المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[بَابُ الرَّهْنِ] (وَسُئِلَ) إذَا قُلْتُمْ إنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ٢

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ]

- ‌[كِتَابِ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[تَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ وَالْعُيُونِ بِإِيضَاحِ حُكْمِ بَيْعِ سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ]

- ‌[الْبَاب الثَّالِثِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ قَرَارٍ وَلَا مَاءَ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ لَمْ يُرِيدَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ أَوْ الْمَاءِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ التَّنَاقُض فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَالْقَرَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَاءِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْم عُيُونِ الْحِجَازِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي حُكْمِ الْقَاضِي وَفِيهِ فَصْلَانِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُنْقَضُ]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

- ‌[بَابُ التَّحَالُفِ]

- ‌[بَابُ مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الْقَرْضِ]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ التَّفْلِيسِ]

الفصل: ‌ ‌[بَابُ الرَّهْنِ] (وَسُئِلَ) إذَا قُلْتُمْ إنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ

[بَابُ الرَّهْنِ]

(وَسُئِلَ) إذَا قُلْتُمْ إنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ وَكَانَ الْمَرْهُونُ مَثَلًا غِرَاسًا وَالْمُرْتَهِنُ يَأْكُلُ ثِمَارَهَا مُدَّةً مَدِيدَةً فَهَلْ لِلرَّاهِنِ مُطَالَبَةُ الْمُرْتَهِنِ بِمَا أَكَلَ مِنْ الثِّمَارِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) إنْ أَبَاحَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ الثِّمَارَ إبَاحَةً صَحِيحَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَقِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ رَهَنَ نَاقَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ عَنْ ذَكَرٍ وَبِنْتَيْنِ فَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ حَلْبَهَا فَهَلْ لَهُ أَكْلُ لَبَنِهَا وَهَلْ إذَا عَاوَضَهُ الْوَلَدُ بِوَلَدِهَا أَوْ نِصْفِهَا عَنْ دَيْنِهِ الَّذِي فِي جِهَةِ الْمُتَوَفَّى يَسْرِي عَلَى أَخَوَاتِهِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ لَبَنِ النَّاقَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَرَثَةِ الْمَذْكُورِينَ وَإِذَا أَعْطَاهُ الْوَلَدُ وَلَدَهَا أَوْ نِصْفَهَا عَنْ دَيْنِهِ صَحَّ فِيمَا يَمْلِكُهُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدَّيْنِ إنْ عَرَفَا ذَلِكَ وَكَذَا يَصِحُّ فِيمَا تَمْلِكُهُ أُخْتَاهُ إنْ كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِمَا وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً لَمْ يَصِحَّ التَّعْوِيضُ الْمَذْكُورُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه ادَّعَى زَيْدٌ أَنَّهُ رَهَنَ رَهْنًا عِنْدَ عَمْرٍو فِي شَيْءٍ مَعْلُومٍ فَأَنْكَرَ عَمْرٌو الرَّهْنَ وَقَالَ إنَّهُ لِبَكْرٍ وَهُوَ الرَّاهِنُ لَهُ فَأَنْكَرَ بَكْرٌ فَهَلْ لِزَيْدٍ تَحْلِيفُ عَمْرٍو أَنَّهُ مَا رَهَنَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الرَّهْنَ وَإِذَا حَلَفَ فَهَلْ لِبَكْرٍ مَعَ سَبْقِ إنْكَارِهِ مُطَالَبَةُ عَمْرٍو بِالرَّهْنِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِهِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لِزَيْدٍ تَحْلِيفُ عَمْرٍو كَمَا ذُكِرَ وَلَيْسَ لِبَكْرٍ اسْتِحْقَاقٌ فِي الرَّهْنِ لِإِنْكَارِهِ إلَّا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ عَمْرٌو ثَانِيًا وَصَدَّقَهُ ثُمَّ إذَا بَطَلَ تَعَلُّقُ زَيْدٍ وَبَكْرٍ بِالرَّهْنِ لِمَا ذُكِرَ فَإِنْ أَثْبَتَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَهْنٌ دَامَ بِيَدِهِ أَوْ بَاعَهُ الْقَاضِي وَوَفَّاهُ دَيْنَهُ بِشُرُوطِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ انْتَزَعَهُ الْقَاضِي مِنْهُ وَحَفِظَهُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهُ وَلَا يُبْقِيه بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ كَالصُّورَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا تَنَاقُضٌ فِي الرَّوْضَةِ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى وَتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ تِلْكَ أَيْ فِي مَحَلَّيْهَا الْمَذْكُورَيْنِ مَعَ هَذِهِ وَمَعَ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ شَرْعِيٌّ رَهَنَ فِيهِ جَمِيعَ دَارِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ الرَّهْنِ الْمَذْكُورِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِبَعْضِ الدَّارِ الْمُرْتَهَنَةِ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَدَفَعَ أَحَدُ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى وَالِدِهِ الْمَذْكُورِ بِغَيْرِ إذْنِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَيْهِ لِثُبُوتِهِ إذَا حَازُوا شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ عَلَى تَرِكَتِهِ أَوْ عَلَى الدَّارِ الْمُرْتَهَنَةِ أَوْ عَلَى الْجَمِيعِ لِيَأْخُذَهُ مِمَّا شَاءَ فَإِذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ بِالدَّفْعِ الْمَذْكُورِ هَلْ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ أَمْ لَا يَبْطُلُ وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِبَعْضٍ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) لَا رُجُوعَ لِلْوَارِثِ بِمَا أَدَّاهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَلَا عَلَى الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ لِتَبَرُّعِهِ بِالْأَدَاءِ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ وَيَنْفَكُّ رَهْنُ الدَّارِ بِالدَّفْعِ الْمَذْكُورِ وَبَعْدَ انْفِكَاكِهَا يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ بِبَعْضِهَا ذَلِكَ الْبَعْضَ وَبَاقِيهَا لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه قِنٌّ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ مَا صُورَتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ فَيَرْهَنُهُ نِصْفَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلْتُ) عَنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ قَالَ فِي الشَّرْحِ بَعْدَ كَلَامٍ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ طَرْدًا وَعَكْسًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا هِيَ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي قَوْلُهُمْ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الْأَمَانَةِ وَالضَّمَانِ يُسْتَثْنَى مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَسَائِلُ مِمَّا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْأَوَّلِ الشَّرِكَةُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَضْمَنُ عَمَلَ الْآخَرِ مَعَ صِحَّتِهَا وَيَضْمَنُهُ مَعَ فَسَادِهَا وَهَذِهِ فِيهَا تَجَوُّزٌ إذْ عَدَمُ ضَمَانِ الْعَمَلِ فِي الصَّحِيحَةِ لَا يُسَمَّى أَمَانَة كَمَا هُوَ جَلِيٌّ فَالتَّعْبِيرُ بِضَمَانٍ وَعَدَمِهِ أَحْسَنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مَعَ الرَّدِّ عَلَى شَارِحِهِ فِي عَكْسِهِ كَذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ إذَا صَدَرَا مِنْ مُتَعَدٍّ كَغَاصِبٍ فَتَلِفَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَهُ وَإِنْ كَانَ الْقَرَارُ عَلَى الْمُتَعَدِّي مَعَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ.

