المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التَّحَلُّلِ الْأَوَّل وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ لَمْ يُفْعَلْ بِهِ لِيَأْتِيَ يَوْمَ - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ٢

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ]

- ‌[كِتَابِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[تَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ وَالْعُيُونِ بِإِيضَاحِ حُكْمِ بَيْعِ سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ]

- ‌[الْبَاب الثَّالِثِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ قَرَارٍ وَلَا مَاءَ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ لَمْ يُرِيدَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ أَوْ الْمَاءِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ التَّنَاقُض فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَالْقَرَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَاءِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْم عُيُونِ الْحِجَازِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي حُكْمِ الْقَاضِي وَفِيهِ فَصْلَانِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُنْقَضُ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

- ‌[بَابُ التَّحَالُفِ]

- ‌[بَابُ مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الْقَرْضِ]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ التَّفْلِيسِ]

الفصل: التَّحَلُّلِ الْأَوَّل وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ لَمْ يُفْعَلْ بِهِ لِيَأْتِيَ يَوْمَ

التَّحَلُّلِ الْأَوَّل وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ لَمْ يُفْعَلْ بِهِ لِيَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يُبَالِ بِقَوْلِ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ يُنْدَبُ حَلْقُهُ قَالَ أَعْنِي الزَّرْكَشِيّ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ بَاقٍ وَتَبِعَهُ الدَّمِيرِيّ وَغَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِهِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ حَلْقٌ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَوْ سَعْيٌ انْتَهَتْ وَيُؤَيِّدُ مَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ أَنَّ مَبْنَى أَفْعَالِ الْحَجِّ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ عَنْ الْغَيْرِ وَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ تَحْرِيمَ الْبِنَاءِ فِيهِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَهَذَا فِيهِ بِنَاءٌ فَكَانَ حَرَامًا بِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ إذْ الْمَسْأَلَةُ إذَا دَخَلَتْ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَانَتْ مَنْقُولَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْبَيْعِ]

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه فِي شَخْصٍ بَاعَ جَمَلًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْمِلَ مَثَلًا سِتِّينَ صَاعًا فَهَلْ الْبَيْعُ صَحِيحٌ كَبَيْعِ الْأَمَةِ بِشَرْطِ أَنَّهَا حَامِلٌ وَالْعَبْدِ بِشَرْطِ أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَبَيْعِ الشَّاةِ بِشَرْطِ أَنْ تَحْلُبَ كُلَّ يَوْمٍ مَثَلًا رِطْلَيْنِ لَبَنًا وَإِذَا قُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ فَعَجَزَ الْجَمَلُ عَنْ حَمْلِ ذَلِكَ فَهَلْ لَلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَهَلْ يَكْفِي فِي عَدَمِ الرَّدِّ حَمْلُهُ لَهَا ابْتِدَاءً أَوْ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ لَهَا فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِقَوْلِهِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ مَقْصُودٍ مُنْضَبِطٍ فِيهِ مَالِيَّةٌ لِاخْتِلَافِ الْقَيِّمِ بِوُجُودِهِ وَعَدَمِهِ يَصِحُّ شَرْطُهُ فِي الْبَيْعِ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بِفَوَاتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ الدَّابَّةِ تُطِيقُ حَمْلَ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَصْفٌ مَقْصُودٌ مُنْضَبِطٌ فِيهِ مَالِيَّةٌ فَيَصِحُّ شَرْطُهُ وَفَارِقُ اشْتِرَاطِ حَلْبِهَا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْضَبِطٍ فَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ.

فَإِنْ قُلْت هَلْ يَشْتَرِطُ فِي الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ هُنَا أَنْ لَا يُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ فَلَا يَصِحُّ بِشَرْطِ حَمْلِهَا لِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُؤَدِّي لِذَلِكَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي السَّلَمِ قُلْتُ الْقِيَاسُ غَيْرُ بَعِيدٍ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنهمَا أَقْرَبُ وَهُوَ أَنَّ السَّلَمَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَوْ جَوَّزْنَا فِيهِ اشْتِرَاطَ مَا يُؤَدِّي لِعِزَّةِ الْوُجُودِ لَكُنَّا مُضَيِّقِينَ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ طُرُق التَّحْصِيلِ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَنَازُعِ الْمُتَعَاقِدِينَ فِيمَا لَا غَايَةَ لَهُ وَإِلَى الْخُرُوجِ عَنْ مَوْضُوعِ السَّلَمِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ هُنَا فَإِنَّهُ وَارِدٌ عَلَى عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِذَا اُشْتُرِطَ فِيهَا وَصَفٌّ مُنْضَبِطٌ مَقْصُودٌ صَحَّ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤَدِّي لِعِزَّةِ الْوُجُودِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ هُنَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِوَجْهٍ لِأَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ إنْ وُجِدَ فِيهَا ذَلِكَ الْوَصْفُ مَعَ نُدْرِهِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا تَخَيَّرَ ثُمَّ رَأَيْتَ ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ هُنَا عَقِبَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ قَدْ يُتَخَيَّلُ فَرْقٌ بَيْنَ الْبَيْعِ النَّاجِزِ وَالسَّلَمِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قُلْتُ وَبِهَذَا قَطَعَ بَعْضُهُمْ فِي الْبَيْعِ أَيْ بَيْعِ الشَّاةِ بِشَرْطِ أَنَّهَا لَبُونٌ بِالصِّحَّةِ وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي السَّلَمِ.

وَعِبَارَةُ الْمَرْعَشِيِّ فِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ شَرْطٌ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ عَيْنًا وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ سَلَمًا وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا لَبُونٌ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ مُسَلَّمًا فَقَوْلَانِ اهـ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا فَرَّقْتُ بِهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يُؤَدِّي لِعِزَّةِ الْوُجُودِ فَإِنْ قُلْتَ قَضِيَّةَ مَا تُقَرِّرُ صِحَّةَ بَيْعِهَا بِشَرْطِ أَنَّهَا تَحْلُبُ رِطْلَيْنِ قُلْتُ وَبِهِ نَقُولُ لِأَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ كُلَّ يَوْمٍ فَقَدْ أَزَالَ مَا بِهِ عَدَمُ الِانْضِبَاطِ وَيَلْزَمُ مِنْ إزَالَتِهِ الصِّحَّةُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ مَلْحَظَ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا قَالَ كُلَّ يَوْمٍ إلَّا عَدَمَ الِانْضِبَاطِ ثُمَّ إذَا عَلِمَ صِحَّةَ اشْتِرَاطِ طَاقَتِهَا لِحَمْلِ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ثُمَّ إنَّ طَاقَتَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ مَرَّةً فَلَا خِيَارَ وَإِلَّا ثَبَتَ الْخِيَارُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّكَ أَقْرَرْتَ أَنَّ مَا عَادَ لِي عِنْدَك شَيْءٌ أَوْ أَنَّكَ صَالَحْتَنِي عَلَى كَذَا أَوْ أَنَّكَ بِعْتَنِي ذَا بِكَذَا أَوْ أَنَّكَ أَقْرَرْتَ أَنَّ لِي عِنْدَكَ كَذَا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعْتُكَ مُكْرَهًا أَوْ صَالَحْتُكَ مُكْرَهًا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِي السُّؤَالِ وَأَقَامَ عَلَى الْإِكْرَاهِ بَيِّنَةً فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ الْمُحَكِّمِ أَنْ يَسْتَفْصِلَ الشُّهُودَ عَلَى الْإِكْرَاهِ وَهَلْ عَلَى الشُّهُودِ أَنْ يُبَيِّنُوا لَهُ الْإِكْرَاهَ أَمْ لَا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ وَلَا عَلَى الْحَاكِمِ وَلَا عَلَى الْمُحَكِّمِ أَنْ يَفْصِلُوا حَيْثُ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ لَا يَعْرِفُ حَدَّ الْإِكْرَاهِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُ حَدَّ الْإِكْرَاهِ بَيَّنُوا لَنَا ذَلِكَ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي فَتَاوِيهِ إذَا قَالَ الشُّهُودُ نَشْهَدُ إنَّهُ بَاعَ مُكْرَهًا هَلْ يَلْزَمُهُمْ التَّعَرُّضُ لِصِفَةِ الْإِكْرَاهِ الَّتِي عَلَيْهَا حَالَةُ الْبَيْعِ الْجَوَابُ أَنَّ الرَّأْيَ لِلْقَاضِي فِيهِ فَإِنْ

ص: 139

جَوَّزَ أَنْ يَسْتَبْهِمَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الشُّهُودِ فَلَهُ السُّؤَالُ وَإِذَا سَأَلَ فَعَلَيْهِمْ التَّفْصِيلُ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ حَالِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ عَارِفُونَ لِحَدِّ الْإِكْرَاهِ وَلَا يَشْهَدُونَ بِهِ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ فَلَهُ أَنْ لَا يُكَلِّفهُمْ التَّفْصِيلَ اهـ جَوَابُهُ.

وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ فِي التَّوَسُّطِ (فَرْعٌ) قَالَ لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ أَوْ تَقْصِيرِهِ فِي الرَّدِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي قُلْتُ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ مَا يَكُونُ تَقْصِيرًا وَمَا لَا يَكُونُ تَقْصِيرًا وَإِلَّا فَقَدْ يَعْتَقِدُ جَهْلًا مَا يَكُونُ تَقْصِيرًا لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ فَهَلْ نَقُولُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسْتَفْسِرُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَى سُؤَالِ الْبَائِعِ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَفْسِرَهُ اهـ الْمَقْصُودُ فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ مَا نُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ يَجْرِي عَلَى مَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَذَاكَ وَإِنْ قُلْتُمْ نَعْلَمُ فَإِذَا لَمْ يَسْتَفْسِرْ الْمُحَكِّمُ الشُّهُودَ فَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ حَيْثُ كَانَ الْحَالُ مَا ذُكِرَ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ التَّفْصِيلِ بِأَنْ يَذْكُرَ الشُّهُودُ صُورَةَ الْوَاقِعِ حَتَّى يَنْظُرَ الْحَاكِمُ أَوْ الْمُحَكِّمُ فِيهَا هَلْ هِيَ إكْرَاهٌ أَوْ لَا لِأَنَّ شُرُوطَ الْإِكْرَاهِ كَثِيرَةٌ وَفِيهَا خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ حَتَّى بَيْنَ أَئِمَّةِ مَذْهَبِنَا وَالْعَامَّةُ يَعْتَقِدُونَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً إكْرَاهًا وَغَيْرَ إكْرَاهٍ وَالْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُونَ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُفَصِّلَ فِي شَهَادَتِهِ بِالْإِكْرَاهِ فَإِنْ شَهِدَ بِهِ وَأَطْلَقَ فَتَارَةً يَثِقُ الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ بِعِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ بِجَمِيعِ شُرُوطِ الْإِكْرَاهِ وَإِتْقَانِهِ لَهَا فَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى اسْتِفْصَالِهِ وَإِذَا اسْتَفْصَلَهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ وَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْهُ بِذَلِكَ لَزِمَهُ اسْتِفْصَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُدَّعِي سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَاكِمُ وَالْمُحَكِّمُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَضَى مُسْتَنِدًا إلَى شَهَادَتِهِ كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ صَحِيحٌ نَقْلًا وَتَوْجِيهًا وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ إمَامِهِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَأَقَرَّاهُ حَيْثُ قَالَا الْفَرْعُ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ يُبَيِّنُ جِهَةَ التَّحَمُّلِ ثُمَّ قَالَا قَالَ الْإِمَامُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ الْجَهْلُ بِطُرُقِ التَّحَمُّلِ.

فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْلَمُ وَوَثِقَ بِهِ الْقَاضِي جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ وَجَبَ هَذَا الْمَالُ وَهَلْ أَخْبَرَك بِهِ الْأَصْلُ اهـ نَعَمْ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فَلَهُ السُّؤَالُ مُوهِمٌ وَلَوْ قَالَ لَزِمَهُ السُّؤَالُ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِفْصَالَ عِنْدَ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِدِينِ الشَّاهِدِ وَعِلْمِهِ وَإِتْقَانِهِ وَاجِبٌ وَأَمَّا مَا تَرَدَّدَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ فَالْأَوْجَهُ فِيهِ أَنَّ الْقَاضِي إنْ وَثِقَ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي اكْتَفَى بِقَوْلِهِ لَمْ أُقَصِّرْ وَيُحَلِّفُهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَهُ اسْتِفْسَارُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْبَائِعُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ نَفْسِهِ بَعْد قَوْلِ الرُّويَانِيِّ لَوْ قَالَ السَّكْرَانُ بَعْد مَا طَلَّقَ إنَّمَا شَرِبْتُ الْخَمْرَ مُكْرَهًا أَيْ وَثَمَّ قَرِينَةٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَعَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَسْتَفْسِرَ فَإِنْ ذَكَرَ مَا يَكُونُ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا فَذَاكَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ إكْرَاهًا اهـ.

قَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا رحمه الله وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ فِيمَنْ لَا يَعْرِفُ الْإِكْرَاهَ اهـ فَهَذَا يَزِيدُ اتِّجَاهَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ لَهَا نَظَائِرَ يَجِبُ فِيهَا التَّفْصِيلُ مِنْهَا الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ عَلَى خِلَافٍ طَوِيلٍ فِيهِ وَبِالسَّرِقَةِ وَبِأَنَّ نَظَرَ الْوَقْفِ الْفُلَانِيِّ لِفُلَانٍ فَيَجِبُ بَيَانُ سَبَبِهِ وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِهَةِ إرْثِهِ مِنْ أُخُوَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَيَقُولُ هَذَا أَخُوهُ وَوَارِثُهُ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ أَخٌ شَقِيقٌ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَالشَّهَادَةُ بِبَرَاءَةِ الْمَدِينِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ وَبِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَبِالرُّشْدِ وَبِأَنَّ الْعَقْد كَانَ يَوْمَ الْعَقْدِ زَائِلُ الْعَقْلِ وَبِالْجَرْحِ وَبِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبِالرَّضَاعِ وَالنِّكَاحِ وَبِالْقَتْلِ وَبِأَنَّهُ بَلَغَ بِالسِّنِّ فَيُبَيِّنُهُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ بَلَغَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا بَلَغَ بِهِ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ مُطَلَّقَةً وَبِأَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ لِأَنَّ الْحَالَ يَخْتَلِفُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَالتَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ وَبِأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَيْنَ الَّتِي بِيَدِ خَصْمِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكَهَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّ فُلَانًا وَقَفَ دَارِهِ الْفُلَانِيَّةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مُصَرِّفِ الْوَقْفِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ فُلَانًا أَوْصَى إلَى فُلَانٍ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْمُصَرِّفُ وَلَا الْمُوَصَّى بِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ ثُبُوتُ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ.

(وَسُئِلَ)

ص: 140

- رضي الله عنه عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ آخَر دَابَّةً ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ تَبَيَّنَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْبَائِعِ وَفَسَخَهَا الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ فَهَلْ لَهَا أُجْرَةٌ وَيَلْحَقُ بِمَا إذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ الْبَيْعِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَمْ لَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ وَالْفَائِتُ مَا لَهُ أُجْرَةٌ؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِأَنَّهُ حَيْثُ صَحَّ الْبَيْعُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ أَجَرَهُ وَأَخَذَ أُجْرَتَهُ أَوْ أَخَذَ صُوفَهُ أَوْ لَبَنَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ زَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ فَازَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَتِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ الْبَيْعُ مَلَكَ الْمَبِيعَ فَيَمْلِكُ زَوَائِدَهُ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ زَوَائِدَهُ ثُمَّ فَسَخَ الْبِيَعَ بِإِقَالَةٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْبَائِعُ بِشَيْءٍ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ إلَّا زَوَائِدَ مِلْكِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ إلَّا عَلَى مِلْكِهِ إذْ الْفَسْخُ لَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ إلَّا مِنْ حِينِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى الْمَبِيعِ تَعَدِّيًا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الْغَصْبِ مِنْ ضَمَانِهِ إنْ تَلِفَ بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَضَمَانِ زَوَائِدِهِ سَوَاءٌ اسْتَوْفَاهَا أَمْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا بِأَنْ فَاتَتْ فِي يَدِهِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه إذَا قَصَّرَ الْمُشْتَرِي بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِأَنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَى الْفَوْرِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ عَلَى الْبَائِعِ أَرْشُ الْعَيْبِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُشْتَرِي مَتَى سَقَطَ رَدُّهُ بِتَقْصِيرٍ صَدَرَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْبِ لِتَقْصِيرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ أَرْضٍ اشْتَرَاهَا شَخْصٌ مِنْ مَالِكهَا. وَبَاعَ لِنَاسٍ وَبِالْأَرْضِ أَشْجَارٌ وَمَزَارِعُ فَاسْتَمَرَّتْ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي مُدَّةً مَدِيدَةً يَزْرَعُهَا وَيَأْكُلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَثْمَارِهَا فَجَاءَ قَوْمٌ وَخَرَّبُوا الْأَرْضَ الْمَذْكُورَةَ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْمَذْكُورِ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) حَيْثُ صَحَّ الْبَيْعُ بِأَنْ اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ وَإِذَا جَاءَهُ الثَّمَنُ رَدَّ عَلَيْهِ أَرْضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ لَهُ بَيْعًا صَحِيحًا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ شَرْعِيَّيْنِ وَلَمْ يَشْرِطَا ذَلِكَ الَّذِي تَوَافَقَا عَلَيْهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَإِذَا كَانَ صَحِيحًا كَانَ الْمِلْكُ فِي الْأَرْضِ لَهُ وَانْقَطَعَتْ الْعُلْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فَالْأَرْضُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ تَحْتَ يَدِهِ عَيْنٌ فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ أَخْبَرَ أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكِي وَأَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ رَهْنًا بِكَذَا وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً فَهَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ أَمْ لَا وَحَيْثُ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ بَلْ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهَا رَهْنٌ قَبْلَ الْبَيْعِ فَهَلْ يَغْرَمُ لِلرَّاهِنِ قِيمَةَ الْعَيْنِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَقَرَّ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا ذَكَرَ لَهُ غَرِمَ قِيمَتَهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ بَاعَ عَيْنًا لِشَخْصٍ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ خِيَارِهِ أَوْ خِيَارِهِمَا بِبَيْعِهَا لِآخَرَ أَوْ بَعْضِهَا مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ بَيْعُهُ الْأَوَّلُ وَغَرِمَ قِيمَتَهَا لِلثَّانِي لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ بِتَصَرُّفِهِ وَإِقْبَاضِهِ وَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عِوَضَهُ وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَعَدَمِ قَبْضِهِ وَقَضِيَّةُ الثَّانِيَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَتَقَيَّدُ بِقَبْضِهِ وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ الْقَاضِي فَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنَّ اقْتَضَى كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه مَا الْمُفْتَى بِهِ فِي التَّمْلِيكِ هَلْ يَكُونُ بَيْعًا كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ أَوْ يَجْرِي بِهِ مَجْرَى الْعَادَةِ بِكَوْنِهِ هِبَةً كَمَا مَشَى عَلَيْهِ قُضَاةُ بَلَدِنَا وَهَلْ الْمُفْتَى بِهِ فِي شِرَاءِ الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ بَاطِنِ الْخُفِّ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَثْبُت الْخِيَارُ لِمَنْ اعْتَبَرَ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْحَاصِلَ فِي لَفْظِ التَّمْلِيكِ كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ بَيَانِ مَا فِيهِ مِنْ رَدٍّ وَنَقْضٍ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَإِذَا ذَكَرَ مَعَهُ الْعِوَضَ أَوْ نَوَى كَانَ بَيْعًا وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ يَكُونُ هِبَةً وَأَمَّا مَنْ يَجْعَلُهُ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً فِي الرَّهْنِ فَهُوَ مُخْطِئٌ لِأَنَّ وَضْعَهُ يُنَافِي وَضْعَ الرَّهْنِ فَكَيْفَ يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً وَقَدْ اُبْتُلِيَ النَّاسُ بِمَنْ لَا يَفْهَمُ مَوْضُوعَاتِ الْأَلْفَاظِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا وَمَعَ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِمَا لَوْ عَرَضَ عَلَيْهِمْ لَمَا قَبِلُوهُ وَلَبَالَغُوا فِي زَجْرِهِ وَتَعْنِيفِهِ وَالِانْتِقَامِ مِنْهُ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَالنَّظَرُ إلَى الْعَادَةِ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ لَوْ سُئِلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَظَرُوا إلَيْهَا عَنْ شَرْطٍ مِنْهَا لَمْ يَعْرِفُوهُ فَكَيْف مَعَ ذَلِكَ يُسَوَّغُ لَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوا صَرِيحَ كَلَامِ

