المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١٠

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌مناقشة العلامة حسن بن يحيى الكبسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني

- ‌هذا ما تعقب به الأخ العلامة شرف الإسلام الحسين بن محمد العنسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني

- ‌هذا ما تعقب به شيخنا العلامة بدر الإسلام محمد بن علي الشوكانيعلى الأخ العلامة الحسين بن محمد العنسي عافاه الله تعالى لما حرره على بحث الجلال في حد قاذف الرجل

- ‌بحث في مسائل الوصايا

- ‌إقناع الباحث بدفع ما ظنه دليلا على جواز الوصية للوارث

- ‌جواب سؤال ورد من أبي عريش حول الوصية بالثلث

- ‌المباحث الدرية في المسألة الحمارية

- ‌إيضاح القول في إثبات العول

- ‌بحث في تعداد الشهداء الواردة بذكرهم الأدلة

- ‌ترجمة علي بن موسى الرِّضا

- ‌رسالة في حكم صبيان الذميين إذا مات أبوهم

- ‌حل الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌توضيح وجوه الاختلال في إزالة الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌الإبطال لدعوى الاختلال في رسالة إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌إرسال المقال على إزالة الإشكال

- ‌تفويق النبال إلى إرسال المقال

- ‌تنبيه الأمثال على عدم جوز الاستعانة من خالص المال

- ‌بحث في التصوير

- ‌إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع

الفصل: ‌إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع

‌إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع

(1)

تأليف محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

(1) كتب في صفحة العنوان ما نصه: "الموجب لتحرير هذا البحث ما وقع من بعض المقصرين، من الافتراء البحت بأن السماع محرم بالإجماع، ولا يخفى أن هذه المقالة مع كونها من الكذب الظاهر تستلزم القدح في جماعة من الصحابة والتابعين، وسائر علماء الدين.

فهذا هو الحامل لتحرير هذه الرسالة، كما سيقع التصريح بذلك في غضون البحث، فلا يظن جاهل أن جمع هذا البحث لقصد الترخيص والترويح فيأبى الله ذلك"

ص: 5199

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة: إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع.

2 -

موضوع الرسالة: "فقه".

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله وصلى الله وسلم: ذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية إلى الترخيص في السماع.

4 -

آخر الرسالة: فيفتقر فيغتم فيعتل فيموت.

كمل من تحرير جامعه القاضي بدر الدين محمد بن علي الشوكاني حفظه الله تعالى بحق محمد وآله.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: 16 صفحة.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 26 سطرا ما عدا الصفحة الأخيرة فعدد أسطرها (13) سطرًا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 14 كلمة.

9 -

الناسخ: محمد بن علي الشوكاني.

10 -

الرسالة من المجلد الأول من "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني".

ص: 5201

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. ذهب أهل المدينة، ومن وافقهم من علماء الظاهر (1)، وجماعة من الصوفية (2) إلى الترخيص في السماع، ولو مع العود واليراع (3). وقد حكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع أن عبد الله بن جعفر (4) رضي الله عنه كان لا يرى بالغناء بأسًا (5)، ويصوغ الألحان لجواريه، ويسمعها منهن على أوتاره، وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي - كرم الله وجهه -.

وحكى الأستاذ المذكور أيضًا مثل ذلك عن القاضي شريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشعبي، وقال إمام الحرمين في النهاية، وابن أبي الدم:

(1) انظر: "المحلي"(9/ 59)

(2)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (5/ 261)، "الرسالة القشيرية"(2/ 645)

(3)

اليراع: بفتح التحتية وتخفيف الراء بالمهملة، جمع يراعة، أو اسم جنس واحدة يراعه.

انظر: "كف الرعاع" لابن حجر الهيثمي (ص 121).

قال الجوهري في "الصحاح"(3/ 1310): اليراع القصب، واليراعة القصبة إذا علمت ذلك علمت أن اليراع متعدد.

(4)

عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي يكنى أبا جعفر، ولدته أمه أسماء بنت عميس بأرض الحبشة وهو أول مولود في الإسلام بأرض الحبشة وقدم مع أبيه المدينة، وحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عنه. توفي سنة ثمانين وهو ابن تسعين.

انظر: "الاستيعاب" رقم (1506)، "الإصابة" رقم (4609). " سير أعلام النبلاء "(3/ 459).

(5)

قال القرطبي في "الاستيعاب"(3/ 17) كان عبد الله بن جعفر كريمًا، جوادًا ظريفًا، خليقًا عفيفًا سخيًا يسمى بحر الجود ويقال: إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه، وكان لا يرى بسماع الغناء بأسًا.

روي أن عبد الله بن جعفر كان إذا قدم على معاوية أنزله له داره، وأظهر له من بره وإكرامه ما يستحقه، فكان ذلك يغيظ فاختة بنت قرظ بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف زوجة معاوية، فسمعت غناء عند عبد الله بن جعفر، فجاءت إلى معاوية، وقالت: هلم فاسمع ما في منزل هذا الرجل الذي جعلته بين لحمك ودمك، قال: فجاء معاوية فسمع وانصرف، فلما كان آخر الليل سمع معاوية قراءة عبد الله بن جعفر، فجاء فأنبه فاختة فقال: اسمعي مكان ما أسمعتني.

ص: 5205

نقل الأثبات من المؤرخين أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات، وأن ابن عمر رضي الله عنهما دخل عليه وإلى جنبه عود، فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله؟ فناوله إياه، فتأمله ابن عمر، فقال: هذا ميزان شامي، فقال لابن الزبير: توزن به العقول (1).

وروى الحافظ أبو محمد بن حزم (2) في رسالته في السماع بسنده إلى ابن سيرين قال: إن رجلاً قدم المدينة بجوار، فنزل على عبد الله بن عمر، وفيهن جارية تضرب، فجاء رجل فساومه فلم يهو منهن شيئًا، قال: انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعًا من هذا قال: من هو؟ قال: عبد الله بن جعفر، فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن فقال لها: خذي العود، فأخذته وغنت، فبايعه، ثم جاء إلى ابن عمر، إلى آخر القصة.

قال ابن حزم (3) فهذا ابن عمر، وابن جعفر سمعا الغناء بالعود، وسعى ابن عمر في البيع كما في آخر القصة. وروى صاحب العقد العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي أن عبد الله بن عمر دخل على ابن جعفر، فوجد عنده جارية في حجرها عود، ثم قال ابن عمر: هل ترى بذلك بأسًا؟ قال: لا بأس بهذا. وحكى الماوردي عن معاوية، وعمرو بن العاص أنهما سمعا العود عند ابن جعفر. وروى أبو الفرج الأصفهاني (4) أن حسان (5)

(1) انظر: "إيضاح الدلالات في سماع الآلات"(ص 96 - 97) لعبد الغني النابلسي

(2)

انظر: "المحلى"(9/ 62 - 63)

(3)

انظر: "المرجع السابق".

(4)

في "الأغاني"(17/ 164). وقد تقدم التعليق على كتاب الأغاني.

(5)

أي حسان بن ثابت قال أبو الفرج الأصبهاني (17/ 666): أخبرنا وكيع، عن حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن الواقدي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال سمعت خارجة بن زيد يقول: دعينا إلى مأدبة في آل نبيط، قال خارجة: فحضرتها، وحسان بن ثابت قد حضرها، فجلسنا جميعًا على مائدة واحدة وهو يومئذ قد ذهب بصره، ومعه ابنه عبد الرحمن، فكان إذا أتى طعامًا سأل ابنه: أطعام يد أم يدين؟ يعني باليد الثريد وباليدين الشواء، لأنه ينهش نهشًا فإذا قال: طعام يدين أمسك يده، فلما فرغوا من الطعام أتوا بجارتين: إحداهما رائقة والآخرة عزة، فجلستا وأخذتا من مزهريهما، وضربتا ضربًا عجيبًا وغنتا بقول حسان:

انظر خليلي بباب جلق هل

تبصر دون البقاء من أحد

فأسمع حسان يقول: قد رآني بها سميعًا بصيرًا.

وعيناه تدمعان

ص: 5206

سمع من عزة (1) الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره.

وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك، والمزهر عند أهل اللغة (2). العود، وذكر الأدفوي (3) أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع من جواريه قبل الخلافة.

ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاوس، ونقله الحافظ بن قتيبة، وصاحب الإمتاع عن قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين، ونقله الحافظ أبو يعلى الخليلي في الإرشاد (4) عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدنية.

وحكى الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس إباحة الغناء بالمعازف، وهي الآلات الشاملة للعود وغيره.

وحكى الأستاذ أبو منصور، والفوزاني في العمدة عن مالك جواز العود.

وذكر أبو طالب المكي في فوت القلوب (5) عن شعبة [1] أنه سمع ................

(1) كانت عزة مولاة للأنصار، ومسكنها المدينة، وهي أقدم من غنى الغناء الموقع من النساء بالحجاز، وكانت من أجمل النساء وأحسنهن جسمًا وسميت الميلاء لتمايلها في مشيها. وقيل: بل كانت تلبس الملاء وتشبه بالرجال، فسميت بذلك وقيل هي أول من فتن أهل المدينة بالغناء. وحرض نساءهم عليه. "الأغاني"(17/ 163).

(2)

قال الجوهري في "الصحاح"(2/ 675): المزهر: العود الذي يضرب به.

(3)

هو أبو الفضل جعفر بن ثعلب بن جعفر بن علي الأدفوي، صاحب كتاب "الإمتاع في أحكام السماع". انظر:"طبقات الشافعية"(9/ 407).

(4)

(1/ 310).

(5)

ذكره ابن تيمية في "الاستقامة"(1/ 299).

ص: 5207

طنبورًا (1) في بيت المنهال بن عمرو المحدث المشهور.

وحكى أبو الفضل بن طاهر (2) في مؤلفه (3) في السماع (4) أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود.

قال ابن النحوي في العدة: قال ابن طاهر هو إجماع أهل المدينة، قال ابن طاهر: وإليه ذهبت الظاهرية .......................

(1) أخرج العقيلي في "الضعفاء"(4/ 237) من طريق وهب - ابن جرير - عن شعبة قال: أتيت منزل المنهال بن عمرو، فسمعت منه صوت الطنبور، فرجعت ولم أسأله، قلت: هلا سألته، فعسى كان لا يعلم " إسناده إلى شعبة صحيح.

* قال الحافظ ابن جعفر في "هدي الساري"(ص 445 - 446): "هذا اعتراض صحيح فإن هذا لا يوجب قدحًا في المنهال".

* وقال الذهبي في "الميزان"(4/ 192 رقم 8806): "

ثم في الآخر ترك الرواية عنه شعبة فيما قيل، لأنه سمع من بيته صوت غناء، وهذا لا يوجب غمز الشيخ".

* وقال الألباني في "تحريم آلات الطرب"(ص 105): على أن هذا الأثر يمكن قلبه على المرخصين. لأن شعبة أنكر صوت الطنبور، فهو في ذلك مصيب، وإن كان أخطأ في ظنه أن المنهال كان من المرخصين به.

(2)

هو أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المعروف بـ "ابن القيسراني الأثري الظاهري الصوفي. قال يحيى ابن منده: "كان ابن طاهر أحد الحفاظ حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، صدوقًا عالمًا بالصحيح والسقيم كثير التصانيف لازمًا للأثر، ولقد طعن عليه بأنه يذهب مذهب الإباحة، وإطلاق القول بذلك جور قائله، وقد رد الذهبي رحمه الله هذا الإطلاق.

"سير أعلام النبلاء"(19/ 361). "الوافي بالوفيات"(3/ 166 - 168)، "شذرات الذهب"(4/ 18)، "هدية العارفين"(2/ 28).

قال صاحب الشذرات (4/ 18): قال الحافظ ابن ناصر الدين كان - محمد بن طاهر - حافظًا جوالاً في البلاد كثير الكتابة جيد المعرفة ثقة في نفسه حسن الانتقاد ولو لا ما ذهب إليه من إباحة السماع لانعقد على ثقته الإجماع.

(3)

(ص 63).

(4)

انظر: "السماع" لابن طاهر (ص 63) و"المحلى"(9/ 62 - 63).

ص: 5208

قاطبة (1).

قال الأدفوي (2): لم يختلف النقلة في نسبة الضرب بالعود إلى إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف (3) انتهى.

وإبراهيم المذكور من أئمة الحديث المتوسعين في الرواية، أخرج له الجماعة كلهم، وحكى الماوردي إباحة العود عن بعض الشافعية، وحكى أبو الفضل بن طاهر في كتاب السماع (4) أن أبا إسحاق الشيرازي كان يبيحه ويحضره، وحكاه الأسنوي في المهمات عن الروياني، والماوردي، ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور، وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر، وحكى الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه كان يقول بإباحته.

وحكى صاحب الإمتاع إباحة العود عن أبي بكر بن العربي، وجزم الأدفوي بعد أن استوفى أدلة التحريم والجواز بأن المتجه فيه الإباحة، هكذا في كتابه المعروف بالإمتاع في أحكام السماع؛ وهو كتاب لم يؤلف مثله في بابه. وقد ألف أبو الفتوح الغزالي كتابًا سماه: بوارق الإلماع في تكفير من يحرم السماع؛ وهذه التسمية في غاية الشناعة، ولكنه كان يذكر في ذلك الكتاب مثلاً حديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم سمع الجواري يغنين بالدف، كما في حديث (5) الربيع بنت معوذ بن عفراء، ثم يقول بعده: فمن قال أن النبي

(1) في "السماع"(ص 63).

(2)

انظر: "السماع" لابن طاهر (ص 63) و"المحلى"(9/ 62 - 63).

(3)

الإمام الحافظ، أبو إسحاق القرشي الزهري العوفي المدني ولد سنة 108 هـ. كان ثقة صدوقًا، صاحب حديث، وثقة الإمام أحمد، وقال: كان وكيع كف عن الرواية عنه، ثم حدث عنه.

قال أبو حاتم: ثقة، وقال أحمد والعجلي: مدني، ثقة.

قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(8/ 306): كان ممن يترخص في الغناء على عادة أهل المدينة، توفي سنة 184 هـ.

انظر: "تهذيب التهذيب"(1/ 105)، "تاريخ بغداد"(6/ 81 - 86).

(4)

في "السماع"(ص 63).

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4001) وطرفه رقم (5147) عن الربيع بنت معوذ قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف؛ يندبن من قتل آبائهن يوم بدر، حتى قالت جارية، وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين".

ص: 5209

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سمع حرامًا، وما منع عن سماع حرام، واعتقد ذلك، فقد كفر بالاتفاق. وساق الأدلة فيه هذا المساق. هذه صورة الخلاف في السماع من آلة من آلات اللهو. وسيأتي ذكر الخلاف في مجرد السماع للغناء بلا آلة، أو مع الدف، ولنبدأ بذكر الأدلة التي استدل بها المختلفون في السماع مع آلة.

فنقول: قال المجوزون: إنه ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسوله، ولا في معقولهما - من القياس والاستدلال، ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة، مع آلة من آلات اللهو.

وقد استدل القائلون بالتحريم وهم الجمهور بأدلة منها: ما أخرجه البخاري (1) من حديث أبي عامر، وأبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:"ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف" قالوا: والمعازف: هي آلات اللهو، فيدخل فيها العود والمزمار وغيرهما. وأجاب المجوزون عن هذا الحديث بأجوبة منها: أنه قد أعله جماعة من الحفاظ من وجوه:

أحدها: الانقطاع (2)؛ فإن البخاري إنما علقه عن شيخه هشام بن عمار فقال في

(1) في صحيحه رقم (10/ 51 رقم 5590) بصيغة الجزم.

(2)

قال الحافظ محمد بن حزم في "رسالة الملاهي"(ص 434) - مجموعة رسائله -: "وأما حديث البخاري فلم يورده البخاري مسندًا، وإنما قال فيه: قال هشام بن عمار".