وَمِمَّا يُسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي قَوْلُ الْمَالِكِ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِي فَهُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ وَقَوْلُ الْمُسَاقِي سَاقَيْتُك عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا لِي فَإِنَّهُ كَالْقِرَاضِ فِي الْفَسَادِ وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ أُجْرَةٍ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعَقْدُ الْجِزْيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ فَاسِد وَلَا جِزْيَةَ عَلَى الذِّمِّيِّ وَعَرْضُ الْعَيْنِ الْمُكْتَرَاةِ عَلَى الْمُكْتَرِي إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهَا إلَى

ص: 280

مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لَمْ تَسْتَقِرَّ وَالْمُسَاقَاةُ عَلَى وَدِيِّ مَغْرُوسٍ أَوْ لَيَغْرِسَهُ وَيَتَعَهَّدُهُ مُدَّةً وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا وَقَدَّرَ مُدَّةً لَا تُتَوَقَّعُ فِيهَا الثَّمَرَةُ فَإِنَّهَا فَاسِدَةٌ وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَاقَاهُ عَلَى وَدِيِّ يَغْرِسُهُ وَيَكُونُ الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِدُخُولِهِ طَامِعًا فِي شَيْءٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَمَحَلُّ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ مِنْ رَشِيدٍ فَلَوْ صَدَرَ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَقْتَضِي صَحِيحَهُ الضَّمَانَ كَانَ مَضْمُونًا.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ الرَّهْنِ عَلَى الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ هَلْ يَصِحُّ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنَهُ دَيْنًا وَمُقْتَضَاهُ بُطْلَان ذَلِكَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ فِيمَا إذَا وَقَفَ كِتَابًا أَوْ غَيْره وَشَرَطَ أَنْ لَا يُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ بِلُزُومِ هَذَا الشَّرْطِ وَلَا يُعَارُ إلَّا بِرَهْنٍ وَبَحَثَ فِيهِ السُّبْكِيّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ عَنِيَ الرَّهْنَ الشَّرْعِيِّ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ أَوْ اللُّغَوِيِّ وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ تَذْكِرَةً صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مُرَادُهُ فَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ حَمْلًا عَلَى الشَّرْعِيِّ ثُمَّ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِالرَّهْنِ لِتَعَذُّرِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ إمَّا لِأَنَّهُ خِلَافُ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِمَّا لِفَسَادِ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ صَحَّ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ مَظِنَّة ضَيَاعِهِ.

وَيُحْتَمَلُ صِحَّةُ الشَّرْطِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ اهـ وَاعْتَرَضَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلَهُ الْأَقْرَبُ صِحَّتُهُ وَحَمْلُهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَتْبَعُ اللُّغَةَ وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهُ شَرْعًا وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ رَهْنًا مَعَ كَوْنِ الْمَرْهُونِ بِهِ عَيْنًا تَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ لِلرَّهْنِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ وَحِينَئِذٍ فَمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ مُتَّجَهٌ وَيَكُونُ الْوَاقِفُ شَرَطَ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ شَرْطًا وَهُوَ وَضْعُ عَيْنٍ عِنْدَ النَّاظِرِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى انْقِضَاءِ غَرَضِهِ تَوْثِقَةً وَأَمْنًا مِنْ التَّفْرِيطِ فِي ضَيَاعِهِ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ يُقْصَدُ شَرْعًا فَوَجَبَ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ رَدُّ تَضْعِيفِ بَعْضِهِمْ لِمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ بِأَنَّ الرَّاهِنَ أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ وَالرَّاهِنُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا وَبِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّهْنِ الْوَفَاءُ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ التَّلَفِ وَهَذَا الْمَوْقُوفُ لَوْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ.

(وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرْهُونِ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ هَلْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْوَثِيقَةَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ مُسْتَعَارًا مِنْ مَالِكِهِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ الرَّاهِنُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمُرْتَهِنُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ الْوَثِيقَةَ بَلْ أَكَّدَهَا بِكَوْنِ الْمَرْهُونِ صَارَ عَلَى مِلْكِهِ الْأَقْوَى مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَعَارًا لَهُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَعَارَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ مِنْ مُوَرِّثِهِ كَعَتِيقَةِ وَرَهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ هَلْ يَصِحُّ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الصِّحَّةُ فَإِنْ قُلْت: بَلْ قَضِيَّةُ بُطْلَانِ رَهْنِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ الْبُطْلَانُ هُنَا أَيْضًا تَنْزِيلًا لِلْقَرَابَةِ مَنْزِلَةَ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ وَلِدُخُولِ الْمَرْهُونِ فِي مِلْكِ أَصْلِهِ مَثَلًا مَنْزِلَةَ وُجُودِ الصِّفَةِ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ ثَمَّ جَرَى سَبَبُ الْعِتْقِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ وَلَمْ يَجْرِ هُنَا لِلْعِتْقِ سَبَبٌ أَصْلًا إذْ سَبَبُهُ مَوْتُ الْمُوَرِّثِ الْمُقْتَضِي لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الرَّاهِنِ وَعِتْقِهِ بِالْقَرَابَةِ وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ فَتَنْزِيلُ الْقَرَابَةِ مَنْزِلَةَ التَّعْلِيقِ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ الْقَرَابَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ لَيْسَتْ سَبَبًا أَصْلًا وَإِذَا بَطَلَ تَنْزِيلُ الْقَرَابَةِ مَنْزِلَةَ التَّعْلِيقِ بَطَلَ تَنْزِيلُ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ مَنْزِلَةَ وُجُودِ الصِّفَةِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى إنْ قُلْنَا إنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَدَخَلَ الْمَرْهُونُ فِي مِلْكِ الرَّاهِنِ يُعْتَقُ مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَ مُوسِرًا لَا مُعْسِرًا كَإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ لِلْمَرْهُونِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ مُحْتَمَلٌ.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ مُطْلَقًا رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَرْقُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاضِحٌ فَإِنْ قُلْت: مَا الْأَوْجَهُ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ قُلْت: الْأَوْجَهُ هُوَ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا لَا مُعْسِرًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إعْتَاقُهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مَعَ يَسَارِهِ فَالْإِعْتَاقُ الْقَهْرِيُّ عَلَيْهِ أَوْلَى وَنُفُوذُهُ مُطْلَقًا أَقْرَبُ مِنْ عَدَمِ نُفُوذِهِ مُطْلَقًا وَأَقْرَبُ مِنْهُمَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ كَمَا تَقَرَّرَ.

