الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(161)
13/ 4
المباحث الدرية في المسألة الحمارية
تأليف محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: المباحث الدرية في المسألة الحمارية.
2 -
موضوع الرسالة: " فقه ".
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله. - كثر الله فوائدكم - وصل سؤالكم المتضمن لطلب ما عند الحقير في مسألة زوج وأم وأخوين وأم، وأخوين لأم.
4 -
آخر الرسالة: وهذا المقدار كفاية وإن كان البحث محتمل للتطويل.
والحمد لله أولا وآخرا بقلم المجيب محمد الشوكاني.
5 -
نوع الخط: خط نسخي رديء.
6 -
عد الصفحات: 7 صفحات.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 25 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 9 كلمة.
9 -
الناسخ: محمد بن علي الشوكاني.
10 -
الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله.
كثر الله فوائدكم وصل سؤالكم المتضمن لطلب ما عند الحقير في مسألة زوج وأم وأخوين لأب وأم، وأخوين لأم، هل الراجح لديه قول من قال: إن للزوج النصف وللأم السدس، والباقي للأخوين لأم، ويسقط الأخوان لأبوين؟ أم الراجح قول من قال: إن الثلث الباقي يشترك فيه الإخوة لأبوين، والإخوة لأم على السواء (1)؟.
(1) اعلم أن آيات المواريث ثلاث جمعت أصول علم الفرائض، وأركان أحكام المواريث: وهي:
1 -
قال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النساء: 11].
قال تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)[النساء: 12].
قال تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[النساء: 176].
وهناك آيات كريمة وردت في شأن المواريث ولكنها مجملة، تشير على حقوق الورثة بدون تفصيل: أ- قال تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله إن الله بكل شيء عليم)[الأنفال: 75].
ب- قال تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا)[الأحزاب: 6].
ج- قال تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)[النساء: 7].
الأحكام المستفادة من آيات المواريث:
أولاً: أحكام البنين والبنات:
1 -
إذا خلف الميت ذكرًا واحدًا، وأنثى واحدة فقط، اقتسما المال بينهما للذكر سهمان، وللأنثى سهم واحد.
2 -
إذا كان الورثة، جمعًا من الذكور والإناث، فإنهم يرثون المال للذكر ضعف الأنثى.
3 -
إذا وجد مع الأولاد: أصحاب فروض كالزوجين أو الأبوين، فإننا نعطي أصحاب الفروض أولاً ثم ما تبقى نقسمه بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.
4 -
إذا ترك الميت ابنًا واحدًا فقط، فإنه يأخذ كل المال ويؤخذ هذا من مجموع الآيتين:(للذكر مثل حظ الأنثيين) و (وإن كانت واحدة فلها النصف) فيلزم نصيب الابن إذا انفرد جميع المال.
5 -
يقوم أولاد الابن مقام الأولاد إذا عدموا، لأن كلمة (أولادكم) تتناول الأولاد الصلبيين وأولاد الابن مهما نزلوا بالإجماع.
ثانيًا: أحكام الأبوين:
1): الأب والأم لكل واحد منهما السدس، إذا كان للميت فرع وارث.
2 -
): إذا لم يكن مع الأبوين أحد من الأولاد، فإن الأم ترث المال. والباقي وهو الثلثان، يرثه الأب.
3 -
): إذا وجد مع الأبوين إخوة للميت (اثنان فأكثر) فإن الأم ترث سدسي المال، والباقي خمسة أسداس للأب، وليس للإخوة شيء أو الأخوات شيء أصلاً لأن الأب يحجبهم.
ثالثًا: الدين مقدم على الوصية.
رابعًا: حكم الزوج:
1 -
إذا ماتت الزوجة ولم تخلف فرعًا وارثًا فإن نصيب الزوج (نصف).
2 -
إذا ماتت الزوجة، وقد خلفت فرعًا وارثًا فإن نصيب الزوج (الربع).
خامسًا: حكم الزوجة والزوجان:
1 -
إذا مات الزوج ولم يخلف فرعًا وارثًا فإن نصيب الزوجة أو الزوجات (الربع).
2 -
إذا مات الزوج وكان قد خلف فرعًا وارثًا فإن نصيب الزوجة أو الزوجات (الثمن).
سادسًا: حكم الإخوة أو الأخوات لأم:
1 -
إذا مات عن أخ لأم منفرد، أو أخت لأم منفردة، فإن الواحد منهما يأخذ السدس.
