المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هذا ما تعقب به الأخ العلامة شرف الإسلام الحسين بن محمد العنسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١٠

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌مناقشة العلامة حسن بن يحيى الكبسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني

- ‌هذا ما تعقب به الأخ العلامة شرف الإسلام الحسين بن محمد العنسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني

- ‌هذا ما تعقب به شيخنا العلامة بدر الإسلام محمد بن علي الشوكانيعلى الأخ العلامة الحسين بن محمد العنسي عافاه الله تعالى لما حرره على بحث الجلال في حد قاذف الرجل

- ‌بحث في مسائل الوصايا

- ‌إقناع الباحث بدفع ما ظنه دليلا على جواز الوصية للوارث

- ‌جواب سؤال ورد من أبي عريش حول الوصية بالثلث

- ‌المباحث الدرية في المسألة الحمارية

- ‌إيضاح القول في إثبات العول

- ‌بحث في تعداد الشهداء الواردة بذكرهم الأدلة

- ‌ترجمة علي بن موسى الرِّضا

- ‌رسالة في حكم صبيان الذميين إذا مات أبوهم

- ‌حل الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌توضيح وجوه الاختلال في إزالة الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌الإبطال لدعوى الاختلال في رسالة إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌إرسال المقال على إزالة الإشكال

- ‌تفويق النبال إلى إرسال المقال

- ‌تنبيه الأمثال على عدم جوز الاستعانة من خالص المال

- ‌بحث في التصوير

- ‌إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع

الفصل: ‌هذا ما تعقب به الأخ العلامة شرف الإسلام الحسين بن محمد العنسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني

‌هذا ما تعقب به الأخ العلامة شرف الإسلام الحسين بن محمد العنسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب

ص: 4781

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: هذا ما تعقب به الأخ العلامة شرف الإسلام الحسين بن محمد العنسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني.

2 -

موضوع الرسالة: " فقه ".

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين، وآله وأصحابه الطاهرين وبعد.

فإني لما وقفت على ما كتبه شيخنا البدر الأوحد محمد بن علي بن محمد حماه الفرد الصمد

4 -

آخر الرسالة: انتهى المراد كتبه يوم السبت خامس عشر شهر رمضان سنة 1220 هـ بقلم مؤلفه الفقير إلى عفو الله حسين بن محمد بن عبد الله العنسي غفر الله له ولوالديه آمين.

5 -

نوع الخط: خط نسخي رديء.

6 -

عدد الصفحات: 14 صفحة ما عدا صفحة العنوان.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 21 سطرا ما عدا الصفحة الأخيرة فعدد أسطرها 12 سطرا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 13 كلمة.

9 -

الناسخ: حسين بن محمد بن عبد الله العنسي.

10 -

الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 4783

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وآله وأصحابه الطاهرين، وبعد:

فإني لما وقفت على ما كتبه شيخنا البدر الأوحد محمد بن علي بن محمد - حماه الفرد الصمد - على بحث الجلال (1) رحمه الله كتبت على كلام شيخنا ما حضر مع النظر في ذلك.

فأقول: قول شيخنا أقول: ما ذكر أنه .... إلخ.

فيه بحثان:

الأول: أنه فسر الشيء الواقع في كلام الجلال بالشك مع أن الشيء أعم منه، ولا قرينة تفيد أن المراد ذلك، بل ما ذكره شيخنا من النظر على تقدير أن المراد بالشيء الشك قرينة تمنع من أنه المراد، فكيف يحمل الشيء وهو عام على بعض أفراده! وأنه يحتاج في الحمل عليه إلى قرينة، مع قيام القرينة على أن ذلك البعض غير مراد!.

فإن قلت: إرادة المعنى الحقيقي للشيء لا تفيد في المقام، فلا بد من حمله على معنى آخر، وليس هنا ما يصلح سوى الشك، وأنه كثير ما يقال في نفسي شيء ويراد شك.

قلت: يصلح أن يكون المراد منه عدم الحجية، فمعنى في نفسي شيء في نفسي أنه ليس بحجة، ووجه حمله على ذلك أن المقام في دفع كلام من يحتج به فيناسبه نفي الحجية ثم إن الجلال علل عدم الحجية بعدم صحة نقل الإجماع فأبان وجه ذلك الحكم النفسي.

وقد حرر دليل عدم صحة نقله في شرح الفصول (2) أمثلة في أن كلام الجلال هذا لا يجدي الكلام عليه نفعا للمناظرة، لما تقرر في علم المناظرة أن الكلام على سند المنع لا يفيد، وكلام الجلال سند للمنع، فثبت قياس من الشكل الأول، هكذا كلام الجلال سند

(1) في " ضوء النهار "(4/ 2270).

(2)

انظر " مؤلفات الزيدية "(2/ 169).

ص: 4787

للمنع، وكل ما كان سندا للمنع (1) لا يفيد الكلام عليه، فينتج كلام الجلال لا يفيد الكلام عليه، وكبرى هذا الشكل مقررة في علم المناظرة، وصغراه ضرورية بعد العلم بأن المدعي يدعي أنه صب على قاذف الرجل حدا شرعيا، فلما كان الأصل البراءة احتج على أنه ثابت شرعا بالإجماع، وأن الاحتجاج به يرجع إلى مقدمتين، هكذا.

هذا مجمع عليه، وكل مجمع عليه ثابت شرعا، وأن تفصيل كلام الجلال في دفع الحجية هكذا كقولكم (2): هذا مجمع عليه ممنوع، وأسند منع هذا المقدمة بأن طريقها النقل [1أ] ولا يصح.

وبعد معرفة هذا يعرف أن قول شيخنا - بورك في علمه وعمره -: هم إذا كان الخصم قد نقل الإجماع فالمقام مقام أن يطلب منه صحة النقل لا مقام أن يقال له: هذا النقل لا يصح، فإن هذه مقابلة دعوى بدعوى انتهى. ليس في محله، لأن مثبت الحد على قاذف الرجل يدعي دعوى هي ثبوت الحد عليه شرعا. واستدل لها بدليل ذي مقدمتين، وقد علم في المناظرة أنه يتوجه على المدعي المستدل منع إحدى مقدمتي دليله، فليس من أثبت حكم القذف المذكور ينقل شيئا عن أحد بل يثبت حكما يستدل عليه.

