمين.

وقال الشيخ: نعم قد يشكل على كثير من الناس نصوص لا يفهمونها فتكون مشكلة بالنسبة إليهم لعجز فهمهم عن معانيها، ولا يجوز أن يكون في القرآن ما يخالف صريح العقل والحس إلا وفي القرآن بيان معناه، فإن القرآن جعله الله شفاءاً لما في الصدور وبياناً للناس فلا يجوز أن يكون بخلاف ذلك، لكن قد تخفى آثار الرسالة في بعض الأمكنة والأزمنة حتى لا يعرفون ما جاء به الرسول، صلى الله عليه وسلم، إما ألا يعرفوا اللفظ وإما أن يعرفوا اللفظ ولا يعرفوا معناه، فحينئذ يصيرون في جاهلية بسبب عدم نور النبوة، ومن ههنا يقع الشرك وتفريق الدين شيعاً كالفتن التي تحدث السيف.

فالفتن القولية والعملية هي من الجاهلية بسبب خفاء نور النبوة عنهم كما قال مالك بن أنس: إذا قل العلم ظهر الجفاء، وإذا قلت الآثار ظهرت الأهواء. ولهذا شبهت الفتن بقطع الليل المظلم ولهذا قال أحمد في خطبته:

(1) جـ: 14 ص: 476: 477 لمجموع الفتاوى.

ص: 280

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة بقايا من أهل العلم.

فالهدى الحاصل لأهل الأرض إنما هو من نور النبوة كما قال تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى).

فأهل الهدى والفلاح هم: المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون في كل زمان ومكان. وأهل العذاب والضلال هم: المكذبون للأنبياء، يبقى أهل الجاهلية الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء. فهؤلاء في: ضلال وجهل وشرك وشر لكن الله يقول: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). وقال: (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ). وقال: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ).

فهؤلاء لا يهلكهم الله ويعذبهم حتى يرسل إليهم رسولاً. وقد رويت آثار متعددة في أن من لم تبلغه الرسالة في الدنيا فإنه يبعث إليه رسول يوم القيامة في عرصات القيامة (1). ا. هـ.

ففي هذا النقل يبرهن فيه شيخ الإسلام على أن أهل الهدى والفلاح هم: المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون.

وأهل العذاب والضلال هم: المكذبون للأنبياء وهذا هو الكفر المعذب عليه.

يبقى أهل الجاهلية الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء إذاً فهم لم يكذبوا فلم يقعوا في الكفر المعذب عليه بيد أنهم لم يتبعوهم أيضاً ووقعوا في الإشراك بالله.

فهؤلاء في ضلال وجهل وشرك وشر إلا إنهم لا يعذبون إلا بعد الحجة الرسالية. وهذا هو الكفر قبل الحجة وبلوغ الخبر.

ويلاحظ أن هذا النقل في الأمة المحمدية ولا يجرؤ أحد أن يقول إنهم مشركون على الإطلاق دون التعيين لأنه لو كان كذلك لما قال عنهم الشيخ: إنهم يمتحنون في العرصات لأنهم لو كانوا مسلمين لدخلوا الجنة دون امتحان. فثبوت الامتحان لهم دل على أنهم مشركون على التعيين.

(1) جـ: 17 ص: 307 لمجموع الفتاوى.

ص: 281

وقال رحمه الله: وأصل الإيمان والتقوى: الإيمان برسل الله وجماع ذلك: الإيمان بخاتم الرسل محمد، صلى الله عليه وسلم، فالإيمان به يتضمن: الإيمان بجميع كتب الله ورسله.

وأصل الكفر والنفاق هو: الكفر بالرسل وبما جاءوا به، فإن هذا هو الكفر الذي يستحق صاحبه العذاب في الآخرة فإن الله -تعالى- أخبر في كتابه أنه لا يعذب أحداً إلا بعد بلوغ الرسالة (1). اهـ.

قلت: فهذا هو الكفر الذي ينفيه ابن تيمية في الكليات والجزئيات والأصول والفروع وهو الكفر المعذب عليه لأنه لا تكليف إلا بشرع والشرع يلزم بالبلاغ مع انتفاء المعارض حتى في أصل الأصول وهو التوحيد وأهله قبل الحجة ليسوا بمسلمين. إلا كفر التنقص والاستهزاء فأهله معذبون عليه بإطلاق لأنه لا يتصور جهله ولا التعبد به.

سئل الشيخ رحمه الله (2) - عن قوم داوموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد تجوهروا فقالوا: لا نبالي الآن ما عملنا، وإنما الأوامر والنواهي رسوم العوام، ولو تجوهروا لسقطت عنهم، وحاصل النبوة يرجع إلى الحكمة والمصلحة والمراد منها ضبط العوام، ولسنا نحن من العوام فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة.

