الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْقَرَارِ حَتَّى يَبْطُلَ فِي الْمَاءِ الرُّجُوعُ لِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِيهِ فَإِنَّمَا هِيَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقَابَلُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قُوبِلَ بِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ عَلَى الضَّعِيفِ وَفِيهِ وَحْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَاهُ أَيْ هُنَا مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْمَاءِ قَدْ سَبَقَ عَنْ زَوَائِدِهِ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الْأَرْضِ مِنْ تَخْرِيجِهَا عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ مَجْهُولٌ وَقَدْ سَبَقَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ اهـ وَقَدْ قَرَّرْت لَك فِيمَا سَبَقَ الْجَوَابَ مَبْسُوطًا وَاضِحًا عَنْ اعْتِرَاضَيْهِ هَذَيْنِ ابْنُ الْعِمَادِ بِمَا فِي بَعْضِهِ نَظَرٌ فَلِذَا ذَكَرْت كَلَامَهُ لِأُبَيِّنَ ذَلِكَ فَمَا اعْتَرَضَ بِهِ أَنَّ الَّذِي فِي الْبَيْعِ لَمْ يُسْبَقْ عَنْ الْقَفَّالِ بَلْ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَهُوَ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ شَارِحُ التَّلْخِيصِ لَا أَنَّهُ مُصَنِّفُهُ اهـ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لِلْقَفَّالِ كِتَابًا اسْمُهُ التَّلْخِيصُ لَكِنْ عَلَى فَرْضِهِ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ مُتَوَجَّهٌ أَيْضًا إذْ لَا قَرِينَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هُوَ الْقَفَّالُ بَلْ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّهُ ابْنُ الْقَاصِّ لِأَنَّ تَلْخِيصَهُ مَشْهُورٌ مُتَقَدِّمٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالنَّقْلِ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي نَقَلَاهُ هُنَا عَنْ الْقَفَّالِ كَمَا مَرَّ فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ مَنْعُ بَيْعِ الْمَاءِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ وَهَذَا يَبْعُدُ أَنْ. يُرَادَ بِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ عَنْ التَّلْخِيصِ تَلْخِيصِ الْقَفَّالِ إنْ سَلِمَ أَنَّ لَهُ كِتَابًا اسْمُهُ ذَلِكَ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِأَنَّ مَا قَالَاهُ هُنَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ لِأَنَّ مَا مَرَّ ثَمَّ مَحَلُّهُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ إذْ الْمُرَادُ بِالشِّرْبِ فِيهِ الْمَاءُ الرَّاكِدُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ جَمِيعُ الْمَاءِ الَّذِي أَحَاطَ بِهِ الْوَادِي أَوْ النَّهْرُ وَهُوَ غَيْرُ جَارٍ اهـ.
وَقَدَّمْت فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ إنْ تَأَمَّلْته مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ مَاءَ النَّهْرِ مَجْهُولٌ حَتَّى يَبْطُلَ فِي أَرْضِهِ أَيْضًا بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْمَاءَ الرَّاكِدَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالرُّؤْيَةِ تُحِيطُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ عُمْقِهِ مِمَّا يَسْهُلُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا اهـ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ عَجِيبٌ فَإِنَّ ابْنَ الْعِمَادِ نَفْسَهُ قَدَّمَ أَنَّ مَا قَالَاهُ هُنَا مَفْرُوضٌ فِي الْجَارِي وَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْبَيْعِ مَفْرُوضٌ فِي الرَّاكِدِ وَإِذَا قَرَّرَ ذَلِكَ فَكَيْف يَرُدُّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي الرَّاكِدِ فَوَقَعَ فِي التَّنَاقُضِ الصَّرِيحِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فَكَانَتْ دَعْوَاهُ أَنَّ مَا هُنَا فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ هِيَ الْبَاطِلَةُ لِمَا قَدَّمَهُ وَلِأَنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحٌ فِي جَرَيَانِ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْقَرَارِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا فَالْوَجْهُ فِي رَدِّ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَيْهِ بِكَلَامِهِمْ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت.
[الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْم عُيُونِ الْحِجَازِ]
(الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْمِ عُيُونِ الْحِجَازِ بِخُصُوصِهَا هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ وَهَلْ يَصِحُّ بَيْعُهَا أَوْ لَا لِعَدَمِ رُؤْيَتِهَا) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ نَدْرِ أَنَّهُ حَفْرٌ أَيْ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا أَوْ انْخَرَقَ أَيْ فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ اهـ وَعُيُونُ الْحِجَازِ أَوْلَى بِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً مِنْ النَّهْرِ الَّذِي فَرَضَ الشَّيْخَانِ الْكَلَامَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ غَيْر وَضْعِ الْيَدِ بِالِاسْتِقَاءِ مِنْهُ وَأَمَّا عُيُونُ الْحِجَازِ فَفِيهَا قَرِينَةٌ أُخْرَى أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ الِاسْتِقَاء وَهِيَ الْبِنَاءُ الْمَوْجُودُ عَلَى تِلْكَ الْعُيُونِ الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ الْبَانِي لِمَحَلِّ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَإِنْ قُلْت فِي الْأَنْوَارِ وَشَرْحِهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ مَا نَبَعَ مِنْ مَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَمَا لَا صُنْعَ لِلْآدَمِيِّ فِي إخْرَاجِهِ وَإِجْرَائِهِ كَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَجَيْحُونَ وَسَائِرِ أَوْدِيَةِ الْعَالَمِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ وَالْمَوَاتِ فَالنَّاسُ فِيهَا شَرْعٌ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْمَنْعُ مِنْ أَخْذِ مَائِهَا لِشُرْبٍ أَوْ طُهْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَا أَنْ يَتَحَجَّرَهَا.
وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَبِيعُهَا مِنْ طَرِيقٍ أَوْلَى وَهَذَا
كَمَا تَرَى - شَاهِدٌ أَيُّ شَاهِدٌ عَلَى أَنَّ عُيُونَ الْحِجَازِ لَا يُمَلَّكُ مَنْبَعُهَا لِأَنَّهَا مِمَّا شَمِلَهُ قَوْلُهُ وَالْعُيُونُ فِي الْجِبَالِ وَالْمَوَاتِ وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَحَجُّرُهَا وَلَا إقْطَاعُهَا وَلَا بَيْعُهَا قُلْت لَا دَلِيلَ فِي هَذَا وَلَا شَاهِدَ لِعَدَمِ مِلْكِ عُيُونِ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَنْوَارِ وَشَرْحَهُ الْمَذْكُورَ مَفْرُوضٌ فِيمَا عَلِمْت إبَاحَةُ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فَصْلُ الْمَاءِ أَقْسَامٌ: الْأَوَّلُ مَا نَبَعَ مِنْ مَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَلَا صُنْعَ لِلْآدَمِيَّيْنِ فِي إخْرَاجِهِ وَإِجْرَائِهِ فَقَدْ فَرَضَ الْكَلَامَ فِي فَرْدٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا عُلِمَ أَنَّهُ نَبَعَ مِنْ مَوْضِعٍ مُبَاحٍ مِنْ غَيْر صُنْعٍ لِآدَمِيٍّ فِي إخْرَاجِهِ وَإِجْرَائِهِ وَمِثْل ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ وَمِنْ جُمْلَتِهِ عُيُونِ الْجِبَالِ وَالْمَوَات وَعُيُونُ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَصْلَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا هَلْ كَانَ مُبَاحًا لِكَوْنِهِ نَابِعًا بِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَجَبَلٍ أَوْ مَوَاتٍ فَجَاءَ إلَى كُلِّ عَيْنٍ مِنْهَا جَمَاعَةٌ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا بِطَرِيقٍ وَحَازُوهَا وَبَنَوْا عَلَيْهَا ثُمَّ تَلَقَّاهَا وَرَثَتُهُمْ عَنْهُمْ مِنْ مُنْذُ قُرُونٍ عَدِيدَةٍ إلَى وَقْتِنَا هَذَا أَوْ مَمْلُوكًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْمَوَاتِ مَنْبَعٌ.
