المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْعُبَابِ عَلَى وَجْهٍ أَظْهَرَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَا وَإِنْ رَضِيَ - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ٢

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ]

- ‌[كِتَابِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[تَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ وَالْعُيُونِ بِإِيضَاحِ حُكْمِ بَيْعِ سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ]

- ‌[الْبَاب الثَّالِثِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ قَرَارٍ وَلَا مَاءَ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ لَمْ يُرِيدَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ أَوْ الْمَاءِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ التَّنَاقُض فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَالْقَرَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَاءِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْم عُيُونِ الْحِجَازِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي حُكْمِ الْقَاضِي وَفِيهِ فَصْلَانِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُنْقَضُ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

- ‌[بَابُ التَّحَالُفِ]

- ‌[بَابُ مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الْقَرْضِ]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ التَّفْلِيسِ]

الفصل: الْعُبَابِ عَلَى وَجْهٍ أَظْهَرَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَا وَإِنْ رَضِيَ

الْعُبَابِ عَلَى وَجْهٍ أَظْهَرَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَا وَإِنْ رَضِيَ وَقَوْلُهُ ثَانِيًا وَكَذَا لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ إلَخْ.

[بَابُ الْخِيَارِ]

(وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ أَفْتَى فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا سَمَّاهُ إصَابَةُ الْأَغْرَاضِ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ بِالْإِعْرَاضِ وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ بِرُمَّتِهِ هُنَا وَإِنْ كَانَ تَصْنِيفًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرَتْهُ وَذَلِكَ التَّصْنِيفُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَيْقَظَ لِلْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الْمُعْضِلَاتِ أَقْوَامًا مَنَّ عَلَيْهِمْ بِتَوْفِيقِهِ الْبَاهِرِ سُلْطَانُهُ.

وَهَدَاهُمْ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْآرَاءِ فِي عَوِيصَاتِ الْمَسَائِلِ إلَى سُلُوكِ جَادَّةِ الصَّوَابِ السَّاطِعِ بُرْهَانُهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَكُونُ بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مِمَّنْ عَلَا مَكَانُهُ وَسَعِدَ بِهِ إخْوَانُهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي بَوَّأَهُ اللَّهُ مِنْ مَنَازِلِ قُرْبِهِ وَإِنْعَامِهِ مَا ارْتَفَعَ بِهِ عَلَى سَائِرِ الشُّؤُون شَأْنُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ مَا دَامَتْ تَتَرَادَفُ عَلَى وَارِثِيهِ آلَاؤُهُ وَإِحْسَانُهُ. وَبَعْدُ فَقَدْ وَقَعَ فِي غُضُونِ مَا اُسْتُفْتِيتُ عَنْهُ سُؤَالٌ ظَنَنْتُ جَوَابَهُ سَهْلًا وَأَنِّي لِلْكَلَامِ فِيهِ بِبَادِئِي الرَّأْي أَكُونُ أَهْلًا حَتَّى أَحْدَقْتُ النَّظَرَ فِيهِ فَوَجَدْتُهُ صَعْبَ الْمُرْتَقَى عَالِي الذُّرَا فَلِذَلِكَ أَعْمَلْتُ الْفِكْرَ فِيهِ حَتَّى مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِإِصَابَةِ الْفَرْضِ فِيهِ بِالْإِحَاطَةِ بِقَوَادِمِهِ وَخَوَافِيهِ لَكِنْ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لِي سَبِيلُهُ وَوَضَحَ لَدَيَّ دَلِيلُهُ.

فَإِنْ وَافَقَ الْحَقَّ وَإِلَّا فَالْخَطَأُ وَالْخَطَلُ وَالتَّقْصِيرُ هُوَ وَصْفِي اللَّازِمُ وَشَأْنِي الدَّائِمُ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَفْرَدْتُهُ بِالتَّأْلِيفِ. وَزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَحُسْنِ التَّصْنِيفِ حَتَّى يَنْظُرَ فِيهِ الْفُضَلَاءُ وَيُعَوِّلُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ سبحانه وتعالى النُّبَلَاءُ وَسَمَّيْته إصَابَةُ الْأَغْرَاضِ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ بِالْإِعْرَاضِ وَاَللَّهَ أَسْأَلُ وَبِنَبِيِّهِ الَّذِي لَمْ يَلْحَقْ شَأْوَ كَمَالِهِ نَبِيٌّ أَتَوَسَّلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ وَأَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَأْمُولَ بِسَبَبِهِ إنَّهُ الْقَرِيبُ الْمُجِيبُ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أَمَّا السُّؤَالُ فَحَاصِلُهُ: إنْسَانٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ أَرْضًا مُشْتَمِلَةً عَلَى نَخْلٍ ثُمَّ تَقَايَلَا. ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ بُطْلَانَ الْإِقَالَةِ وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ بِذَلِكَ بِشَرْطِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ مِنْ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ مَغْرِسُ نَخْلَةٍ مِنْ النَّخْلِ الْمَذْكُورِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْبَائِعِ حِينَ الْبَيْعِ فَهَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ. .

وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ يُمْنَعُ خِيَارُهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ الْمَغْرِسَ الْمَذْكُورَ وَإِعْطَائِهَا لَهُ أَوْ إعْطَاءِ مُسْتَحِقِّهَا إيَّاهَا لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَا. وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَيْهِ فَفِي مَقَامَيْنِ الْأَوَّلُ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَالثَّانِي فِي سُقُوطِهِ. فَاَلَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ بِذَلِكَ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ حَيْثُ سُئِلَ عَمَّنْ اشْتَرَى سِهَامًا فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْجَمِيعُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ دُونَ بَعْضٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا شَائِعًا فِي الْجَمِيعِ صَحَّ الْبَيْعُ فِيمَا لَيْسَ مُسْتَحَقًّا بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى فَغَرِيبٌ جِدًّا. وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِمْ صِحَّتُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ فِيمَا لَيْسَ مُسْتَحَقًّا بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَكَأَنَّهُ لُحِظَ فِي التَّفْرِقَةِ تَعَذُّرُ تَوْزِيعُهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَإِذَا خَيَّرْنَا الْمُشْتَرِيَ فَأَرَادَ مَالِكُ الْمَغْرِسِ غَيْرُ الْبَائِعِ هِبَتَهُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ خِيَارُهُ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا الْخَفِيُّ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا مَلَكَ ذَلِكَ الْمَغْرِسَ فَعِنْدَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَعْرَضَ لَهُ عَنْهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ. وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِيهِ بَعْدَ التَّمَهُّلِ أَيَّامًا وَمَزِيدِ الْكَشْفِ لِبَعْضِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ فَإِنَّ جُلَّهَا مَعْدُومٌ مِنْ قُطْرِ الْحِجَازِ، أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ لَهُ بِالْغَرْسِ الْمَذْكُورِ هِبَةً أَوْ إعْرَاضًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ أُمُورٌ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ إذَا اتَّحَدَ الْمَبِيعُ صَفْقَةً لَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي بَعْضَهُ بِعَيْبٍ قَهْرًا إلَّا إذَا كَانَ الْبَعْضُ الْآخَرُ لِلْبَائِعِ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْبَعْضَ قَهْرًا كَمَا اعْتَمَدَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ فِي امْتِنَاعِ رَدِّ الْبَعْضِ إنَّمَا هِيَ الضَّرَرُ النَّاشِئُ مِنْ تَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَبِمِلْكِهِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ يَزُولُ التَّبْعِيضُ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ

ص: 242

فِيهِ فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَتَعْلِيلُ مُقَابِلِ كَلَامِ الْقَاضِي الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ كَثِيرُونَ بِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّدِّ لَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ، يُرَدُّ بِأَنَّهُ.

وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ لَكِنْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الرَّدِّ حِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِامْتِنَاعِهِ وَالتَّعْلِيلُ بِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَتَفْرِيقِهَا بِمُجَرَّدِهِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ وَإِنَّمَا وَجْهُ الْعِلَّةِ مَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ غَالِبًا فَآلَتْ الْعِلَّتَانِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ. وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي فَكَانَ هُوَ الْحَقِيقِيُّ بِالِاعْتِمَادِ وَمِمَّنْ اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنَّهُ رَجَّحَ أَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ الضَّرَرُ وَكَذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لِرُجُوعِ الْكُلِّ إلَيْهِ قَالَ: وَمِثْلُهُ لَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ اهـ فَانْظُرْ إلَى كَوْنِهِمْ أَلْزَمُوا الْبَائِعَ بِالْقَبُولِ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الضَّرَرِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يُلْزَمَ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَتِنَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهَا بِوَجْهٍ فَإِنَّا إذَا أَلْزَمْنَاهُ بِالْقَبُولِ، لَا نُلْزِمُهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا نُلْزِمُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِقِسْطِ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ وَإِنَّمَا خَيَّرْنَاهُ فَوْرًا بِعَيْبِ التَّبْعِيضِ وَبِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ لَهُ كَمَا مَرَّ، زَالَ هَذَا الْعَيْبُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلِذَا قُلْنَا بِسُقُوطِ خِيَارِهِ وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَأَرَادَ الرَّدَّ بِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ: أَمْسِكْهُ وَخُذْ أَرْشَ الْقَدِيمِ.