(1) المنع: أي الممانعة وهي أرفع سؤال على العلل. وقيل: إنها أساس المناظرة، وهو يتوجه على الأصل من وجهين:

أ - منع كون الأصل معللا لأن الأحكام تنقسم بالاتفاق إلى ما يعلل وإلى ما لا يعلل فمن ادعى تعليل شيء كلف ببيانه.

ب - منع الحكم في الأصل.

واختلفوا: هل هذا الاعتراض - المنع - يقتضي انقطاع المستدل أم لا؟.

فقيل: إنه يقتضي انقطاعه، وقيل: إنه لا يقتضي ذلك وجزم به إمام الحرمين في " البرهان "(2/ 970).

وقيل: إن كان المنع جليا فهو انقطاع وإن كان خفيا فلا.

انظر " البحر المحيط "(5/ 324)، " المنخول "(401).

(2)

في هامش المخطوط: لعله قولكم.

ص: 4788

قال ملا حنفي في شرح الرسالة العضدية: وإذا عرفت حقيقة المنع فاعلم أنه إن لم يذكر في النقل دليل فظاهر أنه لا يتوجه عليه المنع، فإن ذكر فيه فهو إنما هو على طريقة الحكاية فلا تتعلق به المؤاخذة؛ لأنه محكي منقول عن الغير، والناقل من حيث هو ناقل ليس بملتزم صحته، بل هذا ليس بدليل بالنسبة إليه من تلك الحيثية حتى يمنع منعا جاريا على مقتضى عرفهم، والناقل إن التزم صحة هذا الدليل المنقول، أو أقام دليلا برأسه على ما نقله صار مستدلا حينئذ فيتوجه عليه ما يتوجه عنه انتهى. ولا يخفى في مستند الجلال أن ذاكر دليل الإجماع المحتج به مقيم لهذا الدليل ملتزم صحته.

ثم اعلم أن تصحيح النقل للإجماع هو أن يروى المجمع عليه عن أهل الإجماع بنقل عدل تام الضبط، مع اتصال الإسناد، وفقد العلة القادحة والشذوذ كما قيل في صحيح السنة، إذ يحصل في نقله ما يشرط في حسن السنة وإلا كان الفرق بينهما تحكما، فإنه بعد أن كانت السنة دليلا شرعيا، والإجماع دليلا شرعيا كيف يصح أن يقال في الإجماع: يقبل نقل دليل الإجماع عن أهله مرسلا كان أو منقطعا أو غير ذلك (1)

وأما دليل السنة فيشترط فيه كذا وكذا، وبعد معرفة هذا يتبين لك ما في قول شيخنا

(1) يثبت الإجماع (بخبر الآحاد) وهو كون هذا الحكم مجمعا عليه لأن هذه المسألة شرعية، طريقها طريق بقية مسائل الفروع التي يكفي في ثبوتها الظن، وقال القرافي في " تنقيح الفصول " (332):" إنه حجة خلافا لأكثر الناس ".

" المسودة "(ص344)، " الكوكب المنير "(2/ 224).

قال الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص 325) الإجماع المنقول بطريق الآحاد حجة وبه قال الماوردي وإمام الحرمين والآمدي، ونقل عن الجمهور اشتراط عدد التواتر، قال الرازي في " المحصول " (4/ 151 - 152): الإجماع المروي بطريق الآحاد حجة لأكثر الناس لأن ظن وجوب العمل به حاصل فوجب العمل به دفعا للضرر المظنون ولأن الإجماع نوع من الحجة فيجوز التمسك بمظنونه كما يجوز بمعلومه قياسا على السنة ولأنا بينا أن أصل الإجماع فائدة ظنية.

" الإحكام " للآمدي (1/ 343)، " تيسير التحرير "(3/ 261).

ص: 4789

بورك في عمله وعمره -: ولا بد من أن يقال: من أين لك أن هذا النقل غير صحيح، فإنه ليس على الناقل إلا مجرد تصحيح النقل وتمليك إبطال ما نقله بإيراد من قال بما يخالف ما نقله الناقل، فنقول مثلا: قد قال فلان من العلماء بأنه لا يحد قاذف الرجل [1ب]، فإنه أراد بما جعله علة لمطالبة الحاكم بعدم صحة النقل، أعني قوله: فإنه ليس على الناقل إلا مجرد تصحيح النقل على الطريقة التي قدمنا ذكرها، فلم يسلك ناقل الإجماع ذلك المسلك، فنقل الإجماع غير صحيح، وإن أراد تصحيح النقل على طريقة أخرى، فإن كانت ما تعرف بين أهل العلم في نقل الإجماع من قول العالم مثلا، وهذه المسألة مجمع عليها، فقد تقدم أن الإجماع شقيق السنة لا يقبل حتى يجمع شرائط القبول المذكورة في علم مصطلح الأثر، فإذ لم يجمعها لم يقبل، حتى إنه إذا قال عالم مثلا: هذا الحكم قد نقل إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقبل، فكذا دليل الإجماع، فإن قول العالم مثلا: هذه المسألة مجمع عليها معناه أنه نقل إلينا عن جميع عدد علماء عصره أن الحكم في هذه المسألة كذا، وإن كانت غيرها؛ فماذا هي؟ ثم قوله - دامت إفادته - وعليك إبطال ما نقله الناقل. انتهى. فيه بحث هو أنه إذا قد صح نقل الإجماع فذكر واحد من العلماء أو جماعة مخالفين في ذلك الحكم لا يبطل الإجماع لجواز أن يكون من علماء عصر غير عصر الإجماع.

نعم إذا كان العالم المخالف من أهل عصر الإجماع (1)، وتبين أن تلك المقالة كانت مقارنة الزمان المدعى فيه الإجماع فهناك تعارض رواية الإجماع وهذه؛ لأن هذا القائل من أفراد المجموعين، فرواية الإجماع رواية عنه لمسألة الإجماع، أما لو كانت متقدمة عليه فلعله قد رجع عن الخلاف إلى الوفاق، ولا يبطل النقل الصحيح بالمحتمل.

