الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في التصوير
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: بحث في التصوير.
2 -
موضوع الرسالة: "فقه".
3 -
أول الرسالة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وآله الطاهرين.
وبعد: فإنه وصل السؤال من سيدي العلامة المفضال جمال الكمال علي بن يحيى - أمتع الله بحياته وكثر فوائده .... .
4 -
آخر الرسالة: فقد برئ بذلك من وجوب إنكار المنكر عليه، وفي هذا المقدار كفاية لمن له هدايةٌ.
والله ولي التوفيق.
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: 9 صفحات.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 23 سطراً ما عدا الصفحة الأخيرة فعدد أسطرها سبعة.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 10 كلمات.
9 -
الناسخ: محمد بن علي الشوكاني.
10 -
الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وآله الطاهرين
وبعد:
فإنه وصل السؤال من سيدي العلامة المفضال، جمال الكمال علي بن يحيى (1) - أمتع الله بحياته، وكثر فوائده - ولفظه:
خطر بالبال سؤال مولاي - كثر الله فوائده - عن التصوير، هل يصح النهي عنه أم لا؟ وبعد صحة النهي، هل يحمل على التحريم أو على الكراهة. وبعد الحمل على أحدهما، فهل النهي عن تصوير بعض الأشياء دون بعض أو لا؟ وهل ذلك مما يجب فيه الإنكار أم لا؟ انتهى.
(1) علي بن يحيى بن علي بن راجح بن سعيد الكينعي، الصنعاني المولد والمنشأ والدار، ولد سنة 1151 وقرأ على السيد العلامة الحسن بن زيد الشامي وعلى شيخنا العلامة الحسن بن إسماعيل المغربي. وحضر على جماعة من علماء صنعاء. وحفظ المسائل المهمة المتعلقة بأمر الدين.
انظر: "البدر الطالع" رقم (349)
أقول: قد اشتمل هذا السؤال على مسائل أربع.
الأولى: هل صح النهي عن التصوير أم لا؟.
وأقول: قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك ما هو أشد من النهي، وأدل على التحريم منه؛ وهو الوعيد للمصورين بالنار.
أخرج البخاري (1) ومسلم (2) وغيرهما (3) من أهل الأمهات وغيرهم عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسًا تعذبه في جهنم، فإن كنت لا بد فاعلاً فاجعل الشجر وما لا نفس له".
وأخرج البخاري (4) ومسلم (5) وغيرهما عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الذين يصورون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم".
وأخرج البخاري (6) ومسلم (7) وغيرهما أيضًا عن عائشة قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه، وتلون وجهه، وقال: يا عائشة [1 أ]، أشد الناس (8) عذابًا يوم القيامة الذين
(1) في صحيحه رقم (2225، 5963)
(2)
في صحيحه رقم (2110)
(3)
كأحمد (1/ 216) والنسائي (8/ 215). وهو حديث صحيح.
(4)
في صحيحه رقم (4951)
(5)
في صحيحه رقم (2018). وهو حديث صحيح.
(6)
في صحيحه رقم (5954)
(7)
في صحيحه رقم (2107). وهو حديث صحيح.
(8)
قال القرطبي في "المفهم"(5/ 430 - 431) قوله: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون" مقتضى هذا: ألا يكون في النار أحد يزيد على المصورين. وهذا يعارضه مواضع أخر منها قوله تعالى: {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: 46].
قال القرطبي ردًا على ذلك - التعارض - أن الناس الذين أضيف إليهم: أشد، لا يراد بهم كل نوع الناس بل بعضهم المشاركون في ذلك المعنى المتوعد عليه بالعذاب، ففرعون أشد الناس المدعين للإلهية عذابًا ومن يقتدي به في ضلالة كفره أشد ممن يقتدي به في ضلالة بدعة.
ومن صور صور ذات الأرواح أشد عذابًا ممن يصور ما ليس بذي روح، إن تنزلنا على قول من رأى تحريم تصوير ما ليس بذي روح، وهو مجاهد، وإن لم نتنزل عليه فيجوز أن يعني بالمصورين الذين يصورون الأصنام للعبادة، كما كانت الجاهلية تفعل، وكما تفعل النصارى فإن عذابهم يكون أشد ممن يصورها لا للعبادة.
وقال النووي: قال العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد، وسواء صنعه لما يمتهن أم لغيره فصنعه حرام بكل حال، وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها، فأما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام.
قال البخاري في "الفتح"(10/ 384): ويؤيد التعميم فيما له ظل وفيما لا ظل له ما أخرجه أحمد من حديث علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنا إلا كسره ولا صورة إلا لطخها أي طمسها".
وقال الخطابي: إنما عظمت عقوبة المصور لأن الصور كانت تعبد من دون الله، ولأن النظر إليها يفتن، وبعض النفوس إليها تميل، قال: والمراد بالصور هنا التماثيل التي لها روح، وقيل يفرق بين العذاب والعقاب، فالعذاب يطلق على ما يؤلم من قول أو فعل كالعتب والإنكار، والعقاب يختص بالفعل فلا يلزم من كون المصور أشد الناس عذابًا أن يكون أشد الناس عقوبة.
يضاهون بخلق الله" قالت: فقطعناه، فجعلنا منه وسادة أو وسادتين.
وأخرج البخاري (1)، والترمذي (2)، والنسائي (3) من حديث ابن عباس أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من صور صورة عذبه الله بها يوم
(1) في صحيحه رقم (7042).
(2)
في "السنن" رقم (1751) وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
في "السنن" رقم (8/ 215).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (5024) ومسلم رقم (2110) وهو حديث صحيح.
القيامة حتى ينفخ فيها الروح وما هو بنافخ" (1).