وَأَمَّا لَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَأَرَادَ ضَمَّ أَرْشِ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ. وَرَدَّهُ فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ الْبَائِعُ فِي الْأُولَى وَلَا الْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَزُولُ بِبَذْلِ أَرْشِهِ فَفِي إلْزَامِ قَبُولِ الْمَعِيبِ ضَرَرٌ وَلَوْ مَعَ أَخْذِ الْأَرْشِ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُلْزِمُوا بِذَلِكَ الْبَائِعَ وَلَا الْمُشْتَرِيَ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الضَّرَرَ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ مُسَامَحَةَ الْبَائِعِ لَهُ بِمَا مَرَّ تُزِيلُ ضَرَرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلِذَا لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ فَإِنْ قُلْتَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ مُقَابِلَ كَلَامِ الْقَاضِي السَّابِقِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ عَدَمَ إجْبَارِ الْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى الْقَبُولِ قُلْت قَدْ بَانَ لَك أَنَّهُ ضَعِيفٌ.

وَإِنْ اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ وَأَفْتَى بِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَهُوَ لَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ وَقْتَ الرَّدِّ تَبَعَّضَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ صُورَةً وَإِنْ لَمْ تَتَبَعَّضْ عَلَيْهِ حُكْمًا فَلَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ فَكَذَا لَمْ يُجْبَرْ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ. لِأَنَّهُ خَلَفَ التَّبْعِيضَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ عَدَمُ رَدِّهِ كَمَا تَمَلَّكَ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ عِلَّةَ تَخْيِيرِهِ التَّبْعِيضُ وَبِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ يَزُولُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُفَهُ شَيْءٌ آخَرُ.

الْأَمْرُ الثَّانِي قَوْلُهُمْ لَوْ بَانَ عَيْبُ الدَّابَّةِ وَقَدْ أَنْعَلَهَا وَنَزْعُ النَّعْلِ يَعِيبُهَا فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا فَسْخَ إنْ نَزَعَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الرَّدُّ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ. وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ قِيمَتِهَا فَإِنَّهَا حَقِيرَةٌ فِي مَعْرِضِ رَدِّ الدَّابَّةِ فَقِيَاسُ إلْزَامِ الْبَائِعِ الْقَبُولَ هُنَا إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِجَامِعِ زَوَالِ الْعَيْبِ بِالتَّرْكِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ لُحُوقِ مِنَّةٍ وَلَمْ يَخْلُفْ ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ.

وَوَجْهُ عَدَمِ الْمِنَّةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ تَوْفِيرِ غَرَضٍ لِبَاذِلِهِ فَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ حَقِيقَةُ الْمِنَّةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ انْضَمَّ لِذَلِكَ إجْبَارُ الشَّرْعِ لَهُ عَلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَارِهٌ لَهُ وَالْكَارِهُ لِلشَّيْءِ لَا يَتَوَهَّمُ لُحُوقَ مِنَّةٍ إلَيْهِ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنْ قُلْت: إلْزَامُ الْبَائِعِ بِالْقَبُولِ مَعَ عَدَم تَغْرِيمِهِ قِيمَةِ النَّعْلِ لِلْمُشْتَرِي مُشْكِلٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَوَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّهُمْ لَاحَظُوا جَانِبَ الْبَائِعِ خَشْيَةً مِنْ لُحُوقِ الضَّرَر بِهِ دُونَ جَانِبِ الْمُشْتَرِي مَعَ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ إمَّا بِالْتِزَامٍ مَعِيبٍ أَوْ بِتَكْلِيفِهِ النُّزُولَ عَنْ مِلْكِهِ فِي النَّعْلِ. وَكَانَ الْقِيَاس أَنْ يُطَالِبَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ كَمَا فِي الصَّبْغِ لَكِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قُلْتُ: أَمَّا عَدَمُ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُشْكِلِ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَمَحْمَلُهُ حَيْثُ كَانَ الْإِشْكَالُ مُسَلَّمًا أَمَّا حَيْثُ كَانَ مَدْفُوعًا فَإِنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ.

وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّا لَمْ نُرَاعِ جَانِبَ الْبَائِعِ فَحَسْبُ بَلْ رَاعَيْنَا كُلًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. فَإِنَّ الصُّورَةَ أَنَّ النَّزْعَ يَعِيبُهَا فَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِهِ لَأَجْحَفْنَا بِالْبَائِعِ وَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِإِمْسَاكِهَا مَعِيبَةً لَأَجْحَفْنَا بِهِ فَعَدَلْنَا إلَى طَرِيقٍ وَسَطٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الْإِجْحَافُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ رَدُّهَا مَعَ النَّعْلِ وَالْحُكْمُ بِبَقَاءِ النَّعْلِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي حَتَّى إذَا سَقَطَتْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ رَدُّهَا كَمَا يَأْتِي وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِوُجُوبِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ كَمَا فِي الصَّبْغِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنهمَا. فَإِنَّ الصِّبْغَ لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ إلَّا بِتَلَفِ عَيْنِهِ بِخِلَافِ النَّعْلِ وَأَيْضًا فَالصُّورَةُ أَنَّ قَلْعَ النَّعْلِ يَضُرُّ بِهَا وَبِالْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُحْدِثُ بِهَا. عَيْبًا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الصِّبْغِ.

ص: 243

الْأَمْرُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُمْ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بَذْرٌ أَوْ زَرْعٌ مَا يُؤْخَذُ دَفْعَةً بَلْ يَتَخَيَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَهُ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ لَهُ الْبَائِعُ أَوْ يَقُولُ أَنَا أُفْرِغُهُ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ فِي الْأُولَى وَتَدَارُكِهِ حَالًا فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا ثُمَّ رَأَى خَلَلًا بِسَقْفِهَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ حَالًا أَوْ بَالُوعَةً مُفْسَدَةً فَقَالَ: أَنَا أُصْلِحُ السَّقْفَ. وَأُنَقِّي الْبَالُوعَةَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْكِ وَلَا نَظَرَ لِلْمِنَّةِ لِمَا مَرَّ فَانْظُرْ إلَى كَوْنِهِمْ أَلْزَمُوا الْمُشْتَرِيَ الْقَبُولَ هُنَا لِأَنَّ التَّرْكَ يَنْدَفِعُ ضَرَرُهُ قَطْعًا فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ قُلْتَ عِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَهِيَ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ أَمْكَنَ تَدَارُكُ الْعَيْبِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ كَإِزَالَةِ اسْتِدَادِ الْبَالُوعَةِ أَوْ الْحَشِّ أَوْ رَدِّ الْآبِقِ أَوْ الْمَغْصُوبِ أَوْ إزَالَةِ الْمَرَضِ بِدَوَاءٍ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ. أَوْ مَيَلَانِ السَّقْفِ وَالْجِدَارِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى عَيْنٍ جَدِيدَةٍ انْتَهَتْ فَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى عَيْنٍ جَدِيدَةٍ أَنَّ الْخِيَارَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَسْقُطُ قُلْت لَيْسَ قَضِيَّتُهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْجَدِيدَةَ إنَّمَا ضَرَّتْ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى مُضِيِّ زَمَنٍ طَوِيلٍ فِي الْإِصْلَاحِ بِهَا غَالِبًا.

فَالِامْتِنَاعُ فِيهَا لَيْسَ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَا تَسْتَلْزِمُهُ هِيَ مِنْ طُولِ الزَّمَنِ فَإِنْ فَرَضَ الْإِصْلَاحَ بِهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا وَجْهَ لِامْتِنَاعِهِ وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنهَا حِينَئِذٍ. وَبَيْنَ الدَّوَاءِ الَّذِي يُسْقَى لِلْمَبِيعِ حَتَّى يَزُولَ مَرَضُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا عَلِمْتُهُ فِي كَلَامِ الْقَمُولِيِّ نَفْسِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ كَلَامَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي فَتَاوِيهِ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ الِاحْتِيَاجَ لِعَيْنٍ جَدِيدَةٍ بَلْ تَجَدُّدُ عَيْنٍ غَيْرِ تِلْكَ الْعَيْنِ أَوْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَيْ بِمَا لَا يُحْتَمَلُ لِطُولِ زَمَنِهِ حَتَّى لَا يُنَافِي مَا مَرَّ وَعِبَارَةُ الْخَادِمِ بَعْدَ ذِكْرِ نَحْوِ عِبَارَةِ الْجَوَاهِرِ السَّابِقَةِ وَمِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ قَبْل الْقَبْضِ فَأَصْلَحَهَا الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ غَيْرُ تِلْكَ الْعَيْنِ وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَنْ غَصَبَ نُقْرَةً وَطَبَعَهَا دَرَاهِمَ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَى نَقْضِ الدَّرَاهِمِ وَرَدِّهِ إلَى الْأَوَّلِ وَأَخْذِ أَرْشِ النُّقْصَانِ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ.

وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يُعِيدَهَا بِتِلْكَ الْآلَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا انْتَهَتْ، فَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَفْصِلْ إلَخْ فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ الْجَوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ عَيْنٍ جَدِيدَةٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ نَعَمْ مَحِلُّ كَلَامِ الْقَاضِي مَا إذَا طَالَ زَمَنُ الْإِصْلَاحِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي صُورَةِ الْهَدْمِ الَّتِي فَرَضَهَا وَمِنْ ثَمَّ احْتَرَزَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهَا بِقَوْلِهِمْ كَخَلَلٍ بِسَقْفِهَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ حَالًا لَا يُقَالُ قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ غَيْرُ تِلْكَ الْعَيْنِ صَرِيحٌ فِي مُوَافَقَةِ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ عَقِبَهُ وَلَمْ يَفْصِلْ إلَخْ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْمُعَادَ بَعْدَ الْهَدْمِ. وَلَوْ بِالْآلَةِ الْأُولَى يُخَالِفُ الْبِنَاءَ الْأَوَّلَ فِي الصُّورَةِ وَغَيْرِهَا فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَتْ هَذِهِ الْعَيْنُ غَيْرَ تِلْكَ الْعَيْنِ.

الْأَمْرُ الرَّابِعُ قَوْلُهُمْ:

يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا دَفِينٌ مِنْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَا تَدْخُلُ وَكَانَ تَرْكُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ وَقَلْعُهَا مُضِرٌّ لِكَوْنِهِ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا أَوْ يُحْتَاجُ فِي نَقْلِهَا لِمُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ بِتَرْكِهَا لَهُ وَلَا نَظَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ لِمَا مَرَّ وَهَذَا التَّرْكُ إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ. فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهَا فَإِذَا رَجَعَ عَادَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَوْ وَهَبَهَا لَهُ بِشُرُوطِ الْهِبَةِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ وَهَذَا كَمَا تَرَى ظَاهِرٌ فِي لُزُومِ الْقَبُولِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ قُلْتَ: صَرَّحُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَالَ: أَنَا آخُذُ الْحِجَارَةَ وَأَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ أَوْ أُجْرَةَ مُدَّةِ النَّقْلِ، لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ إجَابَتُهُ وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي نَظِيرَةُ مَسْأَلَتِنَا قُلْت: مَمْنُوعٌ بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاضِحٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ غُرْمَ الْأَرْشِ لَا يُزِيلُ النَّقْصَ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَا إعْطَاءُ أُجْرَةِ مُدَّةِ النَّقْلِ لَا يُزِيلُ الضَّرَرَ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الْمُشْتَرِي زَمَنًا طَوِيلًا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَذَ مُقَابِلَ ذَلِكَ التَّفْوِيتِ بِالْكُلِّيَّةِ فَافْتَرَقَا.

وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ لُزُومِ الْقَبُولِ لِلْأَرْشِ أَوْ الْأُجْرَةِ وَبَيْنَ لُزُومِ قَبُولِ الْأَحْجَارِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَبُولَهَا بِخِلَافِ الْقَبُولِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِهِ الضَّرَرُ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ. وَهَذَا أَوْلَى وَأَوْضَحُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قَبُولَ الْأَوَّلَيْنِ فِيهِ مِنَّةٌ بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِ قَبُولِ الثَّانِي أَعْنِي الْحِجَارَةَ فَإِنَّ الْمِنَّةَ حَصَلَتْ.

ص: 244

فِيهِ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ يُشْبِهُ جُزْأَهُ.

الْأَمْرُ الْخَامِسُ قَوْلُهُمْ لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً يَغْلِبُ اخْتِلَاطُ حَادِثِهَا بِالْمَوْجُودِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ مَا لَمْ يَسْمَحْ لَهُ الْبَائِعُ بِالْحَادِثَةِ فَإِنْ سَمَحَ لَهُ بِهَا هِبَةً أَوْ إعْرَاضًا فَلَا خِيَارَ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ ثُمَّ هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الْمُبَادَرَةُ بِالْفَسْخِ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ الْبَائِعُ. وَيَسْمَحُ لَهُ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مُشَاوِرَةِ الْبَائِعِ؟

قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَعْنَى تَخْيِيرِهِ رَفْعُهُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيَكُونَ هُوَ الْفَاسِخَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ النِّزَاعِ لَا لِلْعَيْبِ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوهِمُ خِلَافَهُ اهـ مُلَخَّصًا وَهُوَ مَرْدُودٌ. فَإِنَّ مَا قَالَهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ فِي بَابِ التَّحَالُفِ هُوَ الَّذِي يَفْسَخُ أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يَفْسَخُ إلَّا الْمُشْتَرِي كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَزَعْمُهُ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ عَيْبًا مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ عَيْبٌ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ عَلَيْهِ وَلَا دَخْلَ لِلْحَاكِمِ فِي الرَّدِّ بِهِ بِخِلَافِهِ فِي بَابِ التَّحَالُفِ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ فَالْخِيَارُ فَوْرِيٌّ وَلَهُمَا التَّرَاضِي عَلَى قَدْرٍ مِنْ الثَّمَرَةِ.

وَعِنْدَ التَّنَازُعِ الْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ حَقِّ الْآخَرِ. وَهِيَ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِلْمُشْتَرِي. قَالُوا وَيَجْرِي جَمِيعُ مَا تَقَرَّرَ فِي بَيْعِ نَحْوِ الْحِنْطَةِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَمُتَمَاثِلِ الْأَجْزَاءِ حَيْثُ تَخْتَلِطُ بِحِنْطَةِ الْبَائِعِ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ بِنَحْوِ كِبَرٍ وَجَوْدَةٍ، أَمَّا لَوْ اخْتَلَطَ مُتَقَوِّمٌ بِمِثْلِهِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ يُوَرِّثُ الِاشْتِبَاهَ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَوْ فُرِضَ ابْتِدَاءً وَفِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ غَايَةُ مَا يَلْزَمُ الْإِشَاعَةَ وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ وَهَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ وَبِهَا يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ بَعْضِهِمْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ. حَيْثُ قَالَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَوْ سَمَحَ بِالثَّمَرَةِ كُلِّهَا يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي فَلِمَ لَا يَمْلِكُ الْقَطْعَ كُلَّهُ إذَا سَمَحَ بِهِ الْبَائِعُ وَحِينَئِذٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الثَّمَرَةَ وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا مُشَاعَةً وَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيِّنَهُمَا فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ وَمَنْ قَالَ بِالْفَسْخِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَلَعَلَّ الْحَامِلَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالشِّيَاهِ أَنَّ الثِّمَارَ تَكُونُ فِي الْغَالِبِ قَلِيلَةٌ مَرْغُوبَةٌ عَنْهَا بِخِلَافِ الشِّيَاهِ.

وَهَذَا إنْ صَحَّ لَزِمَ عَلَيْهِ التَّخْصِيصُ بِالْيَسِيرِ فَلَا يَطَّرِدُ فِي الثِّمَارِ الْكَثِيرَةِ وَالْحِنْطَةِ الْكَثِيرَةِ وَالْأَصْحَابُ لَمْ يُفَرَّقُوا اهـ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَالْأَصْحَابُ لَمْ يُفَرَّقُوا وَأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ مَرْدُودٌ بِالْعِلَّةِ السَّابِقَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ نَحْوِ الشِّيَاهِ وَنَحْوِ الثِّمَارِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَفِيمَا ذَكَرُوا أَنَّ الْمُخْتَلَطَ لَا يَكُونُ هَالِكًا وَإِلَّا لَانْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا يَمْنَعُ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِتَبَدُّلِ الْمُسْتَحَقِّ بِغَيْرِهِ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ. فَالْمُوجِبُ لِلْخِيَارِ هُنَا هُوَ هَذَا التَّبَدُّلُ، وَهَذَا التَّبَدُّلُ يَنْتَفِي بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ فَسَقَطَ بِهَا خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَلَا نَظَرَ لِلْمِنَّةِ خِلَافًا لِمَنْ نَظَرَ فِيهَا لِأَنَّهَا فِي ضِمْنِ عَقْدٍ كَمَا فِي تَرْكِ الْفِعْلِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ: إنْ أَثْبَتَ الْخِيَارَ فَتَرَكَ الْبَائِعُ حَقَّهُ مِنْ الثِّمَارِ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَبُولِ وَسَقَطَ الْخِيَارُ كَمَا فِي تَرْكِ النَّعْلِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ اهـ.

وَفِي الْبَسِيطِ لَوْ قَالَ لَا تَفْسَخْ فَقَدْ وَهَبْتُ لَك الثِّمَارَ بَطَلَ خِيَارُهُ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ كَمَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ النَّعْلِ مُحَافَظَةً عَلَى لُزُومِ الْعَقْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّ النَّعْلَ صَارَ كَالْوَصْفِ لِلدَّابَّةِ وَهُوَ تَبَعٌ وَالْقَبُولُ فِيهِ هَيِّنٌ اهـ وَرَدَّ صَاحِبُ الْوَافِي احْتِمَالَهُ هَذَا الَّذِي أَبْدَاهُ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ قَالُوا وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ وَجَرَى الِاخْتِلَاطُ كَمَا سَبَقَ لَمْ يَنْفَسِخْ. بَلْ يُقَالُ لِلْبَائِعِ أَتَرْضَى أَنْ تَتْرُكَ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَ لَزِمَ الْبَائِعَ قَبُولُهُ فَإِنْ امْتَنَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ قُلْنَا يُدْعَى الْبَائِعُ إلَى تَرْكِ حَقِّهِ وَلَا يُدْعَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُنَاكَ هُوَ الثَّمَرَةُ فَإِذَا تَرَكَ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ لَا يَبْقَى فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ شَيْءٌ وَهُنَا الْمَبِيعُ هُوَ الشَّجَرَةُ فَتَرْكُ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ لِلْبَائِعِ لَا يُخْلِي الثَّمَن عَنْ الْعِوَضِ.