وَإِنَّمَا جَاءَ مَنْ حَفَرَهُ إلَى أَنْ صَادَفَ مَنْبَعًا فَبَنَى عَلَيْهِ وَتَحَجَّرَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ وَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مُنْذُ تِلْكَ الْقُرُونِ وَهَذَا التَّرَدُّدُ الَّذِي أَبْدَيْته لَا يُمْكِنُ أَحَدًا دَفْعُهُ إلَّا إنْ كَانَ مِنْ السُّوفُسطائِيَّة الَّذِينَ يُنْكِرُونَ حَتَّى الْمَحْسُوسَاتِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا التَّرَدُّدَ فِي عُيُونِ الْحِجَازِ لَا مَدْفَعَ لَهُ ثَبَتَ أَنَّ عُيُونَهَا بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ الَّذِي فَرَضَ الشَّيْخَانِ الْكَلَامَ فِيهِ وَثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا أَوْلَى بِالْمِلْكِ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ لِأَنَّ فِيهَا قَرِينَةً أُخْرَى أَقْوَى وَأَظْهَرَ مِنْ قَرِينَةِ وَضْعِ الْيَدِ وَهِيَ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا الصَّرِيحُ فِي الْمِلْكِ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِيهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ وَضْعَهَا فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِالِاسْتِقَاءِ مِنْهُ وَأَمَّا وَضْعُهَا هُنَا فَهُوَ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِهَدْمِ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا وَعِمَارَته وَبِالتَّبَايُعِ فِيهَا وَحِيَازَتِهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ مِنْ مُنْذُ قُرُونٍ مَدِيدَةٍ بَلْ بَعْضُهَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ فَلِلنَّاسِ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ تِسْعُمَائَةِ سَنَةٍ وَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحِيَازَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ.
وَحِينَئِذٍ فَهَلْ بَقِيَ بَعْدَ هَذَا قَرِينَةٌ عَلَى الْمِلْكِ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْقَرِينَةِ كَلًّا لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ عَدِمَ عَقْلَهُ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوَاهُ وَجَهْلُهُ فَإِنْ قُلْت هَلْ تَجِدُ نَظِيرًا غَيْرَ مَسْأَلَةِ النَّهْرِ يُقَاسُ عَلَيْهِ مَسْأَلَتنَا أَيْضًا قُلْت لِذَلِكَ نَظَائِرُ مِنْهَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ لَوْ وَجَدْنَا جُذُوعًا لِإِنْسَانٍ مَوْضُوعَةً عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ فَقَالَ صَاحِبُ الْجِدَارِ هَذِهِ مَوْضُوعَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَالَ صَاحِبُهَا بَلْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ بِحَقٍّ وَلَا بَيِّنَةَ حَكَمْنَا بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِحَقٍّ وَأَنَّ لِصَاحِبِهَا حَقُّ الْوَضْعِ عَلَى ذَلِكَ الْجِدَارِ حَتَّى لَوْ هَدَمَ أَوْ انْهَدَمَ وَأُعِيدَ جَازَ لَهُ إعَادَتُهَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ هُوَ بَانِي الْجِدَارِ لِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ فَإِذَا حَكَمُوا بِاسْتِحْقَاقِ مِلْكِ الْغَيْرِ لِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ الْمُحْتَمَلَةِ وَلَمْ يُبَالُوا بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ مَعَ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الْإِذْنِ وَحُكْمِ حَاكِمٍ يَرَى ذَلِكَ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ بَقَائِهَا إذْ التَّعَدِّي يُتَسَارَع إلَى إنْكَارِهِ وَلَا يُسْكَتُ عَنْهُ حَتَّى لَا يَكُونَ بِهِ بَيِّنَةٌ.
فَأَوْلَى أَنْ يَحْكُمُوا فِي عُيُونِ الْحِجَازِ بِأَنَّهَا مِلْكٌ لِوَاضِعِي الْأَيْدِي عَلَيْهَا مِنْ مُنْذُ تِلْكَ الْقُرُونِ الْعَدِيدَةِ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ فِيهَا أَظْهَرُ وَأَتَمُّ وَلَا يُقَالُ لَمْ يُصَرِّحْ الْفُقَهَاءُ فِيهَا بِشَيْءٍ لِأَنَّا نَقُولُ ذِكْرُهُمْ النَّهْرَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلهَا السَّابِقَةِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَصَاغِرِ الْمُتَفَقِّهَةِ بَلْ لِلتَّمْثِيلِ حَتَّى يَلْحَقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ فَكَيْفَ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ وَمِنْ النَّظَائِرِ أَيْضًا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُمْ لَوْ تَنَازَعُوا فِي قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ مِنْ النَّهْرِ جَعَلَ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ مِنْ الْأَرْضِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَأَمَّا قَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَالْقَرَائِنُ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجِدَارِ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ فِيهِ إلَى الدَّوَاخِلِ وَالْخَوَارِجِ وَأَنْصَافِ اللَّبَنِ وَمَعَاقِدِ الْقِمْطِ وَفِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يَخْتَلِف فِيهِ الزَّوْجَانِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِمَا حَلَفَا وَجُعِلَ بَيْنهمَا وَلَا نَظَرَ لِمَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا عَادَةً فَهُوَ وَإِنْ سَلِمَ شَاهِدٌ لَنَا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ النَّهْرَ لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ حِسًّا بَلْ حُكْمًا تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِذَا كَانَ تَابِعًا لِلْأَرْضِ لَزِمَ
أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِقَضِيَّتِهَا تَبَعًا لَهَا لِأَنَّ التَّابِعَ يُعْطَى حُكْمَ مَتْبُوعِهِ وَبِهَذَا عَلِمْتَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَمَسْأَلَتَيْ الْجِدَارِ وَمَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْيَدَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلَّةٌ وَلَيْسَتْ تَابِعَةً لِشَيْءٍ فَعَمِلَ بِقَضِيَّتِهَا وَهِيَ التَّسَاوِي وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ النَّهْرِ فَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ فَأُعْطَى حُكْمَهَا وَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ وَإِنْ نَقَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِرَدِّهِ فِيمَا أَعْلَمُ وَمِنْ تِلْكَ النَّظَائِرِ أَيْضًا مَا فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَرْضٍ سَاقِيَةٌ مِنْ نَهْرٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا شِرْبٌ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ حُكِمَ عِنْدَ التَّنَازُعِ بِأَنَّ لَهَا شِرْبًا مِنْهُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَكَذَا يَكُونُ شَرِيكًا لِأَهْلِ النَّهْرِ حَيْثُ لَا شِرْبَ لَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شِرْبٌ مِنْهُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ هُنَا أَيْضًا وَمِنْ تِلْكَ النَّظَائِرِ أَيْضًا مَا فِي الْأَنْوَارِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّهْرُ يَنْصَبُّ فِي أَجَمَةٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ غَدِيرٍ مَمْلُوكٍ وَحَوْلَ النَّهْرِ أَرَاضٍ مَمْلُوكَةٌ وَنُوزِعَ فِي الْمَاءِ جُعِلَ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَجَمَةِ وَأَصْحَابِ الْأَرَاضِي قَالَ شَارِحُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اشْتِرَاكُهُمْ فِيهِ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهَا مُنَاصَفَةٌ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَجَمَةِ وَأَصْحَابِ الْأَرَاضِي اهـ فَتَأَمَّلْ عَمَلَهُمْ بِالظَّاهِرِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا يَتَّضِحُ لَك مَا فِي الرَّوْضَةِ وَمَا قِسْنَا عَلَيْهِ.
