المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حل الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١٠

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌مناقشة العلامة حسن بن يحيى الكبسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني

- ‌هذا ما تعقب به الأخ العلامة شرف الإسلام الحسين بن محمد العنسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني

- ‌هذا ما تعقب به شيخنا العلامة بدر الإسلام محمد بن علي الشوكانيعلى الأخ العلامة الحسين بن محمد العنسي عافاه الله تعالى لما حرره على بحث الجلال في حد قاذف الرجل

- ‌بحث في مسائل الوصايا

- ‌إقناع الباحث بدفع ما ظنه دليلا على جواز الوصية للوارث

- ‌جواب سؤال ورد من أبي عريش حول الوصية بالثلث

- ‌المباحث الدرية في المسألة الحمارية

- ‌إيضاح القول في إثبات العول

- ‌بحث في تعداد الشهداء الواردة بذكرهم الأدلة

- ‌ترجمة علي بن موسى الرِّضا

- ‌رسالة في حكم صبيان الذميين إذا مات أبوهم

- ‌حل الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌توضيح وجوه الاختلال في إزالة الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌الإبطال لدعوى الاختلال في رسالة إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌إرسال المقال على إزالة الإشكال

- ‌تفويق النبال إلى إرسال المقال

- ‌تنبيه الأمثال على عدم جوز الاستعانة من خالص المال

- ‌بحث في التصوير

- ‌إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع

الفصل: ‌حل الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال

‌حل الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 4995

وصف المخطوط: (أ)

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: حل الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال.

2 -

موضوع الرسالة: "فقه".

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

4 -

آخر الرسالة:" .... فربما كانت هذه الأحموقة محمودة عند الله تعالى.

كمل من تحرير جامعه محمد بن علي الشوكاني حفظ الله به الدين وأقام به عمود الدين، وكان التحرير والجمع يوم الجمعة شهر القعدة سنة 1205 هـ وصليت على نبينا محمد وآله وصحبه آمين.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: 7 صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 23 سطرًا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 23 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 4997

وصف المخطوط: (ب)

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: إزالة الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال.

2 -

موضوع الرسالة: "فقه".

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي وأسلم على رسولك وآله وصحبه. قلتم طول الله مدتكم وحرس مهجتكم في مشرفكم.

4 -

آخر الرسالة:

مدينة صنعاء المحمية بالله تعالى، كتبه الفقير إلى الله عبد الرحمن بن أحمد البهلكي.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: 6 صفحات ما عدا صفحة العنوان.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 28 سطرًا ما عدا الصفحة السادسة فعدد أسطرها 7 أسطر.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 13 كلمة.

9 -

الناسخ: عبد الرحمن بن أحمد البهكلي.

10 -

الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 5000

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمدك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي على رسولك وآله وصحبه. قلتم - طول الله مدتكم وحرس مهجتكم في مشرفكم-: هل من دليل يدل على إجبار اليهود على التقاط الأزبال؟

فأقول: لم أقف قبل كتب هذه الأحرف على كلام في ذلك لأحد من العلماء، وقد خطر بالبال حال زبر هذه الأحرف من الأدلة خمسة عشر دليلًا.

الأول: قال الله تعالى:} حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ {(1) ضرب الله- جل جلاله[لجواز](2) مصالحة الكفار غاية هي إعطاء الجزية، وقيدها بالجملة الحالية (3) وهي قوله: وهم صاغرون، إشعارًا بأن مجرد إعطاء الجزية غير كاف في جواز الموادعة والمصالحة، وحقن الدماء، وجعلها اسمية تنبيهًا على دوام الصغار لهم وثباته كما

(1)[التوبة: 29].

(2)

زيادة من (أ).

* على الصفحة الأولى من المخطوط (أ) ما نصه: هذا الجواب على سيدي العلامة الروح عيسى بن محمد بن الحسين حفظه الله تعالى.

(3)

قال الشوكاني في "السيل الجرار"(3/ 776 - 777): وجهه أن الله سبحانه قد قال في محكم كتابه: " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون "[التوبة: 29]. فهذه الجملة حالية قد أفادت أنه ينزل بهم ما فيه صغار في ملبوسهم وبيوتهم ومركوبهم، ونحو ذلك من شئونهم، ويمنعون مما يخالف الصغار، وهو التشبه بالمسلمين في ملبوسهم وبيوتهم ومركوبهم ونحو ذلك، وقد أخذ عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عهدًا ذكر فيه ما يعتمدون عليه في حالهم ومالهم ومساكنهم وكنائسهم، ومن جملته: أنهم لا يتشبهون بالمسلمين في ملبوساتهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، وفيه أنهم يجزون مقاديم رءوسهم وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم، ولا يظهرون صليبًا ولا شيئًا من كتبهم في طريق المسلمين، وفيه أنهم لا يضربون ناقوسًا إلا ضربًا خفيفًا، ولا يرفعون أصواتهم بالقراءة في شيء في حضرة المسلمين، وهذا العهد العمري.

