المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب المبيع قبل قبضه] - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ٢

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ]

- ‌[كِتَابِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[تَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ وَالْعُيُونِ بِإِيضَاحِ حُكْمِ بَيْعِ سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ]

- ‌[الْبَاب الثَّالِثِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ قَرَارٍ وَلَا مَاءَ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ لَمْ يُرِيدَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ أَوْ الْمَاءِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ التَّنَاقُض فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَالْقَرَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَاءِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْم عُيُونِ الْحِجَازِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي حُكْمِ الْقَاضِي وَفِيهِ فَصْلَانِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُنْقَضُ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

- ‌[بَابُ التَّحَالُفِ]

- ‌[بَابُ مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الْقَرْضِ]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ التَّفْلِيسِ]

الفصل: ‌[باب المبيع قبل قبضه]

ثُبُوتُهُ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَفِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَكِنَّهُ لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ غَيْرُ خَفِيٍّ إذْ يُمْكِنُ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُلْزَمُ الْعَقْدَ دُونَ الْآخَرِ وَهُمَا بِالْمَجْلِسِ فَهُوَ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُلْزَمِ جَائِزٌ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُلْزَمِ لِبَقَاءِ خِيَارِهِ.

(وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْعُبَابِ وَلَوْ أُبْهِم الْخِيَارُ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ بَطَلَ الْبَيْعُ اهـ فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ فِي أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا لَمْ يَبْطُلْ وَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ بِمُوَافَقَتِهِ عَلَى الشَّرْطِ رَضِيَ بِذَلِكَ وَقَالَ الْقَمُولِيُّ وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ مَثَلًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَوْ شَرَطَهُ فِي أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلًا الْجَمْعُ بَيْنَ مُخْتَلَفَيْ الْحُكْمِ إلَخْ اهـ.

وَالظَّاهِرُ مِنْ الصِّحَّةِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ بِحَسَبِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ لَهُ رَدُّ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ فَقَطْ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِنَقْلٍ صَرِيحٍ وَقَدْ سَأَلْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا يَجُوزُ رَدُّ أَحَدِهِمَا بَلْ يَرُدُّهُمَا جَمِيعًا وَشَرْطُ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ وُجُودِ عَيْبٍ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ يَمْنَعُ رَدَّهُ وَحْدَهُ فَتَفَضَّلُوا بِالْحَقِّ فِي ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ شَرْحِي عَلَى الْعُبَابِ وَخَرَجَ بِمَعْلُومٍ مَا لَوْ أُبْهِم الْخِيَارُ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ مَثَلًا أَوْ فِي حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعِينَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ كَمَا أَفْهَمَهُ فِي الثَّانِيَةِ قَوْلُ الْقَمُولِيِّ لَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ صَحَّ الْبَيْعُ أَوْ فَاوَتَ قَدْرَهُ فِي الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْإِبْهَامِ كَأَنْ شَرَطَ فِي أَحَدِهِمَا خِيَارَ يَوْمٍ وَفِي الْآخَرِ خِيَارَ يَوْمَيْنِ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا لِمَا يَأْتِي.

وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ عَيَّنَ مَنْ خَصَّصَهُ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا شَرَطَ كَالْبَيْعِ يَبْطُلُ مَعَ الْإِبْهَامِ وَيَصِحُّ مَعَ التَّعْيِينِ انْتَهَتْ وَهِيَ أَعْنِي قَوْلَهَا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا شَرَطَ صَرِيحَة فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ وَهُوَ وَاضِحٌ وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ وَفِي الْأُمُورِ التَّابِعَةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَفِي الْأُمُورِ الْمَقْصُودَةِ.

وَأَمَّا التَّنْزِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَهُوَ تَمَحُّلٌ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إنْ أَطْبَقَ الْأَصْحَابُ أَوْ جُلُّهُمْ عَلَى حُكْمٍ يُضْطَرُّ فِي تَوْجِيهِهِ إلَى ذَلِكَ التَّنْزِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَزِمَ عَلَيْهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا لَغْوٌ لَا فَائِدَةَ لَهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ فَالْوَجْهُ بَلْ الصَّوَابُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ كَمَا شَرَطَ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمْت بِهِ نَقْلًا وَبَحْثًا.

[بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

(وَسُئِلَ) هَلْ يُشْتَرَطُ تَلَفُّظُ الْبَائِعِ بِالتَّخْلِيَةِ فِي - الْمَبِيعِ - الْعَقَارِ لِقَبْضِهِ أَوْ يَكْفِي السُّكُوتُ مَعَ التَّمْكِينِ وَالْفَرَاغِ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ؟

(فَأَجَابَ) لَا بُدَّ مَعَ التَّخْلِيَةِ فِي نَحْوِ الْعَقَارِ مِنْ لَفْظٍ مِنْ الْبَائِعِ يَدُلُّ عَلَيْهَا مَعَ تَسْلِيمِ مِفْتَاحِ نَحْوِ الدَّارِ وَتَفْرِيغِهَا مِنْ مَتَاعِ غَيْرِ نَحْوِ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ الْبَائِع وَالْأَجْنَبِيّ وَاقْتِصَارُ السَّائِلِ عَلَى أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ تَبِعَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَالِطٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) شَخْصَانِ تَعَاقَدَا رَهْنًا أَوْ مَبِيعًا وَتَسَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ أَوْ الْمُرْتَهَنَةِ هَلْ يَكْفِي قَبْضُ الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ وَيَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْكُلِّ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْكُلِّ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمْ فِي أَحَدِهِمَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِقَبْضِ الْكُلِّ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِهِ كُلِّهِ حَقِيقَةً فِي الْمَنْقُولِ وَهَلْ يَكْفِي وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِهِ بِيَدِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ بِالتَّخْلِيَةِ فَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَبِيعَةُ أَوْ الْمُرْتَهَنَةُ مَشْغُولَةً بِالْأَمْتِعَةِ وَأَخْرَجَهَا مَا عَدَا شَيْئًا يَسِيرًا كَرَحَاةٍ أَوْ زِيرٍ أَوْ حَصِيرٍ مَثَلًا لَمْ يُخْرِجْهَا وَاسْتَمَرَّتْ بِهَا بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ هَلْ يُخَيِّرُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُرْتَهِنُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَغَيْرِهِ أَمْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ مِنْ أَصْلِهِمَا وَهَلْ يَكُونُ الْفَسْخُ عَلَى الْفَوْرِ إذَا عَلِمَا بِالْأَمْتِعَةِ الْبَاقِيَةِ وَهَلْ لِذَلِكَ مُدَّة مَعْلُومَة بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ يَكُونُ عَقِبَ الْعَقْدِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لِذَلِكَ.

