المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رسالة في حكم صبيان الذميين إذا مات أبوهم - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١٠

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌مناقشة العلامة حسن بن يحيى الكبسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني

- ‌هذا ما تعقب به الأخ العلامة شرف الإسلام الحسين بن محمد العنسي على بحث في قاذف الرجل للشوكاني

- ‌هذا ما تعقب به شيخنا العلامة بدر الإسلام محمد بن علي الشوكانيعلى الأخ العلامة الحسين بن محمد العنسي عافاه الله تعالى لما حرره على بحث الجلال في حد قاذف الرجل

- ‌بحث في مسائل الوصايا

- ‌إقناع الباحث بدفع ما ظنه دليلا على جواز الوصية للوارث

- ‌جواب سؤال ورد من أبي عريش حول الوصية بالثلث

- ‌المباحث الدرية في المسألة الحمارية

- ‌إيضاح القول في إثبات العول

- ‌بحث في تعداد الشهداء الواردة بذكرهم الأدلة

- ‌ترجمة علي بن موسى الرِّضا

- ‌رسالة في حكم صبيان الذميين إذا مات أبوهم

- ‌حل الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌توضيح وجوه الاختلال في إزالة الإشكال في إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌الإبطال لدعوى الاختلال في رسالة إجبار اليهود على التقاط الأزبال

- ‌إرسال المقال على إزالة الإشكال

- ‌تفويق النبال إلى إرسال المقال

- ‌تنبيه الأمثال على عدم جوز الاستعانة من خالص المال

- ‌بحث في التصوير

- ‌إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع

الفصل: ‌رسالة في حكم صبيان الذميين إذا مات أبوهم

‌رسالة في حكم صبيان الذميين إذا مات أبوهم

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 4979

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: رسالة في حكم صبيان الذميين إذا مات أبوهم.

2 -

موضوع الرسالة: "فقه".

3 -

أول الرسالة: هذا البحث كتب به إلى السيد العلامة الحسين بن عبد الله الكبسي من كوكبان وأجبت بالبحث المذكور بعده.

4 -

آخر الرسالة: "فإني كتبه ورسوله قائم بالباب، والله أعلم بالصواب". انتهى من تحرير المجيب حفظه الله، وبارك لنا وللمسلمين في أيامه إنه جواد كريم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: 5 صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 26 سطرًا. ما عدا الصفحة الأولى فعدد الأسطر فيها 20 سطرًا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 13 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 4981

هذا البحث كتب به إلى السيد العلامة الحسين بن عبد الله الكبسي (1) من كوكبان، وأجبت بالبحث المذكور بعده.

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، مذاكرة مهمة في شأن الصبيان الذميين (2) إذا مات أبواهم، هل ينزعون من بين الذميين إلى المسلمين؟ فحكى ابن حجر - رحمه الله تعالى- في فتح .............................................

(1) تقدمت ترجمته.

(2)

الذمة في اللغة: الأمان والعهد.

وأهل الذمة هم المعاهدون من النصارى واليهود وغيرهم ممن يقيم في دار الإسلام. وقد جاء في الحديث الشريف: "

يسعى بذمتهم أدناهم

"، وفسر الفقهاء "ذمتهم" بمعنى الأمان.

وقالوا في تفسير عقد الذمة بأنه إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة.

وعقد الذمة: هو عقد بمقتضاه يصير غير المسلم في ذمة المسلمين أي في عهدهم وأمانهم على وجه التأييد، وله الإقامة في دار الإسلام على وجه الدوام.

"القاموس الفقهي"(ص 1434)، "كشف القناع"(1/ 704).

شرع عقد الذمة بعد فتح مكة، أما ما كان قبل ذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين فعهود إلى مدد لا على أنهم داخلون في ذمة الإسلام وحكمه.

ويؤيد ذلك أن آية الجزية المتضمنة عقد الذمة، وهي قولة تعالى: " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ {[التوبة: 29].