ثم قوله - دامت إفادته -: أقول: تعليل مشروعية القذف بكونه لدفع النقيصة كما زعمه، إن كان النقل عن الشارع فما هو؟ وإن كان لمسلك من مسالك العلة المدونة في

(1) انظر " تيسير التحرير "(3/ 236)، " البحر المحيط "(4/ 476).

ص: 4790

الأصول فكيف تقريره حتى يتكلم عليه! وإن كان لنقل عن أهل الجاهلية فلا ينفعه ولا يضرنا؛ لأن كلامنا في الحد الثابت في الشرع [2أ]، لا فيما كان عليه أهل الجاهلية، فإنه لا شرع عندهم ولا حد، فليس مثل هذا الكلام .... إلخ.

فيه بحث هو أنه قد تبين فيما سبق أن الجلال قائم في مقام المنع؛ لأنه ناف لحكم الحد على قاذف الرجل، فكلامه على القياس ليس لإثباته حتى يقال: ما مسلك علم هذا القياس؟ إن كانت كذا كان كذا، وإن كانت كذا كان كذا.

فإن قلت: ما أراد الجلال حيث قال: أما القياس فلأن شرع جلد القذف إنما لدفع النقيصة التي كانت تلحق العرب من جهة زنى النساء، ولهذا كانوا يئدون البنات

انتهى.

قلت: أراد دفع احتجاج المستدل بالقياس لأن العلة التي لهذا القياس قاصرة، وحاصله منع وجود العلة في الفروع، فعلى المستدل بيان وجودها في الفرع، بل عليه أن يبين أولا علة حكم الأصل بمسلك من المسالك (1)، ثم يبين وجودها في الفرع، فكان حق شيخنا - دامت إفادته - أن يثبت هذين الحكمين، أعني: ثبوت أن العلة كذا، وثبوت أنها موجودة في الفرع، لا مطالبة الجلال بمسلك العلة، نعم إبطال أن العلة ما ذكر الجلال مع بيان أن العلة غيرها، وإثبات تلك العلة المغايرة كما قدمنا ينفع، ولكنه لم يقع.

فالحاصل أن الجلال مانع لثبوت العلة في الفرع، مسندا ذلك المنع بأن العلة النقيصة المذكورة، فالقدح في إثبات أنها العلة، وكذا الكلام على قوله: وأما الرجال

إلى آخره لا يفيد إثبات الحد على قاذف الرجل، فإن قيل الكلام على ذلك ينفي الفارق بين قاذف المرأة وقاذف الرجل، فيثبت الحكم لقاذف الرجل.

قلت: لا يصح ذلك؛ فإن النقيصة التي في شأن المرأة أشد وأثبت؛ فإنها جبلية يثبتها

(1) تقدم ذكر مسالك العلة.

انظر البحر المحيط (5/ 200 - 204)، " الكوكب المنير "(4/ 138).

ص: 4791

المسلم والكافر، والمؤمن والفاسق [2ب]، بخلاف النقيصة في شأن الرجل، هذا بعد تسليم اندفاع ما ذكر الجلال، والفرق أيضًا بين النقيصتين ضروري، فإن الرجل يجد من نفسه عند أن تزني ابنته ما لا يجده عند أن يزني ولده، وهذا أمر عام فعرفت عن هذا ما في قول شيخنا - دامت إفادته - أقول: قد عرفت أنه لم يأت بشيء يصلح للفرق

إلخ.

نعم. وقول الجلال (1) رحمه الله: وأما الرجال فلم يكونوا يرون به بأسا بل وربما كانوا يشببون أشعارهم به فخرا كما قال رئيسهم امرؤ القيس (2):

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي تمائم محول

انتهى كلام اتصل بالمسألة فذكر لإفادة معناه، فإنه علل حد القذف بالنقيصة اللاحقة للعرب من جهة زنا النساء استشعر سؤالا عن حال زنى الرجال، هل فيه عندهم النقيصة التي تلحق بزنى المرأة؟ فأجابه بقوله: وأما الرجال

إلخ.

ولا يريد إلا أهل الجاهلية، فدل على ذلك قوله: هل كانوا يشببون (3) .... إلخ. فإن أهل الإسلام ليسوا بتلك المثابة. وأما ما وقع من معاوية فلأن زنى أبي سفيان وقع في الجاهلية، فلا يؤخذ منه أن الجلال يريد أن ذلك الأمر كان في الإسلام.

وإذا عرفت أن ما ذكر الجلال ليس للاحتجاج به، بل لإفادة معناه فلا يقال عليه: فما لنا ولهم فقد كانوا

إلخ.

فإنا لو سوغنا أن هذا الكلام قادح فيما نقل الجلال لسددنا باب رواية أخبار العرب ووقائعها وأشعارها، ولقيل لمن أتى بشيء من ذلك: فما لنا وللعرب! فقد كان لهم أخبار ووقائع وأشعار.

قال شيخنا - دامت إفادته -: وهذا قياس لا مطعن فيه، ولا يرد على شيء من

(1) في ضوء النهار (4/ 2271).

(2)

انظر " ديوان امرئ القيس "(ص 113)، وقد تقدم معناه.

(3)

كلام الجلال في " ضوء النهار "(4/ 2271).

ص: 4792

الاعتراضات المعتبرة عند أهل الأصول. انتهى.

أقول: لم يبين - دامت إفادته - ما علة هذا القياس، وهي أحد أركانه الأربعة، وأن كثيرا من الاعتراضات [3أ] الأصولية تتعلق بالعلة، فمتى أبينت علة القياس بالمسلك الأصولي، ورد على المسلك ما يرد إن شاء الله (1).

قال شيخنا - دامت إفادته -: وقد عمل عليه في إثبات الحد على قاذف الرجل المسلمون أجمعون. انتهى.