وقال في "المحلى"(9/ 59): هذا منقطع، لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد.

والمترجح أن الحديث صحيح متصل على شرط البخاري وذلك من وجوه:

1 -

أن هشام بن عمار من شيوخ البخاري، لقيه، وسمع منه، خرج عنه في الصحيح حديثين غير هذا محتجًا به، كما أفاد الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (ص 448 - 449) يقول فيهما: "حدثنا هشام بن عمار

" من غير واسطة.

أ - الأول في البيوع (4/ 308).

ب - الثاني في "فضائل الصحابة" باب فضل أبي بكر (7/ 18).

2 -

أن قول الراوي: قال فلان بمنزلة قوله "عن فلان" في كونها صيغة محتمة السماع، وإن كان قائلها غير موصوف بالتدليس كانت محمولة على الاتصال على الصحيح الذي عليه الجمهور إن ثبتت المعاصرة كما هو شرط مسلم واللقاء كما شرط البخاري. ولقد تحقق هنا شرط البخاري. وهو ثبوت اللقاء. كما بين في الوجه الأول.

3 -

أنه وقع استعمال البخاري لهذه الصيغة (قال فلان) كثيرًا جدًا عن شيوخه في الأسانيد المتصلة، وذلك في "تاريخه الكبير" وهذا وإن لم يعهد منه في "الصحيح" إلا أنه ممكن الوقوع. لا سيما وأنه ليس عندنا تنصيص من البخاري نفسه على تجنب مثل هذا في "الصحيح"، يؤكده قول من قال:"إن البخاري إذا قال في صحيحه "قال فلان" ولم يصرح بروايته عنه وكان قد سمع منه فإنه يكون قد أخذ عنه عرضًا أو مناولة أو مذاكرة.

وقد ورد الحديث موصولاً من طرق عن هشام بن عمار في غير الصحيح.

أخرجه الحسن بن سفيان في "مسنده" و"أبو بكر الإسماعيلي" في "المستخرج" وأبو ذر الهروي على "الصحيح" وابن حبان في صحيحه رقم (6754) والطبراني في "الكبير"(3/ 319 رقم 3417).

ودعلج في "مسند المقلين [ق 1 - 2/ 1] قالا: حدثنا موسى بن سهل الجوني البصري: ثنا هشام بن عمار به مثل رواية البخاري، ومن طريق الطبراني رواه الضياء المقدسي في "موافقات هشام بن عمار" (ق 37/ 1 - 2). كما في "تحريم آلات الطرب" للمحدث الألباني (ص 40) رحمه الله.

- قال الطبراني في "مسند الشاميين"(1/ 334، 588): حدثنا محمد بن يزيد بن (الأصل: عن) عبد الصمد الدمشقي. ثنا هشام بن عمار به.

ومحمد بن يزيد هذا مترجم له في "تاريخ دمشق" للحافظ ابن عساكر (16/ 124) برواية الجماعة عنه. توفي سنة 269 هـ.

- وقال الإسماعيلي في "المستخرج على الصحيح" ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 221) حدثنا سفيان: حدثنا هشام بن عمار به.

والحسن بن سفيان - هو الخراساني النيسابوري حافظ ثبت من شيوخ ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما من الحفاظ - مترجم له في "السير"(14/ 157 - 162).

انظر: "هدي الساري"(ص 59) و"تغليق التعليق"(5/ 18).

وهناك أربعة آخرون سمعوه من هشام، خرجهم الحافظ في "تغليق التعليق"(5/ 17 - 19) والذهبي عن بعضهم في "السير"(21/ 157)(7/ 23). ثم إن هشامًا لم يتفرد به لا هو ولا شيخه (صدقة بن خالد)، بل إنهما قد توبعا، فقال أبو داود في "السنن" رقم (4039): حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بإسناده المتقدم على أبي عامر أو أبي مالك مرفوعًا بلفظ:"ليكونن من أمتي أقوامًا يستحلون الحر والحرير - وذكر كلامًا قال يمسخ منهم آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة".

قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان"(1/ 260) وهذا إسناد صحيح متصل تبعًا لشيخه في "إبطال التحليل"(ص 23)، لكن ليس فيه التصريح بموضع الشاهد منه، وإنما أشار إليه بقوله:"ذكر كلامًا" وقد جاء مصرحًا به في رواية ثقتين آخرين من الحفاظ، وهو عبد الرحمن بن إبراهيم الملقب بـ (دحيم). قال: ثنا بشر بلفظ البخاري المتقدم. "يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف

".

أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في "المستخرج على الصحيح" كما في "الفتح"(10/ 56) و"التغليق"(5/ 19) ومن طريق الإسماعيلي البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 272) والآخر (عيسى بن أحمد العسقلاني) قال: نا بشر بن بكر به إلا أنه قال: "الخز" بالمعجمتين، والراجح بالمهملتين كما في رواية البخاري وغيره.

انظر: "فتح الباري"(10/ 55).

وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(19/ 156) من طريق الحافظ أبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي: نا عيسى بن أحمد العسقلاني به مطولاً.

قال المحدث الألباني في "تحريم آلات الطرب"(ص 43): وهذه الطريق مما فات الحافظ فلم يذكره في "الفتح" بل ولا في "الغليق".

وقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في "علوم الحديث"(ص 61 - 62): "ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده على ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري

من جهة أن البخاري أورده قائلاً فيه: قال هشام بن عمار، وساقه بإسناده، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابًا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف، وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح.

وقال الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق"(5/ 22)" هذا حديث صحيح، لا علة له ولا مطعن، وقد أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد وبالاختلاف في اسم أبي مالك، وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلاً فيهم، مثل الحسن بن سفيان، وعبدان، وجعفر الفريابي وهؤلاء حفاظ أثبات".

وقال الحافظ ابن رجب في "نزهة الأسماع"(ص 44): "هكذا ذكره البخاري في صحيحه بصيغة التعليق المجزوم به، والأقرب أنه مسند فإن هشام بن عمار أحد شيوخ البخاري، وقد قيل: إن البخاري إذا قال في صحيحه: قال فلان، ولم يصرح بروايته عنه، وكان قد سمع منه، فإنه يكون قد أخذه عنه عرضًا، أو مناولة، أو مذاكرة، وهذا كله لا يخرجه عن أن يكون مسندًا، والله أعلم. ثم ذكر وصله عند البيهقي إلى هشام، وقال: فالحديث صحيح، محفوظ عن هشام بن عمار".

ص: 5210

صحيحه: قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد، ثم ساق إسناده، ولم يصرح [2] بالسماع من هشام. قال ابن حزم: ولم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد، وإنما علقه البخاري؛ فلا حجة فيه. انتهى.

وثانيها: أنه حكى ابن الجنيد (1) عن يحيى بن معين أن صدقة بن خالد المذكور ليس بشيء، وروى المروزي (2) عن أحمد أنه ليس بمستقيم.

ثالثهما: ما ذكره ابن حزم، وهو أن الراوي شكك في اسم الصحابي، فجاء بأداة

(1) قال الحافظ في "الفتح"(10/ 54) قال الحافظ ابن الملقن رحمه الله: "ليته - يعني ابن حزم - أعل الحديث بصدقة، فإن ابن الجنيد روى عن يحيى بن معين: ليس بشيء، وروى المروزي عن أحمد: ذلك ليس بمستقيم، ولم يرضه".

وأجاب الحافظ على هذا الاعتراض في "الفتح"(10/ 54): "وهذا الذي قاله الشيخ خطأ، وإنما قال يحيى وأحمد ذلك في صدقة بن عبد الله السمين، وهو أقدم من صدقة بن خالد، وقد شاركه في كونه دمشقيًا، وفي الرواية عن بعض شيوخه، كزيد بن واقد، وأما صدقة بن خالد فقد قدمت قول أحمد فيه. وأما ابن معين فالمنقول عنه أنه قال: كان صدقة بن خالد أحب إلى أبي مسهر من الوليد بن مسلم، قال: وهو أحب إلي من يحيى بن حمزة، ونقل معاوية بن صالح عن ابن معين أن صدقة بن خالد ثقة".

قلت - ابن حجر -: ولم ينفرد به صدقة، وإنما تابعه بشر بن بكر. كما تقدم

(2)

في المخطوط المزني. والصواب ما أثبتناه من "الفتح"(10/ 54).

ص: 5213

الترديد كما سلف.

قال المهلب: وذلك هو سبب كون البخاري لم يقل فيه حدثنا هشام (1).

رابعها: أن الحديث مضطرب سندًا أو متنًا، أما الإسناد فللتردد في اسم الصحابي،

(1) لقد سلف بيان أن جميع الطرق عن هشام بن عمار على الشك في اسم الصحابي، إلا عند ابن حبان رقم (6754) أخبرنا الحسين بن عبد الله القطان، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا صدقة بن خالد، قال: حدثنا ابن جابر، قال: حدثنا عطية بن قيس، قال حدثنا عبد الرحمن بن غنم، قال: حدثنا أبو عامر وأبو مالك الأشعريان سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف".

وابن عساكر وقال: "كذا قال: وأبو مالك، وإنما هو: أو أبو مالك بالشك".

وانظر: "فتح الباري"(10/ 54).

ورواية الجماعة بالشك أولى وأصح.

قال الألباني في "تحريم آلات الطرب"(ص 50): قول البخاري عقب حديث إبراهيم - وفيه شك الراوي في صحابي الحديث بقوله: "أبي مالك الأشعري أو أبي عامر".

"إنما يعرف هذا عن أبي "مالك" - ثم ساق دليله، وهي رواية مالك بن أبي مريم عن ابن غنم عن أبي مالك بغير شك -.

انظر: "التاريخ الكبير"(1/ 1/ 305).

قال المحدث الألباني: ففيه إشعار لطيف بأن (مالك بن أبي مريم) معروف عنده؛ لأنه قدم روايته التي فيها الجزم بأن الصحابي هو (أبو مالك الأشعري) على رواية شيخه هشام بن عمار التي أخرجها في "صحيحه" كما تقدم، ورواية إبراهيم المذكورة آنفًا، وفي كل منهما الشك في اسم الصحابي، فلولا أن البخاري يرى أن مالك بن أبي مريم ثقة عنده لما قدم روايته على روايتي هشام وإبراهيم. فلعل هذا هو الذي لاحظه ابن القيم رحمه الله، حين قال في حديث مالك هذا:"إسناده صحيح" والله أعلم.

ثم قال الألباني رحمه الله: وخلاصة الكلام في هذا الحديث: أن مداره على عبد الرحمن بن غنم، وهو ثقة اتفاقًا، رواه عنه قيس بن عطية الثقة، وإسناده إليه صحيح كما تقدم، وعلى مالك بن أبي مريم، وإبراهيم بن عبد الحميد، وهو ثقة، وثلاثتهم ذكروا "المعازف" في جملة المحرمات المقطوع بتحريمها، فمن أصر بعد ذلك على تضعيف الحديث فهو متكبر معاند

"

ص: 5214

فقيل أبو عامر، وقيل أبو مالك كما سلف، ورواه أحمد (1)، وابن أبي شيبة (2) من حديث أبي مالك بغير شك، ورواه أبو داود (3) من حديث أبي عامر، وأبي مالك، وهي رواية ابن داسة عن أبي داود، وفي رواية الرملي عنه بالشك.

وفي رواية ابن حبان (4) أنه سمع أبا عامر، وأبا مالك الأشعريين. وأما اضطراب المتن ففي لفظ: تستحلون كما سلف، وفي طريق ذكرها البخاري في التاريخ (5) بدونه، وعند أحمد (6) وابن أبي شيبة (7) بلفظ:"ليشربن أناس من أمتي الخمر"، وفي رواية "الحر" بمهملتين وهو الفرج، وهو كذلك في معظم الروايات. ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره. والمعنى يستحلون الزنا.

وضبطه ابن التين (8) بالمعجمتين، وقال: هو عند البخاري كذلك، وكذا وقع في

(1) في "المسند" رقم (5/ 342)

(2)

في "المصنف"(7/ 465 رقم 3810)

(3)

في "السنن" رقم (4039).

قال في "عون المعبود"(11/ 58): هكذا بالشك في نسخ الكتاب وكذا المنذري.

ثم ذكر كلام الشوكاني في رسالته "إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع".

قلت: يخالف في هذا الحافظ ابن حجر في "الفتح"(10/ 54) و"التهذيب"(12/ 144) و"تغليق التعليق"(5/ 20) فيذهب إلى أن رواية بشر بن بكر عند أبي داود بغير شك، ويتعقب المزي في ذلك.

وقول الحافظ مرجوح بدلائل، فرواية بشر بن بكر إذا موافقة لرواية هشام بن عمار، وأن الحديث محفوظ عن ابن جابر بالشك فهو حاصل إما منه أو ممن فوقه، والذي يبدو أنه ممن فوقه لمتابعة إبراهيم بن عبد الحميد لعطية بن قيس، فإنه فيها على الشك أيضًا.

(4)

في صحيحه رقم (6754).

(5)

(1/ 1\ 305)

(6)

في "المسند"(5/ 345)

(7)

في "المصنف"(7/ 465 رقم 3810)

(8)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 54 - 55).

ص: 5215

رواية أبي داود (1).

وقال ابن الأثير (2): المشهور في رواية هذا الحديث بالإعجام، وهو ضرب من الإبريسم.

وخامس الوجوه: أن لفظة المعازف التي هي محل النزاع ليست عند أبي داود. وقد أجاب المحرمون عن هذه العلل بأجوبة أوردها المجوزون بردود لا نطيل بذكرها.

هذا ما أجاب به المجوزون عن الحديث من حيث ثبوته، وأما من حيث دلالته فقالوا: لا نسلم دلالته على التحريم، وأسندوا هذا المنع بوجوه:

أحدها: أن لفظة يستحلون ليست نصًا في التحريم؛ فقد ذكر أبو بكر بن العربي (3) لذلك معنيين:

أحدهما: أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال.

الثاني: أن يكون مجازًا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور.

الثاني: أن المعازف تختلف في مدلولها، فقيل: هي اسم تجمع العود والطنبور وشبههما، وقيل: آلة لها أوتار كثيرة.

وقال الجوهري في صحاحه (4) هي آلات اللهو، وقيل: أصوات الملاهي، وقيل: الغناء، وحكاه القرطبي (5) عن الجوهري، وليس في صحاحه، وقال ابن الأثير (6): عزيف الجن: جرس أصواتها، وإذا كان اللفظ محتملاً؛ لأن يكون لغير آلة، ولآلة مخصوصة، ولمطلق الآلات، فإما أن يكون مشتركًا بين الجميع، والأرجح عند الجمهور التوقف فيه

(1) في "السنن" رقم (4039)

(2)

في "النهاية"(1/ 366)

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 55)

(4)

(4/ 1403)

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 55)

(6)

في "النهاية"(3/ 230)

ص: 5216

فلا يحمل أحد معنييه إلا بقرينة، وإما أن يكون حقيقة [3] في أحدها، ولا نعرفه فيكون مجملاً، وعلى فرض صحة حمل المعازف على التفسير الدال على مدعى المحرمين، وهو آلات اللهو، أو أصوات الملاهي، فلا شك أن ذلك يعم الدف والمزمار الذي هو الشبابة، وهم يخصصون ذلك من عموم آلات اللهو أو أكثرها.

وقد ذهب قوم من أهل الأصول إلى أن العام بعد التخصيص يصير مجملاً في الباقي، فلا يحتج به إلا بدليل (1)، وعند آخرين منهم يكون مجازًا فيه (2)، وعند آخرين لا يكون حجة (3)، ولا ينكر أحد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرر الضرب بالدف، وسمعه ولم ينكره، كما في صحيح البخاري (4) وغيره، ولعله يأتي بيانه، ويحتمل أن تكون المعازف المنصوص على تحريمها هي المقترنة بشرب الخمر كما ثبت في رواية (5) بلفظ:"ليشربن أناس من أمتي الخمر، تروح عليهم القيان وتغدو عليهم المعازف" ويحتمل أن يكون المراد يستحلون (6) مجموع الأمور المذكورة، فلا يدل على تحريم واحد منها على

(1) انظر: "إرشاد الفحول"(ص 468)، "البحر المحيط"(3/ 270).