قال ابن كثير في تفسيره (4/ 132) نزلت هذه الآية الكريمة أول الأمر بقتال أهل الكتاب، بعدما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فلما استقامت جزيرة العرب أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى وكان ذلك في سنة تسع

"

أما الحكمة من مشروعية عقد الذمة فهي أن يترك الحربي القتال مع احتمال دخوله في الإسلام عن طريق مخالطته للمسلمين واطلاعه على شرائع الإسلام، وليس المقصود من عقد الذمة تحصيل المال.

ص: 4985

الباري (1)، في كتاب (2) الجنائز عن أحمد بن حنبل أنه قال: من مات أبواه، وهما كافران حكم بإسلامه، وظاهره العموم، سواء كان الأبوان مشركين أو غيرهما لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، ثم يقول: اقرءوا:} فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ {أخرجه الشيخان (3) وغيرهما (4).

زاد البخاري (5): "فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه"، وزاد مسلم (6) في رواية أخرى:"ما من مولود إلا وهو يولد على الملة، حتى يبين عنه لسانه"، وبين ابن حجر (7) أن قوله: اقرءوا فطرة الله إلخ مدرج من قول أبي هريرة، وهذا عام يشمل المرتدين والمشركين والذميين. وذكر ابن حجر (8) اختلاف السلف في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقوال كثيرة. قال: وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام، وعن ابن عبد البر أنه قال: وهو المعروف عند عامة السلف.

وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى:} فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا {(9) وأيد ابن حجر هذا القول بأدلة قرآنية، وسنية، وجزم البخاري في تفسير (10) سورة الروم بأن الفطرة الإسلام.

(1)(3/ 248).

(2)

الباب رقم (92) ما قيل في أولاد المشركين.

(3)

البخاري في صحيحه رقم (1319) ومسلم رقم (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

كأحمد (2/ 346) وأبو داود رقم (4714) والترمذي رقم (2139).

(5)

في صحيحه رقم (1319)

(6)

في صحيحه رقم (000/ 2658).

(7)

في "الفتح"(3/ 248).

(8)

في "الفتح"(3/ 248).

(9)

[الروم: 30].

(10)

في "فتح الباري"(8/ 512) باب: "لا تبديل لخلق الله".

ص: 4986

واستدل أحمد بحديث الباب بناءً على هذا التفسير، وتعقب بعضهم هذا التفسير كما حكاه ابن حجر (1) بأنه كان يلزم أنا لا يصح استرقاقه، ولا يحكم بإسلامه إذا أسلم أحد أبويه. ثم قال ابن حجر: والحق أن الحديث سيق لبيان ما هو في نفس الأمر، لا لبيان الأحكام في الدنيا.

قال ابن حجر (2): ولا حجة فيه لمن حكم بإسلام الطفل الذي يموت أبواه كافرين، كما هو قول أحمد، فقد استمر عمل الصحابة، ومن بعدهم على عدم التعرض لأطفال أهل الذمة انتهى.

وقال أهل المذهب الشريف مثل مقالة أحمد [1]، كما نص الإمام المهدي في الأزهار (3) بقوله:"وبكونه في دارنا دونهما"(4) زاد في الأثمار (5) مطلقًا. قال في الوابل: سواء كان أبواه ميتين في دار الإسلام، أم غائبين عنها، هكذا مفهوم عبارة الأزهار، وهو الموافق للقواعد (6)، ولذلك صرح به المؤلف، وهذا الذي صححه المؤلف

(1) في "الفتح"(3/ 249).

(2)

في "الفتح"(3/ 249).

(3)

(3/ 789 - مع السيل الجرار).