انظر: "المحلى"(7/ 346 - 347).

ص: 5005

قرره أئمة البيان، وصرح به العلامة في مواضع من كشافه (1)، وقرره السعد في جميع كتبه، واعتبار السكاكي، والشريف، وصاحب المجاز للمقامات غير قادح في المطلوب لقضاء المقام بذلك بلا نزاع فهو إجماع.

وضمير الجماعة ظاهر في تعلق الحكم بكل فرد، فلا يصار إلى غيره إلا لموجب، وهذا على فرض تجرده عن الأدلة العاضدة لذلك الظاهر، أما مقام النزاع فهو فيه معقود بالنص والإجماع.

وإهمال اعتباره فيما نحن فيه مستلزم لجواز تقرير بعض أهل الذمة على الصلح بلا جزية ولا صغار، وهو باطل.

أما الأولى: فلأن هجر الظاهر موجب لعدم التعلق بالكل الإفرادي، وغايته التعلق بالمجموع من حيث هو، وأنه غير مناف لخروج البعض.

وأما الثانية: فالنص والإجماع قاضيان قضاء لا ينكر ببطلان تقرير أهل الذمة في جزيرة المسلمين بلا قتال ولا جزية وصغار.

إذا تقرر أن كل فرد من أفراد أهل الذمة لا ينفك عن الصغار بحكم الشرع، وأن الصغار هو الذلة والإهانة كما تقرر في اللغة (2) فدعوى اختصاصه ببعض ما فيه ذلك، أو بوقت دفع الجزية أخذًا بظاهر التقييد ممنوع؛ لأن الأولى تحكم محض.

والثانية: تفت في عضدها أنه يصدق على الذمي أنه معط للجزية في جميع أوقات المصالحة، وإلا لزم بطلان مصالحته، [فأمانه](3) في وقت عدم الإعطاء بالفعل وهو باطل، وهذا يعود إلى الخلاف في اشتراط بقاء المعنى في إطلاق المشتق (4).

وقد تقرر [1] في الأصول أنه باعتبار الماضي حقيقة على قول، ومجاز على آخر،

(1) انظر: "الكشاف"(3/ 32).

(2)

انظر: "لسان العرب"(7/ 352).

(3)

في (ب) وأمانه.

(4)

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 97 - 98).

ص: 5006

وباعتبار المستقبل مجاز بالاتفاق كما قرره العضد وشارح الغاية.

قال سعد الملة في المطول ما لفظه: قلت: لا خلاف في أن اسم الفاعل والمفعول فيما لم يقع كالمستقبل مجاز، وفيما هو واقع كالحال حقيقة، وكذا الماضي عند الأكثرين.

فانظر كيف جعل الماضي كالحال في أنه حقيقة، ونسبه إلى الأكثرين لا كما وقع في شرح الغاية من نسبة ذلك إلى أبي علي، وأبي هاشم، وابن سينا فقط. وقد نسبه الشلبي إلى الشافعية وعبد القاهر (1).

وعلى الجملة فإن كل ما في القرآن والسنة من هذا القبيل إلا القليل النادر، وقد جود البحث في ذلك المحلي في شرح جمع الجوامع، وابن أبي شريف في حاشيته.

إذا عرفت هذا علمت أن إعفاء اليهود عن التقاط الأزبال الذي هو أعظم أنواع الصغار وأهمها لا سيما مع استلزامه لإلصاق هذا العار الهادم لكل شعار بالمسلمين - لا محالة- يعود على الفرض المقصود من المصلحة الباعثة على المصالحة بالنقض، ويخدش [1 أ] في وجه تبلج الإسلام خدشًا تظهر للسرور به أسارير وجه الكفر، فلينظر المتفكر، وليتأمل المعتبر ما وسم به المسلمون من التقاط أزبال اليهود، وأي الفريقين صاحب الصغار عند مباشرة المسلمين لهذه النقيصة المشوهة} إنا لله وإنا إليه راجعون {(2) أي مذلة احتملها المسلمون، وأي ضعة ومهانة صبر عليها الأولون؟!

الدليل الثاني: قال الله تعالى:} وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ {(3). وقال عز وجل:} ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ {(4).

(1) انظر: "المحصول"(1/ 239)، "التقرير والتحبير"(1/ 162).

(2)

[البقرة: 156].

(3)

[البقرة: 61].

(4)

[آل عمران: 112].

ص: 5007

قال جار الله الزمخشري (1) في تفسير الآية: جعلت [الذلة](2) محيطة بهم، مشتملة عليهم، فهم فيها كما يكون في القبة من ضربت عليه، أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضرب لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه.