فَإِنْ قُلْتَ سَلَّمْنَا جَمِيعَ مَا ذُكِرَ لَكِنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ فِي الْمَوَاتِ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلْمِلْكِ مُطْلَقًا بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمَارَّةِ كَانَتْ مُسْبَلَةً لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا تَحَجُّرُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَافِرِ طَمُّهَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لِارْتِفَاقِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِمَائِهَا حَتَّى يَرْحَلَ فَإِنْ عَادَ فَهُوَ كَغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ طَمُّهَا هُنَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَهُوَ وَالنَّاسُ فِيهَا سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَ لِلتَّمَلُّكِ فَهِيَ كَالْمَحْفُورَةِ بِمِلْكِهِ وَحُكْمُ مَا نَبَعَ بِمِلْكِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَمَلٍ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَفِي ثَلَاثِ صُوَرٍ لَا يُمَلَّكُ كَمَا تَقَرَّرَ فَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ هَذِهِ الْحَالَةِ الرَّابِعَةِ عَلَى الْحَالَاتِ الثَّلَاثِ قُلْتُ هَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَتَأَتَّى حَيْثُ عُلِمَ قَصْدُ الْحَافِرِ أَمَّا إذَا جُهِلَ قَصْدُهُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِكَ التَّفْصِيلُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا آنِفًا وَهِيَ قَاضِيَةٌ بِمِلْكِ وَاضِعِي الْيَدِ عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ هُنَا تَغْلِيبُ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى حَالَاتٍ ثَلَاثٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَحَلَّ تِلْكَ الْأَحْوَالِ حَيْثُ عُلِمَ قَصْدُ الْحَافِرِ.
وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْقَنَوَاتِ حُكْمُ الْآبَارِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ إلَّا أَنَّ حَفْرَهَا لِمُجَرَّدِ الِارْتِفَاقِ لَا يَكَادُ يَتَّفِقُ قَالَ السُّبْكِيّ وَالْقَنَاةُ فِي بِلَادِنَا اسْمٌ لِمَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ الْوَاصِلُ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنِ لَوْ حَفَرَ الْقَنَاةَ فَنَبَعَ فِيهَا مَلَكَهَا وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تُحْفَرُ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ فِيهَا وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهَا كَالْبِئْرِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَحَلَّ الْجَرَيَانِ فَهِيَ كَالْبِئْرِ فَفِي مِلْكِ الْجَارِي فِيهَا خِلَافٌ اهـ أَيْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بَلْ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَإِنْ قُلْتَ لَا دَلِيلَ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي النَّهْرِ لِقَوْلِ الزَّرْكَشِيّ مَا قَالَاهُ مِنْ الْمِلْكِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَفْرِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَنْهَارِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَالْمُحَقَّقُ مِنْ الْيَدِ فِيهِ الِانْتِفَاعُ وَالسَّقْيُ مِنْهُ وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ وَالْيَدُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمِلْكِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا الِاسْتِيلَاءُ وَمَنْعُ الْغَيْرِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْمِلْكِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْكَمَ بِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُمْ بَلْ يُقَالُ مُخْتَصٌّ بِهِمْ.
وَالْيَدُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَكِنْ هُنَا عَارِضُ الْمِلْكِ أَنَّ الْعُرْفَ يَقْضِي بِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ بَيْعِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَإِنَّمَا تَكُونُ أَمْلَاكُهُمْ الَّتِي يَسْقُونَهَا مِنْهُ لَهُ حَقُّ سَقْيِهَا مِنْهُ وَذَلِكَ اخْتِصَاصٌ بِهِ لَا مِلْكَ وَيُعَضَّدُ هَذَا بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَفْرِ وَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ عَدَمُ الِانْخِرَاقِ لِأَنَّ الْحَفْرَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ وَالِانْخِرَاقَ بِدُونِهِ وَأَيْضًا لَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ فِي أَرْضِ النَّهْرِ لِأَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ لَاحْتِيجَ عِنْد شِرَائِهَا إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِ مَائِهَا مِنْ أَرْضِ النَّهْرِ وَالْمَجْرَى الْوَاصِلِ مِنْهُ إلَيْهِ وَلِمَا صَحَّ الشِّرَاءُ إلَّا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَد نَعَمْ ذَلِكَ ظَاهِر فِي قَنَاة أَوْ سَاقِيَة ظَهَر اخْتِصَاصهَا وَاسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يُسْتَنْكَرُ تَصَرُّفُهُمْ فِي ذَلِكَ اهـ كَلَام الزَّرْكَشِيّ وَمَعَ هَذَا الْإِشْكَالِ الظَّاهِرِ كَيْف
يُسْتَدَلّ بِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عَلَى مَسْأَلَتِنَا قُلْتُ لَوْ سَلَّمْنَا لِلزَّرْكَشِيِّ إشْكَالَهُ هَذَا وَأَنَّهُ لَا جَوَابَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا فِي الِاسْتِدْلَال بِكَلَامِهِمَا لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدهمْ أَنَّ الْإِشْكَالَ لَا يَرُدُّ الْمَنْقُولَ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْهُ جَوَابٌ فَكَيْف وَالْجَوَابُ عَنْ إشْكَال الزَّرْكَشِيّ هَذَا سَهْلٌ وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْله لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَفْرِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ لِمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا آنِفًا أَنَّا لَا نَعْتَبِرُ الْأَصْلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ الظَّاهِرَ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْجُذُوعِ وَغَيْرِهَا وَإِنَّمَا قَدَّمَ الظَّاهِرَ عَلَى الْأَصْل فِي مِثْل ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُنَا اسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ حِسِّيٍّ دَالٍّ عَلَى الْمِلْكِ مُسْتَمِرٍّ إلَى حَالِ الْحُكْمِ بِهِ وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ فَأَشْبَهَ تَقْدِيمَهُمْ الظَّاهِرَ عَلَى الْأَصْلِ فِي بَوْلِ الظَّبْيَةِ الْمَشْهُورَةِ وَقَوْلُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَنْهَارِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّهُ لَا تَأْيِيدَ فِيهِ لِإِشْكَالِهِ إذْ ذَلِكَ الْكَثِيرُ لَيْسَ عَلَى مِلْكِهِ قَرِينَةٌ فَلَا يُقَاسُ مَا نَحْنُ فِيهِ بِهِ وَقَوْلُهُ وَالْيَدُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمِلْكِ إلَخْ شَاهِدٌ لَنَا لِأَنَّ سَقْيَ أَرَاضِيِهِمْ مِنْهُ مَعَ انْحِصَارِ سَقْيِهَا فِي ذَلِكَ وَعَدَمِ وُجُودِ مَاءٍ لَهَا غَيْرُهُ إذْ الْفَرْضُ ذَلِكَ كَمَا جَرَيْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى اسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْعِهِمْ لِلْغَيْرِ مِنْ أَخْذِ مَا يَتَعَطَّلُ بِهِ سَقْيُ أَرَاضِيهمْ فَالِاسْتِيلَاءُ وَالْمَنْعُ الْمَذْكُورَانِ مَلْزُومَانِ لِلسَّقْيِ وَالِانْحِصَارِ الْمَذْكُورَيْنِ، سَوَاءٌ وَجَدَا أَعْنِي الِاسْتِيلَاءَ وَالْمَنْعَ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا وُجُودُهُمَا بِالْفِعْلِ بَلْ يَكْفِي وُجُودُ مَا تَقْضِي الْعَادَةُ مَعَهْ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْمَنْعِ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَنْعِ وَعَكْسِهِ.
