المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الباب الأول في المتعاقدين بالساعة من القرار جزءا مشاعا منه] - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ٢

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ]

- ‌[كِتَابِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[تَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ وَالْعُيُونِ بِإِيضَاحِ حُكْمِ بَيْعِ سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ]

- ‌[الْبَاب الثَّالِثِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ قَرَارٍ وَلَا مَاءَ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ لَمْ يُرِيدَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ أَوْ الْمَاءِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ التَّنَاقُض فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَالْقَرَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَاءِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْم عُيُونِ الْحِجَازِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي حُكْمِ الْقَاضِي وَفِيهِ فَصْلَانِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُنْقَضُ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

- ‌[بَابُ التَّحَالُفِ]

- ‌[بَابُ مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الْقَرْضِ]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ التَّفْلِيسِ]

الفصل: ‌[الباب الأول في المتعاقدين بالساعة من القرار جزءا مشاعا منه]

يُرِيدَاهُ لَكِنَّهُ عُرْفُهُمَا حَالَ الْعَقْدِ وَيَبْطُلُ فِيمَا إذَا أَرَادَا بِهَا جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي وَالْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا غَيْرُ صَحِيحٍ وَنَقْضُ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ كَمَا هُنَا فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْهُمْ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ رَدًّا عَلَى الْقَاضِي ابْنِ خَلِّكَانَ لَمَّا خَالَفَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَقْضَى لِلضَّرُورَةِ إذَا وَافَقَ مَذْهَبَ الْغَيْرِ لَا يَنْقُضُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ أَيْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَة وَهُوَ الْأَصَحُّ.

وَحُكْمُ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ وَعِبَارَتُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ الصِّحَّةُ مَصُونٌ عَنْ النَّقْدِ كَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ أُحَطَّ رُتْبَة مِنْهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَدْعِي ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةَ صِيغَتِهِ وَكَوْنَ التَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّهِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ يَسْتَدْعِي الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَهُمَا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةُ الصِّيغَةِ انْتَهَتْ وَاعْتَمَدَهَا الْكَمَالُ السُّيُوطِيّ فِي جَوَاهِرِهِ وَالتَّنْظِيرُ فِيهَا إنْ سَلَّمَ لَيْسَ لِمَا يَرْجِعُ لِرَدِّ مَا قَالَهُ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ لِصِحَّةِ الصِّيغَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يُنَافِيهَا قَوْلُ غَيْرِهِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ إنْ صَحِيحًا فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَاسِدًا فَفَاسِدٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ صَحَّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الثَّالِثِ فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَسَدَ لِفَقْدِهِ فَفَاسِدٌ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ فَالْحُكْمَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَيْهَا وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فَتَصَرُّفُ الْحَاكِمِ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ فِي قَضِيَّةٍ رُفِعَتْ إلَيْهِ وَطَلَب فَصْلهَا حُكِمَ مِنْهُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُطَابِقَةً لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَاتٍ مِنْهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ وَإِذْنُهُ وَفِيهَا قَرَائِنُ دَالَّة عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ وَكُلّ سَاعَةٍ قِيرَاطَانِ إذْ الْمَعْنَى الَّتِي قَدْرُهَا قِيرَاطَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْن كَذَا وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَخَيَّلُ فَقِيهٌ الْبُطْلَانَ فِيهِ وَمِنْهَا قَوْلُ الْمُوَثَّقِ مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ إذْ لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْأُولَتَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَلِمَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلَالَة اللَّفْظِ عَلَى مَا أَرَادَهُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِنَظَائِرِهَا فِي كَلَامِهِمْ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِلتَّصْرِيحِ بِنَظِيرِهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَقَاعِدَةُ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ وَأَنَّ دَعْوَى الصِّحَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَعْوَى الْفَسَادِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْن الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ يُؤَيِّدَانِ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَهُ.

وَإِذَا تَعَارَضَ حُكْمٌ وَإِفْتَاءٌ فَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ عُلِمَ حُكْمُهَا فِي الْمَذْهَبِ قُدِّمَ مُوَافِقُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي حَادِثَةٍ مُوَلَّدَةٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ كَصُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّا لَمْ نَعْلَمْ لِلْبُلْقِينِيِّ فِيهَا سَلَفًا وَلَا خَلَفًا مُوَافِقًا وَلَا مُخَالِفًا فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ وَالِاسْتِنْبَاطِ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِإِفْتَاءِ الْمُفْتِي وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي أَعْلَمَ وَإِنْ تَأَهَّلَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي وَحْدَهُ تَعَيَّنَ عَلَى الْحَاكِم الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَإِلَّا تَأَتَّى فِي نَقْضِهِ مَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهُ]

وَإِذْ قَدْ انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْمُقَدَّمَةِ فَلْنَشْرَعْ الْآنَ فِي ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْجَوَابَيْنِ السَّابِقَيْنِ مُفْرِدِينَ لِكُلِّ حَالٍ بَابًا فِيهِ الْبُرْهَانُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِمْ فَنَقُولُ.

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي ذِكْرِ الْحَالِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ الْمُتَعَاقِدَانِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مُشَاعًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي هُوَ الْمَجْرَى أَوْ الْمَنْبَعُ أَوْ مَا يَتَحَصَّلُ الْمَاءُ فِيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كُلٍّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ حِينَئِذٍ وَقَدَّمْنَا دَلِيلَ ذَلِكَ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ صَرَّحُوا بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْجَوَاهِرِ وَزَادَ فِيهِ تَفْصِيلًا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزِيدَك صَاعًا فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ هِبَةَ صَاعٍ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهُ صَاعًا آخَرَ مِنْ غَيْرِ الصُّبْرَةِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّاع مَجْهُولًا فَهُوَ بَيْعٌ مَجْهُولٌ وَإِنْ كَانَ

ص: 172

مَعْلُومًا لَمْ يَصِحَّ إذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لِأَنَّهُ يَجْهَلُ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَجُمْلَتُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَزِيدَهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ وَأَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ عَشْرَةَ آصُعٍ كَانَ الثَّمَنُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ فَيَنْظُرُ إنْ كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حِصَّةَ كُلِّ صَاعٍ.

وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الصِّيعَانِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَمُعْظَمُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ فَقَدْ بَاعَهُ كُلَّ صَاعٍ وَتُسْعَ سَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَأَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ كُلَّهُمْ جَزَمُوا بِهِ سِوَى الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَلِطَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ فِي ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ وَإِنْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك صَاعًا فَإِنْ أَرَادَ ضَمَّ صَاعٍ إلَيْهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ تِسْعَةُ آصُعٍ أَخَذَتْ مِنْك عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ الصِّيعَانُ مَجْهُولَةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْجُمْهُورُ وَغَيْرُهُمْ صِحَّةُ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَتْ تِسْعَةَ آصُعٍ فَقَدْ بَاعَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَتُسُعٍ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ اهـ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ لِأَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا الْبُطْلَانَ وَالصِّحَّةَ عَلَى إرَادَتِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ ظُهُورِهَا فِي الْمَعْنَى الْمُبْطِلِ إذْ قَوْلُهُ عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ أَوْ عَلَى أَنْ أَنْقُصَكَ ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِي الشَّرْطِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْظُرُوا.

وَالْمُجَرَّدُ اللَّفْظُ فِيهِ بَلْ عَلَّقُوا الْحُكْمَ بِإِرَادَتِهِمَا إنْ أَرَادَا شَيْئًا وَإِلَّا فَالْبُطْلَانُ عَمَلًا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَإِذَا أَنَاطُوا الْحُكْمَ بِالْإِرَادَةِ هُنَا فَأَوْلَى فِي مَسْأَلَتِنَا لِمَا سَتَعْلَمُهُ مُوَضَّحًا مَبْسُوطًا وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمَا إذَا أَرَادَا بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ مَا قَدَّمْته آنِفًا صَحَّ الْبَيْعُ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ آخِرَ كَلَامِهِ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ فِي أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِرَادَةَ يُرْجَعُ إلَيْهَا وَإِنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ أَوْ قَصَّرَ عَنْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا بِأَنْ كَانَ مَدْلُولُهُ لَا يَفِي بِهَا وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ بِعْتُكهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك صَاعًا دَالٌّ عَلَى رَدِّ صَاعٍ إلَيْهِ بِأَنْ يُسْقِطَهُ عَنْهُ فَلَا يَحْسَبُ فِي مُقَابَلَتِهِ ثَمَنًا فَرَدَّ الصَّاعَ إلَيْهِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ هُوَ مَدْلُولُ هَذَا اللَّفْظِ الْمَفْهُومِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ فَإِذَا أَرَادَ خِلَافَ هَذَا الْمَدْلُولِ وَهُوَ أَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ تِسْعَةَ آصُعٍ أُخِذَ مِنْهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ وَصِيعَانُهَا مَعْلُومَة صَحَّ الْبَيْعُ نَظَرًا لِهَذِهِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ.

وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ ظَاهِر فِيمَا مَرَّ هُوَ مُحْتَمَلٌ لِذَلِكَ الْمُرَادِ فَصَحَّتْ إرَادَته مِنْهُ وَلَوْ عَلَى بَعْد وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّحُوا الْبَيْع نَظَرًا لِهَذِهِ الْإِرَادَةِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى قَوْلِ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْعِبَارَةَ تَقْصُرُ عَنْ هَذَا الْحَمْلِ وَوَجْهُ مَا نَظَرُوا إلَيْهِ مَا ذَكَرَتْهُ مِنْ أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا قُصُورَهَا عَنْ الْحَمْلِ بِاعْتِبَارِ مَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِهَا بِبَادِئِ الرَّأْيِ إلَّا أَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ تَحْتَمِلُهُ وَإِذَا احْتَمَلَتْهُ صَحَّتْ إرَادَته مِنْهَا وَلَوْ عَلَى بَعْد كَمَا تَقَرَّرَ بِنَاء عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَفِ بِهِ قَرَائِن تُفِيد الْعِلْمَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَهَذَا كُلّه أَعْدَلُ شَاهِدٍ وَأَظْهَرُ دَلِيل عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ إذَا أَرَادَا فِي مَسْأَلَتِنَا بِالسَّاعَةِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا مَا قَدَّمْته صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّفْظَ يَقْصُر عَنْ هَذَا الْمُرَادِ فَكَيْفَ وَاللَّفْظ ظَاهِرٌ إذْ مِنْ فِي قَوْلهمَا جَمِيع الْحِصَّةِ السَّقِيَّة الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَا تَحْتَمِلُ هُنَا عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ وَإِلْمَامٍ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ النَّحْوِ غَيْر التَّبْعِيضِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا لِبَيَانِ مَحَلِّ الْبَيْعِ فَقَدْ سَاءَ فَهْمُهُ وَطَغَى قَلَمُهُ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى عِبَارَتِهِ مِنْ سُوءِ التَّحْرِيفِ وَالْغَلَطِ مَبْسُوطًا فِي الْخَاتِمَةِ.

