الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في حكم المولد
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة: بحث في حكم المولد.
2 -
موضوع الرسالة: بدعة المولد.
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وآله الطاهرين، مولاي العلامة الأخ في الله المحب لآل رسول الله عز المعالي: محمد بن علي الشوكاني حفظه الله وعافاه والسلام عليه ورحمة الله وبركاته تغشاه
…
4 -
آخر الرسالة:
وأرحنا من هذه الأوساخ التي كدرت صفوة الدين المتن، انتهى من تحريره المجيب محمد بن علي الشوكاني، وفقه الله لما يحبه ويرضاه بحق محمد وآله وصحبه، من شهر ربيع الأول سنة 1206.
5 -
نوع الخط: خط نسخط جيد.
6 -
عدد الصفحات: (8) صفحات.
الأولى: 10 أسطر.
الثانية: 28 سطرا.
الثالثة: 25 سطرا.
الرابعة: 24 سطرا.
الخامسة: 26 سطرا.
السادسة: 26 سطرا.
السابعة: 27 سطرا.
الثامنة: 5 أسطر.
7 -
عدد الكلمات في السطر: 10 - 12 كلمة.
8 -
الرسالة من المجلد الأول من " الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني ".
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيه الأمن، وآله الطاهرين، مولاي العلامة الأخ في الله المحب لآل رسول الله، عز المعالي محمد بن على الشوكاني- حفظه الله، وعافاه- والسلام عليه ورحمة الله وبركاته تغشاه. خطر ببال المحب الحقير تحرير المذاكرة هذه فيما حدث في هذه السمنة من البدع الشنيعة من الاجتماعات الباطلة، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. فإن هذه الأيام حدثت في هذه المدينة المعمورة بالعلماء الأعلام، والزيدية الكرام حوادث أحدثها السفهاء والسوقة مثل محسن مسعود النشاد، وجماعته من إحداث شيء يسمونه المولد، فيجتمعون على ذلك الصغار والكبار، ويرفعون الأصوات بالتهليل والتضجيع، والترجيع، ويخرجون إلى خارج الدار المجتمعين فيها مع تسريج الشمع [1] والزفاف، واختلاط النساء والرجال بالتهليل، والنساء بالمحجرات رافعات الأصوات حتى يدخلوا الدار المجتمعين فيها، قد شاهدنا ذلك كرارا في حارة الفليحي (1) في بيت رجل يسمى المحفدي من أهل سوق السليط، وانقضوا المتفرجين عليهم من كل جهة، وهم بالزفاف مع تسريج الشمع في الزفاق إلى داخل البيت المذكور، ثم يقومون قيام منتظرين لوصول سيد الأنام يقولون: مرحبا يا نور عيني، مرحبا يا نور عيني، رافعين بذلك الأصوات صغيرهم والكبير خاضعين بالسكينة والوقار، والعوام يتطفعون لرؤية المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام على جمعة التخمين.
وهل رأيت، وهل بصرت في زمن
…
حمل البوازل محمولا على جعل
(1) الفليحي: بنو الفليحي قرية من بلاد ثلاء من عزلة المصانع الخارجية منها الحاج أحمد الفليحي الذي ينسب إليه مسجد الفليحي بصنعاء وبنو فليح: من بيوت العلم في الجند منهم أبو عبد الله محمد بن عمر ابن جعفر بن فليح المتوفى سنة 706 هـ ترجمه الشرجي قال: وهو جد بنو فليح الذين كانوا يسكنون مدينة الجند يقال إنه كان فيهم قديما ستة عشر معمما يحرجون من شارع واحد.
معجم البلدان والقبائل اليمنية (ص 498).
نعم حتى أنه لما كان ثاني عشر شهرنا هذا ربيع الأول حصل الإجتماع في بيت رجل من سوق المزربنين، وأخبرني بعض الثقات أنهم حضروا جماعة من أعيان الدولة (1) ومن جملة من حضر سيدي العلامة على بن أحمد بن إسحاق (2)، والسيد يحيى الحوثي (3)، وجماعة من أعيان أهل العلم، حتى أنه بلغ أن سيدي على بن أحمد بن إسحاق زخرف لهم مؤلفا في صحة ذلك وتجويزه، ولم أزل أطلب ذلك فما ظفرت به، فما أدري ما استناده في ذلك، هل سنة مأثورة، أو آية من آيات ربي مشهورة، أو الاقتداء بالملك المظفر أبي سعيد الكوكبوري (4) المحدث لذلك، ولأجله صنف. . . . . . . . .