(2)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 462 - 463): اختلفوا في العام إذا خص هل يكون حقيقة في الباقي أم مجازًا؟ فذهب الأكثرون إلى أنه مجاز في الباقي مطلقًا سواء كان ذلك التخصيص بمتصل أو منفصل، وسواء كان بلفظ أو بغيره، واختاره البيضاوي وابن الحاجب والصفي الهندي، قال ابن برهان في "الأوسط": وهو المذهب الصحيح.

وانظر مزيد تفصيل: "التبصرة"(ص 122)، "مختصر ابن الحاجب"(2/ 106)

(3)

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 466 - 468) و"البحر المحيط"(3/ 269)، "التبصرة"(ص 187).

(4)

تقدم تخريجه

(5)

أخرجه ابن ماجه رقم (4020) وأبو داود رقم (3688) والبخاري في تاريخه (1/ 1\ 305) و (4/ 1\ 222) وابن حبان رقم (1384) والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 295) وأحمد في "مسنده"(5/ 342) والطبراني في "المعجم الكبير"(1/ 167\ 2). وهو حديث صحيح

(6)

قال ابن تيمية في كتاب "إبطال التحليل"(ص 20 - 21): "لعل الاستحلال المذكور في الحديث إنما هو بالتأويلات الفاسدة، فإنهم لو استحلوها مع اعتقاد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرمها كانوا كفارًا. ولم يكونوا من أمته، ولو كانوا معترفين بأنها حرام لأوشك أن لا يعاقبوا بالمسخ كسائر الذين لم يزالوا يفعلون هذه المعاصي، ولما قيل فيهم: " يستحلون" فإن المستحل للشيء هو الذي يأخذه معتقدًا حله. فيشبه أن يكون استحلالهم الخمر، يعني أنهم يسمونها بغير اسمها كما في الحديث، فيشربون الأشربة المحرمة، ولا يسمونها خمرًا، واستحلالهم المعازف باعتقادهم أن آلات اللهو مجرد سمع صوت فيه لذة، وهذا لا يحرم كألحان الطيور، واستحلال الحرير وسائر أنواعه باعتقادهم أنه حلال للمقاتلة، وقد سمعوا أنه مباح لبسه عند القتال عند كثير من العلماء فقاسوا سائر أحوالهم على تلك! وهذه التأويلات واقعة في الطوائف الثلاثة التي قال فيها ابن المبارك رحمه الله تعالى:

وهل أفسد الدين إلا الملوك

وأحبار سوء ورهبانها

ومعلوم أنها لا تغني عن أصحابها من الله شيئًا بعد أن بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم وبين تحريم هذه الأشياء بيانا قاطعًا للعذر، كما هو معروف في مواضعه.

وقال ابن القيم في "إغاثة اللهفان"(1/ 371 - 372).

"أن المعازف هي آلات اللهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك. ولو كانت حلالاً لما ذمهم على استحلالها، ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والحر.

ص: 5217

الانفراد، وقد تقرر أن النهي عن الأمور المتعددة، أو ترتيب الوعيد على مجموعها لا يدل على تحريم كل فرد منها، ومن أعظم الأدلة على ذلك قوله تعالى:{خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين} (1) ولا شك أن ترك الحض على طعام المسكين لا يوجب على انفراده ذلك الوعيد الشديد، وليس أيضًا بمحرم.

واستدل المحرمون ثانيًا بما أخرجه ...........................

(1)[الحاقة: 33 - 34].

قال المحدث الألباني رحمه الله ردا على كلام الشوكاني: "ويجاب بأن الاقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط، وإلا لزم أن الزنا المصرح به في الحديث (يعني حديث البخاري ألا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف) واللازم باطل بإجماع، فالملزوم مثله

".

ص: 5218

الترمذي (1) عن الفرج بن فضالة، عن يحيى بن سعيد يرفعه:"إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء" فذكر منها اتخاذ القيان والمعازف. وأخرج (2) أيضًا بسند فيه رميح الجذامي يرفعه وفيه: وظهرت القيان والمعازف.

والجواب عن الأول أن في إسناده الفرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد، وقد تكلم (3) فيه أهل الحديث، وسئل الدارقطني (4) عن حديثه فقال: باطل، وقال أحمد بن ................

(1) في "السنن" رقم (2210).

وأخرجه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" رقم (5) وابن حبان في "المجروحين"(2/ 207) والخطيب في تاريخه (12/ 396) وابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 233 - 234) و"العلل"(2/ 366 - 367) من طرق عن الفرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن علي عن أبيه به مرفوعًا، وقد أعل هذا الإسناد بعلتين:

أ): قال الترمذي عقب الحديث: "هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي بن أبي طالب إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أحدًا رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة، والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض أهل الحديث، وضعفه من قبل حفظه، وقد رواه عنه وكيع وغير واحد من الأئمة".

ب): الانقطاع بين يحيى بن سعيد ومحمد ابن الحنفية، أعله بذلك ابن حزم في رسالة الغناء له (ص 434) قال:"ويحيى بن سعيد لم يرو عن محمد ابن الحنفية كلمة ولا أدركه، وكذلك أعله بهذا العلائي في "جامع التحصيل" (ص 238) فقال: "محمد بن علي هو ابن الحنفية، وذلك مرسل .. . لأن يحيى بن سعيد الأنصاري لم يدركه".

(2)

في "السنن" رقم (2211) وهو حديث ضعيف.

(3)

قال البخاري: فرج بن فضالة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري منكر الحديث.

وقال أبو حاتم: صدوق لا يحتج به.

"الميزان"(3/ 343 - 345)

(4)

انظر سؤالات البرقاني (ص 619).

وقال الخطيب في "تاريخه"(12/ 396): أخبرنا البرقاني قال: سألت الدارقطني عن الفرج بن فضالة؟ فقال: ضعيف. قلت: فحديثه عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن علي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة

" الحديث قال: "هذا باطل" قلت: من جهة الفرج بن فضالة؟ قال: نعم".

ص: 5219

حنبل: إذا روى عن الشاميين فليس به بأس، وأما عن يحيى بن سعيد فعنده مناكير. وقال مسلم (1): الفرج منكر الحديث.

والجواب عن الثاني: بأن زميح الجذامي: مجهول الحال (2)، ولم يخرج له أحد من أهل الأمهات الست، وبأن الترمذي رواه من طرق (3)، وكلها متفقة على وجود المسخ في هذه الأمة. وقد ثبت في الصحيح (4) أن هذه الأمة لا مسخ فيها، وفيه نظر؛ لأن الجمع ممكن بأن يقال: المرفوع عن الأمة هو المسخ العام لا الخاص بقوم، أو قرية؛ فإن الأحاديث الكثيرة قد دلت على ذلك، وواقع ذلك في مواضع كما صرح به جماعة من ثقات أهل التاريخ.

نعم يمكن الجواب عن الحديثين المذكورين بأن الوعيد المذكور مرتب على مجموع أشياء، فلا يلزم أن يترتب على أحدهما [4] كما سلف.

واستدل المحرمون أيضًا بما أخرجه البيهقي (5) بلفظ: "إن ربي حرم الخمر والميسر،

(1) في "الكنى"(ص 91)

(2)

"التقريب"(1/ 253 رقم 109) من الثالثة.

أخرجه الترمذي رقم (2211) حدثنا علي بن حجر. حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن المستلم بن سعيد، عن رميح الجذامي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث

" وهو حديث ضعيف.

(3)

أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2212) حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف" فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله! ومتى ذلك؟ قال: "إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور". وهو حديث حسن.

(4)

تقدم في بداية الرسالة.

(5)

في "السنن الكبرى"(10/ 222).

من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل حرم الخمر، والميسر، والكوبة، والغيبراء، وكل مسكر حرام".

وله عنه ثلاث طرق:

الأولى: عن الوليد بن عبدة، ويقال عمرو بن الوليد بن عبدة به.

أخرجه أبو داود رقم (3685) وأحمد (2/ 158، 170) وفي "الأشربة" رقم (207) والفسوي في "المعرفة"(2/ 519) وابن عبد البر في "التمهيد"(5/ 167).

الثانية: عن ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة، عن أبي هريرة أو هبيرة العجلاني عن مولى لعبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليه ذات يوم وهم في المسجد فقال: إن ربي: "حرم علي الخمر، والميسر، والكوبة، والقنين". الكوبة: الطبل.

أخرجه أحمد (2/ 172) والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 222) ورجال البيهقي ثقات. غير المولى فلم يعرفه الألباني ولعله أبو هبيرة وهو مجهول. كما في "تعجيل المنفعة".

الثالثة: عن فرج بن فضالة، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر مرفوعًا بلفظ:"إن الله حرم على أمتي الخمر، والميسر، والمزرر، والكوبة، والقنين، وزادني صلاة الوتر".

قال يزيد بن هارون: القنين: البرابط.

أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 165 - 167) وفي "الأشربة"(212، 214) والطبراني في "الكبير"(13 رقم 127) بسند ضعيف. وهو حديث حسن لغيره

ص: 5220

والكوبة، والقنين" قالوا: والقنين هو العود. وأجيب بأن البيهقي (1) رواه من حديث عمرو بن العاص بإسناد فيه ابن لهيعة، وقد ضعفه غير واحد من الأئمة كما ذلك معروف، ورواه (2) عن قيس بن سعد بن عبادة بإسناد فيه عبيد الله بن ..................

(1) في "السنن الكبرى"(10/ 222).

(2)

أي البيهقي في "السنن" رقم (10/ 222) حدثني الليث بن سعد وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبدة عن قيس بن سعد مرفوعًا، وزاد: "

والغبيراء وكل مسكر حرام".

ولعمرو بن الوليد متابع عن قيس، وهو بكر بن سوادة.

أخرجه أحمد في "الأشربة" رقم (27) وابن أبي شيبة (8/ 197) والطبراني في "الكبير"(18/ 352) والبيهقي (10/ 222) من طريقين عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة عن قيس به مرفوعًا وقال: "

وإياكم والغبيراء فإنها ثلث خمر العالم".

وهذا إسناد لين، لكنه لا بأس به في المتابعات، عبيد الله بن زحر صدوق فيه ضعيف.

ص: 5221

زحر (1) وهو ضعيف أيضًا عند أهل الحديث، وأيضًا القنين مختلف فيه، فقيل (2) هو الطنبور بلسان الحبشة، وقيل لعبة يتقامرون بها.

حكاه الزمخشري في كتاب الفائق (3) عن ابن الأعرابي. وفي تحريم المعازف وسائر الملاهي أحاديث مروية في غاية الكثرة، ولكنها متكلم عليها من أئمة الحديث، وبعضهم يجزم بوضعها، وما ذكرناه أصح ما روي وأحسنه.

هذا الكلام في الغناء مع آلة من آلات اللهو، وأما مجرد الغناء من غير آلة فقد ذهب إلى تحليله جمهور العلماء، بل قال: الأدفوي في الإمتاع: إن الغزالي نقل في بعض تواليفه الفقهية الاتفاق على حله.

ونقل ابن طاهر (4) إجماع الصحابة والتابعين عليه، ونقل التاج الفزاري، وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه، ونقل ابن طاهر، وابن قتيبة أيضًا إجماع أهل المدينة عليه، وقال الماوردي: لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيه بالعبادة والذكر. وقال يونس بن عبد الأعلى: سألت الشافعي (5) عن إباحة أهل المدينة للسماع

(1) قال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات وقال أبو زرعة: عبيد الله بن زحر صدوق. وقال النسائي: لا بأس به.

"الميزان"(3/ 6 رقم 5359).

(2)

في "النهاية" لابن الأثير (4/ 116).

(3)

(3/ 284).

(4)

في "السماع"(ص 48)

(5)

قال الشافعي في "أدب القضاء" إن الغناء لهو مكروه، يشبه الباطل والمحال، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته".

انظر: "كشف الغطاء عن حكم الإسلام في الغناء"(ص 11) لابن القيم.

قال ابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 227): وقد كان رؤساء أصحاب الشافعي رضي الله عنهم ينكرون السماع، وأما قدماؤهم فلا يعرف بينهم خلاف، وأما كبائر المتأخرين فعلى الإنكار منهم أبو الطيب الطبري وله في ذم الغناء والمنع منه كتاب مصنف - الرد على من يحب السماع - ثم قال ابن الجوزي (ص 229): فهذا قول علماء الشافعية وأهل التدين منهم، وإنما رخص في ذلك من متأخريهم من قل علمه وغلبه هواه.

وقال الشافعي: وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته"

انظر: "الرد على من يحب السماع"(ص 27 - 28) للشيخ طاهر الطبري.

ص: 5222

فقال: لا أعلم أحدًا من أهل الحجاز كره السماع إلا ما كان منه في الأوصاف.

قال ابن النحوي في العمدة: وقد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة، وكذا روي سماعه، والقول بجوازه عن جماعة منهم من التابعين، فمن الصحابة عمر كما رواه ابن عبد البر (1) وغيره .....................

(1) كما في كتاب "السماع"(ص 42) عن يحيى بن عبد الرحمن قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب في الحج الأكبر حتى إذا كان عمر بالروحاء كلم الناس رياح بن المعتمر وكان حسن الصوت بغناء الأعراب، فقالوا: أسمعنا، وقصر عنا الطريق فقال إني أفرق من عمر، قال فكلم القوم عمر: إنا كلمنا رياحًا يسمعنا ويقصر عنا المسير فأبى إلا أن تأذن له، فقال له: يا رياح أسمعهم وقصر عنهم المسير، فإذا أسحرت فارفع واحدهم من شعر ضرار بن الخطاب، فرع عقيرته يتغنى وهم محرمون.

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" رقم (10/ 224) عن السائب بن يزيد بنحوه بإسناد جيد.

قال الألباني في "تحريم آلات الطرب"(ص 129): وفي هذه الأحاديث والآثار دلالة ظاهرة على جواز الغناء بدون آلة في بعض المناسبات، كالتذكير بالموت أو الشوق إلى الأهل والوطن، أو للترويح عن النفس، والالتهاء عن وعثاء السفر ومشاقه ونحو ذلك، مما لا يتخذ مهنة، ولا يخرج به عن حد الاعتدال، فلا يقترن به الاضطراب والتثني والضرب بالرجل مما يخل بالمروءة كما في حديث أم علقمة مولاة عائشة: أن بنات أخي عائشة رضي الله عنها خفضن فألمن ذلك، فقيل لعائشة يا أم المؤمنين: إلا ندعو لهن من يلهيهن؟ قالت: بلى، قالت: فأرسلت إلى فلان المغني، فأتاهم، فمرت به عائشة رضي الله عنها في البيت فرأته يتغنى ويحرك رأسه طربًا، وكان ذا شعر كثير، فقالت عائشة رضي الله عنها:"أف! شيطان أخرجوه أخرجوه" فأخرجوه.

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 223 - 224) والبخاري مختصرًا في "الأدب المفرد" رقم (1247) بسند حسن. وصححه ابن رجب في "نزهة الأسماع"(ص 61).

ص: 5223

وعثمان (1) كما نقله الماوردي (2) وصاحب البيان (3)، وحكاه الرافعي، وعبد الرحمن بن عوف كما رواه ابن أبي شيبة (4) وأبو عبيدة بن الجراح كما أخرجه البيهقي (5)، وسعد بن أبي وقاص كما أخرجه ابن قتيبة، وأبو مسعود الأنصاري كما أخرجه البيهقي (6)، وبلال وعبد الله بن الأرقم، وأسامة بن زيد كما أخرجه البيهقي (7) أيضاً، وحمزة كما في الصحيح (8)، وابن عمر كما أخرجه ابن طاهر (9)، والبراء بن مالك كما أخرجه أبو نعيم (10)، وعبد الله بن جعفر كما رواه ابن عبد البر (11) وغيره، وعبد الله بن الزبير كما

(1) عزاه إليه الماوردي في "الحاوي"(21/ 203 - 205).

