المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر البردة 1- قصيدة البردة من القصائد الطوال، وأغلب الظن عندي - العمدة في إعراب البردة قصيدة البوصيري

[مؤلف العمدة في إعراب البردة]

الفصل: ‌ ‌عناصر البردة 1- قصيدة البردة من القصائد الطوال، وأغلب الظن عندي

‌عناصر البردة

1-

قصيدة البردة من القصائد الطوال، وأغلب الظن عندي أن البوصيري استأنس عند نظمها بميمية (ابن الفارض) . ودليل ذلك تشابه المطلعين، فإن مطلع قصيدة ابن الفارض «1» :

هل نار ليلى بدت ليلا بذي سلم

أم بارق لاح في الزّوراء فالعلم

أرواح نعمان هلّا نسمة سحرا

وماء وجرة هلّا نهلة بفم

ومطلع قصيدة البوصيري:

أمن تذكّر جيران بذي سلم

مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

أم هبّت الرّيح من تلقاء كاظمة

وأومض البرق في الظّلماء من إضم

فذو سلم، وهبوب الريح، وإيماض البرق: مما اشترك فيه الشاعران مع وحدة الوزن والقافية، يضاف إلى ذلك أن ابن الفارض قال:

يا لائما لامني في حبّهم سفها

كفّ الملام فلو أحببت لم تلم

فتابعه البوصيري فقال:

يا لائمي في الهوى العذري معذرة

مني إليك ولو أنصفت لم تلم

كما تابع شوقي البوصيري حين قال:

يا لائمي في هواه والهوى قدر

لو مسك الشوق لم تعذل ولم تلم

(1) المدائح النبوية ص 183.

ص: 20

وقال ابن الفارض:

طوعا لقاض أتى في حكمه عجبا

أفتى بسفك دمي في الحل والحرم

أصم لم يسمع الشكوى وأبكم لم

يحر جوابا وعن حال المشوق عمي

فدار البوصيري حول هذا المعنى إذ قال:

عدتك حالي لا سري بمستتر

عن الوشاة ولا دائي بمنجسم

محضتني النصح لكن لست أسمعه

إن المحب عن العذال في صمم

2-

وتشمل البردة على عدة عناصر:

1-

ففي صدرها النسيب.

2-

ويليه التحذير من هوى النفس.

3-

ثم مدح الرسول.

4-

والكلام عن مولده ومعجزاته.

5-

ثم القرآن.

6-

الإسراء والمعراج.

7-

والجهاد.

8-

ثم التوسل والمناجاة.

* وأما أثرها في التأليف، فيظهر فيما وضع لها من الشروح «1» ، فقد شرحها ابن الصائغ المتوفى سنة 776 وشرحها علي بن محمد القلصايّ- بفتحات- المتوفى سنة 891، وشرحها شهاب الدين بن العماد المتوفى سنة 808 وشرحها الشيخ خالد الأزهري المتوفى سنة 905، وشرحها علاء الدين البسطامي المتوفى سنة 875 وشرحها يوسف بن أبي اللطف القدسي المتوفى بعد الألف للهجرة. وشرحها يوسف البسطامي من علماء القرن التاسع،

(1) انظر المدائح النبوية ص 196.

ص: 21

وشرحها ملّا علي المتوفى سنة 1014 وشرحها شيخ زاده محي الدين.

ولكن أقدم نسخة من شرحه يرجع تاريخها إلى سنة 949 وشرحها جلال الدين المحلى المتوفى سنة 864، وشرحها محمد بن أحمد المرزوقي المتوفى سنة 881. وشرحها عبد الحق بن عبد الفتاح من علماء القرن الثاني عشر وشرحها زكريا الأنصاري المتوفي سنة 926 وشرحها عمر الخرنوبي من علماء القرن الثالث عشر. وشرحها القسطلاني المتوفي سنة 923 وهو شارح البخاري وشرحها محمد بن مصطفى المدني من علماء القرن الثاني عشر.

د وشرحها محد عثمان المير غني من علماء القرن الثالث عشر، وشرحها الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المتوفى سنة 1313.

وشرحها الباجوري المتوفى سنة 1276.

وفي دار الكتب المصرية شروح أخر لم يعرف مؤلفوها.

ولأكثر هذه الشروح أسماء شعرية، والبردة نفسها سماها المؤلف «الكواكب الدرية في مدح خير البرية» .

وعند النظر في هذه الشروح نراها مجموعات نفيسة تزخر بالفقرات اللغوية والأدبية والتاريخية، وشغل هؤلاء الشراح بالأدب واللغة والتاريخ ويرجع الفضل فيه إلى تصوف ذلك الشاعر المجيد.