فهل هذا القول كفر من قائله؟ أم يبدع من غير تكفير؟ وهل يصير ذلك عمن في قلبه خضوع للنبي، صلى الله عليه وسلم،؟

فأجاب: لا ريب عند أهل العلم والإيمان أن هذا القول من أعظم الكفر وأغلظه. وهو شر من قول اليهود والنصارى ..

والمقصود أن المتمسكين بجملة منسوخة فيها تبديل خير من هؤلاء الذين يزعمون سقوط الأمر والنهي عنهم بالكلية، فإن هؤلاء خارجون في هذه الحال عن جميع الكتب والشرائع والملل، لا يلتزمون لله أمراً ولا نهياً بحال، بل هؤلاء شر من المشركين المستمسكين ببقايا من الملل: كمشركي العرب الذين كانوا مستمسكين ببقايا من دين إبراهيم عليه السلام

(1) جـ: 11 ص: 186 لمجموع الفتاوى.

(2)

جـ: 11 ص: 401: 413 لمجموع الفتاوى.

ص: 282

فمن كان من قوله هو أنه أو طائفة غيره قد خرجت عن كل أمر ونهي بحيث لا يجب عليها شيء، ولا يحرم عليها شيء، فهؤلاء أكفر أهل الأرض وهم من جنس فرعون وذويه

وكثير (1) من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيرا مما يبعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر (وأخذ يدلل على هذا) ..

فقد تبين: أن هذا القول كفر ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها، ودلائل فساد هذا القول كثيرة في الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة وأئمتها ومشائخها، لا يحتاج إلى بسطها بل قد علم بالاضطرار من دين الإسلام: أن الأمر والنهي ثابت في حق العباد إلى الموت.

وأما قول القائل: هل يصدر ذلك عمن في قلبه خضوع للنبي، صلى الله عليه وسلم،؟

فيقال: هذا لا يصدر عمن هو مقر بالنبوات مطلقاً. بل قائل ذلك كافر بجميع الأنبياء والمرسلين، لأنهم جميعاً أتوا بالأمر والنهي للعباد إلى حين الموت بل لا يصدر هذا القول ممن في قلبه خضوع لله وإقرار بأنه إله العالم، فإن هذا الإقرار يستلزم، أن يكون الإنسان عبداً لله خاضعاً له، ومن سوغ الإنسان أن يفعل ما يشاء من غير تعبد بعبادة الله، فقد أنكر أن يكون الله إلهه (2). ا. هـ.

انظر -رحمك الله- إلى هذه الفتوى فإنه قرر في أولها أنهم أكفر أهل الأرض وأكفر من اليهود والنصارى وأنهم أخبث من المشركين، ثم ينفي الكفر عنهم بعد ذلك لقلة العلم وغلبة الجهل وهذا هو الكفر المعذب عليه، ثم يثبت بعد هذا أنهم كفار بجميع الكتب والرسل وكفار بإلهية الله وهذا هو الكفر قبل الخبر وقيام الحجة.

وقال ابن القيم رحمه الله (في الرد على الإمام ابن عبد البر في إنكاره أحاديث الامتحان لأهل الفترات مستشهداً بقوله) ولا يخلو من مات في الفترة من أن يكون كافراً أو غير كافر ..

(1) في ص: 407.

(2)

جـ: 11 ص: 401: 413 لمجموع الفتاوى.

ص: 283

جوابه من وجوه: أحدها أن يقال: هؤلاء لا يحكم لهم بكفر ولا إيمان فإن الكفر هو: جحود ما جاء به الرسول فشرط تحققه بلوغ الرسالة، والإيمان هو: تصديق الرسول فيما أخبر، وطاعته فيما أمر وهذا أيضاً مشروط ببلوغ الرسالة، ولا يلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر إلا بعد قيام سببه. فلما لم يكن هؤلاء في الدنيا كفاراً ولا مؤمنين كان لهم في الآخرة حكم آخر غير حكم الفريقين.

فإن قيل: فأنتم تحكمون لهم بأحكام الكفار في الدنيا من: التوارث والولاية والمناكحة.

قيل: إنما نحكم لهم بذلك في أحكام الدنيا لا في الثواب والعقاب كما تقدم بيانه.

الوجه الثاني: سلمنا أنهم كفار لكن انتفاء العذاب عنهم لانتفاء شرطه، وهو قيام الحجة عليهم، فإن الله لا يعذب إلا من قامت عليه حجته (1). ا. هـ.