فهذه الأحاديث فيها التصريح بأن المصورين يعذبون في النار، وهي من أعظم الأدلة الدالة على تحريم ذلك، لأنه لا يوجب عذاب النار إلا ما هو محرم شرعًا، وهي أيضًا أدل على التحريم من مجرد النهي، فإن النهي قد يكون مصروفًا من معناه الحقيقي، وهو التحريم إلى معناه المجازي، وهو كراهة التنزيه لقرينة توجب ذلك، كما هو مقرر في الأصول بخلاف الوعيد بالنار، فإنه يدل على التحريم دلالة لا يصرفها صارف، ولا يخرج الأمر الذي وقع الوعيد عليه بالنار عن التحريم إلا بدليل يدل على نسخه، وارتفاع حكمه.
ومن جملة الأدلة الدالة على قبح التصوير أحاديث منها: "إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تماثيل"(2). ومنها: أحاديث فيها التصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير ذلك.
(1) قال البخاري في "الفتح"(10/ 394): قال الكرماني: ظاهره أنه من تكليف ما لا يطاق، وليس كذلك وإنما القصد طول تعذيبه وإظهار عجزه عما كان تعاطاه ومبالغة في توبيخه وبيان قبح فعله. وقوله:"ليس بنافخ" أي لا يمكنه ذلك فيكون معذبًا دائمًا. وقد تقدم في "باب رقم 89 عذاب المصورين" من حديث ابن عمر أنه يقال للمصورين أحيوا ما خلقتم وأنه أمر تعجيز، وقد استشكل هذا الوعيد في حق المسلم، فإن وعيد القاتل عمدًا ينقطع عند أهل السنة مع ورود تخليده يحمل التخليد على مدة مديدة. وهذا الوعيد أشد منه لأنه معينًا بما لا يمكن وهو نفخ الروح، فلا يصح أن يحمل على أن المراد أنه يعذب زمانًا طويلاً ثم يتخلص، والجواب أنه يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد، وهذا في حق العاصي بذلك، وأما من فعله مستحلاً فلا إشكال فيه
…
"
(2)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (5958) ومسلم رقم (2106) والترمذي رقم (2805) والنسائي رقم (8/ 212، 213) وابن ماجه رقم (3649) من حديث أبي طلحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب أو صورة".
وفي رواية عن أبي طلحة الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة تماثيل". أخرجه البخاري رقم (3235) ومسلم رقم (2106)
ومنها أحاديث أخر تفيد تأكيد القبح. أخرج أحمد (1)، وأبو داود (2)، والترمذي (3) وصححه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أتاني جبريل عليه السلام فقال: إني أتيتك الليلة فلم يمنعني أن أدخل البيت الذي أنت فيه إلا أنه كان في البيت تمثال رجل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي في باب البيت يقطع يصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر يقطع فيجعل منتبذتين [1 ب] يوطئان، وفي لفظ: (فيجعل وسادتان توطئان) ومر بالكلب يخرج"، ففعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا الكلب جرو كان للحسن والحسين رضي الله عنهما.
وأخرج البخاري (4) وأحمد (5) وأبو داود (6) من حديث عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه".
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه من حديث أبي طلحة الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة تماثيل"(7).
وأخرج أبو داود (8) والنسائي (9) من حديث علي قال: قال النبي - صلى الله عليه وآله
(1) في "المسند" رقم (2/ 305، 478)
(2)
في "السنن" رقم (4158)
(3)
في "السنن" رقم (2806). قلت: وأخرجه مسلم رقم (87/ 2106). وهو حديث صحيح
(4)
في صحيحه رقم (5952)
(5)
في "المسند" رقم (17/ 285 الفتح الرباني)
(6)
في "السنن" رقم (4151). وهو حديث صحيح
(7)
تقدم تخريجه آنفًا وهو حديث صحيح
(8)
في "السنن" رقم (227، 4152)
(9)
في "السنن" رقم (1/ 141)(7/ 185).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1205) وأحمد (1/ 83، 104، 139، 150) وابن ماجه رقم (3650) والحاكم في "المستدرك"(1/ 171) وهو حديث ضعيف
وسلم - "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة، ولا جنب، ولا كلب"، وفي إسناده عبد الله بن نجي وفيه ضعف.
وأخرج أبو داود (1) من حديث سفينة قال: دعا علي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام صنعه، فجاء فوضع يده على عضادتي الباب، فرأى القرام قد ضرب في ناحية البيت، فرجع، فقيل له في ذلك فقال:"إنه ليس لنبي أن يدخل بيتًا مزوقًا".
وأخرج البخاري (2) عن ابن عباس قال: لما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصور في البيت حتى أمر بها فمحيت، ورأى صورة إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام فقال:"قاتلهم الله، والله [ما علموا: ما] (3) استقسما بالأزلام قط"(4).
وأخرج أبو داود (5) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى فاطمة، فوجد على بابها سترًا فلم يدخل، قال: وقل ما كان يدخل إلا - بدأ بها -، فجاء علي فرآها مهتمة فقال: ما لك؟ قالت: جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلي فلم يدخل، فأتاه علي فقال: يا رسول الله، إن فاطمة اشتد عليها أنك جئتها فلم تدخل عليها، قال:"وما أنا والدنيا والرقم"، فذهب إلى فاطمة فأخبرها بقول رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] فقالت: قل لرسول الله ما يأمرني به؟ قال: "قل لها فلترسل به إلى بني فلان". وفي رواية [2 أ] وكان سترًا موشى. وعلى هذا فلا
(1) في "السنن" رقم (3755) وهو حديث حسن.
(2)
في صحيحه رقم (4288).