قال عمر رضي الله عنه: "الغناء زاد المسافر" أخرجه البيهقي (5/ 68).

وأخرج البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 68): كان لعثمان جاريتان تغنيان في الليل، فإذا جاء وقت السحر قال: أمسكا فهذا وقت الاستغفار وقام إلى صلاته.

قال ابن تيمية في "الاستقامة"(1/ 281): وقد روي عن ابن عمر آثار في إباحته للسماع

".

أما النقل عن ابن عمر فباطل، بل المحفوظ عن ابن عمر ذمه للغناء ونهيه عنه وكذلك سائر أئمة الصحابة

".

وانظر: "كشف الغطاء عن حكم سماع الغناء" لابن قيم الجوزية (ص 195)

(2)

في "الحاوي"(21/ 204).

(3)

"البيان في مذهب الإمام الشافعي" للعمراني (13/ 292 - 294)

(4)

في "المصنف"(4/ 192)

(5)

في "السنن الكبرى" رقم (10/ 224 - 225)

(6)

في "السنن الكبرى" رقم (10/ 225)

(7)

في "السنن الكبرى" رقم (10/ 225).

(8)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1/ 1979) من حديث علي بن أبي طالب

(9)

في كتاب "السماع"(ص 44).

(10)

في "معرفة الصحابة"(3/ 64 - 65)

وانظر "تلبيس إبليس"(ص 294).

(11)

الاستيعاب (2/ 300 - 301).

ص: 5224

نقله أبو طالب المكي (1)، وحسان كما رواه أبو الفرج الأصبهاني (2)، وعبد الله بن عمر وكما رواه الزبير بن بكار (3)، وقرظة بن كعب كما رواه ابن قتيبة (4)، وخوان بن جبير (5)، ورباح المعترق كما أخرجه صاحب الأغاني، والمغيرة بن شعبة كما حكاه أبو طالب المكي، وعمرو بن العاص كما حكاه الماوردي (6)، وعائشة (7) ........................

(1) في "قوت القلوب" كما في "الاستقامة"(1/ 229).

(2)

انظر: "إيضاح الدلالات في سماع الآلات"(ص 79)

(3)

ذكره ابن حجر في "الإصابة"(3/ 393) وابن عبد البر في "الاستيعاب"(2/ 300).

(4)

ذكره ابن حجر في "الإصابة"(3/ 393) وابن عبد البر في "الاستيعاب"(2/ 300)

(5)

انظر: كتاب "السماع" لابن طاهر (ص 44 - 45)

(6)

في "الحاوي"(21/ 204).

(7)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (949) وأطرافه (952، 987، 3907، 3530، 3931) عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء يعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم! فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "دعهما" فلما غفل غمزتهما فخرجتا.

وفي رواية دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان (من جواري الأنصار) وفي رواية (قينتان)(في أيام منى، تدففان وتضربان) تغنيان بغناء.

وفي رواية: بما تقاولت وفي أخرى (تقاذفت) الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين) فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر [والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه] فانتهرني.

وفي رواية: فانتهرهما، وقال: مزمارة، وفي رواية مزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم [مرتين]؟!.

فأقبل عليه صلى الله عليه وسلم وفي رواية: فكشف النبي صلى الله عليه وسلم وجهه فقال: "دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا" فلما غفل غمزتهما فخرجتا.

قال ابن حجر في "الفتح"(2/ 442):

1 -

): قوله: فانتهرهما: أي الجاريتين ويجمع بأنه شرك بينهن في الانتهار والزجر، أما عائشة فلتقريرها، وأما الجاريتان فلفعلهما.

2 -

): قوله: مزمارة الشيطان بكسر الميم يعني الغناء أو الدف لأن المزمارة أو المزمار مشتق من الزمير وهو الصوت الذي له الصفير، ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء.

وسميت به الآلة المعروفة التي يزمر بها.

وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها تلهي، فقد تشغل القلب عن الذكر.

3 -

): قوله دعهما: إيضاح خلاف ما ظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه صلى الله عليه وسلم لكونه دخل فوجده معطى بثوبه فظنه نائمًا فتوجه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه مستصحبًا لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو. فبادر إلى إنكار ذلك قيامًا عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مستندًا إلى ما ظهر له فأوضح له النبي صلى الله عليه وسلم وعرفه الحكم مقرونًا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد. أي يوم سرور شرعي. فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس. وبهذا يرتفع الإشكال عمن قال: كيف ساغ للصديق إنكار شيء أمره النبي صلى الله عليه وسلم وتكلف جوابًا لا يخفى تعسفه.

4 -

): استدل جماعة من الصوفية بحديث الباب - رقم (949) - على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة. ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث رقم (952) بقولها: "وليستا بمغنيتين" فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ، لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة وعل الحداء. ولا يسمى فاعله مغنيًا وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح.

قال القرطبي في "المفهم"(2/ 534):

قولها: وليستا بمغنيتين أي: ليستا ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك. وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشتهرين به، الذي يحرك النفوس، ويبعثها على الهوى والغزل والمجون، الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء، ووصف محاسنهن وذكر الخمور، والمحرمات. لا يختلف في تحريمه، لأنه اللهو واللعب المذموم بالاتفاق.

فأما ما يسلم من تلك المحرمات فيجوز القليل منه وفي أوقات الفرح: كالعرس، والعيد، وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، ثم قال: وأما ما أبدعه الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة، فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية والأغراض الشيطانية على كثير ممن ينسب إلى الخير وشهر بذكره حتى عموا عن تحريم ذلك وعن فحشه، حتى قد ظهرت من كثير منهم عورات المجان والمحانيث والصبيان فيرقصون ويزفنون بحركات مطابقة، وتقطيعات متلاحقة كما يفعل أهل السفه والمجون.

وقد انتهى التواقح بأقوام منهم إلى أن يقولوا: إن تلك الأمور من أبواب القرب وصالحات الأعمال وأن ذلك يثمر صفاء الأوقات وسيئات الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل البطالة والمخرقة.

قال الحافظ في "الفتح"(2/ 443) ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحو إباحة غيره من الآلات كالعود ونحوه.

قال القرطبي في "المفهم"(2/ 535): فأما الغناء بآلة فيمنع وبغير آلة اختلف الناس فيه: فمنعه أبو حنيفة وكرهه الشافعي ومالك وحكى أصحاب الشافعي عن مالك: أن مذهبه الإجازة من غير كراهة. قال القاضي: المعروف من مذهب مالك المنع لا الإجازة.

قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان"(1/ 257): "فلم ينكر صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسميته الغناء (مزمار الشيطان)، وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين، تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب وكان اليوم يوم عيد".

قال أبو الطيب الطبري كما ذكره ابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 223 - 224): "هذا الحديث حجتنا لأن أبا بكر سمى ذلك مزمور الشيطان، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قوله وإنما منعه من التغليظ في الإنكار لحسن رفعته لا سيما في يوم العيد. وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء وقد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه وقد أخذ العلم عنها"

ص: 5225

والربيع (1) كما في صحيح البخاري وغيره.

وأما التابعون فسعيد بن المسيب، وسالم بن عمرو بن حسان، وخارجة بن زيد وشريح القاضي، وسعيد بن جبير، وعامر الشعبي، وعبد الله بن أبي عتيق، وعطاء بن أبي رباح، ومحمد بن شهاب الزهري [5]، وعمر بن عبد العزيز، وسعد بن إبراهيم الزهري قاضي المدينة. وأما تابعوهم فخلق لا يحصون: منهم الأئمة الأربعة، وابن عيينة وجمهور الشافعية (2). انتهى كلام ابن النحوي.

واختلف هؤلاء المجوزون. فمنهم من قال بكراهته، قال الماوردي (3) كرهه ....

(1) تقدم تخريجه

(2)

تقدم ذكره. وانظر: "الحاوي"(21/ 203)

(3)

في "الحاوي"(21/ 203)

ص: 5227

مالك (1)، وأبو حنيفة (2)، والشافعي (3) في أصح ما نقل عنهم.

قال الأدفوي: ولا نص لأبي حنيفة، وأحمد على التحريم، ونقل عنهما أنهما سمعاه.

ومنهم من قال باستحبابه لكونه يرق القلب، ويهيج الأحزان والشوق إلى الله تعالى، وإلى ذلك ذهب جماعة من الأكابر كالقشيري، والأستاذ أبي منصور، والغزالي (4)، وابن عبد السلام، والسهروردي (5)، وابن دقيق العيد، وجمع من الصوفية (6) كأبي طالب وحكاه عن الجنيد. وجرى عليه ابن حزم (7) وغيره، وقال الأكثر بإباحته. قال الأدفوي وجزم به صاحب البدائع من الحنفية، قال صاحب الهداية (8) من الحنفية: وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي (9). وقد أطبق على إباحة الغناء الظاهرية (10)، وجماعة ...........

(1) أما الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه نهى عن الغناء وعن استماعه، فقال:"إذا اشترى جارية مغنية كان له ردها بالعيب" وهو مذهب أهل المدينة إلا إبراهيم بن سعد وحده، فإنه قال: حكى أبو يحيى الصاحبي في كتابه أنه كان لا يرى به بأسًا.

انظر: "الرد على من يحب السماع"(ص 29 - 30). "إغاثة اللهفان"(1/ 245).

(2)

قال صاحب "البناية"(8/ 172) ولا تقبل شهادة مخنث

ولا نائحة ولا مغنية لأنهما ترتكبان محرمًا

ولا من يغني للناس، لأنه يجمع الناس على ارتكاب كبيرة.

قال الطبري في "الرد على من يحب السماع"(ص 31): وأما الإمام أبو حنيفة رحمه الله فإنه يكره ذلك مع إباحته شرب المثلث ويجعل سماع الغناء من الذنوب.

وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة، وسفيان الثوري، وحماد، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وغيرهم، لا اختلاف بينهم في ذلك

"

(3)

تقدم ذكره. وانظر: "الحاوي"(21/ 203)

(4)

انظر: "الإحياء"(2/ 285) وللأخ علي حسن كتاب بعنوان (كتاب إحياء علوم الدين في ميزان العلماء) فانظره فإنه مفيد في بابه.

(5)

انظر كتاب: "عوارف المعارف"(5/ 118 - 119)

(6)

انظر: "الإحياء"(2/ 285) وللأخ علي حسن كتاب بعنوان (كتاب إحياء علوم الدين في ميزان العلماء) فانظره فإنه مفيد في بابه.

(7)

انظر: "المحلى"(9/ 59)

(8)

انظر: "البناية في شرح الهداية"(8/ 177).

(9)

في "المبسوط"(16/ 132).

(10)

"المحلى"(9/ 59 - 61)

ص: 5228

الصوفية (1)، ونصره الغزالي في الإحياء (2)، وأوضح أدلته، وأجاب عن أدلة المحرمين.

وقال أبو الفتوح في الإلماع (3) في تكفير من يحرم السماع: الأحاديث في إباحة الدف والغناء، أحاديث مشهورة. فمن أنكرها فسق، فإن رجح قول أبي حنيفة على فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كفر بالاتفاق انتهى.

ومن جملة ما استدل به على الجواز ما أخرجه البخاري في صحيحه (4)، وأبو داود (5) والترمذي (6) عن الربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليهم صبيحة عرسها، وعندهم جاريتان تغنيان: وتقولان فيما يقولان: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال:"أما هذا فلا تقولاه، لا يعلم ما في غد إلا الله" وفي رواية للبخاري (7)"دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين" وللحديث ألفاظ. وفي الصحيحين (8) وسنن النسائي (9) عن عائشة قالت: دخل عليها أبو بكر في يوم فطر أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان بما تقاولته الأنصار يوم بعاث والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مغشى بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف صلى الله عليه وآله وسلم عن وجهه وقال له: دعهما يا أبا بكر؛ فإن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا.

وأخرج النسائي في سننه (10) بإسناد صحيح، والطبراني في الكبير (11) أن امرأة جاءت

(1) انظر: "إحياء علوم الدين"(2/ 285)

(2)

انظر: "إحياء علوم الدين"(2/ 285)

(3)

(ص 71)

(4)

في صحيحه رقم (4001، 5147)

(5)

في "السنن" رقم (4922)

(6)

في "السنن" رقم (1090)

(7)

في صحيحه رقم (4001) وقد تقدم

(8)

البخاري في صحيحه رقم (52) ومسلم رقم (892) تقدم توضيحه

(9)

في "السنن" رقم (3/ 196 - 197)

(10)

في "السنن الكبرى" رقم (5/ 310). وفي "عشرة النساء" رقم (74).

(11)

(7/ 158). قلت: وأخرجه أحمد (3/ 449) بسند صحيح.

ص: 5229

إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لعائشة: "أتعرفين هذه؟ " قالت: لا يا نبي الله، فقال:"هذه قينة بني فلان، أتحبين أن تغنيك؟ قالت: نعم، فغنتها".

وأخرج ابن ماجه (1) بسند رجاله ثقات عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر في أزقة بعض المدينة بجوار من بني النجار يضربن بدفوفهن ويقلن:

نحن جوار من بني النجار

يا حبذا محمد من جار

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الله يعلم أني لأحبكن".

وأخرج أبو داود (2) والترمذي (3) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رجع من بعض مغازيه جاءته امرأة فقالت: يا نبي الله، إن نذرت إن ردك الله سالما [6] أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال:"أوف بنذرك" قال الترمذي (4) هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه (5)، وفيه فقعد عليه السلام، وضربت الدف.

وفي بعض الروايات (6) أنها غنت بقولها:

(1) في "السنن" رقم (1899) وهو حديث صحيح.

(2)

في "السنن" رقم (3312) بإسناد حسن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

(3)

في "السنن" رقم (3690) من حديث بريدة. وهو حديث صحيح انفرد به الترمذي.

(4)

في "السنن" رقم (5/ 621) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة.

(5)

في صحيحه رقم (10/ 232 رقم 4386). وهو حديث صحيح.

قال الخطابي في "معالم السنن"(4/ 382) مع مختصر السنن: ضرب الدف ليس مما يعد في باب الطاعات التي يتعلق بها النذور وأحسن حاله أن يكون من باب المباح، غير أنه لما اتصل بإظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة من بعض غزواته وكانت فيه مساءة الكفار وإرغام المنافقين صار فعله كبعض القرب من نوافل الطاعات ولهذا أبيح ضرب الدف".

قال الألباني في "تحريم آلات الطرب"(ص 125): ففيه إشارة قوية إلى أن القصة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فهي حادثة عين لا عموم لها كما يقول الفقهاء في مثيلاتها، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(6)

وقال الألباني "وهذه زيادة باطلة هنا، وضعيفة في قصة قدومه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وإسنادها معضل، وليس فيها بيان هل كان قدومه من تبوك كما ساقها ابن القيم في "مسألة السماع" (ص 265 - 266).

انظر: "الصحيحة"(5/ 331) و"الضعيفة"(2/ 63).

ص: 5230

طلع البدرعلينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داعي (1)

وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند أبي داود (2)، وعن عائشة عند الفاكهي في تاريخ مكة (3) بسند صحيح. وأخرج النسائي (4) والحاكم (5) وقال: صحيح على شرط الشيخين. عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: دخلت على ابن مسعود الأنصاري، وقرظة بن كعب، وثابت بن زيد، وعندهم جوار يغنين بدفوف لهن، فقلت: أتفعلون هذا وأنتم أصحاب محمد! فقالوا: نعم، رخص لنا في ذلك. وأخرج هذا الحديث أيضًا الدارقطني (6) وألزم الشيخين إخراجه.