* وأما أثرها في الدرس، فيتمثل في تلك العناية التي كان يوجهها العلماء الأزهريون إلى عقد الدروس في يومي الخميس والجمعة لدراسة «حاشية الباجوري على البردة» .

وهي دروس كانت تتلقاها جماهير من الطلاب، ويتخيرون لها أوقات الفراغ.

* وأما أثر البردة في الشعر والشعراء، فعظيم جدا، فقد ضمنوها، وشطروها، وخمسوها، وسبعوها، وعشروها، وعارضوها.

ص: 22

ومن الذين ضمنوها الشيخ قاسم (ولم نقف له على ترجمة) :

أمن تذكّر أوطان على علم

أم من تفقّد جيران بذي سلم

مزجت دمعا جرى كالقطر منهمرا

يجري على وجنة من مقلة بدم

ومن الذين شطروها- أحمد بن شرقاوي الخلفي- نسبة إلى قرية يقال لها:

الخليفة ملاصقة لمدينة جرجا، وبها توفي في سحر ليلة الجمعة التاسع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1250 وأول التشطير.

أمن تذكّر جيران بذي سلم

أصبحت ذا خلد بالوجد مصطلم

أم من تفتّت قلب في الحشا شغفا

مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

وأحمد بن عبد الوهاب الجرجاوي المتوفي سنة 1254 وأول التشطير:

أمن تذكر جيران بذي سلم

تصبّب الدمع يجري حاكي الدّيم

وأحمد بن عثمان العوامي المدفون بجرجا (ولم يعلم تاريخ وفاته) وأول التشطير:

أمن تذكر جيران بذي سلم

جزمت أنك مقصور على الألم

وعند ما هاجت الذكرى ولوعتها

مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

ورمضان حلاوة، من علماء آخر القرن الثالث عشر، وأوائل الرابع عشر، وأول تشطيره:

أمن تذكر جيران بذي سلم

لبست ثوبا من الأشواق والألم

أم من عيون ظباء بالعقيق بدت

مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

وأبو الهدى الصيادي، وأحمد الحفظي، وعبد الرحيم الجرجاوي، ومحمد فرغلي الطهطاوي، وشطرها أخيرا سعادة عبد العزيز بك محمد.

ومطلع تشطيره:

أمن تذكر جيران بذي سلم

فاضت شؤونك ملتاعا لبينهم

أم من فؤادك مكلوما لوحشتهم

مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

ص: 23

وقد نالته بركتها فعين وزيرا للأوقاف «1» ، ولعله يخمسها فيعين رئيسا للوزراء.

وأما الذين خمسوها فهم كثيرون، وفي دار الكتب المصرية مجموعة في تخاميس البردة تشتمل على تسعة وستين تخميسا، ومن أمثلة ذلك قول ناصر الدين الفيومي:

ما بال قلبك لا ينفك ذا ألم

مذبان أهل الحمى والبان والعلم

وانحل مدمعك القاني بمنسجم

أمن تذكر جيران بذي سلم

مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

ولكن لا بد من التنبيه إلى أن الذين خمسوا البردة لم يكونوا جميعا مصريين ففيهم رجال من المغرب والشام والعراق، وفي هذا ما يدل على أنها شغلت الشعراء في أكثر الأقطار العربية.

* ومن الذين سبعوها: شهاب الدين أحمد بن عبد الله المكي، وقد التزام في كل تسبيع لبيت من أبيات البردة أن يذكر لفظ الجلالة، وأول التسبيع:

الله يعلم كم في القلب من ألم

ومن غرام بأحشائي ومن سقم

على فراق فريق حلّ في الحرم

فقلت لما همى دمعي بمنسجم

على العقيق عقيقا غير منسجم

أمن تذكر جيران بذي سلم

وسبعها: محمد المصري، وهو من شرّاح البردة، والتزام في التسبيع أن يذكره أوّلا مصدّرا بلفظ (محمد) . كقوله في المطلع.

محمد جاء بالايات والحكم

مبشرا ونذيرا جملة الأمم

وهو معارضة (للمكي) الذي التزام لفظ الجلالة في أول تسبيع لكل بيت.

* وأما الذين عارضوا البردة، فيعدون بالعشرات، وإن جميع المدائح النبوية التي جاءت بعد البوصيري على الوزن والقافية كان أصحابها مسوقين

(1) المدائح النبوية في الأدب العربي ص (202) .