(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ مَاتَ وَخَلَفَ مِيرَاثًا وَوَرَثَةً وَمِنْ

ص: 281

جُمْلَةِ الْمِيرَاثِ جَارِيَةٌ فَأَعْتَقَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ نَصِيبَهُ مِنْهَا قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَالْمُعْتِقُ مُوسِرٌ وَفِي بَقِيَّةِ الْمِيرَاثِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَهَلْ يَصِحّ الْعِتْقُ وَيَسْرِي أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الشَّمْسُ بْنُ اللَّبَّانِ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ وَيَسْرِي كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَالِكُ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ قَالَ بَلْ أَوْلَى بِالنُّفُوذِ لِأَنَّ الرَّهْنَ قَهْرِيٌّ مِنْ الشَّارِعِ فَهُوَ نَظِيرُ بَيْعِ الْمَالِكِ الْمَالَ الزَّكَوِيَّ إذَا قُلْنَا إنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِهِ تَعَلُّقُ الرَّهْنِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الصِّحَّةُ وَإِنْ مَنَعْنَا صِحَّةَ عِتْقِ الرَّهْنِ لِلْمَعْنَى الْمُشَارِ إلَيْهِ اهـ وَأَفْتَى النَّجْمُ الْبَالِسِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعِتْقُ وَإِنْ قَلَّ الدَّيْنُ قَالَ لِأَنَّا وَإِنْ قَضَيْنَا بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِي التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ أَبْطَلْنَا تَصَرُّفَ الْوَرَثَةِ فِيهَا قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُرَجَّحِ اهـ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ تَصَرُّفُ الْوَرَثَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَلَفٌ وَيَسَارُ الْمُعْتِقُ خَلَفٌ أَيُّ خَلَفٍ وَحِينَئِذٍ فَعَلَيْهِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةِ الْجَارِيَةِ كَإِعْتَاقِ الْجَانِي.

(وَسُئِلَ) إذَا بَاعَ عَدْلٌ الرَّهْنَ فَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ تَبَيَّنَ زِيَادَةُ رَاغِبٍ فِي ثَمَنِهِ هَلْ يَتَبَيَّنُ الْفَسْخُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ حِينَئِذٍ

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُؤَالًا صُورَتُهُ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْوَارِثِ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ سَقَطَ مِنْهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ حَتَّى إذَا كَانَ حَائِزًا سَقَطَ الْجَمِيعُ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمْ السُّبْكِيّ وَصَوَّبَ أَنْ يُقَالَ يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ مَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ نِسْبَةُ إرْثِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلتَّرِكَةِ أَوْ أَقَلَّ وَمَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ وَيَسْتَقِرُّ لَهُ نَظِيرُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ أُخِذَ مِنْهُ ثُمَّ أُعِيدَ إلَيْهِ عَلَى الدَّيْنِ وَهَذَا سَبَبُ سُقُوطِهِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِنْهُ وَيَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِبَقِيَّةِ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَقَدْ يُفْضِي الْأَمْرُ إلَى التَّقَاضِي إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثَيْنِ اهـ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ السُّبْكِيّ وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ عِبَارَتِهِ وَعِبَارَةِ مَنْ غَلَّطَهُمْ فَالْقَصْدُ بَسْطُ ذَلِكَ بِأَمْثِلَةٍ وَبَيَانُ الْحَقِّ فِيهِ بَسْطًا شَافِيًا.

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ صَوَابُهُ نِسْبَةُ إرْثِهِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا مِنْ الدَّيْنِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ إطْلَاقِ الْإِرْثِ مِنْ الدَّيْنِ وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ لَفْظَ الدَّيْنِ بَعْدُ، كَانَ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ فَيَقُولُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَخْ وَعَلَى تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ فَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ بِالصَّوَابِ إذْ غَايَةُ مَا فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ تَجَوُّزٌ فِي الْعِبَارَةِ وَلَعَلَّ إيثَارَهُ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى مَا اعْتَرَضَ بِهِ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ عِبَارَتِهِ وَعِبَارَةِ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ ظَاهِرٌ. وَنُقِلَ عَنْ الْفَتَى أَنَّهُ قَالَ مُرَادُ الْجَمَاعَةِ بِقَوْلِهِمْ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْهُ أَيْ مِثْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَشَرَةً سَقَطَ عَشَرَةٌ وَعَلَى هَذَا سَوَاءٌ أَكَانَ بِنِسْبَةِ إرْثِهِ أَمْ لَا وَمُرَادُ السُّبْكِيّ أَنَّ السَّاقِطَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ فَيَسْقُطُ ثُمُنُ الدَّيْنِ إنْ وَرِثَ ثُمُنَ التَّرِكَةِ وَعَلَى هَذَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ سِتَّةَ عَشَرَ مَثَلًا وَالتَّرِكَةُ اثْنَيْ عَشَرَ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَسْقُطُ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّهُ قَدْرُ إرْثِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَعَلَى الثَّانِي يَسْقُطُ دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُمَا نِسْبَةُ إرْثِهِ وَهُوَ الثُّمْنُ وَهُمَا ثُمْنُ التَّرِكَةِ اهـ.

وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْهُ أَيْ مِنْ الدَّيْنِ فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ لَكِنَّهُ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْهُ أَيْ بِقَدْرِ مَا يَرِثُهُ مِنْ تَرِكَةِ الْهَالِكِ حَتَّى إذَا وَرِثَ مِنْهُ عَشَرَةَ سَقَطَ مِنْ دَيْنِهِ عَشَرَةٌ وَهَكَذَا فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ اثْنَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا خَمْسُونَ وَالتَّرِكَةُ مِائَةٌ سَقَطَ دَيْنُهُ جَمِيعُهُ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَلَيْسَ مُرَادُ السُّبْكِيّ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتَى مُطْلَقًا بَلْ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَ التَّرِكَةِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ كَانَ أَكْثَر كَالْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي السِّتَّةَ عَشَرَةَ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ، وَرِثَ الدَّائِنُ ثُمْنَ التَّرِكَةِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ دِرْهَمَانِ بَلْ قَضِيَّةُ مَا حَكَاهُ السُّبْكِيّ عَنْهُمْ سُقُوطُهَا وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً أَصْلًا لِأَنَّهُمَا مِنْ الدَّيْنِ نِسْبَةُ إرْثِ صَاحِبِهِ مِنْ الْهَالِكِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ إرْثِهِ.

وَمُرَادُ السُّبْكِيّ بِاعْتِرَاضِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَرِكَةً لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْوَارِثِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ حِينَئِذٍ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَإِنْ كَانَتْ تَرِكَةً وَهِيَ أَقَلُّ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا مِنْ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ بِقَدْرِهَا

ص: 282

فَقَطْ وَالزَّائِدُ عَلَى قَدْرِهَا فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ سَقَطَ مِنْ دَيْنِهِ مَا يَجِبُ عَلَى ذَلِكَ الْوَارِثِ أَدَاؤُهُ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِذَا كَانَتْ السِّتَّةَ عَشَرَ الْمَذْكُورَةُ لِمَنْ وَرِثَ الثُّمْنَ وَالتَّرِكَةُ اثْنَا عَشَرَ وَجَبَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يَقْضُوا مِنْ الدَّيْنِ اثْنَيْ عَشَرَ فَقَطْ وَيَبْقَى لِصَاحِبِهِ أَرْبَعَةٌ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فَيَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ صَاحِبِ الثُّمْنِ حِصَّتُهُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ.