(1) انظر التعليقة السابقة.

(2)

في "السنن" رقم (3312) بإسناد حسن.

(3)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(4/ 371).

(4)

في "السنن"(6/ 135)

(5)

في "المستدرك"(2/ 184).

(6)

في "الإلزامات والتتبع"(ص 92).

هذا الحديث يرويه أبو إسحاق السبيعي، عن عامر بن سعد به، واختلف عليه فيه. فرواه شريك القاضي، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بن كعب، وأبي مسعود، وثابت بن زيد.

ورواه عن شريك بهذه الكيفية: ابن أبي زائدة، ويحيى الحماني، ويحيى بن صبيح وعلي بن عابس.

"المعرفة"(3/ 240 - 241) لأبي نعيم. "الموضح" للخطيب (2/ 11 - 12).

وثابت بن زيد: اختلف في اسمه على أوجه.

انظر: "معجم الصحابة"(1/ 131) لابن قانع.

ورواه كل من: علي بن حجر، وأبو غسان، والهيثم بن جميل عن شريك، عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد، به، ولكنهم لم يذكروا "ثابت بن زيد". أخرجه النسائي في "السنن" رقم (6/ 135) والطبراني في "المعجم الكبير"(17/ 248)(19/ 39) مختصرًا. والحاكم في "المستدرك"(2/ 184) ولعل هذا من شريك، فإنه كان سيئ الحفظ كما هو معروف، وزد على هذا أنه خولف، فرواه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، واختلف عنه: فرواه عبد الله بن رجاء، عنه، عن أبي إسحاق عن عامر، به، وذكر فيه "أبي بن كعب" بدلاً من "قرظة بن كعب".

أخرجه الطبراني في "الكبير"(7/ 247) والحاكم في "المستدرك"(1/ 102) من طريق يحيى الحماني عن إسرائيل، عن عثمان بن أبي زرعة، عن عامر بن سعد به، وخالفهما شعبة - ولعل هذا هو المحفوظ - فرواه عن أبي إسحاق، عن عامر قال: شهدت ثابت بن وديعة، وقرظة بن كعب الأنصاري في عرس

الحديث. هكذا بدون ذكر لـ (أبي مسعود) في الحديث.

أخرجه الطيالسي في "مسنده"(ص 169) والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 289) والحاكم (2/ 184) وصححه.

ص: 5231

وأخرج الحاكم في المستدرك (1)، والترمذي (2)، وابن ماجه (3) أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:"فضل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت" يعني في النكاح. صححه الحاكم (4)، وألزم الدارقطني (5) الشيخين إخراجه.

وفي البخاري (6) من حديث عائشة قالت: زففنا امرأة لرجل من الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"أما كان معكم لهو؛ فإن الأنصار تحب اللهو" وأخرج عبد الرزاق (7) بسند صحيح عن ابن عمران أن داود عليه السلام كان يأخذ المعزفة، فيضرب بها فيقرأ عليها، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع أبا موسى يقرأ:"لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود" كما في المتفق عليه (8) من حديثه.

(1)(2/ 184).

(2)

في "السنن" رقم (1088).

(3)

في "السنن" رقم (1896).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 418) من طرق عن هشيم، عن أبي بلج، عن محمد بن حاطب، به. وهو حديث حسن.

(4)

في "المستدرك"(2/ 184).

(5)

في "الإلزامات والتتبع"(ص 70)

(6)

في صحيحه رقم (5162)

(7)

في "المصنف"(2/ 481).

(8)

أخرجه البخاري رقم (5048) ومسلم رقم (793)

ص: 5232

والأحاديث في هذا الباب كثيرة. وقد قيل أنها متواترة، وبها استدل من قال بجواز الضرب بالدف، وهو مروي عن الجمهور، بل قال ابن طاهر (1) إنه سنة مطلقا لحديث المرأة الناذرة، ولا يصح النذر إلا في قربة.

وعن الإمام أحمد (2) أنه سنة في العرس والختان، وشذ من قال بتحريمه. وقيل بكراهته في غيرهما. وأما ما روي عن ابن الصلاح (3) أنه قال: إن اجتماع الدف والشبابة لم يقل

(1) في كتاب "السماع"(ص 51).

(2)

ذكره ابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 293).

وقال ابن رجب في "نزهة الأسماع"(ص 69 - 70) قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع قال: سألت مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال: "إنما يفعله عندنا الفساق".

انظر: "المدونة"(4/ 421)، "مسائل عبد الله" رقم (449).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول: سمعت يحيى القطعان يقول: "لو أن رجلاً عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع وأهل مكة في المتعة لكان فاسقًا".

"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(ص 17) للخلال. "مسائل عبد الله" رقم (449).

(3)

في "فتاوى ومسائل ابن الصلاح"(2/ 499) مسألة رقم (488). أقوام يقولون: إن سماع الغناء بالدف والشبابة حلال، وإن صدر الغناء والشبابة من أمرد دلق حسن الصوت كان ذلك نور على نور وذلك يحضرهم النساء الأجنبيات

ثم يتفرقون عن السماع بالرقص والتصفيق ويعتقدون أن ذلك حلال وقربة يتوصلون بها إلى الله تعالى.".

فأجاب ابن الصلاح: ليعلم أن هؤلاء من إخوان أهل الإباحة الذين هم أفسد فرق الضلالة

ولقد كذبوا على الله سبحانه وتعالى وعلى عباده الذين اصطفى، أحبولة نصبوها من حبائل الشيطان خداعًا، وأعجوبة من حوادث الزمان جلبوها خداعًا للعوام.

ثم قال (ص 500): وأما إباحة هذا السماع وتحليله فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع والحلال المنقول عن بعض أصحاب الشافعي إنما نقل في الشبابة منفردًا والدف منفردًا

".

وانظر: "إغاثة اللهفان"(1/ 228).

ص: 5233

بجوازه أحد، وأن من قال بإباحة المفردات لم يقل بإباحتها مجتمعة. فقد رد ذلك عليه جماعة من المحققين كالتاج السبكي وغيره.

وقال الأدفوي: نظرت في نحو مائة مصنف، لم أجد ما ذكره لأحد، وأطال الكلام معه. وقد احتج المحرمون للغناء بأدلة منها قوله تعالى:{ومن الناس من يشتري لهو الحديث} (1) وفي الآية الوعيد على ذلك، ولا يكون إلا على حرام.

ولهو الحديث. قال ابن مسعود: هو الغناء، وأشباهه، وأجيب (2) عن ذلك بأن ذلك فيمن فعله ليضل عن سبيل الله، كما يشهد لذلك السبب، وقد سمى الله الحياة الدنيا لعبًا ولهوًا فقال:{إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} (3)؛ فلو كان اللهو محرمًا لكان جميع ما في الدنيا كذلك.

وأخرج الفريابي (4)، وعبد [بن] حميد (5) عن محمد بن الحنفية قال في قوله تعالى:

(1)[لقمان: 6]. أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 223) وابن أبي شيبة (6/ 309) والحاكم (2/ 411) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي وقال: حميد هو ابن زياد صالح الحديث.

وأخرجه ابن جرير الطبري في "جامع البيان"(11\ جـ 21/ 61)، وابن كثير في تفسيره (6/ 331) وهو أثر صحيح.

(2)

قال الواحدي في تفسيره "الوسيط"(3/ 441): "أكثر المفسرين على أن المراد بـ {لهو الحديث} الغناء، قال أهل المعاني ويدخل في هذا كل من اختار اللهو والغناء والمزامير والمعازف على القرآن، وإن كان اللفظ ورد بـ (الاشتراء) لأن هذا اللفظ يذكر بالاستبدال والاختيار كثيرًا.

(3)

[محمد: 36]

(4)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 283)، وابن كثير في تفسيره (6/ 130).

وأخرجه ابن جرير الطبري في "جامع البيان"(11/ 48) عن مجاهد في قوله: {والذين لا يشهدون الزور} قال: لا يسمعون الغناء.

ثم قال: وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك، لأنه محسن لأهله، حتى قد ظنوا أنه حق، وهو باطل ويدخل فيه الغناء لأنه أيضًا مما يحسنه ترجيع الصوت، حتى يستحل سامعه سماعه، والكذب يدخل فيه لتحسين صاحبه إياه، حتى يظن صاحبه أنه الحق، فكل ذلك مما يدخل في معنى الزور

".

(5)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 283)، وابن كثير في تفسيره (6/ 130).

وأخرجه ابن جرير الطبري في "جامع البيان"(11/ 48) عن مجاهد في قوله: {والذين لا يشهدون الزور} قال: لا يسمعون الغناء.

ثم قال: وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك، لأنه محسن لأهله، حتى قد ظنوا أنه حق، وهو باطل ويدخل فيه الغناء لأنه أيضًا مما يحسنه ترجيع الصوت، حتى يستحل سامعه سماعه، والكذب يدخل فيه لتحسين صاحبه إياه، حتى يظن صاحبه أنه الحق، فكل ذلك مما يدخل في معنى الزور

".

ص: 5234

{والذين لا يشهدون الزور} (1) هو الغناء واللهو. وأخرج نحو ذلك عبد بن حميد (2) عن أبي الجحاف. وأخرج نحوه ابن أبي حاتم (3) عن الحسن، ومن ذلك حديث النهي عن بيع المغنيات، وعن شرائهن، وعن كسبهن، وأكل أثمانهن كما أخرجه [7] الترمذي (4) وابن ماجه (5)، وسعيد بن منصور (6) من حديث أبي أمامة، وأخرجه أبو الطيب الطبري (7) من حديث عائشة.

وأخرج الطبراني (8) من حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ثمن

(1)[الفرقان: 72].

(2)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 283) وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره رقم (15450).

(3)

في تفسيره رقم (15462).

(4)

في "السنن" رقم (1282، 3195) من حديث أبي أمامة.

قال الترمذي عقب الحديث رقم (1282) حديث أبي أمامة، إنما نعرفه مثل هذا من هذا الوجه، وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه وهو شامي.

وقال الترمذي عقب الحديث رقم (3195): هذا حديث غريب إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة، والقاسم ثقة، وعلي بن يزيد يضعف في الحديث. قال: سمعت محمدًا - البخاري - يقول: القاسم ثقة وعلي بن يزيد يضعف.

قلت: علي بن يزيد قد توبع.

وعبيد الله بن زجر قواه أحمد بن صالح وأبو زرعة والنسائي والبخاري.

"الميزان"(3/ 6 - 7 رقم 5359). والقاسم صدوق.

(5)

في "السنن" رقم (2168). وهو حديث حسن.

(6)

لم أجده.

(7)

لم أجده.

(8)

في "المعجم الكبير"(1/ 73 رقم 87) عن عمر بن الخطاب قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثمن القينة سحت ومن نبت لحمه على السحت فالنار أولى به".

وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 91) وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو متروك ضعفه جمهور الأئمة ونقل عن ابن معين في رواية لا بأس به وضعفه في أخرى.

انظر: "الميزان"(4/ 433 - 434 رقم 9726).

قال النسائي: متروك. قال أحمد: عنده مناكير. وقال أبو زرعة: ضعيف وقال ابن عدي عامة ما يرويه غير محفوظ.

وهو حديث ضعيف. انظر: "الضعيفة" رقم (3458).

ص: 5235

القينة وغناؤها حرام، وأخرج البيهقي (1) عن أبي هريرة يرفعه:"لا تبيعوا المغنيات ولا تشروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام" وأخرج ابن صصري في أماليه (2)، وابن عساكر في تاريخه (3) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"من قعد إلى قينة يستمع منها صب في إذنه الآنك يوم القيامة".

وأخرج الحميدي في مسنده (4) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يحل ثمن المغنية، ولا بيعها، ولا شراؤها، ولا الاستماع إليها" وأخرج الديلمي (5) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ثلاثة لا حرمة لهم: النائحة لا حرمة لها، ملعون كسبها، والمغنية لا حرمة لها ممحوق مالها، ملعون من اتخذها، وآكل الربا لا حرمة له، ممحوق ماله".

وأخرج ابن أبي الدنيا (6)، والطبراني (7)، .....................

(1) في "السنن الكبرى"(6/ 14 - 15) من حديث عائشة.

(2)

عزاه إليه صاحب "كنز العمال"(5/ 220 - 221) من حديث أنس.

وانظر: "المحلى"(9/ 57).

(3)

عزاه إليه صاحب "كنز العمال"(5/ 220 - 221) من حديث أنس.

وانظر: "المحلى"(9/ 57).

(4)

تقدم من حديث أبي أمامة

(5)

في "مسنده"(2/ 68) بسند واه.

(6)

في "ذم الملاهي"(ص 46 - 47 رقم 43) بإسناد ضعيف جدًا.

(7)

في "الكبير" رقم (7749) من طريق الوليد بن الوليد عن ابن ثوبان عن يحيى بن الحارث عن القاسم عن أبي أمامة، به. وسنده ضعيف، فيه الوليد بن الوليد وقيل ابن أبي الوليد، لين الحديث.

"التقريب"(1/ 474).

وأخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (7825) من طريق ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم به.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(8/ 119 - 120) وقال: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها وثقوا وضعفوا

ص: 5236

وابن مردويه (1) عن أبي أمامة يرفعه من حديث: "والذي بعثني بالحق، ما رفع رجل عقيرته بالغناء إلا بعث الله له شيطانين يردفان على عاتقه، ثم لا يزالان يضربان بأرجلهما على صدره، حتى يكون هو الذي يسكت" وأخرج ابن صصري في أماليه (2) عن ابن عباس يرفعه: "إياكم واستماع المعازف والغناء، فإنهما ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (3)، والبيهقي في السنن (4) عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:"الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" وأخرج نحوه البيهقي (5) عن جابر يرفعه، وأخرج نحوه أيضًا الديلمي (6) عن أنس، وأخرج البزار (7)، والضياء المقدسي (8)، وابن ....................

(1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(5/ 195).

(2)

عزاه إليه صاحب "كنز العمال"(15/ 220).

(3)

(ص 45 رقم 41)

(4)

(10/ 223) وقال البيهقي في "الشعب"(9/ 329) روي مسندًا بإسناد غير قوي وأخرجه أبو داود رقم (4927) من طريق سلام بن مسكين، به عن شيخ شهد أبا وائل في وليمة فجعلوا يلعبون، يتلعبون، يغنون، فحل أبو وائل حبوته، وقال: سمعت عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الغناء ينبت النفاق في القلب".

وهو حديث ضعيف. انظر: "الضعيفة" رقم (2430).

(5)

في "الشعب"(9/ 329). وهو حديث ضعيف جدًا.

(6)

في "مسنده"(2/ 322) وهو حديث ضعيف جدًا.

(7)

في "مسنده" رقم (795 - كشف) وقال البزار: لا نعلمه عن أنس إلا بهذا الإسناد.

(8)

في "المختارة"(6/ 188\ 2200، 2201).

ص: 5237

مردويه (1)، وأبو نعيم (2)، والبيهقي (3) عن أنس وعائشة أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:"صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة" وأخرج ابن سعد (4)، والبيهقي في السنن (5) عن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:"إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، عند نعمة لهو ولعب ومزامير الشياطين، وصوت عند مصيبة، وخمش وجه، وشق جيوب، ورنة شيطان".

وأخرج الديلمي (6) عن أبي أمامة مرفوعًا: "إن الله يبغض صوت الخلخال كما يبغض صوت الغناء" والأحاديث المروية في هذا الجنس في هذا الباب في غاية الكثرة. وقد جمع منها جماعة من العلماء مصنفات كابن حزم، وابن طاهر، وابن أبي الدنيا، وابن حمدان الأربلي، والذهبي، وغيرهم، وأكثر الأحاديث المذكورة فيها في النهي عن آلات الملاهي.