(3)
في المخطوط (إن) والمثبت من صحيح البخاري.
(4)
ولفظه في البخاري: "قاتلهم الله، والله ما علموا: ما استقسما بها قد" ثم دخل البيت، فكبر في نواحي البيت، وخرج ولم يصل فيه.
(5)
في "السنن" رقم (1494) وهو حديث صحيح
يكون هذا الحديث، ولا حديث سفينة السابق من الأحاديث التي هي واردة في الصور، بل من الأحاديث الواردة في الستور والزينة. وقد أوردهما بعض من أخرجهما في باب التصوير، وبعضهم في باب الستور.
وأخرج أبو داود (1) عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمن الفتح، وهو بالبطحاء، أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى محيت كل صورة فيها.
وأخرج مسلم (2)، وأبو داود (3)، والنسائي (4) من حديث ميمونة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلة فلم يلقني، فلما لقيه جبريل قال: إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة".
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، ولو لم يكن منها إلا الأحاديث الواردة في ذم المصورين ولعنهم، وذم من ذهب يخلق كخلق الله تعالى. والمراد هنا الاستدلال على ما طلبه السائل - كثر الله فوائده - والبعض مما ذكرناه هنا يكفي.
المسألة الثانية: قوله: وبعد صحة النهي، هل يحمل على التحريم أو على الكراهة؟.
وأقول: قد قررنا فيما سبق أن الأدلة الدالة على أن المصور يعذب في النار يستفاد منها التحريم استفادة لا كالاستفادة للتحريم من النهي لما قدمنا؛ فالتصوير للصور الحيوانية حرام، وبيانه أن المصور توعده الشارع بأنه يعذب في النار، وكل من توعده الشارع بأنه يعذب في النار فاعل لمحرم، فالمصور فاعل لمحرم، أما الصغرى فبالأحاديث الصحيحة المذكورة سابقًا.
وأما الكبرى فلما تقرر في هذه [2 ب] الشريعة الإسلامية أنه لا يوجب النار ترك
(1) في "السنن" رقم (4156) بإسناد حسن
(2)
في صحيحه رقم (2105)
(3)
في "السنن" رقم (4157)
(4)
في "السنن" رقم (4288). وهو حديث صحيح
مندوب، أو فعل مكروه كراهة تنزيه، أو فعل مباح أو تركه، فلم يبق إلا فعل المحرم أو ترك الواجب. وتصوير الصور من فعل المحرم، فكان التصوير محرمًا.
المسألة الثالثة: قوله - كثر الله فوائده -: وبعد الحمل على أحدهما، فهل النهي عن تصوير بعض الأشياء دون بعض أو لا؟.
وأقول: قد قدمنا ما يدل على أن ذلك مختص بتصوير الحيوانات فقط، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ابن عباس المتفق عليه (1) "فإن كنت لا
(1) تقدم تخريجه.
فائدة رقم (1):
1 -
معنى التصوير لغة: الصور جمع صورة وتجمع على تصاوير وهي بكسر الصاد وضمها وقيل أنها مثلثة الصاد.
وهي الشكل، والخط والرسم.
"اللسان"(2/ 492)، "القاموس"(ص 373).
والتصوير يطلق على التخطيط، والتشكيل يقال: صوره، إذا جعل له صورة، وشكلاً، أو نقشًا معينًا، وهذا الاستعمال والإطلاق عام في الصورة المجسمة وغيرها، فالكل يطلق عليه صورة من حيث الاستعمال اللغوي.
"معجم الفقهاء"(ص 278).
وجاء في "معجم الفقهاء"(ص 278): الصورة "شكل مخلوق من مخلوقات الله تعالى مجسمة كانت كالصنم، أو غير مجسمة".
معنى التصوير في الاصطلاح: بما أن التصوير ليس نوعًا واحدًا، بل هو جنس يشمل أنواع ثلاثة، كل نوع يختلف عن غيره من حيث الوسيلة ومن حيث المادة التي تصنع منها الصورة، ومن حيث الكيفية، وبسبب هذا الاختلاف لا يمكن جمع هذه الأنواع في تعريف واحد من حيث الاصطلاح الفقهي وذلك لأن التصوير منه المجسم، والمسطح، والقديم، والحديث مع الاختلاف في وسائل كل نوع وآلاته.
(أ): النوع الأول: التصوير المجسم: "أن الصورة الجسمية هي جوهر متصل بسيط لا وجود لمحله دونه قابل للأبعاد الثلاثة المدركة من الجسم في بادئ النظر والجوهر الممتد في الأبعاد كلها المدرك في بادئ النظر بالحس، وهذا ما يعرف بذوات الظل من المجسمات، التي تتميز عن غيرها بأن لها طولاً وعرضًا، وعمقًا، ويكون لها جسم بحيث تكون أعضاؤها نافرة وبارزة تشغل حيزًا من الفراغ، وتتميز باللمس بالإضافة إلى تميزها بالنظر فيكون عند النظر إلى هذا النوع من الصور كالمخلوق
…
".
وهذا النوع من الصور قد تصنع من جبس أو نحاس أو حديد أو خشب أو حجر أو غير ذلك مما له جرم ومحسوس.
انظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 65)، "مفردات ألفاظ القرآن" للراغب الأصفهاني (ص 196).
(ب): النوع الثاني: التصوير اليدوي:
وقد عرف بأنه "من تمثيل الأشخاص، والأشياء بالألوان".
وجاء في "المعجم الوسيط"(ص 528): التصوير اليدوي غير المجسم: "أنه نقش صورة الأشياء، أو الأشخاص، على لوح، أو حائط، أو نحوهما بالقلم، أو بالفرجون أو بآلة التصوير".