(فَأَجَابَ) لَا يُكْتَفَى بِقَبْضِ الْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ فِي نَحْوِ بَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ بَلْ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ وَيَكْفِي فِي إقْبَاضِ الْمَنْقُولِ وَقَبْضِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ إلَيْهِ لَنَالَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ وَإِنْ نَهَاهُ أَوْ قَالَ لَا أُرِيدُهُ وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيّ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّخْلِيَةِ الْحَقِيرَ مِنْ الْأَمْتِعَةِ كَالْحَصِيرِ وَبَعْضِ

ص: 253

الْمَاعُونِ فَلَا يُقْدَحُ فِي التَّخْلِيَةِ وَإِطْلَاقُهُمْ يُنَافِيه فَعَلَيْهِ يَصِحُّ الْقَبْضُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ مَحَلِّ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَلَا خِيَارَ هُنَا حَتَّى يُسْأَلَ هَلْ فَوْرِيٌّ أَمْ لَا لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ لَمْ يَتْلَفْ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنْ تَلِفَ مِنْهُ شَيْءٌ انْفَسَخَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ عَلَى الْفَوْرِ وَالْوَاجِبُ فِي التَّخْلِيَةِ التَّفْرِيغُ بِلَا إعْجَالٍ فَوْقَ الْعَادَةِ وَلَوْ كَانَ غَيْر الْمَنْقُولِ أَوْ الْمَنْقُولُ الَّذِي بِيَدِ الْمُشْتَرِي غَائِبًا أَمَانَةً كَانَ أَوْ مَضْمُونًا كَفَى فِيهِ التَّخْلِيَةُ مَعَ مُضِيِّ زَمَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْوُصُولُ أَيْ: عَادَة كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمَبِيعِ وَالتَّخْلِيَة فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَالنَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ وَحُكْمُ الْمَرْهُونِ حُكْمُ الْمَبِيعِ فِيمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ أَتَى الْغَرِيمُ إلَى غَرِيمِهِ بِمَالِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِأَمْرٍ مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ لِيَأْخُذَهُ بَعْدَ وَضْعِهِ وَلَمْ يَجْرِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ قَبْضٌ يَحْصُلُ بِهِ الضَّمَانُ لَوْ اُسْتُحِقَّ فَهَلْ يُعَدُّ قَبْضًا أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) الْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا مِنْ خِلَافٍ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَتَنَاقَضَ فِيهِ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ وَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّ الْمَدِينَ لَوْ وَضَعَ الدَّيْنَ بَيْنَ يَدَيْ مُسْتَحِقِّهِ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ إلَيْهِ لَنَالَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ اكْتَفَى بِهِ فِيهِ كَالْمَبِيعِ فِي الذِّمَّةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا تَسْلِيمٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَاكْتَفَى بِذَلِكَ فِيهِ كَمَا يُكْتَفَى بِهِ مِنْ الْغَاصِبِ وَبِهِ فَارَقَ ذَلِكَ الْإِيدَاعَ حَيْثُ لَا يَحْصُلُ بِمِثْلِهِ وَفَارَقَ ذَلِكَ أَيْضًا عَدَمَ الضَّمَانِ لَوْ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا بِأَنَّ ضَمَانَ الِاسْتِحْقَاقِ ضَمَانُ عُدْوَانٍ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ حَقِيقَةِ الْيَدِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَسَافَةُ التَّخَاطُبِ فَأَتَى بِهِ الْبَائِعُ إلَى أَقَلَّ مِنْ نِصْفهَا لَمْ يَكُنْ قَبْضًا أَوْ إلَى نِصْفِهَا فَوَجْهَانِ أَوْ إلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهَا كَانَ قَبْضًا.

وَلَوْ وَضَعَهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَالْمُشْتَرِي تِلْقَاءَ وَجْهِهِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مُسْتَثْنَى مِمَّا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ تَنَالُهُ يَدُهُ فَهَذَا كُلُّهُ يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ كَمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ الْجَامِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَرَّرَ بَيْنَ أَنْ يَأْمُرَهُ حَاكِمٌ بِوَضْعِهِ لِذَلِكَ وَأَنْ يَضَعَهُ كَذَلِكَ بِلَا إذْنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ نُفُوذُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ وَالْمُشْتَرِي مُعْسِرٌ يَشْكُلُ عَلَيْهِ عَدَمُ نُفُوذِ إعْتَاقِ الْمَرْهُونِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ أَنَّ الرَّاهِنَ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ عَبْدَ التَّرِكَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ حَجْرٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ قَوِيًّا جِدًّا اخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ التَّفْصِيلَ هُنَا بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ قِيَاسًا عَلَى التَّفْصِيلِ ثُمَّ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ أَسْلَمَ فِي دِينَارٍ بِثَوْبٍ فَهَلْ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ الدِّينَارِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ ثَمَنٌ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْعَقْدِ إذَا جَمَعَ عَرَضًا وَنَقْدًا هُوَ النَّقْدُ أَوْ لَا يَجُوزُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ دَيْنُ سَلَمٍ فَمَا الْمُعْتَمَدُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ الثَّانِي.

(وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْإِرْشَادِ وَبِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا لِضَمَانٍ إنْ اسْتَحَقَّ قَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا رحمه الله فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ ضَمِنَهُ وَهَذَا يُخَالِفُ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فَلْيُحَرَّرْ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إطْلَاقُ الْإِرْشَادِ وَغَيْره مَحْمُولٌ عَلَى التَّقْيِيدِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمْت بِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ ضَمَانَ الِاسْتِحْقَاقِ ضَمَانُ عُدْوَانٍ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ حَقِيقَةِ الْيَدِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَمْرَهُ بِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ)

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه فِي شَجَرَةٍ مُسْتَحَقَّةِ الْإِبْقَاءِ فِي مِلْكٍ لِآخَرَ هَلْ لِلْآخَرِ جَمْعُ تُرَابٍ تَحْتَ هَذِهِ وَإِنْ أَضَرَّ بِمَالِكِ الشَّجَرَةِ بِحَيْثُ إنَّ مَنْ عَلَا التُّرَابَ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ يَنَالُ ثَمَرَهَا وَوَرَقَهَا أَوْ لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ مَنْعُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ لِمَالِك الشَّجَرَةِ مَنْعَ صَاحِبِ الْأَرْضِ مِنْ جَمْعِ التُّرَابِ حَوْلَهَا إنْ أَضَرَّ بِهَا بِأَنْ حَصَلَ لَهَا مِنْهُ عَدَمُ نُمُوٍّ أَوْ نَحْوُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَرَّ بِمَالِكِهَا بِأَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ كَالْجَارِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَالِكَ لَا الْمِلْكَ

ص: 254

فَكَذَلِكَ مَالِكُ الْأَرْضِ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهَا بِمَا يَضُرُّ مَالِكِ الشَّجَرَةِ لَا بِمَا يَضُرُّ نَفْسَ الشَّجَرَةِ عَلَى أَنَّهُ يَسْهُلُ عَلَى مَالِكِهَا مَنْعُ مَنْ يَرْقَى عَلَى ذَلِكَ التُّرَابِ لِأَخْذِ ثَمَرِهَا أَوْ وَرَقِهَا فَلَيْسَ فِي جَمْعِ التُّرَابِ حِينَئِذٍ إضْرَارٌ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه لَوْ بَاعَ نَخْلَةً بِهَا أَوْلَادٌ فَهَلْ يَدْخُلُ أَوْلَادُهَا فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْأَوْلَادُ صِغَارًا أَمْ كِبَارًا فَقَدْ تَكُونُ قِيمَةُ الْأَوْلَادِ أَوْ الْوَلَدِ أَكْثَر مِنْ الْأُمِّ أَوْ لَا تَدْخُلُ الْأَوْلَادُ إلَّا بِالشَّرْطِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْأَوْلَادَ الْمَذْكُورَةَ تَدْخُل إنْ كَانَتْ رَطْبَةً سَوَاءٌ أَكَانَتْ صَغِيرَةً أَمْ كَبِيرَةً لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ فَأَشْبَهَتْ أَغْصَانَهَا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَوْلَادٍ مُتَّصِلَةٍ بِأَصْلِ الْأُمِّ مُلْتَصِقَة بِهِ أَمَّا مَا تَمَيَّزَ عَنْ الْأُمِّ بِمَنْبَتٍ مُسْتَقِلٍّ فَلَا يُعَدُّ مِنْ الْأَوْلَادِ بَلْ هُوَ شَجَرَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ شَجَرَةٍ أُخْرَى أَصْغَرَ مِنْهُ أَوْ أَكْبَرَ.

وَإِنْ اتَّحَدَ مَعَهَا فِي الْعُرُوقِ الَّتِي بِبَاطِنِ الْأَرْضِ وَيَدُلُّ عَلَى دُخُولِهَا أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ وَقْفَ الشَّجَرَةِ الْمَذْكُورَةِ يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَهَا وَأَفْتَى جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ بِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْوَقْفِ مِنْ الْأَوْلَادِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأُمِّ فَيَكُونُ وَقْفًا وَقَالَ جَمْعٌ بَلْ يَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَالثَّمَرِ وَكُلٌّ مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْمَوْجُودُ لِلْأَصْحَابِ فِيمَا حَدَثَ مِنْ أَوْلَادِ الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ انْتَشَرَ مِنْ أَغْصَانِهَا حَوْلَهَا فِي أَرْضِ الْبَائِعِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا اسْتِحْقَاقُ إبْقَائِهَا كَالْأَصْلِ وَقَاسُوا ذَلِكَ عَلَى ثَخَانَةِ الْأَصْلِ وَالْعُرُوقِ الْمُتَجَدِّدَةِ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُرُوقَ الزَّائِدَةَ فِي الْأَرْضِ مُتَّفَقٌ عَلَى إبْقَائِهَا كَيْفَ كَانَتْ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَنْقُولَ تَبْقِيَةُ الْحَادِثِ مِنْ أَوْلَادِ الشَّجَرَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا وُضِعَ بِحَقٍّ وَأَغْصَانُهَا الْمُنْتَشِرَةُ وَعُرُوقُهَا كَذَلِكَ تَبَعًا لِأَصْلِهَا سَوَاءٌ الْحَادِثَة وَالْقَدِيمَة، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه فِي أَرْضٍ فِيهَا شَجَرٌ وَلِشَخْصٍ خُمْسُ تِلْكَ الْأَرْضِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ ذَلِكَ الشَّجَرِ مَثَلًا وَالْبَاقِي لِغَيْرِهِ فَبَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَرْضِ الَّذِي هُوَ الْخُمْسُ بَيْعًا مُطْلَقًا فَهَلْ يَدْخُلُ خُمْسُ الشَّجَرِ فَقَطْ أَوْ يَدْخُلُ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ فِي ذَلِكَ الشَّجَرِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَفِي الشَّجَرِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مَلْحَظُ التَّبَعِيَّةِ اجْتِمَاعَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ كَوْنِ الشَّجَرِ تَابِعًا لِتِلْكَ الْأَرْضِ لِكَوْنِهَا أَصْلِيَّةً وَإِنَّمَا مَلْحَظُهَا اجْتِمَاعُهُمَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ مَعَ الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ بَانَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ خُمْسِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا خُمْسُ الشَّجَرِ فَقَطْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَالِكًا لِخُمْسِ الْأَرْضِ مُشَاعًا وَلِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الشَّجَرِ مُشَاعًا كَانَ لَهُ فِي مَغْرِسِ كُلِّ شَجَرَةٍ خُمْسٌ وَفِي كُلِّ شَجَرَةٍ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ.