(1) عزاه إليه صاحب "كنز العمال"(15/ 222).

(2)

من حديث عائشة عزاه إليه صاحب "كنز العمال"(15/ 222).

(3)

انظر المصدر السابق.

وهو حديث صحيح. وله شاهد من حديث جابر سيأتي.

(4)

في "الطبقات"(1/ 138).

(5)

في "السنن الكبرى"(4/ 69) و"الشعب"(7/ 241 رقم 1063، 1064).

قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 40) وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" رقم (64). والطيالسي في مسنده رقم (1683) وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 393) والبغوي في "شرح السنة"(5/ 430 - 431) وأخرجه الترمذي رقم (1005) مختصرًا. وهو حديث حسن لغيره.

قال ابن تيمية في "الاستقامة"(1/ 292 - 293): "هذا الحديث من أجود ما يحتج به على تحريم الغناء كما في اللفظ المشهور، عن جابر بن عبد الله" صوت عند نعمة: لهو ولعب، ومزامير الشيطان" فنهى عن الصوت الذي يفعل عند النعمة، كما نهى الصوت الذي يفعل عند المصيبة، والصوت الذي عند النعمة هو صوت الغناء".

(6)

في "مسنده"(1/ 244) بإسناد ضعيف جدًا.

ص: 5238

وقد أجاب المجوزون للغناء عن هذه الأحاديث فقال الأدفوي في الإمتاع (1) وقد ضعف هذه الأحاديث الواردة في هذا الباب جماعة من الظاهرية، والمالكية، والحنابلة، والشافعية [8]. ولم يحتج بها الأئمة الأربعة. ولا داود ولا سفيان، وهم رءوس المجتهدين، وأصحاب المذاهب المتبعة. وقد ذكر أبو بكر بن العربي في كتابه الأحكام (2) الأحاديث في ذلك، وضعفها وقال: لم يصح (3) في التحريم شيء يعني من جميع الأحاديث

(1) انظر كتاب: "السماع" لابن طاهر (ص 41).

(2)

(3/ 1493 - 1494).

(3)

قال المحدث الألباني في "تحريم آلات الطرب"(ص 80):

سبق أن رددت على ابن حزم وغيره من الطاعنين في الأحاديث الصحيحة في المقدمة، وفي أثناء تخريج الأحاديث الستة الصحيحة المتقدمة والذي أريد بيانه الآن. أن أحاديث التحريم بالنسبة لابن حزم ونظرتنا إليها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: ما ضعفه منها، وهو مخطئ.

الثاني: ما لم يقف عليه منها، أو وقف على بعض طرقها دون بعض ولو وقف عليها وثبتت عنده لأخذ بها، فهو معذور - خلافًا لمقلديه ولا سيما، وقد عقب على ضعف منها بقوله حالف غير حانث إن شاء الله.

"المحلى"(9/ 59).

"والله لو أسند جميعه، أو واحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ترددنا في الأخذ به".

هذا الذي نظنه فيه، والله حسيبه، وأما المقلدون له بعد أن قامت عليهم الحجة وتبينت لهم المحجة، فلا عذر لهم ولا كرامة، بل مثلهم كمثل ناس في الجاهلية كانوا يعبدون الجن، فأسلم هؤلاء، واستمر أولئك في عبادتهم وضلالهم كما قال تعالى:{أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورًا} .

الثالث: ما ضعفه منها، ولم يبد لنا اعتراض عليه، فلا شأن لنا به. فسيكون ردي عليه إذن في القسم الأول والثاني فأقول وبالله التوفيق:

القسم الأول: انتقد ابن حزم - الحديث الذي أخرجه البخاري معلقًا - تقدم توضيحه - وهو حديث صحيح. قد صححه: البخاري، ابن الصرح، ابن القيم، ابن حبان، النووي، ابن كثير، السخاوي، الإسماعيلي، ابن تيمية، العسقلاني، ابن الأمير الصنعاني، ابن الوزير الصنعاني.

وانتقد أيضًا ابن حزم الحديث الصحيح.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم علي - أو حرم - الخمر والميسر والكوبة، وكل مسكر حرام".

رواه عنه قيس بن حبتر النهشلي وله عنه طريقان:

الأولى: عن علي بن بذيمة: حدثني قيس بن حبتر النهشلي عنه.

أخرجه أبو داود رقم (3696) والبيهقي (10/ 221) وأحمد (1/ 274) وفي "الأشربة" رقم (193) وأبو يعلى في مسنده رقم (2729) وعنه ابن حبان في صحيحه رقم (5365) والطبراني في "المعجم الكبير"(12/ 101 - 102 رقم 12598، 12599) من طريق سفيان عن علي بن بذيمة، قال سفيان: قلت لعلي بن بذيمة: "ما الكوبة؟ قال: الطبل".

الثانية: عن عبد الكريم الجزري عن قيس بن حبتر بلفظ: "إن الله حرم عليهم الخمر، والميسر، والكوبة - وهو الطبل - وقال: كل مسكر حرام".

أخرجه أحمد (1/ 289) وفي "الأشربة" رقم (14) والطبراني رقم (12601) والبيهقي (10/ 213).

قال الألباني في "تحريم آلات الطرب"(ص 56): هذا إسناد صحيح من طريقه عن قيس هذا، وقد وثقه أبو زرعة، ويعقوب في "المعرفة"(3/ 194) وابن حبان في "الثقات"(5/ 308) والنسائي والحافظ في "التقريب" واقتصر الذهبي في "الكاشف" على ذكر توثيق النسائي. وأقره.

وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" في الموضعين (4/ 158، 218).

أعله ابن حزم بجهالة تابعيه (قيس بن حبتر النهشلي) وهذا من ضيق عطنه وقلة معرفته، فقد وثقه جمع من المتقدمين والمتأخرين.

قال الحافظ بن حجر في "التهذيب"(3/ 446) وقال ابن حزم: مجهول وهو نهشلي من بني تميم.

القسم الثاني: وهو ما لم يقف عليه منها أو وقف على بعض طرقها دون البعض.

(منها) حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة، مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة". تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.

وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أنه عن البكاء، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة - لهو ولعب - ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة ولطم وجوه، وشق جيوب ورنة شيطان". تقدم تخريجه. وهو حديث حسن لغيره.

قال ابن حزم في "المحلى"(9/ 57 - 58) وفي رسالته (ص 97): "لا يدرى من رواه"؟!.

فهذا دليل على صحة قول الحافظ ابن عبد الهادي في ابن حزم: "وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث وتضعيفه وعلى أحوال الرواة".

انظر: "تحريم آلات الطرب"(ص 54، 90).

ومنها أحاديث لم يذكرها:

1 -

ما أخرجه البيهقي (10/ 222) بإسناد حسن رجاله ثقات عن قيس بن سعد رضي الله عنه وكان صاحب راية النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك - يعني حديث مولى ابن عمرو المتقدم - قال: "والغبيراء، وكل مسكر حرام".

2 -

وأخرج الترمذي في "السنن" رقم (2213) من طرق عن عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"في هذه الأمة خسف، ومسخ، وقذف" فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله! ومتى ذاك؟ قال: "إذا ظهرت القينات والمعازف. وشربت الخمور".

وهو حديث حسن. انظر: "الصحيحة" رقم (1604).

ص: 5239

الواردة في تحريم الغناء والآلات اللهوية، وهكذا قال ابن طاهر: إنه لم يصح فيها حرف واحد.

وقال الشيخ علاء الدين القونوي في شرح التعرف، قال أبو محمد بن حزم: لا يصح في هذا الباب شيء، ولو ورد لكنا أول قائل به، وكلما ورد فيه فموضوع، ثم حلف على ذلك وقال: والله لو أسند واحد حديثًا واحدًا فأكثر من طريق الثقات فهو إلى غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا حجة في أحد دونه. كما روي عن ابن عباس وابن مسعود في تفسير قوله تعالى:{ومن الناس من يشتري لهو الحديث} (1) أنهما

(1)[لقمان: 6].

عن ابن عباس.

أخرجه البيهقي في "السنن" رقم (10/ 223) وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" رقم (27). وابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 219) والبخاري في "الأدب المفرد"(265، 786).

وانظر: "جامع البيان"(11/ جـ 21/ 61) لابن جرير الطبري، "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (6/ 331) وهو أثر صحيح.

أثر ابن مسعود أثر صحيح. تقدم تخريجه.

ص: 5241

فسرا لهو الحديث بالغناء.

قال ابن حزم (1) ونص الآية يبطل احتجاجهم بها لقوله تعالى: {ليضل عن سبيل الله} (2)، وهذه صفة من فعلها كان كافرًا، ولو أن شخصًا اشترى مصحفًا ليضل عن سبيل الله، ويتخذها هزوًا لكان كافرًا، فهذا هو الذي ذم الله تعالى، وما ذم من اشترى لهو الحديث ليروح به نفسه، لا ليضل به عن سبيل الله قال: واحتجوا فقالوا: من الحق الغناء أم من غير الحق، ولا ثالث لهما. وقد قال تعالى:{فماذا بعد الحق إلا الضلال} (3) وجوابنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"(4) فمن نوى بالغناء عونًا على معصية، فهو فاسق، وكذا بكل شيء غير الغناء، ومن نوى به

(1) في "المحلى"(9/ 60) تقدم التعليق على ذلك.

(2)

قال في "المحرر الوجيز"(13/ 9): والآية باقية المعنى في أمة محمد، ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر. ولا يتخذوا الآيات هزوًا، ولا عليهم هذا الوعيد بل ليعطل عبادة، ويقطع زمانًا بمكروه، وليكون من جملة العصاة والنفوس الناقصة

(3)

[يونس: 32]

(4)

تقدم تخريجه.

قال ابن تيمية في "مجموع فتاوى"(11/ 630): وذلك أن الكلام في السماع وغيره من الأفعال على ضربين:

أحدهما: هل هو محرم؟ أم غير محرم؟ بل يفعل كما يفعل سائر الأفعال التي تلتذ بها النفوس، وإن كان فيها نوع من اللهو واللعب كسماع الأعراس وغيرها. مما يفعله الناس لقصد اللذة واللهو لا لقصد العبادة والتقرب إلى الله.

النوع الثاني: أن يفعل على وجه الديانة، والعبادة، وصلاح القلوب، وتجريد حب العباد لربهم، وتزكية لنفوسهم، وتطهير قلوبهم، وأن تحرك من القلوب الخشية، والإنابة، والحب، ورقة القلوب.

ثم قال رحمه الله (11/ 631 - 632): ومن المعلوم أن الدين له أصلان. فلا دين إلا ما شرع الله ولا حرام إلا ما حرم الله والله تعالى عاب على المشركين أنهم حرموا ما لم يحرمه الله، وشرعوا دينًا لم يأذن به الله.

ولو سئل: عمن يقوم في الشمس. قال: هذا جائز، فإذا قيل: إنه يفعله على وجه العبادة. قال: هذا منكر.

ولهذا من حضر السماع للعب واللهو لا يعده من صالح عمله، ولا يرجو به الثواب وأما فعله على أنه طريق إلى الله تعالى فإنه يتخذه دينًا، وإذا نهى عنه كان كمن نهى عن دينه، ورأى أنه قد انقطع عن الله، وحرم نصيبه من الله تعالى إذا تركه، فهؤلاء ضلال باتفاق علماء المسلمين: إن اتخاذ هذا دينًا وطريقًا إلى الله تعالى أمر مباح، بل من جعل هذا دينًا وطريقًا إلى الله تعالى فهو ضال، مغتر، مخالف لإجماع المسلمين".

ص: 5242

ترويح النفس ليقوى به على الطاعات، ويبسط نفسه بتلك على البر فهو محسن، وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو لا طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستانه، وقعوده على بابه متفرجًا، ومد ساقه، وقبضها وغير ذلك (1).

وقال العلامة مفتي العرب أبو القاسم عيسى بن العلامة ناجي التنوخي المالكي في شرح رسالة أبي يزيد، قال الفاكهاني: لم أعلم في كتاب الله، ولا في السنة حديثًَا صحيحًا صريحًا في تحريم الملاهي، وإنما هي ظواهر وعمومات يتأنس بها لا أدلة قطعية (2).

واستدل ابن رشد بقوله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} (3) وأي دليل في ذلك على تحريم الملاهي والغناء وللمفسرين فيها أربعة أقوال:

الأول: أنها نزلت في قوم من اليهود. أسلموا فكان اليهود يلقونهم بالسب والشتم،

(1) انظر التعليقة السابقة.

(2)

هذا كلام مردود فانظر ما تقدم من الأحاديث.

(3)

[القصص: 55]

ص: 5243

فيعرضون عنهم.

الثاني: أن اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غيره اليهود وبدلوا من بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصفته أعرضوا عنه، وذكروا الحق.

الثالث: أنهم المسلمون إذا سمعوا الباطل لم يلتفتوا إليه.

الرابع: أنهم ناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهود ولا نصارى، وكانوا على دين الله كانوا ينتظرون بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلما سمعوا به بمكة فعرض عليهم القرآن [9] فأسلموا، وكان الكفار من قريش يقولون لهم: أف لكم اتبعتم غلامًا كرهه قومه، وهم أعلم به منكم، وهذا الأخير قاله ابن العربي في أحكامه (1).

وليت شعري كيف يقوم الدليل من هذه الآية على تحريم الملاهي! واستدل بقوله تعالى: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} (2) وهذا لا صراحة فيه كما تقدم.

واستدل أيضًا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "كل لهو يلهو به المؤمن هو باطل إلا ثلاثة: ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه"(3).

(1)(3/ 1482).

قال ابن جرير الطبري في "جامع البيان"(11\ جـ 20/ 90 - 91): يقول تعالى ذكره وإذا سمع هؤلاء القوم الذين آتيناهم الكتاب: اللغو، وهو الباطل من القول ..

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة:{وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} لا يجارون أهل الجهل والباطل في باطلهم، آتاهم من أمر الله ما وقذهم عن ذلك.

وبما أن السماع لغو .. وباطل .. فهو محرم.

(2)

[يونس: 32].

انظر: "مجموع الفتاوى"(11/ 631 - 632) وقد تقدم توضيح ذلك.

(3)

أخرجه أحمد (4/ 144) والترمذي رقم (1637) وابن ماجه رقم (2811) وابن أبي شيبة في مصنفه (9/ 22) وهو حديث ضعيف.

ولكن هناك حديث حسن أخرجه الترمذي رقم (2322) وابن ماجه رقم (4112) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (1708).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما والاه، وعالمًا ومتعلمًا".

وأخرج الطبراني كما في "المجمع"(10/ 222): عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله ". وهو حديث حسن.

ص: 5244

قال الغزالي (1) قلنا: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: فهو باطل، لا يدل على تحريها، بل يدل على عدم الفائدة. وقد سلم ذلك على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في الصحيح (2) خارج عن تلك الأمور الثلاثة (3).

والجواب الجواب، وقد سلم الإمام حجة الإسلام الغزالي (4) عدم قيام دليل يدل على تحريم سماع الغناء والدف والشبابة، وانتصر للقول بإباحتها.

وقال: القياس: تحليل العود، وسائر الملاهي، ولكن ورد ما يقتضي التحريم. قال ابن النحوي في العمدة بعد أن نقل عنه ذلك.

(1) في "الإحياء"(5/ 166).

(2)

البخاري في صحيحه رقم (454) وأطرافه [455، 950، 988، 2906، 3539، 3931، 5190، 5236] من حديث عائشة.

(3)

والرد على الغزالي في شرح ابن حجر لفوائد الحديث السابق.

قال الحافظ في "الفتح"(1/ 549): واللعب بالحراب ليس لعبًا مجردًا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو. وقال المهلب: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه.

وقال الحافظ في "الفتح"(2/ 445): واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه. واستنبط منه جواز المثاقفة لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب.

(4)

والرد على الغزالي في شرح ابن حجر لفوائد الحديث السابق.

