الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3956 - باب الامتناع من اليمين
إذا حلف المدَّعى عليه اليمينَ المشروعة، خلص من الخصومة، فإن كان الحقُّ (1) ثابتًا، لم يسقط، وإن كان للمدَّعي بينة، فله إقامتُها بعد يمينه، فإن قال: لا بينةَ لي، ثمَّ أقام بينة؛ فإن قال: لم يكن لي علمٌ بها قُبلت، وإن قال: لا بينة لي حاضرة ولا غائبة، ثمَّ أقام بينة، فوجهان، وإن أثبت الحقَّ بعدلين، ثمَّ قال: كذبا، وشهدا بالباطل، بطلت شهادتُهما، وفي بطلان الدعوى من أصلها وجهان، فإن قلنا: تبطل، لم تُسمع بعد ذلك، وإن شهد له عدلان آخران.
وإن أثبت مالًا بعدلين، فادَّعى الخصمُ أنَّه أكذب شاهديه، وأقام بذلك شاهدًا ليحلفَ معه؛ فإن أبطلنا الدعوى بالتكذيب، حلف مع شاهده، وسقط المالُ، وإن لم نبطلها بالتكذيب، لم يحلف؛ لأنَّ جرحَ الشهود لا يثبت إلَّا برجلين عدلين، وإن لم يكن للمدَّعي بينة، وطلب تحليفَ الخصم، عُرضت عليه اليمينُ، فإن نكل، لم يُحكم عليه بالحقِّ، بل تُردُّ اليمينُ على المدَّعي، فإن حلف، ثبت حقُّه، وليس للحاكم أن يحكمَ بنكوله حتَّى يظهرَ له امتناعُه، فإن جوَّز أن يكونَ الامتناعُ لدهشةٍ، أو جهل بعرض اليمين، لم يحكم بنكوله،
(1) ساقطة من "س".
وإذا ظهر النكولُ، فالمستحبُّ أن يعرضَ عليه اليمين ثلاثَ عرضات، فإن أصرَّ، حكم بنكوله، وردِّ اليمين، وإن حكم بالنكول في العرضة الأولى، جاز، ويُستحبُّ أن يعلمَه أنَّه يقضي بنكوله إن أصرَّ على الامتناع، فإن كان جاهلًا بردِّ اليمين، فحكم بنكوله لمَّا ظهر امتناعُه، ولم يعرِّفه بذلك، فالأوجهُ صحَّة الحكم بنكوله، وفيه احتمال.
هذا كلُّه إذا لم يصرِّح بالنكول وبالامتناع من اليمين، فإن صرَّح بذلك، فقال: لست أحلف، أو قال: نكلت، أو أنا ناكل، فلا حاجة إلى الحكم بنكوله عند الإمام.
وقال الأصحابُ: لا يُحكم بالنكول إلَّا إذا قال له: احلف، فامتنع، فإن قال: أتحلف؟ فامتنع، لم يحكم بنكوله، فإن ابتدر، فحلف، لم يُعتدَّ بيمينه؛ فإنَّ الاستفهامَ ليس باستحلاف، والأولى أن يقولَ: أتحلف؟ فإن قال: نعم، قال: قل: بالله، وإذا قال: نكلت، أو قال الحاكم: حكمت بنكولك، أو قال للمدَّعي: احلف، فأراد المدَّعى عليه أن يحلفَ، لم يكن له ذلك إن لم يرض المدَّعي، وإن رضي، فوجهان أظهرُهما الجوازُ.
ولو أقبل على المدَّعي هامًّا بتحليفه، وأراد المدَّعى عليه أن يحلفَ، فهل له ذلك؟ فيه وجهان.
وإن سكت المدَّعى عليه عن جواب الدعوى، قال له الحاكم: أجب، فلستَ بأصمَّ، ولا أبكمَ، فإن أصرَّ، جعله منكرًا، وعرض عليه اليمينَ، فإن أصرَّ على سكوته؛ فإن لم يظهر سببٌ مُسْكِت، جُعل ناكلًا عن اليمين.
ومتى عُرضت يمين الردِّ على المدَّعي، وامتنع من غير عُذْر،
ولا استمهال، حُكم بنكوله في الحال، وكان نكولُه كحلف المدَّعى عليه عند الأصحاب، فإن طلب يمينَ المدَّعى عليه بعد ذلك، لم يجبه إلى تحليفه؛ لما فيه من الدور، والتسلسل.
فإن امتنع المدَّعي من الحلف، وقال: أمهلوني لأستفتي، وأتثبَّتَ في أمري، أو أطالعَ الحساب، فالمذهب: أنَّه لا يُمهل أكثرَ من ثلاثة أيَّام، ولو طلب المدَّعى عليه الإمهالَ لمثل ذلك، لم يجبه إليه.
وقال بعضُ الأصحاب: لا غايةَ لإمهال المدَّعي إذا لم يصرِّح بالنكول، ويمينه كالبيِّنة، فله أن يأتيَ بها متى شاء، والأوَّل أصحُّ؛ فإنَّا لو لم نحكم بنكوله، لرفع خصمه في كلِّ وقت إلى المجلس، فلا يتفرغ الحاكمُ من خصامهما إلى شغل آخر.
وقال الإمامُ: إذا أحضر الحاكمُ الخصمَ بالاستعداء حيث لا بيِّنة، وجب على الحاكم أن يقولَ للمدَّعي: إما أن تُحلِّف خصمَك، أو تقطع عنه الطلبَ، والرفعَ إلى المجلس، فإن أقام شاهدًا واحدًا، فإن حلف، ثبت حقُّه، وإن لم يحلف، قال له: إما أن تحلِّفه، أو تقطع مطالبته، فإن امتنع من تحليفه، عرَّفه أنَّه يمنعه من رفعه في تلك الخصومة إلى المجلس، وليس له إعادتُه إليه إلَّا أن يجدَ بينة كاملةً، وإن استمهل، أمهل ثلاثًا، ولا يُخرَّج فيه الوجه الآخر؛ بأنَّ له الحلفَ متى شاء؛ فإنَّ المدَّعى عليه إذا قال للمدَّعي في يمين الردِّ: إمَّا أن تحلفَ أو تنكل، فالمدَّعي يقول له: إما أن تقرَّ أنت أو تحلف، وهاهنا يقول المدَّعى عليه: إمَّا أن تحلفَ مع شاهدك، أو تحلِّفني وتخلِّصني.
* * *