(جـ): النوع الثالث: التصوير الضوئي "الفوتوغرافي" وهو آلة تنقل صور الأشياء بانبعاث أشعة ضوئية من الأشياء التي تسقط على عدسة في جزئها الأمامي، ومن ثم إلى شريط أو زجاج حساس في جزئها الخلفي، فتطبع عليه الصورة بتأثير الضوء فيه تأثيرًا كيماويًا".
"المعجم الوسيط"(ص 528).
فائدة رقم (2): الألفاظ ذات الصلة بالتصوير:
1 -
التمثال: هو اسم للشيء المصنوع، مشبهًا بخلق من خلق الله حيوانًا كان أو جمادًا.
انظر: "فتح الباري"(10/ 401).
2 -
الرسم: وهو تمثيل الأشياء، والأشخاص بالألوان يدويًا.
"المعجم الوسيط"(ص 345).
والمشهور في عرف الناس إطلاق لفظ "الرسم" على ما يوافق إطلاقه اللغوي وهو استعماله في تصوير الصور المسطحة باليد دون الصور المجسمة من ذوات الظل أو الآلية ومن ذلك: الرسوم المتحركة وهي التي كانت ترسم يدويًا. ثم تجمع وترتب لها الأصوات والحركات.
3 -
النحت: ويطلق على تقطيع الخشب، والجبال.
قال تعالى: {وتنحتون من الجبال بيوتًا فارهين} [الشعراء: 149]. ويطلق ويراد به النشر والقشر.
والنحت في الاصطلاح: هو الأخذ من كتلة صلبة كالخشب والحجر بأداة حادة كالإزميل، أو السكين، حتى يكون ما يبقى منها على الشكل المطلوب، فإن كان ما بقي يمثل شيئًا آخر فهو تمثال أو صورة وإلا فلا".
"المعجم الوسيط"(ص 906).
4 -
النقش والرقم والتزويق والوشي:
- النقش: هو تلوين الشيء بلونين أو بألوان".
وقال في "معجم الفقهاء"(ص 486): النقش بفتح فسكون، من نقش، وجمعه نقوش، ما يرسم أو يطرز من الرسوم على الأشياء.
الرقم: لغة: التخطيط يقال: ثوب مرقوم ومرقم أي مخطط.
واصطلاحًا: يطلق على كل رسم لا ظل له، وذلك كالتطريز على الثوب، والورق ونحو ذلك، سواء كان التطريز بالقلم، أو بفرشة أو أي آلة من آلات الرسم، أو الكتابة، وسواء كان التطريز كتابة أو خطوطًا فقط أو كان صورًا منقوشة مسطحة.
التزويق: يطلق ويراد به التحسين.
وأصل الزاووق: نوع من الدهن يخلط مع الذهب ويدهن به الشيء المراد تزيينه وتحسينه، فإذا وضع في النار ذهب "الزاووق" وبقي الذهب صافيًا حسنًا. ثم توسعوا في استعماله حتى أطلقوا على كل منقش ومزين، ومحسن وإن لم يكن فيه زاووق، فلم يقتصر فيه على جعل الزاووق مع الذهب وطلي الشيء المراد تزيينه وتحسينه، بل تدرج بهم الاستعمال إلى أن أطلقوه بعد على التصاوير المنقوشة والمرسومة باليد.
"القاموس"(ص 1151). "معجم مقاييس اللغة"(6/ 114).
الوشي: يطلق ويراد به التزيين، والتحسين، والتنقيش، ويطلق على الألوان.
قال في "اللسان"(3/ 934): وشى الثوب وشيًا وشيه: حسنه، ووشاه نمقه ونقشه وحسنه
…
".
فائدة رقم (3) علل تحريم التصوير:
1 -
في التصوير من المضاهاة لخلق الله تعالى، وتشبيه فعل المخلوق بفعل الخالق سبحانه، فمن صور شيئًا من ذوات الروح فقد وقع في المضاهاة المنهي عنها بمجرد انتهائه من صناعتها، سواء كانت الصورة ممن ذوات الظل أو غير ذوات الظل.
(أ): إذا أراد بفعله: التكسب المادي، أو التسلي، أو غير ذلك من الأغراض التي لا يقصد من ورائها الإبداع وإظهار القدرة البشرية على أنها تشابه قدرة الخالق سبحانه وتعالى.
فهذا الصنيع المجرد عن قصد المضاهاة يعد محرمًا وكبيرة من كبائر الذنوب ولكنه لا يبلغ بصاحبه إلى حد الكفر.
وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون".
(ب): أما من صنع الصورة بقصد محاكاة فعل الخالق بفعله فإنه يكون بهذا القصد كافرًا.
وقد تقدم الحديث: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون الذين يضاهون خلق الله
…
".
انظر: "فتح الباري"(10/ 397)، "مغني المحتاج"(3/ 247 - 248).
2 -
كون تصوير ذوات الأرواح وسيلة إلى الغلو فيها من دون الله تعالى، وربما جر ذلك إلى عبادة تلك الصورة، وتعظيمها، وسيما إن كانت الصورة لمن يحبهم الناس ويعظمونهم سواء كان ذلك تعظيم علم وديانة، أو تعظيم سلطان ورئاسة أو تعظيم صداقة وقرابة.
أخرج البخاري في صحيحه رقم (4920) عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر قال:"هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون إليها أنصابًا، وسموهم بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت".
3 -
أن صناعة صور ذوات الروح المحرمة واتخاذها فيه تشبه بفعل من كانوا يصنعون الصور والتماثيل ويعبدونها من دون الله تعالى. سواء كان المصور قاصدًا التشبه بأولئك أم لا، فمجرد صناعته للصورة أو استعمالها على وجه محرم بنصب، أو تعليق أو نحو ذلك يكون حاله شبيهًا بحال المشركين ومقلديهم الذين كانوا يصنعون الصور، ويضعونها في معابدهم، أو بيوتهم تقديسًا وتعظيمًا لها.