أقول: هذا دعوى للإجماع وقد تقدم أول هذا البحث ما يقيد عدم حجيته لمقام أن صغرى القياس المنطقي الذي يتخلل إليه الاستدلال بالإجماع فممنوعة.

قال شيخنا - دامت إفادته - أقول: إن كان الاعتبار في مثل هذه الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالفاحشة عامة، والذين آمنوا عام، ومقتضى ذلك أن من أحب أن تشيع أي فاحشة في أي مؤمن فهو كما قال الله - سبحانه - من غير فرق بين فاحشة وغيرها. انتهى.

أقول: الآية المشار إليها هي قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2)، والفاحشة في القاموس (3): الفاحشة الزنى وما يشتد قبحه من الذنوب، كل ما نهى الله عنه.

إذا عرفت هذا فمن احتج بهذه الآية على أنه يحد قاذف الرجل فقد غلط من وجوه:

لأن المحكوم في هذه الآية ليس حد القذف، ولا المحكوم عليه القاذف، بل المحكوم به أعم

(1) تقدم ذكره.

وانظر: " البحر المحيط "(3/ 195 - 196)، " إرشاد الفحول "(ص 454).

(2)

[النور: 19].

(3)

(ص 744).

ص: 4793

من حد القذف، وثبوت الأعم لا يلزم ثبوت الأخص، والمحكوم عليه أيضًا أعم من القاذف من وجه، وأخص من وجه؛ لأنه يجوز أن يرمي الرجل الرجل بالزنى ولا يحب أن تشيع تلك الفاحشة، وأن يوجبه مع المحبة لذلك، وأن لا يوجبه مع محبة أن تشيع الفاحشة، وثبوت الحكم لأحد من بينهما تلك النسبة [3ب] لا يلزم ثبوته للآخر، مثلا إذا ثبت حكم حد القذف للمحب أن تشيع الفاحشة لا يستلزم ثبوته للقاذف ثبوتا كليا.

إذا تقرر هذا فتوهيم الجلال لمن احتج بالآية صحيح.

وأما قوله في دفع الاحتجاج بالآية بقوله: لأن شيوعها فيهم عبارة عن لحوق عارها لهم، وعار زنى المرأة لاحق لرجالها ضرورة عرفية. انتهى.

فبعد صحة دعواه وهي عدم صحة الاحتجاج بالآية على حد قاذف الرجل لا يورث الكلام من شيخنا - دامت إفادته - على هذه الجملة من الكلام ما يحصل ثبوت الحد على قاذف الرجل، نعم في كلام الجلال في شيء.

قال شيخنا - دامت إفادته -: القصة متواترة لم يخالف في صحتها وتواترها أحد من أهل الشرع، وهي في غالب كتب السير (1) والتاريخ (2)، فما معنى الرد بقوله مظلمة؟ انتهى.

أقول: الجلال لا ينكر شمول دواوين الإسلام لتلك القصة، وإنما قدح في صحة نقلها بما اشتملت عليه من إفهام عمر لزياد رغبة في ستر المغيرة، وأن هذا وجه للحكم على تلك القصة بالإظلام، وأن الأمر كما قال شيخنا - دامت إفادته - فصان الله عمر أن يوهم شاهدا في حد من حدود الله بما يثنيه عن الشهادة!.

وأما قوله - دامت إفادته - وهل يجترئ على مثل عمر بن الخطاب مثل هذا الكلام منصف؟. انتهى.

فكلام قويم، غير أن الجلال لم يرم عمر بذلك، بل أراد تنزيهه كما قدمنا،

(1) انظر الرسالة رقم (154).

(2)

انظر الرسالة رقم (154).

ص: 4794

وليس ذلك كلام منه، بل ثبت في الرواية في تلخيص الحافظ ابن حجر ما لفظه: قوله: إن عمر عرض لزياد بالتوقف في الشهادة على [4أ] المغيرة. قال: أرى وجه رجل لا يفضح رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روى ذلك في هذه القصة من طرق بمعناه، من رواية البلاذري عن وهب بن بقية، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، ثم ذكر بقية الروايات.

فإن قلت: القصة متواترة فلا يقدح في صحتها ما ذكر كما قال - دامت إفادته -.

قلت: إن أريد بالقصة ما ذكر الجلال ففيها إفهام عمر رضي الله عنه لزياد، وقد نزه شيخنا عمر عن ذلك، فيعود ذلك التنزيه بالإبطال، وإن أريد أصل القصة من دون ذكر الإفهام فيها ففيه أن هذا نقل محتاج إلى تصحيح، بأن يخرج تلك القصة من طرق على الشرط المعتبر في الأصول، ولا يكفي وجودها في غالب كتب السير والتاريخ في أنها متواترة بل لا يكفي وجودها في دواوين الإسلام الصحاح وغيرها في ذلك.

نعم. وجودها في صحاح الدواوين يستلزم الصحة فقط، وأما في غيرها فلا.

نعم. قد خرج هذه القصة (1) الحاكم في المستدرك، والبيهقي، وأبو نعيم في المعرفة، وأبو موسى في الذيل من طرق، وعلق البخاري طرفا، كذا في التلخيص، وهذه الكتب ليست مما يكفي العزو إليها في الحكم على الحديث بالصحة، فالحكم بصحة القصة يحتاج إلى نقل الأسانيد والنظر فيها.

وأما قول شيخنا - دامت إفادته -: إنه لم يخالف في صحتها وتواترها أحد. فإنه أراد أنه لم يصدر عن أحد نفي التواتر والصحة مع القول بالصحة والتواتر فهو عائد إلى الإجماع، وقد عرفت ما فيه، وإن أراد أنه لم يجد قائلا بأنها ليست متواترة، أو ليست بصحيحة من غير نظر إلى أنه يقول بالتواتر أو الصحة أولا، فتسليمه لا ينفعه ولا يضر الجلال [4ب].

(1) تقدم تخريجها في الرسالة رقم (154).