فهذا النص من الإمام ينص على انتفاء الكفر المعذب عليه إلا بعد الحجة وأصحابه كفار في أحكام الدنيا لا في أحكام الثواب والعقاب هذا مع قوله قبل ذلك أن الشرك ثابت لأصحابه لا يحتاج إلى رسول فالحجة عليه العقل والفطرة.

وقال رحمه الله في كتاب طريق الهجرتين الطبقة (الرابعة عشر) قوم: لا طاعة لهم ولا معصية ولا كفر ولا إيمان، وهؤلاء أصناف: منهم من لم تبلغه الدعوة بحال ولا سمع لها بخير، ومنهم المجنون الذي لا يعقل شيئاً ولا يميز، ومنهم الأصم الذي لا يسمع شيئاً أبداً، ومنهم أطفال المشركين الذين ماتوا قبل أن يميزوا شيئاً-.

ثم قال في الطبقة (السابعة عشر) ص: 411 فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم (2). ا. هـ.

قلت: فعندما نفي ابن القيم الكفر عن أطفال المشركين نفاه باعتبار ما يترتب عليه من العقوبة في الدارين وعندما أثبته لنفس الطائفة أثبته باعتبار ما يجري عليهم من أحكام الكفر في الدنيا.

(1) أحكام أهل الذمة جـ: 2 ص: 656/ 5.

(2)

طريق الهجرتين ص: 387.

ص: 284

وعلى هذا التفصيل نراجع قراءة الطبقة السابعة عشر لابن القيم في كتابه طريق الهجرتين: طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعاً لهم يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أسوة بهم ..

وقد اتفقت الأمة: على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم ..

وقد صح عنه أنه قال، صلى الله عليه وسلم،:"إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة". وهذا المقلد ليس بمسلم، وهو عاقل مكلف، والعاقل المكلف لا يخرج عن الإسلام أو الكفر. وأما من لم تبلغه الدعوة فليس بمكلف في تلك الحال وهو بمنزلة الأطفال والمجانين وقد تقدم الكلام عليه.

والإسلام: هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله برسوله واتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل.

فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً .. (ثم تحدث الشيخ عن الجاهل المعرض والجاهل العاجز عن إدراك الهدى والاثنان كافران إلا أن الأول معذب لإعراضه والثاني غير معذب ويمتحن في الآخرة) ..

بل الواجب على العبد: أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول. هذا في الجملة والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه. هذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا: فهي جارية على ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أولياؤهم.

وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة وهو مبني على أربعة أصول:

(أحدها) أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه.

(الأصل الثاني) أن العذاب يستحق بسببين: أحدهما: الإعراض عن الحجة

الثاني: العناد لها بعد قيامها

وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفي الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل-.

ص: 285

(الأصل الثالث) أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخرى ..

الأصل الرابع: أن أفعال الله تابعة لحكمته (1). ا. هـ.

نخرج من هذا النقل بما يلي:

1 -

المشرك الجاهل المقلد كافر.

2 -

الجنة لا تدخلها إلا نفس مسلمة وهذا المشرك المقلد ليس بمسلم.

3 -

المسلم هو من عبد الله وحده لا شريك له وآمن برسوله واتبعه فيما جاء به.

4 -

العبد المكلف لا يخرج عن الإسلام أو الكفر.

5 -

كفر الجهل مع عدم قيام الحجة أصحابه كفار في أحكام الدنيا لا في أحكام الثواب والعقاب أي: الكفر المعذب عليه.

6 -

كفر الجهل بعد قيام الحجة أصحابه كفار في أحكام الدنيا وفي أحكام الثواب والعقاب.

7 -

المشرك الجاهل المقلد لرئيسه وإمامه ليس بمسلم سواء بلغته الحجة أم لا لأن الإسلام هو ترك الشرك والاستسلام لله وحده والإيمان به وبرسوله واتباعه فيما جاء به.

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى الأخ أحمد التويجري:

بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما تبين له الحجة على بطلان الشرك (2). ا. هـ.

انظر إلى قوله رحمه الله أنه يكفر من أشرك بالله بعد إقامة الحجة وهذا هو الكفر المعذب عليه ومن المعلوم بيقين أن هذا المشرك ليس عند الشيخ مسلماً بدليل أنه قال في نفس الرسالة أن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم فوقف الحكم بالإسلام على هذا القدر وهو غير متوفر لدى المشرك.

ولهذا قال الشيخ: وأما المسائل الأخر وهي أني أقول: لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله، ومنها أني أعرف من يأتيني بمعناها، ومنها أني أقول أن الإله هو الذي فيه

(1) طريق الهجرتين ص: 411: 414.