(4)

قال الشوكاني تعليقًا: إذا كان مولودًا على الفطرة الإسلامية، وكان ذلك كافيًا في الحكم به بالإسلام فإسلامه مع إسلام أحد أبويه أظهر، ولا يحتاج إلى الاستدلال بدليل يخص هذه الصورة، وهكذا لا يحتاج إلى الاستدلال بدليل يخص قوله:"وبكونه في دارنا دونهما" لأنه قد اجتمع له الولادة على الفطرة والكون في دار الإسلام، فكان من جملة من يحكم له بالإسلام بالسببين المذكورين. كما استحق من أسلم أحد أبويه أن يحكم له بالإسلام بالسببين، وهما الولادة على الإسلام مع إسلام أحد أبويه، وقد كان أبواه هما اللذان يهودانه، ويمجسانه، فمع إسلام أحدهما صار داعيًا له إلى الإسلام كما صار يدعوه الآخر إلى الكفر وداعي الإسلام أرجح وأقدم؛ لأن الإسلام يعلو، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا.

(5)

"الأثمار في فقه الأئمة الأطهار" تأليف الإمام يحيى بن شمس الدين الحسني اليمني.

انظر: "مؤلفات الزيدية"(1/ 44).

(6)

مخطوط انظر "مؤلفات الزيدية"(2/ 356).

ص: 4987

قد صححه كثير من العلماء، وهو الموافق للأدلة، وكذلك صرح به في الأثمار (1) انتهى.

وقال في الغيث (2): لأنه صار في دار الإسلام، وأبواه في دار الحرب فقد انقطعت ولايتهما، فلا يلحق حكمهما في ذلك، بل يحكم بأنه ولد على الفطرة حتى يعرب (3) عنه لسانه بعد تكليفه لأجل الخبر انتهى.

وروي عن ابن حميد أنه حكاه أن الإمام شرف الدين - رضوان الله عليه- بعث في البلاد لقبض من مات أبواه من صبيان اليهود انتهى. فالذي يظهر لي رجحان ما ذهب إليه أهل المذهب وأحمد.

بقي الكلام في ميراث الصبي من أبويه وغيرهما ما دام صبيًّا، فالواقع عند عامة العلماء أن أبويه يرثانه مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:"لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم". اتفق عليه الشيخان (4)، وكذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم:"وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ "(5) وسببه كما ذكره ابن دقيق العيد (6) أن أبا طالب لما

(1) تقدم في تعليقة سابقة.

(2)

مخطوط انظر "مؤلفات الزيدية"(2/ 297)

(3)

أخرج مسلم في صحيحه رقم (000/ 2658) من رواية أبي كريب عن أبي معاوية: "ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه".

وأخرجه أحمد في "المسند" رقم (14741 - الزين) بسند صحيح. من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، فإذا أعرب عنه لسانه فإما شاكرًا وإما كفورًا".

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6764) ومسلم رقم (1/ 1614).

قلت: وأخرجه مالك (2/ 519 رقم 10) والطيالسي (1/ 283 رقم 1435) - "منحة المعبود" وأحمد (5/ 200) وأبو داود رقم (2909) والترمذي رقم (2107) والدارمي (2/ 37) وغيرهم من حديث أسامة بن زيد.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1588).

(6)

في "إحكام الأحكام شرع عمدة الأحكام"(4/ 18).

ص: 4988

مات لم يرثه علي، وجعفر، وورثه عقيل، وطالب؛ لأن عليًّا وجعفر كانا مسلمين حينئذ، فلم يرثا أبا طالب.

وقال في البحر (1): معاذ ومعاوية والناصر- عليه السلام والإمامية: يرث الكافر لقوله- صلى الله عليه وآله وسلم: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" انتهى. وهذا عموم كما لا يخفى.

