الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في مسائل الوصايا
تأليف محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: بحث في مسائل الوصايا.
2 -
موضوع الرسالة: " فقه ".
3 -
أول الرسالة: الحمد لله رب العالمين، سألتم دامت منكم الإفادة عن ميت خلف زوجا وابنا وبنتا وأوصى لأولاد ابن
4 -
آخر الرسالة: ولكن بعد صلاحيته لذاك وسيعين الله على وجوده والنظر في رجاله إسناده فيضم الكلام على ذلك إلى هذا.
5 -
نوع الخط: خط نسخي مقبول.
6 -
عد الصفحات: 6 صفحات.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 20 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 9 كلمات.
9 -
الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
10 -
الناسخ: المؤلف محمد بن علي الشوكاني.
[بسم الله الرحمن الرحيم]
الحمد لله رب العالمين.
سألتم - دامت منكم إفادتكم - عن ميت خلف زوجا وابنا وبنتا وأوصى لأولاد ابن قد مات قبله بمثل نصيبه، ثم ذكرتم قسمة نصيب المقصرين لذلك من ستة: للموصى لهم الثلث من الأصل، وللزوج ربع الباقي، وللابن والبنت ما بقي، ثم ذكرتم مخالفة ذلك للقاعدة المعروفة في ميراث المكون، ثم ذكرتم عقب ذلك أن ما فعله ذلك القسام المقصر مطابقا لما يقصده الموصون، واستشكلتم ما جرى عليه أهل هذا العلم إلى آخر ما حررتموه مما هو في غاية الإفادة والإجادة.
والذي عند الحقير أن المسألة المذكورة ليست من باب الوصية بمثل ميراث المكون، بل هي من باب الوصية بمثل نصيب، وبين الطرفين فرق، فإن المكون لا وجود له بل مفروض فرضا، مثلا رجل مات وله ابنان، وأوصى لآخر بمثل ميراث ابن لو كان مع أنه لم يكن، وهذا معنى التكوين كما لا يخفى شريف ذهنكم، وأما إذا كان الابن قد كان ومات أو كان موجودا ولم يمت فالوصية لأولاده بمثل نصيبه هي من باب الوصية بمثل نصيب، والقاعدة فيها أن من كان موجودا من الزوجين لا ينتقص من ميراثه شيئا.
فمسألة المذكورين في محل السؤال من أربعة: للزوج الربع (1) واحد، والباقي لا ينقسم على الابن والبنت [1أ] (2) وعلى الموصى لهم أخماسا فتضرب مخرج الخمس في المسألة تكون عشرين: للزوج الربع، وللابن الحي ستة، ولأخته ثلاثة، ولأولاد الابن الميت ستة، ولا وجه لما فعله ذلك القسام المقصر، فإنه قطع بعض ميراث الزوج بلا
(1) لقوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ)[النساء: 12]
(2)
لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)[النساء: 11]
سبب؛ لأن غاية ما قاله الموصي أنه يكون لأولاد ابنه مثل ما كان لأبيهم، وبالقطع أنه لو كان أبوهم موجودا لم ينقص الزوج عن ربع الجميع، وما ذكرتموه من موافقة مقاصد العامة لما فعله القسام فما أظنهم يقصدون زيادة على كون أولاد الولد بمنزلة الولد، وهو لا ينقص الزوج شيئا، وما ذكرتموه آخرا من أنه كان الصواب أن تكون المسألة من عشرين، وغايته أنه يقع الكسر، فنقول: الصواب أيضًا أنها من عشرين، والقاعدة في الوصية بمثل نصيب هو ذلك، ولا كسر كما تقدم، اللهم إلا أن ينكسر سهام الأولاد على رؤوسهم فذلك باب آخر.