وقال (3) في تفسير الآية الثانية: والمعنى ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس، يعني ذمة الله وذمة المسلمين؛ أي: لا عز لهم قط إلا هذه الواحدة وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوا الجزية، ثم قال: وضربت عليهم المسكنة كما يضرب البيت على أهله، فهم ساكنون في المسكنة غير ظاعنين عنها، وهم اليهود عليهم لعنة الله وغضبه. انتهى.

إذا تقرر هذا فربك - جل وعز- قد أخبرك في كتابه أن الذلة مضروبة على اليهود، دائمة لهم بدوامهم، شاملة لجميع الأشخاص في جميع الأزمان، على جميع الأحوال، وليس المراد بذلك الأمر [2] الخلقي الجبلي، بل المراد التسليط عليهم، فلا تزال الحوادث تطرقهم، والمصايب تتعاورهم على ممر الدهور، وتعاقب العصور، وليس المراد بالذلة المضروبة [الذلة الحاصلة بسبب خاص، أو ببعض معين؛ لأن ذلك تحكم لم يدل عليه دليل، بل المراد](4)[إلا](5) الذلة الناشئة عن أي سبب كان من الأسباب التي لم يمنع الشارع منها، فإجبارهم على الالتقاط محصل للذلة المضروبة، وكل محصل للذلة المضروبة جائز، فإجبارهم على الالتقاط جائز.

أو يقال: التقاطهم للأزبال ذلة، وكل ذلة مضروبة عليهم، فالتقاطهم للأزبال مضروب عليهم، أو التقاطهم صادق عليه اسم الذلة، وكل صادق عليه اسم الذلة

(1) في "الكشاف"(1/ 276).

(2)

في (أ) الدلالة.

(3)

أي الزمخشري في "الكشاف"(1/ 610).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

زيادة من (ب).

ص: 5008

مضروب عليهم، فالتقاطهم مضروب عليهم.

أما الصغرى فلا شك أن الإجبار على مثل هذا الصغار من [أبلغ](1) أنواع الذلة في العرف واللغة.

وأما الكبرى فلعدم صحة إرادة ذلة مخصوصة لما عرفت، ويدل لعدم صحة هذه الإرادة قول الله تعالى:} وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ {(2) والمراد بالبعث التسليط كما ذكره العلامة (3)، ولا يخفى ما في الإضافة إلى العذاب المحلى من إباء إرادة المعين وما في جعل يوم القيامة غاية من الدلالة على عدم إرادة مخصوص.

الدليل الثالث: قول الله تعالى:} لهم في الدنيا خزي {(4) قال جار الله (5): قتل، وسبي، أو ذلة بضرب الجزية. وقيل فتح مدائنهم قسطنطينية (6)، ورومية الكبرى، وعمورية.

وأقول: تعين ما به الخزي لا يكون إلا توفيقًا أن يراد به خزي كثير، أو خزي عظيم

(1) في (ب): أعظم أبلغ.

(2)

[الأعراف: 167].

(3)

الزمخشري في "الكشاف"(2/ 526).

(4)

[البقرة: 114]. قال ابن جرير الطبري في "جامع البيان"(1 \ جـ 1/ 500): قوله: (لهم في الدنيا خزي) فإنه يعني بالخزي: العار والشر والذلة إما القتل والسباء، وإما الذلة والصغار بأداء الجزية.

(5)

يعني الزمخشري في "الكشاف"(1/ 313 - 314).

(6)

أخرجه ابن جرير الطبري في "جامع البيان"(1 \ جـ 1/ 501): عن السدي قوله: (لهم في الدنيا خزي) أما خزيهم في الدنيا: فإنهم إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم فذلك الخزي، وأما العذاب العظيم: فإنه عذاب جهنم الذي لا يخفف عن أهله، ولا يقضى عليهم فيموتوا.

وانظر: "الجامع لأحكام القرآن"(2/ 79).

ص: 5009

على جعل التنكير للتكثير، أو للتعظيم، أو مجموعهما على جعله لمجموعهما، ولا يصح القصد إلى فرد من أفراد الخزي، أو إلى نوع منه، لعدم مناسبته لمقام هذا الوعيد الشديد.

إذا تقرر ذلك فاليهود عليهم اللعنة أحق بالخزي العظيم، وما نحن فيه بالغ من العظم إلى غاية لا يقادر قدرها، على أن التنكير هاهنا فيه معنى العموم، وإن لم يصح تناوله للمجموع دفعة كما ذكره الأئمة في نظائره، فيكونون أهلًا لكل فرد من الأفراد الموجبة للخزي.

ولا يخفى فيما تقدم [1 ب] المسند واللازم من المناسبة للمدعي [لما](1) في المقام.