أَمَّا إذَا تَشَاحَّا.

ص: 245

فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ هَذَا حَاصِلُ مَا قَرَّرُوهُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَهَذَا كَمَا تَرَى سِيَّمَا مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ ظَاهِرٌ فِيمَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى الْقَبُولِ فِيهِ هُنَا وَثَمَّ مَصْلَحَةُ إمْضَاءِ الْعَقْدِ وَالْمُسَامَحَةِ هُنَا وَثَمَّ مُزِيلَةٌ لِلضَّرَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يُوجِبُ الْقَوْلَ فِي تِلْكَ بِمَا قَالُوا فِي هَذِهِ لِاتِّحَادِهَا مَعَهَا وَلَا نَظَرَ لِلْمِنَّةِ لِمَا مَرَّ وَلَا إلَى أَنَّ مِنْ شَأْنِ الثِّمَارِ أَنَّهُ يُتَسَامَحُ بِهَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ يَعُمُّ سَائِرَ الْمِثْلِيَّاتِ وَإِنْ كَثُرَتْ وَلَا إلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَسْأَلَةِ النَّعْلِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ احْتِمَالَ الْغَزَالِيِّ الْمَبْنِيَّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ.

الْأَمْرُ السَّادِسُ قَوْلُهُمْ يَتَخَيَّرُ الْمُسْتَأْجِرُ بِانْقِطَاعِ مَاءِ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلزِّرَاعَةِ وَلَهَا مَاءٌ مُعْتَادٌ لِلْعَيْبِ إلَّا أَنْ أَبْدَلَهُ الْمُؤَجِّرُ بِمَاءٍ آخَرَ وَوَقْتُ الزِّرَاعَةِ بَاقٍ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِزَوَالِ مُوجِبِهِ.

فَتَأَمَّلْ كَيْف جَعَلُوا سُوقَ الْمَاءِ إلَيْهَا مِنْ مَكَان آخَرَ مُوجِبًا لِإِزَالَةِ سَبَبِ الْخِيَارِ مِنْ التَّضَرُّرِ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ فَكَذَا الْمُسَامَحَةُ هُنَا مُوجِبَةٌ لِإِزَالَةِ سَبَبِ الْخِيَارِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.

الْأَمْرُ السَّابِعُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ خُذْ أُجْرَتَك وَدَعْنَا نَكُونُ شُرَكَاءَ صَاحِبِ الثَّوْبِ أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي أَخْذِ أُجْرَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالُوا لِلْبَائِعِ لَا تَفْسَخْ وَنُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ. لِاحْتِمَالِ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ بِظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُزَاحِمُهُ وَمِمَّا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ الْفَرْقَ الصَّحِيحَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ مَا ذَكَرْتُهُ لَا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ إجْبَارِهِ فِي الثَّانِيَةِ تَحَمُّلُهُ لِمِنَّتِهِمْ لِأَنَّ هَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ بِالْإِجْبَارِ فِي الْأَوْلَى مَعَ أَنَّ فِيهِ تَحَمُّلَ مِنَّتِهِمْ فَالْوَجْهُ فِي الْفَرْقِ هُوَ خَشْيَةُ لُحُوقِ الضَّرَرِ وَعَدَمِهَا ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته حَيْثُ قَالَ فِي تَوَسُّطِهِ وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِالْمِنَّةِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ.

إذْ قَدْ تَكُونُ الْمِنَّةُ لَهُ بِأَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ تُسَاوِي ضِعْفَ ثَمَنِهَا فَيَكُونُ الْحَظُّ لَهُمْ اهـ فَإِنْ قُلْت: جَمِيعَ مَا ذَكَرْتُهُ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرُوهُ فِي أَنَّ الْإِعْرَاضَ أَوْ الْهِبَةَ يَكُونُ مُسْقِطًا إنَّمَا هُوَ فِي أُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَبِيعِ وَتَتَّصِلُ بِهِ فَلِذَا تَسَامَحُوا فِيهَا وَجَعَلُوا الْمُسَامَحَةَ بِهَا مُسْقِطَةً لِلْخِيَارِ وَمَسْأَلَةُ السُّؤَالِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ قُلْتُ: مُجَرَّدُ التَّعَلُّقِ وَالِاتِّصَالِ بِالْمَبِيعِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ بِالْمُسَامَحَةِ. كَمَا عَلِمْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَّلُوا بِهِ رِعَايَةُ مَصْلَحَةِ إمْضَاءِ الْعَقْدِ تَارَةً وَزَوَالُ الضَّرَرِ تَارَةً أُخْرَى وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ لِاطِّرَادِهَا بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهَا تَقْتَضِي سُقُوطَ الْخِيَارِ بِقَوْلِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي:

خُذْ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَأَمْسِكْهُ وَقَدْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ إنَّمَا هُوَ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُفَهُ شَيْءٌ آخَرَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّرَرَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ تَعَلُّقٌ بَلْ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقٌ تَامٌّ مِنْ حَيْثُ اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا لَفْظًا وَكَذَا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَلَمْ يَقْطَعُوا النَّظَرَ عَمَّا فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ بَلْ جَعَلُوهُ مَنْظُورًا إلَيْهِ بَلْ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقِ أَقْوَى مِنْ النَّظَرِ إلَى نَحْوِ الثِّمَارِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَاخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِهَا فَإِنْ قُلْت: قَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِالْمُسَامَحَةِ.

وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ بَاعَهُ أَرْضًا. أَوْ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ فَخَرَجَتْ زَائِدَةً أَوْ نَاقِصَةً صَحَّ الْبَيْعُ لِلْإِشَارَةِ وَخُيِّرَ مَنْ عَلَيْهِ الضَّرَرُ وَهُوَ الْبَائِعُ فِي الزِّيَادَةِ وَالْمُشْتَرِي فِي النَّقْصِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْبَائِعِ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي لَهُ لَا تَفْسَخْ وَأَنَا أَقْنَعُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ شَائِعًا وَلَك الزِّيَادَةُ وَلَا بِقَوْلِهِ لَا تَفْسَخْ وَأَنَا أُعْطِيكَ ثَمَنَ الزَّائِدِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِحَطِّ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ النَّقْصِ قُلْت: لَا تَأْيِيدَ فِي هَذَا لِعُمُومِ سُقُوطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي بِالْمُسَامَحَةِ. بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ فِيهِ تَأْيِيدٌ لِسُقُوطِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْبَائِعِ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي أَقْنَعُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ شَائِعًا وَلَك الزِّيَادَةُ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْمُشْتَرِي شَائِعًا يَجُرُّ ضَرَرَ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَلَا بِقَوْلِهِ أَعْطَيْتُك ثَمَنَ الزَّائِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِهِ تَمْلِيكِ مَالِهِ لِغَيْرِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ أَيْ: وَهَذَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْبَائِعِ فَعُلِمَ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُشْتَرِي فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ لُحُوقُ الضَّرَرِ بِهِ لَوْ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَأَمَّا

ص: 246

مَسْأَلَتُنَا فَإِجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَبُولِ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَا قِيَاسَ بَيْنَ هَذَا وَمَسْأَلَتِنَا وَأَمَّا عَدَمُ سُقُوطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي بِحَطِّ الْبَائِعِ قَدْرَ النَّقْصِ فَسَبَبُهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْ قَدْرَ النَّقْصِ حَتَّى يَحُطَّ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْعَقْدُ مُقَابِلًا فِيهِ الثَّمَنَ جَمِيعَهُ بِهَذَا الْقَدْرِ الْمَوْجُودِ وَهَذَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُ خِلَافُ مَا شَرَطَهُ، وَحَطُّ الْبَائِعِ لَهُ مَا ذَكَرَ لَا يُزِيلُ ضَرَرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَطُّ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ فَلَا يُسَمَّى حَطًّا وَلَا يَزُولُ بِهِ الضَّرَرُ الْمُقْتَضِي لِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْ قَدْرَ النَّقْصِ قَوْلُهُمْ وَإِذَا أَجَازُوا فَبِالْمُسَمَّى لَا بِقِسْطِهِ لِأَنَّ الْمُتَنَاوَلَ بِالْإِشَارَةِ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ لَا غَيْرُ وَإِذَا أَجَازَ الْبَائِعُ فَالْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُطَالِبُهُ لِلزِّيَادَةِ بِشَيْءٍ اهـ.

وَبِهَذَا يَزِيدُ اتِّضَاحُ فُرْقَانِ مَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا لَمْ يَقَعُ انْعِقَادُ الْعَقْدِ فِيهَا مُقَابِلًا فِيهِ الثَّمَنَ جَمِيعَهُ بِالْمُسْتَحَقِّ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الِانْعِقَادُ فِيهَا مُقَابِلًا فِيهِ غَيْرَ الْمُسْتَحَقِّ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَأَمَّا الْمُسْتَحَقُّ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَا فِيمَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي فِيهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْقِسْطُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ قُلْت: مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِهِ تَمْلِيكِ مَالِهِ لِغَيْرِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ لَهُ لِعَيْنِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ ذَاكَ فِيهِ ضَرَرٌ بِخِلَافِ هَذَا فِيهِ خَفَاءٌ قُلْت: وَيَزُولُ هَذَا الْخَفَاءُ بِزِيَادَةِ إيضَاحِ مَا ذَكَرْتُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَقَرَّرَ مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَنَاوَلَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ الْمَوْجُودِ فِي حَالَتَيْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ.

وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَجَازَ الْبَائِعُ كَانَ الْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُطَالِبُهُ لِلزِّيَادَةِ بِشَيْءٍ فَالزِّيَادَةُ وَقَعَتْ هِيَ وَالْقَدْرُ الْمَشْرُوطُ مُقَابَلَيْنِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ لَهُ بِتَنَاوُلِ الْعَقْدِ أَزْيَدَ مِنْ الْمَشْرُوطِ. وَقَوْلُ الْمُشْتَرِي أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ لَا يَدْفَعُ الْمُقَابَلَةَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي حَصَلَ الضَّرَرُ الْمُقْتَضِي لِلْخِيَارِ بِسَبَبِهَا فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورُ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ لِبَقَاءِ مَا حَصَلَ الضَّرَرُ بِسَبَبِهِ مَعَ قَوْلِهِ ذَلِكَ وَعَدَمِ زَوَالِهِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَالْمَآلُ مِنْ عِلَّتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ مُتَنَاوِلًا لِلزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْإِشَارَةِ فِيهِ لِجَمِيعِ الْمَوْجُودِ كَانَ فِي قَوْلِ الْمُشْتَرِي أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ إلْزَامٌ لِلْبَائِعِ بِتَمَلُّكِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. مَعَ أَنَّ ذَلِكَ التَّمَلُّكَ لَا يَدْفَعُ السَّبَبَ الْمُقْتَضِي لِاخْتِيَارِهِ لِبَقَائِهِ.

وَإِنْ فَرَضْنَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الثَّمَنَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ تَنَاوُلُ الْعَقْدِ لِلزِّيَادَةِ أَيْضًا وَهَذَا التَّنَاوُلُ مَوْجُودٌ سَوَاءٌ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَمَلُّكِ الثَّمَنِ أَمْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَإِذْ قَدْ اتَّضَحَ ذَلِكَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ الْمُصَرِّحِ بِهِ كَلَامُهُمْ فَكَيْف يُتَوَهَّمُ مُشَابَهَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ مَسْأَلَتَنَا سَبَبُ الْخِيَارِ فِيهَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَهَذَا السَّبَبُ يَنْتَفِي بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ بِمَا وَقَعَ التَّفْرِيقُ بِسَبَبِهِ فَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُ وَسَقَطَ بِهِ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ بِوَجْهٍ فَإِنْ قُلْت: مَا ذَكَرْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِهَا لِكَوْنِ الْبُقْعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ مُتَّصِلَةً بِغَيْرِ الْمُسْتَحَقَّةِ أَوْ هُوَ عَامٌّ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا.

قُلْت بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِيهَا وَثَبَتَ بِسَبَبِ ذَلِكَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدًا وَأَرْضًا فِي صَفْقَةٍ. فَبَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ حِينَ الْبَيْعِ وَكَانَ عِنْدَ التَّبَيُّنِ مِلْكًا لِلْبَائِعِ أَوْ بَادَرَ الْبَائِعُ وَمَلَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْطُلَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَمَّا أَرَادَ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ بِسَبَبِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ بَادَرَ الْبَائِعُ وَسَامَحَهُ بِهِ فَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَيَسْقُطُ بِهِ خِيَارُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا قَرَّرْته صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ لَيْسَ هُوَ اتِّصَالُ الْمُسْتَحَقِّ بِغَيْرِهِ حِسًّا وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ بِالْمُسَامَحَةِ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي.

وَيَزُولُ بِهَا السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِخِيَارِهِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ مَعَ رُجُوعِ مَا قَابَلَ الْفَاسِدَ مِنْ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَإِنَّا وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ قَبُولَ الْمُسَامَحَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا نُلْزِمُهُ بِالْإِجَازَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بَلْ بِقِسْطِهِ الصَّحِيحِ مِنْ الثَّمَنِ فَحَصَلَ لَهُ الْمَمْلُوكُ بِقِسْطِهِ وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ بِلَا شَيْءٍ وَبِحُصُولِهِ لَهُ يَزُولُ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِخِيَارِهِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَلِذَا سَقَطَ بِهِ خِيَارُهُ.

ص: 247

فَإِنْ قُلْت: مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ أَنَّهُ هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الْمُبَادَرَةُ بِالْفَسْخِ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ الْبَائِعُ وَيَسْمَحُ لَهُ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِذَلِكَ إلَّا بِمُشَاوِرَةِ الْبَائِعِ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ فَهَلْ يَأْتِي ذَلِكَ هُنَا قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَأْتِي ذَلِكَ هُنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الرَّاجِحُ هُنَا الْأَوَّلُ.

وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الرَّاجِحَ الثَّانِي وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ ثُمَّ الْمُخْتَلَطَ مُتَحَقِّقٌ فَوَجَبَتْ مُشَاوَرَتُهُ لِيَنْظُرَ هَلْ يَسْمَحُ أَوْ لَا وَأَمَّا هُنَا فَمِلْكُ الْبَائِعِ لَمَّا فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ بَلْ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ الْبَحْثُ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت: قَدْ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ وَصُورَتُهُ أَنْ يُعْرَضَ لَهُ أَمْرٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهُ بِأَنْ عَرَضَ مَا لَا يُنَافِي الْفَوْرِيَّةَ كَأَكْلٍ أَوْ حَمَامٍ وَعُلِمَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّ الْبَائِعَ مَلَكَ الْمُسْتَحَقَّ فَهَلْ يَتَّجِهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُشَاوَرَةُ الْبَائِعِ؟ قُلْت: لَا يَتَّجِهُ وُجُوبُ مُشَاوَرَتِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ وَكَانَ مَعْذُورًا فِي ذَلِكَ فَسَاغَ لِلْمُشْتَرِي الْمُبَادَرَةُ بِالْفَسْخِ مَا لَمْ يُبَادِرْ بِالْمُسَامَحَةِ هُوَ وَيَسْمَحُ قَبْلَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ خِيَارُهُ.

فَإِنْ قُلْت مَرَّ ثُمَّ كَلَامُ الْمُهِمَّاتِ فِي مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَإِنَّهُ مَرْدُودٌ فَهَلْ يَجْرِي نَظِيرُهُ هُنَا؟ قُلْت: نَعَمْ يَجْرِي ذَلِكَ جَمِيعُهُ هُنَا بِجَامِعِ أَنَّ مُوجِبَ الْخِيَارِ هُنَا وَثَمَّ الْعَيْبُ كَمَا مَرَّ وَلَا دَخَلَ لِلْحَاكِمِ فِي الرَّدِّ بِهِ فَإِنْ قُلْت: قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي ثَمَّ وَتَمَلَّكَ الثَّمَرَةَ هُنَا بِالْإِعْرَاضِ كَالْإِعْرَاضِ عَنْ السَّنَابِلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ النَّعْلَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا لِأَنَّ عَوْدَهَا إلَى الْبَائِعِ مُتَوَقَّعٌ وَلَا سَبِيلَ هُنَا إلَى تَمْيِيزِ حَقِّ الْبَائِعِ. اهـ فَهَلْ يُقَالُ بِذَلِكَ هُنَا أَيْضًا، قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ مَا يَأْتِي مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِعْرَاضِ عَنْ النَّعْلِ وَعَنْ نَحْوِ كِسْرَةِ الْخُبْزِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ الْإِعْرَاضَ هُنَا وَعَنْ النَّعْلِ سَوَاءٌ وَيُرَدُّ فَرْقُهُ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ هُنَا مُتَوَقَّعٌ أَيْضًا فَهُوَ كَعَوْدِ النَّعْلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَعَلَى قِيَاسِ النَّعْلِ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى ثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ وَعَلِمَ بِتَمْيِيزِهَا بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ بِإِخْبَارِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَوْ بِخَبَرِ نَبِيٍّ مَثَلًا وَجَبَ رَدُّهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَحْ بِهَا مُطْلَقًا بَلْ لِلْخَوْفِ مِنْ الْفَسْخِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

فَإِذَا عُلِمَتْ بِطَرِيقِهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ وَلَوْ أَكَلَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّبَيُّنِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا فَلَا ضَمَانَ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ النَّعْلَ فِي رِجْلِ الدَّابَّةِ حَتَّى بَلِيَ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ لَكِنَّهُ فِقْهٌ ظَاهِرٌ وَالْقَوَاعِدُ تَشْهَدُ لَهُ اهـ لَا يُقَالُ تَوَقُّعُ عَوْدِ النَّعْلِ أَقْرَبُ مِنْ تَوَقُّعِ التَّمْيِيزِ كَمَا لَا يَخْفَى لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ مَا قَالَهُ عَلَى أَنَّ نَفْيَ السَّبِيلِ إلَى التَّمْيِيزِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ السَّبِيلَ إلَيْهِ مُمْكِنٌ سِيَّمَا وَكَلَامُهُمْ كَالْمُصَرِّحِ أَوْ مُصَرِّحٌ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي عَدَمِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْإِعْرَاضِ ثُمَّ لَوْ فُرِضَ اعْتِمَادُ مَا قَالَهُ فَلَا يَأْتِي نَظِيرُهُ هُنَا لِأَنَّ عِلَّتَهُ لَا تَجْرِي هُنَا لِتَمَيُّزِ الْمُعْرَضِ عَنْهُ هُنَا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ إذَا أَعْرَضَ الْبَائِعُ عَنْهُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ لَهُ وَقَبِلَهُ بِشَرْطِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِي نَحْوِ الثِّمَارِ لَا يَضْمَنُهَا.

وَقَاسَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّعْلِ قُلْت: نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الَّذِي فَسَدَ الْعَقْدُ فِيهِ تَفُوتُ عَيْنُهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُشْبِهُ مَا فَرَضَ الزَّرْكَشِيُّ الْكَلَامَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ وَنَحْوِهَا أَمَّا فِي نَحْوِ الْأَرَاضِي فَلَا يَأْتِي فِيهِ ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ عَادَ فِيهِ الْبَائِعُ فَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْمُدَّةِ الَّتِي انْتَفَعَ بِهِ فِيهَا لِأَنَّ الْمُعْرَضَ عَنْهُ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَالْمُعَارِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرْته فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ وَعِبَارَتُهَا وَالْمُرَادُ بِالْإِعْرَاضِ هُنَا خِلَافُ مَا قَالُوهُ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ نَحْوِ كِسْرَةِ خُبْزٍ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ إمَّا مُطْلَقٌ بِأَنْ يَحْصُلَ بِالِاخْتِيَارِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَإِذَا أَخَذَهُ الْغَيْرُ مَلَكَهُ وَلَيْسَ لِمَالِكِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ وَإِمَّا مُقَيَّدٌ كَمَا هُنَا فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ اتِّصَالِهِ بِالدَّابَّةِ.

فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهَا عَادَ إلَى مَالِكِهِ وَوَجَبَ رَدُّهُ عَلَيْهِ عَقِبَ السُّقُوطِ فَوْرًا وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِالرَّدِّ فِي كَلَامِهِمْ وَأَنْ يُقَالَ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ حَقِيقَةً كَالْعَارِيَّةِ بِجَامِعِ أَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَكَمَا لَزِمَهُ ثَمَّ

ص: 248

بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَارِيَّةِ الرَّدُّ فَكَذَلِكَ هُنَا وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ فَإِنْ قُلْت: أَطْلَقَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ بِالتَّصَرُّفِ وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ عَارِيَّةً؟ قُلْت: مُرَادُهُ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ النَّقْلِ عَنْ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ مَا نَظَرَ بِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ النَّعْلِ حَتَّى بَلِيَ فَإِنْ قُلْت: مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْأَحْجَارِ قَوْلُهُمْ وَهَذَا التَّرْكُ إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهَا فَإِذَا عَادَ رَجَعَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ هُنَا قُلْت: نَعَمْ.

فَإِذَا أَعْرَضَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي عَمَّا فَسَدَ فِيهِ الْعَقْدُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الْقَبُولُ فَلَهُ حِينَئِذٍ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ الْمُعْرَضِ عَنْهُ لَكِنْ بِالِانْتِفَاعِ وَلَوْ بِإِيجَارِهِ لِلْغَيْرِ لَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ ثُمَّ إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ فِيهِ عَادَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يَرْجِعْ فَسَبَبُ الْخِيَارِ مُنْتَفٍ فَإِذَا رَجَعَ عَادَ سَبَبُ الْخِيَارِ فَإِنْ قُلْت: هَذَا فِيهِ ضَرَرٌ كَبِيرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمُعْرَضِ عَنْهُ إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ قُلْت: لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا الِانْتِفَاعَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَبْذُلْ الْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْئًا فَهُوَ مَحْضُ رِبْحٍ اسْتَفَادَهُ لِأَنَّ مَا بَذَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الَّذِي صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ وَهَذَا الَّذِي فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ إنَّمَا اسْتَفَادَهُ فِي مُقَابَلَةِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ وَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ الِانْتِفَاعُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَانَ ذَلِكَ غَايَةً فِي مُرَاعَاةِ جَانِبِهِ وَغَايَتَهُ فِي الرِّبْحِ.

فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ سِيَّمَا وَخِيَارُهُ أَوْ خِيَارُ وَارِثِهِ يَعُودُ بِعَوْدِ الْبَائِعِ أَوْ وَارِثِهِ فِي ذَلِكَ الْمُعْرَضِ عَنْهُ وَعَلَى فَرْضِ الْمُحَالِ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي ذَلِكَ فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ لِعَيْنِ مَا قَالُوهُ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ الْأَحْجَارِ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُهَا بِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفٌ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَكَمَا لَمْ يَنْظُرُوا هُنَا إلَى تَضَرُّرِهِ إنْ فُرِضَ وَأَسْقَطُوا خِيَارَهُ بِالتَّرْكِ مَعَهُ فَكَذَلِكَ لَوْ فُرِضَ تَضَرُّرُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ هَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَعَلَّ اللَّهَ يَفْتَحُ فِيهَا بِمَا نُرِيدُهَا إيضَاحًا وَبَيَانًا جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ لَجَأَ فِي مُهِمَّاتِهِ إلَيْهِ وَعَوَّلَ فِيمَا يَرْتَبِكُ فِيهِ مِنْ الْمَضَايِقِ وَيَنُوبُهُ مِنْ الْمَتَاعِبِ عَلَيْهِ وَأَمَدَّنَا بِتَوْفِيقٍ بَدِيعٍ مِنْ عِنْدَهُ لَا يُبْقِي فِينَا ذَرَّةً لِغَيْرِهِ وَأَدَامَ عَلَى قُلُوبِنَا شُهُودَ الْعَامَّةِ وَسَوَابِغَ بِرِّهِ وَخَيْرِهِ وَخَتَمَ لَنَا بِالْحُسْنَى وَبَلَّغْنَا مِنْ فَضْلِهِ الْمَقَامَ الْأَسْنَى فَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

وَإِلَيْهِ مَفْزَعُنَا فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْحَلِيمِ الْكَرِيمِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَبَاطِنًا وَظَاهِرًا وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ الْأَكْمَلَانِ الْأَزْكَيَانِ الْأَنْمَيَانِ الْأَطْيَبَانِ عَلَى خُلَاصَةِ سِرِّ الْوُجُودِ وَعَيْنِ التَّعَيُّنَاتِ فِي مَقَامَيْ التَّجَلِّي وَالشُّهُودِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَخُلَفَائِهِ وَوَارِثِيهِ وَأَتْبَاعِهِ وَمُحِبِّيهِ مَا قَامَ لِلَّهِ بِنُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ قَائِمٌ فَأَظْهَرَ الْحَقَّ وَنَاضَلَ عَنْهُ بِسِنَانِهِ وَقَلَمِهِ وَلِسَانِهِ وَلَمْ يَخْشَ فِي اللَّه لَوْمَةَ لَائِمٍ وَأَعِذْنَا اللَّهُمَّ مِنْ شُؤْمِ نُفُوسِنَا وَمُنَّ عَلَيْنَا بِطَوَاعِيَّتِهَا لَنَا حَتَّى نَسْتَرِيحَ مِنْ شُرُورِهَا وَارْزُقْنَا الْإِخْلَاصَ حَتَّى نَدْأَبَ فِي تَطْهِيرِهَا مِنْ خَبَائِثِهَا وَتَتَوَالَى عَلَيْهَا بَشَائِرُ سُرُورِهَا وَاصْحَبْ ذَلِكَ كُلَّهُ بِرِضَاكَ عَنَّا إلَى أَنْ نَلْقَاك عَلَى ذَلِكَ فَنُرْفَعَ فِي دَارِ شُهُودِك عَلَى أَعْلَى الْأَرَائِكِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. مَعَ مَنْ أَخْبَرْت عَمَّا لَهُمْ عَلَيْك فِي تِلْكَ الدَّارِ بِقَوْلِك {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] .