2 -
إذا مات عن أكثر من ذلك يعني (أخوين لأم، أو أختين لأم) فيستحقون الثلث بالسوية.
سابعًا: حكم الإخوة أو الأخوات لأم:
1 -
إذا مات وخلف أختًا شقيقة واحدة أو لابن ولم يكن له أصل ولا فرع، فللأخت الشقيقة أو الأخت لأب نصف التركة.
2 -
واحدة فقط، اقتسما المال بينهما للذكر سهمان، وللأنثى سهم واحد. والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضاء عليم كانتا اثنتين فل 2 - إذا مات وخلف أختين شقيقتين فأكثر أو ب، ولم يكن له أصل ولا فرع فللشقيقتين أو لأب الثلثان من التركة.
3 -
إذا مات وخلف إخوة وأخوات (أشقاء أو لأب) فإن التركة يتقاسمها الإخوة والأخوات على أساس أن نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى.
4 -
إذا ماتت الشقيقة- ولم يكن لها أصل أو فرع- فإن الأخ الشقيق يأخذ جميع المال، وإن كان هناك أكثر من أخ، اقتسموا المال على عدد الرؤوس وهكذا حكم الإخوة والأخوات لأب عند عدم وجود الإخوة الأشقاء أو الأخوات الشقيقات.
فأقول: الحديث الصحيح الثابت في الصحيحين (1) وغيرهما (2) من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأول رجل ذكر " يدل على ما قاله الأولون في هذه المسألة من اختصاص الإخوة لأم بالثلث الباقي. ووجهه أنهم من أهل الفرائض؛ لأن المراد بها الأنصباء المقدرة المنصوص
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6746) ومسلم رقم (1615).
(2)
كأحمد (1/ 313) وأبو داود رقم (2898) وابن ماجه رقم (2740) بلفظ: "اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله عز وجل فما أبقت الفرائض فالأولى رجل ذكر".
عليها في كتاب الله أو سنة رسوله، المحدودة بحد معلوم، المحصورة بحاصر معين. وهذه المسألة قد اشتملت على أهل الفرائض المقررة، وهو الزوج والأم والإخوة لأم.
أما الزوج والأم فظاهر، وأما الإخوة لأم فلقوله تعالى:} وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ {(1) فهذه الآية هي في بيان ميراث الإخوة لأم، قال القرطبي في تفسيره (2): أما هذه الآية فأجمع العلماء أن الإخوة فيها عني بها الإخوة لأم، قال: ولا خلاف بين أهل العلم أن الإخوة للأب والأم، أو للأب ليس ميراثهم هكذا، فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في قوله:} وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {(3) هم إخوة المتوفى لأبيه وأمه، أو لأبيه، ولم يختلفوا أن ميراث الإخوة للأم ليس هكذا، فدلت الآيتان أن الإخوة كلهم جميعا كلالة.
والكلالة (4): ما كان سوى الولد والوالدين من الورثة إخوة، وغيرهم من العصبة، وبه قال علي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس، قال الطبري (5): الصواب أن الكلالة الذين يرثون الميت من عدا ولده ووالده [1ب]. وحكاه القرطبي (6) أيضًا عن أبي بكر الصديق، وعمر، وجمهور أهل العلم، وبه قال صاحب العين (7)، وأبو منصور اللغوي، وابن عرفة، والقيسي، وابن الأنباري، قال سليمان بن عبيد (8): ما
(1)[النساء: 12].
(2)
في "الجامع لأحكام القرآن"(5/ 78).
(3)
[النساء: 176].
(4)
عزاه القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"(5/ 78) للشعبي.
(5)
في "جامع البيان"(3/ ج- 4/ 283).
(6)
في "الجامع لأحكام القرآن"(5/ 76).
(7)
(7): الخليل بن أحمد الفراهيدي (ص 849).
(8)
عزاه إليه القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"(5/ 76).
انظر: "مقاييس اللغة"(5/ 121 - 122).