وَإِذَا كَانَتْ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ كَانَتْ صَرِيحَةً فِي اتِّحَادِ مَا بَعْدَهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا مَفْهُومًا وَحَقِيقَةً فَهِيَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ إذْ لَا يُقَالُ سَاعَة مِنْ مَحَلِّ ذَلِكَ إلَّا مَعَ رِعَايَةِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ فَوَجَبَ النَّظَرُ إلَيْهَا لِدَلَالَةِ مِنْ عَلَيْهَا وَعَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ غَيْر مَفْهُومِهَا اللُّغَوِيِّ وَكَفَى مِنْ قَرِينَةٍ عَلَى هَذَا التَّجَوُّزِ الظَّاهِرِ وَقَدْ عَوَّلَ الْفُقَهَاءُ عَلَى

ص: 173

مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ غَيْرِهَا الْمَرْجُوحِ إلَّا عَلَى بَحْثٍ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتِهِ لَا إذَا قَالَ بِعْتُك مِنْهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَيَنْتَفِي التَّخْمِينُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَوْ قَصَدَا بِمِنْ ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ أَوْ أَنَّهَا بَيَانٌ لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ صَحَّ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى قَصْدِ ذَلِكَ أَوْ أَطْلَقَا انْتَهَتْ فَتَأَمَّلْ كَيْف أَخَذُوا بِمَعْنَى مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِظُهُورِهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِهَا بَيَانِيَّةً أَوْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ إلَّا عَلَى ذَلِكَ الْبَحْثِ الْمُقَيَّد بِمَا إذَا أَرَادَ بِهَا أَحَدُ هَذَيْنِ بَلْ فِي هَذَا الْبَحْثِ الْمَأْخُوذِ مِنْ عِلَّتِهِمْ كَمَا عَلِمْته مِنْ الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ.

وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَادِمِ دَلَالَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ الْإِرَادَة لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا صَحَّ مَعَ إرَادَةِ غَيْر التَّبْعِيضِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِر اللَّفْظِ فَأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعَ إرَادَةِ التَّبْعِيضِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ مِنْ فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا قَدَّمْته هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لِأَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ السَّاعَةِ عَنْ مَوْضُوعِهَا قُلْت لَا يَضُرُّنَا إرْخَاءُ الْعَنَانِ مَعَك وَإِنْ وَافَقْنَاك عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لَكِنَّهُمَا إذَا نَوَيَا بِهِ مَعْنًى صَحِيحًا يَصِحُّ الْبَيْعُ كَمَا عَلِمْته إنْ كَانَ لَك أَدْنَى فَهْمٍ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ السَّابِقَةِ عَلَى أَنَّ مَا عَلَّلْت بِهِ دَعْوَاك عَدَم التَّسْلِيمِ مِنْ أَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ السَّاعَةِ عَنْ ظَاهِرِهَا يُبْطِلُهُ أَنَّ لَفْظَ السَّاعَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَدْلُولَهُ الزَّمَانِيّ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ تَأْبَاهُ وَلَا تَحْتَمِلُهُ إذْ قَوْلُهُمَا جَمِيعُ الْحِصَّةِ السَّقِيَّة الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَةِ هُنَا جُزْءٌ مِنْ الْمَاءِ أَوْ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ فَالسَّاعَةُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِي مَدْلُولِهَا الزَّمَانِيِّ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ وَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ مَدْلُولِهَا إلَى مَدْلُولٍ آخَرَ وَجَبَ النَّظَرُ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَأَمَّا إرَادَةُ جُزْءٍ مِنْ الْمَاءِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مُضَافٍ مَحْذُوفٍ مُقَدَّرٍ بَعْدَ مِنْ أَيْ الَّتِي قَدْرُهَا جُزْءَانِ مِنْ مَاءِ عَيْنِ كَذَا وَإِذَا دَار الْأَمْرُ بَيْنَ مَدْلُولِ لَفْظٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مَدْلُولِهِ بِتَقْدِيرٍ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرَهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ وَكَانَ الثَّانِي خِلَافَ ظَاهِرِهِ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْجُزْءَ مِنْ الْقَرَارِ هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَإِذَا أَرَادَهُ صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا عُلِمَ بِالْأُولَى مِمَّا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَلْ عُلِمَ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْته أَنَا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ خِلَاف ظَاهِر اللَّفْظ وَنَوَيَاهُ صَحَّ الْبَيْع.

فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّم أَنَّ السَّاعَة هُنَا مُسْتَعْمَلَة فِي غَيْر مَدْلُولهَا الزَّمَانِيّ لِأَنَّ الْحِصَّة السَّقِيَّة اسْم لِلْمَاءِ وَاَلَّتِي قَدْرهَا سَاعَتَانِ تَقْدِير لَهُ بِالزَّمَانِ وَهَذَا هُوَ مَلْحَظ الْقَائِلِينَ بِالْبُطْلَانِ قُلْت زَعَمَ أَنَّ الْحِصَّة السَّقِيَّة اسْم لِلْمَاءِ بَاطِل كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْخَاتِمَة فِي الرَّدّ عَلَى مِنْ زَعَمَ ذَلِكَ بَلْ سَيَأْتِي ثُمَّ إنَّ السَّقِيَّة فَعَيْلَة بِمَعْنَى فَاعِلَة أَيْ سَاقِيَة وَهِيَ اسْم لِلْمَحَلِّ لَا لِلْمَاءِ وَكَيْف يُتَوَهَّم مَعَ قَوْلهمَا السَّابِق فِي السُّؤَال بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَة مِنْ حَقٍّ مِنْ قَرَار الْعَيْن الْمَذْكُورَة وَمَقَرِّهَا وَمَمَرّهَا وَشُعُوبهَا وَذُيُولهَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ مِنْ فَضْل اللَّه تَعَالَى.

فَقَوْلهمَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا صَرِيح فِي أَنَّ الْمُرَاد بِالْحِصَّةِ السَّقِيَّة جُزْءٌ مِنْ الْقَرَار إذْ لَوْ أُرِيد بِهَا جُزْءٌ مِنْ الْمَاء لَمْ يَصِحّ قَوْلهمَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ وَإِذَا بَطَل أَنَّ الْمُرَاد بِالْحِصَّةِ السَّقِيَّة جُزْء مِنْ الْمَاء بَطَل أَنْ يُرَاد بِالسَّاعَتَيْنِ تَقْدِير الْمَاء بِزَمَنِ إذْ لَا مَاء مَذْكُور حِينَئِذٍ حَتَّى يُقَدَّرَ بِزَمَنٍ فَتَعَيَّنَ أَنَّ السَّاعَة هُنَا مُسْتَعْمَلَة فِي غَيْرِ مَدْلُولِهَا فَإِنْ قُلْت كَمَا أَنَّ قَوْلَهُمَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِصَّةِ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ كَذَلِكَ قَوْلُهُمَا مِنْ حَقّ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَمَقَرِّهَا وَمَمَرِّهَا وَشُعُوبِهَا وَذُيُولِهَا وَمَجَارِي مَائِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِصَّةِ جُزْءٌ مِنْ الْمَاءِ فَمَا الْمُرَجَّحُ قُلْت الْمُرَجَّحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ الْمَاءِ وَقَوْلُهُمَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ فَقَدَّمْنَا الصَّرِيحَ عَلَى الْمُحْتَمَلِ وَوَجْه احْتِمَالِهِ أَنَّ قَوْلَهُمَا مِنْ حَقٍّ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْأُولَى فِيهِ بَيَانًا لِمَا فِي بِمَا وَمِنْ الثَّانِيَةِ يُحْتَمَل أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِحَقٍ أَيْ مِنْ حَقٍّ هُوَ الْقَرَارُ وَالْمَقَرُّ إلَخْ وَأَنْ تَكُونَ لِلِابْتِدَاءِ لِوُجُودِ شَرْطِهَا الْمُقَرَّرِ فِي الرِّضَى وَغَيْرِهِ

ص: 174

أَيْ مُبْتَدَأ مِنْ الْقَرَارِ وَأَنْ تَكُونَ تَبْعِيضِيَّةً أَيْ مِنْ بَعْضِ الْقَرَارِ وَالِاحْتِمَالَانِ الْأَوَّلَانِ يَقْتَضِيَانِ الْجُزْءَ مِنْ الْمَاءِ.

وَالثَّالِثُ يَقْتَضِي الْجُزْءَ مِنْ الْقَرَارِ فَكَانَ هَذَا اللَّفْظُ مُحْتَمَلًا وَكَانَ قَوْلُهُمَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي الْمَعْطُوفُ عَلَى مِنْ حَقٍّ لَا عَلَى مِنْ قَرَارٍ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِصَّةِ الْجُزْءُ مِنْ الْقَرَارِ فَأَخَذْنَا بِالصَّرِيحِ وَتَرَكْنَا الْمُحْتَمَلَ هَذَا إنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُمَا مِنْ حَقٍّ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ إلَخْ كَمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ الْأَسْئِلَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْعَيْنِ إلَخْ كَمَا رَأَيْته فِي سُؤَالٍ آخَرَ فَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا قُلْنَاهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَقَرِّهَا وَمَمَرِّهَا إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى الْعَيْنِ أَيْ مِنْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقٍ الْعَيْنِ وَحُقُوقِ مَقَرِّهَا إلَخْ وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُوَثَّقِ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى مَا مَرَّ قَبْلَهُ بَلْ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ حَقٍّ فَكَأَنَّهُ يُبَيِّنُ مَا لِلْحِصَّةِ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا حُقُوقُ الْعَيْنِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا.

وَالثَّانِي الْمَاءُ الْجَارِي بِهَا وَبِهَذَا يُتَّجَهُ أَتَمَّ اتِّجَاهٍ مَا قَرَّرْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَا حَاصِلُهُ لَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ نَحْوِ أَرْضٍ مَجْهُولَةِ الذِّرَاعِ لَمْ يَصِحَّ نَعَمْ إنْ عَيَّنَا ابْتِدَاءَ الذِّرَاعِ مِنْ طَرَفٍ لَا مِنْ غَيْرِهِ كَ (بِعْتُكَ) ذِرَاعًا مِنْ هُنَا فِي جَمِيعِ الْعَرْضِ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي فِي الطُّولِ أَوْ عَكْسِهِ صَحَّ وَمَتَى عَلِمَ ذَرْعَهَا وَأَرَادَا أَوْ أَحَدُهُمَا مُعَيَّنًا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ لَمْ يُرِيدَا وَلَا أَحَدهمَا ذَلِكَ صَحَّ وَنَزَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا صُدِّقَ الْمُعَيَّن أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَائِعُ أَمْ الْمُشْتَرِي خِلَافًا لِبَعْضِ شُرَّاحِ الْإِرْشَادِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِنِيَّتِهِ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ الذِّرَاعِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ خُذْهُ قِرَاضًا بِالنِّصْفِ ثُمَّ قَالَ الْمَالِكُ أَرَدْت النِّصْفَ لِي أَيْ لِيَبْطُلَ الْعَقْدُ لِلْجَهْلِ بِحِصَّةِ الْعَامِلِ حِينَئِذٍ وَادَّعَى الْعَامِلُ الْعَكْسَ لِيَصِحَّ إذْ مَا فَضُلَ عَنْهُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَالِكُ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنَّ الْعَامِلَ يُصَدَّقُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ وَالظَّاهِرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمُعَيَّنِ لِمَا مَرَّ اهـ فَتَأَمَّلْ تَفْصِيلَهُمْ فِي الْمَعْلُومَةِ الذَّرِعَانِ بَيْنَ أَنْ يُرِيدَا مُعَيَّنًا أَوْ لَا مَعَ قَوْلِهِمْ أَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ الذِّرَاعِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْإِرَادَةَ يُدَارُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ صِحَّةً وَفَسَادًا سَوَاءٌ أَكَانَ مَا أَرَادَهُ مُوَافِقًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَوَلَا.

لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ يُحْتَمَلُ وَلَوْ بِتَأْوِيلٍ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَعَلِمْت أَنَّهُ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ اتَّضَحَ لَك مَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ أَنَّهُمَا إذَا أَرَادَا بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ مَا قَدَّمْته صَحَّ الْبَيْعُ سَوَاءٌ أَجَعَلْنَا ذَلِكَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ أَمْ جَعَلْنَاهُ مُحْتَمِلًا مِنْهُ وَلَوْ بِتَأْوِيلِ وَإِذَا قَامَ الْبُرْهَانُ عِنْدَك فِيمَا مَرَّ أَنَّ لِلَّفْظِ إشْعَارًا ظَاهِرًا بِذَلِكَ الْمُرَادِ فَلْيَصِحَّ الْبَيْعُ إذَا أَرَادَاهُ كَمَا نَطَقَ بِهِ كَلَامُهُمْ وَتَعْلِيلُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ السَّابِقَةِ.

فَإِنْ قُلْت قَضِيَّة قَوْلِهِمْ فَإِنْ اخْتَلَفَا صُدِّقَ الْمُعَيَّنُ إلَخْ أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ وَارِثِيهِمَا أَوْ وَارِثَ أَحَدِهِمَا وَالْآخَر فِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي إرَادَةِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَرَدْنَاهُ وَقَالَ الْآخَرُ أَرَدْنَا جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ صُدِّقَ الثَّانِي فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ قُلْت هُنَا تَحْقِيقٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ عَلَّلُوا الْبُطْلَانَ فِي مَسْأَلَتِهِمْ بِتَعْلِيلَيْنِ قَدَّمْنَاهُمَا فَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ يُصَدَّقُ مُدَّعِي إرَادَةِ الْمَاءِ حَتَّى يُبْطِلَ الْبَيْعَ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّهُ أَعْرِفُ بِنِيَّتِهِ وَعَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي يُصَدَّقُ مُدَّعِي إرَادَةِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ حَتَّى يَصِحَّ الْبَيْعُ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ هَذَا إنْ جَعَلْنَا كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ تَعْلِيلًا مُسْتَقِلًّا.

وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ تَرْكِيبِ الْعِلَّةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَإِنْ جَعَلْنَا الْعِلَّةَ مُرَكَّبَةً مِنْهُمَا اقْتَضَى ذَلِكَ تَصْدِيقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ أَيْضًا فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ مُدَّعِي الْبُطْلَانِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ أَعْرَفَ بِنِيَّتِهِ لَكِنَّهُ مُدَّعٍ مَا لَيْسَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَيْسَ كَمُدَّعِي الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَتِهِمْ لِأَنَّهُ ثَمَّ أَعْرَفُ بِنِيَّتِهِ وَدَعْوَاهُ مُوَافِقَةٌ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَدَعْوَى مُدَّعِي الصِّحَّةِ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تُفْهَمُ مِنْ مُطْلَقِ لَفْظِ الذِّرَاعِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَأَمَّا مُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَدَعْوَاهُ مُوَافِقَةٌ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا تَقَرَّرَ مَبْسُوطًا قَبْلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدِّقَ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَإِنَّمَا خَرَجَتْ عَنْهَا تِلْكَ الصُّورَةُ الَّتِي ذَكَرُوهَا فَصُدِّقَ فِيهَا مُدَّعِي الْبُطْلَانِ لِلْمَعْنَى الْمُرَكَّبِ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ انْضَمَّ لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِنِيَّتِهِ أَنَّ دَعْوَاهُ مُوَافِقَةٌ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَدَعْوَى خَصْمِهِ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِهِ.

ص: 175

فَإِنْ قُلْت قَدْ اتَّضَحَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قُلْنَا بِتَرْكِيبِ الْعِلَّةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ التَّرْكِيبِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ التَّعْلِيلَيْنِ

قُلْت الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا هُوَ الثَّانِي وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْفَارِقَ بَيْنَ مَا قَالُوهُ مِنْ تَصْدِيقِ الْبُطْلَانِ فِي صُورَةِ الْأَرْضِ وَمُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الْقِرَاضِ إلَّا مَا أَفَادَهُ التَّعْلِيلُ الثَّانِي وَلَوْ نَظَرْنَا لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ لَوَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ التَّنَاقُضُ فَدَلَّ تَصْرِيحُهُمْ بِتَصْدِيقِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الْقِرَاضِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِكَوْنِهِ أَعْلَمَ بِنِيَّتِهِ وَإِنَّمَا نَظَرُوا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنهمَا وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ فِي صُورَةِ الْقِرَاضِ مَعَ الْعَامِلِ فَصُدِّقَ وَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَفِي صُورَةِ الْأَرْضِ مَعَ الْمُعَيَّنِ فَصُدِّقَ وَحَكَمَ بِالْبُطْلَانِ وَمِنْ هَذَا يَنْشَأُ لَك ضَابِطٌ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ وَارِثِيهِمَا أَوْ وَارِثَ أَحَدِهِمَا وَالْآخَر مَتَى اخْتَلَفَا فِي الْإِرَادَةِ صَدَقَ مُدَّعِي إرَادَةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ سَوَاءٌ اقْتَضَتْ إرَادَتُهُ الصِّحَّةَ أَمْ الْفَسَادَ وَإِذَا اتَّضَحَتْ لَك هَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَمَا عَلِمْت أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ اتَّجَهَ لَك مَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ تَصْدِيقِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ مُوَافِقٌ لِدَعْوَاهُ هَذَا إنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ الصَّادِرَةُ بَيْنهمَا مَا مَرَّ فِي السُّؤَالِ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِعْتُك سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا وَلَمْ يَزِيدَا عَلَى ذَلِكَ.