وَالِاسْتِيلَاءُ مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ فِي النَّهْرِ إلَّا انْحِصَارُ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي شَخْصٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ لَك أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ مُنْحَصِرٌ فِي أَرْبَابِ تِلْكَ الْأَرَاضِي وَكَانُوا مَسْئُولِينَ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ مُشِيرَةٌ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ إلَّا مَعَ وُجُودِ اسْتِيلَائِهِمْ وَأَمَّا مُجَرَّدُ السَّقْيِ مِنْهُ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِيلَاءِ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إنَّ مَنْ احْتَاجَ لِسَوْقِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَى أَرْضِهِ أَجْرَاهُ مِنْهُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ أَحَدٌ فَهُوَ مَانِعٌ لِوُقُوعِ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْ عَدَمِ الْمَنْعِ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى عَدَمِ الْمِلْكِ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته يُعْلَمُ رَدُّ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي إلَخْ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ الِاسْتِيلَاءُ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْته كَانَ مَمْلُوكًا لَهُمْ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُمْ وَلَا مُخْتَصًّا بِهِمْ بَلْ يَكُونُ النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَا يَدَ حِينَئِذٍ إذْ مِنْ لَازِمِ الْيَدِ الِاسْتِيلَاءُ أَوْ الْمَنْعُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ وَفَرَّقَهُ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ وَلَكِنْ هُنَا عَارِضُ الْمِلْكِ أَنَّ الْعُرْفَ إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ بَيْعِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِذَلِكَ إنْ سَلِمَ إنَّمَا يَكُونُ لِعَارِضٍ وَهُوَ لَا أَثَرَ لَهُ.
وَأَمَّا مَعَ ذَلِكَ الْعَارِضِ فَالْعُرْفُ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ بَلْ بِخِلَافِهِ إذْ مِنْ لَازِمِ الِاسْتِيلَاءِ عُرْفًا وَشَرْعًا التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَامْتِنَاعُهُ لِأَمْرٍ عَارِضٍ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ قَضِيَّةِ الِاسْتِيلَاءِ وَقَوْلِهِ وَذَلِكَ اخْتِصَاصٌ بِهِ لَا مِلْكَ قَدْ عَلِمْتَ رَدَّهُ وَكَذَلِكَ عَلِمْتَ رَدَّ قَوْلِهِ وَيُعَضَّدُ هَذَا بِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَأَيْضًا لَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ إلَخْ يُرَدُّ بِمَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُمْ إذَا تَنَازَعُوا فِي أَرْضِ النَّهْرِ كَانَتْ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ أَرَضِيهِمْ فَحِينَئِذٍ مَنْ أَثْبَتَ مِنْهُمْ لَهُ جُزْءًا مِنْ أَرْضِ النَّهْرِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ ظَاهِرًا وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ مِنْهُمْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ مِنْهُ بِنِسْبَةِ أَرْضِهِ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ لَاحْتِيجَ إلَخْ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَيَلْزَمُ مِنْ عِلْمِهِ رَدُّ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ مِمَّا بَعْدَهُ فَإِنْ قُلْتَ سَلَّمْنَا رَدَّ إشْكَالِ الزَّرْكَشِيّ بِمَا ذَكَرَ لَكِنَّهُ رَدَّ مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ فَإِنَّهُ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ إنَّمَا أَخَذَ هَذَا الْفَرْعَ مِنْ التَّتِمَّةِ وَاَلَّذِي فِيهَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَمْلُوكِ.
وَلَعَلَّ مُرَادَهُ فِي الِانْتِفَاعِ وَعَدَمِ تَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ثَمَّ إنَّهُ إنَّمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي نَهْرٍ عَلَى حَافَّتَيْهِ أَرَاضٍ مِنْهُ تُسْقَى وَهُوَ أَقْرَبُ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْأَرَاضِي الْمُجَاوِرَةِ لَهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُمْ لِإِحَاطَتِهِمْ بِهِ أَصْحَابُ أَيْدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرَاضِي الَّتِي يُسْقَى بِهَا بَعِيدَةً عَنْهُ وَالْمَجَارِي مِنْهُ إلَيْهَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهَا أَمَاكِنُ لِغَيْرِهِمْ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَنْ سَقَى مِنْهُ مَالِكٌ لَهُ لَا وَجْهَ لَهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمَسْأَلَةِ وَحَكَى فِيهَا وَجْهَيْنِ فَقَالَ لَوْ كَانَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ غَيْرَ مَعْرُوفِ الْأَصْلِ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَمْلُوكٌ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ أَوْ حُكْمُ الْمِلْك عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ
وَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَهِلَ أَصْلَهَا عَلَى الْخَطَرِ اهـ وَمَعَ كَلَامِهِ هَذَا فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِكَلَامِهِمَا عَلَى مَسْأَلَتِنَا قُلْتُ هُوَ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَرُدُّهُ نَقْلًا فَإِنَّ كَلَامَ التَّتِمَّةِ الَّذِي سَاقَهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَوْلُهُ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إلَخْ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ إخْرَاجٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَقَوْلُهُ ثُمَّ إنَّهُ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ فَرْضُهُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِكَلَامِهِمَا بَلْ هُوَ مَعَ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهَذَا الْفَرْضِ التَّقْيِيدَ بَلْ مُجَرَّدَ التَّصْوِيرِ لِأَنَّ مَدَارَ الْمَسْأَلَةِ كَيْفَ فَرَضَهَا عَلَى أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ السَّقْيُ وَالِانْحِصَارُ السَّابِقَانِ وُجِدَ الْمِلْكُ لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ حِينَئِذٍ وَمَتَى انْتَفَيَا انْتَفَى وَبِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرَاضِي إلَخْ وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ التَّعْوِيلَ هُنَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ وَمَعَ وُجُودِ السَّقْيِ وَالِانْحِصَارِ الْمَذْكُورَيْنِ الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ لِوُجُودِ خَاصِّيَّةِ الْمِلْكِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ وَالْمَنْعِ السَّابِقَيْنِ وَلَا نَظَرَ لِبُعْدِ أَرَاضِيهمْ عَنْهُ وَلَا لِتَخَلُّلِ مَجَارِيهمْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ أَعْنِي الْبُعْدَ وَالتَّخَلُّلَ لَيْسَ مُنَافِيًا لِتِلْكَ الْقَرِينَةِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَمْنَعُونَ مِنْ إضَافَةِ النَّهْرِ إلَى أَرْبَابِهِ مَعَ وُجُودِ كُلٍّ مِنْ ذَيْنِك.
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَنْ سَقَى مِنْهُ مَالِكٌ لَهُ لَا وَجْهَ لَهُ هُوَ الَّذِي لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَهُمَا بِهِ وَإِنَّمَا قَالَا إنَّهُ مِلْكٌ لَهُمْ وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ لَك أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ أَصْحَابَ يَدٍ إلَّا إذَا وُجِدَ السَّقْيُ وَالِانْحِصَارُ السَّابِقَانِ وَمَتَى وُجِدَا وُجِدَ الْمِلْكُ لِاسْتِلْزَامِهِمَا وُجُودَ الِاسْتِيلَاءِ وَالْمَنْعِ السَّابِقَيْنِ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ نَفْسُهُ أَنَّ وُجُودَهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْمِلْكَ وَقَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمَسْأَلَةِ وَحَكَى فِيهَا وَجْهَيْنِ فَقَالَ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ رَجَّحَا ثَانِيَهُمَا وَالتَّعْوِيلُ فِي التَّرْجِيحِ لَيْسَ إلَّا عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا سَلَفٌ فِيهِ فَكَيْفَ وَلَهُمَا سَلَفٌ أَيُّ سَلَفٍ وَهُوَ كَلَامُ التَّتِمَّةِ السَّابِقُ فَإِنْ قُلْتَ سَلَّمْنَا رَدَّ جَمِيعِ مَا قَالَهُ مِمَّا مَرَّ عَنْهُ لَكِنَّهُ فَصَّلَ تَفْصِيلًا حَسَنًا فَيَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ سَاقَ مَا مَرَّ وَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ نَبْعُ النَّهْرِ فِي أَرَاضِيِهِمْ الْمَمْلُوكَةِ فَلِيَكُنْ الْقَوْلُ بِالْمِلْكِ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ نَبْعُهُ بِمَوَاتٍ أَوْ كَانَ يَخْرُجُ لَهُمْ مِنْ مَدٍّ عَظِيمٍ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ.
