الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4043 - باب الدعوى على كتاب أبي حنيفة
(1)
إذا ادَّعى أنَّه اشترى ثوبًا من زيد بمئة [دفعها إليه](2)، فادَّعى آخر أنَّه اشترى ذلك الثوبَ من زيد بمئة دفعها إليه، وأقاما بيِّنتين؛ فإن تقدَّم تاريخُ إحداهما، قُدِّمت على المذهب؛ فإنَّ الشراءَ حجَّة في المستقبل، وإن اتَّحد التاريخُ تعارضتا.
فإن قلنا بالتهاتر، فالقولُ قول زيد مع يمينه، وإن قلنا بالاستعمال، ففيه الأقوال، وقال الربيع: إذا لم نقل بالتهاتر، انفسخ العقدان، وهو بعيدٌ مزيَّف.
فإن قلنا بالقرعة، سُلِّم الثوبُ إلى مَنْ خرجت قرعتُه، وبرئ من الثمن، ورجع صاحبُه بالثمن على زيد.
وإن قلنا بالوقف، انتُزع الثمنان وعدِّلا، وانتُزع الثوبُ ووُقِف بينهما إلى الاصطلاح.
وإن قلنا بالقسمة، جُعل الثوبُ بينهما نصفين، ورجع كلُّ واحد منهما
(1) قال الجويني: "مضمون الباب مسائلُ أخذها الشافعيُّ من كتب أصحاب أبي حنيفة، وخرَّجها على قياس مذهبه، فأودعها المزنيُّ [في "مختصره"] في هذا الباب". انظر: "نهاية المطلب"(19/ 153).
(2)
ساقطة من "س".
بنصف الثمن، وثبت له (1) الخيار، فإن أجاز أحدُهما العقدَ، فللآخر أن يفسخَ ويرجع بالثمن، فإن طلب الأوَّلُ أن يُرَدَّ إليه النصف الذي فسخ فيه الثاني، لم نجبه إلى ذلك، وإن فسخ الأوَّل، فطلب الثاني جميعَ الثوب، ففي إجابته وجهان.
وقال الإمام: إن فسخ الأوَّلُ، سُلِّم الثوبُ إلى الثاني اتفاقًا، وإن أجاز فسخ الثاني، ففي ردِّ النصف الآخر إلى المجيز وجهان، فمن فسخ منهما، رجع بالثمن، ومَنْ أجاز، رجع بالنصف، ومَنْ أخذ الثوبَ، فقد استوفى حقَّه، وإن كانت البيِّنتان مطلَقَتَين؛ فإن قلنا بالتهاتُر عند تحقُّق التناقض، ففي التهاتر هاهنا وجهان، فإن قلنا: لا تتهاتران، فوجهان:
أحدُهما: تسقطان في رقبة الثوب، ويُلزم زيد بردِّ الثمنين؛ إذ لا تناقضَ فيهما بين البيِّنتين، فيكون استعمالًا من وجه، وتهاترًا من وجه.
والوجه الثاني: إجراء أقوال الاستعمال، وخالف أبو محمَّد في قول القرعة؛ ظنًّا منه أنها تميَّز الصادقةُ من الكاذبة، فإذا أمكن صدقُهما، فلا معنى للقرعة، وهذا وهم؛ فإنَّ القرعةَ لا تميِّز صادقًا من كاذب، وقد تخرج للكاذب، وإنَّما تجري لتمييز شخصين مستويين ظاهرًا في سبب الاستحقاق.
وإن ادَّعى دارًا بيد زيد، وزعم أنَّها ملكُه اشتراها من عمرو، فادَّعى آخرُ أنَّها ملكُه اشتراها من بكر، وأقاما بيِّنتين؛ فإن أثبت كلُّ واحد منهما ملكَ البائع حال العقد، تعارضت البيِّنتان.
وإن ادَّعى أنَّه اشترى الدارَ من داخل، لم يُشرط أن يقولَ: بعتُها وأنت
(1) سقط من "س".
تملكها، فإنَّ ذلك لا يشرط إلَّا إذا كان البائعُ غيرَ داخل، فإذا أثبت الشراءَ، وأثبت ملكَ البائع ببيِّنة الشراء، أو بغيرها، ثبت ملكُ البائع، وإن لم يأذن له في إثباته.
ولو كان بيد زيد ثوبٌ، فادَّعى عليه إنسانٌ أنَّه اشترى منه ذلك الثوبَ بمئة، وطالبه بها، وادَّعى آخرُ أنَّه باعه ذلك الثوبَ بمئة، وطالبه بها، أُقِرَّ الثوبُ بيد زيد، وللبيِّنتين حالان:
إحداهما: أن تكونا مطلقتين، فيلزمه الثمنان على الأصحِّ؛ لانتفاء التهاتر، وبه قطع الإمامُ، وأبعد مَنْ خرَّج قولي التهاتر والاستعمال، فإن قلنا بالتهاتر، سقط الثمنان، وإن قلنا بالاستعمال، فوجهان:
أحدُهما: يلزمه الثمنان.
والثاني: التخريجُ على الأقوال، فإن قلنا بالقرعة، فخرجت لأحدهما، فاز بالثمن، وخاب الآخر، وإن قلنا بالوقف، وقفت الخصومةُ، وإن قلنا بالقسمة، أخذ كلُّ واحد نصفَ ثمنه.
الحال الثانية: أن يتَّحد التاريخ؛ مثل (1) أن توقِّت كلُّ واحدة لفظ الشراء ببدوِّ أوَّل قرص الشمس من يوم معلوم، فتتعارضان، فنُجري قولي التهاتر والاستعمال، وهذا التوقيتُ ممَّا لا يدركه الحسُّ، بل هو كقولنا: فعل متَّحد، وجوهر فرْد، ولو صحَّ ذلك، فشهدت بينة بإقرار في وقت معيَّن، فأقام المقِرُّ بينة بأنَّه كان يُسبي في ذلك الوقت، لتعارضت البينتان؛ إذ لا يتصور اجتماع كلامين في وقت واحد.
(1) ساقطة من "س".