فَإِنْ أَرَادَا بِالسَّاعَةِ مَا قَدَّمْته صَحَّ الْبَيْعُ هَذَا أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لِمَا مَرَّ مَبْسُوطًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ إرَادَتهمَا فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَقَضِيَّة مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَأَنَّهَا قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ وَأَنَّ إرَادَةَ الْمَاءِ تَسْتَدْعِي تَقْدِيرَ مُضَافٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ تَصْدِيق مُدَّعِي الصِّحَّةِ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ مَعَهُ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الثَّمَرَةَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَّا مَا يَخُصُّ الْأَلْفَ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ وَكَانَ اسْتِثْنَاءً لِلثُّلُثِ وَإِنْ أَرَادَا مَا يَخُصُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِيمَةِ أَوْ لَمْ يُرِيدَا شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ حِينَئِذٍ اهـ فَتَأَمَّلْ تَعْوِيلَهُمْ عَلَى الْإِرَادَةِ فِي هَذَا اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ وَإِنَاطَتهمْ الصِّحَّةَ بِمَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْبُطْلَانِ بِمَا إذَا أَرَادَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَطْلَقَا وَلَمْ يَنْظُرُوا مَعَ الْإِرَادَةِ إلَى أَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِ الْمُرَادِ أَوَّلًا لِمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ أَنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ تَنْزِيلُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَلَوْ بِتَأْوِيلٍ صَحَّتْ إرَادَتُهُ مِنْهُ وَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهَا صِحَّةً وَفَسَادًا وَمِنْهَا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ عَلِمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كَلَامُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْفِي عِلْمُهُمَا بَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ عِلْمِهِمَا بِالْقِيمَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ قَصْدُهُمَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا وَقَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا صَحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ غَرِيبٌ وَإِلَّا صَحَّ أَنَّهُمَا إذَا عُلِمَتْ قِيمَتُهُ وَقَصَدَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هِيَ الدَّرَاهِمُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَلَا تَصِير مَعْلُومَةً بِذِكْرِ قِيمَتِهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ صَرْفَ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ السِّعْرَ مُخْتَلِفٌ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْضِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَكَذَا تَفْعَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ يُسَمُّونَ الدَّرَاهِمَ وَيَتَبَايَعُونَ بِالدِّينَارِ وَيَكُونُ كُلُّ قَدْرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَعْلُومٍ عِنْدهمْ دِينَارًا قَالَ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ هَذَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

بَلْ الْأَصَحُّ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ كِتَابِ الْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا إذَا عُبِّرَ بِالدَّنَانِيرِ عَنْ الدَّرَاهِمِ صَحَّ اهـ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي الْآنَ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَّلَ قَوْلَهُ صَحَّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْهَا مَجَازًا كَقَوْلِهِ فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا هَذِهِ دِينَارٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ صَرْفُهَا أَيْ هَذِهِ صَرْفُ دِينَارٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ اهـ فَانْظُرْ تَفْصِيلَهُ فِي مِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَفِي مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَا الْقِيمَةَ وَيَقْصِدَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَإِنْ لَا يَعْلَمَاهَا أَوْ لَا يَقْصِدَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا فَلَا يَصِحُّ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي جَرَيَانِ التَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْته فِي مَسْأَلَتِنَا وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا

ص: 176

إذَا أَرَادَ بِالسَّاعَةِ مَا مَرَّ بَلْ مَسْأَلَتُنَا أَوْلَى فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَلْفُوظِ قَبْلَهُ وَهُوَ هُنَا فِي صُورَةِ الصِّحَّةِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْقِيمَةِ الْمَنْوِيَّة مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَنْوِيِّ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا عَلَى مَا يَأْتِي فَإِذَا أَثَّرَتْ فِيهِ النِّيَّةُ وَأَخْرَجَتْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ مُطْلَقًا فَأَوْلَى أَنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَتُفِيدُ الصِّحَّةَ فِي الْحَالَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا.

وَانْظُرْ أَيْضًا تَضْعِيفه لِكَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ مَعَ تَسْلِيمِهِ لِتَعْلِيلِهِ بِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ وَقَدْ سَبَقَ ابْنَ الصَّبَّاغِ بِذَلِكَ جَمِيعَهُ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَانْظُرْ أَيْضًا هَذَا التَّجَوُّزَ الَّذِي نَظَرَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَمَا فِيهِ مِنْ تَكَلُّفٍ أَنَّهُ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ حَتَّى يَصِحَّ الْمَعْنَى عَمَلًا بِأَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ فَظَهَرَ لَك مِمَّا تَقَرَّرَ فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ بِهَا فِي الصِّيغَةِ وَفِي أَنَّهُمَا لَوْ نَوَيَا بِاللَّفْظِ الدَّالِ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ نَظَرًا لِتِلْكَ النِّيَّةِ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عَنْ ذَلِكَ الْمَنْوِيِّ وَحِينَئِذٍ إذَا نَوَيَا بِالسَّاعَةِ مَا مَرَّ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَنْ الْجُزْءِ مِنْهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُعَبَّرْ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ عَنْ الْمَعْنَى الْمَنَوَيَّ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْتَفَ بِالنِّيَّةِ قَرَائِن تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْمَنْوِيِّ وَلَا تُجْزِي تِلْكَ الْقَرَائِنُ بِلَا نِيَّةٍ خِلَافًا لِلْإِمَامِ.