وَهَذَا مُرَادُ السُّبْكِيّ بِقَوْلِهِ وَمَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهُ إنْ كَانَ أَيْ الدَّيْنُ أَكْثَر مِنْ التَّرِكَةِ أَيْ وَالسَّاقِطُ مِنْ دَيْنِ الْوَارِثِ جُزْءٌ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ إرْثِهِ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ التَّرِكَةِ وَإِلَّا فَالسَّاقِطُ جُزْءٌ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ إرْثِ صَاحِبِهِ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ أَدَاؤُهُ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَالْوَاجِبُ أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ هُوَ قَدْرُ التَّرِكَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ عِبَارَةِ السُّبْكِيّ وَالْجَمَاعَةِ وَمِمَّا يُزِيدُهُ إيضَاحًا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ وَعَلَيْهِ ثَمَانُونَ دِينَارًا عِشْرُونَ لِأَحَدِ بَنِيهِ وَسِتُّونَ لِأَجْنَبِيٍّ وَتَرِكَتُهُ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ فَقَطْ كَانَ لِابْنِ الدَّائِنِ مِنْهَا دِينَارَانِ حِصَّتُهُ مِنْ تَوْزِيعِ الثَّمَانِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى نِسْبَةِ دَيْنِهِمَا فَدِينَارٌ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَدِينَارٌ مِنْهُمَا عَلَى أَخِيهِ فَيَسْقُطُ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ وَيَسْتَقِرُّ لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ ثُمْنُهَا وَيَبْقَى مِنْ حِصَّتِهِ مِنْهَا وَهِيَ النِّصْفُ رُبْعٍ وَثُمْنٌ فِي مَعْنَى الْمَرْهُونِ حَتَّى يُؤَدِّيَ لِلْأَجْنَبِيِّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ مِنْ دَيْنِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ السُّبْكِيّ.

قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِي سُقُوطِ الدِّينَارِ الْمَذْكُورِ مِنْ دَيْنِ الِابْنِ وَاسْتِقْرَارِ ثُمْنِ التَّرِكَةِ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّطَ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى ثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ مِنْ دَيْنِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِاسْتِقْرَارِ نَظِيرِ مَا سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْوَارِثِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ لِأَجْنَبِيٍّ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ تَقْرِيرُ كَلَامِ السُّبْكِيّ عَلَى مُقْتَضَاهُ الْمَذْكُورِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظَائِرِهِ مُمْكِنٌ.

(وَسُئِلَ) إذَا مَاتَ مَدْيُونٌ وَدَائِنُهُ غَائِبٌ مَفْقُودُ الْخَبَرِ أَوْ مَعْلُومُهُ وَلَمْ يَجِدْ وَارِثُهُ قَاضِيًا أَمِينًا فَهَلْ إفْرَازُهُ قَدْرَ حِصَّةِ الدَّيْنِ يُبِيحُ لَهُ التَّصَرُّفَ وَهَلْ لَهُ حِيلَةٌ غَيْر ذَلِكَ وَكَذَا فِيمَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حِيلَتُهُ فِي الْحَجِّ أَنْ يُبَادِرَ بِالِاسْتِئْجَارِ وَيُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ إلَى الْأَجِيرِ ثُمَّ يَتَصَرَّف وَأَمَّا فِي وَفَاءِ دَيْنِ الْغَائِبِ فَلَا حِيلَةَ لَهُ إلَّا الرَّفْع إلَيْهِ أَوْ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَقَوْلُ بَعْضُهُمْ حِيلَتُهُ أَنْ يُحَكِّمَ عَدْلًا فِي ذَلِكَ فَيَفْرِزُ لَهُ قَدْرَ حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا وَلَا مُحَكَّمًا كَفَى إفْرَازُ عَدْلٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَدْلًا تَصَرَّفَ وَضَمِنَ النَّقْصَ غَيْرُ سَدِيدٍ إذْ شَرْطُ التَّحْكِيمِ رِضَا الْمُتَحَاكِمَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَيْضًا فَأَمْوَالُ الْغَائِبِينَ وَالْمَفْقُودِينَ إنَّمَا يَحْفَظُهَا وَيَسْتَنِيبُ فِي حِفْظِهَا الْحَاكِم دُونَ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا حَتَّى يَدْفَعَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ وَضْعِ الْمُرْتَهَنِ الْمَرْهُونَ فِي حِرْزٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمِينٍ فَسُرِقَ هَلْ يَضْمَنُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُخْتَصًّا بِالْيَدِ فَأَزَالَهَا عَنْهُ كَأَنْ وَضَعَهَا فِي الْحِرْزِ الْمَذْكُورِ ضَمِنَ.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا إلَّا تَعَدَّدَ الْعَقْدُ أَوْ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ قَالَ الشَّيْخُ: كَأَنْ رَهَنَ عَبْدًا مِنْ اثْنَيْنِ بِدَيْنِهِمَا عَلَيْهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَإِنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ دَيْنِهِمَا كَبَيْعٍ وَإِتْلَافٍ ثُمَّ بَرِئَ عَنْ دَيْنِ أَحَدِهِمَا وَهَذَا يُشْكِلُ بِأَنَّ مَا أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الدَّيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَيْف تَنْفَكُّ حِصَّتُهُ مِنْ الرَّهْنِ بِأَخْذِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَتَّحِدْ جِهَةُ دَيْنِهِمَا أَوْ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ لَا بِالْأَخْذِ اهـ فَقَوْلُهُ مَحَلُّهُ إلَخْ يُنَافِي قَوْلَهُ أَوَّلًا كَالرَّوْضَةِ وَإِنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ دَيْنِهِمَا وَيُنَافِي قَوْلَ الْأَصْلِ وَفِي وَجْهٍ إنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ دَيْنَيْهِمَا لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا وَإِنَّمَا يَنْفَكُّ إذَا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ وَالصَّحِيحُ الِانْفِكَاكُ مُطْلَقًا فَمَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَإِنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ دَيْنَيْهِمَا إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُبَيِّنَ شُمُولَ الْمَتْنِ لَهُ حَتَّى يُطَابِقَ عِبَارَةَ أَصْلِهِ وَلِيَتَوَجَّهَ الْإِشْكَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ ثُمَّ سَلَكَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى تَخْصِيصُ مَا هُنَا بِالصُّورَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَهِيَ إذَا لَمْ تَتَّحِدْ الْجِهَةُ وَحِينَئِذٍ لَا يَتَوَجَّهُ الْإِشْكَالُ أَصْلًا الثَّانِي سَلَّمْنَا أَنَّ مَا هُنَا عَامٌّ فِي الِاتِّحَادِ