قال الحافظ في "الفتح"(1/ 549): واللعب بالحراب ليس لعبًا مجردًا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو. وقال المهلب: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه.

وقال الحافظ في "الفتح"(2/ 445): واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه. واستنبط منه جواز المثاقفة لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب.

ص: 5245

قلت: لا يصح يعني ما يقتضي تحريم العود، وسائر الملاهي، وجملته ما استدل به القائلون بتحريم آلات الملاهي ما أخرجه أبو داود (1) أن ابن عمر سمع مزمارًا فوضع أصبعه في أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال: يا نافع هل تسمع شيئًا قال: لا، فوضع أصبعه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمع مثل هذا.

والجواب: أولاً: بأن الحديث ضعيف (2)، قال اللؤلؤي، قال أبو داود: هذا الحديث منكر. وقال أبو محمد بن حزم: خرجه أبو داود وأنكره.

وثانيًا: أنه لو صح فهو حجة الإباحة لأنه لو كان حرامًا لما أباحه صلى الله عليه وسلم لابن عمر، ولا ابن عمر لنافع ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمر بالسكوت عنه، أو بكسر الآلة، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فإن قيل: فلم سد سمعه عنه؟ قيل: إما لكونه في ذلك الوقت في حال مع ربه لا يجب أن يشتغل عنه فيه بغيره، كما قال لي وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل أو لأنه تجنبه كما تجنب كثيرًا من المباحات، كالأكل متكئًا، وأن يبيت في بيته دينار أو درهم، وأن تعلق الستر على سهوة في البيت، وأمثال ذلك (3).

(1) في "السنن" رقم (4924) وأحمد (2/ 8، 38) وابن سعد (4/ 163) والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 222). وابن حبان في صحيحه رقم (2113 - موارد).

(2)

بل هو حديث صحيح.

(3)

قال ابن تيمية مفرقًا بين السماع والاستماع تعليقًا على حديث عائشة: "وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع، لا بمجرد السماع كما في الرؤية، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا ما يحصل منها بغير الاختيار، كذلك في اشتمام الطيب إنما ينهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لا يقصده فإنه لا إثم عليه وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس من السمع والبصر والشم والذوق واللمس، إنما يتعلق الأمر والنهي في ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهي.

وهذا مما وجه به حديث ابن عمر: أنه لم يكن يستمع، إنما كان يسمع وهذا لا إثم فيه، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم عدل طلبًا للأكمل والأفضل، كمن اجتاز بطريقة فسمع قومًا يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه كيلا - يسمعه فهذا أحسن، ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد".

قال في "عون المعبود"(4/ 435) وتقرير الراعي لا يدل على إباحته لأنها قضية عين، فلعله سمعه بلا رؤية، أو بعيدًا منه على رأس جبل، أو مكان لا يمكن الوصول إليه، أو لعل الراعي لم يكن مكلفًا فلم يتعين الإنكار عليه.

تقدم أن (المعازف) هي آلات اللهم كلها لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك.

أخرج حديث عمر النسائي في "السنن" رقم (2/ 178) وأبو نعيم في "الحلية"(5/ 270) بسند صحيح. قال الأوزاعي رحمه الله تعالى: كتب عمر بن عبد العزيز إلى (عمر بن الوليد) كتابًا فيه: "

وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك حمة سوء".

والخلاصة: أن العلماء والفقهاء. وفيهم الأئمة الأربعة، متفقون على تحريم آلات الطرب إتباعًا للأحاديث النبوية، وآثار السلف وإن صح عن بعضهم خلافه فهو محجوج بما ذكر، والله عز وجل يقول:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا} .

الاستقامة" (1/ 281 - 282)، "منهاج السنة" لابن تيمية (3/ 439)، "تلبيس إبليس" (ص 244).

ص: 5246

واعلم أنه قد استدل المحرمون بأدلة عقلية:

أحدها: أن الغناء ولا سيما بالآلات المطربة تدعو إلى شرب الخمر، لأن اللذة عند أهل السماع في الغالب إنما تتم بشربه.

الثاني: أنها تذكر غير الشارب لمجالس الشرب، فتنبعث لذلك الشهوة، فيكون الإقدام على الحرام.

الثالث: أن الاجتماع عليها لما صار عادة أهل الفسوق كان محرمًا لحديث: "من تشبه بقوم فهو منهم"(1). وأجيب عن الأول بالمنع، والسند أن اللذة الكاملة تحصل بمجرد السماع من غير احتياج إلى أمر آخر مسكر أو غيره بدليل الحس والوجدان؛ فإن من لا شعور له بشرب المسكر كالبهائم التي هي أغلظ من بني آدم لذلك، فتستحق

(1) تقدم تخريجه.

ص: 5247

الأحمال الثقال، وتستقصر المسافات الطوال، كما ذلك معلوم من حال الإبل [10] عند سماع الحادي المجيد، وربما أفضى ذلك إلى تلفها، وأيضًا لو سلم أن السماع بمجرده ليفضي إلى الشراب في حق قريب العهد به، فإنما يحرم استعمالها في حق من كان كذلك، أما من لم يكن قد شربه أصلا إذا كان قد شربه، ثم تاب وحسنت توبته، وطالت مدته فلا تشمله العلة، وهذا هو الجواب عن الدليل الثاني.

والجواب عن الثالث المنع عن من كون ذلك شعارًا مختصًا بأهل الفسوق، لأن غيرهم من أهل العفة والنزاهة، قديمًا وحديثًا، يقع منهم الاجتماع على السماع كما قدمنا حكاية ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم.

وقد استدل المجوزون على ما ذهبوا إليه بأدلة منها قوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم} (1) ووجه التمسك أن الطيبات جمع محلى باللام فيشمل كل طيب، والطيب يطلق بإزاء المستلذ وهو الأكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن، ويطلق بإزاء الظاهر والحلال، وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد المعاني الثلاثة كلها، ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادر هو الظاهر.

وقد صرح ابن عبد السلام في دلائل الأحكام أن المراد في الآية بالطيبات المستلذات. ومن الأدلة قوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} (2) وقال: {لتبين الناس ما نزل إليهم} (3) قالوا: ولم يرد نص من كتاب فيه تفصيل تحريمه، ولا سنة صحيحة، كما سبق ذلك عن حكاية جماعة من العلماء.

ومن الأدلة التي ذكروها الإجماع على تحليل السماع (4) مطلقًا. قالوا: وذلك لأنه

(1)[الأعرف: 157]

(2)

[الأنعام: 119]

(3)

[النمل: 44].

(4)

تقدم التمييز بن الاستماع والسماع من كلام ابن تيمية.

ص: 5248

اشتهر من فعل (1) عبد الله بن جعفر الهاشمي، وعبد الله بن الزبير وغيرهما. وانتشر ذلك في الصحابة في خلافة علي عليه السلام ومعاوية.

ولم ينكر ذلك أحد، ولو كان محرمًا لأنكروه على فاعله، وهذا هو المذهب (2) السكوتي. وقد استكثر من الاحتجاج به أهل المذاهب، وأيضًا البراءة الأصلية (3)، وهي الحل وعدم التحريم مستصحبة لا ننتقل عنها إلا بدليل شرعي؛ فمن ادعى أن السماع الذي تلتذ به الأسماع، وتميل إليه الطباع محرم، فعليه إقامة الدليل الذي تنحسم به مادة النزاع، لا سيما كون ذلك جلب نفع خاص خال عن ضرر، فإنه حسن عقلا.

إذا تقرر هذا تبين للمصنف العارف بكيفية الاستدلال، العالم بصفة المناظرة والجدال أن السماع بآلة وبغيرها من مواطن الخلاف بين أئمة العلم.

ومن المسائل التي لا ينبغي التشديد في النكير على فاعلها، وهذا الغرض هو الذي حملنا على جمع هذه الرسالة؛ لأن في الناس من يوهم لقلة عرفانه بعلوم الاستدلال، وتعطل جراية عن الدراية بالأقوال أن تحريم (4) الغناء بالآلة وغيرها من القطعيات المجمع على تحريمها.

(1) قاله ابن تيمية في "الاستقامة"(1/ 282 - 283).

وأما ما يذكر من فعل عبد الله بن جعفر في أنه كان له جارية يسمع غناءها في بيته فعبد الله بن جعفر ليس مما يصلح أن يعارض قوله في الدين - فضلاً عن فعله - لقول ابن مسعود وابن عمر، وابن عباس وجابر وأمثالهم.

ثم قال رحمه الله: الذي فعله عبد الله بن جعفر كان في داره، لم يكن يجتمع عنده على ذلك. ولا يسمعه إلا من مملوكته، ولا يعده دينًا وطاعة، بل هو عنده من الباطل. وهذا مثل ما يفعله بعض أهل السعة من استماع غناء جاريته في بيته ونحو ذلك، فأين هذا من هذا! هذا لو كان مما يصلح أن يحتج به، فكيف وليس بحجة أصلاً.

(2)

أي الإجماع السكوتي. تقدم تعريفه.

(3)

تقدم توضيح معناها.

(4)

تقدم توضيح ذلك خلال الرد على ابن حزم ومقلديه.

ص: 5249

وقد علمت أن هذه قرية ما فيها مزية، وجهالة بلا محالة، وقصور باع بغير نزاع، فهذا هو الأمر الباعث على جمع هذه المباحث، لما لا يخفى على عارف أن رمي من ذكرنا من الصحابة (1)[11] والتابعين وتابعيهم وجماعة من أئمة المسلمين بارتكاب محرم قطعًا من أشنع الشنع، وأبدع البدع، وأوحش الجهالات، وأفحش الضلالات، فقصدنا الذب عن أعراضهم الشريفة، والدفع عن هذا الجناب للعقول السخيفة. وقد علم الله أنا لم نقعد في مجلس من مجالس السماع،

ولا لابسنا أهلة في بقعة من البقاع،

ولا عرفنا نوعًا من أنواعه،

ولا أدركنا وضعًا من أوضاعه،

ولكنا تكلمنا بما تقتضيه الأدلة، وأزحنا عن صدر المتكلم بالجهالة كل علة، ليكون في إيراد الإنكار وإصداره على علم، ويتبين له أن هذه المسألة ليست من المواطن التي يحمد القائم في تضليل أهلها، ولكن كيف يهتدي إلى سبيل الإنصاف من زعم أن مسألة السماع ليست من مسائل الخلاف، فيالله العجب لو نظر هذا المسكين إلى مصنف من مصنفات المسلمين، لعلم بطلان دعواه، وفور جهله وهواه. وهب أن هذه المسألة محرمة بالإجماع، أما درى هذا الغافل أن للناس في كون الإجماع حجة قطعية أو ظنية مذهبين:

أحدهما: أنه حجة ظنية (2) لا يفيد العلم، بل يفيد الظن، وإليه ذهب جمع من المحققين كأبي الحسين البصري (3)، والإمام فخر الدين الرازي (4)، وسيف الدين الآمدي (5) وغيرهم.

(1) انظر: "الاستقامة" لابن تيمية (1/ 280 - 285).

(2)

انظر: "البحر المحيط"(4/ 443 - 444).

(3)

انظر: "البحر المحيط"(4/ 443 - 444).

(4)

في "المحصول"(4/ 64).

(5)

في "الإحكام"(1/ 343).

ص: 5250

الثاني: أنه حجة قطعية (1)، وإليه ذهب الأكثرون كما قال الأصفهاني (2)، وذهب جمع من محققي الحنفية كالبزدوي، وصدر الشريعة وأتباعهم إلى أن للإجماع مراتب، فإجماع الصحابة مثل الكتاب والخبر المتواتر، وإجماع من بعدهم بمنزلة المشهور من الأحاديث، والإجماع الذي سبق فيه الخلاف في العصر السالف بمنزلة خبر الواحد، ثم القائلون بكونه حجة قطعية اختلفوا في بعض الصور، كالإجماع الذي شذ منه بعض المجتهدين كواحد أو اثنين، وكالإجماع السكوتي؛ وهو ما أتاه بعض المجتهدين قولاً أو فعلاً، وانتشر في أهل الإجماع، وسكتوا عليه، فلم ينكروه، وكالإجماع المسبوق بالخلاف، والمشهور في الأول أنه ليس بإجماع ولا حجة، حكى ذلك أبو بكر الرازي من الحنفية عن الكرخي منهم، وقيل إنه إجماع.

وفي البحر للزركشي (3) أنه المذهب، ونقله الآمدي (4) عن ابن جرير، وإليه يميل كلام الجويني (5)، قال الهندي: والقائلون بأنه إجماع مرادهم أنه ظني لا قطعي.

والمشهور أيضًا في الثاني كما قال الرافعي أنه حجة، وهل هو إجماع؟.

قال الزركشي (6): الراجح أنه إجماع، وقيل ليس بإجماع، وعزى إلى الشافعي.

قال الزركشي (7) وليعلم أن المراد هنا بالخلاف أنه ليس بإجماع قطعي، وبذلك صرح

(1) وبه قال الصيرفي وابن برهان وجزم به من الحنفية الدبوسي وشمس الأئمة.

"البحر المحيط"(4/ 443).

(2)

ذكره الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 294).

(3)

في "البحر المحيط"(4/ 443).

(4)

في "الإحكام"(1/ 343).

(5)

في "البرهان"(1/ 679 - 682).

(6)

في "البحر المحيط"(4/ 441).

(7)

في "البحر المحيط"(4/ 443).

ص: 5251

ابن برهان عن الصيرفي، وكذا ابن الحاجب (1). وإلى كون الإجماع في هاتين الصورتين ظنيًا لا قطعيًا أشار صاحب جمع الجوامع.

وهكذا الإجماع الذي يندر مخالفة إجماع ظني، وإليه يشير كلام إمام الحرمين.

ونقل الزركشي عن صاحب التقويم (2) من الحنفية أنه أدنى مراتب الإجماع. ونقل عن قوم إحالة وقوعه [12]، واختلف القائلون بأن الإجماع حجة قطعية أيضُا في غير ما ذكر من الصور، هل يقبل فيه أخبار الآحاد والظواهر؟ فيه قولان:

قيل: لا يقبل، ونقل عن الجمهور، وصححه القاضي في التقريب، والغزالي في كتبه وعليه فالمنقول بالآحاد إجماع وليس بحجة.

نبه على ذلك الصفي الهندي (3)، وقيل: يقبل وعليه الفقهاء، وصححه المتأخرون. وقد علم من هذا أن الإجماع إما ظني كله عند قوم، أو بعضه ظني، وبعضه قطعي عند آخرين، وأن القطعي منه عند هؤلاء ما علم بطريق يفيد العلم من سماع أو تواتر صدوره عن جميع المجتهدين من الأمة، بحيث لا يشذ أحد منهم بطريق صريح كقولهم: هذا حلال، أو هذا حرام، أو هذا باطل، أو نحو ذلك، كما ذكره الغزالي (4)، ونبه عليه ابن أبي شريف في حاشية شرح الجمع (5).

وإذا علم أن الإجماع منه قطعي، ومنه ظني فمنكر حكم الإجماع الظني، ومعتقد خلافه لا يكفر باتفاق العلماء، وقد نقل إجماعهم على ذلك غير واحد من المحققين، منهم سيف الدين الآمدي (6)، والصفي الهندي في .........................

(1) انظر: "الكوكب المنير"(2/ 260 - 261)، "التبصرة"(ص 349).

(2)

في "البحر المحيط"(4/ 443).

(3)

انظر: "الكوكب المنير"(2/ 261).

(4)

انظر: "المستصفى"(1/ 176، 179).

(5)

(2/ 196).

(6)

في "الإحكام"(1/ 229).

ص: 5252

النهاية (1)، والقاضي عضد الدين في شرح المختصر (2)، وأبو العباس القرطبي فيما نقله عنه الزركشي في البحر (3). وممن جزم بنفي التكفير في منكر حكم الإجماع الظني السعد في شرح التوضيح، والشريف الجرجاني في شرح المواقف، والمحقق ابن الهمام.