قُلْتُ هَذَا التَّفْصِيلُ وَإِنْ كَانَ حَسَنًا فِي ذَاتِهِ إلَّا أَنَّ إجْرَاءَهُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخَيْنِ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِأَنَّ الصُّورَةَ كَمَا مَرَّ أَنَّ النَّهْرَ وَمِنْ جُمْلَتِهِ مَحَلُّ نَبْعِهِ لَمْ يُدْرَ هَلْ حَصَلَ بِوَاسِطَةِ حَفْرٍ أَوْ بِوَاسِطَةِ انْخِرَاقِهِ مِنْ نَهْرٍ عَظِيمٍ وَأَمَّا التَّفْصِيلُ الَّذِي قَالَهُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَحَقُّقِ الْحَالِ وَعِنْد تَحَقُّقِهِ تَارَةً يَكُونُ مَحَلُّ النَّبْعِ فِي مِلْكٍ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا وَتَارَةً يَكُونُ فِي مُبَاحٍ فَيَكُونُ مُبَاحًا وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ إجْرَاءَ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخَيْنِ سَهْوٌ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ صُورَتِهَا إذْ مَعَ مُلَاحَظَةِ صُورَتِهَا لَا يُمْكِنُ جَرَيَانُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيهَا لِأَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَالِ الْمَنْبَعِ وَمَحَلَّهَا عِنْد التَّرَدُّدِ فِيهِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا هَذَا وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ وَهِيَ أَنَّ إشْكَالَ الزَّرْكَشِيّ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ وُرُودُهُ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ النَّهْرِ وَأَمَّا عُيُونُ الْحِجَازِ فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ قَالَ وَالْيَدُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمِلْكِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا الِاسْتِيلَاءُ وَمَنْعُ الْغَيْرِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْمِلْكِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي عُيُونِ الْحِجَازِ لِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ مِنْهَا لِجَمَاعَةٍ مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهَا لَا يُمْكِنُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيهَا وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا يَسْقِي بِهِ أَرْضَهُ إلَّا بِرِضَاهُمْ.
وَالزَّرْكَشِيُّ قَائِلٌ بِالْمِلْكِ عِنْد وُجُودِ ذَلِكَ فَهُوَ قَائِلٌ بِالْمِلْكِ فِي الْعُيُونِ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مُنَازِعًا فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي نَازَعَ فِيهِ فِي الْأَنْهَارِ لَمْ يُوجَدْ جَمِيعُهُ فِي الْعُيُونِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ وَلَكِنْ هُنَا أَيْ فِي النَّهْرِ عَارِضُ الْمِلْكِ أَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي عَدَمَ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ بَيْعِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعُيُونِ فَإِنَّ الْعُرْفَ وَالْحِسَّ قَاضِيَانِ مُنْذُ قُرُونٍ عَدِيدَةٍ أَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَمْ يُعَارِضْ الْمِلْكَ فِيهَا شَيْءٌ عِنْدَ الزَّرْكَشِيّ فَكَانَ قَائِلًا بِالْمِلْكِ فِيهَا بِحَسْبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ هَذَا وَبَعْد أَنْ ظَهَرَ لَك مِنْ كَلَامِهِ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّكَ إنْ سَلَّمْت لَهُ
اعْتِرَاضَهُ السَّابِقَ وَكَانَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَذْكُرَ هَذَا وَلَا نَتَعَرَّضَ لِرَدِّ كَلَامِهِ لَكِنْ أَحْبَبْنَا أَنْ نُبَيِّنَ تَزْيِيفَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الشَّيْخَيْنِ وَأَنَّ كَلَامَهُمَا فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ جَارٍ عَلَى نَهْجِ الصَّوَابِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَلِذَا أَقَرَّهُمَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ سِيَّمَا مَشَايِخُ الزَّرْكَشِيّ كَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمْ.
فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ كَلَامِ الْجَمَّالِ بْنِ ظَهِيرَةَ وَأَسْئِلَتِهِ لِشَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ عُيُونَ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ لَا تُمَلَّكُ مُطْلَقًا وَعِبَارَةُ السُّؤَالِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِتِلْكَ الْعُيُونِ الَّتِي بِمَرِّ الظَّهْرَانِ مِنْ أَعْمَالِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ لَا يُعْرَفُ الْأَصْلُ الَّذِي تَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا وَإِنَّمَا يَجْرِي فِي مَجَارٍ إلَى أَنْ يَبْرُزَ إلَى الْأَرَاضِي الَّتِي يَبْقَى فِيهَا وَيَتَبَايَعُونَهُ بِالْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَالسَّاعَاتِ يَشْتَرِي الشَّخْصُ مِنْ آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا وَيَمْلِكُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ فِي أَنَّ الْمَاءَ يُمَلَّكُ أَمْ لَا وَعِبَارَةُ الْجَوَابِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَذَا السُّؤَالِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْأَصْلُ الَّذِي تَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَالتَّبَايُعُ الْوَاقِعُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَاءَ يُمَلَّكُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا سَبَبٌ يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ وَالسَّبَبُ الَّذِي قَدْ يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ قَدْ مَرَّ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ يَدٌ عَلَى مَحَلِّ النَّابِعِ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ لِلْمَحَلِّ وَالْمَاءِ النَّابِع مِنْهُ وَفِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلشَّرْحِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ يُدْرَ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ وَهَذَا شَاهِدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَتْ فَهَلْ هَذَا التَّوَهُّمُ مِنْ كَلَامِ السَّائِلِ أَوْ الْمُجِيبِ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ وَمَا وَجْهُ فَسَادِهِ قُلْت هُوَ تَوَهُّمٌ فَاسِدٌ وَوَجْهُ فَسَادِهِ أَنَّ السَّائِلَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا أَنَّ مَحَلَّ النَّبْعِ لَا يُعْرَفُ غَالِبًا ثُمَّ سَأَلَ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ التَّبَايُعُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَحِينَئِذٍ فَتَوَهُّمُ عَدَمِ الْمِلْكِ مِنْ هَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَزِيدِ الْجَهَالَةِ وَالْغَبَاوَةِ لِأَنَّهُ وَطَّأَ لِسُؤَالِهِ عَنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِأَنَّ مَحَلَّ النَّبْعِ لَا يُعْرَفُ غَالِبًا فَهُوَ لَمْ يَحْكُمْ بِشَيْءٍ حَتَّى يُنْسَبَ إلَيْهِ فَمَنْ نَسَبَ إلَى عِبَارَتِهِ هَذِهِ أَنَّهُ حَكَمَ فِيهَا بِعَدَمِ مِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى.
وَأَمَّا الْمُجِيبُ فَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ عُيُونِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَلَى مَحَلِّ النَّابِعِ يَدٌ كَانَ مَمْلُوكًا وَمَتَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ يَدٌ كَانَ مُبَاحًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ بِعِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ الَّتِي سَاقَهَا وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى عِبَارَةِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ مَحَلَّ النَّابِعِ فِي عُيُونِ مَكَّةَ عَلَيْهِ يَدٌ أَيُّ يَدٍ فَلْيَكُنْ مَمْلُوكًا وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْأَصْلُ الَّذِي تَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ مَحَلُّهُ حَيْثُ جُهِلَ أَصْلُهُ وَلَا يَدَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ يَدٌ عَلَى الْمَحَلِّ النَّابِعِ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ لِلْمَحَلِّ وَالْمَاءِ النَّابِعِ مِنْهُ وَفِي الرَّوْضَةِ إلَخْ فَعَلِمْنَا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِ أَنَّ الْجَهْلَ بِالنَّبْعِ إنَّمَا يُؤْثِرُ عَدَمَ الْمِلْكِ حَيْثُ لَا يَدَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَلَيْهِ يَدٌ لِأَحَدٍ كَانَ مَمْلُوكًا وَعَلِمْنَا مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا بِقَرِينَةِ سِيَاقِهِ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَاسْتِدْلَالِهِ بِهَا عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَدِ هُنَا الْيَدَ الْحِسِّيَّةَ بَلْ تَكْفِي الْيَدُ الْحُكْمِيَّةُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَاءُ النَّابِعُ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِسَقْيِ أَرَاضِي لَا مَاءَ لَهَا غَيْرُهُ.