ص: 283

وَعَدَمِهِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَوَجَّهُ الْإِشْكَالُ أَصْلًا إذْ لَا أَخْذَ هُنَا حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْمَأْخُوذَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْأَدَاءِ فَالْمَعْمُولُ بِهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَا تَنْفَكُّ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَلَامَ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَ لِأَنَّ الْوَجْهَ الضَّعِيفَ إنَّمَا فَرَضَ كَلَامَهُ فِي الْبَرَاءَةِ لَا فِي الْأَدَاءِ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ وَالصَّحِيحُ الِانْفِكَاكُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ أَمْ اخْتَلَفَتْ فِي صُورَةِ الْبَرَاءَةِ لَا فِي صُورَةِ الْأَدَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ إنَّ مَا يُؤْخَذَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْضًا وَلَا يَنْتَقِلُ الْمَرْهُونُ إلَى عَدْلٍ أَوْ فَاسِقٍ آخَرَ إلَّا إلَّا اتَّفَقَا أَيْ الْعَاقِدَانِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ حَدَثَ بِهِ فِسْقٌ وَنَحْوُهُ وَتَنَازَعَا فِيمَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ نَقَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ قَالَ ابْن الرِّفْعَةِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنْ لَا يَوْضَعَ عِنْدَ عَدْلٍ إلَّا بِرِضَا الرَّاهِنِ لِأَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَصْلِ الْإِقْبَاضِ فَهَلْ مَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عِلَّتِهِ فِي مَحَلِّ الْمَنْعِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَصْلِ لَمْ يُفِدْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ امْتِنَاعٌ الْآنَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ الْآنَ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ إذْ يَدُ الْعَدْلِ لَيْسَتْ نَائِبَة عَنْ يَدِ الرَّاهِنِ فَقَطْ بَلْ عَنْ يَدِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ لِلْعَدْلِ رُدَّهُ إلَيْهِمَا لَا إلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنٍ وَإِلَّا ضَمِنَهُ إنْ تَلِفَ بِبَدَلِهِ وَرَدَّهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي لُزُومِ الرَّهْنِ وَامْتِنَاعِ الرَّاهِنِ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهِ فَظَهَرَ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَعْلِيلِهِ مَا بَحَثَهُ بِمَا لَا يُجْدِي إنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ أَوْ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الثَّانِي.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا أَيْضًا فِي شَرْحِ قَوْلِ الرَّوْضِ أَرْشُ الْمَرْهُونِ وَقِيمَتُهُ إنْ ضُمِنَ رَهْنٌ وَلَوْ كَانَ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي ثُمَّ مَحَلُّ كَوْنِ مَا ذُكِرَ رَهْنًا فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الرَّاهِنِ وَإِلَّا فَلَا يَصِيرُ مَرْهُونًا إلَّا بِالْغُرْمِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَعْتَقَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي كَوْنِهِ مَرْهُونًا فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ اهـ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ بِالْإِتْلَافِ صَارَ فَاسِخًا لِلْعَقْدِ فَلَا بُدَّ عِنْد أَخْذِ بَدَلِهِ مِنْ تَجْدِيدِهِ بِخِلَافِ إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَهَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ مُعْتَمَدٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضِ فِيمَا إذَا لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَعْتَقَ إذَا أَعْتَقَ الْمُوسِرُ مَرْهُونًا مَقْبُوضًا عَتَقَ فِي الْحَالِ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ وَتَصِيرُ رَهْنًا وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِصَيْرُورَتِهَا رَهْنًا فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ الْغُرْمِ وَلِكَوْنِهَا لَا تَصِيرُ إلَّا بَعْدَهُ لِأَنَّ وَضْعَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ ذَلِكَ لَكِنْ قَالَ الشَّارِحُ وَتَصِيرُ مِنْ حِينِ غُرْمِهَا فَحَمَلَهُ عَلَى الثَّانِي فَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ عَدَمَ الْفَائِدَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَةِ فَمَمْنُوعٌ فِيهِمَا إذْ يُتَصَوَّرُ لَهُ فَائِدَةٌ أَيُّ فَائِدَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ حُجِرَ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَلَسٍ بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ الْإِتْلَافِ وَقَبْلَ غُرْمِ الْقِيمَةِ فَيُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ عَلَى الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَرْهُونِ الَّذِي لَوْلَا إتْلَافُهُ لَقُدِّمَ بِهِ فَلِيَقُمْ بَدَلُهُ.

وَإِنْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ مَقَامَهُ فَكَانَ لِلْحُكْمِ عَلَيْهَا فِي ذِمَّتِهِ بِكَوْنِهَا رَهْنًا فَائِدَةٌ تَعُودُ عَلَى الْمَرْهُونِ بِمَصْلَحَةٍ أَيِّ مَصْلَحَةٍ بَلْ هَذِهِ أَعْظَمُ مِنْ فَائِدَةِ كَوْنِهَا رَهْنًا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي فَإِنَّ الْفَائِدَةَ هِيَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَعَلَّقُ بِهَا إذَا قَبَضَهَا الرَّاهِنُ مِنْهُ وَلَوْ حَكَمْنَا بِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مَرْهُونَةً إلَّا بِقَبْضِهِ لَهَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ضَيَاعُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا بِذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَيَاعُ مَجْمُوعِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِمُحَاصَّةِ الْغُرَمَاءِ فِيهَا فِي صُورَةِ الْحَجْرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُ الْحَمْلِ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمَدًا لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ بِمَا قَرَّرْنَاهُ وَمَا فَرَّقَ بِهِ فِي الْخَادِمِ مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى.

(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ امْرَأَةٍ رَهَنَتْ مَصَاغًا عِنْدَ امْرَأَةٍ أُخْرَى بِمَبْلَغٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ تَلْبَسَ ذَلِكَ الْمَصَاغَ مَا دَامَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهَا فَلَبِسَتْ الْمُرْتَهِنَةُ ذَلِكَ الْمَصَاغَ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ ثُمَّ تَلِفَ مِنْهَا بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ فَهَلْ يَلْزَمُهَا قِيمَةُ الْمَصَاغِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَلْزَمُهَا قِيمَةُ الْمَصَاغِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَتَلِفَ بِتَقْصِيرٍ أَمْ غَيْرِهِ.

