المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ترجمة البوصيري البوصيري: هو محمد بن سعيد بن حماد بن عبد - العمدة في إعراب البردة قصيدة البوصيري

[مؤلف العمدة في إعراب البردة]

الفصل: ‌ ‌ترجمة البوصيري البوصيري: هو محمد بن سعيد بن حماد بن عبد

‌ترجمة البوصيري

البوصيري: هو محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله بن صنهاج، كان أحد أبويه من (أبو صير) والاخر من (دلاص) من قرى بني سويف، فركبت له منهما نسبه، وقيل:(الدلاصيري) لكنه اشتهر بالبوصيري، وكان يعاني صناعة الكتابة والتصرف، ويباشر الشرقية ببلبيس «1» ودرس العلوم الدينية، وشيئا من النحو والصرف والعروض والسيرة النبوية، ودرس التصوف وآدابه.

والبوصيري شاعر مصري ظريف من شعراء القرن السابع الهجري، تجري في شعره النكت المستملحة، وله في شكوى حاله والتذمر من الموظفين قصائد لا تخلو من ذكاء، وفي شعره وصف للحالة الاجتماعية في عصره، وأحسبه من الصادقين، فهو يذكر أن الموظفين كانوا يسرقون الغلال، وأنهم لولا ذلك ما لبسوا الحرير، ولا شربوا الخمور، وأن من الكتاب طائفة تنسكت وعدت من الزهاد مع أنها تملأ بطونها بالسحت، وتأكل مال الأيتام، ويذكر أن القضاة خانوا الأمانة، وبرروا خيانتهم بتأويل القرآن والحديث، ويذكر أن المسلمين والأقباط كانوا مختلفين، فكان المسلمون يقولون: لنا بمصر حقوق، ونحن أولى الاخذين، وكان القبط يقولون: نحن ملوك مصر، ومن سوانا هم الغاصبون، وكان اليهود يستحلون مال الطوائف أجمعين.

(1)[راجع فوات الوفيات] ولد البوصيري في دلاص) سنة 608 توفى بالإسكندرية سنة 697 وله قبر مشهور في الاسكندرية يتصل به مسجد كبير تدرس به العلوم الدينية.

ص: 15

فدعاه ذلك إلى دراسة الإنجيل والتوراة دراسة دقيقة، كما درس تاريخ ظهور المسيحية ثم أخذ يرد على أصحاب هذه الديانات «1» .

ويقول في إحدى قصائدة ينتقد الموظفين «2» :

نقدت طوائف المستخدمينا

فلم أر فيهمو حرّا أمينا

فكم سرقوا الغلال وما عرفنا

بهم فكأنهم سرقوا العيونا

ولولا ذاك ما لبسوا حريرا

ولا شربوا خمور الأندرينا

تنسك معشر منهم وعدّوا

من الزّهّاد والمتورّعينا

ويقول في الطوائف:

يقول المسلمون لنا حقوق

بها ولنحن أولى الاخذينا

وقال القبط نحن ملوك مصر

وإن سواهمو هم غاصبونا

وحلّلت اليهود بحفظ سبت

لهم مال الطوائف أجمعينا

* ويرجع شهرة هذه القصيدة إلى ما فيها من التنديد بالموظفين، والناس يبغضون الموظفين حين يعرفون بالطمع والاستبداد، ولها قيمة تاريخية، فيه شاهد على اختلاف الطوائف في مصر، وهي شاهد على عيوب الإدارة في ذلك الحين.

* ومن شعر البوصيري فيما يجري مجرى الدعابة قوله في الحديث عن جارية راودها عن نفسها فأنكرت عليه الشيب والضعف.

كيف أعصي الهوى وطينة قلبي

بالهوى قبل آدم معجونه

سلبته الرقاد بيضة خدر

ذات حسن كالدرة المكنونه

قلت لا بدّ أن تسيري إلى الدا

ر فقالت عسى: أنا مجنونه

* وعن سبب وضعه للبردة قال: «كنت قد نظمت قصائد في مدح

(1) مقدمة الديوان، ص 7.

(2)

هذه القصة ذكرها صاحب فوات الوفيات من قصيدة طويلة.

ص: 16

رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما كان اقترحه علي (الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير) ، ثم اتفق بعد ذلك أن صاحبني فالج أبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه فعملتها، واستشفعت بها إلى الله تعالى في أن يعافيني، وكررت إنشادها، ودعوت، وتوسلت، ونمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح وجهي بيده المباركة وألقى عليّ بردة. فانتبهت ووجدت فيّ نهضة فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحدا فلقيني بعض الفقراء، فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله فقلت: أيّها؟ فقال التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها وقال: والله لقد سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت رسول الله يتمايل وأعجبته، وألقى على من أنشدها بردة، فأعطيته إياها، وذكر الفقير ذلك وشاع المنام» .