الدليل الرابع: قول الله عز وجل مخاطبًا لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم:} واغلظ عليهم {(2) يعني الكفار؛ أي: اغلظ على جنس الكفار، وعلى كل كافر. وخطابه صلى الله عليه وآله وسلم خطاب لأمته. أما على القول بأن خطابهم يعم أمته إلا لدليل يدل على الفرق فواضح، وأما على القول بأن خطابه الخاص به لا يعم إلا لقرينة [3]، فالقرائن المقتضية لذلك في المقام لا تخفى على عارف، وإذا كان كل فرد من أفراد المسلمين مأمورًا بالغلظة على الكفار فكيف يتردد في جواز إجبار اليهود على الالتقاط وهم أعداء الدين وأهله.

الدليل الخامس: ما وصف الله به أهل الإسلام من قوله:} أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين {(3)، فالعزة على الكفار على وجه الاستعلاء المشهور به من على وصف مادح للمؤمنين، الانخراط في سلكه أمر يرغب إليه كل نفس أبية، ويطلبه كل همة قسورية، وإن ما نحن فيه - لعمر أبيك- حقيق بأن يكون مقدم قافلة ركب العزة، وعنوان ذلك

(1) زيادة من (ب).

(2)

[التوبة: 73]، [التحريم: 9].

(3)

[المائدة: 54].

ص: 5010

الشرف الذي ما صادف غير مجزه، فأي عزة لمسلم يعمد إلى جيوش اليهود، ويحمل أزبالهم! وأي فضيلة لإخوانه المسلمين المقرين له على ذلك العمل! الذي عورت به عين عزة الدين، وجدع به مازن شرفه، وقرت به عين ضلال اليهود! وقال لسان حال عداوتهم: انظروا أينا صاحب الصغار يا أولي الأبصار. وهكذا فلتكن غيرة الإسلام وحمية أهله التي لا تضام.

الدليل السادس: أخرج الطبراني في الصغير (1) من حديث عمر، والدارقطني (2) من حديث عابد المزني مرفوعًا:"الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" وكل عاقل يعلم أن ملابسة المسلمين لهذه المهنة الخبيثة التي لا أوضع، ولا أفظع، ولا أشنع منها دينًا وعقلًا وعرفًا، مع امتناع اليهود منها تعذرًا واستخباثًا منافية للعلو الذي أخبر به الصادق المصدوق، وموجبة لعكس القضية، وكثير من الأخبار النبوية مراد به الإنشاء كحديث:"لا تغزى مكة بعد اليوم، لا يقتل قرشي بعد اليوم"(3) برفع لام يقتل " [والأمانة](4) في الأزد، القضاء في الأنصار، الأذان في الحبشة، الخلافة في .................................

(1)(2/ 153 رقم 948 الروض الداني).

قال الحافظ في (التلخيص)(4/ 231 رقم 2315) ورواه الطبراني في "الصغير" من حديث عمر مطولًا في قصة الأعراب والضب، وإسناده ضعيف جدًّا.

(2)

في "السنن"(3/ 252)، بسند حسن.

قلت: وأخرجه البخاري في صحيحه معلقًا (3/ 218 - كتاب الجنائز باب رقم (79) إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟

قال الحافظ في "الفتح"(3/ 220): لم يعين البخاري القائل وكنت أظن أنه معطوف على قول ابن عباس فيكون من كلامه، ثم لم أجده من كلامه بعد التتبع الكثير

ثم وجدته من قول ابن عباس كما كنت أظنه: ذكره ابن حزم في "المحلى"

(3)

أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 412) والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (1508) والطبراني في "المعجم الكبير"(جـ 20 رقم 691) من حديث مطيع. وهو حديث حسن.

(4)

في المخطوط (القضاء) والصواب ما أثبتناه من مصدر الحديث.

ص: 5011

قريش" (1). ونحو ذلك مما يكثر إيراده. وتخلف هذه في الواقع ضروري لا ينكر، وعدم تخلف الأخبار النبوية ضروري، فلهذا قلنا: إنها أخبار مراد بها الإنشاء.

ولعل حديث: "الإسلام يعلو [ولا يعلى عليه] (2) " من هذا القبيل، فيكون في قوة أمر المسلمين بأن يجعلوه عاليًا ببذل الأنفس والأموال، والتشديد على عداء الله، وهو أدخل في الدلالة على المطلوب.

الدليل السابع: أخرج مسلم (3) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه"(4).

أمر- صلى الله عليه وآله وسلم الأمة بأن لا يدعوهم يمشون في وسط الطريق؛ لما في ذلك من ظهور العزة، وأمرهم بأن يضطروهم [4] إلى أضيقه إظهارًا لإذلالهم، وإهانتهم وكراهة لمساواتهم المسلمين في جادة الطريق. وفحوى الخطاب ولحنه قاضيان بمنعهم عن

(1) أخرج أحمد في "المسند"(2/ 364) عن أبي مريم أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة والسرعة في اليمن" وقال زيد - ابن الحباب- مرة يحفظه: "والأمانة في الأزد".