فَالْبَيْعُ فِي الْمَغْرِسِ إنَّمَا انْصَبَّ عَلَى خُمْسٍ فَيَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ الْخُمْسُ خُمْسًا مِنْ الشَّجَرِ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَخْمَاسٍ الَّتِي لَهُ فِي الشَّجَرِ خُمْسٌ مِنْهَا فِي مِلْكِهِ وَخُمْسَانِ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضٍ وَفِي تِلْكَ الْأَرْضِ جَمِيعِهَا شَجَرٌ لَهُ لَا يَتَنَاوَلُ بَيْع حِصَّتِهِ إلَّا مَا يَخُصُّهَا مِنْ شَجَرٍ دُونَ مَا يَخُصُّ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ الشَّجَرِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَرْضِ شَرِيكِهِ لَا لِأَرْضِ نَفْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ أَرْضِ نَفَسِهِ مُتَنَاوِلًا لِمَا لَيْسَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مِلْكَهُ لِانْتِفَاءِ مَلْحَظِ التَّبَعِيَّةِ الَّذِي قَرَّرْته أَوَّلًا وَهُوَ كَوْنُ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ أَصْلًا لِذَلِكَ الشَّجَرِ وَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ لَيْسَ لِلْبَائِعِ فِي مَغْرِسِهَا إلَّا الْخُمْس فَتَكُونُ الْأَخْمَاسُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الشَّجَرِ مِنْهَا خُمْسٌ شَائِعٌ فِي خُمْسِهِ الشَّائِعِ.

وَالْخُمُسَانِ الْبَاقِيَانِ لَهُ إنَّمَا هُمَا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْ الْمَغْرِسِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُمَا بَيْعُ خُمْسِهِ مِنْ الْمَغْرَسِ لِانْقِطَاعِ مَلْحَظِ التَّبَعِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ خُمْسِ الْمَغْرِسِ الْمَبِيعِ إذْ مَلْحَظُهُمَا إنَّمَا هُوَ كَوْنُ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ أَصْلَ الشَّجَرِ التَّابِعَ لَهَا لِكَوْنِهِ نَابِتًا فِيهَا وَالنَّابِتُ هُنَا فِي خُمْسِ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ إنَّمَا هُوَ خُمْسُ الشَّجَرِ دُونَ خُمْسَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرَتْهُ مِنْ أَنَّ بَيْعَ خُمْسِهِ مِنْ الْأَرْضِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا خُمْسَ الشَّجَرِ فَقَطْ وَأَنَّ الْخُمْسَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لَهُ مِنْ الشَّجَرِ يَسْتَمِرَّانِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مَغْرِسِهِمَا فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ هَذَا

ص: 255

مَا ظَهَرَ الْآنَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَعَلَّنَا نَظْفَرُ لَهُ بِصَرِيحٍ فِي كَلَامِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَسُئِلَ) لَوْ وَجَدْنَا نَخْلَةً لِرَجُلٍ وَأَوْلَادَهَا لِآخَرَ فَتَنَازَعَا فِي مَغْرِسِهَا فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهَا مَالِكُ الْأَمِّ أَمْ الْيَدُ فِيهِ لَهُمَا فَلَوْ كَانَتْ النَّخْلَةُ فِي أَرْضٍ تُزْرَعُ فَادَّعَى الزَّارِعُ الْمِلْكَ فِيمَا يَزْرَعُهُ مَا عَدَا مَحَلَّ الْغَرْسِ وَعَاكَسَهُ صَاحِبُ النَّخْلَةِ فَهَلْ الْيَدُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ لِصَاحِبِ النَّخْلَةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْيَدَ فِي الْمَغْرِسِ إنَّمَا هِيَ لِمَالِكِ الْأُمِّ لِمَا مَرَّ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ وَأَنَّ الْأَوْلَادَ كَأَغْصَانِهَا فَهِيَ تَابِعَةٌ لَهَا وَالتَّابِعُ لَا يُفْرَدُ بِحُكْمٍ عَنْ مَتْبُوعِهِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ تَبَعِيَّتَهُ لَهُ وَأَيْضًا فَيَدُ مَالِكِ الْأُمِّ عَلَى مَغْرِسِهَا مُتَيَقَّنَةٌ وَمَالِكُ الْأَوْلَادِ يُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ يَدًا وَأَنْ لَا يَدَ لَهُ فَعَلِمْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ وَأَلْغَيْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ.

وَأَيْضًا فَمِلْكُ الْأَوْلَادِ لَا يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَغْرِسِ لِأَنَّهَا لَا مَغْرِسَ لَهَا حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِهَا مَثَلًا تَبَعًا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ انْدِفَاعُ مَا يُتَخَيَّلُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُمَا كَسَائِقٍ وَقَائِدٍ لِدَابَّةٍ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ وُضُوحُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْيَدُ مُتَعَدِّدٌ وَلِأَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ وَهُوَ مَالِكُ الْأُمِّ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ تَيَقُّنِ مِلْكِهِ لِلْمَغْرِسِ وَمِنْ أَنَّ مِلْكَ الْأُمِّ يَسْتَلْزِمُ اسْتِحْقَاقَهُ وَمِلْكَ الْأَوْلَادِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا يَقْتَضِيه لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَمِلْكُ بَعْضِ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ لَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقًا فِي مَغْرِسِهَا بِوَجْهٍ فَكَذَلِكَ مِلْكُ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ أَغْصَانِهَا وَهُوَ أَوْلَادُهَا لَا يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقًا فِي مَغْرِسِهَا فَكَانَتْ الْيَدُ عَلَيْهِ لِمَالِك الْأُمِّ فَقَطْ كَمَا بَانَ لَك اتِّضَاحُهُ مِمَّا قَرَّرْته هَذَا فِي أَوْلَادٍ مُتَّصِلَةٍ بِأَصْلِ الْأُمِّ ظَاهِرًا أَمَّا الْمُتَمَيِّزَةُ بِمَغْرِسٍ ظَاهِرٍ.

فَإِنَّ يَدَ مَالِكِهَا عَلَى مَغْرِسِهَا لِاسْتِقْلَالِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ اتَّحَدَتْ مَعَ غَيْرِهَا فِي الْعُرُوقِ الَّتِي بِبَاطِنِ الْأَرْضِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأُمِّ وَالْأَوْلَادِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَوُجِدَتْ أَوْلَادٌ أُخَرُ فَإِنْ الْتَصَقَتْ ظَاهِرًا بِالْأُمِّ فَلِمَالِكِهَا أَوْ بِهِمَا فَلَهُمَا وَالِالْتِصَاقُ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ مَعَ التَّمَيُّزِ بِمَغْرِسٍ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخُولِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ إنَّمَا هُوَ بَابُ الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ غَالِبًا وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُعِدُّونَ الْمُسْتَقِلَّ بِمَغْرِسٍ تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَإِنْ اتَّصَلَتْ عُرُوقُهُ بِعُرُوقِهِ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْأَشْجَارِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَمَايُزٌ ظَاهِرٌ وَمَسَافَةٌ طَوِيلَةٌ فِي ظَاهِرِ الْأَرْضِ مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الْعُرُوقِ فِي بَاطِنِهَا فَلَوْ اعْتَبِرْنَا ذَلِكَ لَخَرَجْنَا عَنْ قَاعِدَتِهِمْ وَقَوْلُ السَّائِلِ فَلَوْ كَانَتْ النَّخْلَةُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الْيَدَ عَلَى الْمَغْرِسِ لِصَاحِبِ النَّخْلَةِ.