* وفي هذه القطعة دلالة على عقلية البوصيري: فهو رجل فيه طيبة وسذاجة كأكثر الصوفية، فليس من المعقول أن يبرأ مريض من مرضه لاية يتلوها أو قصيدة ينشدها كما برىء البوصيري بقصيدته، ولو مرض مفتي الديار المصرية- لا سمح الله- ما استغنى بالبردة عن الطبيب.

ولعل حكاية البوصيري هذه هي سبب ما سار بجانب البردة من الخرافات، فقد ذكر بعض الشراح، لكل بيت من أبياتها فائدة: فبعضها أمان من الفقر، وبعضها أمان من الطاعون! وهذا النوع من الغافلة قديم «1» فقد كان الزمخشري يذكر شيئا من مثل هذا عن سور القرآن، ونلاحظ كذلك «صلى الله عليه وسلم» خمس مرات في هذه الفقرة القصيرة وتكرار الصلاة على النبي كلما ذكر اسمه من وساوس المتأخرين.

وقد زاد البوصيري على ذلك في القصيدة «المضرية» فهو يدعو الله أن يصلي على النبيّ وشيعته وصحبه عدد الحصى والثرى والمدر، وعدد نجم السماء،

(1) المدائح النبوية زكي مبارك ص 179.

ص: 17

ونبات الأرض، وعدد وزن مثاقيل الجبال، وقطر جميع الماء والمطر، وما حوت الأشجار من ورق وعدد الجن والأنس، والأفلاك وعدد الذر والنمل والحبوب، والشعر والصوف والريش والوبر.

وعدد ما أحاط به العلم المحيط، وما جرى به القلم والقدر، وعدد نعم الله على الخلائق مذ كانوا، ومذ حشروا، وعدد ما كان في الأكوان، وما يكون إلى يوم البعث وتكون هذه الصلاة بهذا التحديد.

في كلّ طرفة عين يطرفون بها

أهل السموات والأرضين أو يذروا

ملء السموات والأرضين مع جبل

والفرش والعرش والكرسي وما حصروا

ما أعدم الله موجودا وأوجد معدو

ما صلاة دواما ليس تنحصر

تستغرق العدّ مع جمع الدهور كما

تحيط بالحد لا تبقي ولا تذر

* وهذا النمط من الصلاة على النبي لم يكن معروفا في صدر الإسلام، وإنما هو تصرف من غلاة الصوفية أمثال صاحب «دلائل الخيرات» «1» .

* ومنام البوصيري كانت له أطياف في ذهن الصوفية، فقد استحبوا أن يقرأ المرء هذا البيت.

مولاي صلّ وسلم دائما أبدا

على حبيبك خير الخلق كلهم

بعد كل بيت من أبيات البردة.

وذكروا أن الغزنوي كان يقرؤها في كل ليلة ليرى النبي في منامه، فلم تتيسر له الرؤيا، فشكا ذلك إلى شيخ كامل فقال له: لعلك لا تراعي شرائطها؟

فقال: لا، بل أراعيها، فراقبه الشيخ ثم قال له: إنك لا تصلي بالصلاة التي كان يصلي بها الإمام (البوصيري) على النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله: مولاي صل وسلم.....

قالوا: وحكمة اختياره هذا البيت دون غيره أنه رحمه الله لما أنشأ هذه

(1) المدائح النبوية ص 180.

ص: 18

القصيدة رأى النبي في المنام، فأنشدها بين يديه، فكان يتمايل طربا كتمايل الأغصان، فلما انتهى إلى قوله:

«فمبلغ العلم فيه أنه بشر..» .

لم يقدر على تكميل البيت، فقال له عليه الصلاة والسلام: اقرأ، فقال إني لم أوفق للمصراع الثاني يا رسول الله فقال له الرسول قل:«وإنه خير خلق الله كلهم» .

فأدرج البوصيري هذا المصراع الذي قاله النبي في البيت المتقدم، وجعله صلاة مكررة بعد كل بيت حرصا على لفظ النبي عليه السلام.

وهذه المنامات تعليلها سهل، فحب البوصيري للرسول خلق منه قيثارة نبوية وإيمان الصوفية بعظمة البوصيري بالإضافة إلى قصيدته، وجّه أحلامهم إلى تصور الرسول في المنام بفضل الإكثار من تلاوة البردة مصحوبة بتلك الصلاة.

والبردة لا تمكن كل إنسان من الكرامات، وإنما تنفعل النفس بما تؤمن به في صدق وإخلاص، فتمثل الغرائب والأعاجيب.

وكذلك كانت البردة عند بعض الناس مفتاحا للمثول بين يدي الرسول، ورؤيا النبي حق: عند الصوفية، وعند الفقهاء.

ص: 19