وَيَكُونُ أَهْلُهَا يُعَدُّونَ مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهِ لِتَصَرُّفِهِمْ فِيهِ وَمَنْعِهِمْ مَنْ يُشَارِكُهُمْ فِيهِ وَهَذَا كُلُّهُ مَوْجُودٌ فِي عُيُونِ مَكَّةَ كَمَا مَرَّ فَلَا شُبْهَةَ غَيْرُ فَرْطِ الْجَهْلِ وَسُوءُ الْفَهْمِ لِمَنْ تَوَهَّمَ عَدَمَ الْمِلْكِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُجِيبِ أَوْ مِنْ عِبَارَةِ السَّائِلِ وَإِذَا تَقَرَّرَ فِي عُيُونِ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مَنْبَعًا وَمَجْرًى وَغَيْرَهُمَا فَيَصِحُّ بَيْعُهَا كُلِّهَا أَوْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا ثُمَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَتْ رُؤْيَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يَكْفِي مِنْ وَرَاءِ الْمَاءِ وَلَوْ صَافِيًا.
وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ كَمَحَلِّ النَّابِعِ فِي عُيُونِ الْحِجَازِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ وَعَلَى حَرِيمِهِ غَائِصٌ فِي الْأَرْضِ نَحْو قَامَةٍ فَأَكْثَرَ اكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِمَا يُمْكِنُ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ وَلِتَعَذُّرِ الْحَفْرِ حَتَّى يَنْكَشِفَ وَيُرَى لِأَنَّ بَعْضَ الْعُيُونِ قَدْ يَنْتَهِي إلَى جَبَلٍ أَوْ وَهْدَةٍ عَظِيمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ
فَلَوْ كُلِّفَ النَّاسُ الرُّؤْيَةَ فِيهِ لَشَقَّ
ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لَا تُطَاقُ بَلْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى عَدَمِ وُقُوعِ الْبَيْعِ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَكَانَ اللَّائِقُ بِقَوَاعِدِهِمْ الْمُسَامَحَةُ. بَعْدَ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ مَا تَعَذَّرَتْ رُؤْيَتُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ أُمُورٌ الْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ إذَا رُئِيَ بَعْضُ الْمَبِيعِ دُونَ بَعْضٍ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهُ كَالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْجَرَّةِ مِنْ الدِّبْسِ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ يَزُولُ غَرَرُ الْجَهَالَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَاطِنَ كَالظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَشُقُّ رُؤْيَةُ بَاقِيهِ كَالْجَوْزِ فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَاطِنِ تَشُقُّ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا كَرُؤْيَةِ أَسَاسِ الْحِيطَانِ اهـ.
وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَنَّهُ إذَا بِيعَ فِيهَا الْمَنْبَعُ وَالْمَجْرَى اكْتَفَى بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَجْرَى دُونَ الْبَاقِي لِتَعَذُّرِ رُؤْيَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْعَفْوِ مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرِهِمَا
لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَعْظَمُ
وَلَا يُقَالُ لَيْسَ مَلْحَظُ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِمَا فَقَطْ أَنَّ بَقَاءَ الْبَاطِنِ فِيهِ مِنْ مَصَالِحِهِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مَلْحَظٌ آخَرُ لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَإِنَّمَا نَظَرَ لِلْمَشَقَّةِ فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالصَّلَاحِ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَصِحُّ النَّظَرُ إلَيْهَا عَلَى حِيَالِهَا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَلَامُهُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَقِيَاسُهُ لِذَلِكَ عَلَى أَسَاسِ الْجُدْرَانِ ثَبَتَ الِاكْتِفَاءُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهَا أَعْظَمُ فَإِنْ قُلْتَ مَلْحَظُ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ كَوْنُهُ صَوَّانًا خِلْقِيًّا قُلْتُ مَمْنُوعٌ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا تَكْفِي رُؤْيَةُ صَدَفِ الدُّرِّ.
وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرَتِهِ قَبْلَ فَتْحِهَا مَعَ أَنَّ الصَّوَّانَ فِيهِمَا خِلْقِيٌّ فَبَطَلَ النَّظَرُ إلَى مُجَرَّدِ كَوْنِ الصَّوَّانِ خِلْقِيًّا وَفَارِقُ هَذَيْنِ نَحْوَ الْجَوْزِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِمَا وَإِنْ قَلَّ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ كَبِيرٍ لَا يُحْتَمَلُ عُرْفًا لِأَنَّهُمَا لِنَفَاسَتِهِمَا يَكُونُ قَلِيلُهُمَا بِمَالٍ عَظِيمٍ وَالصَّوَّانُ غَيْرُ الْخِلْقِيِّ فِي نَحْوِ الْخَشْكُنَانِ وَالْكَعْكِ الْمَحْشُوِّ كَالْخِلْقِيِّ فَإِنْ قُلْتَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ الْمَبِيعُ وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ قُلْت وَكَذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخِ هُوَ اللُّبُّ وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ فَإِنْ قُلْتَ رُؤْيَةُ الْقِشْرِ تَدُلُّ عَلَى رُؤْيَةِ اللُّبِّ بِخِلَافِ رُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَجْرَى فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى رُؤْيَةِ الْمَنْبَعِ قُلْتُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ رُؤْيَةِ الْقِشْرِ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى رُؤْيَةِ اللُّبِّ بِوَجْهٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ بَلْ وَلَا يُمْنَعُ فِيهِ وَلَا الْجَهَالَةُ بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَتُهُ لِلْمَشَقَّةِ فَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ فِي صُورَتِنَا لِذَلِكَ الثَّانِي كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَإِنَّهُ عَلَّلَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ قَشْرِ نَحْوِ الْبَيْضِ وَالرُّمَّانِ وَالْبُنْدُقِ وَالْقِشْرِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِتَغْيِيرِ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي صُورَتِنَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الْمَبِيعِ إلَّا بِهَدْمِ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ.
وَيُحْفَرُ مَا حَوْلَهُ مِنْ التُّرَابِ الْمُتَرَاكِمِ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْمَنْبَعُ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمَجْرَى الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ مِنْهُ إلَى الْأَرَاضِي وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَبِيعُ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ تِلْكَ الْعُيُونِ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَمَّا فَرْضُ وُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى الْمَنْبَعِ وَحْدَهُ دُونَ الْمَجْرَى فَبَعِيدٌ يَشْهَدُ الْحِسُّ بِخِلَافِهِ فَإِنَّا نَرَى وَاضِعِي الْأَيْدِي عَلَى تِلْكَ الْعُيُونِ يُعَمِّرُونَ الْمَجْرَى وَيُصْلِحُونَهُ وَيَتَصَرَّفُونَ فِيهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ وَلَا مُعَارِضٍ وَهَذَا دَلِيلُ الْمِلْكِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَأَمَّا فَرْضُ وُقُوعِهِ عَلَى الْمَجْرَى دُونَ الْمَنْبَعِ فَهُوَ مُمْكِنٌ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَحُكْمُهُ فِي الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ يَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ ذَلِكَ الْمَجْرَى لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ كُلِّهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَتَغْيِيرٍ لِعَيْنِهِ بِالْحَفْرِ وَالْهَدْمِ وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالتَّغَيُّرِ الْمَذْكُورَيْنِ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ وَمَرَّ أَنَّ مِلْكَ الْمَجْرَى دُونَ الْمَنْبَعِ لَا يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ الْجَارِي فِيهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِلْكُ الْمَجْرَى أَحَقَّ بِمَا جَرَى فِيهِ الثَّالِثُ تَصْرِيحُهُمْ فِي الْبِئْرِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّهَا وَلَيْسَ مَلْحَظُ ذَلِكَ إلَّا مَشَقَّةُ رُؤْيَتِهَا.