وَعَلَى مَا عَدَاهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُمْ وَالْحَمْلُ فِي الْحَيَوَانِ وَالْمَتَاعِ فِي الدَّارِ وَنَحْو الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ كُلٌّ مِنْهَا يُثْبِتُ الْيَدَ لِمَالِكِهِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الظَّرْفَ تَابِعٌ لِلْمَظْرُوفِ وَمَحَلّه إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ عَلَى الْمُتَنَازَعِ فِيهِ حَتَّى لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ آخِرَ الصُّلْحِ لَا يَكْفِي تَرَجُّحٌ بِكَوْنِ أَمْتِعَةِ أَحَدِهِمَا فِي الدَّارِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه لَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْإِشَاعَةِ وَلِأَجْنَبِيٍّ فِيهَا شَجَرٌ فَأَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ تَحْتَ شَجَرِهِ إجَّانَةً لِحِفْظِ الْمَاءِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى أُصُولِهِ شَيْئًا مِنْ التُّرَابِ لِاسْتِمْسَاكِ الشَّجَرِ أَوْ لِأَجْلِ نَمَاءِ الثَّمَرِ أَوْ أَرَادَ وَضْعَ زِبْلٍ لِذَلِكَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ فِيهَا شَجَرٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَجْعَلَ تَحْتَ شَجَرِهِ مَا ذُكِرَ فَهَلْ يُجَابُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ الَّذِي لَهُ الشَّجَرُ فِي الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا وَحُكْمُهُمَا وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ أَوْ الْإِجَارَةُ لِلْمَغْرِسِ وَمَا حَوْلَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا حَوْلَهُ انْتِفَاعًا يَعُودُ عَلَى شَجَرِهِ بِنَفْعٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ بِهِ ضَرَرٌ فِي الْأَرْضِ نَعَمْ إنْ نَصَّ عَلَى نَوْعٍ فِي عَقْدِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْإِجَارَةِ جَازَ لَهُ فِعْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَغْرِسِ وَحْدَهُ أَوْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ لِبَقَاءِ الشَّجَرِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ مِنْ جِهَةِ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ كَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ وَنَذْرٍ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا حَوْلَ الْمَغْرِسِ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَضَرَّ الْأَرْضَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي الْإِجَارَةِ إلَّا مَنْفَعَةَ الْمَغْرِسِ فَقَطْ وَفِي الْعَارِيَّةِ وَنَحْوِ الْبَيْعِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الِانْتِفَاعَ بِهِ بِبَقَاءِ الشَّجَرِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْإِبْقَاءِ فَلَا حَقَّ لَهُ حَوْلَ الْمَغْرِسِ بِوَجْهٍ.

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْتِفَاعُ

ص: 256

بِهِ نَعَمْ إنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي أَصْلِ شَجَرِهِ جَازَ لَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْمَغْرِسَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ رُجُوعِ الْمَعِيرِ، لَهُ دُخُولُ أَرْضِ الْمُعِيرِ لِسَقْيِ غِرَاسِهِ وَإِصْلَاحِ بِنَائِهِ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْعَارِيَّةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ نَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى فَإِنْ اضْطَرَّ إلَى حِفْظِ الْإِجَّانَةِ بِأَنْ تَوَقَّفَتْ حَيَاةُ الشَّجَرِ عَلَى ذَلِكَ إلَى وَضْعِ تُرَابٍ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ اسْتِمْسَاكُهَا احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ التَّمْكِينُ مِنْ ذَلِكَ لَا مَجَّانًا بَلْ بِأُجْرَةٍ وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْمُعِيرَ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ لَزِمَهُ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ إلَى الْحَصَادِ وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ جَازَ لِلْمُسْتَعِيرِ دُخُولُ أَرْضِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِسَقْيِ غِرَاسِهِ وَإِصْلَاحِ بِنَائِهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مُدَّةِ الدُّخُولِ إنْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَةُ أَرْضِ الْمُعِيرِ عَلَيْهِ بِدُخُولِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا يُمَكَّنُ حِينَئِذٍ مِنْ الدُّخُولِ بِالْأُجْرَةِ.

وَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ يَعُودُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ بِتَمْكِينِ صَاحِبِ الشَّجَرِ مِنْ وَضْعِ مَا ذُكِرَ فِيهَا غَيْرَ فَوْتِ مَنْفَعَتِهَا أَمَّا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ إتْلَافِ شَجَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ صَاحِبُ الشَّجَرِ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ مَنْ بَاعَ شَجَرَهُ وَبَقِيَتْ لَهُ الثَّمَرَةُ لَمْ يُكَلَّفْ قَطْعَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَبْلَ وَقْتِ الْعَادَةِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ السَّقْيُ وَعَظُمَ الضَّرَرُ بِبَقَائِهَا فَيُكَلَّفُ قَطْعَهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَقَوْلُهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا السَّقْيُ لِحَاجَةِ الثِّمَارِ عَلَى الْبَائِعِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْقَطْعِ إنْ تَضَرَّرَ الشَّجَرُ بِبَقَاءِ الثِّمَارِ اهـ وَوَجْهُ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَتِنَا أَنَّ إبْقَاءَ الشَّجَرَةِ ثَمَّ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ كَإِبْقَاءِ الثَّمَرَةِ هُنَا عَلَى شَجَرِ الْغَيْرِ فَكَمَا رَاعَوْا هُنَا مَصْلَحَةَ مَالِكِ الْأَرْضِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَرَأَوْا أَنَّ حُصُولَ الضَّرَرِ بِهِ يُوجِبُ قَطْعَ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ فَقِيَاسُهُ النَّظَرُ هُنَا لِمُصْلِحَةِ مُلَّاكِ الْأَرْضِ فَيَكُونُ لُحُوقُ الضَّرَرِ بِهِمْ مُجَوِّزًا لَهُمْ مَنْعَ صَاحِبِ الشَّجَرِ مِنْ وَضْعِ شَيْءٍ فِي أَرْضِهِمْ يَضُرُّهُمْ.