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ ثَوْبًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَقَبَضَ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ وَتَأَخَّرَ لَهُ بَعْضُ الثَّمَنِ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ جَاءَ إلَى الْمُشْتَرِي وَطَالَبَهُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَاخْتَصَمَا ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ سَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَهُ أَقَلْتُكَ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الثَّوْبَ فَظَهَرَ أَنَّ الثَّوْبَ رَهَنَهُ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورُ تَحْتَ يَدِ شَخْصٍ ثَالِثٍ عَلَى دَيْنٍ لَهُ فَهَلْ هَذِهِ الْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا لِكَوْنِ الثَّوْبِ مَرْهُونًا تَحْتَ يَدِ شَخْصٍ آخَرَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ إنْ قُلْنَا بَيْعٌ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَالْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ اهـ وَمِنْهَا يُعْلَمُ جَوَازُهَا وَلَوْ بَعْدَ الرَّهْنِ وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمَطْلَبِ وَغَيْرِهِ مِنْ

ص: 249

صِحَّتِهَا فِي الْآبِقِ قَالُوا لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّلَفِ وَهِيَ تَصِحُّ فِي التَّالِفِ فَأُولَى الْآبِقُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ رَدُّ نَحْوِ الْآبِقِ وَالْمَرْهُونِ الْمَقْبُوضِ بِعَيْبٍ لِأَنَّ الرَّدَّ يُرَدُّ عَلَى الْمَرْدُودِ وَلَا مَرْدُودَ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ كَالْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ أَنَّ الْبَائِعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ وَأَنْ يَصْبِرَ إلَى فِكَاكِ الرَّهْنِ وَيَأْخُذُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِهِ فِي الرَّوْضِ فَرْعُ إنَّمَا تُقْبَلُ دَعْوَى جَهْلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَرِيبًا أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَتُقْبَلُ فِي جَهْلِ كَوْنِهِ أَيْ: الرَّدِّ فَوْرًا مِنْ عَامِّيٍّ يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَيْهِ كَمْ حَدَّ هَذَا الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَمَنْ الْعَامِّيُّ؟

(فَأَجَابَ) رضي الله عنه الَّذِي يَتَّجِهُ فِي ضَابِطِ الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ فِيمَا ذُكِرَ وَفِي نَظَائِرِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّعِي الَّذِي جَهِلَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مَتَى كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ يَلْزَمُهُ السَّفَرُ مِنْهَا لِلتَّعَلُّمِ لَمْ يُعْذَرْ فِي دَعْوَاهُ ذَلِكَ وَمَتَى كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ مِنْهَا لِلتَّعَلُّمِ عُذِرَ وَضَابِطُ لُزُومِ السَّفَرِ لَهُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ وَإِنْ طَالَ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَمَعْنَى قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَطِيعَهُ.

وَيَنْبَغِي ضَبْطُ الِاسْتِطَاعَةِ هُنَا بِالِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا لِلْحَجِّ فَإِنْ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنهمَا بِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ فَوْرِيٌّ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي قُلْت: هِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْحَجِّ وَإِنْ وَجَبَ فَوْرًا هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ سَمِعَ فِي مَحِلِّهِ بِإِحْكَامِ الشَّرْعِ فَحِينَئِذٍ يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْته أَمَّا إذَا لَمْ يَسْمَعْ فِيهِ بِذَلِكَ بِأَنْ خَلَّى مَحِلُّهُ الَّذِي هُوَ فِيهِ عَمَّنْ يَعْرِفُ حُكْمَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَهُوَ مَعْذُورٌ سَوَاءٌ أَقَرُبَ مَحِلُّهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَمْ بَعُدَ عَنْهُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته آخِرَ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ عَنْ الْكَافِي فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتِنَا وَفِي حُكْمِ مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ لَمْ يَسْمَعْ فِيهَا بِإِحْكَامِ الشَّرْعِ أَيْ الْأَحْكَامِ الَّتِي فِيهَا نَوْعُ خَفَاءٍ لَا كُلِّ أَحْكَامِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْبُعْدِ هُنَا وَفِي نَظَائِرِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَحِلِّهِ وَمَحِلِّ الْعُلَمَاءِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَوْ أَكْثَرُ لَكِنْ عَسُرَ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ لِبَلَدِ الْعُلَمَاءِ لِخَوْفٍ أَوْ عَدَمِ زَادٍ أَوْ ضَيَاعِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِوُجُوبِ الْحَجِّ.

فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْذُورًا فِي دَعْوَاه جَهْلَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَظَائِرِهِ وَأَمَّا إذَا انْتَفَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّفَرُ لِتَعَلُّمِ الْمَسَائِلِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْخَفِيَّةِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ وَالْمُرَادُ بِالْعَامِّيِّ مَنْ يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ الظَّاهِرَةَ دُونَ الْخَفِيَّةِ وَمِنْ ثَمَّ فَرَّقُوا هُنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ قَرُبَ إسْلَامُهُ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا فَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ جَهْلِ أَصْلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَجْهَلُهُ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجْهَلُهُ لِظُهُورِهِ لِأَكْثَرِ النَّاسِ وَمَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عُدَّ مُفْرِطًا وَمُغْفَلًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَأَمَّا دَعْوَى الْجَهْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ فَيُقْبَلُ حَتَّى مِنْ الْعَامِّيِّ لِأَنَّ أَكْثُرَ الْعَوَامّ يَجْهَلُ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَصْحَابُنَا الْغَالِبُ أَنَّ مَنْ عَلِمَ ثُبُوتَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَعْلَمُ صِفَتَهُ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُسَلَّمٌ لَهُ مَا ذَكَرَهُ إذْ لَا غَالِبَ فِي ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْعَامِّيِّ فِي عُرْفِ الْأُصُولِيِّينَ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ فَالْمُقَلِّدُونَ كُلُّهُمْ عَوَامُّ عِنْدَهُمْ وَإِنْ جَلَّتْ مَرَاتِبُهُمْ وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَعْرِفُ الظَّاهِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْغَالِبَةِ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ الْأَحْكَامِ الْخَفِيَّةِ وَدَقَائِقِهَا وَالْأَحْكَامِ النَّادِرَةِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ عَلَّقَ شَرِيكَانِ فِي عَبْدٍ عِتْقَ نَصِيبِهِمَا بِمُتَنَاقِضٍ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ فَبَاعَا نَصِيبَهُمَا لِثَالِثٍ عَتَقَ عَلَيْهِ النِّصْفَ إنْ كَانَ بَيْنُهُمَا أَنْصَافًا وَإِلَّا فَأَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ فَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الْعَبْدِ عَيْبًا هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْأَرْشُ وَإِذَا ثَبَتَ فَعَلَى مَنْ يَرْجِعُ بِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْقِيَاسُ الثُّبُوتُ وَأَنَّهُ مَوْقُوفٌ إلَى الْبَيَانِ نَعَمْ لَوْ مَاتَا وَوَرِثَهُمَا وَاحِدٌ وَالثَّمَنُ فِي مِلْكِهِمَا فَالْقِيَاسُ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ وَعَلَى الْوَارِثِ إعْطَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ هَلْ يُقَالُ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكِ كَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ قَبُولُهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ التَّوْكِيلِ فَيَأْتِي فِي قَبُولِهِ الْخِلَافُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى تَصْرِيحِ الْبَغَوِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ وَوَالِدُ الرُّويَانِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ كَافِرٍ وَالْمَبِيعُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ مُحَرِّمٍ وَالْمَبِيعُ صَيْدٌ وَإِنْ خَالَفَهُ وَلَدُهُ وَأَنَّ الشَّارِطَ لَوْ مَاتَ لَمْ يُبْطِلْ خِيَارَ الْأَجْنَبِيِّ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ إذْ لَوْ

ص: 250

لَانْعَزَلَ بِالْعَزْلِ وَلَجَازَ شَرْطُهُ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُحْرِمًا فِي مُسْلِمٍ وَصَيْدٍ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي شِرَاءِ الْمُسْلِمِ وَلَا يُعْزَلُ بِمَوْتِهِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ ضَبْطُهُمْ الْعَيْبَ الْمُثْبِتَ لِلْخِيَارِ بِمَا يُنْقِصُ الْعَيْنَ أَوْ الْقِيمَةَ إلَخْ مَنْقُوضُ الْعَكْسِ بِمَا إذَا اشْتَرَى مَنْ وَجَدَ بِهِ بَرَصًا وَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ بَرَصًا آخَرَ لَا يُنْقِصُ الْقِيمَةَ فَإِنَّ هَذَا الْبَرَصَ الْآخَرَ عَيْبٌ يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ وَلَا يُنْقِصُ عَيْنًا وَلَا قِيمَةً؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَرُدُّ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ لِنَقْصِهِ الْقِيمَة فِي نَفْسِهِ لَوْ انْفَرَدَ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بِهِ نَقْصٌ بِوَاسِطَةِ انْضِمَامِهِ إلَى مِثْلِهِ الَّذِي خَرَجَ بِسَبَبِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُنَقِّصًا فَأَشْبَهَ مَا إذَا اشْتَرَى مَرِيضًا فِي النَّزْعِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يُنْقِصُ الْقِيمَةَ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَا يُنْقِصُهَا هُنَا لِوُجُودِ هَذَا الْمَرَضِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ مُنْقِصًا مُثْبِتًا لِلرَّدِّ فَيُرَدُّ بِهِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه وَرَحِمَهُ عَمَّنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ وَلَدُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَى الْوَلَدِ الْقَاطِعِ فَمَا حُكْمُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ لَزِمَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْبَائِعِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ كُلُّ الثَّمَنِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ حُدُوثِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِهِ كَتَعْيِيبِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ عَيَّبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا خِيَارَ لَهُ لِحُصُولِ النَّقْصِ بِفِعْلِهِ بَلْ يَمْتَنِعُ بِسَبَبِهِ الرَّدُّ بِسَائِرِ الْعُيُوبِ الْقَدِيمَةِ وَيُجْعَلُ قَابِضًا لِبَعْضِ الْمَبِيعِ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّ إتْلَافَ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الْمَنْسُوبِ إلَى رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ لَا يُجْعَلُ قَابِضًا لِشَيْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْيَدِ بِأَرْشِهَا الْمُقَرَّرِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ اهـ وَمَفْهُومُهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ إذَا عَيَّبَ الْمَبِيعَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَهُوَ وُجُودُ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ فَلَا يَكُونُ الْعَيْبُ سَابِقًا عَلَيْهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ لِذَلِكَ لَا لِأَنَّ الْعَيْبَ فِعْلُ الْمُشْتَرِي قَالَ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْخِيَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ وُجُودَ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي إذَا تَحَقَّقَ سَبَبُهُ كَالْخِيَارِ لِلْعَيْبِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْعَقْدِ إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ عَيَّبَ عَبْدًا مَثَلًا فِي يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِشَرْطِهِ.