نعم لو فرضنا أن الوصية في مسألة السؤال من باب التكوين قلنا: كان الموصي كون في أولاده ولدا لا وجود له، وأوصى لآخر بمثل نصيبه، وذلك هو الخمسان، فيزادان فوق الخمسة يكون المخرج السبع مضروبا في الأربعة التي هي مسألة الزوج [1ب]، يكون الجميع غايته، وعشرين للزوج الربع سبعة، والباقي يقسم أسباعا، يعطى الموصى لهم سبعين من الباقي، ولا شك أن هذا عدل في القسمة؛ لأن الموصي ما أراد الأمثل نصيب المكون المفروض، وهو الخمسان بعد فرض الزوج.
ومن المعلوم أنه لو أعطي خمسين لكان ذلك هو عين نصيب المكون لا مثل نصيبه، بخلاف مسألة السؤال، فإنه ما أراد إلا الوصية لأولاد الابن بعين نصيبه، وإن سموا ذلك الوصية بمثل نصيب، فتدبروا هذا يعم هاهنا أمر، وهو أن الأولاد على التقدير الأول الذي هو الوصية بمثل نصيب قد أخذوا ستة من الباقي، وهو الخمسة عشر، وذلك زيادة على الثلث، فإن أجاز الابن والبنت ساغت الزيادة التي صارت مع أولاد الولد، وهي سهم، وإن لم يجيزا فهي لهما لأن ما زاد على الثلث لا ينفذ (1) إلا بالإجازة (2) كما هي
(1) لما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2743) ومسلم رقم (10/ 1629) من حديث ابن عباس قال: " لو أن الناس غضوا من الثلث فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث والثلث كثير ".
(2)
لما أخرجه الدارقطني (4/ 98 رقم 93) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا وصية لوارث إلا أن تجيز الورثة ".
القاعدة، ولم يقصد الموصي ثلث جميع التركة، إنما قصد أن يكون لأولاد الابن الميت كالحي، وذلك أمر وراء نصيب الزوج فكأن لا اعتبار بنصيبه بل التركة هي الباقي فهو من باب الوصية بثلث نصيب وارث معين لا ينفذ إلا ثلاثة. وقد صرح أهل الفن بهذا في الوصية بمثل نصيب، فراجعوا ذلك؛ فإنه غير الوصية بمثل ميراث المكون. وأيضا قد ذكره أئمة الفقه كصاحب البيان (1)، فإنه صرح به في فرع المسألة الثامنة من كتاب [2أ] الوصايا وغيره مثله، فأمعنوا النظر في هذا فإن وجدتموه كما ذكرته فالمراد، وإن وجدتم فيه خللا باعتبار القاعدة، وكذلك باعتبار ما هو الحق والقصد أفدتم - دامت فوائدكم -.
المسألة الثانية: سؤالكم عن حديث أمره صلى الله عليه وآله وسلم بتخصيص نساء المهاجرين بالدور.
فأقول: هذا الحديث عزاه صاحب التيسير (2) إلى أبي داود فقال ما لفظه: وعن زينب رضي الله عنها قالت: اشتكى نساء من المهاجرات إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضيق منازلهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تورث دور المهاجرين النساء، فمات ابن مسعود فورثته امرأته دارا بالمدينة، أخرجه أبو داود (3)
(1)(8/ 159) حيث قال: وإن أوصى لأحد ورثته بما كان نصبيه من جهة الميراث بالقيمة إلا أنه عين له عينا مثل أن يموت رجل وخلف ابنا وابنة، وخلف دارا بألف وأوصى بها للابن وعبدا بخمسمائة، وأوصى به للابنة فهل تصح الوصية؟ فيه وجهان حكاهما المسعودي في " الإبانة "(ص436).
1 -
تصح، ولا تفتقر إلى إجازة، لأن الورثة في المقادير لا في الأعيان فهو كما لو باع الدار من ابنه بألف، وباع العبد من ابنته بخمس مائة في مرض موته.
2 -
لا تصح الوصية لهما من غير إجازة، لأن الوارث قد يكون له غرض في ملك العين، فلا يجوز للموصي إبطال ذلك عليه.