* ورجاله رجال الصحيح غير أبي مريم وهو الأنصاري، فقد روى له أبو داود والترمذي وهو ثقة.

واختلف في وقفه ورفعه، والموقوف أصح.

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في صحيحه رقم (2167) وأحمد (2/ 436) وأبو داود رقم (5205) من حديث أبي هريرة.

قال القرطبي في "المفهم"(5/ 490): إنما نهى عن ذلك لأن الابتداء بالسلام إكرام، والكافر ليس أهلًا لذلك، فالذي يناسبهم الإعراض عنهم وترك الالتفات إليهم، تصغيرًا لهم، وتحقيرًا لشأنهم، حتى كأنهم غير موجودين.

(4)

قال القرطبي في "المفهم"(5/ 490): أي: لا تنتحوا لهم عن الطريق الضيق إكرامًا لهم واحترامًا، وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى والعطف، وليس معنى ذلك أنا إذا لقيناهم في طريق واسع أننا نلجئهم إلى حرفة حتى نضيق عليهم؛ لأن ذلك أذى منا لهم من غير سبب، وقد نهينا عن أذاهم

ص: 5012

مساواة المسلمين في مثل هذه الخصلة، وفيما هو أشد ضرارًا منها على المسلمين، ولا يشك عاقل أن هذه الرذيلة التي نحن بصددها أشد وأشد، بل بين الخصلتين مسافات تنقطع فيها أعناق الإبل، ويبكي لها الإسلام بملء جفونه، والله المستعان.

الدليل الثامن: ثبت تواترًا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرج بني النضير من ديارهم لما في ذلك [2 أ] من المصلحة للمسلمين (1).

وقد قرن الله الخروج من الديار بقتل الأنفس، فإذا كانت مراعاة المصلحة مجوزة للإجبار لهم بمثل هذا الأمر العظيم فكيف لا يجوز إجبارهم بما هو دونه بمراحل في إضرار المجبرين، وفوقه بدرجات في الصلاح.

الدليل التاسع: حديث: "نزلوا الناس منازلهم"(2) وأدلة الكتاب والسنة والإجماع قاضية بأن منزلة المسلم أرفع من منزلة الكافر، فينبغي أن يعطى المسلم من المكاسب ما يليق بدرجته العلية، ويعطى الكافر منها ما يليق بمرتبته الدنية، فإذا قدرنا على ذلك وجب علينا ذلك التنزيل المأمور به، وإجبار من لم يمتثل من الكفار مقدمة للواجب، وكل مقدمة للواجب واجب، فإجبار من لم يمتثل واجب.

الدليل العاشر: أخرج البخاري (3) ومسلم (4) ..............................

(1) انظر تفصيل ذلك في "فتح الباري"(7/ 329 - 334).

(2)

أخرجه أبو داود رقم (4842).

عن ميمون بن أبي شبيب، أن عائشة مر بها سائل، فأعطته كسرة، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة، فأقعدته، فأكل، فقيل لها في ذلك؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزلوا الناس منازلهم". وهو حديث ضعيف. انظر "الضعيفة"(1894).

ولكن أخرج أبو داود في "السنن" رقم (4843) عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط". وهو حديث حسن.

(3)

في صحيحه رقم (13).

(4)

في صحيحه رقم (45).

ص: 5013

والترمذي (1)[والنسائي (2)](3) عن أنس مرفوعًا: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وهؤلاء المباشرون لهذه النجاسات قد جمعتنا وإياهم أخوة الإسلام، وإيماننًا لا ثبوت له حتى نحب لهم ما نحب لأنفسنا، ومجرد المحبة القلبية مع عدم إبلاغ الجهد في إيصال ما نحبه له به لا سيما مع قدرتنا عليه ليس هو الذي ندب إليه الشارع وحض عليه.

ولا شك في وجوب إزالة المانع عن الأمور التي لها أصل في الوجوب فكيف بالإيمان!

فإذا لم يحل بيننا وبين إيماننا إلا إجبار هؤلاء الملاعين على هذا الأمر فالخطب يسير، والحائل حقير، وكيف يصح من القادر على إنفاذ الأوامر أن يدعي أنه ممن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وهو يرى إخوانه المسلمين في حشوش (4) اليهود وشوارعهم، يلتقطون العذرات، ويجرون على شرف الإسلام الرفيع هذه المذلات.

