الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني المعنعن:
وهو: ما قيل فيه: فلان عن فلان، من غير تصريح بتحديث أو إخبار أو سماع. وهو متصل على رأي الجمهور، قال الحاكم: هي متصلة بإجماع أئمة أهل النقل، على تورع رواتها عن أنواع التدليس (1)، وهو الصحيح على ما تقدم بيانه في تعريف المسند، وقد شرط العلماء ثلاثة شروط، يجب توفرها في الرواة هي: العدالة، وثبوت التلاقي، والبراءة من التدليس، وذكر الحافظ العراقي شروطا أخرى للسمعاني الجد، وأبي عمرو الداني، وأبي الحسن القابسي، وقال: وهذا داخل فيما تقدم، وذكر أن مسلما اعترض على شرط اللقاء، - وهو مذهب الإمام البخاري، وشيخه علي بن المديني رحمة الله على الجميع - وقال: إنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه، وأن المعاصرة كافية، وهو ما سار عليه في كتابه الصحيح، واشتد رحمه الله في الدفاع عن رأيه عدم اشتراط اللقاء، وشدد النكير على مخالفيه (2)، وقال ابن الصلاح: وفيما قاله نظر (3)، أي لأنهم كثيرا ما يرسلون عمن عاصروه ولم يلقوه، فاشترط لقيهما لتحمل العنعنة على السماع (4)، وقد اختلف العلماء في المعني بكلام مسلم
(1) أي: على شرط تورع رواتها. انظر (معرفة علوم الحديث ص: 34، وتدريب الراوي ص: 132).
(2)
بتصرف من (مقدمة صحيح مسلم 1/ 28 - 29 وقد تكلم بعض منتحلي الحديث) وما بعدها.
(3)
انظر (مقدمة علوم الحديث 56 - 60) بتصرف.
(4)
انظر (التبصرة 1/ 163 - 1164، وفتح الباقي 1/ 163 - 164، ) بتصرف.
هذا بين أن يكون أراد به البخاري أو علي بن المديني (1) رحمة الله على الجميع، وقد كتب فيه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة تتمة رجح فيها أن المعني بذلك الإمام على بن المديني (2)، والذي أراه أن مسلما أراد الإمامين البخاري، وشيخه علي بن المديني، لأن هذا مذهبهما ويتجه نكير الإمام مسلم على البخاري باعتباره جعل ذلك أحد الشروط التي بنى عليها تأليف كتابه الصحيح، وربما اغتفر مسلم هذا للبخاري إذ لم يعمم هذا، وجعله قاصرا على ما رواه معنعنا في الصحيح، ولأن ما احتج به الإمام مسلم من أن أحاديث اتفق الأئمة على صحتها، ومع ذلك ما رويت إلا معنعنة، ولم يأت في خبر قط أن بعض رواتها لقي شيخه، لا يتم إلزام الإمام البخاري به إلا إذا روى في صحيحه حديثا معنعنا، ولم يثبت لقي راويه لشيخه فيه، ومن هنا اتجه شرط البخاري، وكان هو الأحوط (3)، وبقي النكير ساريا في حق الإمام ابن المدينى للعموم عنده، وكما قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: رحمة الله تعالى على مسلم ومخالفيه، فكل منهما قصد الحفاظ على السنة المطهرة، فمسلم أراد الحفاظ عليها من أن يعطل شطر كبير منها، بالتشدد في شروط قبولها، فكان ذلك في نظره من باب التعنت على السنة والإلغاء لها، لا من
(1) انظر ما حرره ابن رجب رحمة الله علينا وعليه (شرح علل الترمذي 265 - 286، ولخصه الشيخ عبد الفتاح في تتمته على الموقظة ص: 125 - 127).
(2)
انظر (الموقظة - التتمات ص: 134) ..
(3)
انظر (النكت 2/ 596، 598). وقد لخصه الشيخ عبد الفتاح في (تعليقه على التتمة الثالثة على الموقظة ص:
…
123).
باب زيادة التثبت والاستيثاق من صحتها، فمن هنا اشتدت غضبة مسلم وقست لهجته، ومخالف الإمام مسلم أراد الحفاظ على السنة، بأن لا يحتج منها إلا بما ثبت بأحوط الطرق في ثبوتها (1)، ولذا كان هو رأي جمهور المتقدمين، قال النووي رحمة الله علينا وعليه: وهذا الذي صار إليه مسلم، قد أنكره المحققون، وقالوا: هذا الذي صار إليه ضعيف، والذي رده هو المختار، ووصف بأنه الأصوب الأقوى، وأنه المختار، وأنه أحوط (2)، والحق أن الرأيين يلتقيان في مبدأ الذود عن السنة المطهرة، ولا غرابة فالإمامان البخاري ومسلم إماما هذا الفن بغير منازع، من عصرهما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لذلك تلقت الأمة عملهما بالقبول (3)، ولم يخرجوا أحاديث مسلم المعنعنة من دائرة الصحيح، وهم متفقون على أن ما في كتابه صحيح، وجمع مع كتاب البخاري في تسمية واحدة "الصحيحين" فجمهور المتقدمين على
(1) انظر (التتمة الثالثة على الموقظة ص: 123، 121) وقد تصرفت بالتنسيق فقط.
(2)
انظر (شرح علل الترمذي 268 - 273، والسير 12/ 573، مقدمة صحيح مسلم 1/ 128) ..
(3)
موضوع تلقي الأمة لكتابيهما بالقبول، بينه الإمام ابن تيمية رحمة الله علينا وعليه فقال: الخبر الذي تلقاه الأمة بالقبول تصديقا له أو عملا بموجبه، يفيد العلم عند جماهير الخلف والسلف، وهذا في معنى المتواتر، لكن من الناس من يسميه المشهور والمستفيض، ويقسمون الخبر إلى متواتر ومشهور وخبر واحد، وإذا كان كذلك فأكثر متون الصحيحين معلومة متيقنة، تلقاها أهل العلم بالحديث بالقبول والتصديق وأجمعوا على صحتها، وإجماعهم معصوم من الخطأ، كما أن إجماع الفقهاء على الأحكام معصوم من الخطأ، ولو أجمع الفقهاء على حكم كان إجماعهم حجة، وإن كان مستند أحدهم خبر واحد أو قياس أو عموم، فكذلك أهل العلم بالحديث إذا أجمعوا على صحة خبر أفاد العلم، وإن كان الواحد منهم يجوز عليه الخطأ، لكن إجماعهم معصوم عن الخطأ (مجموع الفتاوى 18/ 48 - 49) ولمزيد العلم، انظر (توجيه النظر 1/ 317 - 329) ..
ما قاله ابن المديني والبخاري، وكثير من العلماء المتأخرين على ما قاله مسلم، ويلتئم الشمل بأن مذهب البخاري وشيخه ومن شايعهما فيه حيطة، ومذهب مسلم ومن تبعه فيه سعة لقبول ما روي معنعنا من المتعاصرين، لإمكان اللقاء، وليعلم أن الخلاف بين الفريقين إنما هو في الحديث
…
المعنعن، وبناء عليه رُجحت عنعنة البخاري على مسلم، وليعلم أن الأحاديث المعنعنة إذا سلم رواتها من التدليس فهي متصلة بإجماع أئمة أهل النقل، أما ما روي بنحو: حدثنا، وأخبرنا، وسمعت فرواية الشيخين فيه سواء في هذه القضية (1).
(1) بتصرف من (توضيح الأفكار 1/ 44، وتوجيه النظر 1/ 404).