(2)

مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، القسم الخامس -الرسائل الشخصية ص:60.

ص: 286

السر (لفظة عند العامة مرادفة للفظة الإله) ومنه تكفير الناذر إذا أراد به التقرب لغير الله وأخذ النذر كذلك، ومنها أن الذبح للجن كفر والذبيحة حرام ولو سمى الله عليهم إذا ذبحها للجن.

فهذه خمس مسائل كلها حق وأنا قائلها ونبدأ بالكلام عليها لأنها أم المسائل وقبل ذلك أذكر معنى لا إله إلا الله فنقول:

التوحيد نوعان توحيد الربوبية وهو: أن الله -سبحانه- متفرد بالخلق والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم، وهذا حق لا بد منه لكن لا يدخل الرجل في الإسلام لأن أكثر الناس مفرون به قال الله -تعالى-:(قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ -إلى قوله- أَفَلَا تَتَّقُونَ)[يونس: 31]. وأن الذي يدخل الرجل في الإسلام: هو توحيد الألوهية وهو: أن لا يعبد إلا الله لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً.

وذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، بعث وأهل الجاهلية يعبدون أشياء مع الله فمنهم من يدعوا الأصنام، ومنهم من يدعو عيسى، ومنهم من يدعو الملائكة فنهاهم عن هذا، وأخبرهم أن الله أرسله ليوحد ولا يُدعى أحد من دونه لا الملائكة ولا الأنبياء، فمن تبعه ووحد الله فهو الذي شهد: أن لا إله إلا الله، ومن عصاه ودعا عيسى والملائكة واستنصرهم، والتجأ إليهم فهو الذي: جحد أن لا إله إلا الله مع إقراره أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله وهذه جملة لها بسط طويل، لكن الحاصل أن هذا مجمع عليه بين العلماء (1). ا. هـ.

انظر إلى قوله -رحمك الله- لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى: لا إله إلا الله. وأنه يعرف من يأتيه بمعناها، وأن الذي يدخل الرجل في الإسلام هو: توحيد الألوهية وهو: أن لا يعبد إلا الله. وأن من تبع النبي، صلى الله عليه وسلم، ووحد الله فهو الذي شهد أن: لا إله إلا الله. ومن أشرك فهو الذي جحدها وأن ما سبق مجمع عليه بين العلماء.

فهذه النقول السالفة لهؤلاء الأئمة العلماء تبرهن وتوضح -بفضل الله وعونه- موقفهم من هذه القضية الحاسمة وهي أن المشرك الجاهل غير معذور بجهله وليس بمسلم على الإطلاق، وتجري عليه أحكام الكفر في الدنيا فإن كان في وقت أو زمن فترة ولم تقم عليه الحجة فلا يكفر الكفر المعذب عليه، وكذلك لا ينعم في الآخرة حتى يُختبر في العرصات.

(1) المصدر السابق ص: 64.

ص: 287

لأن الحجة لا تدخلها إلا نفس مسلمة والإسلام هو: إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له والإيمان بنبيه صلى الله عليهم وسلم واتباعه فيما جاء به.

والمشرك لم يأت بهذا القدر وبعد قيام الحجة عليه فهو كافر في أحكام الدنيا وفي أحكام الثواب والعقاب.

وهذا بفضل الله فصل الخطاب في هذه المسألة العظيمة التي خلق الله الخلق من أجلها لها أخذ الميثاق وعليها فطر العباد ومن أجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وأعدت الجنة والنار. وهي: عبادة الله وحده لا شريك له والكفر بما يعبد من دونه.

وقد نص على هذا المعنى الجلي البين الواضح الشيخ العلامة المحدث: إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالته حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة الرسالة السادسة من كتاب عقيدة الموحدين والرد على الضلال المبتدعين. ص: 149: 163.

عباد القبور لا يدخلون في مسمى المسلمين:

قال في ص: 150: 151: ومسألتنا هذه وهي: عبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة هي: أصل الأصول وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول، إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفي دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية كالصرف والعطف.

وكيف يعرفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين، ولا يدخلون في مسمى الإسلام وهل يبقى مع الشرك عمل؟!

والله -تعالى- يقول: (وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)(وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)(وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ). إلى غير ذلك من الآيات.