أراهم إلا قد تواطؤا وأجمعوا على أن الكلالة من مات ليس له ولد ولا والد سموا القرابة كلالة؛ لأنهم أطاقوا بالميت من حواليه، وليسوا منه، ولا هم منهم، بخلاف الولد والوالد، فإنهما طرفان للرجل، فإذا ذهبا أطاق به سائر القرابة، وقال أبو عبيدة (1): الكلالة كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ. قال أبو عمر: ذكر أبي عبيدة الأخ هنا غلط لا وجه له، ولم يذكره في شرط الكلالة غيره، فعرفت اتفاق أهل اللغة على أن الكلالة من القرابة (2) هم من عدا الوالد والوالد، وأن الإخوة لأبوين، أو لأحدهما كلالة، ولكن بعضهم من أهل الفرائض، وهم الإخوة لأم، وبعضهم ليسوا من أهل الفرائض، وهم الإخوة لأبوين أو لأب، فإن الله - سبحانه - لم يقدر ميراثهم بل قال:} لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {(3). وعرفت إجماع أهل العلم على أن قوله تعالى:} وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ {(4) هي في الإخوة لأم، فصح حينئذ الاستدلال بحديث:(ألحقوا الفرائض بأهلها)(5) على أن الثلث الباقي بعد فرض الزوج والأم
(1) قال ابن منظور في "اللسان"(12/ 143). اختلف أهل العربية في تفسير الكلالة فروى المنذري بسنده عن أبي عبيدة.
(2)
عزاه في "لسان العرب"(12/ 143) للفراء.
وانظر: "مقاييس اللغة"(5/ 122).
(3)
[النساء: 11].
(4)
[النساء: 12].
(5)
تقدم تخريجه.
قال ابن قدامة في "المغني"(9/ 7): قال تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل وحد منهما السدس).
المراد بهذه الآية الأخ والأخت من الأم، بإجماع أهل العلم ..
والكلالة في قول الجمهور: من ليس له ولد، ولا والد، فشرط في توريثهم عدم الولد والوالد، والولد يشمل الذكر والأنثى، والوالد يشمل الأب والجد.
وممن ذهب إلى أنه يشترط في الكلالة عدم الولد والوالد، زيد، وابن عباس، وجابر بن زيد، والحسن، وقتادة، والنخعي وأهل المدينة والبصرة والكوفة.
وقال القرطبي في "جامع البيان"(3/ ج-4/ 289): والصواب عندي أن الكلالة: الذين يرثون الميت من عدا ولده ووالده وذلك لصحة الخبر الذي ذكرنا عن جابر بن عبد الله أنه قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يرثني كلالة، أفأوصي بمالي كله؟ قال:"لا".
للإخوة لأم دون الإخوة لأبوين، وهو قول علي، وابن مسعود، وأبي موسى، والشعبي، وشريك، ويحيى بن آدم، وأحمد بن حنبل، وأبي حنيفة، وابن أبي ليلى، وأبي يوسف، ومحمد، وزفر، وأبي ثور، ونعيم بن حماد، وداود بن علي، واختاره ابن المنذر، وقال عمر، وعثمان، وزيد بن ثابت، ومسروق، وشريح، ومالك، والشافعي، وإسحاق: أن الإخوة لأبوين والإخوة لأم يشتركون في الثلث قالوا: هب أن أباهم حمارا، وبهذا سميت هذه المسألة الحمارية (1).
(1) قال ابن قدامة في "المغني"(9/ 24 - 25): وإذا كان زوج وأم وإخوة من أم وإخوة لأب وأم، فللزوج النصف وللأم السدس، وللإخوة من الأم الثلث، وسقط الإخوة من الأب والأم.
هذه المسألة تسمى المشركة، وكذلك كل مسألة اجتمع فيها زوج وأم أو جدة واثنان فصاعدًا من ولد الأم وعصبة من ولد الأبوين. وإنما سميت المشركة، لأن بعض أهل العلم شرك فيها بين ولد الأبويين وولد الأم في فرض ولد الأم. فقسمة بينهم بالسوية.
وتسمى الحمارية: لأنه يروى أن عمر رضي الله عنه، أسقط ولد الأبوين فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين هب أنا أبانا حمارًا أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم.
ويقال: إن بعض الصحابة قال ذلك، فسميت الحمارية لذلك. واختلف فيها أهل العلم قديمًا وحديثًا.
* فذهب أحمد فيها إلى أن للزوج النصف، وللأم السدس، وللإخوة من الأم الثلث. وسقط الإخوة من الأبوين.
* ويروى عن عمر، وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم شركوا بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث. فقسموه بينهم بالسوية، للذكر مثل حظ الأنثيين، وبه قال مالك والشافعي رضي الله عنهما وإسحاق لأنهم ساووا ولد الأم في القرابة التي يرثون بها، فوجب أن يساووهم في الميراث، فإنهم جميعًا من ولد الأم، وقرابتهم من جهة الأب إن لم تزدهم قربًا واستحقاقًا فلا ينبغي أن تسقطهم. ولهذا قال بعض الصحابة أو بعض ولد الأبوين لعمر وقد أسقطهم: هب أن أباهم حمارًا، فما زادهم ذلك إلا قربًا. فشرك بينهم.