هذا إن لم يكن للمصور قصد في التشبه، أما إذا كان قاصدًا التشبه فإن إثمه أعظم وذنبه أشد وأكبر ربما وصل به إلى الكفر بالله تعالى.
انظر: "إغاثة اللهفان"(2/ 322 - 340)، "مغني المحتاج"(3/ 247).
4 -
كون صور ذوات الروح مانعة من دخول الملائكة إلى مكان وجودها وقد ورد هذا التعليل في قوله صلى الله عليه وسلم "إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة". تقدم تخريجه.
انظر: "حاشية ابن عابدين"(1/ 649) بتحقيقنا.
5 -
ويعلل بعضهم لتحريم الصور صناعة واستخدامًا: بالنهي عن إضاعة المال وتبذيره، وأن الإنسان مسئول عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وإنفاق المال في التصوير والصور مما لا ضرورة إليه ولا مصلحة تترتب عليه فيه إسراف، وتبذير، وإن كان قليلاً، لأن إنفاقه في غير محله، فأيما درهم أنفق في غير محله فهو إسراف ومجاوزة لحد الإنفاق المباح. فكما أن التقتير تضييق ونقص في الإنفاق، فالإسراف زيادة ومجاوزة للحد في الإنفاق، وكلاهما منهي عنه بقوله تعالى:{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا} [الفرقان: 67].
فائدة رقم (4): من أحكام التصوير:
1 -
حكم صناعة صور المصنوعات البشرية وتحسينها: والمراد بالمصنوعات البشرية كل ما يكون ليد المخلوق فيه تأثير، وتغيير وصناعة، والصناعة إجادة الفعل وإتقانه ويشمل كل المنتوجات والمصنوعات كالطائرات، والسيارات والسفن البحرية وجميع الآلات الميكانيكية بشتى أنواعها، وكذلك يشمل بنيان الدور، والمصانع ونحوهما مما لم يذكر هنا. وإن كان أصل المادة مخلوقًا لله سبحانه وتعالى، كما بين الله ذلك بقوله جل ذكره.
{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة: 29].
الرأي الراجح: وهو الجواز ذهب إليه جماهير العلماء ومن أدلتهم.
1 -
): ما تقدم من حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس تعذبه في جهنم" ثم قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فإن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له".
2 -
): حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في باب البيت تمثال الرجال، وكان قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال فليقطع، ومر بالستر فيقطع فيجعل منه وسادتين منبوذين".
3 -
): وما أخرجه البخاري رقم (5961) ومسلم رقم (97) من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة النمرقة التي فيها تصاوير حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم" تقدم تخريجه.
انظر: "حاشية ابن عابدين"(1/ 649)، "فتح الباري"(10/ 409).
- حكم صناعة المخلوقات الكونية:
المراد بالمخلوقات الكونية في هذا المطلب: كل ما كان باقيًا على هيئته وخلقته التي خلقه الله عليها من المخلوقات الجامدة والتي لا يمكن أن يكون ليد المخلوق فيه أي تعديل، أو تغيير، أو صناعة وذلك مثل صورة الشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والبحار، والأنهار والأودية.
الراجح: جواز تصوير سائر المخلوقات الكونية ومن أدلتهم: حديث أبي هريرة والذي فيه قول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: "فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع، فيصير كهيئة الشجرة
…
".
فالشاهد من الحديث: هو قول جبريل عليه السلام: "فمر برأس التمثال الذي في البيت فليقطع كهيئة الشجرة
…
".
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(29/ 370): "فيجوز تصوير الشجر والمعادن في الثياب، والحيطان، ونحو ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ"، ولهذا قال ابن عباس لمن استفتاه "صور الشجرة، ومالا روح فيه" - تقدم تخريجه وفيه:" ما لا نفس له ". ولعل ابن تيمية ذكر المعنى - وفي "السنن" عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل قال له في الصورة: "فمر بالرأس فليقطع
…
" ولهذا نص الأئمة على ذلك وقالوا: الصورة هي الرأس لا يبقى فيها روح فيبقى مثل الجمادات".
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(10/ 394): قوله: "من صور صورة في الدنيا" كذا أطلق وظاهره التعميم، فيتناول صورة ما لا روح فيه، لكن الذي فهم ابن عباس من بقية الحديث التخصيص بصورة ذوات الأرواح من قوله:"كلف أن ينفخ فيها الروح" فاستثنى ما لا روح فيه كالشجر.
3 -
حكم صناعة صور غير ذوات الأرواح من الأجسام النامية:
الراجح: جواز صناعة صور الأشجار والزروع وسائر النباتات مثمرة وغير مثمرة. وإلى هذا ذهب جماهير العلماء وفي مقدمتهم: أصحاب المذاهب الأربعة سواء كانت تلك الصور مجسمة أو مسطحة، ويدخل في ذلك جواز صناعة الصور المذكورة بالآلات الحديثة.
ودليلهم
…
ما تقدم من حديث أبي هريرة وقول جبريل: "فمر برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة".
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما وقوله لمن سأله: "فإن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له
…
".
4 -
حكم صناعة التماثيل الكاملة مما يبقى، ويدوم طويلاً:
والراجح: تحريم صناعة التماثيل المجسمة لذوات الأرواح مطلقًا ما عدا لعب الأطفال فقط.
وهذا قول جماهير العلماء قاطبة.
من أدلتهم:
1 -
) قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} إلى قوله تعالى: {لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين} [الأنبياء: 51 - 54].