ولكن هذا المعتقد يلزم منه معتقد قبيح وهو أن الحجة لم تقم على هذه الأمة بالرسول

ص: 288

والقرآن نعوذ بالله من سوء الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب والرسول بل أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يسمون مسلمين بالإجماع، ولا يستغفر لهم، وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في الآخرة

- إلى أن قال في ص: 159 - مع أن العلامة ابن القيم- رحمه الله جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته وتأهلوا لذلك وأعرضوا ولم يلتفتوا ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل فهو عنده من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة الرسول من الرسل، وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم وسيأتيك كلامه، وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة أن لا إله إلا الله وبقاء الإسلام ومسماه ..

- إلى أن قال في ص: 160 - وتفطن أيضاً فيما قال الشيخ عبد اللطيف: فيما نقله عن ابن القيم أن أقل أحوالهم (أي من فعل الشرك جاهلاً) أن يكونوا: مثل أهل الفترة الذين هلكوا قبل البعثة ومن لم تبلغه دعوة نبي من الأنبياء إلى أن قال وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله وقاعدته الكبرى شهادة أن لا إله إلا الله؟.

(ثم قال في ص: 163 بعد أن سرد كلام العلامة ابن القيم في أهل الفترات من كتابه طريق الهجرتين السابق نقله) ثم قال الشيخ رحمه الله.

ص: 289

فقف هنا وتأمل هذا التفصيل البديع فإنه رحمه الله لم يستثن إلا من عجز عن إدراك الحق مع شدة طلبه وإرادته له فهذا الصنف هو المراد في كلام شيخ الإسلام وابن القيم وأمثالهما من المحققين. وأما العراقي وإخوانه المبطلون فشبّهوا بأن الشيخ لا يكفر الجاهل وأنه يقول هو معذور وأجملوا القول، ولم يفصلوا وجعلوا هذه الشبهة ترساً يدفعون به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وصاحوا على عباد الله الموحدين كما جرى لأسلافهم من عباد القبور والمشركين. وإلى الله المصير وهو الحاكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون إلى آخر ما ذكر الشيخ رحمه الله.

فتأمل إن كنت ممن يطلب الحق بدليله وإن كنت ممن صمم على الباطل وأراد أن يستدل عليه بما أجمل من كلام العلماء فلا عجب. وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين (1). ا. هـ.

قلت: أختم هذا البحث بآية من كتاب الله وبقول عالم معاصر وهو: فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

صفة النبي، صلى الله عليه وسلم، وأتباعه:

أما الآية فقوله تعالى: في سورة آل عمران: (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ). [آل عمران: 20].

فقد وصفت الآية النبي، صلى الله عليه وسلم، وأتباعه بصفة لا تنفك عنهم قد فارقوا بها سائر ملل الكفر وهي: إسلام الوجه لله.

وباتفاق المفسرين بلا خلاف بينهم أن إسلام الوجه لله هو: إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له والبراءة من كل ما يعبد من دون الله.

وهنا سؤال: هل من عبد غير الله أخلص لله وجهه أم لا؟ فإن قيل: بلى. فهذا تسويغ للشرك ومروق من الدين.

وإن قيل: لا -فهل هذا المشرك الذي لم يخلص لله وجهه من أتباع نبيه، صلى الله عليه وسلم، أم لا؟

وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في مقدمته على كتاب عقيدة الموحدين والرد على الضلال المبتدعين-.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فقد تقدم إلى الأخ في الله فضيلة الشيخ /عبد الله بن سعد الغامدي وهو معروف بصدقه وأمانته وغيرته الدينية ووقوفه ضد الخرافات والأعمال الشركية والبدع ونحوها وذبه عن العقيدة الإسلامية والدعوة إليها ومكافحة ما يخالفها وذكر لي أنه قد عزم على جمع بعض

(1) عقيدة الموحدين والرد على الضلال المبتدعين -الرسالة السادسة ص: 149: 163.

ص: 290

الرسائل النافعة من مؤلفات أئمة الدعوة وبعض علماء نجد وطبعها، في حكم تكفير المعين وعدم العذر بالجهل في مسائل التوحيد والشرك وطلب مني أن أضع مقدمة لها.

وقد اطلعت على هذه الرسائل فألفيتها رسائل قيمة جديرة بالنشر ألفها أئمة أجلاء وعلماء فضلاء قضوا حياتهم في تدريس العلم النافع من كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والعمل بهما والدعوة إلى الله، وصانوا العقيدة ودافعوا عنها وبينوا زيغ الزائغين وضلال الضالين مع اشتمال هذه الرسائل على بيان التوحيد وما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب وبيان ما يجب لله -تعالى- على عباده من العبودية لله وحده وإخلاص العبادة له بجميع أنواعها قولاً وعملاً واعتقاداً فلا يدعي إلا هو وحده ولا يرجى إلا هو وحده ولا يستغاث ولا يستعان إلا به وحده

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والإرشاد

ص: 291