وَإِنْ عَادَتْ مَنْفَعَتُهُ عَلَى الشَّجَرِ فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ مَا قَالُوهُ ثُمَّ مِمَّا ذَكَرْته أَنَّهُمْ لَا يُجْبَرُونَ هُنَا عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ السَّقْيِ بِأُجْرَةٍ الَّذِي رَجَّحْته قُلْت: لَيْسَ قِيَاسُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرَضَ كَمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِتَمْكِينِهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَزِمَهُمْ كَمَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ فِي تِلْكَ تَمْكِينُ الْبَائِعِ مِنْ السَّقْيِ وَدُخُولِ مِلْكِهِ لَهُ إنْ كَانَ أَمِينًا مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ مِلْكِهِ وَهُوَ الثَّمَرَةُ فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ هَذَا أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ وَضْعِ مَا ذُكِرَ بِلَا أُجْرَةٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ فِي الْبَائِعِ أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الدُّخُولِ لِلسَّقْيِ بِلَا أُجْرَةٍ قُلْت: يُفَرَّقُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الدُّخُولِ لِسَقْيِ الثَّمَرَةِ أَنْ لَا تَطُولَ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبِخِلَافِ دُخُولِ الْمُسْتَعِيرِ فِيمَا مَرَّ لِسَقْيِ غِرَاسِهِ وَإِصْلَاحِ بِنَائِهِ عَلَى أَنَّ تَعَلُّقَ الْبَائِعِ هُنَا أَشَدُّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا قَدِمَ عَلَى شِرَاءِ الشَّجَرِ دُونَ الثَّمَرِ كَانَ مُوَطِّنًا نَفْسَهُ عَلَى الرِّضَا بِبَقَاءِ الثَّمَرَةِ وَمِنْ لَازِمِهِ الرِّضَا بِدُخُولِهِ لِسَقْيِهَا.

وَمِنْ ثَمَّ لَوْ ضَرَّ السَّقْيُ أَحَدَهُمَا وَنَفَعَ الْآخَرَ وَتَنَازَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ وَلَا يَتَّجِهُ الْقَوْلُ بِنَظِيرِ هَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا كَانَ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الشَّجَرَ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُ السَّائِلِ وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ فِيهَا شَجَرٌ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ بَلْ يَأْتِي فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مَعَ الْبَقِيَّةِ نَظِيرُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الصُّلْحِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه لَوْ كَانَتْ أَرْضٌ مُتَفَرِّقَةً لِأَشْخَاصٍ لِأَحَدِهِمْ فِي نَصِيبِهِ مِنْهَا زَرْعٌ وَلِلْآخَرِ فِيهَا شَجَرٌ أَوْ لِكُلٍّ فِي نَصِيبِهِ زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ السَّقْيَ لِنَفْعِ مِلْكِهِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لِضَرَرِ مِلْكِهِ وَالْحَالُ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ فِي يَدِ هَؤُلَاءِ الْمُلَّاكِ مُنْتَقِلَةٌ مِنْ أَهَالِيِهِمْ مِنْ وَارِثٍ إلَى وَارِثٍ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى وَاحِدٍ بِصُورَةِ عَقْدٍ حَتَّى يُقَالَ يُفْسَخُ الْعَقْدُ فَهَلْ يُجَابُ طَالِبُ السَّقْيِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ السَّقْيَ أَمْ الْمُمْتَنِعُ إذْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فَإِنْ قُلْتُمْ يُجَابُ طَالِبُ السَّقْيِ فَهَلْ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِسَبَبِ السَّقْيِ كَالْمُسْتَعِيرِ يَدْخُلُ لِنَحْوِ سَقْيٍ بِأُجْرَةٍ لَمَّا عَطَّلَ فَإِنْ قُلْتُمْ يُفْرِدُ كُلٌّ مِنْهُمْ مِلْكَهُ بِسَقْيٍ فَقَدْ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِتَعْطِيلِ بَعْضِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ الَّتِي مِنْهَا مَنْفَذُ الْمَاءِ بِسَبَبِ وَضْعِ الْحَوَاجِزِ الَّتِي تَرُدُّ الْمَاءَ فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) أَمَدَّنَا اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ بِأَنَّ كَلَامَ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْأَرْضَ الْمَذْكُورَةَ مُتَمَايِزَةُ الْحِصَصِ وَبِأَنَّ تِلْكَ الْحِصَصَ الْمُتَمَايِزَةَ فِي

ص: 257

كُلّ مِنْهَا لِمَالِكِهَا زَرْعٌ أَوْ زَرْعٌ وَشَجَرٌ وَأَرَادَ أَحَدُهُمْ سَقْيَ مَا فِي أَرْضِهِ وَمَنَعَهُ الْبَاقُونَ لِأَنَّ سَقْيَهُ لِأَرْضِهِ يَضُرُّ مِلْكَهُمْ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ يَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ أَنَّهُ مَتَى تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ جَازَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ جَارُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا أَفْضَى إلَى تَلَفٍ كَمَا لَوْ اتَّخَذَ بِئْرًا عَلَى الِاقْتِصَادِ الْمُعْتَادِ بِمِلْكِهِ أَوْ حَفَرَ بَالُوعَةً كَذَلِكَ فَاخْتَلَّ بِذَلِكَ حَائِطُ جَارِهِ أَوْ نَقَصَ بِهَا مَاءُ بِئْرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا يَضُرُّ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَقْيَ أَرْضِهِ عَلَى الْعَادَةِ جَازَ لَهُ وَمُكِّنَ مِنْهُ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ جَارُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِمَا نَقَصَ بِسَبَبِهِ وَفَارَقَ الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور فِي السُّؤَالِ.