ص: 141

الْأَصْحَابِ نَظَرًا لَهَا. مَا هَذِهِ إلَّا بَلِيَّةٌ عَظِيمَةٌ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ أَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ مُقَدَّمِهَا وَمُؤَخَّرِهَا وَقَوَائِمِهَا وَرَفْعِ السَّرْجِ وَالْإِكَافِ وَالْجُلِّ، لَا جَرْيَ الْفَرَسِ مَثَلًا بَيْن يَدَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَسِيرَهَا وَلَا رُؤْيَةُ اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ وَلَوْ مِنْ رَقِيقٍ اهـ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ بَاطِنِ خُفِّهَا لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَةَ اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ أَلْوَانِ الْأَلْسِنَةِ سِيَّمَا فِي الرَّقِيقِ وَبِالْأَسْنَانِ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتِهَا عَلَى صِغَرِ السِّنِّ وَكِبَرِهِ غَالِبًا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَشْتَرِطُوا رُؤْيَةَ بَاطِنِ الْخُفِّ لِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَغْرَاضَ قَدْ تَخْتَلِفُ بِهِ لَكِنْ لَيْسَ كَاخْتِلَافِهَا بِرُؤْيَةِ اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُمَا فَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ مَا دُونَهُمَا وَهُوَ بَاطِنُ الْخُفِّ وَاخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهِ إذَا قَوِيَ وَأَطْرَدَ وَإِلَّا لَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ وَوَاضِحٌ أَنَّ اخْتِلَافَهَا بِرُؤْيَةِ بَاطِنِ الْخُفِّ ضَعِيفٌ وَغَيْرُ مُطَّرِدٍ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) بَاعَ شَخْصٌ دَارًا وَفِيهَا بَيْتٌ دَاخِلٌ فِي تَرْبِيعِهَا لَكِنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ إلَيْهَا بَلْ إلَى الشَّارِعِ مَثَلًا فَهَلْ يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِهَا أَوْ لَا يَدْخُلُ لِانْفِصَالِهِ عَنْهَا كَمَا فِي نَظَائِرِهَا فِي كَلَامِهِمْ فِي الْأَيْمَانِ وَالْمَسَاجِدِ فِي بَابِ الْقُدْوَةِ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ عَدَمَ دُخُولِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا انْفَرَدَ بِبَابٍ مُسْتَقِلٍّ وَلَمْ يَنْفُذْ إلَى مَا دَخَلَ فِي تَرْبِيعِهَا صَارَ يُسَمَّى دَارًا ثَانِيَةً وَصَارَتْ الدَّارُ الَّتِي دَخَلَ فِي تَرْبِيعهَا لَا تَشْمَلُهُ لِأَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنهمَا فِي الِاسْمِ وَلَا فِي الْمَعْنَى وَدُخُولُهُ فِي تَرْبِيعِهَا لَا يَقْتَضِي تَنَاوُلَهَا لَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحَدّ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذَا الْخَطِّ إلَى هَذَا الْخَطِّ لَمْ يَدْخُلْ الْخَطَّانِ مَعَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْغَايَةِ يَدْخُلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ نَحْوُ: لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ إذْ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ إدْخَالًا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَقَطْ فَإِذَا كَانَ الْحَدُّ نَفْسُهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمَبِيعِ، فَأَوْلَى الْبَيْتُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ بَاعَ عَيْنًا بِأُوقِيَّةٍ مَثَلًا هَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ حَيْثُ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِذَلِكَ أَيْ بِأَنَّ مِقْدَارَ الْأُوقِيَّةِ كَذَا وَكَذَا دَرَاهِمَ أَوْ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ بَاعَ بِعَشْرَةٍ حَتَّى يَقُولَ بِأُوقِيَّةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ حَيْثُ اطَّرَدَ عُرْفُ أَهْلِ بَلَدٍ أَوْ نَاحِيَةٍ بِأَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ بِالْأُوقِيَّةِ عَنْ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْغَالِبَةِ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ صَحَّ الْبَيْعُ بِالْأُوقِيَّةِ مَثَلًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمُتَبَايِعَانِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ رَدًّا عَلَى صَاحِبِ الْبَيَانِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَبَّرَ بِالدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ صَحَّ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْهَا مَجَازًا كَقَوْلِكَ فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا هَذِهِ دِينَارٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ صَرْفَهَا أَيْ هَذِهِ صَرْفُ دِينَارٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ اهـ وَبِمَا تَقَرَّرَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ اصْطَلَحَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى أَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ بِالدِّينَارِ عَنْ مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَمَا فِي جِهَتِكُمْ.

وَقَالَ أَحَدُهُمْ بِعْتُك بِدِينَارٍ صَحَّ وَانْصَرَفَ الثَّمَنُ إلَى مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الدِّينَارُ شَرْعًا لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى مِثْقَالٍ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ إنَّمَا هُوَ بِعُرْفِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِخِلَافِ نَحْو الْإِقْرَارِ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي بَابِ الْخَلْعِ أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ فِي الْبَلَدِ دَرَاهِمُ عَدَدِيَّةٌ نَاقِصَةُ الْوَزْنِ أَوْ زَائِدَتُهُ نَزَلَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَالتَّعْلِيقِ وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِمِائَةِ دِرْهَمٍ صَرْفُ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ صَرْفُ الْبَلَد كَذَلِكَ وَكَذَا مَا جَرَّتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْبَيْعِ بِدِينَارٍ وَمُرَادُهُمْ بِهِ مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تَبِعَ فِي الْأَوَّلِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ وَقَاسَ عَلَيْهِ الثَّانِي وَإِذَا بَطَلَ حُكْمُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بَطَلَ حُكْمُ الْمَقِيسِ.

وَقَدْ رَجَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ كَأَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ مِنْ جِنْس الْعُرُوضِ نَوْعٌ انْصَرَفَ الذِّكْرُ إلَيْهِ عَنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْعَقْدِ كَالنَّقْدِ. قَالَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَبِيعَ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ بِصَاعٍ مِنْهَا أَوْ بِشَعِيرٍ فِي الذِّمَّة وَتَكُونُ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ الْمَوْجُودَانِ فِي الْبَلَدِ صِنْفًا وَاحِدًا غَالِبًا فِي الْبَلَدِ لَا يَخْتَلِفُ ثُمَّ يُحْضِرُهُ بَعْدَ

ص: 142

الْعَقْدِ وَيُسَلِّمُهُ فِي الْمَجْلِسِ اهـ وَقِيَاسُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّعَامُلُ فِي بَلَدٍ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْفُلُوسِ النُّحَاسِ الْعَدَدِيَّةِ أَوْ بِأَنْوَاعٍ وَأَحَدُهَا غَالِبٌ انْصَرَفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ وَكَذَا فِي الثِّيَابِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِعَشْرَةِ أَثْوَابٍ وَأَطْلَقَ وَكَانَ لَهَا عُرْفٌ انْصَرَفَ إلَيْهِ كَالنَّقْدَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَا ذُكِرَ فِي الْأُوقِيَّةِ وَالدِّينَارِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِوَزْنِ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ نَقْرَة وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا تِبْرٌ أَوْ الْمَضْرُوبَةُ لَمْ يَصِحَّ لِتَرَدُّدِهِ وَلَا يَحْمِلُ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ قُلْتُ هَذَا لَا شَاهِدَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ تَيْنِكَ الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِيهِمَا كَمَا مَرَّ أَنَّ الْعُرْفَ اطَّرَدَ بِالتَّعْبِيرِ بِهِمَا عَمَّا مَرَّ.

وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْبَغَوِيِّ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ الْعُرْفَ اطَّرَدَ بِالتَّعْبِيرِ بِالْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ عَنْ النَّقْرَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا مِنْ التِّبْرِ وَلَا مِنْ الْمَضْرُوبَةِ فَكَانَ فِيهَا إبْهَامًا لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ كُلًّا مِنْهُمَا وَهُمَا مُخْتَلِفَا الْقِيمَةِ وَلَا مُرَجِّحَ فَبَطَلَ الْبَيْعُ وَقَدْ أَشَارَ الْبَغَوِيّ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ عَلَّلَ الْبُطْلَانَ بِقَوْلِهِ لِتَرَدُّدِهِ فَإِنْ قُلْتَ سَلَّمْنَا هَذَا فِي كَلَامِ الْبَغَوِيِّ فَمَا الَّذِي تَقُولُهُ فِي قَوْلِ الْمَطْلَبِ لِابْنِ الرِّفْعَةِ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفِ مِثْقَالٍ مِنْ النَّقْدِ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الذَّهَبِ لَمْ يَكْفِ حَتَّى يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْفِضَّةِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْأُوقِيَّةِ وَالدِّينَارِ مُطْلَقًا قُلْتُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ إنْ سَلَّمَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُوقِيَّةِ وَالدِّينَارِ أَنَّ النَّقْدَ فِي صُورَتِهِ يَشْمَلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَمْ يَصْطَلِحُوا عَلَى التَّعْبِيرِ بِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ.

وَإِنَّمَا غَلَبَ عِنْدَهُمْ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الْفِضَّةِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَيْضًا فَالنَّقْدُ يَشْمَلُ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفِي الْجِنْسَ وَلَا عِبْرَةَ بِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ فِي أَحَدِ الْأَنْوَاعِ كَأَنْ يَقُولُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي نَوْعٍ مِنْ الْفِضَّةِ فَحِينَئِذٍ يَنْصَرِفُ إلَى ذَلِكَ النَّوْعِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ مِنْ النَّقْدِ لِأَنَّهُ يُشْمَلُ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا عِبْرَةَ بِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي أَحَدِهِمَا كَمَا تَقَرَّرَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَغْرَاضَ تَتَفَاوَتُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَلَمْ تَصْلُحْ الْغَلَبَةُ حِينَئِذٍ مُرَجَّحَةً مَعَ شُمُولِ لَفْظِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ بِخِلَافِهَا بَيْنَ أَنْوَاعِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ كَذَلِكَ فَصَحَّ أَنْ تَكُونَ الْغَلَبَةُ مُرَجَّحَةً لِأَحَدِهَا عَلَى الْبَاقِي.

(وَسُئِلَ) فِيمَا إذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ حِصَّةً مِنْ قَرَارِ عَيْنٍ جَارِيَةٍ وَهَذِهِ الْحِصَّةُ قَدْرُهَا سُدُسُ سَهْمٍ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشْرَ سَهْمًا مُشَاعًا مِنْ جَمِيعِ الْعَيْنِ لَكِنَّ عَيْنَهَا فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ بِمَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُ عُيُونِ بَلْدَةِ الْبَيْعِ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْ أَجْزَاءِ السَّهْمِ مِنْ الْقَرَارِ وَالْمَاءِ الْجَارِي بِهِ بِالسَّاعَاتِ وَعَنْ السَّهْمِ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَجْبَةِ الَّتِي هِيَ اثْنَا عَشْرَ سَاعَةً كَمَا يُعَبَّرُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ بِالْأَصَابِعِ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ فِي بَلَدِ الْبَيْعِ كُلِّهِ سَقِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرِيكَ فِي الْقَرَارِ شَرِيكٌ فِي الْمَاءِ النَّابِعِ لَهُ مِنْ أَجْلِ مُشَارَكَته فِي الْقَرَار فَعَبَّرَ كَاتِبُ الشِّرَاءِ عَنْ الْمَبِيعِ الَّذِي هُوَ حِصَّةٌ مِنْ الْقَرَارِ بِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَفِيمَا هُوَ تَابِعٌ لَهُ مِنْ الْمَاءِ وَمُلَخَّصُ عِبَارَةِ مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ بَعْدَ أَنْ أَذِنَ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ فُلَانٌ الشَّافِعِيُّ لِفُلَانٍ الْفُلَانِيِّ فِي شِرَاءِ الْمَبِيعِ الْآتِي ذِكْرُهُ لِنَفْسِهِ وَلِبَقِيَّةِ وَرَثَةِ وَالِدِهِ مِنْ الْبَائِعِ الْآتِي ذِكْرُهُ بِالثَّمَنِ الْآتِي ذِكْرُهُ فِيهِ إذْنًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا اشْتَرَى فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ وَلِبَقِيَّةِ وَرَثَةِ وَالِدِهِ الْمَشْمُولِينَ بِحُجَّةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفَةِ مِنْ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ الْبَائِعِ عَنْ نَفْسِهِ جَمِيعَ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَمَقَرِّهَا وَمَمَرِّهَا وَشُعُوبِهَا وَذُيُولِهَا وَمَجَارِي مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى اشْتِرَاءً صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ لِثَمَنِ جُمْلَتِهِ كَذَا مَقْبُوضٌ بِيَدِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَتَسَلَّمَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَتَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ تَسَلُّمًا شَرْعِيًّا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْمُعَاقَدَةِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْآذِنِ الْمَذْكُورِ وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ وَمَاتَ الْحَاكِمُ وَالْمُتَعَاقِدَانِ وَالشَّاهِدَانِ فَهَلْ هَذَا الْحُكْمُ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ صَحِيحٌ فَهَلْ يَقْتَضِي صِحَّةَ التَّبَايُعِ الْمَذْكُورِ أَمْ فَسَادَهُ وَهَلْ لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ الْآنَ نَقْضُ التَّبَايُعِ وَالْحُكْمُ بِهِ أَمْ لَا؟ لَا سِيَّمَا مَعَ

ص: 143

كَوْنِ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوَافِرِ وَكَمَالِ النَّظَرِ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَشْهُودٌ بِذَلِكَ وَهَلْ يَقْتَضِي صِحَّةُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ رضي الله عنه فِي رَوْضَتِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمَاءَ مَعَ قَرَارِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ جَارِيًا فَقَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْقَنَاةَ مَعَ مَائِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا وَقُلْنَا الْمَاءُ لَا يُمَلَّكُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلًا تَفْرِيق الصَّفْقَةِ.

وَقَوْلُهُ بَعْد ذَلِكَ بِنَحْوِ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ وَلَوْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْبِئْرِ أَوْ الْقَنَاةِ جَازَ مَا يَنْبُعُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ صِحَّةَ مَا ذَكَر وَإِذَا قُلْتُمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ يُرَجِّحُ صِحَّةَ بَيْعِ الْقَرَارِ فَقَطْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُسْتَحِقًّا لِلْمَاءِ النَّابِعِ بِهِ لِكَوْنِهِ نَابِعًا فِي مِلْكِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَيْضًا فَهَلْ التَّعْبِيرُ فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ عَنْ الْحِصَّةِ الْمَبِيعَةِ مِنْ الْقَرَارِ بِقَوْلِهِ الْحِصَّةُ السَّقِيَّةُ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ مُخْلٍ بِالتَّبَايُعِ أَوْ بِالْحُكْمِ بِهِ أَمْ غَيْرِ مُخْلٍ بِذَلِكَ لِإِمْكَانِ تَأْوِيلِهَا بِمَا يُصَحِّحُهَا؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه قَدْ اُسْتُفْتِيَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ نَفْسُهُ بِشَيْءٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْجَمَّالَ بْنَ ظَهِيرَةَ قَالَ فِي سُؤَالِهِ لَهُ الْعُيُونُ الَّتِي بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ لَا يُعْرَفُ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْهَا غَالِبًا وَإِنَّمَا يَجْرِي فِي مَجَارٍ إلَى أَنْ يَبْرُزَ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي يُسْقَى مِنْهَا وَيَتَبَايَعُونَهُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ يَشْتَرِي الشَّخْصُ مِنْ آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا وَيَمْلِكُهُ.

ثُمَّ قَالَ السَّائِلُ بَعْدَ أَسْطُرٍ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ اشْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ كَذَا فَهَلْ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ أَمْ لَا؟

فَأَجَابَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَطَالَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الثَّانِي بِشَيْءٍ يَخُصُّهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتُهَا الْآنَ وَإِنَّمَا أَجَابَ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ فَرْضِهِ الْكَلَامَ فِي مِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ وَالْمَجْرَى وَأَمَّا شِرَاءُ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ أَوْ اللَّيْلِ فَهَذَا لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَبَعْدَ فَرْضِهِ الْكَلَامَ فِي مِلْكِ الثَّانِي فَقَطْ إذَا صَدَرَ بَيْعٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْمَاءِ الْكَائِنِ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْأَصْلَ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَالتَّبَايُعُ الْوَاقِعُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَاءَ يُمْلَكُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا سَبَبٌ يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ اهـ فَهُوَ مُطْلَقٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمَاءِ الْمُقَدَّرِ بِسَاعَةٍ مَثَلًا وَغَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِخُصُوصِ مَا إذَا بِيعَتْ سَاعَةً مَثَلًا مِنْ قَرَارِ كَذَا وَإِنْ أَكَّدَ بِكُلٍّ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ بَعْدَهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمِقْدَارِ وَهَذَا الْفَرْضُ الْمَخْصُوصُ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْمِقْدَارِ وَالزَّمَانِ مَعًا فَمَا الْمُعْتَبَرُ مِنْهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ فَلَمْ يُجِبْ عَنْ هَذَا الْخُصُوصِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا أُجِيبَ بِكَلَامٍ مُطْلَقٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَعَلَى تَسْلِيمِ شُمُولِهِ لَهُ فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ بَعْدَ مِنْ. أَيْ: مِنْ مَاءِ كَذَا إذْ لَا يَظْهَرُ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي هَذَا الْفَرْضِ الْمَخْصُوصِ إلَّا بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ الْمُضَافِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ إذْ اللَّفْظُ كَمَا يُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ فَيَبْطُلُ يُحْتَمَلُ عَدَمُ تَقْدِيرِهِ وَارْتِكَابُ مَجَازٍ فِيهِ فَيَصِحُّ بِأَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ قَرَارِ عَيْن كَذَا لِأَنَّ مِنْ هُنَا لَلتَّبْعِيضِ لَا غَيْرُ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ صَرِيحَةٌ فِي اتِّحَادِ مَا قَبْلَهَا مَعَ مَا بَعْدَهَا مَفْهُومًا وَحَقِيقَةً فَهُوَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ إذْ لَا يُقَالُ سَاعَةٌ مِنْ مَحَلِّ كَذَا إلَّا بِارْتِكَابِ ذَلِكَ التَّجَوُّزِ وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ تَصْحِيحِ لَفْظٍ بِتَجَوُّزٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ وَإِبْطَالِهِ بِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ كَانَ تَصْحِيحُهُ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ احْتِمَالَ الصِّحَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى احْتِمَالِ الْبُطْلَانِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَاعِدَة أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ غَالِبًا عَمَلًا بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ وَإِنْ كَانَتْ خِلَافَ الْأَصْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْ الْإِضْمَارِ عَلَى قَوْلٍ قَالَ بِهِ كَثِيرُونَ

ص: 144

وَعَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُمَا سِيَّانِ لِاحْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى قَرِينَةٍ فَالْمَجَازُ هُنَا أَوْلَى عَمَلًا بِقَاعِدَةِ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ حَيْثُ أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ.

وَقَدْ عَوَّلُوا عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَوْ بَيَانٍ لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ إلَّا عَلَى بَحْثٍ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَيَّدَهُ بِمَا أَرَادَهُ فَلْيُعَوَّلْ عَلَيْهَا هُنَا كَذَلِكَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنَّ أَرَادَا بِقَوْلِهِمَا سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ مِنْ قَرَار كَذَا جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ الْمَجْرَى الْمَمْلُوكِ صَحَّ الْبَيْعُ نَظِيرَ مَا ذَكَرُوهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضٍ مَعَ إرَادَةِ الشُّيُوعِ أَوْ التَّعْيِينِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى أَنَّ الشُّيُوعَ لَا يُفْهَمُ مِنْ مُطْلَقِ الذِّرَاعِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَمِنْهَا الْبَيْعُ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا أَوْ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا وَأَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْقَيِّمَةِ الْمَعْلُومَةِ بَلْ مَسْأَلَتُنَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ هَذِهِ لِأَنَّ مَا أَرَادَهُ فِيهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِمَا مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا وَمَا أَرَادَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَتَخَيُّلُ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ.

وَلِذَا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ غَيْر مُؤَثِّرٍ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْمَبِيعِ أَيْضًا كَمَا قَالُوهُ فِي مَسَائِلِ الذِّرَاعِ وَالصَّاعِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَاطَةُ الْحُكْمِ بِهَا لَا تُنَافِي قَاعِدَةً لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِالنِّيَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةُ الْقِيمَةِ وَنَوَيَا أَحَدَهَا لِأَنَّ اللَّفْظَ هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ بِعَشْرَةٍ مَثَلًا لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ وَضْعًا وَلَا قَرِينَةَ فَلَوْ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ مَعَهُ لَكَانَ فِيهِ أَعْمَالٌ لَهَا وَحْدَهَا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِيمَا ذَكَرَهُ شَرْطٌ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْمَنْوِيِّ بِاعْتِبَارِ مَا قَرَّرْنَاهُ وَمَا سَنُقَرِّرُهُ فَلَيْسَ فِيهَا أَعْمَالٌ لِلنِّيَّةِ وَحْدَهَا بَلْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمُوَافِقُ لَهَا وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَدْلُولَهُ الْحَقِيقِيَّ مَعَ تَقْدِيرِ مَا بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَشْيَاءَ فَإِنْ اطَّرَدَ فِي عُرْفِهِمَا التَّعْبِيرُ بِالسَّاعَةِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ عَنْ الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ صَحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ رَدًّا عَلَى صَاحِبِ الْبَيَانِ وَمَنْ تَبِعَهُ إذَا عَبَّرَ بِالدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ صَحَّ لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْهَا مَجَازًا كَقَوْلِك فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا هَذِهِ دِينَارٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ صَرْفُهَا أَيْ هَذِهِ صَرْفُ دِينَارٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ اهـ.

وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ فِي الثَّمَنِ عِنْدَ إطْلَاقِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَهُمْ وَلَوْ غَيْرَ نَقْدٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِعَشْرَةِ أَثْوَابٍ وَأَطْلَقَ وَكَانَ لَهُمَا عُرْفٌ انْصَرَفَ إلَيْهِ كَالنَّقْدَيْنِ اهـ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْعُرْفِ تَأْثِيرًا فِي تَخْصِيصِ الْمُطْلَقِ فِي الْبَيْعِ بِهِ ثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ هُنَا مِنْ الصِّحَّةِ إذَا أُطْلِقَا وَأُطْرِدَ عُرْفُهُمَا كَمَا ذُكِرَ وَإِنْ أُطْلِقَا وَلَمْ يَطَّرِدْ لَهُمَا بِذَلِكَ عُرْفٌ فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ وَالتَّرَدُّدِ وَالْقَاعِدَتَانِ السَّابِقَتَانِ قَاعِدَةُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَقَاعِدَةُ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ مَا أَمْكَنَ يُرَجِّحَانِ الصِّحَّةَ أَيْضًا وَيُعَضِّدُهَا قَوْلُ الْمُوَثَّقِ مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. نَعَمْ إنْ أُطْلِقَا وَأُطْرِدَ عُرْفُهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَعَ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ لَمْ يَبْعُدْ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ حِينَئِذٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ النَّاوِيَانِ فِي الْإِرَادَةِ صَدَقَ مُدَّعِي الْفَسَادِ نَظِير مَا قَالُوهُ فِي الذِّرَاعِ لَكِنْ لَا يَتَأَتَّى هَذَا هُنَا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِثُبُوتِ مُوجِبِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ الصِّيغَةُ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَنْقُضُ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ مُوجِبِ نَقْضِهِ.

وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ مُوجِبِهِ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِنَقْضِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْته أَنَّ مُوجِبَ النَّقْضِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَهُ مُحْتَمَلَاتٌ بَعْضُهَا صَحِيحٌ وَبَعْضُهَا بَاطِلٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا نُبْطِلُهُ إلَّا إذَا تَحَقَّقْنَا أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ الْبَاطِلَ هُوَ الْمُرَادُ وَلَمْ نَتَحَقَّقْهُ وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلُهُمَا جَمِيعُ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لِإِنَّا إذَا فَرَضْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ أَوْ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا مَرَّ صَحَّ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ سَقِيَّةً لِأَنَّهُ سَبَبُهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُوَثَّقِ بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقِّ قَرَارِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ إلَخْ فَإِنْ قُلْتَ الْقَرَارُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا هُوَ الْمُقِرّ الْمَذْكُورُ ثَانِيًا وَالْعِبَارَةُ تَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا وَإِنَّ حِصَّةَ السَّقِيَّةِ غَيْرُهُمَا قُلْتُ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمُقِرَّهَا وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمُقِرّ أَيْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمُقِرِّ وَالْمَمَرِّ

ص: 145

وَالْمُرَادُ بِحَقِّهِمَا غَيْرُهُمَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ.

وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الْمُوَثَّقَ تَفَنَّنَ فَعَبَّرَ بِالْقَرَارِ ثُمَّ عَبَّرَ ثَانِيًا عَنْهُ بِالْمُقِرِّ وَأَعَادَهُ مُخْتَلِفًا لَفْظُهُ مَعَ اتِّحَادِ مَعْنَاهُ لِبَيَانِ شُمُولِ الْبَيْعِ لِجَمِيعِ حُقُوقِهِ وَقَوْلِ الْمُوَثَّقِ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَيَدُلُّ لَهُ التَّعْبِيرُ بِالسَّقِيَّةِ إذْ هِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ أَيْ سَاقِيَّةٌ إذْ السَّاقِيَّةُ اسْمٌ لِلْقَرَارِ لَا لِلْمَاءِ وَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الرَّوْضَةِ لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْبَيْعِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا بِالتَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ أَوْ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ قَدْ تَنَاقَضَ فِي ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَقَدْ بَيَّنْتُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي جَوَابِ بَعْضِ أَسْئِلَةٍ وَرَدَتْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ مَعَ الرَّدِّ عَلَى الْبُلْقِينِيُّ فِي اعْتِرَاضَاتِهِ عَلَيْهَا فِي جَوَابِهِ السَّابِقِ بَعْضُهُ وَحَاصِلُ مَا تَجْتَمِعُ بِهِ عِبَارَتُهَا أَنَّ الْمَمْلُوكَ إنْ كَانَ مَحَلُّ النَّبْعِ وَالْقَرَارِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ مِنْهُ إلَى الْأَرَاضِي فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ مُعَيَّنٍ صَحَّ وَجَرَى فِي دُخُولِ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَيْعِ مَا قَرَّرُوهُ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ.

وَإِنْ كَانَ الْمَمْلُوكُ هُوَ الْقَرَارَ الَّذِي هُوَ الْقَنَاةُ دُونَ مَحَلِّ النَّبْعِ فَإِنْ وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْقَرَارِ صَحَّ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالشُّرْبِ وَمُرَادُ الرَّوْضَةِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمَاءِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أُجْرِيَ فِيهَا خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ إلَّا فِي الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ فِيهَا قَبْلَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهِمَا أَيْ فِي الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَالْمِلْكِ وَفِي الْمَاءِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّهُ.

نَعَمْ الْمُشْكِلُ إنَّمَا هُوَ إجْرَاء خِلَاف تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْقَرَارِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ فَائِدَةَ إجْرَائِهِ حَتَّى يَبْطُلَ فِي الْمَاءِ الرُّجُوع بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ لِإِنَّا إنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِيهِ فَهِيَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقَابَلُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قُوبِلَ بِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ عَلَى الضَّعِيفِ وَفِيهِ وَحْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فَاتَّضَحَ وَجْهُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ أَجْرَيْنَاهُ فِيهَا وَقُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي قَرَّرْنَاهَا آنِفًا وَالْكَلَامُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّ قَرَارِ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ دُونَ مَحَلِّ نَبْعِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ بَلْ يَكُونُ الْمَالِكُ أَحَقَّ بِهِ وَأَمَّا مَحَلُّ نَبْعِهِ مَعَ قَرَارِهِ الْمَمْلُوكِ كُلٌّ مِنْهُمَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَمِنْ ثَمَّ اضْطَرَبَتْ فِيهِ الْأَفْهَامُ وَكَثُرَتْ فِيهِ السَّقَطَاتُ وَالْأَوْهَامُ فَإِنْ قُلْتَ يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْجَوَابِ قَوْلُ جَمْعٍ رَدًّا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَبِيعَ مَعَ غَيْرِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ بِالْقِسْطِ وَالْقِسْطُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ.

قُلْتُ إنَّمَا يَتَّضِحُ رَدُّهُمْ أَنْ لَوْ سَلَّمْنَا لَهُمْ دَعْوَى الْجَهَالَةِ بِالْقِسْطِ وَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ فَقَدْ قَالَ جَمْعٌ فِي نَحْو الْخَلِّ وَالْخَمْرِ وَالشَّاةِ وَالْكَلْبِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَنَّ الْبَاطِلَ يَقُومُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ هُنَا يُقَدَّرُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً وَيَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَهُمْ الْمَالِكِيَّةُ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ بِمَا يُشَابِهُهُ كَالْخَلِّ وَالْعِتَرِ فَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْجَارِي هُنَا بِمَا يُشَابِهُهُ فَيُقَدَّرُ رَاكِدًا وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ مَعَ الْأَرْضِ فَإِنْ قُلْتَ وَمَا حُكْمُ عُيُونِ مَكَّةَ هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِأَرْبَابِهَا قَرَارًا وَمَنْبَعًا أَوْ قَرَارًا فَقَطْ قُلْتُ بَلْ قَرَارًا وَمَنْبَعًا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ نَدْرِ أَنَّهُ حُفِرَ أَيْ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا أَوْ انْخَرَقَ أَيْ فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ اهـ عَلَى أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى بِالْمِلْكِ مِنْ صُورَةِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ صُورَتَهَا لَيْسَ فِيهَا قَرِينَةٌ عَلَى الْمِلْكِ غَيْرِ وَضْعِ الْيَدِ.

وَهُنَا مَعَ وَضْعِهَا قَرِينَةٌ أُخْرَى وَهِيَ بِنَاءُ تِلْكَ الْعُيُونِ الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ الْبَانِي لِمَحِلِّ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي تِلْكَ الْعُيُونِ مَنْبَعًا وَقَرَارًا مَعَ عَدَمِ رُؤْيَتِهِمَا قُلْتُ أَمَّا مَا تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ مَجْرَى الْعُيُونِ وَذَيْلِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهِ لِتَعَذُّرِهِ كَأَسَاسِ الْجِدَارِ كَمَا بُحِثَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةٍ الْمُسْتَتِرِ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ سَهُلَ بِالْفَتْقِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُشْتَرَطُ

ص: 146

رُؤْيَتُهُ مِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ أَخْذًا مِنْ أَنَّ الْبِئْرَ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهَا بَلْ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنْ جُدْرَانِهَا وَنَحْوِهَا وَأَمَّا الْقَنَاةُ الظَّاهِرَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهَا جَمِيعِهَا بِأَنْ يُحْبَسَ الْمَاءُ عَنْهَا وَلَا يَكْفِي رُؤْيَتُهَا مِنْ وَرَائِهِ وَإِنْ كَانَ صَافِيًا ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ تَعَرَّضَ لِمَا فِي السُّؤَالِ فَقَالَ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مُعْتَبَرٍ.

وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ اهـ وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ أَطْلَقَ عَدَمَ الصِّحَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَدْلُولَ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَلَا مَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ وَنَحْنُ قَدْ فَصَّلْنَا مُحْتَمَلَاتِهِ وَبَيَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمَا يَدُلُّ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فَلَا يُنَافِي إطْلَاقُهُ تَفْصِيلَنَا بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْوَجْهِ الْبَاطِلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ أَنَّ الْمَبِيعَ الْمَاءَ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ أَوْ أَطْلَقَا وَعُرْفُهُمَا ذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لِمَا ذَكَرَهُ دَلِيلًا وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَدِلَّةً مِنْ كَلَامِهِمْ سِيَّمَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَوِيِّ وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَلَا يَسَعُ الْبُلْقِينِيُّ أَنْ يَقُولَ إذَا أَرَادَ بِالسَّاعَةِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ كَلَامِ أَئِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ بَلْ لَا يَسَعُهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ بِالْبُطْلَانِ إذَا اطَّرَدَ عُرْفُهُمَا بِالتَّعْبِيرِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَنْ الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ مَلْزُومٌ بِالْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِكَلَامِهِ عَلَى بُطْلَانِ حُكْمِ الْحَاكِمِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُصَانُ عَنْ النَّقْضِ مَا أَمْكَنَ وَأَنَّهُ لَا يُصَارُ لِنَقْضِهِ إلَّا إذَا تَحَقَّقْنَا مُوجِبَ نَقْضٍ وَلَا يَتَحَقَّقُ مُوجِبُ نَقْضِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَرَادَا بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ حَقِيقَتَهَا مِنْ مَائِهِ أَوْ مِنْ الْقَرَارِ نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِنَقْضِهِ كَيْفَ وَلَهُ مُحْتَمَلَاتٌ وَبَعْضُهَا صَحِيحٌ وَبَعْضُهَا بَاطِلٌ وَلَمْ يَثْبُتْ وُجُودُ ذَلِكَ الْبَاطِلِ وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَ الْبُلْقِينِيُّ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ سَبَبَ الْبُطْلَانِ فِي سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ كَذَا لَيْسَ هُوَ ذِكْرُ السَّاعَةِ فَحَسْبُ. بَلْ عَدَمُ إيرَادِ الْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ النَّبْعِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحَلِّ النَّبْعِ.

فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ صَرِيحِ قَوْلِهِ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ إلَخْ فِي أَنَّ سَبَبَ الْبُطْلَانِ مَا ذُكِرَ قُلْتُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ ذِكْرُ السَّاعَةِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ إلَخْ مُلَائِمًا لِمَا قَبْلَهُ وَلَا مُرْتَبِطًا بِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ إنْ وَقَعَ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا يُنَافِيهِ مَا قَدَّمَهُ نَفْسُهُ أَوَّلَ جَوَابِهِ وَهَذَا مِمَّا يُضَعِّفُ كَلَامَهُ وَيُوجِبُ عَدَمَ اعْتِمَادِ إطْلَاقِهِ الْبُطْلَانَ وَيَبِينُ أَنَّ الْحَقَّ مَا فَصَّلْنَاهُ وَقُلْنَاهُ وَإِنْ كُنَّا مُعْتَرَفِينَ بِنَقْصِ مَقَامِنَا عَنْ مَقَامِهِ إلَّا أَنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ عَلَى أَنَّهُ رحمه الله كَانَ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ لِوُصُولِ مَرْتَبَتِهِ مِنْ مَرْتَبَةِ الِاجْتِهَادِ بَلْ لِأَقْصَاهَا كَمَا قَالَهُ تِلْمِيذُهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ جَرَى فِي جَوَابِهِ هَذَا عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّوْضَةِ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ وَالْحَقُّ فِيهَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي جَوَابٍ غَيْرِ هَذَا وَأَشَرْتُ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَمِنْ مُخَالَفَتِهِ لِمَا فِيهَا قَوْلُهُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمَاءِ الْجَارِي وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِإِطْلَاقِهِ الْبُطْلَانَ فِي سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ كَذَا إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ الْمَاءَ وَحْدَهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ مَفْهُومُهَا الْحَقِيقِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه فِي قَضِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَقَعَ لَهَا مُسْتَنَدٌ شَرْعِيٌّ مُلَخَّصُ مَضْمُونِهِ بَعْد أَنْ أَذِنَ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ لِفُلَانٍ الْفُلَانِيِّ فِي شِرَاءِ الْمَبِيعِ الْآتِي ذِكْرُهُ فِيهِ لِنَفْسِهِ وَلِبَقِيَّةِ وَرَثَةِ وَالِدِهِ مَحَاجِيرِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ إذْنًا شَرْعِيًّا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ لَهُ الْمَذْكُورُ مِنْ فُلَانَةَ الْفُلَانِيَّةِ جَمِيعَ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ فِي الْوَجْبَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِكَذَا وَعِدَّةُ وَجَابَ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَجْبَةً كُلُّ وَجْبَةٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً كُلُّ سَاعَةٍ قِيرَاطَانِ كَبِيرَانِ بِمَا يَجِبُ لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقٍّ مِنْ

ص: 147

حُقُوقِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَمَقَرُّهَا وَمَمَرُّهَا وَشُعُوبُهَا وَذُيُولُهَا وَمَجَارِي مَائِهَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى اشْتِرَاءً صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ بِثَمَنٍ جُمْلَتُهُ كَذَا وَثَبَتَ ذَلِكَ لَدَى الْحَاكِمِ الْآذِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَحَكَمَ بِمُوجِبِهِ فَهَلْ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَهَلْ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهِ نَقْضٌ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَمْ لَا وَهَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْد أَمْ لَا وَهَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُطَابِقَةٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ رحمه الله مِنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهِ أَمْ لَا وَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ بِإِفْتَاءِ عَالِمٍ مِثْلِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَمْ يُحْمَلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ عَلَى السَّدَادِ مَا أَمْكَنَ.

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه الْمَبِيعُ الْمَذْكُورُ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَةِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ أَوْ الْمَجْرَى الْمَمْلُوكِ أَوْ لَمْ يُرِيدَاهُ لَكِنَّهُ عَرَّفَهُمَا حَالَ الْعَقْدِ وَيَبْطُلُ فِيمَا إذَا أَرَادَ بِهَا جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي وَالْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا غَيْرُ صَحِيحٍ وَنَقْضُ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى صَحِيح وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ كَمَا هُنَا فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْهُمْ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ رَدًّا عَلَى الْقَاضِي ابْنِ خَلِّكَانَ لَمَّا خَالَفَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَقْضَى لِلضَّرُورَةِ إذَا وَافَقَ مَذْهَبَ الْغَيْرِ لَا يُنْقَضُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ أَيْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ وَعِبَارَتُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ الصِّحَّةُ مَصُونَةٌ عَنْ النَّقْضِ كَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَدْعِي ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةَ صِيغَتِهِ وَكَوْنَ التَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّهِ.

وَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ يَسْتَدْعِي الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَهُمَا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةُ الصِّيغَةِ انْتَهَتْ وَاعْتَمَدَهَا الْكَمَالُ السُّيُوطِيّ فِي جَوَاهِرِهِ وَالتَّنْظِيرُ فِيهَا إنْ سُلِّمَ لَيْسَ لِمَا يَرْجِعُ لِرَدِّ مَا قَالَهُ مِنْ تَضْمِينِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ لِصِحَّةِ الصِّيغَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يُنَافِيهَا قَوْلُ غَيْرِهِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ إنْ صَحِيحًا فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَاسِدًا فَفَاسِدٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ صَحَّ الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَسَدَ لِفَقْدِهِ فَفَاسِدٌ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ فَالْحُكْمَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَيْهَا وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ بَيْنهمَا فَرْقًا فَتَصَرُّفُ الْحَاكِمِ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ فِي قَضِيَّةٍ رُفِعَتْ إلَيْهِ وَطُلِبَ مِنْهُ فَصْلُهَا. حُكِمَ مِنْهُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُطَابِقَةً لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَاتٍ مِنْهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ وَإِذْنُهُ فَفِيهَا قَرَائِنُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ وَكُلَّ سَاعَةٍ قِيرَاطَانِ إذْ الْمَعْنَى مَعَهُ الَّتِي قَدْرُهَا قِيرَاطَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا.

وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَخَيَّلُ فَقِيهٌ الْبُطْلَانَ فِيهِ وَمِنْهَا قَوْلُ الْمُوَثَّقِ مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ إذْ لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَلِمَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى مَا أَرَادَهُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِنَظَائِرِهَا فِي كَلَامِهِمْ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِلتَّصْرِيحِ بِنَظِيرِهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَقَاعِدَةُ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ وَأَنَّ دَعْوَى الصِّحَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَعْوَى الْفَسَادِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ يُؤَيِّدَانِ مَا حَمْلنَا عَلَيْهِ كَلَامَهُ وَإِذَا تَعَارَضَ حُكْمٌ وَإِفْتَاءٌ فَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ عُلِمَ حُكْمُهَا فِي الْمَذْهَبِ قُدِّمَ مُوَافِقُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي حَادِثَةٍ مُوَلَّدَةٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ كَصُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّا لَمْ نَعْلَمْ لِلْبُلْقِينِيِّ فِيهَا سَلَفًا وَلَا خَلْفًا مُوَافِقًا وَلَا مُخَالِفًا فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ وَالِاسْتِنْبَاطِ لَمْ يُنْقَدْ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِإِفْتَاءِ الْمُفْتِي وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي أَعْلَمَ وَإِنْ تَأَهَّلَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي وَحْدَهُ تَعَيَّنَ عَلَى الْحَاكِمِ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَإِلَّا تَأَتَّى فِي نَقْضِهِ مَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) سُئِلَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ عَنْ سُؤَالِهِ صُورَتُهُ رَجُلٌ اشْتَرَى جَمِيعَ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنٍ كَذَا بِمَرِّ الظُّهْرَانِ مِنْ أَعْمَالِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا أَمْ لَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ

ص: 148

الْبُلْقِينِيُّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَصُورَةُ مَا سُئِلَ عَنْهُ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمَكَّةَ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ اشْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا فَهَلْ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مُعْتَبَرٍ وَطَرِيقُ الْبِيَعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ وَحُكْمُ الْمَاءِ قَدْ سَبَقَ اهـ فَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْبَيْعَ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا وَجْهُهُ وَلَوْ أَنَّ مُفْتِيًا قَالَ بِالصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ مَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ فَهَلْ لَهُ وَجْهٌ مَعَ أَنَّ الْقَرَارَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ فِي سُؤَالِهِ لِلْبُلْقِينِيِّ وَمَا وَجْهُ الْقِيَاسِ عَلَى الصُّبْرَةِ.

فَأَجَابَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ بِمَا صُورَتُهُ إفْرَادُ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ بِالْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَلِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَالْحِيلَةُ فِيمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَرَارَ مَثَلًا أَوْ سَهْمًا مِنْهُ فَإِذَا مَلَكَ ذَلِكَ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِلْجَهْلِ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ لِاخْتِلَاطِ الْمَوْجُودِ بِالْحَادِثِ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا وَقَوْلُهُمْ مَثَلًا اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَا يُرَادُ مِنْهُ فِيمَا أَعْلَمُ فِي الْعَادَةِ بِمَكَّةَ إلَّا بَيْعُ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ وَلِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ فِي صُورَتِهِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَا يُنَافِي عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا قَوْلُهُ مِنْ قَرَارٍ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ. وَكَوْن مِنْ قَرَارٍ ظَرْفًا لَغْوًا وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَهُوَ.

وَإِنْ أَمْكَنَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَ الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ غَيْرُ قَارٍّ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ جِسْمٌ قَارٌّ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي بَعِيدٌ جِدًّا يَنْبُو عَنْهُ اللَّفْظُ لَا سِيَّمَا وَصْفَ الْحِصَّةِ بِالسَّقِيَّةِ إذْ السَّقِيَّةُ هِيَ الْمَاءُ لَا الْجُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ بَلْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ فِي أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَاءُ الْمُقَدَّرُ بِسَاعَتَيْنِ وَعَلَى تَسْلِيمِ إرَادَةِ ذَلِكَ وَقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيمَا يُرَادُ مِنْهُ عَادَةً فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِكَوْنِ الْقَرَارِ غَيْرِ مَرْئِيٍّ بَلْ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ كَمَا ذَكَرَهُ عَالِمُ الْحِجَازِ فِي زَمَنِهِ فِي سُؤَالِهِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ

وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَدْرَى بِاَلَّذِي فِيهِ

وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ الصُّبْرَةِ فَلَا وَجْهَ لَهُ فِيمَا ظَهَرَ لِي اهـ جَوَابُ هَذَا الْمَكِّيِّ فَهَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ وَمَا وَجْهُ فَسَادِهِ مُبَيَّنًا مَبْسُوطًا لَيَعْظُمَ النَّفْعُ بِذَلِكَ.