ص: 4795

وأما قول الجلال رحمه الله: حتى روي أن عليا قال: إن حددتهم فارجم المغيرة (1). وفي رواية: فأعط صاحبك حجارة. ولا وجه لترتيب الرجم على حد

(1) قال الأمير الصنعاني في " منحة الغفار حاشية على ضوء النهار "(4/ 2273): في هذا النقل تسامح فإن الذي في تاريخ ابن خلكان وغيره أن عمر لما لم يتم النصاب على ما رمي به المغيرة بعد شهادة الثلاثة الذين ذكرهم الشارح على المغيرة بالزنى أمر عمر بحدهم حد القذف فلما تم جلد أبي بكرة قال: أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا فهم عمر أن يضربه حدا ثانيا فقال له علي: إن ضربته فارجم صاحبك.

وهكذا رواية القصة في جميع الكتب التي ذكرت فيها إنما في ألفاظها اختلاف يسير وبهذا عرفت أن عمر جلد الثلاثة وأن كلام علي عليه السلام إنما قاله لما أراد عمر جلد أبي بكرة ثانيا لقذفه المغيرة بعد الجلد.

قال ابن خلكان بعد سياقه القصة كما ذكرنا ما لفظه: قلت وقد تكلم الفقهاء على قول علي رضي الله عنه " إن ضربته فارجم صاحبك " قال أبو نصر الصباغ وهو صاحب كتاب الشامل في المذهب: يريد أن هذا القول إن كان شهادة أخرى فقد تم العدد وإن كان هو الأولى فقد جلدته عليه.

قلت: وقد ذكر ابن السبكي القضية وذكر ما ذكره ابن الصباغ وزاد وجها آخر فقال: معنى قوله: إن جلدته رجمت صاحبك أي أنك إن استحللت جلده من غير استحقاقه إياه فارجم صاحبك. هذا واعلم أن ما ذكره الشارح يقتضي التوقف عن الجزم بإيجاب الجلد على قاذف الرجل سيما والأصل عدم الوجوب فلا يرفع إلا بدليل قائم يقوم هنا على ذلك.

وحديث أبي اليسر الأنصاري لا أدري ما صحته وما أظنه قد سبق الشارح إلى هذا أحد وقد ذكر البحث في حاشيته على الكشاف في سورة النور ثم رأيت بعد أعوام كلاما لأبي محمد بن حزم بعد أن أبطل إثبات جلد قاذف الرجل بالقياس على قاذف المرأة، فقال: ونحن نبين بحمد الله وقوته من أين أوجبنا جلد القاذف للرجل من نص القرآن فنقول وبالله التأييد: إن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) عموم لا يجوز تخصيصه إلا بنص أو إجماع فيمكن أن يريد الله النساء المحصنات كما قلتم ويمكن أن يريد الفروج المحصنات فقلنا نحن: إنه يريد الفروج المحصنات ووجب علينا البرهان الواضح على دعوانا فقلنا: إن الفروج أعم من النساء لأن الاقتصار من مراد الله على النساء تخصيص لعموم اللفظ وهو لا يجوز إلا بنص أو إجماع وأيضا فإن الفروج هي المرمية بذلك لا غيرها من الرجال والنساء برهان ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) وقوله: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) ومثلها: (وَالحافظين فُرُوجَهُم وَالْحَافِظَات) وقال: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) فصح أن الفرج هو المحصن وصاحبه هو المحصن له بنص القرآن ثم ساق بسنده حديث أبي هريرة مرفوعًا وفيه: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " وساق حديث أبي هريرة الآخر مرفوعًا بمعنى هذا ثم قال فصح يقينا أن المرمية هي الفروج خاصة وأن المحصنة على الحقيقة هي الفروج لا ما عداها وصح أن الزنى الواجب فيه الحد هو زنى الفرج خاصة لا زنى سائر الأعضاء وزنى النفس دون الفرج لا حد فيه بالنص كما أوردنا في العينين تزنيان فمن رمى بالزنى أي عضو من الأعضاء المذكورة بأنها زانية لم يكن راميا ولا حد عليه بالنص لأن الفرج إن كذب ذلك كله فهو لغو فصح يقينا أن الرمي الذي يجب فيه الحدود وشهادة القاذف وفسقه إنما هو رمي الفروج بلا شك بل يقين لا مرية فيه وأن مراد الله تعالى رمي الفروج، وإذا كان كذلك ففروج النساء والرجال داخلات في الآية دخولا مستويا. انتهى. وهو كما تراه من القوة وإن كان سياق آيات النور ظاهرة في رمي النساء فالسياق تصرفه الأدلة عن التخصيص به وإن أبيت فإجماع الصحابة أنهض شيء في هذا الباب

ص: 4796

الثلاثة. انتهى.

فنذكره تأييدا لإظلام القصة، فإنها قد كانت مظلمة لما استلزمه من القدح في صحابي جليل، أعني عمر رضي الله عنه، وزادت إظلاما بأنه روي فيها هذا الكلام الذي لا يحصل معنى يقصده عاقل، فضلا عن من روي عنه.

وأما قول شيخنا - دامت إفادته -: إن عليا إنما قال هذه المقالة عند أن أراد عمر أن يجلد أبا بكرة لما قال بعد جلده قولا يدل على رمي المغيرة، فقال له: إن جلدته يعني يعين جلدا ثانيا فارجم المغيرة (1)، لأن هذا القذف الواقع بعد الجلد إن كان موجبا لتكرير الجلد فالقاذف بمنزلة من له شاهد رابع، ففيه أن المقالة لا تناسبه لأنها كما قال الجلال: إن حددتهم فارجم المغيرة، وفي كلام شيخنا - دامت إفادته - أن الذي رتب عليه الرجم للمغيرة إنما هو حد أبي بكرة وكان المقام أن يطالب الجلال تصحيح النقل، أو يبين فساده بما علم أنه قادح في صحة النقل، وفيه أيضًا أن ترتيب حد المغيرة على حد أبي

(1) انظر التعليقة السابقة.