فَإِنْ كَانَ مُرِيدُ السَّقْيِ لَا يَتَوَصَّلُ لِسَقْيِ أَرْضِهِ إلَّا بِوَضْعِ الْحَوَاجِزِ أَوْ بَعْضِهَا فِي أَرْضِ جَارِهِ وَلَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةَ الْوَضْعِ فِيهَا فَإِنْ سَمَحَ لَهُ جَارُهُ بِذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ جَارُهُ عَلَى أَنْ يُسَامِحَهُ بِأُجْرَةٍ وَلَا دُونِهَا وَإِنْ كَانَ يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِوَضْعِ الْحَوَاجِزِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ فَإِنْ اخْتَصَّتْ مَنْفَعَتُهَا بِأَرْضٍ فَمُؤْنَتُهَا عَلَيْهِ أَوْ بِأَرَاضِي الْجَمِيعِ فَهِيَ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ أَمْلَاكِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) هَلْ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ السُّفُوحُ الَّتِي يَنْزِلُ مِنْهَا السَّيْلُ إلَى الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ وَفِي بَيْعِ الدَّارِ مَفَاسِحُهُ الَّتِي يُطْرَحُ فِيهَا الْقُمَامَاتُ وَيُطْعَمُ فِيهَا الْبَهَائِمُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا أَوْ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَعْيِينٍ وَإِذَا عَرَفَ كَاتِبُ الْوَثِيقَةِ أَنَّهُمَا أَرَادَا ذَلِكَ بِمُقْتَضَى جَرْيِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ هَلْ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْوَثِيقَةَ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ كَتْبُ ذَلِكَ إلَّا بِإِخْبَارِ الْبَائِعِ بِذَلِكَ قَالَ اشْتَرَيْت دَارَ فُلَانٍ فَاكْتُبْ لِي بِهَا وَثِيقَةً هَلْ يَجُوزُ لَهُ وَهَلْ يَكْفِي إخْبَارُ ثِقَةٍ بِذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَلَا شُرْبُهَا أَيْ نَصِيبُهَا مِنْ قَنَاةٍ أَوْ نَهْرٍ مَمْلُوكَيْنِ وَنَبَّهَ السُّبْكِيّ وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْمَسِيلِ أَوْ الشُّرْبِ الْخَارِجِ عَنْ الْأَرْضِ بِخِلَافِ الدَّاخِلِ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ فِي دُخُولِهِ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ عِنْد إيجَارِهَا لِزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَحْصُلُ بِدُونِهَا هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَمَّا لَوْ قَالَ بِحُقُوقِهَا فَيَدْخُلُ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مُطْلَقًا وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ حَرِيمُهَا أَيْ الْمَمْلُوكُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ حُقُوقُهَا الْخَارِجَةُ عَنْهَا كَمَجْرَى الْمَاءِ وَحَرِيمُهَا وَشَجَرُهَا الَّذِي فِيهِ إنْ كَانَتْ بِطَرِيقٍ مُنْسَدٍّ بِخِلَافِ الَّتِي بِالشَّارِعِ فَإِنَّهُ لَا حَرِيمَ لَهَا مَمْلُوكٌ.

وَسَوَاءٌ فِي دُخُولِ الْحَرِيمِ الْمَمْلُوك وَنَحْوه قَالَ بِحُقُوقِهَا أَمْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك الدَّارَ وَسَكَتَ وَيَجُوزُ لِمَنْ شَهِدَ عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُك الدَّارُ الْفُلَانِيَّةَ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِدُخُولِ الْحَرِيمِ مَعَ عَدَمِ بَيَانِ الصِّيغَةِ الصَّادِرَةِ مِنْ الْبَائِعِ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَيَكْتَفِي مِنْهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ إنْ كَانَ فَقِيهًا وَقِيلَ لَا يَكْتَفِي مِنْهُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُفَسِّرَ مَا شَهِدَ بِهِ وَيُبَيِّنَهُ ثُمَّ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِيهِ بِمَا يَقْتَضِيه نَظَرُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَكُونَ مُفْتِيًا شَاهِدًا هَذَا كُلُّهُ فِي الشَّهَادَةِ وَأَمَّا كِتَابَةُ الْوَثِيقَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا إذْ لَا يَثْبُتُ بِهَا حَقٌّ فَلَا يُدَارُ حُكْمٌ عَلَى كِتَابَتِهَا وَعَدَمِ كِتَابَتِهَا فَلَوْ جَاءَ إنْسَانٌ لِمُوَثِّقٍ وَقَالَ لَهُ اُكْتُبْ لِي وَثِيقَةً بِشِرَاءِ دَارِ فُلَانٍ فَإِنِّي شَرَيْتُهَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إذَا أَرَادَ الْكِتَابَةَ مُعْتَمِدًا عَلَى إخْبَارِهِ أَنْ يَقُولَ قَالَ فُلَانٌ إنَّهُ اشْتَرَى دَارَ فُلَانٍ إلَخْ.

وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْزِمَ بِالشِّرَاءِ فِي كِتَابَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ طَرِيقٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَكَمَا يَجِبُ التَّحَرِّي فِي صِدْقِ الْمَنْطِقِ كَذَلِكَ يَجِبُ التَّحَرِّي فِي صِدْقِ الْكِتَابَةِ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّحَرِّي بِأَنْ يُسْنَدَ إلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِذَلِكَ كَتَبَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ بِشِرَاءِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ فُلَانٌ إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى أَوْ بَاعَ كَذَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. .

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ وَإِنْ عَلِمَهَا الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُشْكِلٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ تَحْتَهَا دَكَّةٌ وَعَلِمَهَا الْمُشْتَرِي؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الصُّبْرَةِ مُسْتَنِدٌ إلَى التَّخْمِينِ وَوُجُودُ الدَّكَّةِ الْمَعْلُومَةِ يَمْنَعُهُ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِي الْأَرْضِ.