وَإِذَا سَامَحُوا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ ذَلِكَ فِيهَا مَعَ سُهُولَةِ رُؤْيَةِ ذَلِكَ بِنَزْحِ مَائِهَا وَسَدِّ مَنْبَعِهَا فَأَوْلَى أَنْ يُسَامِحُوا فِي صُورَتِنَا بِرُؤْيَةِ الْمُسْتَتِرِ تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ الْمَنْبَعِ وَمِنْ الْمَجْرَى فَإِنْ قُلْتَ إنَّمَا سَامَحُوا فِي ذَلِكَ فِي الْبِئْرِ لِأَنَّهُ
تَابِعٌ فَهُوَ كَأَسَاسِ الْجِدَارِ وَمَغْرِسِ الْأَشْجَارِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قُلْتُ لَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكَانَ فِيهَا شَاهِدٌ أَيُّ شَاهِدٍ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا نَزْحَ مَائِهَا حَتَّى يُرَى مَحَلُّ النَّابِعِ مِنْهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِرُؤْيَتِهِ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ كِبَرِهِ وَصِغَرِهِ وَغَزَارَةِ مَائِهِ وَقِلَّتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَتَهُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَتَهُ مَعَ سُهُولَتِهَا بَعْضَ السُّهُولَةِ بِنَزْحِ مَاءِ الْبِئْرِ وَسَدِّ مَنْبَعِهَا وَمَعَ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِعَيْنِ الْمَبِيعِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَشْتَرِطُوا فِي صُورَتِنَا رُؤْيَةَ مَحَلِّ النَّابِعِ وَمَا تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ الْمَجْرَى لِتَعَذُّرِ رُؤْيَتِهِمَا لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِمَا أَعْظَمُ مِنْهَا فِي الْبِئْرِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُمَا إلَّا بِتَغْيِيرِ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّ ذَلِكَ مَانِعٌ لِاشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ.
الرَّابِعُ قَوْلُهُمْ لَا بُدَّ فِي الْحَمَّامِ مِنْ رُؤْيَةِ بَالُوعَتِهِ وَأَلْحَقَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي ذَلِكَ بَالُوعَةَ الدَّارِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِرُؤْيَةِ الْبَالُوعَةِ حَفْرَ التُّرَابِ عَنْهَا حَتَّى يُرَى أَصْلُهَا وَطَيُّهَا الْمُسْتَتِرُ بِالْأَرْضِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ رُؤْيَةُ فَمِهَا الظَّاهِرِ فَقَطْ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُشْتَرَطُ حَفْرُ الْأَرْضِ حَتَّى يُرَى مَا تَحْتَهَا بَلْ الشَّرْطُ رُؤْيَةُ مَا ظَهَرَ مِمَّا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِرُؤْيَتِهِ الْخَامِسُ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ رُؤْيَةِ الْوَجْهَيْنِ فِي الثَّوْبِ مَحَلُّهُ فِي الصَّفِيقِ وَغَيْرِ الْمَخِيطِ أَمَّا الْمَخِيطُ بِوَجْهَيْنِ مِنْ الْجُوخِ وَالصُّوفِ النَّفِيسِ وَنَحْوِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الْمُسْتَتِر مِنْهُمَا كَمَا فِي كُبَابِ الْغَزْلِ وَنَحْوِهَا اهـ وَكَانَ وَجْهُ بَحْثِهِ هَذَا أَنَّ فِي فَتْقِ الْمُسْتَتِرِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمُنْضَمَّيْنِ نَوْعَ مَشَقَّةٍ فَإِذَا سَامَحَ الْأَذْرَعِيُّ فِي رُؤْيَةِ ذَيْنِكَ الْوَجْهَيْنِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ ظَاهِرٌ فِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهِمَا حَتَّى فِي صُورَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ رُؤْيَةُ الْمُسْتَتِرِ فِي صُورَتِنَا لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهَا أَعْظَمُ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنَّ نَقِيسَ صُورَتنَا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي كُبَابِ الْغَزْلِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا الْأَذْرَعِيُّ بَحْثَهُ الْمَذْكُورَ.
وَنَقُولُ وَجْهُ اكْتِفَائِهِمْ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِ الْكُبَابِ مَشَقَّةُ نَقْضِهَا وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ ظَاهِرَهَا يَدُلُّ عَلَى بَاطِنهَا لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِذَا اكْتَفَى بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهَا لِمَشَقَّةِ نَقْضِهَا فَكَذَا يَكْتَفِي فِي صُورَتِنَا بِرُؤْيَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَجْرَى دُونَ مَا اسْتَتَرَ فَإِنْ قُلْتَ يُنَافِي مَا ذَكَرْتَ قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ إنَّ رُؤْيَةَ الْجِدَارِ الْمَسْتُورِ بِالطِّينِ وَنَحْوِهِ لَا تَكْفِي إذْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ مُتَسَاقِطًا وَالْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ قُلْتُ هَذَا الْبَحْثُ فِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا مَنَعَ نَحْوُ الطِّينِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا هُوَ مَبْنِيٌّ بِهِ هَلْ هُوَ حَجَرٌ أَوْ آجُرٌّ أَوْ لَبِنٌ أَوْ خَشَبٌ أَوْ قَصَبٌ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ أَمَّا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ مِنْ حَجَرٍ مَثَلًا بِأَنْ يُرَى بَعْضُهُ وَرَآهُ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ أَوْ مَائِلًا وَرَضِيَ بِهِ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِ إزَالَةِ ذَلِكَ السَّاتِرِ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ لَا تَخْتَلِفُ بِوُجُودِهِ وَعَدَمِهِ حِينَئِذٍ وَقَوْلُهُ إذْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ مُتَسَاقِطًا وَالْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ يُرَدُّ بِأَنَّ الْقِيمَةَ.
وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِهِ إلَّا أَنَّ رُؤْيَةَ الْجِدَارِ مَسْتُورًا أَوْ مَائِلًا يُعْلَمُ بِهَا مَا فِيهِ مِنْ الْخَلَلِ وَعَدَمِهِ فَلَا يُحْتَاجُ لِإِزَالَةِ سُتْرَتِهِ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ مَا هُوَ مَبْنِيٌّ بِهِ وَرَآهُ مُسْتَوِيًا أَوْ مَائِلًا لَمْ يَفِدْهُ إزَالَةُ سُتْرَتِهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا قَبْلَ الْإِزَالَةِ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِهَا السَّادِسُ قَوْلُ الْكَافِي ضَابِطُ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ أَنْ يَرَى مِنْ الْمَبِيعِ مَا يَخْتَلِفُ مُعْظَمُ الْمَالِيَّةِ بِاخْتِلَافِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ تُعْتَبَرُ الرُّؤْيَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ فَالْعُرْفُ مُطَّرِدٌ فِي صُورَتِنَا بِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ فِيهَا غَيْرَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا يَتَشَوَّفُونَ قَطُّ إلَى رُؤْيَةِ الْمَنْبَعِ وَلَا إلَى رُؤْيَةِ مَا اسْتَتَرَ مِنْ الْمَجْرَى لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ أَوْ تَعَسُّرِهِ كَمَا مَرَّ.