(2)
" تيسير الوصول إلى جامع الأصول " لابن الدبيع (4/ 10 رقم 4).
(3)
لتقر عينك يا بدر الإسلام فقد وجدته في سنن أبي داود (3/ 459 رقم 3080) كتابا الخراج والإمارة والفيء بابا رقم (37) في " إحياء الموات " بإسناد صحيح.
حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الأعمش عن جامع بن شداد، عن كلثوم، عن زينب أنها كانت تفلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده امرأة عثمان بن عفان ونساء من المهاجرات، وهن يشتكين منازلهن أنه تضيق عليهن ويخرجن منها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تورث دور المهاجرين النساء، فمات عبد الله بن مسعود فورثته امرأته دارا بالمدينة.
انتهى، وقد طلبته في سنن أبي داود في كثير من الأبواب التي يظن وجوده فيها كالفرائض والخراج، والإقطاع، والنفقات، والجهاد، والغزوات، والهجرة، وغير ذلك فلم أجده (1) حتى أنظر في إسناده، وأتكلم عليه، ولعله موجود في غير هذه الأبواب.
ويدل على ذلك تكلم الخطابي عليه (2)، فإنه قال: كما وجدته نقلا عنه أنه يشبه أن يكون ذلك على معنى القسمة بين الورثة، وإنما خصهن بالدور لأنهن بالمدينة غرائب لا عشيرة لهن، فاختار لهن المنازل لما رأى من المصلحة، قال: ويجوز أن تكون الدور [2ب] في أيديهن على سبيل الرفق بهن للسكنى (3) لا للتمليك كما كانت حجر النبي
(1) لتقر عينك يا بدر الإسلام فقد وجدته في سنن أبي داود (3/ 459 رقم 3080) كتابا الخراج والإمارة والفيء بابا رقم (37) في " إحياء الموات " بإسناد صحيح.
حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الأعمش عن جامع بن شداد، عن كلثوم، عن زينب أنها كانت تفلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده امرأة عثمان بن عفان ونساء من المهاجرات، وهن يشتكين منازلهن أنه تضيق عليهن ويخرجن منها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تورث دور المهاجرين النساء، فمات عبد الله بن مسعود فورثته امرأته دارا بالمدينة.
(2)
في " معالم السنن "(3/ 458): قال الخطابي قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه أقطع المهاجرين الدور بالمدينة " فتأولوها على وجهين:
أحدهما: أنه إنما كان أقطعهم العرصة ليبتنوا فيه الدور، فعلى هذا الوجه يصح ملكهم في البناء الذي أحدثوه في العرصة.
ثانيهما: أنهم إنما أقطعوا الدور عارية، وإليه ذهب أبو إسحاق المروزي، وعلى هذا الوجه لا يصح الملك فيها وذلك أن الميراث لا يجري إلا فيما كان المورث مالكا له، وقد وضعه أبو داود في باب " إحياء الموات " فقد يحتمل أن يكون إنما أحيا تلك البقاع بالبناء فيها إذ كانت غير مملوكة لأحد من قبل والله أعلم.
وقد يكون نوع من الإقطاع من غير تمليك، وذلك كالمقاعد في الأسواق والمنازل في الأسفار إنما يرتفق بها ولا تملك.
(3)
قال الخطابي في " معالم السنن "(3/ 458): وهو أن تكون الدور في أيديهن مدى حياتهن على سبيل الإرفاق بالسكنى دون الملك، كما كانت دور النبي وحجره في أيدي نسائه بعده لا على سبيل الميراث فإنه قال صلى الله عليه وسلم:" نحن لا نورث، ما تركناه صدقة ". البخاري رقم (3093) ومسلم رقم (1759) من حديث أبي بكر الصديق.
ويحكى عن سفيان بن عيينة أنه قال: كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم في معنى المعتدات لأنهن لا ينكحن، وللمعتدة السكنى، فجعل لهن سكنى البيوت ما عشن ولا يملكن رقابها.