(1) في حاشية المخطوط [وأجازه (أ) على ذلك ألف دينار]
[فما](س) أفسد الناس إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها (ج)(أ) وأول من ألف في المولد هو أبو الخطاب بن دحية سماه: [لتنوير في مولد البشر النذير] قدمه للملك المظفر فأجازه بألف دينار ذهبا.
انظر رسائل في " حكم الاحتفال بالمولد النبوي "(1/ 362). (ب): كذا في المخطوط وصوابه (هل) انظر المصدر السابق (1/ 92). (ب): وهو من شعر عبد الله بن المبارك المصدر نفسه (1/ 92).
(2)
على بن أحمد محمد بن إسحاق بن الإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسن بن الإمام القاسم بن محمد الحسني اليمني، الصنعاني، عالم، شاعر، أديب سياسي مولده بصنعاء سنة 1150 هـ مات بصنعاء سنة 1220 هـ.
من مصنفاته:- بشرى الكئيب بالفرج القريب.
- اتحاف السائل بجواب الثلاث المسائل.
انظر أعلام المؤلفين الزيدية (ص 659).
البدر الطالع (ص 861).
(3)
يحيى بن محمد الحوثي ثم الصنعاني ولد سنة 1160 هـ ونشأ بصنعاء اشتغل بعلم الغرائص والحساب والضرب والمساحة وهو رجل خاشع متواضع كثير الأذكار.
(4)
وهو أول من أحدث المولد صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري بن زين الدين على أحد الملوك الأمجاد، كان له آثار حسنة وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون. قال ابن كثير في " تاريخه " عنه:" كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول وكان يحتفل به احتفالا هائلا وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للإفرنج. بمدينة عكا سنة 630 هـ محمود السر، والسريرة "
انظر حسن المقصد في عمل المولد للسيوطي (ص 42).
ابن دحية (1) مصنفا في المولد، وحماه: التنوير في (2) مولد البشير النذير، وما استناد هؤلاء الأعيان المزينين لهذه الشنيعة لهؤلاء السوقة والأغمار.
ولعل المؤلف المذكور بيد محسن مسعود النشاد وجماعته. فهل قد سبق في زمن النبوة المطهرة من الدنس مثل هذا، أو في زمن الصحابة الراشدين، أو أحد من أئمة أهل البيت المطهرين قد أجاز ذلك، أو أشار إليه، أو جوزه للسوقة والأوغاد، أو هذه بدعة شنيعة من بدع الصوفية الأغمار يجب النكير عليها والتشديد والتشريد لفاعليها، ورفعها إلى ولاة هذه المدينة المحمية المعمورة بعلماء الزيدية الكرام، وعلوم آل محمد الأعلام، أو كيف يكون الحال والمجال بلغت القلوب الحناجر من هذه البدع الحادثة في هذا الزمان.
نعم، ومن جملة ذلك القبيح أنهم أحدثوا في هاتين السنتين في الأقطار التهامية مثل بيت الفقيه ابن عجيل، والحديدة، وصارت تسري في جميع البلاد الإمامية- أعزها الله- وذلك أنهم أحدثوا عمارة جدد من حجارة [2] وزخرفوه بالجص والنورة، ثم فعلوا له يوما أو ليلة في الشهر، يجتمعون إليه صغيرهم والكبير، والأنثى والذكر، والشريف والوضيع، يطوفون حوله كطوافهم بالبيت المعمور طول تلك الليلة، من دون إنكار ولا
(1) هو: عمر بن الحسن بن علي بن محمد، أبو الخطاب، ابن دحية الكلبى.
أديب، مؤرخ، حافظ للحديث من أهل سبتة بالأندلس، ولي قضاء دانية، رحل إلى مراكش والشام والعراق وخراسان واستقر. بمصر.
ولد سنة 544 هـ وتوفي سنة 633 هـ.
انظر: شذرات الذهب (5/ 160) والأعلام (5/ 44).
(2)
رقد ذكرنا آنفا أنه أول مؤلف في المولد النبوي.
شناعة من ولاة أمرهم وحكامهم، ويقبلونه كتقبيل الحجر الأسود. وصارت هذه البدع كأنها سنن شرعية، وحجة الله قائمة على العلماء العامين في هذه المدينة المحمية من الشيعة المرضية، أو الحضرة الشريفة المنصورية، وسكوتهم عن رفعها إلى شريف المقام مولانا الإمام أمير المؤمنين المنصور بالله رب العالمين. فإنه نعم العون المبين على إزالة ما خالف شريعة جده الأمين، وآله الطاهرين عليه وعليهم أفضل الصلاة والتسليم.
