الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفضلية التنزل:
حكى هذا بعض أهل النظر وقال: التنزل في الإسناد أفضل، لأنه يجب على الراوي أن يجتهد في متن الحديث وتأويله، وفي الناقل وتعديله، وكلما زاد الاجتهاد زاد صاحبه ثوابا، ورد هذا بأنه ضعيف، ضعيف الحجة، لأن كثرة المشقة ليست مطلوبة لنفسها، ومراعاة المعنى المقصود من الرواية وهو الصحة أولى، وهذا مثله مثل من يترك طريقا أقرب إلى المسجد، ويسلك آخر أطول طلبا لكثرة الخطى وإن أداه سلوكها إلى فوات الجماعة التي هي المقصود (1).
أقسام العلو في الإسناد:
قسم العلماء العلو في الإسناد إلى خمسة أقسام، كلها مشروطة بصحة الإسناد.
1 -
القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث العدد بإسناد نظيف غير ضعيف، وهذا أجل أنواع العلو وأفضلها، وهو علو مطلق، ويعتبره بعض العلماء قربة إلى الله عز وجل، وآخر من كان في الدنيا بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية رجال ثقات هو محمد بن علي بن أحمد بن البخاري (2)، ولا قيمة لعلو مع ضعف بعض الرواة، ولا يفرح به إلا العوام.
(1) انظر (المحدث الفاصل 216، ومقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح 263 والتبصرة 2/ 252 - 253)
(2)
ولد في جماى الآخرة، سنة (651) إحدى أو اثنتين وخمسين وستمائة من الهجرة، قال ابن حجر رحمة الله علينا وعليه: كان فيه شهامة وعنده مروءة، وكان شجاعا قوي النفس كريما قد خرج له ابن المحب جزءا وحدث به، مات في ذي القعدة، سنة (726) ست وعشرين وسبعمائة من الهجرة. (الدرر 4/ 174).
2 -
القرب إلى إمام من أئمة الحديث، وهو علو نسبي، وإن كثر العدد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يكن من أرباب الكتب الستة.
3 -
العلو المقيد بالنسبة إلى رواية الصحيحين أو أحدهما وبقية الكتب الستة، وهو علو نسبي أيضا فإن سند الحديث المروي من طريقها يكون أنزل مما روي من غير طريقها، وقد يكون عاليا مطلقا أيضا، مثاله: حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا (يوم كلم الله موسى عليه السلام كان عليه جبة من صوف)(1)، وهذا القسم اشتهر آخرا بالموافقات والأبدال والمساواة والمصافحة، وأقسام العلو الثلاثة مردها علو المسافة، وهو قلة العدد، وليعلم أن هذا النوع من العلو تابع لنزول في الغالب، إذ لولا نزول ذلك الإمام لم يعل الآخر في إسناده، وقد يحصل لكل منهما العلو كما في حديث ابن مسعود المتقدم.
4 -
علو تقدم الوفاة، مثاله ما يرويه الراوي من طريق البيهقي (ت 458)، عن الحاكم أبي عبد الله، فإنه أعلى مما يرويه من طريق أبي بكر بن خلف (ت 487)، عن الحاكم، وإن تساوى الإسنادان في العدد، لتقدم وفاة البيهقي على وفاة ابن خلف.
5 -
علو تقدم السماع، وبينه وبين سابقه تداخل، ومما يمتاز عنه ولا يدخل فيه: أن يسمع شخصان من شيخ واحد، وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا، وسماع الآخر من أربعين سنة، فإذا تساوى السند إليهما في العدد،
(1) أخرجه الترمذي في (4/ 224) كتاب اللباس، باب (10) حديث (1734).