(وَسُئِلَ)

ص: 258

- رضي الله عنه عَنْ شَخْصٍ لَهُ شَجَرَةٌ مَغْرُوسَةٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِحَقٍّ كَانَ بَاعَهُ شَجَرَةً مِنْ غَيْرِ شَرْطِ قَلْعِهَا أَوْ قَطْعِهَا فَبَسَقَتْ فُرُوعُهَا وَكَثُرَتْ أَغْصَانُهَا وَزَادَتْ عُرُوقُهَا فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَضَرَّرَ بِهَا مَالِكُ الْأَرْضِ فَهَلْ يَقْطَعُ مَا زَادَ بَعْدَ الشِّرَاءِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِذَلِكَ فَقَالُوا وَالْمَوْجُودُ لِلْأَصْحَابِ فِيمَا حَدَثَ مِنْ أَوْلَادِ الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ انْتَشَرَ مِنْ أَغْصَانِهَا حَوْلَهَا فِي هَوَاءِ أَرْضِ الْبَائِعِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا اسْتِحْقَاقُ إبْقَائِهَا كَالْأَصْلِ وَقَاسُوا ذَلِكَ عَلَى ثَخَانَةِ الْأَصْلِ وَالْعُرُوقِ الْمُتَجَدِّدَةِ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُرُوقَ الزَّائِدَةَ فِي الْأَرْضِ مُتَّفَقٌ عَلَى إبْقَائِهَا كَيْفَ كَانَتْ وَلِبَعْضِ شُرَّاحِ الْوَسِيطِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ كَالْمُتَنَاقِضِ حَيْثُ قَالَ فِي شَجَرَةٍ قَدِيمَةٍ لِرَجُلٍ فِي أَرْضِ آخَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا سَبَبُ مِلْكِهِ لَهَا فَزَادَتْ عُرُوقُهَا وَأَغْصَانُهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَطْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَلَا شَيْءَ مِنْ أَغْصَانِهَا الْقَدِيمَةِ وَإِنْ تَضَرَّرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا بِحَقِّ مَا طَالَ مِنْ الْأَغْصَانِ عَلَى مَا عُهِدَ فَفِيهِ احْتِمَالٌ اهـ.

وَقَالَ فِي رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا أَرْضٌ وَلِلْآخَرِ شَجَرَةٌ أَغْصَانُهَا مُنْتَشِرَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ تَزِيدُ كُلَّ سَنَةٍ زِيَادَةً جَدِيدَةً أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إزَالَةَ تِلْكَ الْأَغْصَانِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي هَوَاءِ أَرْضِهِ لِمِلْكِهِ لَهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ سَوَاءٌ الْقَدِيمَة وَالْحَادِثَة وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ كَلَامَيْهِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي شَجَرَةٍ لِشَخْصٍ نَابِتَةٍ فِي أَرْضٍ لِآخَرَ وَلَمْ تَخْرُجْ أَغْصَانُهَا عَنْ هَوَاءِ تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ نَابِتَةٌ فِيهَا إلَى هَوَاءِ غَيْرِهَا وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى أَرْضٍ لِشَخْصٍ وَشَجَرَةٍ لِآخَرَ نَابِتَةٍ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ انْتَشَرَتْ أَغْصَانُهَا إلَى هَوَاءِ تِلْكَ الْأَرْضِ الْمُجَاوِرَةِ لِأَرْضِ الشَّجَرَةِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمَنْقُولُ تَبْقِيَةُ الْحَادِثِ مِنْ أَوْلَادِ الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا وُضِعَ بِحَقٍّ وَأَغْصَانُهَا الْمُنْتَشِرَةُ وَعُرُوقُهَا كَذَلِكَ تَبَعًا لِأَصْلِهَا سَوَاءٌ الْحَادِثَة وَالْقَدِيمَة.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يَدْخُلُ فِي نَحْوِ بَيْعِ دَارٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى عُلْوٍ وَسُفْلٍ وَمَخَازِنَ فِي السُّفْلِ لَكِنْ لَا طَرِيقَ إلَيْهَا وَإِنَّمَا أَبْوَابُهَا نَافِذَةٌ إلَى الشَّارِعِ مَعَ أَنَّ الْأَبْوَابَ أَيْضًا فِي جِدَارِهَا وَهَلْ يَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِ هَذِهِ الدَّكَاكِينِ وَإِذَا صَحَّ فَهَلْ يَصِيرُ الْجِدَارُ الَّذِي هِيَ فِيهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُشْتَرِينَ لِتِلْكَ الدَّكَاكِينِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا خَفَاءَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَمِيعُ مَا أَحَاطَ بِهِ بُنْيَانُهَا وَكَذَا مَا اتَّصَلَ بِهَا مِمَّا بُنِيَ لِمَصْلَحَتِهَا كَمُسْتَحَمٍّ وَغَيْرِهِ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مُسَامَتَتِهَا لِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِأَنَّهُ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ فَالدَّكَاكِينُ الْمَذْكُورَةُ مِنْهَا لِاشْتِمَالِ حِيطَانِهَا عَلَيْهَا وَإِنْ نَفَذَتْ أَبْوَابُهَا مِنْ الشَّارِعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَاتِهَا الْأَرْبَعِ أَوْ بَعْضِهَا وَإِذَا بَاعَ مَخْزَنًا أَوْ مَخْزَنَيْنِ لِاثْنَيْنِ صَحَّ وَيَكُونُ الْجِدَارُ الْمَذْكُورُ عِنْد الْإِطْلَاقِ مُشْتَرَكًا إذْ لَيْسَ نِسْبَتُهُ إلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ نَذَرَ لِآخَرَ بِدَارٍ وَبِجَانِبِ الدَّارِ جَرِينٌ مَثَلًا خَارِجٌ عَنْ تَرْبِيعِ الدَّارِ وَطَرِيقهَا تَمُرُّ فِي الدَّارِ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي النَّذْرِ بِالدَّارِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الْهِبَةَ تَتَنَاوَلُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْبَيْعُ وَأَلْحَقَ بِهِ غَيْرُهُمْ الْوَقْفَ وَالصَّدَقَةَ وَالْوَصِيَّةَ وَنَحْوَهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّذْرَ كَذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحَمَّامَ إنْ عُدَّ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا وَبِأَنَّ حَرِيمَهَا بِشَجَرِهِ النَّابِتِ فِيهِ يَدْخُلُ إنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَإِلَّا فَلَا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ إنْ عُدَّ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يُعَدَّ مِنْ مَرَافِقِهَا بَلْ مِنْ حَرِيمِهَا فَإِنْ كَانَتْ فِي شَارِعٍ لَمْ يَدْخُلْ أَوْ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ دَخَلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ قَالَ الْقَفَّالُ إنَّ مَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ وَمَا لَا فَلَا إلَّا الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَالْحَمْلَ وَالْجِدَارَ أَيْ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْيَقِينِ وَبِنَاءِ الْبَيْعِ عَلَى الْعُرْفِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِأَرْضٍ فِيهَا شَجَرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا عَدَا مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لَكِنْ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ إنَّ الْإِقْرَارَ كَالرَّهْنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَا ذَكَرَ فَهَلْ مَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةٍ مَرْجُوحَةٍ لِكَوْنِ

ص: 259