قال ابن دقيق العيد (2): ومن المتقدمين من قال بأن المسلم يرث الكافر دون العكس، وكان ذلك تشبيه بالنكاح، حيث ينكح المسلم الكافرة الكتابية بخلاف العكس انتهى. فعلى قول معاذ، والناصر، ومن معهما لا إشكال في ميراث الصبي من أبويه الكافرين، وكذا إذا قلنا بإسلامه كما هو ظاهر حديث:"كل مولود"(3) وكان إثبات التوارث من الجانبين؛ أعني: ميراث الصبي من أبويه، وميراثهما منه بحكم المعاملة له معاملتهما في أحكام الدنيا، وهذا واضح كما يظهر. وإن أشكل فيه أن الصبي يعامل به معاملة أبويه حتى يموت أبواه، فموتهما يثبت له حكم الإسلام مقارنًا لموتهما، فكيف لا يكون مانعًا من إرثه لهما على قول الجمهور (4) من عدم التوارث بين أهل ملتين! فالمقام مقام نظر وإمعان.

ويظهر لي صحة نزع الصبي بوجوبه وبثبوت ميراثه من أقاربه ما دام صبيًّا قبل نزعه، إذ بنزعه تنقطع عنه المعاملة له معاملة أبويه. ويؤيد هذا الظاهر حتى يصير متعينًا وجوبًا.

الوجه الأول: أنه بعد أن ثبت أن المراد بالفطرة (5) الإسلام، وقد ثبت عند عامة

(1) أي البحر الزخار (5/ 369).

(2)

في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام"(4/ 17).

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

انظر "درء تعارض العقل والنقل"(8/ 361).

(5)

انظر الرسالة رقم (16).

ص: 4989

العلماء أو إجماعهم على ما يظهر من عدم حكاية مخالف أنه يرثه أبواه الكافران إذا ماتا مع اختلاف الملة، وما ذاك إلا لحكم معاملته معها معاملة الموافق في الملة.

والوجه الثاني: هو ما أشار إليه ابن حجر (1) بقوله: والحق أن الحديث سيق لبيان ما هو في نفس الأمر، لا لبيان الأحكام في الدنيا، فإنه يفيد أن أحكام الذمي من التوارث والاسترقاق وغيرهما منظور فيهما عند الشارع إلى الظاهر، وإلى معاملة الصبي معاملة أبويه وإن كان ابن حجر رحمه الله لم يسلك الحق في ما مضى له من قوله بعد ذلك: ولا حجة فيه؛ أي في حديث "كل مولود" إلخ، لمن حكم بإسلام الطفل الذي يموت أبواه كافرين، كما هو قول أحمد. وأسند عدم الحجة باستمرار عمل الصحابة ومن بعدهم على عدم التعرض لأطفال أهل الذمة. ولا يخفى أنه لا حجة في ذلك الاستمرار إلا إذا كان إجماعًا، ولا إجماع كما هو ظاهر، على أن قول ابن حجر: ولا حجة إلخ مناف لما قد قرره من أن الفطرة الإسلام، تظهر ما قلته لمن تأمل المقام.

والوجه الثالث: إن ثبت كون المراد بالفطرة الإسلام، وثبوت معاملة الصبي معاملة أبويه في الأحكام الدنيوية يصح أن يقال: إن قد قارن موت أحد أبوبه مانع من الإرث، وهو اختلاف الملتين، وارتفاع ولاية أبويه عليه بالمرة، وثبوت الإسلام، وأن ينزع من أيدي أهل الكفر، وزوال المعاملة بالمرة لأنا نقول: قد ثبت عند الشارع إحدى هذه المعاملة في الأحكام الدنيوية في الاسترقاق، فإنه يسترق الصبي من غير فرق بين تقدم هلاك أبويه على استرقاقه وعدمه، وذلك معلوم، وذلك ما ثبت عند عامة العلماء من إثبات ميراث أبويه منه، مع حصول الاختلاف وارتفاع موجب المعاملة، ما ذاك إلا لانسحاب حكم المعاملة بعد الموت. ونظير ذلك عتق المدبر بعد موت سيده، مع حصول المانع، وهو خروجه عن ملك مدبره لموته، ونظير ذلك أيضًا ما قالوه في المملوك إذا مات أبواه أو نحوه، فعتق قبل حوز المال إلى بيت المال أنه يرث أباه، ونحوه مع

(1) في "الفتح"(6/ 43).