(فَأَجَابَ) وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ هَذَا الْجَوَابُ اشْتَمَلَ عَلَى وُجُوهٍ مِنْ الْفَسَادِ وَالْمَيْلِ إلَى دَاعِيَةِ التَّهَوُّرِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالْعِنَادِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ هَذَا الْمُجِيبِ وَالْحِيلَةُ فِيمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَرَارَ يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي أَنَّ الْقَرَارَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ هَذَا تَنَاقُضٌ صَرِيحٌ فَإِنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْقَرَارِ هُنَا بِأَنَّهُ يُشْتَرَى وَفِيمَا يَأْتِي زَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلَعَلَّ الْمُوقِعَ لَهُ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَا يَخْفَى فَسَادُهُ عَلَى صِغَارِ الْمُتَعَلِّمِينَ فَسَادُ النِّيَّةِ فَإِنْ قُلْتَ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى مُطْلَقِ الْقَرَارِ وَفِيمَا يَأْتِي عَلَى قَرَارِ عُيُونِ مَكَّةَ قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّ مُطْلَقَ الْقَرَارِ مَمْلُوكٌ إلَّا قَرَارَ عُيُونِ مَكَّةَ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ كَانَ ذَلِكَ أَقْبَحَ فِي الْخَطَإِ لِأَنَّهُ دَعْوَى بَاطِلَةٌ بِلَا مُسْتَنَدٍ لَهَا بَلْ كَلَامُهُمْ صَرِيحٌ فِي رَدِّهَا وَأَنَّ الْقَرَارَ تَارَةً يَكُونُ مَمْلُوكًا وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُيُونِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ مَا يَشْمَلُ قَرَارَ عُيُونِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ.

وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِذَا كَانَ كَلَامُهُ يَقْضِي بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَشْمَلُ عُيُونَ مَكَّةَ جَاءَ التَّنَاقُضُ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا التَّنَاقُضِ غَيْرُ مَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَحَصَّلْ فِي الْقَرَارِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِمْ لِأَنَّ فِيهِ شِبْهَ تَنَاقُضٍ فِي الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْجَمْعِ بَيْن الْمُتَنَاقِضَاتِ تَكَلَّمَ فِيهِ بِرَأْيِهِ فَبَدَا لَهُ أَوَّلَ الْجَوَابِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ يُشْتَرَى وَأَنَّهُ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ الْحِيلَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ ثُمَّ بَدَا لَهُ آخِرَ الْجَوَابِ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَمَنْ هَذَا حَالُهُ يَنْبَغِي الْإِعْرَاضُ عَنْ كَلَامِهِ لَوْلَا مَا وَجَبَ مِنْ بَيَانِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبَاطِيلِ الَّتِي سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِحَةً بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ عُيُونَ مَكَّةَ مَمْلُوكَةٌ عِنْدَ زَعْمِهِ عَدَمَ مِلْكِهَا.

وَقَوْلُهُ

ص: 149

كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ خَطَأٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْقَرَارِ الْمَنْبَعَ الْمَمْلُوكَ بَطَلَ قَوْلُهُ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَنْ يَمْلِكُهُ مَلَكَ الْمَاءَ أَوْ الْمَنْبَعَ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ بَطَلَ قَوْلُهُ أَنْ. يَشْتَرِيَ الْقَرَارَ وَقَوْلُهُ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْمَنْبَعَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَائِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا وَإِنْ أَرَادَ بِالْقَرَارِ الْمَجْرَى تَأَتَّى فِيهِ بَعْضُ هَذَا الْفَسَادِ وَمَا فِي قَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَسَادَ وَالتَّنَاقُضَ الْوَاقِعَ لِهَذَا الْمُجِيبِ فِي أَقَلَّ مِنْ سَطْرٍ عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ مُؤَاخَذَةً. قَدَّمَ فِي كَلَامِهِ مَا يُفْهِمُهَا كَمَا سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِحَةً فِي كِتَابِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَمَّيْتُهُ نُزْهَةَ الْعُيُونِ فِي حُكْمِ بَيْعِ الْعُيُونِ وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي عَبَّرُوا بِهِ فِي الْحِيلَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَنَاةَ مَثَلًا أَوْ جُزْءًا مِنْهَا فَيَكُونَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ وَهَذَا تَعْبِيرٌ صَحِيحٌ وَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجِيبِ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْبِيرِهِ بِالْقَرَارِ عَبَّرَ بِالْقَرَارِ مُعْتَمِدًا عَلَى تَعْبِيرِ الْبُلْقِينِيُّ بِهِ وَفَاتَهُ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ بَعْضَ كَلَامٍ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ.

وَهُوَ التَّعْبِيرُ بِالْقَرَارِ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ وَبَعْضُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَقَّ بِالْمَاءِ وَقَعَ فِي وَرْطَةِ التَّنَاقُضِ وَالِاخْتِلَافِ وَهَذَا شَأْنُ مَنْ يُلَفِّقُ كَلَامًا مِنْ عِبَارَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالتَّخَالُفِ إذْ الْقَرَارُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَجْرَى وَعَلَى الْمَنْبَعِ الْمَمْلُوكَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَنْبَعُ الْمَمْلُوكُ كَانَ مِلْكُهُ مُسْتَلْزِمًا لِمِلْكِ الْمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَجْرَى الْمَمْلُوكُ كَانَ مِلْكُهُ غَيْرَ مُسْتَلْزِمٍ لِمِلْكِ الْمَاءِ وَلَكِنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِهِ وَلِذَا لَمَّا عَبَّرُوا بِالْقَنَاةِ وَنَحْوِهَا عَبَّرُوا بِأَحَقِّيَّةِ الْمَاءِ فَلَوْ تَبِعَهُمْ فِي التَّعْبِيرِ بِالْقَنَاةِ أَوْ الْمَجْرَى مَثَلًا لَسَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَا قَدَّمَهُ لَا يُفِيدُ عَدَم الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنَّمَا الَّذِي يُفِيدُهُ عَلَى زَعْمِهِ مَا سَيَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ لَا يُرَادُ مِنْهُ فِيمَا أَعْلَمُ مِنْ الْعَادَةِ بِمَكَّةَ إلَّا بَيْعُ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ يُقَالُ عَلَيْهِ كَأَنَّ هَذَا الْمُجِيبَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى آدَابِ الْمُفْتِي وَقَوْلُهُمْ أَنَّ الْمُفْتِي لَا يَكْتُبُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ فِي الْوَاقِعَةِ بَلْ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ أَوْ يَقُولُ إنْ كَانَ كَذَا فَحُكْمُهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ كَذَا فَحُكْمُهُ كَذَا فَعُلِمَ أَنَّ جَزْمَ هَذَا الْمُفْتِي بِهَذِهِ الدَّعْوَى وَتَرْتِيبَهُ بَقِيَّةَ جَوَابِهِ عَلَيْهَا خَطَأٌ فَاحِشٌ حَمَلَهُ عَلَيْهِ مَزِيدُ التَّعَصُّبِ لِصِدِّيقِهِ الَّذِي قَالَ هُوَ عَنْهُ أَنَّهُ أَلْزَمَهُ بِالْكِتَابَةِ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ كِتَابَةٌ عَلَى سُؤَالٍ قَطُّ لِمَزِيدِ دَيَّانَتِهِ اهـ.

وَبِحَمْدِ اللَّهِ أَئِمَّةُ الدِّينِ مُتَوَفِّرُونَ قَائِمُونَ بِحِفْظِهِ وَرَدْعِ مَنْ عَانَدَ أَوْ تَعَصَّبَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ لَهُ تَسْلِيمُ مَا قَالَهُ فَالِاحْتِجَاجُ بِهِ هُنَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْعَادَةِ الَّتِي يَعْلَمُهَا هَذَا الزَّاعِمُ وَقْتَ كِتَابَتِهِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْعُرْفِ الْمُطَّرَدِ حَالَ وُقُوعِ الْبِيَعِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِالْعَادَةِ الَّتِي زَعَمَ وُجُودَهَا الْآنَ عَلَى وُجُودِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ وَأَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يُحِطْ بِهِ وَلَا بِشُرُوطِهِ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ ذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ وَجْهَ تَخْرِيجِ مَا زَعَمَهُ هُنَا عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَيَنْظُرُ. هَلْ تُنْتِجُ لَهُ مَا ذَكَرَهُ أَمْ لَا. وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا سَيُمْلِي عَلَيْك مِنْ كِتَابِي نُزْهَةُ الْعُيُونِ فِي بَيْعِ الْعُيُونِ وَعَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَنَّ الْعَادَةَ مُطَّرِدَةٌ بِمَا ذَكَرَهُ فَفِي أَيْ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَفْظَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا اُحْتُمِلَ مِنْ حَيْثُ وَضْعُهُ أَمْرَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَاقْتَضَى الْعُرْفُ تَرْجِيحَ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ وَنَوَيَا غَيْرَهُ يُقَدَّمُ الْعُرْفُ عَلَى مَا نَوَيَاهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الَّذِي يَقْتَضِيه الْعُرْفُ مُصَحِّحًا أَوْ مُبْطِلًا فَإِنْ أَتَى هَذَا الْمُجِيبُ بِنَقْلِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ نَوْعٌ مَا مِنْ الْعُذْرِ وَإِلَّا كَانَ الْخَطَأُ أَقْبَحَ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ الْعَادَةِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمًا لَا مُسْتَنَدَ لَهُ.

وَفِي هَذَا كُلِّهِ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَى الدِّينِ مَا نَسْأَلُ اللَّهَ الْإِعَاذَةَ مِنْهُ وَمِمَّا يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ مِنْ الْعَادَةِ مَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِنْ أَهْلِ عُيُونِ مَكَّةَ مَنْ يَمْلِكُ مَاءً مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَارِ قَطُّ بَلْ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْمَاءَ مَلَكَ قَرَارَهُ بِحَيْثُ إنَّ ذَيْلَ الْعَيْنِ وَمَجْرَاهَا أَوْ مَنْبَعهَا إذَا خَرِبَ وَتَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ فِي عِمَارَتِهَا عَمَّرُوهَا عَلَى حَسْبِ مِلْكِهِمْ لِلْمَاءِ وَلَوْ رَفَعُوا الْأَمْرَ إلَى قَاضِي مَكَّةَ أَوْ أَمِيرِهَا لَحَكَمَ بَيْنهمْ بِذَلِكَ وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَمِمَّا يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ مِنْ

ص: 150

الْعَادَةِ أَنَّ بَعْضَ عُيُونِ مَكَّةَ الْآنَ خَرَابٌ لَا يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ مِنْ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ الثِّقَاتِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ أَجْزَاءً وَأَنَّ صُورَةَ مُشْتَرَاهَا اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا فَانْظُرْ إلَى إيقَاعِهِمْ لَفْظَ السَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى عَيْنٍ لَا مَاءَ فِيهَا.

وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ وَأَعْدَلُ شَاهِدٍ عَلَى بُطْلَانِ مَا زَعَمَهُ هَذَا الْمُجِيبُ مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يُرَادُ إلَّا الْمَاءُ الْمُقَدَّرُ بِزَمَنٍ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا إذَا أَرَادَا بِالسَّاعَةِ جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ أَمَّا إذَا أَرَادَ بِهَا جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ أَوْ أَطْلَقَا وَأُطْرِدَ عُرْفُهُمَا حَالَةَ الْعَقْدِ بِأَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ فَلَا يَتَخَيَّلُ مَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ وَفِقْهٍ نَفْسِيٍّ إلَّا الصِّحَّةَ فِيهِمَا أَمَّا الثَّانِيَةُ فَظَاهِرٌ وَقَدْ ذُكِرَ لَهَا نَظَائِرُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْأُولَى فَكَذَلِكَ وَقَدْ ذُكِرَ لَهَا نَظَائِرُ فِي كَلَامِهِمْ وَسَتُمْلَى عَلَيْكَ تِلْكَ النَّظَائِرُ جَمِيعُهَا فِي نُزْهَةِ الْعُيُونِ الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا وَمِنْ نَظَائِرِ الْأُولَى قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا فَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْمَلْفُوظِ بَطَلَ أَوْ مِنْ الْقِيمَةِ وَعُلِمَتْ صَحَّ وَمَسْأَلَتُنَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ هَذِهِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ إذَا عَوَّلُوا عَلَى إرَادَتِهِمَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَلْفُوظَةٍ وَلَا فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا.

وَصَحَّحُوا الْعَقْدَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ مَعَ مُخَالَفَتِهَا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَلْ لِصَرِيحِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُعَوِّلُوا عَلَى إرَادَتِهِمَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ وَيُصَحِّحُوا الْعَقْدَ بِذَلِكَ وَإِذَا اتَّضَحَ لَك مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا مَرَّ عَلِمْتَ خَطَأَ مَنْ تَمَسَّكَ بِإِطْلَاقِهِ الْبُطْلَانَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرِيدَا ذَلِكَ أَوْ لَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَطَّرِدَ عُرْفُهُمَا بِذَلِكَ أَوْ لَا وَلَكِنَّ مُوجِبَ ذَلِكَ الْوُقُوفُ مَعَ ظَوَاهِرِ الْعِبَارَاتِ وَعَدَمُ الْمَلَكَةِ الَّتِي يَقْتَدِرُ بِهَا الْفَقِيهُ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَبْيِينِ الْمُجْمَلَاتِ وَتَزْيِيفِ الْهَفَوَاتِ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا أَجْمَعِينَ مِمَّنْ رُزِقَ تِلْكَ الْمَلَكَةَ وَصَحِبَهُ إخْلَاصٌ يَنْجُو بِهِ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ آمِينَ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَيْتَك لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مَعْلُومَاتِكَ.

فَإِذَا خَلَطْتَ فِيهِ كُنْتَ بِالتَّخْلِيطِ فِي غَيْرِهِ أَحَقَّ وَأَوْلَى وَبَيَانُ التَّخْلِيطِ الْوَاقِعِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ عَنَى بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَيْ مِنْ قَرَارِ كَذَا بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ أَنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ وَهَذَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالْبَيَانِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا بَعْدَهُ لَزِمَ عَلَيْهِ فَسَادٌ وَهُوَ أَنَّ مَا بَعْدَ مِنْ، عَيْنُ مَا قَبْلهَا فَيَكُونُ الْمَاءُ عَيْنُ الْقَرَارِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ فَكَيْفَ يُحْمَلُ كَلَامُ الْعُقَلَاءِ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ عَنَى بِهِ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي أَيْ الْمَاءِ الَّذِي فِي قَرَارِ كَذَا قِيلَ لَهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّجَوُّزِ وَإِخْرَاجِ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الْحَقِيقِيِّ إلَى مَعْنًى آخَرَ غَرِيبٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ مِنْهُ إلَّا عِنْدَ مَنْ شَذَّ وَنَدَرَ عَلَى مَا زَعَمْتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مِنْ الْمَاءِ وَقَدْ بَانَ فِيمَا مَرَّ بُطْلَانُهُ وَإِذَا بَطَل ذَلِكَ بَطَلَ حَمْلُ مِنْ عَلَى فِي وَاتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ بَقَائِهَا عَلَى مَوْضُوعِهَا الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ التَّبْعِيضُ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْقَرِينَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ السَّاعَةِ بِمَعْنَى الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ.

وَقَوْلُهُ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ صِفَةٌ لِجَمِيعٍ أَوْ لِلْحِصَّةِ تَعَيَّنَ عَلَيْك عُرْفًا وَاصْطِلَاحًا أَنْ تُعَبِّرَ بِأَنَّهُ حَالٌ لَا صِفَةٌ وَلَا يُقَالُ الْحَالُ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا اعْتِنَاءٌ لَا يَلِيقُ مِمَّنْ يُطْلَبُ مِنْهُ تَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ وَالْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى مُصْطَلَحِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ فَنِّهِ وَلَيْسَتْ أَلْ فِي الْحِصَّةِ هُنَا لِتُعَيِّنَهَا مِثْلُهَا فِي اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي ذَوْقٍ وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ صِفَةٌ لِقَدْرِهَا أَوْ لِسَاعَتَيْنِ نَافَى قَوْلَكَ أَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ وَقَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ قَدَّرْتَهُ مُفْرَدًا تَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَالِيَّةِ أَوْ جُمْلَةٍ. فَكَذَلِكَ إنْ أَرَدْتَ الْجَرْيَ عَلَى قَوَانِينِ التَّحْقِيقِ ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي مَا الدَّاعِي إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بِإِخْرَاجِ مِنْ عَنْ ظَاهِرِهَا وَمَوْضُوعِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا فِي مَعْنًى آخَرَ غَيْرِ مَأْلُوفٍ عِنْدَ مَنْ مَرّ وَبِتَعْلِيقِهَا بِمَحْذُوفٍ مُحْتَمَلٍ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ظَوَاهِرِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِأَنْوَاعٍ مِنْ التَّكْلِيفِ لَوْ كَانَتْ عَلَى عِبَارَةِ سِيبَوَيْهِ لَمْ تَسْلَمْ لِمُتَكَلِّفِهَا إلَّا إنْ ضَاقَ عَلَيْهِ النِّطَاقُ وَبَلَغَتْ رُوحُهُ التَّرَاقِيَ فَقَالَ هَلْ مِنْ رَاقٍ تَاللَّهِ مَا الدَّاعِي لِذَلِكَ إلَّا مَحَبَّةُ حِمَايَةِ حُرْمَةِ هَذَا الصَّدِيقِ وَلَرُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِهَوَى الْهُوِيِّ بِهِ فِي كُلِّ مَكَان سَحِيقٍ تَابَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَجْمَعِينَ آمِينَ.

وَقَوْلُهُ ظَرْفًا لَغْوًا كَأَنَّهُ جَاءَ بِهِ لِيُوهِمَ

ص: 151

أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّغْوِ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَإِلَّا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا إذْ تَكَلَّفَهُ دُونَ بَعْضِ التَّكَلُّفَاتِ الَّتِي مَرَّتْ عَنْهُ وَإِنَّمَا أَطَلْتُ مَعَهُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ تَأَسِّيًا بِالتَّاجِ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ لَمَّا نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي أَفْضَلِ الدِّينِ الْخُونَجِيِّ حَدَّ التَّرِكَةِ الْمَشْهُورَ وَبَحَثَ مَعَهُ بِمَا زَيَّفَ بِهِ حَدَّهُ قَالَ وَهَذِهِ صِنَاعَاتٌ جَدَلِيَّةٌ حَمَلَنَا عَلَى ذِكْرِهَا عَلَى الْخُونَجِيِّ حَيْثُ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِي الْفِقْهِ صِنَاعَتَهُ الَّتِي هِيَ الْمَنْطِقُ فَأَحْبَبْنَا مُعَارَضَتَهُ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ لَا يَخْفَى إنْ جَعَلَ الزَّمَانَ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ غَيْرُ قَارٍّ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ جِسْمٌ قَارٌّ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ تَعَجُّبًا مِنْهُ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] لِأَنَّهُ إذَا فَرَضَ احْتِمَالَ أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِيهِ جَعْلُ الزَّمَانِ جُزْءًا مِنْ الْجِسْمِ لِأَنَّا إذَا اسْتَعْمَلْنَا السَّاعَتَيْنِ مُرَادًا بِهِمَا الْجُزْءُ لِلْقَرَائِنِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا صَارَ مَدْلُولُهُمَا الْجُزْءَ مِنْ الْقَرَارِ وَحِينَئِذٍ فَأَيُّ زَمَانٍ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ جِسْمٍ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ هَذَا التَّمْوِيهَ يَتِمُّ لَهُ.

وَمَا دَرَى أَنَّ الْحُدُودَ إلَى الْآنَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْحِفْظِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُخْلِ الْأَرْضَ مِنْ أَئِمَّةٍ نُقَّادٍ يُمَيِّزُونَ الزَّيْفَ عَنْ الْجَيِّدِ وَالْخَبِيثَ عَنْ الطَّيِّبِ وَلَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ بَلْ الصَّدِيقُ بَلْ الْوَالِدُ عِنْدَهُمْ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ فَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ وَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَقَوْلُهُ إذْ السَّقِيَّةُ هِيَ الْمَاءُ بَاطِلٌ صِرَاحٌ وَإِنَّمَا هِيَ لُغَةً: اسْمٌ لِنَبْتٍ فَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ حَيْثُ مَدْلُولُهَا لَفْظًا كَانَتْ فَعِيلَةَ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ أَيْ سَاقِيَةٍ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ صَرِيحَةً فِي مُدَّعَانَا إذْ السَّاقِيَةُ لُغَةً: مَحَلُّ الْمَاءِ الْجَارِي وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى تَفْسِيرِ السَّقِيَّةِ بِمَا ذَكَرَ نَعَمْ لَهُ حَامِلٌ عَلَيْهِ أَيْ حَامِلٌ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ السَّقِيَّةَ هُنَا إنْ أَرَدْنَا بِهَا مَعْنَاهَا اللُّغَوِيَّ كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَاءِ أَوْ فِي مَحَلِّهِ مَجَازًا فَلَا يَكُونُ فِيهَا دَلَالَةٌ لِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ أَرَدْنَا بِهَا مَعْنَاهَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ لِلَّفْظِ كَانَتْ صَرِيحَةً فِي مُدَّعَانَا كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قَالَ السَّقِيَّةُ عُرْفًا اسْمٌ لِلْمَاءِ قُلْنَا عَادَ النِّزَاعُ السَّابِقُ فِي السَّاعَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ أَيْضًا لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فَبَطَلَ قَوْلُهُ بَلْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ إلَخْ.