الدليل الحادي عشر: ما استنبطه الأمير الحسين في الشفاء (5)، والإمام المهدي في الغيث (6) من حديث:"أخرجوا اليهود من الحجاز [5] "(7) قالا: لما قال أخرجوهم

(1) في "السنن" رقم (2515).

(2)

في "السنن"(8/ 125).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

حشوش وحشون: بالفتح، النخل الناقص القصير، ليس بمسقي ولا معمور.

"القاموس"(ص 761).

(5)

(3/ 569).

(6)

تقدم تعريفه.

(7)

أخرجه أحمد (1/ 195، 196) والبيهقي (9/ 208) والحميدي في مسنده (1/ 46 رقم 85) بإسناد صحيح.

من حديث أبي عبيدة بن الجراح قال: آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أخرجوا اليهود من الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب. وفي لفظ: أخرجوا يهود أهل الحجاز".

وانظر الرسالة رقم (14) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي.

ص: 5014

من جزيرة العرب (1) ثم قال: أخرجوهم من الحجاز عرفنا أن مقصوده بجزيرة العرب الحجاز فقط، ولا مخصص للحجاز عن سائر البلاد إلا أن رعاية المصلحة في إخراجهم منه أقوى، فوجب مراعاة المصلحة إذا كانت في تقريرهم أقوى منها في إخراجهم. ولا شك أن امتناعهم من القيام بهذه العهدة التي هي رأس المصالح قادح في جواز التقرير، قادح. قال في الغيث (2): هذا أقوى ما يحتج به أصحابنا في جواز تقريرهم في بلاد العرب. انتهى.

وهذا الاستدلال وإن كان فيه عندي نظر من وجوه ليس هذا محل إيرادها إلا أنه هو الدليل الذي بنيت عليه القناطر عند المتأخرين. وأما تخصيص الأمر بالإخراج بالحجاز فقد ذهب إليه جماعة من العلماء (3)، ونصره العلامة المغربي الحسين بن محمد صاحب البدر، وألف في ذلك رسالة نفيسة، ولكنه إذا نظر المنصف إلى أن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"أخرجوا اليهود من جزيرة العرب"(4) وأمعن النظر في المسألة الأصولية - أعني بناء العام على الخاص على جميع التقادير-، أو بناه على بعضها دون

(1) أخرجه أحمد (1/ 222) والبخاري رقم (3053) ومسلم رقم (20/ 1637) من حديث ابن عباس قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس وأوصى عند موته بثلاث: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم" ونسيت الثالثة. والشك من سليمان الأحول.

* وأخرج البخاري في صحيحه رقم (3152) من حديث ابن عمر: أن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وذكر يهود خيبر إلى أن قال: أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء.

(2)

تقدم تعريفه.

(3)

قال الحافظ في "الفتح"(6/ 171): الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها. لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب، لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب، وهو مذهب الجمهور، وعن الحنفية يجوز مطلقًا إلا المسجد، وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة، وقال الشافعي: لا يدخلون الحرم أصلًا إلا بإذن الإمام لمصلحة المسلمين خاصة.

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 5015

بعض. وتأمل ما ثبت في الحديث بلفظ: "لا يجتمع دينان"(1)، "لا يبق دينان بأرض العرب"(2). "لا تجتمع قبلتان"(3). "المسلم والكافر لا تتراءى ناراهما"(4) عرف العلة [2 ب] التي هي الباعثة على الأمر بالإخراج، وعرف الزيادة التي يجب قبولها عند كمال شروطها بالاتفاق في أي الجانبين هي، وتبين له لزوم الإلحاق بالعلة المنصوصة، ولاح له أن مفهوم حديث "أخرجوا اليهود من الحجاز" لا يعارض منطوق ما في الصحيحين وتقرير الأدلة على وجه يلوح به رجحان وجوب (5) إخراجهم من جميع جزيرة العرب

(1) أخرجه أحمد (6/ 275).

من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: "لا يترك بجزيرة العرب دينان". وهو حديث صحيح لغيره.

(2)

أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 892).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 223) وأبو داود رقم (3032). من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلح قبلتان في أرض، وليس على مسلم جزية". وهو حديث ضعيف.

(4)

أخرجه أبو داود رقم (2645). من حديث جرير بن عبد الله أن رسول الله بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بنصف العقل وقال:"أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله: ولم؟ قال: لا تتراءى ناراهما".

وهو حديث صحيح دون جملة [العقل].