ص: 4797

بكرة لا يصح، لأنه إذا كان أبو بكرة شاهدا رابعا فليس عليه حد لكمال نصاب الشهادة، وإن لم يكن شاهدا رابعا فهو قاذف فحد المغيرة يترتب على صحة كون كلام أبي بكرة الأخير شهادة شاهد رابع، وكونه شهادة شاهد رابع يترتب على عدم حد أبي بكرة، فحد المغيرة مترتب على عدم حد أبي بكرة فكان مقتضى الحال أن يقال: لا تحد أبا بكرة بل حد المغيرة، لأنه قد كمل نصاب الشهادة [5أ]، أو إن لم تحد أبي بكرة فحد المغيرة؛ لأنه إذا لم يحد فهو شاهد رابع.

قال شيخنا - دامت إفادته -: أقول: لا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر، ويعرف ما عظمه الله ورسوله من حق الصحابة أن يقول بمثل هذه المقالة، أو يظن بالصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يكتمون ما عندهم من العلم هيبة لعمر أو غيره، فقد كانوا يراجعونه، ويدفعون كثيرا من أقواله. انتهى.

أقول: المقالة المشار إليها هي قول الجلال بعد تسليم أن عليا لم يخالف في قصة المغيرة فغايته إجماع سكوتي (1)، ولا ينتهض السكوتي حجة (2) لأن عمر كان مهيبا منفذا لرأيه

(1) الإجماع السكوتي: وهو أن ينقل عن أهل الإجماع قول أو فعل، مع نقل رضاء الساكتين حتى أنهم لو أفتوا لما أفتوا إلا به، ولو حكموا لم يحكموا إلى به.

ويعرف رضاؤهم: بعدم الإنكار مع الاشتهار، وعدم ظهور حامل لهم على السكوت وكونه من المسائل الاجتهادية.

ولا سيما وأن الظن بالمجتهدين أنهم لا يحجمون عن إبداء رأيهم إظهارا للحق، وإن لقوا من جراء ذلك العنت والضيق.

انظر: " حجية الإجماع "(ص 173)، " المسودة "(ص334 - 335)، " البحر المحيط "(4/ 494).

(2)

وفيه مذاهب:

منها: أنه ليس بإجماع ولا حجة قاله داود الظاهري والمرتضى وعزاه القاضي إلى الشافعي وقال: إنه آخر أقوال الشافعي وقال الغزالي والرازي والآمدي إنه نص الشافعي في الجديد وقال الجويني إنه ظاهر مذهبه.

انظر: " المنخول "(318)، " المحصول "(4/ 153)، " البرهان "(1/ 499).

ومنها: أنه إجماع وحجة من الشافعية وجماعة من أهل الأصول.

انظر مزيد تفصيل: " إرشاد الفحول "(ص 311)، " المنخول "(ص 318).

ومنها: أنه حجة وليس إجماعا قاله أبو حاتم وهو أحد الوجهين عند الشافعية.

انظر: " البحر المحيط "(4/ 393).

ومنها: أنه إجماع بشرط انقراض العصر لأنه يبعد مع ذلك أن يكون السكوت لا عن رضا، وبه قال أبو علي الجبائي وأحمد في رواية عنه، وقال الرافعي: إنه أصح الأوجه عند أصحاب الشافعي.

انظر: " اللمع "(ص 49)، " البحر المحيط "(4/ 494).

ومنها: أنه إجماع إن كان فتيا لا حكم وبه قال ابن أبي هريرة وحكاه عنه الشيخ أبو إسحاق والماوردي والرافعي وابن السمعاني والآمدي

" الإحكام " للآمدي (1/ 312 - 313)" المحصول "(4/ 157).

ومنها: أنه إجماع إن كان صادرا عن حكم لا إن كان صادرا عن فتيا قاله أبو إسحاق المروزي " البحر المحيط "(4/ 500).

ومنها: أنه إن وقع في شيء يفوت استدراكه من إراقة دم أو استباحة فرج كان إجماعا وإلا فهو حجة .... " البحر المحيط "(4/ 500).

ومنها: إن كان الساكتون أقل كان إجماعا وإلا فلا قاله أبو بكر الرازي.

" البحر المحيط "(4/ 501).

ومنها: إن كان في عصر الصحابة كان إجماعا وإلا فلا، قال الماوردي في " الحاوي " والروياني في " البحر ": إن كان في عصر الصحابة فإذا قال الواحد منهم قولا أو حكم به فأمسك الباقون فهذان ضربان:

أحدهما: مما يفوت استدراكه كإراقة دم أو استباحة فرج فيكون إجماعا لأنهم لو اعتقدوا خلافه لأنكروه إذ لا يصح منهم أن يتفقوا على ترك إنكار المنكر.

وإن كان مما لا يفوت استدراكه كان حجة لأن الحق لا يخرج عن غيرهم وفي كونه إجماعا يمنع الاجتهاد وجهان لأصحابنا:

أحدهما: يكون إجماعا لا يسوغ معه الاجتهاد.

والثاني: لا يكون إجماعا سواء كان القول فتيا أو حكما على الصحيح.

ومنها: أن ذلك إن كان مما يدوم ويتكرر وقوعه والخوض فيه فإنه يكون السكوت إجماعا وبه قال إمام الحرمين

البحر المحيط (4/ 501).

ومنها: أنه إجماع بشرط إفادة القرائن العلم بالرضا، وذلك بأن يوجد من قرائن الأحوال ما يدل على رضا الساكتين بذلك القول

" المستصفى "(2/ 365).

ومنها ما يكون حجة قبل استقرار المذاهب لا بعدها فإنه لا أثر للسكوت لما تقرر عند أهل المذهب من عدم إنكار بعضهم على بعض إذا أفتى أو حكم بمذهبه مع مخالفته لمذاهب غيره.

النظر: " البحر المحيط "(4/ 504)، " البرهان "(1/ 715 - 716).

* وخلاصة هذه الأقوال أنه إجماع وحجة، وانظر قول المذهب الثاني وهو الراجح والله أعلم.

ص: 4798

ولو من الغريب الملغى، ومن شرط الإجماع السكوتي أن لا يكون لمانع من الإنكار كما علم من الأصول. انتهى.