وَقَوْلُهُ لِكَوْنِ الْقَرَارِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ ذُكِرَتْ أَوَّلًا الْحِيلَةُ فِي شِرَائِهِ فَكَيْفَ يَشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ فَانْظُرْ أَيُّ التَّنَاقُضَيْنِ تَخْتَارُهُ وَمِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَكَ مَا فِي السُّؤَالِ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ طَرِيقَ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ مَحَلَّ النَّبْعِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا طَرِيقًا لِبَيْعِ عُيُونِ مَكَّةَ بِالذَّاتِ لِأَنَّهَا هِيَ مَحَطُّ السُّؤَالِ فَعَلِمْنَا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْبِئْرِ وَأَيُّ فَارِقٍ بَيْنَ قَعْرِهَا وَمَا اسْتَتَرَ مِنْ جُدْرَانِهَا بِالْمَاءِ وَبَيْنَ الْمَنْبَعِ وَمَا اسْتَتَرَ مِنْ الْمَجْرَى بِالْأَرْضِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَالْبِئْرُ يُمْكِنُ غَالِبًا رُؤْيَةُ قَعْرِهَا وَجُدْرَانِهَا بِنَزْحِ مَائِهَا فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَةَ ذَلِكَ مِنْهَا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَشْتَرِطُوهُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ وَكَذَلِكَ كَلَامُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ اتَّضَحَ بُطْلَانُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ

وَقَوْلُهُ وَلَا مَمْلُوكٍ بَاطِلٌ صُرَاحٌ أَيْضًا فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ حُفِرَ أَيْ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا أَوْ انْخَرَقَ أَيْ فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ اهـ وَمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى بِالْمِلْكِ مِنْ صُورَةِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ صُورَتَهَا لَيْسَ فِيهَا قَرِينَةٌ عَلَى الْمِلْكِ غَيْرَ وَضْعِ الْيَدِ وَهُنَا مَعَ وَضْعِهَا قَرِينَةٌ أُخْرَى أَتَمُّ مِنْهَا وَهِيَ بِنَاءُ تِلْكَ الْعُيُونِ الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ الْبَانِي لِمَحَلِّ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَقَدْ قَدَّمَ هَذَا الْمُجِيبُ الْحِيلَةَ فِي صِحَّةِ شِرَاءِ الْقَرَارِ وَهَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِمِلْكِهِ فَوَقَعَ فِي التَّنَاقُضِ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا بَاطِلٌ صُرَاحٌ أَيْضًا لِمَا عَلِمْتَهُ مَنْ عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ وَأَنَّ الْجَهْلَ بِأَصْلِهِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَهُ وَقَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ عَالِمُ الْحِجَازِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا كَذِبٌ فَإِنَّ الْجَمَالَ إنَّمَا قَالَ غَالِبًا وَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ الْغَالِبِ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي سَوَّغَ لَك أَوْ لِغَيْرِك أَنْ تَأْخُذَ كَلَامَ سَائِلٍ أَبْرَزَهُ فِي مَقَامِ السُّؤَالِ

ص: 152

وَتَجْعَلَهُ حُجَّةً عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ سِيَّمَا وَشَيْخُهُ الْبُلْقِينِيُّ الْمَسْئُولُ قَدْ رَدَّ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي سُؤَالِهِ بِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الَّذِي قَدَّمْتُهُ بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ عَالِمَ الْحِجَازِ هَذَا صَرَّحَ فِي تَصْنِيفٍ أَوْ إفْتَاءٍ بِخِلَافِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه فِي بَيْعِ النَّاسِ الْآنَ مَا حَقِيقَتُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَهَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ وَهَلْ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ فِي مَذْهَبِ السَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلنَّاذِرِ أَنْ يَنْقُلَ الْمَبِيعَ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهَلْ يَلْحَقُهُ النَّذْرُ أَمْ لَا إذَا نَقَلَهُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه إنْ أُرِيدَ بِبَيْعِ النَّاسِ مَا اُعْتِيدَ مِنْ أَنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ عَلَى بَيْعِ عَيْنٍ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهَا وَأَنَّ الْبَائِعَ إذَا جَاءَ بِالثَّمَنِ رَدُّوا إلَيْهِ عَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ شَرْطٌ فِي صُلْبِ الْعَقْد يُفْسِدُهُ فَالْبَيْعُ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَإِذَا جَاءَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَقْبَلَهُ وَأَنْ لَا يَقْبَلَهُ لَكِنْ يَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ الْغِشِّ وَالْغُرُورِ فَإِنَّ الْبَائِعَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُهُ لَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَمَتَى نَذَرَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ أَنَّهُ مَتَى جَاءَهُ الْبَائِعُ بِقَدْرِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ فُسِخَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ أَوْ أَنْ يُقِيلَهُ مَتَى جَاءَ طَالِبًا لِلْإِقَالَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ النَّذْرُ عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ خِلَافٍ طَوِيلٍ وَقَعَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْيَمَنِ لِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مُطْلَقًا أَمَّا الْفَسْخُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الْإِقَالَةُ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ سُنَّةً إلَّا فِي النَّادِمِ.

وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عُلِّقَ النَّذْرُ بِالنَّدَمِ كَأَنْ قَالَ إنْ نَدِمْت فِي الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ وَطَلَبْت مِنِّي الْإِقَالَةَ فِيهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ إقَالَتُك فِيهِ فَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ حِينَئِذٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ إذَا نَدِمْت فِيهِ وَطَلَبْت مِنِّي الْفَسْخَ فِيهِ فَعَلَيَّ فَسْخُهُ فَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِهِ قُرْبَةً فَلَزِمَهُ وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَنْ أَطْلَقَ الْإِفْتَاءَ بِانْعِقَادِ النَّذْرِ نَظَرًا إلَى أَنَّ إقَالَةَ النَّادِمِ سُنَّةً وَمَنْ أَطْلَقَ عَدَمَ انْعِقَادِهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ النَّاذِرَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ وَإِنْ طَلَبَ خَصْمُهُ إذْ الْعِبْرَةُ بِهِ فَإِطْلَاقُ الِانْعِقَادِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آخِرًا وَإِطْلَاقُ عَدَمِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَمَتَى عَلَّقَ النَّذْرَ بِصِفَةٍ ثُمَّ بَاعَ الْعَيْنَ الْمَنْذُورَ بِهَا قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْفَتَى وَغَيْرُهُ وَمَا فِي كَلَامِ الْبَغَوِيِّ مِمَّا يُخَالِفُهُ ضَعِيفٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَحَّلَ بَسْطِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ مِنْ الْمَنْقُولِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُهُ ثُمَّ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ عِتْقُهُ فَفِيهِ مَقَالَاتٌ.

وَالرَّاجِحُ انْعِقَادُ النَّذْرِ الثَّانِي بَعْدَ النَّذْرِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ حُكِمَ بِعِتْقِهِ عَنْهُ وَلَا نُوجِبُ لِلْآخَرِ شَيْئًا وَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَقُرِعَ بَيْنهمَا وَحِينَئِذٍ فَبَيْعُ الْعَيْنِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا النَّذْرُ صَحِيحٌ كَمَا صَحَّ النَّذْرُ الثَّانِي وَوَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ السَّابِقِ بِجَامِعِ بَقَاءِ الْمِلْكِ لِلرَّقَبَةِ فِيهِمَا فَكَمَا صَحَّ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالنَّذْرِ الثَّانِي فَلْيَصِحَّ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ مَأْخَذَ الصِّحَّةِ بَقَاءُ الْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ فَحَسْب فَانْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّم مِنْ أَنَّ مُلَخَّصَهَا أَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يَجُوزُ وَقْفُهُ وَلَا يُعْتَقُ لَوْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَ وَقْفِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ تَعَالَى هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه مَا حُكْم عَطَايَا أَرْبَابِ وِلَايَاتِ زَمَانِنَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عَطَايَا الْوُلَاةِ قَبِلَهَا قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ وَتَوَرَّعَ عَنْهَا آخَرُونَ فَيَجُوزُ قَبُولُهَا مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَمَكْسٍ أَوْ نَحْوه فَلَا يَجُوزُ قَبُولُهُ وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ التَّحَقُّقِ فَالْقَبُولُ جَائِزٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ لَا يَجُوزُ مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ فَضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَلْ الْمُعْتَمَدُ جَوَازُ مُعَامَلَتِهِ وَالْأَكْلُ مِمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ حُرْمَتُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِذَا أَكَلَ إنْسَانٌ شَيْئًا فَبَانَ أَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ فَهَلْ يُطَالَبُ بِهِ فِي الْقِيَامَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ كَانَ ظَاهِرُ مَطْعَمِهِ الْخَيْرَ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ الْآكِلُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ خِلَافَ ذَلِكَ أَيْ كَأَرْبَابِ الْوِلَايَاتِ طُولِبَ أَيْ لِعَدَمِ عُذْرِهِ فَلَا يَنْبَغِي الْهُجُومُ عَلَى أَكْلِ أَمْوَالِ الْوُلَاةِ وَإِنْ جَازَ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ بَلْ يَنْبَغِي التَّنَزُّهُ عَنْهُ حَذَرًا مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ فَيُطَالَبُ بِهِ الْآكِلُ فِي الْآخِرَة.

(وَسُئِلَ) اشْتَرَى أَمَةً ثُمَّ رَهَنَهَا عِنْدَ آخَر ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ

ص: 153

فِيهَا ثُمَّ أَخَذَهَا الْبَائِعُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مُدَّةً ظَانًّا أَنَّهَا مِلْكُهُ ثُمَّ بَانَ فَسَادُ الْإِقَالَةِ بِمُقْتَضَى الرَّهْنِ السَّابِقِ فَانْتَزَعَهَا الْمُشْتَرِي وَأَعْطَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لَمْ يُعْطِهَا لَهُ بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ انْفَكَّ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِسُؤَالِهِ الْإِقَالَةَ مِنْهُ مَعَ رَهْنِهِ إيَّاهَا وَجَهْلِ الْبَائِعِ بِذَلِكَ أَوَّلًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَأَقَرُّوهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَعَمَّرَهَا وَأَدَّى خَرَاجَهَا أَوْ عَبْدًا وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا كَانَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَلَا يَرْجِعُ بِالْخَرَاجِ وَلَا بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْد عَلَى أَنْ يَضْمَنَهَا وَلَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ اهـ فَهَذَا رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ بِالنَّفَقَةِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَكِنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ لِمُسَاوَاتِهَا لِتِلْكَ حِينَئِذٍ فِي عِلَّتِهَا السَّابِقَةِ وَهِيَ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا اهـ.

أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَا عَقْدٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا وَإِنَّمَا الَّذِي هُنَا أَنَّهُ بِالْإِقَالَةِ ظَنَّ عَوْدَهَا لِمِلْكِهِ الْأَصْلِيِّ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا بِهَذَا الظَّنِّ الَّذِي هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ فَآثَرَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا أَنْفَقَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي وَرَّطَهُ فِي ذَلِكَ بِطَلَبِهِ الْإِقَالَةَ مِنْهُ مَعَ فِعْلِهِ لِلرَّهْنِ السَّابِقِ عَلَى الْإِقَالَةِ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّتِهَا وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَمِنْ الْفَرْقِ بَيْنهَا وَبَيْنَ صُورَةِ الْبَغَوِيِّ السَّابِقَةِ مَا فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ مِنْ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى قِنِّهِ ثُمَّ بَانَ مَا يُوجِبُ عِتْقَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى أَنَّهُ عَبْدُهُ فَهَذِهِ كَمَسْأَلَتِنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عَقْدٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِيهِ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى النَّفَقَةِ وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهَا أَنَّهُ أَنْفَقَ بِظَنِّ الْمِلْكِ الْأَصْلِيِّ ثُمَّ بَانَ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ ذَلِكَ الْمِلْكِ الَّذِي ظَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ بِالرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَتِهِ كَذَلِكَ قُلْنَا بِالرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِمَا عَلِمْتُ مِنْ اتِّحَادِهِمَا عِلَّةً وَجَامِعًا.

فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقَ بَيْنهمَا بِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُهَذَّبِ لِأَنَّهُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ أَنْفَقَ عَلَى حُرٍّ فَلَزِمَ الْحُرَّ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِأَخْذِهِ لِلنَّفَقَةِ مِنْ السَّيِّدِ مُلْتَزِمٌ لِغُرْمِ بَدَلِهَا لَهُ إذَا بَانَ أَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ لَهُ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى جَارِيَةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالسَّيِّدِ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ الْمُنْفِقِ حَتَّى نَقُولَ إنَّهُ بِالْأَخْذِ يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِغُرْمِ الْبَدَلِ فَافْتَرَقَا قُلْت لَا أَثَرَ لِهَذَا الْفَرْقِ بَلْ هُوَ خَيَالٌ لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِمَا يُبْطِلُهُ حَيْثُ قَالُوا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا لَا سُكْنَاهَا بِنَفْيِ الزَّوْجِ الْحَمْلَ فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الْإِرْضَاعِ وَبِبَدَلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ وَعَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِرْضَاعِ لِأَنَّهَا أَدَّتْ ذَلِكَ بِظَنِّ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا فَإِذَا بَانَ خِلَافُهُ رَجَعْت كَمَا لَوْ أَدَّى دَيْنًا ظَنَّهُ عَلَيْهِ فَبَانَ خِلَافُهُ يَرْجِعُ بِهِ وَكَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى أَبِيهِ بِظَنِّ إعْسَارِهِ فَبَانَ مُوسِرًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ وَلَا يُنَافِي رُجُوعَهَا بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ كَوْنُهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِفَرْضِ الْقَاضِي لِتَعَدِّي الْأَبِ هُنَا بِنَفْيِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ اهـ. فَتَأَمَّلْ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ.

هَذَا تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي تَزْيِيفِ ذَلِكَ الْفَرْقِ لِأَنَّهُمْ هُنَا جَوَّزُوا لَهَا الرُّجُوعَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدِ مَعَ سُقُوطِ نَفَقَتِهِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِتَعَدِّي الْأَبِ بِالنَّفْيِ مَعَ عَدَمِ الطَّلَبِ لَهَا فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ فَرُجُوعُهَا لِمَا ذُكِرَ صَرِيحٌ فِي الرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِجَامِعِ أَنَّ الْمُشْتَرِي مُتَعَدٍّ بِفِعْلِ الْإِقَالَةِ مَعَ سَبْقِ الرَّهْنِ مِنْهُ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِهَا وَالثَّانِي لَا تَعَدِّي مِنْهُ بِوَجْهٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَالُ الْإِنْفَاقِ طُلِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَمَّا بَانَ تَعَدِّي الْمُشْتَرِي وَعَدَمُ تَعَدِّي الْبَائِعِ اقْتَضَى ذَلِكَ الرُّجُوعَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا وَكَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَسْأَلَتِهِمْ إلَى سُقُوطِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ لِلْمَلْحَظِ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ تَعَدِّي الزَّوْجِ وَعَدَمِ تَعَدِّي الزَّوْجَةِ الْمُنْفِقَةِ كَذَلِكَ لَا يُنْظَرُ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَى أَنَّ نَفَقَةَ الرَّقِيقِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ لِوُجُودِ نَظِيرِ مَلْحَظِهِمْ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَهُوَ تَعَدِّي الْمُشْتَرِي بِفِعْلِهِ الْإِقَالَةَ مَعَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الرَّهْنِ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِ الْإِقَالَةِ وَلِتَوْرِيطِ الْبَائِعِ فِي الْإِنْفَاقِ فَعَلِمْنَا مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ

ص: 154

أَمْرٌ طَرْدِيٌّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْفَرْقِ فَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَا التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى اعْتِبَارِهِ مِنْ مُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ الَّذِي ذَكَرْتُهُ.

وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَهُمْ الْمَذْكُورَ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى أَبِيهِ بِظَنِّ إعْسَارِهِ فَبَانَ يَسَارُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلسُّقُوطِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ دَخَلَ فِي مَنْعِ الرُّجُوعِ لَمْ يَرْجِعْ هُنَا وَإِنْ ظَنَّ إعْسَارَهُ لِأَنَّ إنْفَاقَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ أَيْضًا فَلَوْ نَظَرْنَا لِذَلِكَ لَقُلْنَا لَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ لِأَنَّ الْمُنْفَقَ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْإِنْفَاقِ شَيْءٌ فَهُوَ كَاَلَّذِي أَنْفَقَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ بَانَ حُرًّا سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ وَكَالْجَارِيَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ سَيِّدَهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُدَّةَ زَمَنِ الْإِنْفَاقِ فَلَزِمَ عَلَى النَّظَرِ لِذَلِكَ سُقُوطُ الرُّجُوعِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ إنْ نَظَرْنَا لِذَلِكَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَصْرِيحِهِمْ فِي مَسْأَلَتَيْ الْأَبِ وَالْحُرِّ بِالرُّجُوعِ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِيهِمَا وَإِذَا لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ فِيهِمَا وَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته تَبَيَّنَ لَك أَنَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ الرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقَالَةِ لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ إذَا بَانَ بُطْلَانُ الْفَسْخِ

فَإِذَا عَادَ الْمَبِيعُ إلَى بَائِعه بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْفَسْخِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ بُطْلَانُ الْفَسْخِ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَهُ لِمَا قَدَّمْته وَاضِحًا مَبْسُوطًا فَإِنْ قُلْت إذَا رَجَعَ بِالنَّفَقَةِ هَلْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ اسْتِخْدَامِهِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَمَا غَرِمَ النَّفَقَةَ يَغْنَمُ الرِّيعَ وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَالَ لَا رُجُوعَ لَهُ إنْ عُلِمَ بِفَسَادِ الْفَسْخِ دُونَ الْبَائِعِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِفَسَادِهِ وَتَرْكَ الْمَبِيع فِي يَدِ الْبَائِعِ حِينَئِذٍ مُسْتَلْزِمٌ لِتَبَرُّعِهِ عَلَيْهِ بِاسْتِخْدَامِهِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ نَعَمْ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا إنْ وَطِئَهَا سَوَاءٌ أُعْلِمَ بِفَسَادِ الْفَسْخِ أَمْ لَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ فَلَمْ يَفِدْ الْعِلْمُ فِيهِ شَيْئًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْفَوَائِدِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ بِهِ فَأَثَّرَ فِيهِ الْعِلْمُ فَإِنْ قُلْتَ إنَّمَا تَبَرَّعَ بِالْفَوَائِدِ فِي مُقَابَلَةِ النَّفَقَةِ فَإِذَا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ فَلَا تَبَرُّعَ مِنْهُ فَيَرْجِعُ قُلْتُ هَذِهِ مُقَابَلَةٌ فَاسِدَةٌ لَمْ يَرْضَ بِهَا الْمُنْفِقُ حَتَّى نُلْزِمَهُ بِقَضِيَّتِهَا فَكَانَ الْقِيَاسُ إلْغَاءَ قَصْدِ الْمُشْتَرِي لِتِلْكَ الْمُقَابَلَةِ وَتَغْرِيمَهُ النَّفَقَةَ وَعَدَمَ رُجُوعِهِ بِتِلْكَ الْفَوَائِدِ لِتَعَدِّيهِ بِتَرْكِهِ لِمِلْكِهِ تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه فِيمَنْ اشْتَرَى شَاةً فَذَبَحَهَا فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا فَهَلْ هُوَ عَيْبٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ هُوَ عَيْبٌ لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ فِي إحْدَاثِ مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ إلَّا بِهِ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَمْلِهَا بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ امْتَنَعَ رَدُّهُ وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى دَارًا خَرِبَةً فَعَمَّرَهَا وَجَدَّدَ فِيهَا بُيُوتًا وَسَكَنَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْبَائِعِ وَادَّعَى أَنَّ الْخَرِبَةَ الْمَذْكُورَةَ وَقْفٌ فَهَلْ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَأَرَادَ الْوَارِثُ هَدْمَ الْبِنَاءِ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ يُجَابُ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ أُجْرَةُ سَكَنِهِ فِيمَا عَمَّرَهُ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ أَخْشَابِهِ وَأَحْجَارِهِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُجَابُ الْوَارِثُ إلَى هَدْمِ الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ وَلِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَطَلَبَ الْوَارِثُ أَمْ لَا أَخْذُ بِنَائِهِ أَيْ آلَاتِهِ مِنْ حَجَرٍ وَخَشَبٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِذَا أَخَذَ ذَلِكَ بِطَلَبِ الْوَارِثِ أَوْ بِغَيْرِ طَلَبِهِ لَزِمَ الْبَائِعَ أَرْشُ نَقْصِ تِلْكَ الْأَبْنِيَةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مَبْنِيَّةً وَمَقْلُوعَةً وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي زَوَّقَ بِطِينٍ أَوْ جِبْسٍ فَلِلْوَارِثِ تَكْلِيفُهُ نَزْعَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِنَقْصِهِ عَلَى الْبَائِعِ فَيُؤْخَذُ مِنْ تِرْكَتِهِ وَأَمَّا لُزُومُهُ أُجْرَةَ مَا سَكَنَهُ فِيمَا عَمَّرَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنُ وَهُوَ أَنَّ مَا بَنَاهُ فِي تِلْكَ الْخَرِبَةِ إنْ كَانَ مِنْ تُرَابِهَا أَيْ بِأَنْ كَانَتْ جَمِيعُ الْآلَاتِ مِنْهُ لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الدَّارِ كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا وَعَلَّمَهُ صَنْعَةً يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ صَانِعًا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ تُرَابِهَا أَيْ كَأَنْ حَصَّلَ الْآلَاتِ مِنْ خَارِجٍ وَعَمَّرَهَا بِهَا لَزِمَهُ نِصْفُ أُجْرَةِ مِثْلِ الدَّارِ تَغْلِيظًا قَالَ الْقَمُولِيُّ وَفِي هَذَا أَيْ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا مِنْ لُزُومِ النِّصْفِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ قَالَ غَيْرُهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَدْ وَافَقَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فَقَالَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الْعَرْصَةِ اهـ وَهَذَا أَقْوَى مِنْ حَيْثُ الْمُدْرَكُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْقُولُ لِخَفَاءِ وَجْهِهِ وَظُهُورِ وَجْهِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ

ص: 155

إنَّمَا اسْتَعْمَلَ الْعَرْصَةَ وَأَمَّا مَا كَانَ يُظِلُّهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ فَهُوَ مِلْكُهُ فَكَيْفَ يَقُومُ عَلَيْهِ فِي الْأُجْرَةِ حَتَّى يُجْعَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ النِّصْفُ سَاقِطًا وَيُؤْخَذَ مِنْهُ نِصْفُ أُجْرَةِ الدَّارِ بِاعْتِبَارِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ فَهَذَا بَعِيدٌ قِيَاسًا وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مَذْهَبًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ بَاعَ بَيْعًا وَهُوَ مَنْزُولٌ بِهِ بَاعَ مَثَلًا يَوْمَ الْأَحَدِ وَمَاتَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ وَلَمْ يَسْتَوْفِ لَيْلَتَهُ وَلَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ ثَمَنٌ هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ ذِهْنُ الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ حَاضِرًا بِأَنْ كَانَ يَفْهَمُ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَإِنْ مَاتَ فِي الْحَالِ وَلَا قَبَضَ الثَّمَنَ وَلَا أَقْبَضَ الْمَبِيعَ فَيَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي إقْبَاضِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ بَاعَ بُقْعَةً بِخَمْسِينَ أَوْ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ بُقْعَتَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِكَمْ بَاعَ بِهِ فُلَانٌ بُقْعَتَهُ بَلْ هُوَ مَجْهُولٌ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهَذَا وَقَدْ دَخَلَهُ الشَّرْطُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِخَمْسِينَ حَتَّى يُبَيِّنَ جِنْسَهَا وَنَوْعَهَا وَصِفَتَهَا وَلَا الْبَيْعُ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ حَتَّى يَعْلَمَهُ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَحِينَئِذٍ فَالْبَيْعُ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ بَاطِلٌ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا ذَبَحَ الشَّخْصُ دَابَّةً وَجَعَلَهَا أَقْسَامًا أَوْ قَسَّمَ هُوَ شَيْئًا وَقَسَّمَ غَيْرُهُ شَيْئًا آخَرَ مِنْهَا وَيَأْتِي الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ بِعْنِي هَذَا بِحِسَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِحِسَابِهِ فَقَطْ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك وَهُمَا عَالِمَانِ بِالثَّمَنِ أَوْ الْمُشْتَرِي عَالِمٌ أَوْ غَيْرُ عَالِمٍ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ مَا يُقَسِّمُ الدَّابَّةَ كُلَّهَا بَلْ يَفُوزُ ذَابِحُهَا وَهُوَ الْبَائِعُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَبْحِهِ وَغَيْرُهُ أَوْلَى فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ بِلَا حَطِّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ عَمَّنْ اشْتَرَى هَذِهِ وَقَدْ يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ الْعَادَةِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ التَّقْوَى مَا حُكْمُ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَاجُ إلَى تَمْهِيدٍ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَصِحُّ بَيْعُ لَحْمِ الْمُذَكَّاةِ أَوْ جِلْدِهِ أَوْ هُمَا قَبْلَ سَلْخِهِ إلَّا إذَا كَانَ يُؤْكَلُ مَعَهُ كَالشِّوَاءِ الْمَسْمُوطِ وَالسَّخْلَةِ الصَّغِيرَةِ وَالدَّجَاجَةِ الْمَذْبُوحَةِ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا فِي جِلْدِهَا وَلَوْ قَبْلَ السَّمْطِ وَالشِّوَاءِ لِأَنَّ جِلْدَهَا مِنْ جُمْلَةِ لَحْمِهَا لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ مَعَهُ وَلَا بَيْعُ الْمَسْلُوخِ مِنْ غَيْرِ الْجَرَادِ وَالسَّمَكِ وَزْنًا قَبْلَ تَنْقِيَةِ جَوْفِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بِيعَ جُزَافًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ بِيعَ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَزْنًا أَوْ جُزَافًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَوْ قَبْلَ تَنْقِيَةِ مَا فِي جَوْفِهِ لِقِلَّةِ مَا فِيهِ وَقَالُوا لَوْ بَاعَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَعَادَتُهُمْ التَّعْبِيرُ بِهَا عَنْ تِسْعَةِ دَوَانِقَ صَحَّ وَلَزِمَهُ الْمُعْتَادُ.

وَقَالُوا مَا كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا يَكْفِي مُشَاهَدَتُهُ عَنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وَمَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَصَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَتَبِعُوهُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ حَيٍّ قَالَ بِخِلَافِ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مُذَكَّاةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْ بِالتَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي بَيْعِ الْمَذْبُوحَةِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَإِذَا عَيَّنَ لَهُ جُزْءًا مِنْهَا بَعْدَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ حَيْثُ اشْتَرَطَ وَبَاعَهُ لَهُ بِحِسَابِهِ وَعَادَتُهُمْ التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ عَنْ رُبْعِ الثَّمَنِ مَثَلًا وَعَلِمَا جُمْلَةَ الثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُعَيَّنٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالثَّمَنُ مُعَيَّنٌ بِالنِّسْبَةِ وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ اسْتِوَائِهَا وَاخْتِلَافِهَا وَلَا أَنْ يَأْخُذَ الْبَائِعُ مِنْ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ أَوَّلًا لَكِنَّهُ يَأْثَمُ إذَا أَوْهَمَ غَيْرَهُ اسْتِوَاءَ الْأَجْزَاءِ وَأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئًا لِأَنَّهُ غَاشٌّ لَهُ حِينَئِذٍ وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ بِعْتُك هَذَا بِحِسَابِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَادَتُهُمْ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ عَنْ شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ أَوْ كَانَ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ وَجَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا جُمْلَةَ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِاخْتِلَالِ بَعْضِ شُرُوطِهِ وَهُوَ عِلْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ بِعْنِي ثَمَنَ هَذِهِ الدَّابَّةِ بِحِصَّتِهِ أَوْ بِحِسَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمَا حَيْثُ عَلِمَا جُمْلَةَ الثَّمَنِ وَأَرَادَا بِقَوْلِهِمَا بِحِسَابِهِ تَوْزِيعَ جُمْلَتِهِ عَلَى أَجْزَائِهَا بِالسَّوِيَّةِ أَوْ أَطْلَقَا بِأَنْ لَمْ يُرِيدَا هَذَا وَلَا غَيْرَهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَا لَا يَعْرِفَانِ أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمَا بِحِسَابِهِ تَقْسِيمُ جُمْلَةِ الثَّمَنِ عَلَى جُمْلَةِ الْأَجْزَاءِ بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْبُيُوعِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَمَفْهُومَاتهَا الصَّحِيحَةُ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِمَا هُنَا بِحِسَابِهِ صَحِيحٌ مَعْلُومٌ وَلَوْ لِغَيْرِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ جَهْلٌ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ وَبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَمَسَائِلِ الدُّورِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَا يُصَرِّحُ

ص: 156

بِالصِّحَّةِ حَيْثُ ذَكَرَا مَا يُعْلَمُ بِهِ مِقْدَارُ الْجُمْلَةِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ بِالطَّرَائِقِ الْحِسَابِيَّةِ وَإِنْ عَسِرَ عُلِمَ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِدَيْنِ بَلْ وَعَلَى أَهْلِ بَلَدِهِمَا كَبِعْتُك بِخُمُسِ سُدْسِ سُبْعِ ثُمْنِ تُسْعِ عُشْرِ دِينَارٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّا لَوْ أَعْهَدَ رَجُلٌ نَخْلَةً بِعِشْرِينَ ثُمَّ بَاعَهَا الْمُتَعَهِّدُ لِآخَرَ بِعَشْرَةٍ وَفَكَّهَا الْمُعْهَدُ الْأَوَّلُ بِعَشْرَةٍ هَلْ تَكُونُ الْعَشَرَةُ الْأُخْرَى وَاقِعَةً لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ أَوْ تَبْقَى فِي النَّخْلَةِ وَلَوْ بَاعَهَا الْمُتَعَهِّدُ الثَّانِي بِثَلَاثِينَ وَفَكَّ الْأَوَّلُ فَهَلْ يَأْتِي فِي الزَّائِدِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ شَرْطِ الْفِكَاكِ وَأَنَّهُ قَبْلَ الْحَصَادِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ بَيْعَ الْعُهْدَةِ الْمَذْكُورَ لَا أَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ عَلَى التَّعْيِينِ وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْبَيْعَ إنْ اقْتَرَنَ بِهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُك هَذَا بِعَشْرَةٍ فَإِذَا رَدَدْتهَا إلَيْك رَدَدْته إلَيَّ فَيَقُولُ الْآخَرُ قَبِلْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته مِنْك بِهَذَا الشَّرْطِ فَيَقُولُ لَهُ بِعْتُك كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ عَنْ مَالِكِهِ وَلَا فِي الثَّمَنِ عَنْ مَالِكه بَلْ هُمَا بَاقِيَانِ عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ قِيمَةَ الْمَبِيع أَوْ الثَّمَنِ زَادَتْ كَانَتْ الْقِيمَةُ وَزِيَادَتُهَا لِمَالِك تِلْكَ الْأَصْلِيِّ لَا لِمَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّغْلِيظُ عَلَى كُلِّ مَنْ انْتَقَلَتْ الْعَيْنُ إلَيْهِ.

فَإِنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَهَا بِأَقْصَى قِيمَتِهَا وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَاتٍ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْطِي أَحْكَامَ الْغَاصِبِ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ كَأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُهُ هَذِهِ الْعَيْنَ بِعَشْرَةٍ مَثَلًا فَإِذَا رَدَّهَا إلَيْهِ رَدَّ الْعَيْنَ إلَيْهِ ثُمَّ يُعْقَدُ الْبَيْعُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ صَحِيحَيْنِ لَكِنَّهُمَا يُضْمِرَانِ الْوَفَاءَ بِمَا تَوَافَقَا عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ أَحْكَامِ الْبُيُوعَاتِ الصَّحِيحَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُمْ يُقِيمُونَ الشَّرْطَ الْمُضْمَرَ مَقَامَ الشَّرْطِ الْمَأْتِيِّ بِهِ فِي صَلْبِ الْعَقْدِ فَيُبْطِلُونَ الْبَيْعَ الْمُقْتَرِنَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا وَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَا يُبْطِلُ إلَّا الْمُقْتَرِنَ بِهِ الشَّرْطُ الْمَلْفُوظُ دُونَ الشَّرْطِ الْمُضْمَرِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ التَّرْدِيدَاتِ الَّتِي ذَكَرهَا السَّائِلُ حَفِظَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ أَنَّهُ أَفْتَى بِصِحَّةِ بَيْعِ الْعُهْدَةِ وَبَعْضُهُمْ أَفْتَى بِبُطْلَانِهِ وَاخْتِلَافُهُمْ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ عِنْد اقْتِرَانِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِالْعَقْدِ وَبِعَدَمِهَا عِنْد إضْمَارِهِ قَوْلٌ سَاقِطٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ بَلْ الْمَنْقُولُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا قَرَرْته فَاعْتَمِدْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا سِوَاهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُعْهَدُ وَالْمُتَعَهِّدُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَنَكَلَا هَلْ يُقَرُّ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُتَعَهِّدِ إلَى أَنْ يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ أَحَدَهُمَا وَعَنْ مَالٍ مُعْهَدٍ مُشْتَرَكٍ اشْتَرَى آخَرُ ذَلِكَ الْمُعْهَدَ شِرَاءً صَحِيحًا فَهَلْ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُعْهَدِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ جَوَابَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعْلُومٌ مِمَّا بَسَطْته فِي السَّابِقَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حَيْثُ صَحَّ الْبَيْعُ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا ثُمَّ إنْ تَوَافَقَا وَإِلَّا فُسِخَ الْعَقْدُ فَإِنْ نَكَلَا أَعْرَضَ الْحَاكِمُ عَنْهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا وَحَيْثُ صَحَّ أَيْضًا ثَبَتَ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ عَنْ الشَّرِيكِ الْحَادِثِ وَمَنْ مَلَكَ مِنْهُ وَأَمَّا حَيْثُ فَسَدَ فَلَا أَثَرَ لِنِزَاعِهِمَا فِي الثَّمَنِ وَلَا يَثْبُت أَخْذٌ بِشُفْعَةٍ لِبَقَاءِ مِلْك الْبَائِعِ عَلَى حَالِهِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ كَمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ اشْتَرَى عَيْنًا بِثَلَاثِينَ أُوقِيَّةً خَمْس] عَمْرَاوِيٍّ بِوَزْنِ صَنْجَةٍ خَمْسَ أَوَاقٍ مَنْسُوبَةٌ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْخُمُسَ الْمَذْكُورَ هَلْ هِيَ عَلَى خُمُسِ الْبَلَد أَيْ صَنْجَة الْبَلَدِ الَّتِي هِيَ خَمْسُ أَوَاقٍ أَمْ زَائِدَةٌ أَمْ نَاقِصَةٌ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ فَهَلْ يُوزَنُ الثَّمَنُ بِالْخُمْسِ خَمْسًا خَمْسًا أَمْ الْخِيرَةُ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِأَنَّ مَنْ عَيَّنَ قَدْرًا فَتَارَةً يَكُونُ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مُعَيَّنَيْنِ وَتَارَةً يَكُونُ وَهْمًا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الذِّمَّةِ وَحُكْمُ ذَلِكَ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ بِعْتُك مِلْءَ أَوْ بِمِلْءِ هَذَا الْكُوزِ أَوْ الْبَيْتِ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ زِنَةَ أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ مِنْ هَذَا الذَّهَبِ صَحَّ لِإِمْكَانِ الْأَخْذِ مِنْ

ص: 157

الْمُعَيَّنِ قَبْل تَلَفِهِ وَالْعِلْمُ بِالْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ لَا يُشْتَرَطُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك مِلْءَ أَوْ بِمِلْءِ هَذَا الْبَيْتِ صُبْرَةً فِي ذِمَّتِي صِفَتهَا كَذَا وَزِنَة أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الصَّنْجَةِ ذَهَبًا فِي ذِمَّتِي صِفَته كَذَا وَقَدْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمَا بِقَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ.

هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَقَالُوا فِي بَابِ السَّلَمِ لَوْ عُيِّنَ فِي الْبَيْع مِكْيَالٌ أَوْ صَنْجَةٌ أَوْ مِيزَانٌ أَوْ ذِرَاعٌ فَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا بِأَنْ عُرِفَ قَدْرُ مَا يَسَعُ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَغَا التَّعْيِينُ الْمَذْكُورُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا غَرَضَ فِيهَا وَيَقُومُ مِثْلُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ فَإِنْ شَرَطَ عَدَمَ إبْدَالِهِ بَطَل الْعَقْدُ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَكَايِيلُ أَوْ الْمَوَازِينُ وَالذُّرْعَانِ وَجَبَ تَعْيِينُ نَوْعٍ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَغْلِبَ نَوْعٌ مِنْهَا فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَجْهُولٍ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا كَكُوزٍ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ مَا يَسَعُ وَالْمَبِيعُ فِي الذِّمَّةِ بَطَلَ الْعَقْدُ حَالًا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ غَرَرًا لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ قَبْل قَبْضِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَيُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ بِخِلَافِ بَيْعِ مِائَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِعَدَمِ الْغَرَرِ اهـ وَبِهَذَا مَعَ مَا قَبْله تَعْلَمُ أَنَّ شِرَاءَ الثَّلَاثِينَ أُوقِيَّةً بِخَمْسِ عَمْرٍو أَيْ بِصَنْجَتِهِ الَّتِي هِيَ خَمْسُ أَوَاقٍ إنْ كَانَ وَالْمَبِيعُ مُعَيَّنٌ كَاشْتَرَيْت كَذَا بِثَلَاثِينَ أُوقِيَّةً مِنْ هَذَا الْخُمُسِ عَمْرٍو صَحَّ.

وَإِنْ جَهِلَا قَدْرَ تِلْكَ الصَّنْجَةِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَعَلِمَا قَدْرَ تِلْكَ الصَّنْجَةِ صَحَّ وَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ قَبْلَ قَبْضِ مَا فِي الذِّمَّةِ وَحَيْثُ صَحَّ بِأَنْ عَلِمَا قَدْرَ الصَّنْجَةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ أَنَّهَا قَدْرُ صَنْجَةِ بَلَدِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ تَتَعَيَّنْ تِلْكَ الصَّنْجَةُ بَلْ يَجُوزُ الْوَزْنُ بِهَا وَبِمِثْلِهَا فَلَا يُجَابُ مَنْ طَلَبَ الْوَزْنَ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ نَعَمْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ طَلَبَ الْوَزْنَ بِهَا أَوْ بِمِثْلِهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَكْمُلَ الثَّلَاثُونَ وَطَلَبَ الْبَائِعُ الْوَزْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً بِصَنْجَةٍ وَزْنُهَا ثَلَاثُونَ وَتُعَادِلُ صَنْجَةَ عَمْرٍو وَسِتَّ مَرَّاتٍ أُجِيبَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِتَكَرُّرِ الْوَزْنِ وَاتِّحَادِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِأَنَّ مَا طَلَبَهُ الْمُشْتَرِي أَقْرَبُ إلَى قَوْلِهِمْ لَا تَتَعَيَّنُ الصَّنْجَةُ بَلْ يُوزَنُ بِهَا أَوْ بِمِثْلِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَنْجَةَ ثَلَاثِينَ لَا تُمَاثِل صَنْجَةَ خَمْسَةٍ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ تُمَاثِلُهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُتَكَرِّرَ بِهَا سِتًّا يُمَاثِلُ الْمَوْزُونَ بِتِلْكَ مَرَّةً، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ ابْتَاعَ وَجْبَةً مَا مِنْ عَيْنِ السَّلَامَةِ مَثَلًا وَصَرَفَ بِبَيْعِ عَدَدٍ وَاسْتَمَرَّتْ بِحَيْثُ يَوْمَيْنِ وَفِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ لَحِقَ الْعَيْنَ عِمَارَةٌ وَصَرَفَ الْمُبْتَاعُ فِي عِمَارَةِ الْعَيْنِ مَا يَنُوبُ الْوَجْبَةَ الْمُشْتَرَاةَ مِنْ الْعِمَارَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ بَائِعُ الْوَجْبَةِ فِكَاكَهَا مِنْ مُشْتَرِيهَا حَسِبَ عَلَيْهِ الْعِمَارَةَ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ الْعِمَارَة عَلَيْك لِأَنَّك الَّذِي اسْتَغْلَيْت الْوَجْبَةَ وَسَقَيْتهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَنَفْعُهَا وَضَرَرُهَا عَلَيْك وَهِيَ فِي يَدِك إلَى أَنْ آتِيك بِالثَّمَنِ الْمَعْلُومِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي هِيَ فِي يَدِك وَمَا لِي إلَّا مَنْفَعَةٌ لَا صَرْفُهُ فَهَلْ مَا نَابَ الْوَجْبَةَ فِي زَمَنِ الْعِمَارَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَلْزَمُ الْمَالِك لِلْمَنْفَعَةِ أَمْ يَلْزَمُ مَالِكَ الرَّقَبَةِ؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِقَوْلِهِ لَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي بِمَا صَرَفَهُ فِي الْعِمَارَةِ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْ كَانَ صَحِيحًا بِأَنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ خَارِجَةً عَنْ الْعَقْدِ فَقَدْ صَرَفَ عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا بِأَنْ شَرَطَا الْعِدَّةَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِمَا صُرِفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ اصْطِلَاحِ بَيْعِ النَّاسِ فِي بَيْعِ الْعِدَّةِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ بَيْعَ النَّاسِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ بِثَمَنٍ مَبْلَغُهُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت ثُمَّ يَكْتُبُ بَيْنَهُمْ كَاتِبٌ أَوْ حَاكِمٌ يَحْكُمُ بِصُورَةِ بَاعَ فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ كَذَا بِثَمَنٍ مَبْلَغُهُ كَذَا وَكَذَا بَيْعًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا وَلَا يَذْكُرُ غَيْرَ هَذَا وَمَقْصُودُهُمْ أَنَّهُ يَكُونُ كَالْمَرْهُونِ لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَسْتَغِلُّ الْأَرْضَ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا وَيُطَالِبُ بِأُجْرَةِ الْأَرْضِ أَمْ بَيْعًا وَلَا يَسْتَرِدُّهَا الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَّا بِعَقْدٍ صَحِيحٍ جَدِيدٍ أَمْ هَذَا اصْطِلَاحٌ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَصَحَّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَتَكُونُ الْأَرْضُ كَالْمَرْهُونَةِ وَالثَّمَرَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَلَا يُطَالِبُ بِهَا بَيِّنُوا لَنَا مَا يَصِحُّ صَحَّحَ اللَّهُ آمَالَكُمْ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَيْعُ النَّاسِ الْمَشْهُورِ الْآنَ هُوَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى بَيْعِ عَيْنٍ بِدُونِ قِيمَتِهَا وَعَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى جَاءَ بِالثَّمَنِ رَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بَيْعَهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ ثُمَّ يَعْقِدَانِ عَلَى

ص: 158

ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرِطَا ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْوَفَاءُ بِمَا وَعَدَ بِهِ الْبَائِعُ وَلَا يُرْجَعُ لِلْبَائِعِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الْغَلَّةِ فِي زَمَنِ مِلْكِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا بِشَيْءٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِئْرَ مَاءٍ أَوْ أَرْضًا مَعَ شُرْبِهَا مِنْ الْقَنَاةِ أَوْ سَهْمِهَا مِنْهَا مَعَ جَرْيِ الْمَاءِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَمَا يَشْتَرِطُ الرُّؤْيَةَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَاءِ مَذْكُورَةٌ فِي الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ الرِّبَا وَقَبْلَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ مُشْكِلٌ عَلَى السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ مِنْ فَضْلِكُمْ إزَالَةُ إشْكَالِهِ بِأَمْثِلَةٍ مُفِيدَةٍ؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِقَوْلِهِ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي بِئْرٍ أَوْ نَحْوِ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ وَذَلِكَ الْقَرَارُ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَنْبُعُ مِنْهُ أَوْ يَصِلُ إلَيْهِ ثُمَّ تُسْقَى مِنْهُ الْأَرَاضِي فَالْأَوَّلُ إنْ مَلَكَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ كَانَ الْمَاءُ مَمْلُوكًا لَهُمْ عَلَى حَسْبِ الشَّرِكَةِ فِي الْقَرَارِ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ هُنَا إنْ قُدِّرَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ كَالنِّصْفِ أَوْ بِنَحْوِ مِائَةِ رِطْلٍ لَا بِنَحْوِ سَاعَةٍ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ وَلَا يُنَافِيهِ ذِكْرُهُمْ فِي قِسْمَةِ مَاءِ الْقَنَاةِ الْمُهَيَّأَةِ بِالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ يُتَسَامَحُ فِيهَا مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْبَيْع وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ مَحَلَّ النَّبْعِ أَحَدٌ.