(5)

قال الشوكاني في "نيل الأوطار"(5/ 241): هذا الحديث الذي فيه بالإخراج من الحجاز فيه الأمر بإخراج أهل نجران كما وقع في حديث - ابن عباس- وليس نجران من الحجاز، فلو كان لفظ الحجاز مخصصًا للفظ جزيرة العرب على انفراده، أو دالًّا على أن المراد بجزيرة العرب الحجاز فقط، لكان في ذلك إهمال لبعض الحديث، وإعمال لبعض، وإنه باطل. وأيضًا غاية ما في حديث أبي عبيدة الذي صرح فيه بلفظ: الحجاز. أن مفهومه معارض لمنطوق ما في حديث ابن عباس المصرح فيه بلفظ جزيرة العرب، والمفهوم لا يقوي على معارضة المنطوق، فكيف يرجح عليه؟ فإن قلت: فهل يخصص لفظ جزيرة العرب المنزل منزلة العام لما له من الإجزاء بلفظ الحجاز عند من جوز التخصيص بالمفهوم.

قلت: هذا المفهوم من مفاهيم اللقب وهو غير معمول به عند المحققين من أئمة الأصول حتى قيل: إنه لم يقل به إلا الدقاق، وقد تقرر عند فحول أهل الأصول: أن ما كان من هذا القبيل يجعله من قبيل التنصيص على بعض الأفراد لا من قبيل التخصيص إلا عند أبي ثور.

* أهل الحجاز: الحجاز: مكة، والمدينة، والطائف، ومخاليفها؛ لأنها بين نجد وتهامة، أو بين نجد والسراة، أو: لأنها احتجزت بالحرار الخمس، حرة بني سليم، وواقم، وليلى، وشوران، والنار.

"القاموس"(ص 653).

ص: 5016

محتاج إلى بسط طويل يخرجنا عن المقصد الذي نحن بصدده.

والدليل الثاني عشر: أن ملاحظة المسلمين إذا لم تتم إلا بإتعاب النفوس، وتقحم المشاق فليس الأمر بذلك بدعة لما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم من أمر المهاجرين والأنصار بحفر الخندق. وعزة الإسلام التي هي رأس المصالح الدينية إذ لم تتم إلا بإجبار اليهود فهي أولى بالجواز من حفر الخندق.

فإن قلت: إذا كانت المصلحة موجبة لمثل هذا فلم لا يكون تقرير المسلمين على ذلك من هذا القبيل.

قلت: في التقرير مفسدة عظمية، والمصالح مطرحة بجنب المفاسد. وقد صرح أئمة الأصول كابن الحاجب في المختصر (1)، والسبكي في جمع الجوامع (2)، وابن الإمام في الغاية (3) وغيرهم أن المناسبة (4) تنخرم بلزوم مفسدة [6] راجحة أو مساوية، ولم يخالف

(1)(2/ 239).

(2)

(2/ 274).

(3)

تقدم التعريف به.

(4)

المناسبة ويعبر عنها بالإخالة وبالمصلحة وبالاستدلال وبرعاية المقاصد ويسمى استخراجها تخريج المناط وهي عمدة كتاب القياس ومحل غموضه ووضوحه والمناسبة في اللغة الملائمة والمناسب الملائم.

انظر تفصيل ذلك في "البحر المحيط"(5/ 220).

قال في "البحر المحيط"(5/ 220): اختلفوا هل تنخرم المناسبة بالمعارضة التي تدل على وجود مفسدة أو فوات مصلحة تساوي المصلحة أو ترجح عليها على قولين:

1 -

أنها تنخرم وإليه ذهب الأكثرون واختاره الصيدلاني وابن الحاجب لأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ولأن المناسبة أمر عرفي والمصلحة إذا عارضها ما يساويها لم تعد عند أهل العرف مصلحة.

2 -

أنها لا تنخرم واختاره الرازي في "المحصول"(5/ 168) والبيضاوي في "المنهاج"(2/ 691).

ص: 5017

في ذلك إلى الرازي (1) كما حكاه في جمع الجوامع (2) وشرحه، وهو البعض الذي أشار إليه ابن الإمام في شرح الغاية (3)، وأنت تعلم أنه لا مفسدة في أمر اليهود بذلك.

الدليل الثالث عشر: قد تواترت أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا شك أن أمر المسلمين بالكف عن ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما واجبان. فإذا لم يتم هذا الواجب إلا بإجبار اليهود فما لا يتم الواجب إلا به واجب كوجوبه على ما تقرر في الأصول (4) في مقدمة الواجب.

الدليل الرابع عشر: أن حفظ الدين [أحد](5) الضرورات الخمس (6) المعروفة في

(1) في "المحصول"(5/ 168).

(2)

(2/ 274).

(3)

تقدم التعريف به.

(4)

انظر "الكوكب المنير"(1/ 357).

(5)

في (ب): من.

(6)

وهي:

1 -

حفظ النفس بشرعية القصاص لقوله تعالى: " ولكم في القصاص حياة} [البقرة: 179].

2 -

حفظ المال بأمرين: أ- إيجاب الضمان على المتعدي فإن المال قوام العيش.