(وَسُئِلَ) عَنْ

ص: 284

إنْسَانٍ رَهَنَ عِنْدَ آخَرَ رَهْنًا عَلَى مَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ فَتَسَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ وَدَفَعَهُ لِفَتَاهُ لِيُدْخِلَهُ فِي حَاصِلٍ لِسَيِّدِهِ فَأَدْخَلَهُ الْفَتَى فِي حَاصِلِ سَيِّدِهِ بِحُضُورِهِ وَطَرِيقَةُ هَذَا السَّيِّدِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُدْخِلَ شَيْئًا إلَى حَاصِلِهِ أَوْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْهُ يَتَعَاطَى ذَلِكَ جَمِيعَهُ مِنْ يَدِ هَذَا الْفَتَى وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُفَارِقْ سَيِّدَهُ مِفْتَاحُ الْحَاصِلِ وَالْجَمِيعُ بِحُضُورِهِ ثُمَّ لَمْ يَشْعُرْ إلَّا وَقَدَ غُيِّبَ الْفَتَى بِالْإِبَاقِ فَتَفَقَّدَ السَّيِّدُ حَاصِلَهُ وَأَمْتِعَتَهُ فَإِذَا بِالْفَتَى قَدْ اخْتَلَسَ مِنْهُ أَعْيَانًا وَنَقْدًا وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ فَجَاءَ صَاحِبُ الرَّهْنِ وَطَلَبَ رَهْنَهُ بَعْدَ إبَاقِ الْفَتَى فَقَالَ لَهُ السَّيِّدُ قَدْ وَدَّاهُ الْفَتَى مَعَهُ وَرَاحَ وَهَذِهِ لُغَةُ أَهْلِ بَلْدَةِ السَّيِّدِ وَقَصَدَ بِوَدَّاهُ الْفَتَى مَعَهُ وَرَاحَ أَيْ اخْتَلَسَهُ وَأَبَقَ بِهِ فَلَمَّا سَافَرَ الْمُرْتَهِنُ الْمَذْكُورُ إلَى بَلْدَةٍ غَيْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي اُخْتُلِسَ مِنْهَا مَا ذُكِرَ ادَّعَى عَلَى وَكِيلِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ الرَّهْنَ قَالَ وَدَّاهُ الْفَتَى مَعَهُ وَحَمَلَ الْحَاكِمُ وَالشُّهُودُ قَوْلَ السَّيِّدِ وَدَّاهُ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ لِلْفَتَى وَحَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الْوَكِيلِ بِاللُّزُومِ وَدَفَعَهُ مِنْ مَالِ مُوَكِّلِهِ قِيمَة هَذَا الرَّهْنِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مَا قَصَدَ بِوَدَّاهُ إلَّا اخْتَلَسَهُ الْفَتَى فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ عَلَى قَصْدِهِ الَّذِي قَصَدَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مُصْطَلَحَ لُغَةِ أَهْلِ بَلْدَتِهِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ يَدُ أَمَانَةٍ فَإِذَا تَلِفَ مِنْ عِنْدِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ تَمْكِينَ الْعَبْدِ الْأَمِينِ مِنْ دُخُولِ مَحَلِّ الْمَرْهُونِ لَيْسَ تَقْصِيرًا فَإِذَا اخْتَلَسَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرِ سَيِّدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ سَيِّدُهُ وَيُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَاهُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ قَالَ وَدَّاهُ الْفَتَى مَعَهُ وَرَاحَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إقْرَارًا بِأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْ أَخْذِهِ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا فَحُكْمُ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ بِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ بَاطِلٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ.

(سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ رَهَنَ عَبْدَهُ بِدَيْنِ آخَرَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَهَلْ يَصِحُّ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ وَكَأَنَّهُ ضَمِنَ الدَّيْنَ فِي عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا ارْتَهَنَ الْكَافِرُ مُصْحَفًا أَوْ مُسْلِمًا فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ لِصِحَّةِ الرَّهْنِ أَوْ يَقْبِضُهُ لَهُ الْحَاكِمُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَقْبِضُهُ لَهُ الْحَاكِمُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ أَصْلًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ بَلْ يَقْبِضُهُ لَهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ قُلْت: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ فَلَيْسَ فِي وَضْعِ الْكَافِرِ يَدَهُ لِمُجَرَّدِ صِحَّةِ الْقَبْضِ إهَانَةٌ وَلَا إذْلَالٌ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَفِي وَضْعِ يَدِهِ ذَلِكَ قُلْت: مَمْنُوعٌ بَلْ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ إذْ لَا إهَانَةَ وَلَا إذْلَالَ فِي وَضْعِ الْيَدِ فِيهِمَا بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ صَوْنًا لَهُمَا عَنْ الدُّخُولِ فِي يَدِهِ وَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَدَّعِيَ عَدَمَ انْتِفَائِهِ إذْ مُجَرَّدُ وَضْعِ يَدِهِ إهَانَةٌ وَإِذْلَالٌ فِي الْجُمْلَةِ فَمُنِعَ مِنْهُ طَرْدُ اللَّبَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا أَتْلَفَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ ثُمَّ أَبْرَأ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا وَلَوْ رَهَنَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ بَعْد لُزُومِ الرَّهْنِ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا عَلِمَ الْمَالِكُ مَا لَزِمَ ذِمَّةَ الْمُتْلِفِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ صَحَّ إبْرَاؤُهُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَيَصِحُّ الرَّهْنُ فِيمَا ذُكِرَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ بَيْعُ الْمَرْهُونِ أَوْ رَهْنُهُ أَوْ هِبَتُهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ صَحِيحٌ سَوَاءٌ ابْتَدَأَ الرَّاهِنَ بِالْإِيجَابِ أَمْ لَا وَيَكُونُ فَسْخًا لِلرَّهْنِ لِأَنَّ قَبُولَ الْمُرْتَهِنِ لِذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِرِضَاهُ بِالْفَسْخِ فَكَذَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ رَهْنُهُ مِنْ غَيْرِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ مِنْ الرَّهْنِ مُسْتَلْزِمٌ لِرِضَاهُمَا بِالْفَسْخِ فَيَكُونُ فَسْخًا.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ رَهَنَ أَمَتَهُ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ بِوَطْءٍ حَالَ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَبِيعَتْ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ بِالْإِرْثِ مِنْ مُوَرِّثِهِ وَكَانَ عَلَى مُوَرِّثِهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْجَارِيَةُ الْمَذْكُورَةُ فَهَلْ تُبَاعُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ أَوْ لَا وَهَلْ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَارِثُهُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ بَيْعُ الْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ مُوسِرًا لِأَنَّهُ وَإِنْ مَلَكهَا بِالْإِرْثِ لَكِنَّهُ مِلْكٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مَرْهُونَةٌ بِالدَّيْنِ وَإِنْ أَيْسَرَ الْوَارِثُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهَا وَإِذَا مَلَكَهَا مِلْكًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ نُفُوذُ الْإِيلَادِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ ضَيَاعُ أَهْلِ الدَّيْنِ وَبَقَاءُ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مَشْغُولَةً بِدَيْنِهِ مَعَ تَفْوِيتِ مِلْكِهِ

ص: 285

التَّامِّ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَصْلَحَةٌ وَلَا كَانَ سَبَبًا فِيهِ فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ تُعْتَقْ عَلَى الْوَارِثِ الْمُوسِرِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِأَهْلِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي عِتْقِهَا بِسَبْقِ إيلَادِهِ لَهَا قُلْت: ذَلِكَ الْإِيلَادُ قَدْ بَطَلَ حُكْمُهُ بِبَيْعِهَا أَوَّلًا مَا دَامَتْ خَارِجَةً عَنْ مِلْكِهِ وَانْتِقَالُهَا إلَى مِلْكِهِ بِالْإِرْثِ مَعَ كَوْنِهَا مَرْهُونَةً بِدَيْنِ الْمَيِّتِ كَخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ الْوَارِثِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عِتْقِهَا عَلَيْهِ مَحْذُورٌ.