وحرر بعض أصحاب الشافعي فيها قياسًا فقال: فريضته جمعت ولد الأب والأم وولد الأم وهم من أهل الميراث فإذا ورث ولد الأم وجب أن يرث ولد الأب والأم، كما لو لم يكن فيها زوج.
قال ابن قدامة ولنا: قوله تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل وحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث)[النساء: 12].
ولا خلاف في أن المراد بهذه الآية ولد الأم على الخصوص، فمن شرك بينهم فلم يعط كل واحد منهم السدس فهو مخالفة لظاهر القرآن. ويلزم منه مخالفة لظاهر الآية الأخرى وهي قوله تعالى:(وإن كانوا إخوة رجالاً ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين)[النساء: 176]. يراد بهذه سائر الإخوة والأخوات، وهم يسوون بين ذكرهم وأنثاهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر". ومن شرك فلم يلحق الفرائض بأهلها.
ومن جهة المعنى أن ولد الأبوين عصبة لا فرض لهم وقد تم المال بالفروض فوجب أن يسقطوا، كما لو كان مكان ولد الأبوين ابنتان، وقد انعقد الإجماع على أنه لو كان في هذه المسألة واحد من ولد الأم، ومائة من ولد الأبوين، لكان للواحد السدس وللمائة السدس الباقي لكل واحد عشر عشرة، وإذا جاز أن يفضلهم الواحد هذا الفضل كله، لم لا يجوز لاثنتين إسقاطهم؟.
وأما قولهم: تساووا في قرابة الأم قلنا- ابن قدامة- فلم لم يساووهم في الميراث في هذه المسألة؟ وعلى أنا نقول: إن ساووهم في قرابة الأم فقد فارقوهم في كونهم عصبة من غير ذوي الفروض. فإن الشرع ورد بتقديم ذوي الفروض، وتأخير العصبة، ولذلك يقدم ولد الأم على ولد الأبوين في القدر في المسألة المذكورة وشبهها ولذلك يقدم- ولد الأم- وإن سقط ولد الأبوين كغيره.
وهو الرأي الراجح لدلالة الدليل الصحيح عليه.
والقول الأول أرجح (1) لدلالة الدليل الصحيح عليه، ولم يدفعه أهل القول الثاني بدافع يصلح للتشبث به، وغاية ما استدلوا به هو أن المقتضي لتوريث الإخوة لأم موجود في الإخوة لأبوين، وزيادة كونهم إخوة لأب مع كونهم إخوة [2أ] لأم لا يصلح لكونه مانعا بذلك المقتضى، بل مؤيد له، ومؤكد لاقتضائه للميراث.
(1) انظر التعليقة السابقة.
ولا يخفى عليك أن هذا مجرد رأي لا يصلح لنصبه في مقابل الدليل الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" ألحقوا الفرائض بأهلها "(1) كما تقدم.
لكن هذا إنما يتم على تسليم أن المراد بالفرائض الفروض المقدرة في الكتاب والسنة، وأن ذلك هو معناه اللغوي أو الشرعي، أما لو لم يكن ذلك معناها لا لغة ولا شرعا فلا يصح استدلال من استدل بالحديث على ذلك المدلول الذي قال به القائلون بأن الثلث الباقي بعد فرض الزوج والأم في مسألة السؤال لإخوة لأم دون الإخوة لأبوين، قال ابن بطال (2) - في بيان معنى الحديث -: المراد أن الرجال من العصبة بعد أهل الفروض إذا كان فيهم من هو أقرب إلى الميت استحق دون من هو أبعد، فإن استووا اشتركوا، وقال ابن التين (3): المراد العم مع العمة، وابن الأخ مع بنت الأخ وابن العم مع بنت العم، فإن المذكور يرثون دون الإناث، وخرج من ذلك الأخ مع الأخت لأبوين أو لأب، فإنهم يشتركون بنص قوله تعالى:} وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ {(4)، وكذلك الإخوة لأم أنهم يشتركون هم والأخوات لأم لقوله:} فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ {(5). وهكذا سائر شراح الحديث تكلموا نحو هذا الكلام، ولم يوضحوا أن معنى الفرائض [2ب] في الشرع أو اللغة هو القدرة المسماة (6) في الكتاب والسنة، بل غاية ما هناك أن الفرض عند أهل اللغة يطلق على التقدير.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(12/ 11 - 12).