ب- القطع بالسرقة: لقوله تعالى: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما"[المائدة: 38]. لقوله تعالى: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل "[البقرة: 188].

3 -

حفظ النسل بتحريم الزنى وإيجاب العقوبة عليه بالحد. قال تعالى: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"[النور: 2].

4 -

حفظ الدين بشرعية القتل بالردة والقتال للكفار.

5 -

حفظ العقل بشرعية الحد على شرب المسكر فإن العقل قوام كل فعل تتعلق به المصلحة فاختلاله يؤدي إلى مفاسد عظيمة.

انظر: "البحر المحيط"(5/ 208)، "إرشاد الفحول"(ص 716).

ص: 5018

الأصول، وهو أيضًا القسم الأول من أقسام المناسب وأعلاه في إفادة الظن وأقواه، ولا يحفظ دين أولئك المسلمين إلا بمنعهم من ذلك، وأما تقريرهم على ذلك فمناسب ملغى (1) ومعارض بمفاسد، وأمر اليهود بعد تسليم فقد الأدلة مناسب مرسل ملائم (2) إن لم يدع أنه ضروري، فعلى فرض [أنه لا](3) دليل في المقام هذا الدليل فيه كفاية عند من له إلمام بالأصول، وتدرب [في طرائق](4) الفحول.

الدليل الخامس عشر: هب أن لا دليل يدل على الحتم ففي حديث: "لأن يهدي الله بك رجلًا"(5) دليل على جواز الإجبار، بل على الندب لتحقق الإثابة على الفعل، وأمن المخافة من العقاب فيه لعدم المانع.

والنفوس الشريفة لا تزال راغبة في اقتناص شوارد [الأجور](6)، مشجعة على قطع ما يحول بينها وبينه، باذلة الوسع في دركه، وأنتم بحمد الله ...................................

(1) ما علم من إلغاء الشرع له كما قال بعضهم بوجوب الصوم ابتداء في كفارة الملك الذي واقع في رمضان؛ لأن القصد منها الانزجار وهو لا ينزجر بالعتق فهذا وإن كان قياسًا لكن الشرع ألغاه حيث أوجب الكفارة مرتبة من غير فصل بين المكلفين فالقول به مخالف للنص فكان باطلًا.

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 721)، "الكوكب المنير"(4/ 180).

(2)

وهو ما لا يعلم اعتباره ولا إلغاؤه، وهو الذي لا يشهد له أصل معين من أصول الشريعة بالاعتبار وهو المسمى بالمصالح المرسلة. وقد اشتهر انفراد المالكية بالقول به. قال الزركشي في "البحر المحيط" (5/ 215): وليس كذلك فإن العلماء في جميع المذاهب يكتفون بمطلق المناسبة ولا معنى للمصلحة المرسلة إلا ذلك.

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 721 - 722).

(3)

في (ب): ألا.

(4)

في (ب): بطرائق.

(5)

أخرجه الحاكم في "المستدرك"(3/ 598) من حديث أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي: لأن يهدي الله على يديك رجلًا خير لك مما طلعت عليه الشمس".

(6)

في (ب) الأمور.

ص: 5019

[ممن](1) لا يدرك شأوه، ولا يشق غباره، فقد سبقتم إلى مضمار كل مكرمة سبقًا أتبعتم به من رام اللحوق فما باراكم في هذا الحلبة أحد إلا جلب على نفسه عار القصور، ودعا [3 أ] إلى تسميته بالتبكيت واللطيم بين الجمهور، وفي هذا المقدار من الأدلة كفاية، فإن صادف القبول فبها ونعمت وإن لم يلاحظ بعين الرضا أفضلتم بالإفادة بما يعرف به القاصر قصور ما بناه من بيوت هذه الأدلة، وإشادة. فمنكم يستفاد وعليكم يعول النقاد، وأهدي التمر إلى هجر، وإن كان طليعة من طلائع الحماقة فربما كانت هذه الأحموقة محمودة عند الله تعالى.

[كمل من تحرير جامعه محمد بن علي الشوكاني حفظ الله به الدين، وأقام به عمود الدين، وكان التحرير والجمع في يوم الجمعة شهر القعدة سنة 1205. خمس ومائتين وألف عام. وصليت على نبينا محمد وآله وصحبه آمين](2).

[حرره جامعه في يوم الجمعة في شهر ذي القعدة سنة 1205. وأقول كتبه من خط مؤلفه حفظه الله، وتم زبره ليلة الأربعاء وقت العشاء لعلها ليلة الثلاثين من شهر محرم الحرام افتتاح سنة 1209 لمحروس مدينة صنعاء المحمية بالله تعالى كتبه الفقير إلى الله عبد الرحمن بن أحمد البهكلي](3).

(1) في (أ) من.

(2)

زيادة من (أ).

(3)

زيادة من (ب).

ص: 5020