وَمَرَّ فِي الْجَوَابِ الْمَبْسُوطِ رَدُّ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْفَرْقِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَقَدْ قَدَّمْت لَك مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْمُثَمَّنِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَخِيرَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ نَافَاهَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ.

فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا فِي النَّقْدَيْنِ الْمُخْتَلِفِي الْقِيمَةِ وَلَا غَالِبَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لَفْظًا وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ بِخِلَافِهِ فِي الْخُلْعِ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ وَفِيمَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ بَنَاتٌ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَنَوَيَا وَاحِدَةً لِأَنَّ ذِكْرَ كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ هُنَا وَاجِبٌ فَاحْتِيطَ لَهُ بِذَكَرِهِ لَفْظًا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَهَذَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ قُلْت لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِيمَا مَضَى وَقَعَتْ فِي لَفْظٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى تَرْكِيبٍ يَحْتَمِلُ مَعْنًى صَحِيحًا وَمَعْنًى فَاسِدًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَصَحَّ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْوِيلٌ عَلَى النِّيَّةِ وَحْدَهَا بَلْ عَلَى مَا يُوَافِقُهَا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَأَمَّا هُنَا فَفِيهِ تَعْوِيلٌ عَلَيْهَا وَحْدَهَا إذْ الدِّينَارُ فِي بِعْتُك بِدِينَارٍ مَثَلًا وَالْحَالُ أَنَّ ثَمَّ دَنَانِيرَ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةِ الْقِيمَةِ وَالْغَلَبَةُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِوَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ بِعَيْنِهِ فَإِذَا نَوَيَا نَوْعًا مِنْهَا كَانَ فِيهِ إعْمَالٌ لِلنِّيَّةِ وَحْدَهَا لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ لَا إشْعَارَ لَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ الْعَامِّ وَهُوَ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى خُصُوصِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ فَلَمْ تَصِحَّ إرَادَةُ نَوْع مِنْهَا.

وَأَيْضًا فَالدِّينَارُ مَثَلًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَجْهُولٌ وَالْبَيْعُ بِالْمَجْهُولِ بَاطِلٌ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلنِّيَّةِ فِيهِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ وُقُوعِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا إلَى غَايَةٍ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ نِيَّتُهُمَا إذْ لَا مَرْجِعَ يَرْجِعَانِ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الدِّينَارَ لَا ظُهُورَ لَهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى بَعْضِ أَنْوَاعِهِ دُونَ بَعْضٍ بَلْ دَلَالَتُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ فَإِنَّ اللَّفْظَ فِيهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَعْنَى وَمُحْتَمِلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَيَا الْغَيْر وَاتَّفَقَا عَلَى نِيَّتِهِ صَحَّ وَإِلَّا حَكَمْنَا عَلَيْهِمَا بِمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ لَفْظِهِمَا وَهَذَا الْفَرْقُ أَوْضَحُ مِنْ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَدَقَّ وَبِهِ يَتَّضِحُ لَك أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فِيمَا لَوْ قَالَ زَوْجَتُك بِنْتِي وَنَوَيَا وَاحِدَة وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ بِنْتِي لَيْسَ جِنْسًا شَامِلًا لِأَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَضَمِّنٌ لِوَصْفٍ لَازِمٍ مُضَافٍ إلَيْهِ انْحَصَرَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ فِي أَشْخَاصٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِذَا نَوَيَا وَاحِدَةً مِنْهَا صَحَّ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْوِيلٌ عَلَى النِّيَّةِ وَحْدَهَا لِتَعَيُّنِ تِلْكَ الْأَشْخَاصِ وَانْحِصَارِهَا وَعَدَمِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لِغَيْرِهَا.

وَهَذَا الْجَوَابُ أَوْلَى وَأَوْضَحُ مِنْ الْجَوَابِ السَّابِقِ آنِفًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ دَقِيقِ الْفِقْهِ الْبَعِيدِ عَلَى أُولَئِكَ تَصَوُّرِ بَعْضِهِ فَضْلًا عَنْ نَقْضِهِ {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: 38] وَإِلَّا حُرِمْتُمْ الظَّفْرَ بِوَصْلِهِ.

فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِدِينَارٍ وَأَرَادَ بِهِ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنْ الدَّرَاهِمِ لَمْ يَصِحَّ قُلْت يُوَجَّهُ بِمُخَالَفَتِهِ لِعُرْفِ الشَّرْعِ فِي الدِّينَارِ مَعَ تَصْيِيرِ الثَّمَنِ حِينَئِذٍ مَنْوِيًّا

ص: 177

وَهَذَا لَا يَكْفِي فَإِنْ قُلْت يَرُدُّ عَلَى مَا قَرَّرْته فِي هَذَا الْبَابِ جَمِيعِهِ الْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ وَهِيَ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ لَا يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِأَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَغْيِيرُ اللُّغَةِ بِالِاصْطِلَاحِ وَهَلْ يُجَوِّزُ لِلْمُصْطَلِحِينَ نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ أَصْلِ الْمَعْنَى وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ التَّخْصِيصِ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْأُصُولِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَالْمُخْتَار الثَّانِي وَمِنْ فُرُوعِهَا لَوْ اتَّفَقَ الْخَاطِبُ وَالْمَخْطُوبَةُ عَلَى أَنْ يُعَبَّرَ فِي الْعَقْد عَنْ الْأَلْفِ بِأَلْفَيْنِ وَجَبَا عَلَى الْأَظْهَرِ إعْمَالًا لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ وَمُقَابِلُهُ يَجِبُ أَلْفٌ فَقَطْ عَمَلًا بِاصْطِلَاحِهِمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَجْرِي الْأَحْكَامُ الْمُتَلَقَّاةُ مِنْ الْأَلْفَاظِ.