وأما منكر حكم الإجماعي القطعي فحكى فيه الآمدي (4)، وابن الحاجب (5) في أصولهما ثلاثة مذاهب، فقال الآمدي (6): اختلفوا في تكفير جاحد المجمع عليه، فأثبته بعض الفقهاء، وأنكره الباقون مع اتفاقهم على أن إنكار حكم الإجماع الظني غير موجب تكفيرًا، هذا والمختار إنما هو التفصيل بين أن يكون داخلاً في مفهوم اسم الإيمان كالعبادات الخمس، ووجوب اعتقاد التوحيد والرسالة؛ فيكون جاحده كافرًا أو لا يكون داخلاً كالحكم بحل البيع، وصحة الإجارة، ونحوه؛ فلا يكون جاحده كافرًا انتهى.

وقال ابن الحاجب في مختصره (7): إنكار حكم الإجماع القطعي.

ثالثها: المختار أن نحو العبادات الخمس تكفر انتهى.

وقال العلامة زيد الدين - المدخل في الملخص -: لا يكفر منكر إجماع سكوتي أو أكثري، أو ظني منقول بالآحاد. قيل: وكذا ما لم يبلغ المجمعون فيه عدد التواتر، ولا يكفر منكر إجماع قطعي على الأصح، إلا إذا كان الحكم ضروريًا، لأن العلم بحجية الإجماع ليس داخلاً في الإيمان، لأنه نظري انتهى.

وقال العلامة ابن القيم (8): الإجماع الذي تقوم به الحجة، وتنقطع معه المعذرة،

(1) انظر: "الكوكب المنير"(2/ 262).

(2)

(2/ 33)

(3)

(4/ 443)

(4)

في "الإحكام"(1/ 229 - 231).

(5)

(2/ 32 - 33).

(6)

في "الإحكام"(1/ 229 - 231).

(7)

(2/ 32 - 33).

(8)

انظر: "إعلام الموقعين"(1/ 341 - 343).

ص: 5253

وتحرم معه المخالفة هو الإجماع القطعي المعلوم انتهى.

وقال النووي (1) ليس تكفير جاحد الإجماع على إطلاقه، بل من جحد مجمعًا عليه فيه نص، وهو من الأمور الظاهرة الذي يشترك في معرفتها الخاص والعام [13]، كالصلاة، وتحريم الخمر ونحوهما، فهو كافر، ومن جحد مجمعًا عليه ظاهرًا لا نص فيه ففي الحكم بتكفيره خلاف. وقد أشار ابن أبي شريف في حاشية شرح المجمع إلى أن ما لم يبلغ حد الضرورة فلا كفر به، وإن كان مشهورًا.

وقال السعد في شرحه: العقائد: إن من استحل محرمًا لعينه، وقد ثبت بدليل قطعي يكفر، وإلا فلا. بأن كانت حرمته لغيره، أو ثبت بدليل ظني (2) انتهى.

وقال الهندي في النهاية (3) جاحد المجمع عليه من حيث إنه مجمع عليه بإجماع قطعي لا يكفر عند الجماهير، خلافًا لبعض الفقهاء، وإنما قيدنا بقولنا: من حيث هو مجمع عليه، لأن من أنكر وجوب الصلوات الخمس ونحوها يكفر، وهو مجمع عليه، لكن لا لأنه جاحد حكم الإجماع قال: وجاحد الظني لا يكفر وفاقًا انتهى.

وقال شمس الدين القرافي (4) المالكي بعد أن ذكر قول إمام الحرمين: كيف يكفر من جحد حكم الإجماع، ولا يكفر من رد أصل الإجماع، ولا يكون الفرع أقوى من أصله! فقال: جوابه أنا لا نكفر برد المجمع عليه من حيث إنه مجمع عليه؛ بل من حيث الشهرة المحصلة للعلم، فمتى انضافت هذه الشهرة إلى الإجماع كفر جاحده، فإذا لم تنضف لم يكفر، فليس الفرع أقوى من أصله على هذا، وإنما يلزم لو كفرنا به من حيث إنه مجمع عليه، لا من حيث الشهرة انتهى.

(1) انظر "البحر المحيط"(4/ 443 - 445).

(2)

انظر: "الكوكب المنير"(2/ 257 - 258).

(3)

انظر: "نهاية السول"(2/ 383) و"المستصفى"(1/ 196).

(4)

في "شرح تنقيح الفصول"(ص 337).

ص: 5254

وقال القرطبي (1) من المالكية: الحق في هذه المسألة التفصيل، فمن قال: إن أدله الإجماع ظنية فلا شك في نفي التكفير، لأن المسائل الظنية اجتهادية، ولا تكفير فيها بالاتفاق، ومن قال أنها قطعية فهؤلاء هم المختلفون في تكفيره، والصواب أنه لا يكفر، وإن قلنا أن تلك الأدلة قطعية متواترة، لأن هذا لا يعم كل أحد بخلاف من جحد سائر المتواترات، والتوقف عن التكفير أولى من الهجوم عليه؛ فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:"من قال لأخيه يا كافر فقد باءها بها أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا حار عليه"(2) انتهى.

وقال ابن دقيق العيد: من قال أن دليل الإجماع ظني فلا سبيل إلى تكفير مخالفه كسائر الظنيات، وأما من قال أن دليله قطعي فالحكم المخالف له إما أن يكون طريق ثبوته قطعيًا أو ظنيًا، فإن كان ظنيًا فلا سبيل إلى التفكير به.

وإن كان قطعيًا فقد اختلف فيه، ولا يتوجب الاختلاف فيما تواتر من ذلك عن صاحب الشرع بالنقل، فإنه يكون تكذيبًا موجبًا للكفر بالضرورة، وإنما يتوجه الخلاف فيما حصل فيه الإجماع بطريق قطعي، أعني أنه ثبت وجود الإجماع به، ولم ينقل الحكم بالتواتر عن صاحب الشرع (3).

فتلخص أن مسائل الإجماع تارة يصحبها التواتر بالنقل عن صاحب الشرع، فيكون ذلك تكذيبًا موجبًا للكفر بالضرورة، وإنما يتوجه الخلاف فيما حصل فيه الإجماع بطريق قطعي (4)، أعني أنه ثبت وجود الإجماع به ولم ينقل الحكم بالتواتر عن صاحب

(1) انظر: "الكوكب المنير"(2/ 259)

(2)

تقدم تخريجه مرارًا

(3)

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 280 - 281)

(4)

ومعنى كونه "حجة قاطعة" بالشرع - أي بدليل كونه حجة قاطعة. أي يقدم على باقي الأدلة. وليس قاطع هنا بمعنى الجازم الذي لا يحتمل النقيض، وإلا لما اختلف في تكفير منكر حكمه وهذا مذهب الأئمة الأعلام منهم الأئمة الأربعة وأتباعهم وغيرهم من المتكلمين.

"تيسير التحرير"(3/ 227)، "الكوكب المنير"(2/ 215).

ص: 5255

الشرع [14]، لا فيما صحبه التواتر بالنقل عن صاحب الشرع، كوجوب الصلوات الخمس، فإنه ينتفي الخلاف في تكفير جاحده، لمخالفته التواتر، لا لمخالفة الإجماع

إلى آخر كلامه الذي نقله الزركشي في البحر (1)، وابن أبي شريف في شرح الإرشاد، وغيرهما من المتأخرين. وقد ذكر أبو إسحاق الشيرازي (2) في الملخص أن الفسق يتعلق لمخالفة الإجماع، والكفر يتعلق برد ما علم من دين الله قطعا ويقينًا:

وقال إمام الحرمين في البرهان (3) إن الضابط فيه أن من أنكر طريقًا في ثبوت الشرع لم يكفر، ومن اعترف بكون الشيء، من الشرع ثم جحده كان منكرًا للشرع، وإنكار جزئه كإنكار كله انتهى.

ولنقتصر على هذا المقدار من نقل أئمة الأصول من أهل المذاهب الإسلامية، وقد خرجنا عن المقصود إلى غيره، ولكنه أخذ بعض الكلام بحجزة بعض، وأردنا تكميل الفائدة في مسألة الإجماع، وحكم مخالفه، ليتيقن المسارع إلى الحكم بالإجماع من دون بصيرة (4).

والجزم على مخالفه مطلقًا بالكفر والضلال، مع أنه قد تقرر في الأصول خلاف من خالف في إمكان الإجماع، ووقوعه، ونقله، وحجيته. وذلك معروف عند كل من له إلمام بعلم الأصول، والتفات إلى طرائق العلماء الفحول. ولقد قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير في كتابه الروض الباسم (5) إن الضروريات من الإجماع هي الضروريات

(1)(4/ 443).

(2)

انظر: "المحصول"(4/ 445) و"البحر المحيط"(4/ 443 - 444).

(3)

(1/ 675).

(4)

نعلم أن الشوكاني يقول: بعدم حجية الإجماع.

انظر: "إرشاد الفحول"، المقصد الثالث: الإجماع (ص 226).

(5)

(1/ 148 - 149).

ص: 5256

من الدين، قال: وغالب الإجماعات المنقولة في المسائل الاجتهادية من قبيل الإجماع السكوتي انتهى.

وقال الغزالي في المستصفي (1) كل مجتهد مصيب، ولو خالف الإجماع قبل علمه به حتى يطلع عليه انتهى.

وهذا على فرض أن المسألة التي وقع فيها الإنكار مما يدعى في مثلها الإجماع. فكيف بمسألة السماع التي ادعى المجوزون فيها أنه مجمع على الجواز (2) كما مر تحقيقه (3).

وبالجملة فهذا كلام مع من ير حجية الإجماع، ولهذا لم نورد إلا كلام الأئمة القائلين بحجيته، وأما من لم يقل بحجية الإجماع إما لعدم وجود دليل يدل على أنه حجة، أو لعدم إمكانه في نفسه، أو إمكان نقله، فترك الإنكار عليه مما ادعى فيه الإجماع أوضح من ترك الإنكار على غيره. والقول بعدم حجية الإجماع هو الذي (4) أرجحه لأمور لا يتسع لها المقام، وقد استوفيتها في غيره (5).

وبعد هذا كله فنقول: السماع لا شك بعد ما ذكرنا من اختلاف الأقوال، والأدلة أنه من الأمور المشتبهة، والمؤمنون وقافون عند الشبهات كما ثبت ذلك في الصحيح (6) عنه صلى الله عليه وآله وسلم:"فمن ترك المشتبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه. ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه". ولا سيما إذا كان مشتملاً على ذكر القدود والخدود، والدلال والجمال، والهجر والوصال، والفم والرشف، والتهتك والكشف

(1)(1/ 182)

(2)

انظر: "الأحاديث وآثار السلف ورد دعواهم على ذلك".

(3)

قلنا أن الشوكاني يقول بعدم حجية الإجماع.

انظر: "أدلة الإجماع"، "إرشاد الفحول"(ص 275) وما بعدها. "البحر المحيط"(4/ 440 - 446)، "الكوكب المنير"(2/ 210 - 220).

(4)

قلنا أن الشوكاني يقول بعدم حجية الإجماع.

انظر: "أدلة الإجماع"، "إرشاد الفحول"(ص 275) وما بعدها. "البحر المحيط"(4/ 440 - 446)، "الكوكب المنير"(2/ 210 - 220).

(5)

انظر: "إرشاد الفحول"، المقصد الثالث: الإجماع (ص 226) وما بعدها.

(6)

تقدم تخريجه.

ص: 5257

[15]

، ومعاقرة العقار، وخلع العذار والوقار؛ فإن سامع هذه الأنواع في مجامع السماع لا ينجو من بلية، ولا يسلم من مجنة، وإن بلغ من التصلب في ذات الله إلى حد القصر عنه الوصف.

وكم لهذه الوسيلة من قتيل دمه مطول، وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول، ولا سيما إذا المغني حسن الصورة والصوت، كالمرأة الحسناء، والغلام الجميل، وما كان الغناء الواقع في زمن العرب في الغالب إلا بأشعار فيها ذكر الحرب. وصفات الطعن والضرب، ومدح صفات الشجاعة والكرم.

والتشبيب بذكر الديار، ووصف النعم. فليحذر المتحفظ لدينه، الراغب في السلامة؛ فإن للشيطان حبائل ينصب لكل إنسان منها ما يليق به، وربما كان الغناء على الصفة التي وصفناها من أعظم خدائع الخبيث، ولا سيما لمن كان في زمن الشبيبة؛ فإن نفسه تميل إلى المستلذات الدنيوية بالطبع، وأيضًا السماع من أعظم الأسباب الجالبة للفقر المذهبة للأموال، وإن كانت عظيمة القدر.

وقد قال بعض الحكماء: إن السماع من أسباب الموت، فقيل له: كيف ذلك؟ فقال: لأن الرجل يسمع، فيطرب، فينفق، فيسرف، فيفتقر، فيغتم، فيعتل، فيموت (1).

(1) وما أعظم كلمات الشوكاني هنا في إشارة إلى أخطار السماع وأثره على النفوس والدين والعرض والمال والمجتمع.

قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان"(1/ 352): فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق ونباته فيه كنبات الزرع بالماء. فمن خواصه:

1 / أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدًا، لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان والغناء يأمر بضد ذلك كله - ويحسنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعًا لبان.

وقال بعض العارفين: السماع يورث النفاق في قوم، والعناد في قوم والكذب في قوم، والفجور في قوم، والرعونة في قوم.

ثم قال رحمه الله (1/ 354): ومن علامات النفاق: قلة ذكر الله والكسل عند القيام إلى الصلاة ونقر الصلاة، قل أن تجد مفتونًا من الغناء إلا وهذا وصفه.

- قال تعالى: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً} [النساء: 142].

قال ابن القيم في "كشف الغطاء عن حكم سماع الغناء"(ص 103 - 104). والتحقيق في السماع أنه مركب من شبهة وشهوة، وهما الأصلان ذم الله من يتبعهما ويحكمهما على الوحي الذي بعث به أنبياءه ورسله.

قال تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} [النجم: 23]. فالظن الشبهة وما تهوى الأنفس الشهوة والهدى الذي جاءنا من ربنا مخالف لهذا.

قال تعالى: {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولادًا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا} [التوبة: 69].

فالاستماع بالخلاق وهو النصيب هو الشهوة، والخوض هو الكلام بمقتضى الشبهة فهذان الداءان هما داء الأولين والآخرين إلا من عصم الله وقليل ما هم، وهذا السماع قد تركب أمره من هذين الأصلين.

فأما الشبهة التي فيه فهي تعلق أهله بالشبهة التي يستندون إليها في فعله، كقولهم حضرة سادات المشايخ ومن لا يطعن عليه، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وسمع الحداء وهو ضرب من سماع الغناء وسمع الشعر وأجاز عليه

وما هو صريح في الدلالة فكذب موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن الشبهة التي فيه أن الروح متى سمعت ذكر المحبة والمحبوب والقرب منه ورضاه حرك ذلك لما في قلبه شيء من المحبة الصادقة وهذا أمره لا يمكن دفعه، فهذا نصيب الشبهة منه.

وأما الشهوة فهي نصيب النفس منه، فإن النفس تلتذ بسماع الغناء وتطرب بالألحان المطربة، وتأخذ بحظها الوافر منه، حتى ربما أسكرها وفعل فيها ما لا يفعله الخمر. فإن الطباع تنفعل للسماع والصورة، والخمرة تسكر النفوس بها أتم سكر. ولهذا قال الله تعالى في اللوطية لما أخذهم العذاب {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} [الحجر: 72].

ص: 5258

كمل من تحرير جامعه القاضي بدر الدين محمد بن علي الشوكاني - حفظه الله تعالى بحق محمد وآله -.

ص: 5260

تم ولله الحمد والمنة المجلد الخامس من كتاب الفتح الرباني

ويليه

المجلد السادس والأخير إن شاء الله

ص: 5261