2 -
) قال تعالى: {أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 95 - 96].
وانظر الآيات من سورة الأعراف (138 - 139) وفيها. {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها
…
}.
3 -
) ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4287) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبًا فجعل يطعنها بعود في يده وهو يقول: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا} .
انظر: مزيد تفصيل في فتح الباري (7/ 610)، "إغاثة اللهفان"(2/ 408).
5 -
حكم صناعة التماثيل الكاملة مما لا يدوم طويلاً:
والمراد بالتماثيل التي لا تبقى وتدوم طويلاً، ما يصنع من مواد غير قابلة للبقاء لفترات طويلة، وذلك مثل ما يصنع من الطين، والحلوى، والعجين، وقشر البطيخ ونحو ذلك.
والراجح: تحريم صناعة التماثيل لذوات الأرواح مطلقًا سواء كانت صناعتها من مادة تبقى وتدوم طويلاً، كالحديد، والخشب ونحوهما. أو كانت من مادة لا تبقى طويلا، كالطين، والحلوى وما يسرع إليه الفساد.
وإلى هذا ذهب الحنفية والجمهور من المالكية والشافعية وهو المفهوم من مذهب الحنابلة
…
".
انظر: "فتح الباري"(10/ 390)، "كشاف القناع"(1/ 280).
استدلوا على ذلك: بعموم النهي عن صناعة التماثيل من ذوات الروح مطلقًا، والذي ورد في عدد من الأحاديث دون استثناء لأي نوع من الأنواع. أو صناعة من الصناعات أو مادة من المواد، فيبقى الحكم على الأصل وهو التحريم، ومن خص نوعًا أو صناعة، أو مادة من المواد فعليه الدليل.
انظر: "نهاية المحتاج"(3/ 384).
6 -
حكم صناعة التماثيل الناقصة والنصفية، والمشوهة:
اتفق جماهير العلماء على جواز صناعة التماثيل لذوات الروح، إذا كانت مقطوعة الرءوس قطعًا كاملاً، يزيل الرأس بعيدًا عن الجسد.
كما أنهم لم يعتبروا وضع الخيط في العنق قطعا للرأس، لأن ذلك لا يخرج الصورة عن كونها صورة، بل ربما زادها ذلك الفعل كمالاً، وجمالاً وزينة، كما يوجد في بعض الطيور ذوات الأطواق من الحمام ونحوها.
ولكن وقع الخلاف فيما إذا كانت الصورة ناقصة عضو، أو أعضاء مما لا تبقى الحياة مع فقدها، أو فقد واحد منها إذا فقدت من الحي، مع بقاء الرأس، فاختلفوا في هذه الحالة على قولين.
(أ): تحريم صناعة التماثيل والصور المجسمة وغيرها ما دام الرأس باقيًا على الجسد سواء كانت لصورة نصفية، أو مشوهة، أو ناقصة أعضاء لا تبقى الحياة إذا فقد شيء منها، لو فرض زوالها من حي.
وإلى هذا ذهب بعض الشافعية والمتأخرين من الحنابلة.
انظر: "تحفة المحتاج"(7/ 434)، "نهاية المحتاج"(6/ 375 - 376).
وهو الراجح. والله أعلم
(ب): أنه إذا قطع من الصورة أي عضو من الأعضاء التي لا يمكن بقاء الحياة مع فقدها لو فرض زوالها من الحي، فإن ذلك يكفي لإباحة الصورة، وزوال المانع، ولو كان الرأس باقيًا في الصورة.
انظر: "بدائع الصنائع"(6/ 2968)، "فتح الباري"(10/ 394)، "تحفة المحتاج"(3/ 216).
7 -
حكم صناعة لعب الأطفال المجسمة:
(أ): حكم صناعة اللعب من العهن والرقاع كما كان في العهد القديم:
الجواز مطلقًا، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية وبعض المتأخرين من الحنابلة.
انظر: "فتح الباري"(10/ 395).
واعتمدوا في ذلك على ما أخرجه البخاري رقم (6130) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسر بهن إلي فيلعبن معي".
قال الحافظ في "الفتح"(10/ 527): واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن. وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور. وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن.
وما أخرجه أبو داود رقم (4932) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة - لعب - فقال:"ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي! ورأى بينهن فرسًا له جناحان من رقاع، فقال: "ما هذا الذي أرى وسطهن؟ " قال: فرس! قال: "وما هذا الذي عليه؟ " قالت: جناحان، قال: "فرس له جناحان؟! " قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟! "قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه". وهو حديث صحيح.
والسهوة: شبيها بالرف، والطاق يوضع فيه الشيء. قاله الخطابي في معالم السنن (5/ 227).
(ب): حكم صناعة اللعب من البلاستيك مما جد في هذا العصر وفيه قولان:
1 -
): تحريم صناعة اللعب من البلاستيك متى كانت لذوات الأرواح.
انظر: "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان"(3/ 281).
2 -
): الجواز وذهب إليه الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والشيخ القرضاوي والدكتور عبد الله ناصح علوان.
انظر: "تربية الأولاد في الإسلام"، "أحكام التصوير في الشريعة الإسلامية".
8 -
صناعة الصور المسطحة على وجه الامتهان [منقوشة باليد]:
تحريم صناعة صور الأرواح مطلقًا. لما تقدم من الأدلة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله".
انظر: "حاشية ابن عابدين"(1/ 647) و"نهاية المحتاج"(6/ 375 - 376).
9 -
صناعة الصور المسطحة المنقوشة مما لا يعد ممتهنًا:
ذهب الجمهور إلى تحريم صناعة الصور المنقوشة التي لا تعد للامتهان، كما لو كانت ممتهنة، بل وأشد تحريمًا ومنعًا من ذلك.