وَكَالْخِيَارِ الْعَيْبُ الْوَاقِعُ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَائِعِ إذَا قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِبَائِعِهِ ثُمَّ عَيَّبَهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ غَايَةَ تَعْيِيبِهِ إيَّاهُ أَنْ يَكُونَ قَبْضًا إذَا صَدَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ لَا أَثَرَ لَهُ هُنَا مَعَ مَنْعِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ الْوَاقِعَ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَائِعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَيُثْبِتُ الْخِيَارُ هُنَا أَيْضًا لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ وَصْفَ كَوْنِ الْعَيْبِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي طَرْدِيٌّ لَا أَثَرَ لَهُ وَأَنَّ مَدَارَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ عَلَى وُجُودِ سَبَبِهِ وَعَدَمِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ التَّلَفَ يَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ إذَا وَقَعَ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَقْوَالِ الْمِلْكِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِتْلَافِ الْمُشْتَرِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا شَكَّ أَنَّ وِزَانَ التَّعْيِيبِ فِي اقْتِضَاءِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وِزَانُ التَّلَفِ فِي اقْتِضَاءِ الِانْفِسَاخِ فَمَنْ اقْتَضَتْ مُبَاشَرَتُهُ التَّلَفَ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ تَقْتَضِي مُبَاشَرَتُهُ التَّعَيُّبَ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيهِ اهـ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَرَأَى بِهِ عَيْبًا وَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا رَضِيتُ لِأَنِّي ظَنَنْته الْعَيْبَ الْفُلَانِيَّ وَقَدْ بَانَ خِلَافَهُ فَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ أَمْكَنَ الِاشْتِبَاهُ وَكَانَ مَا بَانَ دُونَ مَا ظَنَّهُ أَوْ مِثْلَهُ فَلَا رَدَّ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ فَلَهُ الرَّدُّ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ اشْتَرَى عَيْنًا بِهَا أَثَرٌ وَقَدْ رَآهُ ثُمَّ قَالَ ظَنَنْته غَيْرَ عَيْبٍ فَبَانَ عَيْبًا فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَهُ الرَّدُّ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ اشْتَرَى بَذْرًا عَلَى أَنَّهُ يَنْبُتُ فَزَرَعَهُ فِي أَرْضٍ صَالِحَةٍ لِلْإِنْبَاتِ فَلَمْ يَنْبُتْ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ جَمَاعَةً اخْتَلَفَتْ فَتَاوِيهِمْ فِي ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَفْتَى آخَرُ بِأَنَّ الْبَائِعَ يَغْرَمُ لِلْمُشْتَرِي أُجْرَةَ الْبَقَرِ اللَّاتِي حَرَثَ عَلَيْهِنَّ وَجَمِيعَ الْخَسَارَةِ وَيَرُدُّ

ص: 251

إلَيْهِ جَمِيعَ قِيمَةِ الْبَذْرِ وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ وَلَا قِيَاسَ يُعَضِّدُهُ بَلْ الْوَجْهُ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْأَرْشَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَالِحًا لِلْإِنْبَاتِ وَغَيْرِ صَالِحٍ هَذَا إنْ كَانَ عَدَمُ إنْبَاتِهِ لِعَيْبٍ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لِنَحْوِ عَارِضٍ فِي الْأَرْضِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَلَوْ جَعَلَا الْإِنْبَاتَ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ وَأَرَادَا الصَّلَاحِيَةَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ أَوْ وُجُودَهُ بِالْفِعْلِ فَسَدَ الْعَقْدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَعَلَى الْبَائِعِ حِينَئِذٍ رَدُّ الثَّمَنِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْبَذْرِ أَوْ أَقْصَى قِيمَةً.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا لَا تَحِيضُ أَوْ يَطُولُ طُهْرُهَا فَهَلْ هُوَ عَيْبٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوَّلُ عَيْبٌ إنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ النِّسَاءُ غَالِبًا وَهُوَ عِشْرُونَ سَنَةً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَذَا الثَّانِي إذَا تَطَاوَلَ طُهْرُهَا بِحَيْثُ جَاوَزَ الْعَادَةَ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ.

(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ رَأَى فِيهَا عَيْبًا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ وَقِدَمُهُ فَاخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا وَهَلْ يَكْفِي قَوْلُ الْبَائِعِ لَا أَعْلَمُ فِيهَا عَيْبًا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَوْ لَا وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْيَمِينُ أَنَّهُ وَقْتَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الرَّدِّ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لَكِنْ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ فِي الْجَوَابِ وَالْحَلِفِ مَا عَلِمْت بِهَذَا الْعَيْبِ عِنْدِي وَيَكْفِي فِيهِمَا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ الرَّدُّ بِهِ أَوْ مَا أَقْبَضْتُهُ إلَّا سَلِيمًا أَوْ أَقَبَضْتُهُ وَمَا بِهِ مِنْ عَيْبٍ وَلَا يُمْكِنُ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ فِي الْجَوَابِ لَيْسَ بِقَدِيمٍ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ فَيَقُولُ لَقَدْ بِعْته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَإِذَا أَجَابَ جَوَابًا صَحِيحًا وَحَلَفَ حَلِفًا صَحِيحًا لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ رَدٌّ فَإِنْ قُدِّرَ ثُبُوتُ رَدٍّ لَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَقَدْ قَصَّرْتَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ وَثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ.

(وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ هَلْ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي الْعُمُومِ فِي الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَصْبٍ وَسَوْمٍ الْوَدِيعَةٍ إذَا تَعَدَّى عَلَيْهَا أَمْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمِلْكِ فَقَطْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْعَبْدِ الَّذِي وَجَدَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَيْبًا ثُمَّ رَدَّهُ مِنْ غَيْرِ خَرَاجٍ وَإِذَا قُلْتُمْ يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فِي الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَدِيثُ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ لَهُ قِصَّةٌ أَشَارَ إلَيْهَا السَّائِلُ وَبِهَا يَتَبَيَّنُ الْمُرَادُ مِنْهُ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ مِنْ آخَرَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ اسْتَعْمَلَ غُلَامِي فَقَالَ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ فَوَائِدَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ.

وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْمَغْصُوبُ وَالْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ تَلِفَ تَحْتَ ذِي الْيَدِ ضَمِنَهُ وَلَيْسَ لَهُ خَرَاجُهُ وَأُجِيبُ عَنْهُمَا بِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا مُعْتَبَرٌ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ الضَّمَانُ الْمَعْهُودُ فِي الْخَبَرِ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى ذِي الْيَدِ فِيمَا ذُكِرَ لَيْسَ لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ بَلْ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِطَرِيقٍ مُضَمِّنٍ وَعَنْ الثَّانِي أَيْضًا بِقَصْرِ الْخَبَرِ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَعُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ السَّائِلُ وَأَنَّ كُلَّ مَا اسْتَحَقَّ خَرَاجَهُ لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ لَوْ تَلِفَ فَيَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْخَرَاجِ الضَّمَانُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الضَّمَانِ اسْتِحْقَاقُ الْخَرَاجِ فَمَا فِي الْحَدِيثِ مُوجِبَةٌ كُلِّيَّةٌ وَهِيَ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَلَا يُرَدَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَالْمُوجِبَةُ الْكُلِّيَّةُ لَا يَلْزَمُ انْعِكَاسُهَا كَنَفْسِهَا فَلَا مُبَالَاةَ بِمَا يُرَدُّ عَلَى عَكْسِهَا لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إيرَادُهُ إلَّا إنْ قُلْنَا إنَّهَا تَنْعَكِسُ كَنَفْسِهَا دَائِمًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ لِيَظْهَرَ لَك الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ إلَخْ.

(وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْإِرْشَادِ ثُمَّ كُلُّ مَنْ عَتَقَ وَرَهَنَ إلَى أَنْ قَالَ وَكُلٌّ مِنْ الْبَائِعِ فَسْخٌ وَمِنْ الْمُشْتَرِي إجَازَةٌ هَلْ ذَلِكَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَمْ لَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ لِقَوْلِهِ فَإِنْ خُيِّرَا مَعًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ جَارٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْخِيَارَيْنِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ لِمَنْ نَظَرَ أَدْنَى نَظَرٍ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِهِمْ وَعَجِيبٌ مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لِقَوْلِهِ فَإِنْ خُيِّرَا مَعًا فَاسْتِدْلَالُهُ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهُمَا لَا يَتَوَهَّم أَحَدٌ افْتِرَاقَ الْخِيَارَيْنِ فِيهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُتَوَهَّمُ افْتِرَاقُهُمَا فِيهِ

ص: 252