السَّابِعُ قَوْلُهُمْ فِي إجَارَةِ الْحَمَّامِ وَالْبَيْعِ مِثْلُهَا فِي اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وَجْهَيْ الدَّسْتِ الَّذِي يُسَخَّنُ فِيهِ الْمَاءُ إنْ أَمْكَنَ رُؤْيَتُهُمَا وَإِلَّا كَفَى مَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي صُورَتِنَا أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ لَا يُشْتَرَطُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِسَلْبِ الْإِمْكَانِ فِي عِبَارَتِهِمْ اسْتِحَالَةَ ذَلِكَ بَلْ لُحُوقَ الْمَشَقَّةِ فِيهِ لَوْ اشْتَرَطْنَا رُؤْيَةَ وَجْهَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ غَالِبًا إلَّا بِهَدْمِ بَعْضِ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَى الدَّسْتِ وَفِي هَدْمِهِ مَشَقَّةٌ وَتَغْيِيرٌ لِعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرِ وَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الْمَبِيعِ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَّا بِهَدْمِ بَعْضِ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ
وَتَغْيِيرٌ لِعَيْنِهِ فَكَذَلِكَ لَا يُوجِبُونَ فِي صُورَتِنَا لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ وَالتَّغْيِيرَ فِيهَا أَكْثَرُ.
(تَتِمَّةٌ) مَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ وَاحِدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ الْأَرْضَ الْمَلُوكَةَ مُطْلَقًا لَمْ يَدْخُلْ الشِّرْبُ فِي الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَبِيعِ فَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا الدَّاخِلَةِ فِيهَا وَالْمُنْفَصِلَةِ عَنْهَا دَخَلَ قَالَ السُّبْكِيّ وَبَيْعُ حَقِّ الْمَاءِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى فِي الشَّامِ فَإِنَّ غَالِبَ بُيُوتِهَا لَهَا حُقُوقُ مَاءٍ مِنْ مَجَارٍ وَقُفْزَانٍ تَنْتَهِي إلَى الْأَنْهَارِ الْكِبَارِ فَإِنْ بِيعَتْ الدَّارُ بِحُقُوقِهَا فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ اُقْتُصِرَ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْوَرَّاقُونَ يَحْتَالُونَ فِي ذَلِكَ فَيَجْعَلُونَ الْمَبِيعَ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ خَشَبَةٍ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ وَمَا لَهَا مِنْ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ النَّهْرِ وَأَيْضًا النَّهْرُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا لِغَيْرِهِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِاشْتِدَادِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ إقْطَاعِ مَشَارِعِ الْمَاءِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَيْهَا.
وَمَذْهَبُنَا أَنَّ لِلنَّهْرِ حَرِيمًا وَرَأَيْتُ فِي دِيَارِ مِصْرَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَسْتَنْكِرُ الْعَمَائِرَ الَّتِي عَلَى حَافَّتَيْ النِّيلِ وَيَقُولُ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهَا وَهَذَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ وَإِذَا رَأَيْنَا عِمَارَةً عَلَى حَافَّةِ نَهْرٍ لَا نُغَيِّرُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ مَا عُرِفَ حَالُهُ اهـ وَفِيهِ فَوَائِدُ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ وَبِبَعْضِ الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ فَلِذَلِكَ أَخَّرْتُهُ إلَى هُنَا فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَإِنْ بِيعَتْ الدَّارُ إلَخْ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ مَعَ مَا قَرَّرْته قَبْلَهُ أَوَّلَ التَّتِمَّةِ أَنَّ الْأَرْضَ الْمُسْتَحَقَّةَ لِشِرْبٍ مَمْلُوكٍ مِنْ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ إذَا بِيعَتْ لَا يَدْخُلُ شِرْبُهَا إلَّا إنْ نُصَّ عَلَيْهِ أَوْ قِيلَ بِحُقُوقِهَا بِخِلَافِ شِرْبِهَا غَيْرِ الْمَمْلُوكِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهَا مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ لَا يُفِيدُهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ حُقُوقَ الدَّارِ مِنْ الْمَجَارِي وَالْقَنَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا إلَّا إنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا.
وَلَيْسَ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ السُّبْكِيّ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تِلْكَ الْحُقُوقَ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ دَخَلَتْ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا وَقَوْلُهُ وَالْوَرَّاقُونَ يَحْتَالُونَ إلَخْ نَظِيرُهُ احْتِيَالُ الْوَرَّاقِينَ فِي مَكَّةَ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ تِلْكَ الْحِيلَةَ السَّابِقَةَ فِي السُّؤَالِ وَهِيَ إيقَاعُ الْبَيْعِ عَلَى جَمِيعِ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مَثَلًا مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقٍّ إلَخْ مَا مَرَّ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْن الْحِيلَتَيْنِ أَنَّ حِيلَةَ الشَّامِيِّينَ بَاطِلَةٌ مُطْلَقًا لِمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ مِنْ أَنَّ الْجُزْءَ الْمَعْلُومَ مِنْ الْخَشَبَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ مِنْ النَّهْرِ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ النَّهْرِ وَأَنَّ النَّهْرَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بِخِلَافِ حِيلَةِ الْمَكِّيِّينَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي أَحْوَالٍ وَتَبْطُلُ فِي أَحْوَالٍ كَمَا مَرَّتْ لَك كُلُّهَا وَاضِحَةً مُفَصَّلَةً لِأَنَّهُمَا إنْ أَرَادَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ عُرْفَهُمَا انْتَفَى مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ مِنْ سَبَبِ الْبُطْلَانِ فِي حِيلَةِ الشَّامِيِّينَ لِأَنَّ الْمَكِّيِّينَ يُرِيدُونَ بِالْقَرَارِ الْمَنْبَعَ وَالْمَجْرَى وَهُمَا مَمْلُوكَانِ.
وَالْجُزْءُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْقَرَارِ الْمَجْرَى وَحْدَهُ أَوْ الْمَنْبَعَ صَحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا لِوُقُوعِهِ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مَضْبُوطٍ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِحْقَاقَهُ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ مَبْسُوطًا وَقَدْ تَقَرَّرَ لَك أَنَّ عُيُونَ الْحِجَازِ مَمْلُوكَةٌ مَنْبَعًا وَمَجْرًى وَأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا غَيْرَ مَرْئِيٍّ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ مِنْ حِيلَةِ الْمَكِّيِّينَ صُورَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ قُلْتُ نَعَمْ بِأَنْ يُرَدُّ الْبَيْعُ عَلَى مَحَلِّ النَّابِعِ وَالْمَجْرَى بِلَفْظٍ لَا إيهَامَ فِيهِ كَ (بِعْتُكَ) قَرَارَ عَيْنِ كَذَا مَنْبَعًا وَمَجْرًى أَوْ مَنْبَعًا فَقَطْ أَوْ مَجْرًى فَقَطْ لَكِنْ إذَا وَقَعَ عَلَى الْمَبِيعِ وَحْدَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِجْرَاءَ فِي الْمَجْرَى الْمَمْلُوكِ وَإِذَا وَقَعَ عَلَى الْمَجْرَى وَحْدَهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ مَاءِ الْمَنْبَعِ الْمَمْلُوكِ فَالْأَحْوَطُ إيقَاعُ الْبَيْعِ عَلَى الْمَنْبَعِ وَالْمَجْرَى مَعًا وَمَرَّ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا بَاعَ بِئْرَ الْمَاءِ وَأَطْلَقَ أَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ حَتَّى يُشْتَرَطَ أَنَّ الْمَاءَ الظَّاهِرَ لِلْمُشْتَرِي لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ.
فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ أَيْضًا تَمَحُّلُ حِيلَةٍ لِلشَّامِيِّينَ قُلْتُ أَمَّا فِي صُورَةِ السُّبْكِيّ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يُمْكِنُ لِأَنَّ تِلْكَ