فَلَوْ قَالَ إذَا قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ بَلْ الْقِيَامَ مَثَلًا أَوْ وَاحِدَةً لَمْ يُعْتَبَرْ بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ عَمَّ فِي نَاحِيَة اسْتِعْمَالِ الطَّلَاق فِي إرَادَةِ الِانْطِلَاقِ ثُمَّ خَاطَبَهَا بِهِ مُرِيدًا بِهِ حَلَّ الْوَثَاق لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي إزَالَةِ الْإِيهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ اهـ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ مَتَى قُلْت أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّ أُرِيدُ الطَّلَاقَ ثُمَّ قَالَهُ فَقِيلَ تَطْلُقُ عَمَلًا بِمَا قَالَهُ قَبْل وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ نِيَّتَهُ تَغَيَّرَتْ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ أَمَةٌ أُرِيدُ أَنْ أُلَقِّبَهَا بِحُرَّةٍ ثُمَّ قَالَ يَا حُرَّةُ فَفِي الْبَسِيطِ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لَا تَعْتِقُ إذَا قَصَدَ النِّدَاءَ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ أُرِيد أَنْ أُقِرَّ بِمَا لَيْسَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْف قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ لُغِيَ إقْرَاره وَقَالَ صَاحِب التَّتِمَّةِ الصَّحِيحُ لُزُومه كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْف لَا تَلْزَمُنِي قُلْت لَيْسَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَلَا فِي فُرُوعهَا مَا يُشْكِلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ إلَّا عَلَى مَا قَالُوهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلّ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَمَا عَلِمْت مِنْ تَقْرِيرِهَا أَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ لَهُ مَدْلُولٌ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ ثُمَّ يُرَادُ بِهِ لَفْظٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى هَذَا النَّقْلِ وَالِاسْتِعْمَالُ غَيْرُ مُجَرِّدِ الِاتِّفَاقِ وَالِاصْطِلَاحُ السَّابِقُ عَلَى أَنْ يُعَبَّرَ بِهَذَا عَنْ هَذَا وَلِذَلِكَ اتَّضَحَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ وَالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ فِيهِ إلْغَاءَ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ مَعَ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَدْلُولِهِ بِمُجَرَّدِ اصْطِلَاحٍ سَابِقٍ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِضَعْفِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ وَهِيَ اصْطِلَاحُ السَّابِقِ عَلَى أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الصَّرِيحِ وَيُصْرِفَهُ إلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ بِالْمُعَاطَاةِ وَإِنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بَعْدَهَا بَيْعًا وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الصَّانِعُ شَيْئًا بِغَيْرِ عَقْدٍ وَإِنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِأُجْرَتِهِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ وَلَا يُتَوَهَّمُ عَاقِلٌ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ تَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ مَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ وَبِالْقَرِينَةِ الصَّرِيحَةِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ مَدْلُولِهِ.

وَهِيَ قَوْلُهُمَا هُنَا مِنْ قَرَارِ كَذَا فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ لَا تُشْبِهُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَشَتَّانَ بَيْن لَفْظٍ صَرِيحٍ أَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَدْلُولِهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ تَقَدَّمَتْهُ قَرِينَةٌ ضَعِيفَةٌ عِنْد اسْتِعْمَالِهِ أُرِيدَ صَرْفُهُ عَنْ مَدْلُولِهِ ذَلِكَ إلَى مَدْلُولٍ آخَرَ لَمْ يُذْكَرْ هُوَ وَلَا مَا يَدُلّ عَلَيْهِ لِمُجَرَّدِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ الضَّعِيفَةِ وَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَدْلُولِهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ اقْتَرَنَ بِهِ لَفْظٌ صَرِيحٌ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ الْمُمْكِنِ صَرْف ذَلِكَ اللَّفْظ إلَيْهِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّجَوُّزِ لِتِلْكَ الْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ الْقَوِيَّةِ وَمَعَ هَذَا الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْن هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ لَا يُتَخَيَّلُ الْتِبَاسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْته قَوْلُهُمْ الصَّرِيحُ يَصِيرُ كِنَايَةً بِالْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ كَانَتْ طَالِق مِنْ وَثَاقٍ لِأَنَّ أَوَّل اللَّفْظ مُرْتَبِطٌ بِآخِرِهِ.

وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَمَّا يُقَالُ قَدْ يَعْقُبُهُ بَعْدَ طَلَّقْتُكِ الصَّرِيح نَدَمٌ فَيَقُولُ مِنْ وَثَاقٍ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّوَهُّمِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَّصِلَ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِجَمِيعِهِ لَا بِبَعْضِهِ كَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ خَافَ مِنْ النَّفْيِ فَاسْتَدْرَكَ بِالْإِثْبَاتِ.

وَيُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْته أَيْضًا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْإِقْرَارِ اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي التَّصْدِيقِ قَدْ تَنْضَمُّ إلَيْهِ قَرَائِنُ تَصْرِفُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَبَعْدَ أَنْ اتَّضَحَ لَك هَذَا الْمَقَامُ وَزَالَ عَنْك مَا اسْتَوْلَى عَلَى الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي مَسْأَلَتِنَا مُطْلَقًا مِنْ الْعِنَادِ وَالْإِيهَامِ صَارَ الْحَقُّ لَدَيْكَ جَلِيًّا وَالْمُخَالِفُ فِيمَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالصِّحَّةِ فِي الْحَالَةِ السَّابِقَةِ غَبِيًّا وَسَاغَ لَك أَنْ تُؤَكِّدَ بِالْأَيْمَانِ لَمَّا قَامَ عِنْدَك مِنْ جَلِيِّ

ص: 178