"شرح صحيح مسلم" للنووي (14/ 81)، "حاشية ابن عابدين"(1/ 649).
10 -
حكم صناعة المنقوشة باليد بدون الرأس: الجواز وذهب إلى هذا جماهير العلماء. للحديث المتقدم وفيه: "فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة".
11 -
حكم صناعة الصورة المنقوشة باليد لذوات الأرواح: إذا كانت نصفية أو ناقصة عضو من الأعضاء التي تزول الحياة بزوالها من الحي حالة كون الرأس باقيًا. (عدم الجواز) وقد تقدم ذكر ذلك.
12 -
حكم صناعة ما فصل رأسه عن الجسد بخيط ونحوه:
قال في "بدائع الصنائع" للكاساني (6/ 2968): فإن قطع رأسه، بأن خاط على عنقه خيطًا فذاك ليس بشيء، لأنها لم تخرج عن كونها صورة، بل ازدادت حية كالطوق لذوات الأطواق من الطيور".
وقال في "حاشية ابن عابدين"(1/ 648): وأما قطع الرأس عن الجسد بخيط مع بقاء الرأس على حاله، فلا ينفي الكراهة.
13 -
حكم صناعة الصور الخيالية:
الصور الخيالية: كل ما تصوره الشخص بعقله، وتوهمه بفكره من هيئات، وأشكال المخلوقات سواء كان مما له نظير، ووجود في الواقع، أو لم يكن - وسواء كانت من ذوات الأرواح - كرجل له منقار، أو فرس له جناحان - كما يتصور بعض الكتاب في الجرائد والمجلات: أن صورة الشيطان على شكل صورة حيوان مخيفة له قرنان، وذيل
وفي المسألة فيها قولان:
القول الأول: تحريم صناعة الصور الخيالية إذا كانت لذوات الأرواح. ولو كانت لما نظير له في الواقع، كبقر لها مناقير، أو فرس له جناحان أو غير ذلك، وهذا هو رأي الجماهير من فقهاء المذهب الشافعي. وهو الظاهر من كلام بعض الحنفية، وجمهور الحنابلة على حكم صناعة صور ذوات الروح عمومًا، حيث إنهم يرون تحريم صناعة الصور لذوات الأرواح مطلقًا.
ومن أدلتهم: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم".
القول الثاني: في مذهب الشافعية: جواز صناعة الصور لما لا نظير له من الإنسان أو الحيوان. ولم يقدموا دليلاً على ذلك.
والراجح هو القول الأول والله أعلم.
14 -
حكم صناعة الصور الفوتوغرافية الكاملة:
الراجح والله أعلم يقضي بتحريم التصوير الفوتوغرافي وأنه لا يجوز من ذلك إلا ما دعت إليه ضرورة أو مصلحة عامة.
انظر: "مغني المحتاج"(3/ 248)، "حاشية ابن عابدين"(1/ 648 - 649)، "الجواب المفيد في حكم التصوير"(ص 11 - 22)، "التمهيد"(21/ 200)، "كشاف القناع"(1/ 280)
بد فاعلاً فاجعل الشجر، وما لا نفس له"؛ فإن هذا يفيد جواز تصوير أشكال ما لا نفس له من الجمادات، كصور الجبال، والأودية، والسماء والأرض، والشجر، ومما
يفيد الاختصاص بصور الحيوانات قوله في حديث ابن عمر المتقدم: "أحيوا ما خلقتم"؛ فإن التحدي بالإحياء، وتكليف المصورين بنفخ الأرواح في الأجسام التي صوروها لا يكون إلا إذا كانت الأجسام المصورة حيوانية لا جمادية.
ومثل ذلك ما تقدم في حديث ابن عباس (1) الآخر بلفظ: "من صور صورة عذبه الله بها يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح، وما هو بنافخ".
المسألة الرابعة: قال - كثر الله فوائده -: وهل ذلك مما يجب فيه الإنكار أم لا؟.
أقول: قد تقرر بأدلة الكتاب العزيز (2)، والسنة المطهرة (3) أن إنكار المنكر من أوجب
(1) تقدم تخريجه.
(2)
(منها): قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران: 104].
ومنها قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} [آل عمران: 110].
ومن الآيات التي تدل على خطورة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قوله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة: 78 - 79]
(3)
أخرج مسلم في صحيحه رقم (49) والترمذي رقم (2172) وابن ماجه رقم (1275، 4013) والنسائي (8/ 11، 112).
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". وهو حديث صحيح.
وأخرج أبو داود رقم (4336) والترمذي رقم (3047) وابن ماجه رقم (4006) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وفيه: "
…
والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرًا".
وهو حديث حسن بشواهده.
الواجبات [3 أ]، بل ورد في السنة ما يفيد أن هذا هو أعظم قواعد الدين، وأقوى دعائمه وأشد أركانه، وأن هذه الأمة لا تزال بخير ما أمرت بالمعروف، ونهت عن المنكر، فإذا تركت ذلك حل بها من العقوبة ما هو معروف، ولم يقع الخلاف بين المسلمين في وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإن اختلفوا في بعض تفاصيله وشروطه، وكيف لا يجمعون على وجوب ذلك وتحريم تركه! وقد صرح به القرآن الكريم في عدة مواضع، وجاء في السنة المطهرة من ذلك ما لو جمع لكان مؤلفًا بسيطًا. وقد قررنا فيما سبق أن تصوير الحيوانات حرام (1).