(3)
عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(12/ 11 - 12).
(4)
[النساء: 176].
(5)
[النساء: 12].
(6)
قال الحافظ في "فتح"(12/ 11): المراد بالفرائض هنا الأنصباء المقدرة في كتاب الله تعالى وهي النصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما والمراد بأهلها من يستحقها بنص القرآن.
وقد ورد من معانيه عند أهل اللغة ما فرضه الله، أي أوجبه، ومن معانيه الحكم الشرعي، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن الفرائض المذكورة في الحديث هو جميع ما هو مذكور في الكتاب والسنة، سواء كان مقدرا، أو غير مقدر، ومعنى إلحاقها تقديمهم على الترتيب الشرعي، والمراد بقوله:" وما بقي فلأولى رجل ذكر "(1) يعني ممن لم يذكر في الكتاب العزيز، كالعم، وابن العم، وإلا لزم تقديم أهل الفروض المقدرة على البنين وبني البنين، وهو باطل بالإجماع.
نعم. إن صح ما ذكره النووي في شرح مسلم (2) أن حديث: " ألحقوا الفرائض بأهلها " يدل على أن الباقي بعد استيفاء أهل الفروض المقدرة للعصبات، وأن ذلك مجمع عليه كان الإجماع متمسكا للمستدلين بالحديث في مسألة السؤال.
فإن قلت: على فرض أنه لا يصح الاستدلال بالحديث على اختصاص الإخوة لأم بالثلث الباقي بعد فرض الزوج والأم مما هو الحق عندك من المذهبين المذكورين في مسألة السؤال.
قلت: قد دل قوله - سبحانه -: بقوله} وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ {(3) مع انضمام الإجماع (4) على أن المراد بالأخ والأخت أو أكثر منهما في هذه
(1) قال الحافظ في "فتح"(12/ 11): في رواية الكشميهني (فلأولى) بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة أفعل تفضيل من الولي بسكون اللام وهو القرب أي لمن يكون أقرب في النسب إلى المورث، وليس المراد هنا الأحق، وقد حكى عياض أن رواية ابن الحذاء عن ابن هامان في مسلم (فهو الأدنى) بدال ونون وهي بمعنى الأقرب. قال الخطابي: المعنى أقرب رجل من العصبة.
(2)
(11/ 53): حيث قال: وقد أجمع المسلمون على أن ما بقي بعد الفروض فهو للعصبات يقدم الأقرب فالأقرب فلا يرث عاصب بعيد مع وجود قريب ..
(3)
[النساء: 12].
(4)
تقدم ذكره. وانظر: "المغني"(9/ 21، 25).
الآية الإخوة لأم كما تقدم تقريره.
ومع انضمام قراءة من قرأ [3أ]: وله أخ أو أخت من أم إلى ذلك كما في قراءة سعد بن أبي وقاص أخرج ذلك عنه سعيد بن منصور (1)، وعبد بن حميد (2)، والدرامي (3)، وابن جرير (4)، وابن جرير (5)، وابن المنذر، وابن ابن أبي حاتم (6)، والبيهقي في سننه (7) بلفظ: أنه كأنه يقرأ: وله أخ أو أخت من أم، على أنه إذا كان الميت كلالة أي لا ولد له، وإن سفل ولا أب له وإن علا، ووجد في الورثة أخ لأم أو إخوة لأم ثبت لمن وجد منهم الميراث، ولم يشرط الله - سبحانه - في ميراث الإخوة لأم غير هذا الشرط.
ومسألة السؤال قد حصل فيها هذا الشرط، وهو كون الوارث كلالة، وثبت ميراث الإخوة لأم لوجود المقتضى، وهو كون الموروث كلالة، وعدم المانع من ميراث الإخوة لأم، ولا يصح جعل الإخوة لأبوين مع الإخوة لأم مانعا بالاتفاق، أما من جهة القائلين بأن الإخوة لأبوين يشاركون كون الإخوة لأم في الثلث الباقي فكذلك لأنهم لم يدعوا أن وجود الإخوة لأبوين مانعا من ميراث الإخوة لأم، بل ادعوا أنهم يشاركونهم.