ص: 24

بالروح البوصيرية، وأشهر من عارضها أخيرا الشاعر محمود سامي البارودي الذي سمى قصيدته:«كشف الغمة في مدح سيد الأمة» وعدد أبياتها 447 بيتا.

والمطلع:

يا رائد البرق يممّ دارة العلم

واحد الغمام إلى حيّ بذي سلم

وعارضها: الشاعر: أحمد شوقي، وسمى قصيدته (نهج البردة) وقد نظمها في 1327 هـ ومطلعها.

ريم على القاع بين البان والعلم

أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم

* مات البوصيري سنة 696 هـ. وبعد موته بسنتين ولد أبو عبد الله محمد بن أحمد المعروف بابن جابر الأندلسي. وكان ضريرا، ورحل إلى المشرق، فدخل مصر والشام، واستوطن حلب ثم رجع إلى الأندلس، فتوفي في البيرة في جمادى الآخرة سنة 780 هـ «1» .

وقد افتتن ابن جابر بقصيدة البردة وظهر أثرها في شعره.

وشغل نفسه بمعارضتها، ولكن أيّ معارضة؟ لقد ابتكر فنا جديدا هو «البديعيات» وذلك أن تكون القصيدة في مدح الرسول، ولكن كل بيت من أبياتها يشير إلى فن من فنون البديع» «2» .

ومطلع هذه البديعية:

بطيبة انزل ويممّ سيّد الأمم

وانشر له المدح وانثر أطيب الكلم

ووضع (صفي الدين الحلي) المتوفي سنة (750 هـ) بديعته (الكافية البديعية في المدائح النبوية) على بحر البسيط وعلى روي الميم المكسورة ومطلعها.

(1) انظر ترجمة ابن جابر في نفخ الطيب ج 1 ص 916- 918، وانظر الكلام على شارح بديعيته في ص 923- 925 من نفح الطيب.

(2)

المدائح النبوية في الأدب العربي ص 204- 205.

ص: 25

إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم

واقر السّلام على عرب بذي سلم «1»

وأنشأ (عز الدين الموصلي) المتوفي سنة 789 قصيدة بديعية لمعارضة (الحلي) أسماها «التوصل بالبديع، إلى التوسل بالشفيع» .

وجاء العلامة: تقي الدين أبو بكر ابن حجة الحموي. المتوفى سنة 837 هـ وصرح بمعارضة، صفي الدين الحلي، وعز الدين الموصلي معا «2» ، ووضع شرحا مطولا لبديعيته، أسماه «خزانة الأدب وغاية الأرب» .

وجاء (ابن المقري) المتوفى سنة 837 هـ فأنشأ بديعية سماها: «الجواهر اللامعة في تجنيس الفرائد الجامعة للمعاني الرائعة» .

وجاء «السيوطي» فعارض «ابن حجة الحموي» ببديعية سماها: «نظم البديع في مدح خير شفيع» .

واندفع الناس في هذا الفن فللسيدة «الباعونية» بديعيتان، و «لأبي الوفاء بن عمر الفرضي» بديعية. وللسيد عبد الهادي الأبياري بديعية، وللشيخ «طاهر الجزائري» بديعية.

ولابن «خير الله الخطيب العمري» بديعية، ولعبد الغني النابلسي، بديعيتان، و «لقاسم بن محمد الحلبي» بديعية، «لصدر الدين الحسيني» بديعية، و «لشعبان الاثاري» بديعية «3» .

ولأكثر هذه البديعيات شروح فيها الوسيط والوجيز والمبسوط «4» ، وأكثر هؤلاء الشراح من المتفوقين في العلوم العربية، وفي شروحهم من الفوائد

(1) خزانة الأدب لابن حجة الحموي ج 1 ص 37.

(2)

انظر (البديعيات في الأدب العربي) د. علي أبو زيد.

(3)

جميع هذه البديعيات محفوظة بدار الكتب المصرية، وأكثرها بقسم البلاغة. وقد تكون هناك بديعيات أخرى لم تعرفها دار الكتب المصرية (المدائح النبوية) .

(4)

المدائح النبوية ص 207.

ص: 26

النحوية والصرفية، والبلاغية، واللغوية والأدبية، والتاريخية. فنون أكثرها من المستملح المستطاب.

ونلاحظ كيف أثرت قصيدة «البردة» في اللغة العربية وكيف ساد سلطانها بين العوام والخاص؟

إن الإخلاص هو الذي مكن البوصيري من ناحية المجد الأدبي، وهو الذي رفعه إلى منزلة الخلود.

ص: 27