ص: 4990

حصول مانع الرق عند الموت لانسحاب إعمال حكم القرابة الموجب للتوارث.

هذا ما ظهر مع قصور الباع؛ فإن كان صوابًا فبهداية الله، وأرجو الأجرين من الله تعالى الكريم المنان، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، وأرجو من الله الأجر.

حرر هذا السؤال في شهر رمضان سنة 1209، وقلم السائل السيد حسين بن عبد الله الكبسي - عافاه الله-.

ص: 4991

هذا لفظ ما حرره في المقام الولد العلامة الهمام محمد بن علي الشوكاني، أدام الله إفادته، وجعله للمتقين إمامًا، وجعل الجميع ممن يعمل ما يرضيه، ويتجنب ما لا يرضيه.

الحمد لله وحده، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله وبعد: فإنه وصل هذا البحث النفيس من سيدي العلامة الأجل شرف الملة - حماه الله ورعاه، وكلأه وبارك للمسلمين في علومه-. وقد أفاد وأجاد، ولكنه خطر بالبال حال تحرير هذه الأحرف من دون بحث كتاب أن مرجع الأمر إلى معرفة ما هو المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:"يهودانه، وينصرانه"(1) هل المراد أنهما يصيرانه كذلك بمجرد كون الأب أبًا له، والأم أمًّا له حال كونهما متصفين بوصف الكفر، أو المراد أنهما يحببان إليه ذلك أو المراد أنه يصير بالملازمة لهما متدينًا بدينهما بعد كونه مولودًا على الفطرة، أو المراد أنهما يصيرانه على دينهما عند أن يصير متصفًا بوصف البلوغ الذي هو المناط للأحكام الشرعية؟ فإن هذا كان المراد المعنى الأول فالصبي المولود لليهوديين والنصرانيين يصير كافرًا بمجرد كون أبويه كذلك، سواء كان الأبوان باقيين على الحياة، أو ميتين، وسواء كان الموت عند الولادة أو بعدهما، قبل بلوغ الصبي، فعلى هذا لا يصير الولد مسلمًا بكونه في دارنا دونهما؛ لأن الأبوين قد هوداه ونصراه بمجرد كونهما متصفين بوصف الأبوة، ويرثهما ويرثانه، ولا يثبت له حكم الإسلام إلا باختياره بعد بلوغه (2)، ولكن يبقى الكلام هل تصح على معنى هذا الجملة المضارعية! أعني: قوله- صلى الله عليه وآله وسلم: "يهودانه، وينصرانه"، لما تقرر أنها للاستمرار التجددي، ويمكن أن يقال أن المراد بالاستمرار الذي هو مدلوله المضارعية هو الكائن في حال حياتهما، أي:

(1) تقدم تخريجه.

(2)

في حاشية المخطوط ما نصه: لا يخفى أن هذا الوجه

لا يساعده قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا ويولد على الملة حتى يبين عليه لسانه، وجعل بيوت الملة له متهيأ بأنه لسانه، ولا آبائه عند بلوغه" تأمل غفر الله له، ومتع المسلمين بأيامه.

ص: 4992

يستمر ذلك ما داما في الحياة وإن كانت غير مستمرة إلى حال البلوغ فإذا مثلًا: مات الأبوان بعد ولادة الولد بشهر فقد استمر في تلك المدة جعلهما له يهوديًّا أو نصرانيًّا، وليس في الحديث ما يدل على غير هذا، وإن كان المراد المعنى الثاني فلا يصدق ذلك إلا على من عاش أبواه أو أحدهما إلى زمان يتعقل فيه الصبي ما يقال له، ويؤيد هذا أنه لا بد في كونهم مهودين له أو منصرين من تعقل المفعول به لذلك المعنى، وهو لا يتعقله قبل بلوغ سن التمييز.