والمقتضي [3ب] للمشاركة لا يصح إطلاق اسم المانع عليه. غاية الأمر أنه مانع في البعض، وهو ما صار إلى الإخوة لأبوين مع الإخوة لأم لا مانع في الكل، وعلى كل تقدير أنه لا يصح إطلاق اسم المانع من إرث الإخوة لأم عليه، فقد تقرر بهذا أنه وجد
(1) في سننه (3/ 1187 رقم 592).
(2)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(2/ 448).
(3)
في سننه (2/ 264 رقم 2979).
(4)
في "جامع البيان"(3/ ج- 4/ 287).
(5)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(2/ 448).
(6)
في تفسيره (3/ 887 - 888 رقم 4936).
(7)
6/ 231).
المقتضي لميراثهم وانتفى المانع.
وأما يتعلق به القائلون بأن الإخوة لأبوين يشاركون الإخوة لأم، وهو أنه قد صدق على الإخوة لأبوين أنهم إخوة لأم، ولا يقدح في هذا الصدق كونهم إخوة لأب، لأنه قد حصل المطلوب بكون أمهم وأم الميت واحدة فمندفع بما قدمنا من الإجماع (1) على أن قوله تعالى:} وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ {(2) مع القراءة التي صحت عن الصحابي المتقدم ذكره، وإذا كانت هذه الآية في الإخوة لأم دون سائر الإخوة ثبتت دلالة الدليل على المطلوب [4أ]، ولا يضرنا كون الإخوة لأبوين يصدق عليهم أنهم إخوة لأم، فإنه وإن صدق عليهم هذا الوصف، لم يصدق عليهم أنهم إخوة لأم فقط، وهذه الآية التي دلت على تقديم الإخوة في لأم في مثل مسألة السؤال قد أقمنا البرهان على أنها في ميراث الإخوة لأم فقط.
وأما الإخوة بغير هذا الوصف أعني فقط، فهم مذكورون، ومذكور ميراثهم بعد هذا الدليل الذي دل على ميراث الإخوة لأم فقط، وهو قوله تعالى:} وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {(3) فهذه الآية هي الدليل على ميراث سائر الإخوة غير الإخوة لأم، وهي لا تعارض آية الإخوة لأم بوجه من الوجوه (4).
وتقرر بهذا أن الدليل [4ب] الدال على تقديم الإخوة لأم فقط على الإخوة لأبوين في مسألة السؤال هو قرآني على فرض أن حديث: " ألحقوا الفرائض بأهلها "(5) لا يدل
(1) انظر "المغني"(9/ 25).
(2)
[النساء: 12].
(3)
[النساء: 176].
(4)
انظر ما قدمنا من مناقشة ابن قدامة للمسألة والرأي الراجح ما قاله الشوكاني.
"المغني"(9/ 25).
(5)
(5): تقدم تخريجه.
على ذلك كما قاله من تقدم حسبما أوضحناه، على أنا نقول: إن الظاهر هو دلالة هذا الحديث على تقديم الإخوة لأم في مسألة السؤال، واستحقاقهم للباقي بعد فرض الزوج والأم، وما نقص به الناقص المتقدم ذكره من أنه كان يلزم ذلك في الولد وولد الابن فجوابه أنا نقول بموجب هذا الإيراد، ونقول هذا الإلزام ملتزم ولا نقض ولا إبطال، بل تقدم على الولد وولد الابن جميع من يوجد معهم من أهل الفروض المقدرة كالأم والأب والزوج والزوجة ونحوهم، لا من كان ساقطا بالولد، وولد الابن من أهل الفروض كالإخوة لأم.
فتقرر لك بهذا دلالة الحديث على تقدم الإخوة لأم فقط. فتنضم دلالة السنة إلى دلالة الكتاب (1).
وفي هذا المقدار كفاية، وإن كان البحث محتمل للتطويل.
والحمد لله أولا وأخيرا. بقلم المجيب محمد الشوكاني.
(1) وهو الراجح لدلالة الدليل الصحيح عليه:
أ- قوله تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل وحد منهما السدس .. ).
ب- للإجماع على أن المراد من هذه الآية ولد الأم على الخصوص.
ج- القراءة الصحيحة للصحابي سعد بن أبي وقاص.
د- قوله تعالى في بيان ميراث سائر الإخوة غير الإخوة لأم: (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين)[النساء: 176].
هـ- الحديث النبوي الصحيح: "
…
ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكرًا" ودلالته وقد تقدم توضيحه في اختصاص من الإخوة لأم بالثلث الباقي، ووجهه أنهم من أهل الفروض
…
"المغني"(9/ 25 - 26).