وعدم حل هذه المقالة إن كان لنسبته الهيبة وإنفاذ الرأي إلى عمر فليس مما يتأثر عنه عدم الحل على أن الهيبة قد كانت مشهورة عنه، معروفا بها، حتى قيل: درة عمر أهيب من سيف الحجاج، وبلغ من هيبته أن الناس تركوا الجلوس في الأفنية، وكان الصبيان إذا رأوه وهم يلعبون فروا، ومع هذا أنه لم يكن جبارا ولا متكبرا، وأما إنفاذ الرأي إذا لم يخالف كتابا ولا سنة كما هو الشأن في هذه المسألة، فالظاهر أنه ينفذه وإلا عاد إلى رأي غيره، واتبع الغير فكان مقلدا، وحاشاه أن يكون كذلك.

وقد أخرج ابن أبي شيبة (1) من طريق زاذان قال: كنا جلوسا عند علي فسئل عن الخيار؟ فقال سألني عنه عمر فقلت: إن اختارت نفسها فواحدة رجعية، قال: ليس كما قلت، إن اختارت نفسها فواحدة بائن، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية.

قال: فلم أجد بدا من متابعته، فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف.

وإن كان عدم الحل [5ب] لأنه قد نسب إلى الصحابة السكوت.

فأقول: السكوت على ضربين:

أحدهما: أن يقع منهم مع أن عمر قضى بما يخالف الكتاب والسنة وهذا لا يريده الجلال، ولا ينسب مثل الجلال مثله إلى مثلهم.

وثانيهما: أن يقع مع عدم المخالفة، وذلك يقع مع المرافقة بأن يكون الدليل من الكتاب أو السنة موافقا، أو مع عدم الدليل فيهما عليه، والمسألة عند ذلك من فوائد

(1) في مصنفه (5/ 59 - 60).

ص: 4800

الاجتهاد والرأي، وهذا هو مراد الجلال، ولذا قال: كان منفذا لرأيه، والرأي إنما يكون عند فقد الدليل من الكتاب والسنة، وأيضا المسألة التي الكلام فيها دليل من الكتاب والسنة إلا في قاذف المحصنة، ولذا نجى من الدعاء أن على قاذف الرجل الحد إلى الاستدلال بقصة المغيرة، وقد علمت بطلان دليل الإجماع السابق (1) ثم بطلان القياس السابق (2) ثم بطلان ما يخيل أنه إجماع من قصة المغيرة.

وبالجملة: فالإجماع السكوتي الذي يدعى لا يصح في مسائل الاجتهاد، لأن الساكت ربما [ ..... ](3) وأن هذا شأن من رسخ في العلم.

وأما قول شيخنا - دامت إفادته -: وإذا تقرر لك ما قدمناه علمت أنه قد دل على إثبات الجلد على الرجل القرآن الكريم، وهو قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (4) الآية، ففيه أن أتبع الدلالة الإرادة، فإنه لما أراد ذلك من الآية قال: إنها دلت (5) وليست بدالة، فكان حقه أن يقيم دليلا على أن الصيغة شاملة لأن الجلال في مقام المنع، على أن الجلال قد أسند المنع بما نقله عن أئمة الأصول من أن جمع المؤنث لا يطلق على جمع المذكر تغليبا (6) ولا غيره [6أ].

وأما قوله - دامت إفادته -: وإنما خص .... إلخ.

فلا يدل على أن مراده غير ما دلت الصيغة حقيقة لا بمطابقة، ولا تضمن، ولا التزام.

وأما قوله: ثم لو سلمنا اختصاص هذه الصيغة بالنساء، ولهذا لا وجه للتغليب لكان

(1) تقدم التعليق على ذلك، انظر: الرسالة (154، 155).

(2)

انظر رد الشوكاني على ذلك في الرسالة رقم (157).

(3)

هنا في المخطوط ثلاث كلمات غير مقروءة.

(4)

[النور: 4].

(5)

تقدم التعليق على دلالة الآية.

(6)

تقدم توضيحه.

ص: 4801

هذا القياس الصحيح السالم عن المطاعن والاعتراض، الجامع للأركان دليلا كافيا، ثم إجماع الأمة سلفها وخلفها في كل عصر بعد إجماع الصحابة ففيه ما قد أسلفنا من عدم بيان علة القياس، وما مسلكها، ومن عدم صحة نقل الإجماع فليراجع.

قال شيخنا - دامت إفادته -: ووقوع ذلك من الخلفاء الراشدين الذين هم من أهل الشرع، ومن أهل اللغة فإن كان المبحث لغويا فهم من أهل اللغة، وإن كان شرعيا فهم من أهل الشرع، فعلى كل حال هم أعرف بمقاصد القرآن، ومعاني الشريعة وقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه أهل السنن (1) وغيرهم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الهادين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، فإن هذا [التوجيه](2) النبوي مشعر بصلاحية ما وقع في الخلفاء الراشدين للحجية على فرض عدم وجود ما يدل عليه في الشريعة، لا إذا وقع مخالفا لما هو ثابت فيها، ثم قد ثبت عند أحمد وأبي داود وغيرهما في قصة الملاعنة: أن من رماها أو رمى ولدها فعليه الحد (3). ورمي الولد هاهنا مطلق لم يقيد بكون الرمي له هو أو الرمي لأمه، ثم قد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " من قذف مملوكه يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال "(4) فهذا فيه التصريح بثبوت حد السيد إذا قذف مملوكه، وإنما كان مؤخرا إلى يوم القيامة لأنه لا يثبت العبد ذلك في الدنيا فهو يدل أبلغ دلالة ويفيد أعظم فائدة أن قاذف الرجل الحر يثبت عليه الحد في الدنيا. انتهى [6 ب].

أقول: أما الاحتجاج بوقوع ذلك من الخلفاء الراشدين

إلخ.

فيقال عليه: من ذا المراد من الخلفاء الراشدين، هل جميعهم؟ فيمنع الوقوع فإن منهم من لم يقع منه حد من بعضهم فيقال: إن كان غير معين فممنوع الحجية، وما قيل

(1) تقدم تخريجه مرارا، وهو حديث صحيح.

(2)

كلمة يستلزمها السياق.