وَهُوَ إمَّا ضَيَاعُ أَصْلِ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يُلْزَمْ الْوَارِثُ بِشَيْءٍ وَكَذَا بَقَاءُ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَضَيَاعُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ تَعُودُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهَا مَرْهُونَةً بِهِ وَإِمَّا تَكْلِيفُ الْوَارِثِ بَدَلَ قِيمَتِهَا مَعَ انْقِطَاعِ حُكْمِ الْإِيلَادِ إلَى الْآنَ وَلَوْ لَزِمَ ذَلِكَ لَلَزِمَهُ إذَا أَيْسَرَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِتُعْتَقَ عَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُلْزِمُوهُ بِهَذَا بِوَجْهٍ نَظَرًا إلَى خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ فَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ الْقِيمَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا حَتَّى تُعْتَقَ نَظَرًا إلَى أَنَّ تَعَلُّقَ دَيْنِ الْمَيِّتِ بِرَقَبَتِهَا صَيَّرَهَا كَالْخَارِجَةِ عَنْ مِلْكِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا فَإِنْ قُلْت: عِتْقُ الْوَارِثِ الْمُوسِرِ لِقِنِّ التَّرِكَةِ جَائِزٌ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا دَيْنٌ وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ فَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ فَلِمَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ هُنَا قُلْت فَرْقٌ بَيْنَ الْمُتَبَرِّعِ وَالْمُلْزَمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ تَبَرُّعِهِ بِالْعِتْقِ وَتَوْطِينِهِ نَفْسِهِ عَلَى مَا بَذَلَ الْقِيمَةَ تَبَرُّعًا أَنَّا نُلْزِمُهُ بِبَذْلِ الْقِيمَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ سَبَبٍ يَقْتَضِي الْتِزَامَهُ بِذَلِكَ هَذَا مَا يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ جَلِيٌّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ وَمَدَارِكِهِمْ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ عَيْنٍ مُرْتَهَنَةٍ فِي دَيْنٍ شَرْعِيٍّ وَامْتَنَعَ الْخَصْمُ مِنْ الْأَدَاءِ أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ هَلْ لِلْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ جَبْرُهُ أَوْ وَارِثُهُ أَوْ وَكِيلُهُ عَلَى بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُرْتَهَنَةِ أَوْ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهَا مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ أَوْ الْغَائِبِ لِيُوَفِّيَ دَيْنَ خَصْمِهِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ الْوُجُوهِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا امْتَنَعَ فَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ لَا يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ إلَّا الْعَيْنُ الْمُرْتَهَنَةُ فَقَطْ هَلْ يُسْمَعُ قَوْلُهُ أَمْ لَا وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَا شَاءَ مِنْ أَمْوَالِهِ وَإِذَا امْتَنَعَ أَيْضًا كُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ مِنْ الْأَدَاءِ هَلْ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَبِيعَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) إذَا كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنٌ وَضَامِنٌ فَلِلْمُرْتَهِنِ طَلَبُ الْوَفَاءِ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ فَقَطْ فَلَهُ طَلَبُ بَيْعِهِ أَوْ قَضَاءُ دَيْنِهِ إنْ حَلَّ فَإِذَا بِيعَ الْمَرْهُونُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ قُدِّمَ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَعُلِمَ مِنْ طَلَبِهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مَا فِي النِّهَايَةِ.

وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَخْتَارَ الْبَيْعَ وَالتَّوْفِيَةَ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّوْفِيَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ لِهَذَا التَّأْخِيرِ وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ الْحَقَّ بِعَيْنِ الرَّهْنِ رِضًا مِنْهُ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ وَطَرِيقُهُ الْبَيْعُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ الرَّهْنِ أَيْضًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْهُونَ قَدْ لَا يُوَفِّي ثَمَنُهُ الدَّيْنَ أَوْ يَتْلَفُ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ مِنْ بَقِيَّةِ مَالِ الرَّاهِنِ وَلَا مَا يَأْتِي مِنْ إجْبَارِهِ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاهِنِ حَتَّى يُوَفِّيَ مِمَّا يَخْتَارُ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَهِنِ حَتَّى يُجْبِرَهُ عَلَى الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ.

وَإِذَا طُلِبَ مِنْهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَامْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ بَاعَ الرَّهْنَ عَلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ وَمِلْكِ الرَّاهِنِ وَالرَّهْنِ وَكَوْنُهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَقُضِيَ الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ تَوَقُّفِ بَيْعِ الْحَاكِمِ هُنَا عَلَى الْإِصْرَارِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ لِمَالِ الْمُفْلِسِ مُطْلَقًا بِأَنَّ الْحَجْرَ ثَمَّ أَوْجَبَ كَوْنَ الْقَاضِي نَائِبًا عَنْهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ بَيْعِهِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِسَاخِ وَإِذَا أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ حُجَّةً بِالدَّيْنِ وَمِلْكِ الرَّاهِنِ وَبِالرَّهْنِ فِي غِيبَةِ الْمُرْتَهِن بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَوَفَّى مِنْ ثَمَنِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بَيْعُهُ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ لَهُ مَا يُوَفِّي الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ بَيْعُهُ أَصْلَح وَلَوْ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِئْذَانِ الرَّاهِنِ وَالْحَاكِمِ صَحَّ وَوَكِيلُ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنُ كَهُوَ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ وَوَارِثُ الْمَيِّتِ مِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا نَعَمْ إنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَازَ الْمُرْتَهِنُ بِقِيمَةِ رَهْنِهِ وَمَا فَضَلَ لَهُ يُضَارِبُ بِهِ مَعَ الدَّائِنِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا إذَا شَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَهْنًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَيَكُونُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ فَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ رَهْنًا وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْعَيْنَ

ص: 286

الْمَبِيعَةَ وَلَا غَيْرَهَا ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَرْهَنَهُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَرَهْنُ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ أَوْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ رَهْنِ الْمَبِيعِ سَوَاءٌ أَشَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ أَمْ بَعْدَهُ فَإِنْ رَهَنَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ بِلَا شَرْطٍ أَوْ مَعَ شَرْطِ مُطْلَقِ الرَّهْنِ صَحَّ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ حُرٍّ مُسْلِمٍ صَغِيرٍ رَهَنَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ قَرَابَتُهُ لِعَدَمِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ فَلَمَّا بَلَغَ وَأَرَادَ فِرَاقَهُ طَالَبَهُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ هُوَ لَأَلْجَأَتْ الْحَالُ إلَى هَلَاكِهِ أَوْ لَا وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمَا بِإِعْطَاءِ شَيْءٍ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ يَدِهِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْقَاضِي عَلَى إجْرَاءِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ أَدَاءِ شَيْءٍ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ وَأَمَّا مَا أَنْفَقَهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَشَرَطَ لَهُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا فَإِنْ أَطْعَمَهُ سَاكِنًا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ قَالَ كَانَ بِعِوَضٍ حَلَفَ الْمَالِكُ وَرَجَعَ عَلَى الصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عِنْدَنَا عَلَى إنْكَارٍ بَلْ عَلَى إقْرَارٍ فَإِذَا وُجِدَ الْإِقْرَارُ وَتَوَافَقَا عَلَى الصُّلْحِ جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقِرَّهُمَا عَلَيْهِ.

(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ مَا مَنْشَأُ اخْتِلَافِ السُّبْكِيّ وَأَهْلِ عَصْرِهِ الَّذِينَ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ فِي دَيْنِ الْوَارِثِ الْمُوجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمَقَالَتَيْنِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا بِالْمِثَالِ فَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ ثَمَانِينَ وَدَيْنُ الْوَارِثِ الَّذِي هُوَ الصَّدَاقُ كَذَلِكَ فَهُمْ يَقُولُونَ يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْوَارِثَةِ فِيمَا إذَا خَلَفَ زَوْجَةً وَابْنًا بِنِسْبَةِ إرْثِهَا الَّذِي هُوَ الثُّمْنُ فَسَقَطَ مِنْ دَيْنِهَا عَشَرَةٌ إذْ هِيَ الَّتِي يَلْزَمُهَا أَدَاؤُهَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِأَجْنَبِيٍّ وَحْدَهُ فَإِذَا أَدَّتْهَا كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهَا فَلَا تَحْتَاجُ إلَى وُقُوعِ تَرَادٍّ مِنْ نَفْسِهَا بَلْ يَسْقُطُ ثُمْنُ الدَّيْنِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الزَّوْجِ إذْ لَا يُعْقَلُ الْحَجْرُ عَلَى الشَّخْصِ فِي مَالِهِ وَلَوْ مَنَعَتْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي ثُمْنِ التَّرِكَةِ حِينَئِذٍ لَزِمَ الْحَجْرُ عَلَيْهَا فِي مِلْكِهَا إذْ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَمِنْ ثَمَّ قَالُوا يَسْقُطُ ثُمْنُ الدَّيْنِ يَعْنِي أَنَّ لَهَا التَّصَرُّفَ فِي ثُمْنِ التَّرِكَةِ لِاسْتِحَالَةِ الْحَجْرِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِهِ وَلَا تَعَلُّقَ لِغَيْرِهِ.

وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ بَلْ فِيمَا إذَا كَانَ دَيْنُ الْوَارِثِ أَكْثَرَ مِنْ التَّرِكَةِ كَأَنْ يَكُونَ ثَمَانِينَ وَهِيَ أَرْبَعُونَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سُقُوطُ ثُمْنِ الدَّيْنِ وَهُوَ يَقُولُ السَّاقِطُ مِنْ دَيْنِ الزَّوْجَةِ مَا يَلْزَمُهَا أَدَاؤُهُ لَوْ كَانَتْ الثَّمَانُونَ لِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَقَطْ فَهِيَ السَّاقِطَةُ مِنْ دَيْنِهَا وَيُقَدَّرُ أَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْهَا ثُمَّ أُعِيدَتْ لَهَا مِنْ الدَّيْنِ وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ زَعْمِهِمْ سُقُوطَ الْجَمِيعِ إذْ لَوْ كَانَ لِابْنِهِ الْحَائِزِ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ وَالتَّرِكَةُ أَرْبَعُونَ فَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنْ يَسْقُطَ الْجَمِيعُ لِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ يَسْقُطُ قَدْرُ إرْثِهِ وَقَدْرُ إرْثِهِ جَمِيعُ التَّرِكَةِ وَسُقُوطُ جَمِيعِهِ لَا قَائِلَ بِهِ وَهُوَ يَقُولُ إنَّمَا يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْحَائِزِ أَرْبَعُونَ لِأَنَّهَا الَّتِي يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِأَجْنَبِيٍّ إذْ وُجُوبُ قَضَائِهِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ.

وَإِذَا سَقَطَ مِنْ دَيْنِهِ أَرْبَعُونَ بَقِيَتْ ذِمَّةُ الْمُوَرِّثِ مَشْغُولَةً بِأَرْبَعِينَ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى بِهَا إذَا لَمْ يُبَرِّئْهُ الْوَارِثُ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ التَّرِكَةِ كَأَنْ يَكُونَ أَرْبَعِينَ وَهِيَ ثَمَانُونَ فَهَذِهِ وَمَسْأَلَةُ اسْتِوَائِهِمَا لَا اخْتِلَافَ فِيهَا لِأَنَّهُ هُوَ وَهُمْ يَقُولُونَ فِي صُورَةِ الزَّوْجَةِ السَّابِقَةِ إنَّ السَّاقِطَ خَمْسَةٌ لَا غَيْرُ فَلَمْ يَبْقَ اعْتِرَاضُهُ عَلَيْهِمْ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ وَكَلَامُهُ هُوَ الْحَقُّ وَلَيْسَ مَعْنَى السُّقُوطِ مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى لَا يَجِبُ إلَّا قَضَاءُ سَبْعَةِ أَثْمَانِ الصَّدَاقِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولهُ هُوَ وَلَا هُمْ بَلْ سُقُوطٌ يُؤَدِّي إلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْوَارِثِ فِي مِقْدَارِ إرْثِهِ لِاسْتِحَالَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ لِغَيْرِهِ.

فَقَوْلُ السُّبْكِيّ وَيَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِمَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا كَثَمَانِينَ وَثَمَانِينَ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِي عَشَرَةٍ لَا فِي سَبْعِينَ إلَّا إنْ أَدَّاهَا إلَيْهَا الْوَرَثَةُ لِامْتِنَاعِ الِاسْتِقْلَالِ بِالتَّصَرُّفِ قَبْلَ الْأَدَاءِ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا عَدَا حِصَّتَهَا وَقَدْ يُفْضِي الْأَمْرُ إلَى التَّقَاصِّ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثَيْنِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنَانِ لِكُلٍّ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ ثَمَانِينَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَقْضِيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عِشْرِينَ وَيَسْتَبِدَّ الدَّائِنُ بِقَبْضِ عِشْرِينَ لِأَنَّهُ إذَا طَالَبَهُ بِعِشْرِينَ

ص: 287