وعلى هذا يكون الصبي كافرًا بكفر أبويه، بمجرد إدراكه لهما أو لأحدهما، وهو مميز فلا يصير بعد موتهما مسلمًا بكونه في دارنا دونهما، بل هو على دينهما حتى يبلغ، ويختار خلافه، وحينئذ يرثهما ويرثانه ما دام غير خارج عن دينهما (1) باختياره.

وإن كان المراد المعنى الثالث فالولد يصير متدينًا [4] بدين الأبوين مجرد ثبوت الملازمة لهما، وليس في ذلك ما يقتضي اعتبار استمرارها إلى البلوغ، لصدق مسمى الملازمة على ثبوتها في مدة من المدد. ألا ترى أنه يقال في اللغة (2): لازم فلانًا يومًا، أو يومين، أو ثلاثًا، أو أسبوعًا وسنة. ويأتي ما سلف من اعتبار كونهما بين مميزين.

والظاهر عدم اعتبار ذلك؛ لأنه يقال: لازم فلان داره، أو بلده، أو ضيعته، أو المسجد. وعلى هذا فلا يكون الصبي مسلمًا بعدم وجود أبويه في دارنا، وحكمه حكم غيره من الكفار في أحكام الذمي. وأما في الأحكام الأخرى ففيه الخلاف الطويل العريض في أحكام أطفال الكفار. والأدلة في ذلك مختلفة غاية الاختلاف.

وعلى الجملة فالمسألة من مطارح الأنظار، ومسارح اجتهاد الأئمة الكبار. وقد حررت فيها في سالف الأيام بحثًا مطولًا.

(1) في حاشية المخطوط ما نصه: لا يخفى أن اختيار هذه الإرادة يهدم ما دل عليه الحديث في ثبوت الإسلام حتى يبلغ عنه.

(2)

"لسان العرب"(12/ 542) ط: دار صادر- بيروت.

ص: 4993

وإن كان المراد المعنى الرابع فلا شك أنه لا يصير متصفًا بوصف الكفر، لكونهما أبوين له، ولا بالملازمة المنقطعة قبل البلوغ؛ لأن تصييرهما له كذلك هو عند البلوغ، وعلى هذا فإذا وجد في دارنا دونهما صار مسلمًا؛ لأنه لم يحصل ذلك المعنى، بل يحكم عليه بالإسلام قبل بلوغه مطلقًا؛ لأن تهويده لم يحصل، وذلك يستلزم نزعه حال صغره، ولو كان الأبوان باقيين؛ لأن كونه في أيديهما يفضي به إلى الكفر، واللازم باطل فالملزوم مثله.

أما الملازمة فلأن المفروض أنه مسلم قبل البلوغ، فكيف يقر في أيدي الكفار! وأما بطلان اللازم فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عن الصحابة، ولا عن سائر علماء الأئمة أنهم انتزعوا صبيان الكفار على اختلاف أنواعهم، مع وجود الأبوين، أو أحدهما، وأيضًا معنى الحديث وهو قوله:"يهودانه وينصرانه إلخ" لا يدل على ذلك المعنى؛ لأن الظاهر أنه يولد على تلك الصفة فيتعقبه تصيير الأبوين له كذلك. والضمير في قوله: يهودانه إلخ راجع إلى المولود، وإطلاق اسم المولود في عرف اللغة إنما يصح على من كان قريب العهد بها. هذا ما لاح للنظر القاصر بدون تحرير للنظر، ولا تكرير له، وإذا تصفحه المتأهل استفاد، ومنه ما هو الحق في المسألة، فليمعن سيدي الشرفي النظر في ذلك، وإذا عرضه فليعرضه على من له مسرح في المعارف الاجتهادية، ويتعذر إذا رأى فيه ما لا يناسب؛ فإني كتبته ورسوله قائم بالباب، والله أعلم بالصواب.

انتهى من تحرير المجيب - حفظه الله-، وبارك لنا وللمسلمين في أيامه، إنه جواد كريم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.

ص: 4994