وتقرر بأدلة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أن كل محرم يجب إنكاره، فالتصوير حرام، وكل حرام منكر، فالتصوير منكر، وكل منكر يجب إنكاره، فالتصوير يجب إنكاره، وأدلة هذه المقدمات معلومة مما تقدم. لا شك فيه من يتعقل الحجج الشرعية. ولكنه بقي هاهنا بحث يحتاج إلى التعرض لبيانه، فإنه يقع السؤال عنه كثيرًا، ويستشكله كثير من أهل العلم، وهو ما وقع في كتب أهل العلم رحمهم الله من اشتراط كون التمثال (2) تمثال حيوان كامل مستقل، أو منسوخ، أو ملحم لا مطبوع.
واعلم أن الظاهر من الأدلة [3 ب] اعتبار الكمال، لأن التحريم والوعيد في تلك الأدلة واللعن للمصورين إنما هو في تصوير الحيوانات، والمعنى الحقيقي لهذا هو أن تكون الصورة صورة حيوان كاملة، لأن من صور بعض حيوان لا يصدق عليه أنه صور حيوانًا، بل بعض حيوان، والوعيد إنما ورد على تصوير الحيوان، ولكنه لا بد من اعتبار ما ذكره أهل العلم من ذلك، وهو أنه إذا كان التمثال (3) خاليًا عن بعض ما لا تستقيم
(1) تقدم ذكره.
وانظر: "بدائع الصنائع"(6/ 2968)، "فتح الباري"(10/ 402)
(2)
تقدم ذكره.
(3)
(أ): اتفق جماهير العلماء على جواز صناعة التماثيل لذوات الروح، إذا كانت مقطوعة الرءوس قطعًا كاملاً، يزيل الرأس بعيدًا عن الجسد.
(ب): تحريم صناعة التماثيل والصور المجسمة وغيرها ما دام الرأس باقيًا على الجسد سواء كانت الصورة نصفية، أو مشوهة، أو ناقصة الأعضاء لا تبقى الحياة إذا فقد شيء منها، لو فرض زوالها من الحي.
انظر: "حاشية ابن عابدين"(1/ 648)، "تحفة المحتاج"(7/ 434)
حياة الحيوان إلا به كان تمثالاً غير محرم، لأنه ليس تمثال حيوان على الحقيقة.
وأما إذا كان التمثال خاليًا عن بعض الأعضاء التي يعيش الحيوان بدونها، ويوجد في الخارج كذلك كالعينين، أو الأذنين، أو نحو ذلك، فهذا وإن نقص منه بعض الأعضاء فهو حيوان كامل، لأنه على شكل حيوان من الحيوانات التي توجد في الخارج، والاعتبار في كل فرد من أفراد الحيوانات بنوعه الذي قصد المصور تصويره، فلو صور شكل نصف إنسان قاصدًا بذلك تصوير النسناس الذي يقول كثير من المؤرخين أنه موجود، وأنه على شكل نصف إنسان كان ذلك التصوير حرامًا على فرض وجود هذا الحيوان في الخارج، فاعتبر بهذا في غير هذه الصورة.
وأما اعتبار كونه مستقلاً بنفسه، أو منسوخًا، أو ملحمًا لا مطبوعًا، فقد استدل على ذلك بأن زيد بن خالد الراوي للحديث السابق عن أبي طلحة دخل عليه في مرضه [4 أ] بشر بن سعيد يعوده؛ فإذا على بابه ستر فيه صورة، قال بشر: فقلت لعبيد الله الخولاني ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: "إلا رقمًا في ثوب". هكذا في سنن أبي داود (1)، وهو بعض من حديث أبي طلحة السابق، وقد أخرجه غيره كما تقدم، ولكنه لا يخفى أن هذا المروي من قول زيد بن خالد لا بد أن يصح رفعه من طريق أبي طلحة، فإذا صح رفعه فقد عورض بمثل الحديث السابق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر عمر يمحو كل صورة في الكعبة فمحاها، والمحو لا يكون إلا
(1) تقدم ذكره.
لما هو مطبوع، ومثله حديث ابن عباس السابق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالصور التي في البيت فمحيت. ومن ذلك الأحاديث الصحيحة الواردة في تحريم تصوير الصور؛ فإن ظاهرها أعم من المطبوع وغيره، فالواجب البقاء على ما توجبه هذه الأدلة العامة حتى يصح رفع ما قاله زيد بن خالد من وجه صحيح تقوم الحجة بمثله.
وأما ما وقع في كتب الفقه من أن التصوير إذا كان فراشا (1) فلا بأس به، فقد استدلوا على ذلك بما تقدم في حديث قرام عائشة، وأنها قطعته وسادتين، وارتفق عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في رواية صحيحة، ومثله ما تقدم في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره جبريل بأن يقطع الستر وسادتين [4 ب] توطئان، وفي ذلك دليل على جواز بقاء الصور المصورة إذا كانت قد صارت فراشًا، ولكنه لا يدل على جواز تصوير الصور على الفراش، بل التصوير حرام على المصور على أي صفة كان، فإذا فعل فقد فعل المحرم. ومن صارت إليه الصورة فجعلها فراشًا فقد برئ بذلك من وجوب إنكار المنكر عليه. وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. والله ولي التوفيق [5 أ].
(1) جواز استخدام الفرش والسجاجيد التي فيها صور ذوات الروح إذا كانت توطأ، وتمتهن دون أن تعلق، أو تنصب وهذا مذهب جماهير العلماء من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم بما في ذلك الأئمة الأربعة.
قال ابن عبد البر في "التمهيد"(21/ 196) وهذا هو أعدل المذاهب كلها ومن حمل عليه الآثار لم تتعارض.
انظر: "الإنصاف"(8/ 336)، "بدائع الصنائع"(1/ 337)، "المدونة الكبرى"(1/ 91).