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في أيدي نسائه، انتهى من الجامع.
ومما له مدخل في المقام ما نقله صاحب الفتح (1) عن ابن التين قال في سياق الكلام في الإقطاع: إنه إنما يسمى إقطاعا إذا كان من أرض أو عقار، وإنما يقطع من الفيء، ولا يقطع من حق مسلم، ولا معاهد، قال: وقد يكون الإقطاع تمليكا وغير تمليك، وعلى الثاني يحمل إقطاعه صلى الله عليه وآله وسلم الدور بالمدينة.
قال الحافظ (2): كأنه يشير إلى ما أخرجه الشافعي (3) مرسلا، ووصله الطبراني (4):" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة أقطع الدور " يعني أنزل المهاجرين في دور الأنصار برضاهم. انتهى.
وأقول: كما يحتمل ما أشار إليه الحافظ يحتمل أيضًا أنه أشار إلى حديث زينب المذكور، وعلى كل حال فالدور التي خصص بها صلى الله عليه وآله وسلم المهاجرين هي الدور التي نزل بها المهاجرون عند الهجرة من دور الأنصار لإذنه صلى الله عليه وآله وسلم لهم بالسكون فيها، ولرضى أربابها بذلك، بل رضي كثير منهم بالمشاطرة للأنصار في الأموال، بل والأزواج فعرضوا عليهم أن ينزل من كان له زوجتان عن أحدهما [3أ](5)، وإذا كان الأمر كذلك فالدور بأيدي المهاجرين عارية
(1) أي ابن حجر (5/ 48).
(2)
في الفتح (5/ 48).
(3)
في مسنده (2/ 133 رقم 435 - ترتيب المسند).
(4)
في " المعجم الكبير "(10/ 274 رقم 10534) من حديث ابن مسعود وأورده الهيثمي في " المجمع "(4/ 197) وقال: رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " ورجاله ثقات وهو حديث صحيح.
(5)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (5072) عن أنس بن مالك قال: قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند الأنصاري امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله. فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فأتى السوق فربح شيئا من أقط وشيئا من سمن، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة فقال:" مهيم يا عبد الرحمن؟ " فقال: تزوجت أنصارية، قال: فما سقت؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال:" أولم ولو بشاة ".
وقد ذكر الحافظ في الفتح (9/ 117، 235) مناقب للحديث منها:
- استحباب المؤاخاة وحسن الإيثار من الغني للفقير حتى بإحدى زوجتيه.
- استحباب الدعاء للمتزوج.
- استحباب العيش من عمل المرء بتجارة أو حرفة أولى لنزاهة الأخلاق من العيش بالهبة ونحوها.
- سؤال الإمام والكبير أصحابه وأتباعه عن أحوالهم ولا سيما إذا رأى منهم ما لم يعهد.
- وفي الحديث منقبة لسعد بن الربيع في إيثاره على نفسه.
مطلقة أو مقيدة، وهي لم تخرج بذلك عن ملك الأنصار، ولا دخلت في أملاك المهاجرين، بل ليس لهم فيها إلا حق السكون، فجعل صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحق لمن هو أحوج به، وهن النساء من المهاجرات، فلا يرد على هذا طلب بيان وجه التخصيص للزوجات من نساء المهاجرين ببعض الميراث. وعلى تسليم أن الدور قد صارت ملكا للمهاجرين من جملة الأملاك الموروثة عنهم، فالجمع ممكن يبنى العام على الخاص كما أفدتم.
فيقال: دليل نصيبهن المقدر من الميراث مخصص بالحديث المسئول عنه ولكن بعد صلاحيته لذاك، وسيعين (1) الله على وجوده والنظر في رجال إسناده (2)، فيضم الكلام على ذلك إلى هذا [3ب](3).
(1) نعم ولله الحمد أعانني الله على وجوده.
(2)
رجال إسناده صحيح.
(3)
في هامش المخطوط ما نصه: يعود هذا تفضلا مع الكراريس.