وَإِنَّمَا كَانَ الْمَمْلُوكُ الْمَحَلَّ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ الْمَاءُ فَالْمَاءُ الْوَاصِلُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى إبَاحَتِهِ ثُمَّ إذَا صَدَرَ بَيْعٌ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ الْمَمْلُوكِ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ مَعْلُومٍ صَحَّ وَلَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ عِنْد الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ وَمَحَلُّ النَّبْعِ لَيْسَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ وَكَانَ مَحَلُّ النَّبْعِ مَجْهُولًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ لَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنَّمَا الَّذِي يَصِحُّ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالشُّرْبِ وَمِمَّا يُحْكَمُ فِيهِ بِمِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ أَوْ الْقَرَارِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ يَدٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ لَهُ وَلِلْمَاءِ النَّابِعِ مِنْهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى كَمَا يَفْهَمُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا تُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ حَفْرٌ أَوْ انْخَرَقَ حُكْمُنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِي فِيمَا مَرَّ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الْمَاءُ الْجَارِي فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْهُ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَلِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَلِأَنَّ الْجَارِي.

وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ فَطَرِيقُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَمْلِكَهُ أَوْ يَسْتَحِقَّهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَحَلَّ النَّبْعِ أَوْ الْقَنَاةَ أَوْ جُزْءًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا مَلَك الْأُلَى مَلَكَ الْمَاء وَإِذَا مَلَكَ الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلْنَعُدْ الْآنَ إلَى بَيَانِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ فَنَقُولُ قَدْ ذُكِرَ فِيهَا بَيْعُ الْمَاءِ قُبَيْلَ الرِّبَا وَآخِرَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ حَيْثُ قُلْت وَحَاصِلُ عِبَارَتِهَا فِي الْأَوَّلِ وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى مَا اُعْتِيدَ مِنْ بَيْعِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ النَّهْرِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ كَوْنُ الْمَبِيعِ غَيْرَ مَعْلُومِ الْقَدْرِ وَكَوْنُ الْجَارِي غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَفِي الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَفْرَدَ مَاءَ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ بِالْبَيْعِ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ بِأَنْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ شُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ فِي نَهْرٍ أَوْ وَادٍ صَحَّ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا.

وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ أَوْ حَوْضٍ مَثَلًا مُجْتَمِعًا فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ مُنْفَرِدًا وَتَابِعًا وَحَاصِلُ عِبَارَتِهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ وَيَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِطُ وَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَإِنْ بَاعَ مِنْهُ آصُعًا فَإِنْ كَانَ جَارِيًا لَمْ يَصِحَّ إذَا لَمْ يَمْلِكْ رَبْطَ الْعَقْدِ بِمِقْدَارٍ وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا وَقُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قُلْنَا مَمْلُوكٌ فَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَزِيدُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَبَيْعِ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَقَلِيلَةٌ فَلَا يَضُرُّ كَمَا لَوْ بَاعَ الْقَتَّ فِي الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَكَمَا لَوْ

ص: 159

بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ وَصَبَّ عَلَيْهَا صُبْرَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْبَيْعَ بِحَالِهِ وَيَبْقَى الْبَيْعُ مَا بَقِيَ صَاعٌ مِنْ الصُّبْرَةِ وَلَوْ بَاعَ الْمَاءَ مَعَ قَرَارِهِ نَظَرَ إنْ كَانَ جَارِيًا فَقَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْقَنَاةَ مَعَ مَائِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا وَقُلْنَا الْمَاءُ لَا يُمْلَكُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَاء وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيق الصَّفْقَةِ اهـ وَلَا تَنَافِي بَيْن الْمَوْضِعَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَإِنْ تَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْعُبَابِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَقَالَ وَلَا فِي قَرَارِهِ خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ بَلْ يُحْمَلُ مَا قَالَهُ فِي الثَّانِي مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَالْمِلْكِ وَفِي الْمَاءِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ.

وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا هَذَا إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ فِي مَحَلِّ قَرَارِ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ أَمَّا إذَا أُرِيدَ مَحَلُّ النَّبْعِ فِيهِمَا بِطَرِيقِ الْقَصْدِ أَوْ مَحَلُّ النَّبْعِ أَوْ الْقَرَارُ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِمَا وَمَا قَالَهُ فِي الثَّالِثِ مِنْ صِحَّتِهِ فِي الْأَرْضِ فَقَطْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ إلَّا فِي الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهَا لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ وَالْحِيلَةُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا أَنْ يَعْقِدَ عَلَى الْقَرَارِ فَيَشْتَرِيَ نَفْسَ الْقَنَاةِ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا فَإِذَا مَلَكَ الْقَرَارَ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ انْتَهَتْ وَعِبَارَةُ الْبَيَانِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ سَهْمٍ مِنْ مَاءِ كَذَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَكَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك اللَّيْلَةَ أَوْ يَوْمًا مِنْ مَاءِ كَذَا لِأَنَّ الزَّمَانَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَكِنَّ الْحِيلَةَ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَاءَ الْعَيْنِ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَيْنَ نَفْسَهَا أَوْ سَهْمًا مِنْهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا انْتَهَتْ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ الْقَنَاةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا وَإِنَّمَا الْمَمْلُوكُ الْمَحَلُّ الَّذِي يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى قَرَارِ شُرْبِهَا الْمَذْكُورِ أَوْ الْقَنَاةِ كُلِّهِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ مُعَيَّنٍ صَحَّ وَكَانَ فِي دُخُولِ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَإِنْ شَرَطَ دُخُولَهُ عَمِلَ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ وَفِي الثَّانِي إذَا وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى الْقَرَارِ صَحَّ بَيْعُ الْأَرْضِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالشُّرْبِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ فِي الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَلَا تَدْخُلُ مَسَائِلُ الْمَاءِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَعَ شُرْبهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْرِطَهُ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا لِأَنَّ هَذَا كَمَا تَرَى فِي الشُّرْبِ الْمَمْلُوكِ وَمَا مَرَّ فِي الشُّرْبِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الْحَاشِيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى كِتَابَةِ مَا فِيهَا كَافِيًا فِي جَوَابِ السُّؤَالِ لَكِنْ أَحْبَبْت زِيَادَةَ الْإِيضَاحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهَا مُهِمَّةٌ وَمِنْ ثَمَّ لَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ إلَى أَشْيَاءَ تَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْهَا أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ اعْتَرَضَ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَةَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَقَالَ.

وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَيْعِ مَاءِ الْبِئْرِ مِنْ تَعْلِيلِ عَدَمِ الْجَوَازِ بِأَنَّهُ مَجْهُولٌ كَلَامٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا تَضُرُّ كَبَيْعِ الصُّبَرِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهَا اهـ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ فَإِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْجَهْلِ فَقَطْ بَلْ قَالَ وَيَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَخْ وَبِهِ انْدَفَعَ تَشْبِيهُ الْبُلْقِينِيُّ لِمَاءِ الْبِئْرِ بِالصُّبْرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الصُّبْرَةَ يُحِيطُ الْعِيَانُ بِجَوَانِبِهَا وَيُمْكِنُ حَزْرُهَا فَيَقِلُّ الضَّرَرُ فِيهَا بِخِلَافِ مَاءِ الْبِئْرِ الْمُتَزَايِدِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِنَّ الْعِيَانَ لَا يُحِيطُ بِهِ فَيَكْثُرُ الضَّرَرُ هَذَا وَاضِحٌ لَا خِفَاءَ فِيهِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْبُلْقِينِيُّ نَفْسِهِ مَا يُصَرِّحُ بِهِ وَقَالَ أَيْضًا وَقَوْلُهُ وَيَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِطُ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ. يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الْقَفَّالِ خِلَاف مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلشَّرْحِ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ هُنَاكَ مَاءً آخَرَ يَنْبُعُ وَيَخْتَلِطُ بِالرَّاكِدِ وَالنَّبْعُ مُسْتَمِرٌّ وَلَا يَقَعُ الْبَيْعُ إلَّا مُقَارِنًا لِلِاخْتِلَاطِ اهـ وَمَا زَعَمَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.

فَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ صَحَّحَا خِلَافَهُ وَالْمُعَوَّلُ فِي التَّرْجِيحِ لَيْسَ إلَّا عَلَيْهِمَا

إذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا

فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ

وَمِنْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الْقَفَّالِ يَرِدُ بِوُضُوحٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ الْمَاءَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَجْهُولٌ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَا جَهْلَ فِيهِ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ رَاكِدٌ وَالْمَبِيعُ

ص: 160

إنَّمَا هُوَ آصُعٌ مَعْلُومَةٌ مِنْهُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ الَّذِي نَظَرَ إلَيْهِ الْقَفَّالُ وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ وَقَالَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الصُّبْرَةَ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يَزِيدُ فِيهَا بِخِلَافِ صُورَة الْمَاءِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الصُّبْرَةَ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ وَهُنَاكَ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِهَا يَنْزِلُ عَلَيْهَا مِنْ السَّقْفِ أَوْ مِنْ ثَقْبٍ فِي الْحَائِطِ وَنَحْو ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمُخْتَلَطُ فَإِنْ تَعَيَّنَ الْمُخْتَلَطُ وَبَاعَ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّ اهـ وَقَوْلُهُ لَا يَسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَقِيمُ وَلَا نَظَرَ لِفَرْقِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَزِيدُ بِخِلَافِهِ هُنَا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ قَلِيلَةٌ فَلَا تَضُرُّ فَكَأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَا كَلَا زِيَادَةٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اتَّضَحَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِصُورَةِ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ.

وَقَوْلُهُ فَإِنْ فُرِضَ إلَخْ لَا حَاجَةَ بِنَا إلَيْهِ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْكَلَامَ فِي صُورَةٍ لَمْ تَحْصُلْ فِيهَا زِيَادَةٌ وَأَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ نَظِيرَةُ مَسْأَلَتِنَا وَقَالَ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْقَتِّ لَا يَسْتَقِيمُ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْقَتِّ مِنْ عَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَالصُّبْرَةِ الَّتِي يَنْزِلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ آخَرُ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَقَدْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الْقَتِّ كَثِيرَةً وَقَدْ أَطْلَقُوا ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فِي صُورَةِ الْقَتِّ وَلَا يَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي اهـ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَقْصِدْ التَّشْبِيهَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَتِّ وَالْمَاءِ الْمَذْكُورِ قَلِيلَةٌ تَافِهَةٌ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا فِي الْغَالِبِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ مُمَاثِلٍ لِتِلْكَ الْعَيْنِ فَانْدَفَعَ نَظَرُهُ لِذَلِكَ فِي الْفَرْقِ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ هُنَاكَ كَبِيرُ مَعْنًى وَقَوْلُهُ قَدْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الْقَتِّ كَثِيرَةٌ يُرَدُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْغَالِبِ وَفِيمَا مِنْ شَأْنِهِ وَمِنْ شَأْنِهَا فِي الْقَتِّ وَالْغَالِبِ فِيهَا أَنَّهَا قَلِيلَةٌ فَلَا يَنْظُرُ إلَى أَنَّهَا قَدْ تَكْثُرُ.

وَقَالَ أَيْضًا وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ وَصَبَّ عَلَيْهَا صُبْرَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْبَيْعَ بِحَالِهِ قِيَاسٌ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى الصَّاعِ مِنْ الصُّبْرَةِ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَصَحَّ وَفِي صُورَةِ الْمَاءِ وَنَحْوهَا وَقَعَ الْبَيْعُ مُقَارِنًا لِلِاخْتِلَاطِ فَلَمْ يَصِحَّ اهـ وَلَيْسَ الْقِيَاسُ مَرْدُودًا كَمَا زَعَمَهُ بَلْ هُوَ مَقْبُولٌ فَإِنَّ حُدُوثَ الْخَلْطِ وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْمَجْلِسِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَاقِعِ فِي الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ مُقَارَنَتُهُ لِلْبَيْعِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ لَا تَمْنَعُهُ وَاعْتَرَضَ أَيْضًا قَوْلَهُ وَيَبْقَى الْبَيْعُ مَا بَقِيَ صَاعٌ مِنْ الصُّبْرَةِ بِاعْتِرَاضٍ أَعْرَضْتُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَاعْتَرَضَ أَيْضًا قَوْلَ الرَّوْضَةِ وَلَوْ بَاعَ الْمَاءَ مَعَ قَرَارِهِ نَظَرَ إنْ كَانَ جَارِيًا إلَخْ فَقَالَ وَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فِي صُورَةِ الْجَارِي فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْجَرَيَانِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ بَيْعِ الْمَاءِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ مَمْلُوكٌ إذَا كَانَ الْجَرَيَانُ يَنْتَهِي إلَى مَقْطَعٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ يَنْتَهِي إلَى نُزُولٍ فِي بَحْرٍ وَنَحْوه فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِيهِ.

وَمَا نَزَلَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ وَقَوْلُهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ وَقَوْلُهُ مُجَرَّدُ الْجَرَيَانِ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِمَا مَرَّ مِنْ الْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَعَدَمِ إمْكَانِ تَسْلِيمِهِ وَكَوْنُهُ يَنْتَهِي إلَى مَقْطَعٍ يُمْكِنُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ لِنُدْرَةِ إمْكَانِ ذَلِكَ وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَا تَلِفَ بِنُزُولِهِ إلَى نَحْوِ بِئْرٍ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّ الصُّورَةَ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ كَانَ تَسَلَّمَهُ قَبْلَ تَلَفِهِ حِينَ الْبَيْعِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَمِنْهَا أَنِّي ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا مَرَّ وَعِبَارَتُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَاءِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ دُونَهُمَا لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَيَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ وَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَخْذِهِ الْآنَ صَحَّ.

وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ رَاكِدٍ لِقِلَّةِ زِيَادَتِهِ فَلَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الْجَارِي إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَبْطُ الْعَقْدِ بِمِقْدَارٍ مَضْبُوطٍ مِنْهُ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ وَبَيْع بِئْرٍ مَعَ مَائِهَا الظَّاهِرِ أَوْ جُزْئِهَا الشَّائِعِ إنْ عُرِفَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عُمْقُهَا وَمَا يَنْبُعُ فِي الثَّانِيَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَإِنْ اشْتَرَاهَا أَوْ جُزْأَهَا الشَّائِعَ دُونَ الْمَاءِ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءُ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَوْ بَاعَ مَاءَ الْقَنَاةِ مَعَ قَرَارِهِ وَالْمَاءُ جَارٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَرَدُّهُ

ص: 161

جَمَعَ بِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعه إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَبِيعَ مَعَ غَيْرِهِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ وَالْقِسْطُ غَيْرُ مُمْكِنٌ لِلْجَهَالَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُشْكِلَ إنَّمَا هُوَ إجْرَاءٌ خِلَاف تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْقَرَارِ وَأَمَّا عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي الْمَاءِ فَمُرَادُهُ بِذَاتِهِ لَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ إلَّا فِي الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ ثَمَّ صُرِّحَ فِيهَا قُبَيْلَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهِمَا أَيْ فِي الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَالْمِلْكِ وَفِي الْمَاءِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّهُ وَالْكَلَامُ فِي مَحَلِّ قَرَارِ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ بَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ.

أَمَّا مَحَلُّ نَبْعِهِ الْمَمْلُوكُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا بِطَرِيقِ الْقَصْدِ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ وَأَمَّا مَحَلُّ نَبْعِهِ أَوْ قَرَارُهُ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا وَخَرَجَ بِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ جَار الْوَاقِف فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ أَيْضًا إنْ عُرِفَ الْعُمْقُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ مَاءٍ جَارٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ نَحْوَ الْقَنَاةِ أَوْ بَعْضِهَا لِيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ وَجَوَابُهُ أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ مَرَّ أَنَّ الْمَاءَ إنْ مُلِّكَ مَحَلُّ نَبْعِهِ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مَحَلُّ وُصُولِهِ وَقَرَارِهِ كَانَ مُسْتَحَقًّا وَإِنْ لَمْ يُمَلَّكْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا فَالشُّرْبُ مِنْ الثَّالِثِ ظَاهِرٌ وَكَذَا مِنْ الثَّانِي وَيَجُوزُ دُخُولُ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَخْذِهِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ اُعْتِيدَ دُخُولُ النَّاسِ لَهُ قَالَهُ الْعَبَّادِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَإِطْلَاقُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُدْلِيَ فِيهِ دَلْوًا ضَعِيفٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا دَخَلَ مِنْ ذَلِكَ دَارَ إنْسَانٍ أَوْ مِلْكِهِ الَّذِي لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّ النَّاسَ يَطْرُقُونَهُ فَإِنَّ الدُّخُولَ لَهُ حِينَئِذٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْمَالِكِ.

وَأَمَّا الشُّرْبُ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَفِلُ بِهِ مُلَّاكُهُ وَاطَّرَدَتْ عَادَتُهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَحَدًا جَازَ الشُّرْبُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي مُلَّاكِهِ مَنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ كَصَغِيرٍ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَلْحَقَ بِهِ الْتِقَاطَ السَّنَابِلِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مَالِكُهَا صَغِيرًا وَنَحْوه قَالَ بِخِلَافِ الْإِعْرَاضِ عَنْ كِسْرَةٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ إعْرَاضُهُ وَعَلَى تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْتِقَاطِ السَّنَابِلِ وَالْإِعْرَاض عَنْ الْكِسْرَةِ فَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ السَّنَابِلَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهَا بِالْأَخْذِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهَا فَبَعْضُهَا فَائِتٌ عَلَى الْمَالِكِ ضَرُورَة فَحِينَئِذٍ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ فِي مَالِكهَا بَيْنَ صِحَّةِ إعْرَاضِهِ وَعَدَمِهَا لِأَنَّ الْآخِذَ مِنْهَا لَيْسَ مَلْحَظُهُ الْإِعْرَاضَ عَنْهَا حَتَّى نَعْتَبِرَ فِي الْمَالِكِ أَهْلِيَّةَ الْإِعْرَاضِ بِخِلَافِ الْكِسْرَةِ فَإِنَّ سَبَبَ أَخْذِهَا الْإِعْرَاضُ فَاعْتُبِرَ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الْمُعْرِضُ مِمَّنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْإِعْرَاضِ وَمِنْهَا أَنَّ مَا يُسْقَى مِنْ الْعُيُونِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الشِّرَاءُ هَلْ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَاءَ إنْ وَصَلَ إلَى زَرْعِهِ أَوْ نَخْلِهِ مِنْ غَيْرِ شِرَاءٍ وَلَا ضَمَانٍ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ.

وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ بِشِرَاءٍ صَحِيحٍ فَإِنْ صَدَرَ عَلَى الْقَرَارِ دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عَلَى الْمَاءِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ وَجَبَ فِيمَا يَزْرَعُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْعُشْرِ لِحُصُولِ الْمَاءِ الَّذِي لِلزَّرْعِ بِالْمُؤْنَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَا يُزْرَعُ بَعْد ذَلِكَ فَيَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَإِنْ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِمَّا قَابَلَ الْمَاءَ فَالْوَاجِبُ مِمَّا يُزْرَع بِالْمَاءِ الْمَذْكُورِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلَا يَتَنَاوَلُ كَلَامُ ابْنِ كَجٍّ الْآتِي مَا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ وَالْمَاءِ الْمَوْجُود لِأَنَّ الْمَاءَ وَإِنْ قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْحُكْمُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ حَيْثُ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَاءِ تُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ فِي الزِّرَاعَةِ الثَّانِيَةِ وَنَحْوهَا وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ ضَمِنَ الْمَاءَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَكُلُّ مَا يَسْقِيه بِهِ يَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَحَيْثُ تَوَجَّهَ الشِّرَاءُ إلَى الْمَاءِ وَحْدَهُ فِي كُلِّ زَرْعَةٍ وَجَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ وَحَيْثُ لَمْ يَمْلِكْ مَحَلَّ النَّبْعِ لَمْ يَصِحَّ شِرَاءُ الْمَاءِ الَّذِي لَا مِلْكَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فَإِنْ اشْتَرَاهُ وَزَرَعَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْعُشْرُ وَرَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ.

بِخِلَافِ مَنْ زَرَعَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَمْلُوكٍ اشْتَرَاهُ فَاسِدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْعُشْرِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَاءَ فِيهِمَا وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ خِلَافٍ طَوِيلٍ فِي الْمَسْقِيِّ

ص: 162

بِمَاءِ الْقَنَوَاتِ وَالسَّوَّاقِي مِنْ النَّهْرِ الْعَظِيمِ أَنَّ فِيهِ الْعُشْرَ وَلَا نَظَرَ لِمُؤْنَةِ الْقَنَوَاتِ وَإِنْ كَثُرَتْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا إصْلَاحُ الضَّيْعَةِ وَالْأَنْهَارِ تُشَقُّ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ وَإِذَا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الزَّرْعِ مَرَّةً بَعْد أُخْرَى بِخِلَافِ السَّقْي بِنَحْوِ النَّوَاضِحِ فَإِنَّ مُؤْنَتَهُ تَتَحَمَّلُ لِنَفْسِ الزَّرْعِ وَمِنْهَا أَنَّ السَّائِلَ ذَكَر أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ ذَكَرَ بَيْعَ الْمَاءِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَيْضًا وَعِبَارَتُهَا فِيهِ لَا تُدْخِلُ مَسَايِلَ الْمَاءِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شُرْبُهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا وَفِي وَجْهٍ لَا يَكْفِي ذِكْرُ الْحُقُوقِ فَرْعٌ) لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ بِئْرُ مَاءٍ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ وَالْمَاءُ الْحَاصِلُ فِي الْبِئْرِ حَالَ الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي وَجْهٍ يَدْخُلُ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ لِلْفَرْقِ وَإِنْ شَرَطَ دُخُولَهُ فِي الْبَيْعِ صَحَّ عَلَى قَوْلنَا الْمَاءُ مَمْلُوكٌ بَلْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ دُون هَذَا الشَّرْطِ وَإِلَّا اخْتَلَطَ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ لِلْبَائِعِ بِمَا يَحْدُثُ لِلْمُشْتَرِي وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ.

قُلْت فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ صَحَّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا بَلْ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ تَوَحَّلَ صَيْدٌ فِي أَرْضِهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ وَذِكْرُ الْخِلَافِ فِي الْمَاءِ وَفُرُوعِهِ يَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَتْ عِبَارَتُهَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَمْ تُسَقْ لِبَيَانِ حُكْمِ الْمَاءِ بَلْ لِبَيَانِ أَنَّهُ يَجِبُ شَرْطُ دُخُولِهِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا اُسْتُشْكِلَ بِقَوْلِهِمْ صَحَّ بَيْعُ دَارٍ بِدَارٍ وَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ بِئْرٍ مَاءٌ وَلَا إشْكَالَ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَاءِ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ لَا يُنَافِيه كَوْنُهُ مَقْصُودًا فِي نَفْسه حَتَّى يَشْتَرِطَ التَّعَرُّضَ لَهُ فِي الْبَيْعِ كَمَا ذُكِرَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ اُغْتُفِرَ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ اُعْتُبِرَ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِيَدْخُلَ فِيهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ وَمَا يَشْتَرِطُ الرُّؤْيَة مِنْهُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَاءَ حَيْثُ كَانَ مَمْلُوكًا وَوَرَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ الْمَعْلُومِ مِمَّا مَرَّ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْمَوْجُودِ مِنْهُ حَالَ الْبَيْعِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ تَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا وَكَذَا سَائِرُ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَالْمَاء مِنْهَا فَتَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوهَا وَقَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ لَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ ضَعِيفٌ وَإِنْ أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ وَكَذَلِكَ تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ مَحَلِّهِ فَفِي الْبِئْرِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ مَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِهِ عِنْد أَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنْ جُدْرَانِهَا وَنَحْوهَا وَفِي نَحْوِ الْقَنَاةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهَا جَمِيعًا بِأَنْ يُحْبَسَ الْمَاءُ عَنْهَا وَلَا تَكْفِي رُؤْيَتُهَا مِنْ وَرَائِهِ وَإِنْ كَانَ صَافِيًا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ هَذَا مَا تَيَسَّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الطَّوِيلَةِ الذَّيْل، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه فِي شَخْصٍ وَجَدَ جَارِيَةً ذَاهِبَةً فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا مُدَّةً طَوِيلَةً وَصَارَ يَبْحَثُ عَنْ مَالِكهَا فَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ ثُمَّ إنَّهُ تَضَرَّرَ بِسَبَبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا فَرَفَعَ أَمْرَهَا إلَى قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ شَافِعِيٍّ وَأَخْبَرَهُ بِالْقَضِيَّةِ ثُمَّ إنَّ الْقَاضِي اقْتَضَى رَأْيُهُ الْكَرِيمُ أَنْ يَبِيعَهَا عَلَيْهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَجْعَلهُ تَحْت يَدِ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ لِأَمَانَتِهِ وَدِينِهِ فَأَرْسَلَ إلَى أَرْبَابِ الْخِبْرَةِ مِنْ الدَّلَّالِينَ وَثَمَّنُوا الْجَارِيَةَ الْمَذْكُورَةَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَذِنَ الْقَاضِي لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَدْفَع ثَمَنَ الْجَارِيَةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَالِكِهَا إذَا وَجَدَهُ أَوْ لِوَكِيلِهِ أَوْ لِقَيِّمٍ شَرْعِيٍّ عَنْهُ فَاسْتَمَرَّتْ الْجَارِيَةُ الْمَذْكُورَةُ تَحْت يَدِ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ الْوَطْءُ صَحِيحٌ جَائِزٌ وَالْأَوْلَادُ مِنْهَا أَحْرَارٌ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ وَهَلْ يَبْرَأُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْقَاضِي الْمَذْكُورِ بَعْد مَوْتِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِالْقَضِيَّةِ الْمَشْرُوحَةِ أَعْلَاهُ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ وَإِذَا تَعَذَّرَ شَاهِدٌ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هَلْ يَكْفِي يَمِينُ الشَّخْصِ مَعَ الْوَاحِدِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) إذَا تَوَفَّرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي بَيْع الْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ فَبَاعَهَا الْقَاضِي بَيْعًا صَحِيحًا بِشُرُوطِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ حَالًا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ مَلَكهَا الْمُشْتَرِي وَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا فَالْأَوْلَادُ مِنْهَا أَحْرَار وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَلَيْسَ لِمَالِكِهَا أَخْذُهَا مِنْهُ وَإِنَّمَا لَهُ الثَّمَنُ فَقَطْ وَإِذَا وَافَقَ ظَاهِرُ الْأَمْر بَاطِنَهُ الْمَذْكُورَ كَانَ الْمُشْتَرِي بَرِيئًا فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَاضِي بِمَا ذُكِرَ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَلَا يَكْفِي عَدْلٌ وَيَمِينٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَسْكَنَهَا شَخْصًا آخَرَ ثُمَّ بَعْد

ص: 163

مُدَّةٍ أَقَرَّ بِأَنَّ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ مِلْكٌ مِنْ أَمْلَاكِ السَّاكِنِ الْمَذْكُورِ وَصَدَّقَهُ السَّاكِنُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَزَلْ مُسْتَمِرًّا عَلَى سُكْنَاهُ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ الْمُقِرُّ الْمَذْكُورُ فَادَّعَى بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَعْنِي الْمُقِرَّ الْمَذْكُورَ أَنَّ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ حَالَ الْإِقْرَارِ مَبِيعَةٌ لِشَخْصٍ مَعْلُومٍ بَيْعَ عِدَّةٍ وَأَمَانَةٍ فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ الْوَارِثِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْمُشْتَرِي أَوْ تُسْمَعُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِذَا سُمِعَتْ الدَّعْوَى مِمَّنْ يُسَوِّغُ وَثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ فَهَلْ تُنْزَعُ الدَّارُ مِنْ السَّاكِن أَوْ لَا وَإِذَا اُنْتُزِعَتْ فَعَادَتْ إلَى الْوَارِثِ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ أَوْ لَا وَهَلْ عَوْدُهَا إلَى الْوَارِثِ بِغَيْرِ إقَالَةٍ كَعَوْدِهَا بِهَا أَمْ لَا وَأُجْرَة الْمِثْلِ مُدَّةَ السُّكْنَى بِالدَّارِ الْمَذْكُورَةِ تَلْزَمُ السَّاكِنَ إذَا قُلْتُمْ بِفَسَادِ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بَيْعُ الْعِدَّةِ الْخَالِي عَنْ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ صَحِيحٌ عِنْدنَا فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الدَّعْوَى بِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَمَحِّضٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ.

فَإِنْ أَثْبَتَ الشِّرَاء مِنْ الْمَيِّتِ قَبْلَ إقْرَارِهِ انْتَزَعَ الْعَيْنَ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَيَلْزَمُهُ لِلْمُشْتَرِي أُجْرَةُ مِثْلِهَا مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا وَهِيَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَحَيْثُ عَادَتْ لِلْوَارِثِ فَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا لِمُوَرِّثِهِ فِي إقْرَارِهِ انْتَزَعَهَا الْمُقَرّ لَهُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثِهِ فَإِنْ كَانَ يَسْلُبُ الْعَوْدَ إلَيْهِ إرْثه كَالْإِقَالَةِ انْتَزَعَهَا مِنْهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ أَوَّلًا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لَمْ يَنْتَزِعْهَا مِنْهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلهمْ لَوْ تَزَوَّجَ بِمَجْهُولَةٍ فَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يَصْدُقهُ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ لَهُ ضَيْعَةٌ بِهَا شِرْبٌ مِنْ الْمَاءِ فَبَاعَهَا مِنْ آخَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشِّرْبَ فَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ أَبِعْهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ لِي وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا بَذَلْت الْمَالَ الْكَثِيرَ إلَّا لِلضَّيْعَةِ وَشِرْبهَا مَا الْحُكْمُ وَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكهَا وَأَبَحْت لَك شُرْبهَا بِكَذَا فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ أَرَدْنَا بِهَذَا اللَّفْظِ الْبَيْعَ فِي الْجَمِيعِ فَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ فِي الْأَرْضِ فَقَطْ وَإِذَا قَالَ بِعْتُكهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَبِعْتُكَ شِرْبَهَا بِخَمْسِينَ أَوْ وَأَبَحْته لَك بِخَمْسِينَ فَقَالَ قَبِلْتُ بِمِائَةٍ مَا الْحُكْمُ وَلَوْ بَاعَ بِكِنَايَةٍ ثُمَّ مَاتَ أَوْ غَابَ وَلَمْ تُعْلَم نِيَّتُهُ مَا حُكْمُهُ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ ضَيْعَةً فَأَحْدَثَ فِيهَا عِمَارَةً عَيْنًا وَأَثَرًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ عِمَارَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَأَخْذُ الْعَيْنِ أَمْ لَا وَمَنْ اشْتَرَى ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ وَعَكْسُهُ مِنْ الْمُصَدِّقِ.

(فَأَجَابَ) الْمَنْقُولُ أَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَلَا شِرْبُهَا بِكَسْرِ الشِّين أَيْ نَصِيبَهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ حَتَّى يَشْتَرِطَ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ بِعْتُك الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا أَوْ بِشِرْبِهَا قَالَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّ هَذَا فِي الْخَارِجِ مِنْ ذَلِكَ عَنْ الْأَرْضِ أَمَّا الدَّاخِلُ فِيهَا فَلَا رَيْبَ فِي دُخُولِهِ اهـ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ هُنَا قَوْلُهُمْ لَوْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ أَوْ غِرَاسٍ دَخَلَ الشِّرْبُ وَنَحْوه مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُسْتَأْجَر لَهَا ثُمَّ لَا تَتِمُّ بِدُونِهِ فَلَمْ يَدْخُلْ إلَّا بِالشَّرْطِ بِقَيْدِهِ الْمَذْكُور إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَحَيْثُ اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى عَدَمِ ذِكْرِ الشِّرْبِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْأَرْضِ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي وَلَا نَظَرَ لِكَلَامِ الْبَائِعِ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْك الْبَائِعِ وَلَا حَقَّ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ وَإِنْ قَالَ إنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ الْمَاءَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَرْضِ مَعَهُ لِأَنَّ الْقُصُودَ وَالنِّيَّاتِ لَا تُعْتَبَرُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِمَّا الْمَدَارُ فِيهِ عَلَى اللَّفْظِ وَحْدَهُ وَلَا تَأْثِيرَ فِيهِ لِلنِّيَّةِ وَحْدَهَا فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتنِي الْأَرْض مَعَ شِرْبِهَا وَقَالَ الْبَائِع إنَّمَا بِعْتُك الْأَرْضَ وَحْدَهَا تَحَالُفًا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا أَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا يَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا.

ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ نِزَاعُهُمَا فَسَخَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ وَقَوْلُ السَّائِلِ وَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكهَا وَأَبَحْت لَك شِرْبَهَا بِكَذَا إلَخْ يَحْتَاجُ الْجَوَابُ عَنْهُ إلَى مُقَدِّمَةِ أَنْ أَبَحْتك إيَّاهُ بِكَذَا هَلْ هُوَ مِنْ كِنَايَاتِ الْبَيْعِ وَفِيهَا خِلَافٌ حَرَّرْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ وَلَيْسَ مِنْهَا أَيْ الْكِنَايَةِ أَبَحْتُك إيَّاهُ بِكَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِبَاحَةِ مَجَّانًا فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهَا اهـ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِلَّا أُشْكِلَ بِانْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ الْمُصَرَّح فِيهِ بِأَنَّهُ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ صَرِيحٌ فِي الْبَيْعِ اهـ وَيُجَاب بِأَنَّ اقْتِرَانَ الْعِوَضِ بِالْهِبَةِ يَمْنَعُ انْصِرَافَهَا لِمَعْنَاهَا مِنْ التَّمَكُّنِ مَجَّانًا وَيَصْرِفُهَا إلَى التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ

ص: 164

لَهَا مَعْنًى مُسْتَقِرٌّ حَتَّى يَكُونَ ذِكْرُ الثَّمَنِ صَارِفًا لَهُ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي الِانْتِفَاعِ لَا فِي تَمْلِيكِ الْعَيْنِ كَمَا حَقَّقْته فِي بَعْض الْفَتَاوَى أَخْذًا مِنْ كَلَامهمْ ثُمَّ أَنْ تَأْتِيَ الِانْتِفَاعَ بِغَيْرِ اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ كَانَتْ كَالْإِعَارَةِ وَإِلَّا كَانَتْ كَالضِّيَافَةِ فَيَمْلِكُ قُبَيْلَ الِازْدِرَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ فَعُلِمَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْكِنَايَةِ هُنَا لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ ابْتِدَاءً بِوَجْهٍ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ.

وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَ الْإِبَاحَةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كِنَايَاتِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِعْتُك الْأَرْضَ وَأَبَحْتُكَ شِرْبَهَا بِكَذَا مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ الْأَرْضُ وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعه وَهُوَ الشِّرْبُ مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْإِبَاحَةِ فِيهِ فَتَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ وَيَبْطُلُ فِي الشِّرْب وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ مَا ذُكِرَ فِي الْإِبَاحَةِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ أَوْ عَلِمَ حُكْمَ الْإِبَاحَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِسْطُ الْأَرْضِ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ تَوْزِيعِهِ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الشِّرْبِ فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَقِيمَةُ الشِّرْبِ عِشْرُونَ خَصَّهَا مِنْ الثَّمَنِ خَمْسَة أَسْدَاسِهِ وَبَطَلَ الْبَيْعُ فِي سُدُسِهِ الْمُقَابِلِ لِلشُّرْبِ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ فَقَطْ وَقَوْلُ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَعْنِي قَوْله بِعْتُكهَا وَأَبَحْت لَك شِرْبهَا بِكَذَا إنَّمَا أَرَدْت الْبَيْعَ فِي الْأَرْضِ فَقَطْ أَيْ حَتَّى يَجِبَ كُلّ الثَّمَنِ وَيَأْخُذَ الشِّرْبَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُنَاقِضُ مَنْوِيَّهُ فَيَلْغُو وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ بِقِسْطِهَا مِنْ الثَّمَنِ فِي الشِّرْبِ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا تَقَرَّرَ وَقَوْلُ السَّائِلِ وَإِذَا قَالَ بِعْتُكَهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا إلَخْ يُحْتَاجُ لِمُقَدَّمَةٍ أَيْضًا هِيَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا خِلَافًا فِي عَكْسِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي هَذِهِ فَقَالَ قَبِلْت نِصْفه بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَيْ فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَا أَشْعُرُ بِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمَال إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ لَكِنْ أَقَرَّ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ مَعَ تَسْلِيمِهِ اسْتِشْكَالَ الرَّافِعِيِّ لَهَا بِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ عَقْدًا فَقَبِلَ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَا تَنَافِي خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الصِّحَّةَ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ وَالِاسْتِشْكَالَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ نَوَى تَفْصِيلَ مَا أَجْمَله الْبَائِعُ دُونَ تَعَدُّدِ الْعَقْدِ صَحَّ وَإِنْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى تَعَدُّدَ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْكَلَامَانِ ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ الصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ التَّفْصِيلُ مِنْ جِهَةِ مَنْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ كَ (بِعْتُكَ) بِهَذَا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفه بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَقُولُ قَبِلْت أَوْ قَبِلْته بِأَلْفٍ لِأَنَّ الْقَبُولَ حِينَئِذٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِيجَابِ الْمُفَصَّلِ فَوَقَعَ مُفَصَّلًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَجْمَلَ الْبَائِعُ أَوَّلًا وَفَصَّلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ أَوْجَدَ مَا يُنَافِي الْإِجْمَالَ فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَبُولَهُ وَقَعَ مُجْمَلًا فَفَصَّلْنَا فِيهِ بَيْن أَنْ يَقْصِد تَفْصِيل ذَلِكَ فَيَصِحّ أَوَّلًا فَيَبْطُل.

أَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ التَّفْصِيل مِنْ حَيْثُ هُوَ يُنَافِي الْإِجْمَال وَقَضِيَّة كَلَامه خِلَافًا لِلشَّارِحِ أَيْ الْجَوْجَرِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِدِرْهَمٍ وَهَذَا بِدِينَارٍ فَقَالَ قَبِلْت أَحَدَهُمَا صَحَّ أَوْ بِعْتُك هَذَيْنِ بِأَلْفٍ كُلّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ أَحَدَهُمَا صَحَّ لِلتَّوَافُقِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ صَفْقَتَيْنِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَفِي بِعْتُك سَالِمًا وَغَانِمًا هَذَيْنِ بِأَلْفٍ يَصِحُّ قَبُولُهُمَا بِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ سَالِمًا مِنْ غَانِمٍ بِخِلَافِ سَالِمٍ بِأَلْفٍ وَغَانِمٍ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى قَبُولِ أَحَدِهِمَا هُنَا جَائِزٌ فَاشْتَرَطَ أَنْ يَعْرِفَهُمَا حَتَّى يَقْبَلهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَثَمَّ يَتَعَيَّنُ قَبُولُهُمَا مَعًا أَوْ تَرْكُهُمَا مَعًا فَلَا فَائِدَةَ لِمَعْرِفَتِهِمَا انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَشِرْبهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَقَالَ قَبِلْت بِمِائَةٍ صَحَّ فِيهِمَا وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَأَبَحْت لَك شِرْبهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَقَالَ قَبِلْت بِمِائَةٍ صَحَّ فِي الْأَرْضِ بِخَمْسِينَ وَلَا يَصِحُّ فِي الشِّرْب وَالْحُكْمِ فِي هَذِهِ وَاضِحٌ مِمَّا قَدَّمْته فِي بِعْتُكهَا وَأَبَحْت لَك شِرْبَهَا بِكَذَا.

وَأَمَّا الْأُولَى فَوَجْهُ الصِّحَّةِ فِيهَا أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَرْته فِي بِعْتُك هَذَا بِدِرْهَمٍ وَهَذِهِ بِدِينَارٍ أَنَّهُ فِي صُورَتِنَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَبُولِ الْأَرْضِ وَالشِّرْب مَعًا وَقَبُول أَحَدِهِمَا وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ قَبُولَهُمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ

ص: 165