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 4802

في إثباتها من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين (1) لا يفيد المدعى؛ لأن ظاهر صيغة الخلفاء الاستغراق.

على أنا لو جعلنا اللام للعهد الذهني لكان المأمور به لزوم سنة خلفاء غير معينين، فيكون من تكليف ما لا يطاق، وإن كان ذلك البعض معينا فإن كان الأربعة فقد ادعى بعض العلماء أن إجماعهم حجة، واحتجوا بالحديث المتقدم، وقد صححه الحاكم (2)، وقال على شرط الشيخين، وأجيب عنهم بأن صيغة الخلفاء لا تخصهم باعتبار الوضع، ولا قرينة ترشد إلى أنهم المراد منها.

ومما يؤنس ببطلان هذه الدعوى وقوع الخلاف من أعلام الصحابة كابن عباس، وابن مسعود للأربعة، ولم ينكر عليهم، على أنا لو سلمنا أنهم المراد من الصيغة كان الدليل دافعا للمدعى؛ لأن سنة الخلفاء عدم الأخذ بأقوال الرجال، والمدعي وجوب الأخذ بقول هؤلاء الأربعة وإن كان العمرين ففيه نحو ما تقدم، وقد ذهب قوم (3) إلى أن إجماعهما

(1) وهو حديث صحيح تقدم تخريجه: ذهب الجمهور إلى أن إجماع الخلفاء ليس بحجة لأنهم بعض من الأمة وذهب بعض أهل العلم إلى أنه حجة لما ورد ما يفيد ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين

"، وحديث: " اقتدوا بالذين من بعدي ".

قال الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص 308): وأجيب بأن في الحديثين دليلا على أنهم أهل للاقتداء بهم لا على أن قولهم حجة على غيرهم، فإن المجتهد متعبد بالبحث عن الدليل حتى يظهر له ما يظنه حقا ولو كان مثل ذلك لا يفيد حجية قول الخلفاء أو بعضهم لكان حديث رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد يفيد حجية قوله.

انظر " الكوكب المنير "(2/ 239)، " جمع الجوامع "(2/ 179).

إذا إجماع الخلفاء الأربعة ليس بحجة.

" المسودة "(ص 329).

(2)

في " المستدرك "(1/ 95 - 97) وقد تقدم.

(3)

تقدم ذكره.

انظر " إرشاد الفحول "(ص 308).

ص: 4803

حجة، واحتجوا بحديث: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر. رواه أحمد (1)، والترمذي (2)، وحسنه، والحاكم (3)، وابن حبان في صحيحه (4)، وأجيب عنهم بأن الأمر مطلق فلا يفيد اتباعهم في كل واقعة، وبأن الحديث ظني والمسألة من الأصول، وبأنه يحتمل أن المراد بالاقتداء (5) الإتيان بمثل ما هم عليه من اتباع الأوامر والنواهي، وعدم العمل بالرأي إلا عند فقد الدليل، ومع الاحتمال لا تبقى حجة مع أن هذا الاحتمال هو الراجح لسلامته من ما يرد على الأول، وبأن الحديث غير صحيح (6) لأن في إسناده عبد الملك بن عمير (7) وقد قال أحمد (8) ضعيف يغلط، وقال ابن معين (9):

(1) في المسند (5/ 382، 385، 402).

(2)

في السنن (3662) وقال: حديث حسن.

(3)

في المستدرك (3/ 75).

(4)

في صحيحه رقم (2193 - موارد).

قلت: وأخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار "(2/ 83 - 84) والحميدي في مسنده (1/ 214) رقم (449) وابن سعد (2/ 334) وأبو نعيم في " الحلية "(9/ 109) كلهم من طرق عن عبد الملك بن عمير.

* وأخرجه الترمذي رقم (3663) وأحمد (5/ 399) من حديث حذيفة لكن من طريق سالم أبي العلاء.

* وأخرجه الترمذي رقم (3805) وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، والحاكم (3/ 75 - 76) وقال: إسناده صحيح ورده الذهبي بقوله: قلت: سنده واه.

والبغوي في " شرح السنة "(14/ 106 رقم 3896) وقال: حديث غريب كلهم من حديث ابن مسعود.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح.

(5)

قلنا: إن في الحديثين دليلا على أنهم أهل اقتداء بهم لا على أن قولهم حجة على غيرهم.

(6)

بل هو صحيح كما تقدم.

(7)

انظر " تهذيب التهذيب "(3/ 620 - 621).

(8)

ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب "(3/ 620).

(9)

ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب "(3/ 620).

ص: 4804

مخلط [7أ]، وإن كان غيرهما فمن ذا هو؟

وأما قوله - دامت إفادته -: الذين هم من أهل الشرع واللغة. انتهى.

ففيه أن كون المجتهد الحاكم بحكم من أهل الشرع واللغة لا يستلزم حجية ما حكم به، وذهب إليه، وأما الثابت في قصة الملاعنة فالسياق يدل على القيد، وقد ثبت من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أحمد (1)، ولم يتكلم عليه الحافظ في التلخيص (2) مع الإشارة إليه، ووثق رجاله صاحب مجمع الزوائد (3) إلا محمد بن إسحاق فإنه رماه بالتدليس " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه، ومن رماها به جلد ثمانين، ومن دعاه ولد زنا جلد ثمانين ".

وأما ثبوت الحد على قاذف (4) المملوك يوم القيامة فقاذف الحر أولى منه، فيدل بفحوى الخطاب أنه ثبت على قاذف الحر حد في الدنيا فليس في منطوق الحديث ذلك، ولا في مفهومه. انتهى المراد. كتبه يوم السبت خامس عشر شهر رمضان سنة 1220. بقلم مؤلفه الفقير إلى عفو الله حسين بن محمد بن عبد الله العنسي - غفر الله له ولوالديه - آمين [7ب].

(1) في " المسند "(1/ 245).

(2)

(3/ 455).

(3)

(6/ 280).

(4)

" الميزان "(3/ 468 - 475 رقم 7197) والمغني في الضعفاء (2/ 552 رقم 5275).

ص: 4805