فلم أزل أريد مذاكرتكم هذه الحوادث الحادثة في هذه المدينة المحمية وغيرها من البلاد الإمامية، وصار علماؤنا في هذا الزمان إما شيطان أخرس قد ألجم بلجام من نار، أو سد فمه بشيء من الحطام الحرام، أو شيطان ناطق بغير ما شرع الله على لسان نبيه المختار.
اللهم اشهد وأنت خير الشاهدين على أمور حدثت من حوادث المبطلين والجاهلين، وزينها لهم رعاع هذه الأمة المخذولين، وأعيان رمدا من العلماء المسلوبين من دون نكير من العلماء العاملين، فيا لله ويا للمسلمين من حادث حدث في شرع سيد المرسلين. وأقول: يا باغي الإسلام فأبغيه لقد زال معروفا وبدا منكر.
فأوضحوا لمحبكم في هذا الأمر الذي أسجن الفؤاد، وشرد الرقاد، وأبرا إلى الله من هذه القبائح والفساد، وأصلي وأسلم على نبيه القاصم بسيفه رؤوس أهل الفساد، وعلى اله الزكية الطاهرة المنزهة عن بدع الصوفية والأوغاد.
والسلام تخص مقامكم والإكرام تم السؤال.
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لمن بعث البشير النذير، السراج المنير بالشريعة البيضاء النقية، والحنيفية الغراء السوية البهية، وعلى اله الحاملين لرايات السمنة المجلين بأنوار علومهم كل ظلمة ودجنة، وبعد: فإنه وصل إلى الحقير محمد بن على الشوكاني- غفر الله لهما-[3] هذا السؤال النفيس، فلنتكلم في جواب المسألة الأولى من مسألتي السؤال، وهي مسالة المولد. فأقول: لم أجد إلى الآن دليلا يدلا على ثبوته من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا استدلال، بل أجع المسلمون أنه لم يوجد في عصر خير القرون، ولا الذين يلونهم، ولا الذين يلونهم. وأجمعوا أن المخترع له السلطان المظفر أبو (1) سعيد كوكبوري بن زين الدين علي بن سبكتين صاحب أربل (2)، وعامر الجامع المظفري بسفح قاسيون.
قف على ابتداع المولد (3) في القرن السابع.
(1) وقد ذكر ابن كثير في " البداية والنهاية " نقلا عن سبط ابن الجوزي أنه قال فيما ذكره عن سلطان إربل: أنه كان يعمل للصوفية في المولد سماعا من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم.
وكما ترى في هذا الكلام والذي يأتي بعده- أبلغ رد على من تجاوز الحد في مدحه والثناء عليه بالعدل وحسن السيرة والسريرة.
(2)
وإربل: قلعة حصينة، ومدينة كبيرة في فضاء من الأرض واسع بسيط وهى على تل عال من التراب. تعد من أعمال الموصل وبينهما مسيرة يومين.
قال ياقوت الحموي بعد ذلك " وطباع هذا الأمير- مظفر الدين كوكبري بن زين كوجك علي- مختلفة متضادة فإنه كثير الظلم عسوف بالرعبة، راكب في أخذ الأموال من غير وجهها وهو مع ذلك مفضل على الفقراء كثير الصدقات على الغرباء. "
معجم البلدان (1/ 138).
(3)
قيل: إن المولد بدعة أحدثها- الفاطميون العبيديون من الباطنيين كما نقله المقريزي في " خططه "(1/ 490) والقلقشندي في " صبح الأعشى "
(3/ 498). وقال صاحب: الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 13): من أنه- المظفر اقتدى بفعل
وهو في المائه السابعة، ولم ينكر أحد من المسلمين أنه بدعة (1).
وإذا تقرر هذا لاح للناظر أن القائل بجوازه بعد تسليمه أنه بدعة، وأن كل بدعة (2) ضلالة بنص المصطفى- صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل إلا. مما هو ضد للشريعة المطهرة، ولم يتمسك بشيء سوى تقليده لمن قسم (3) البدعة إلى أقسام ليس عليها آثار من علم. والحاصل أنا لا نقبل من القائل بالجواز مقالة إلا بعد أن يقيم دليلا يخص هذه
= الشيخ عمر بن محمد الملا، وهو أول من أحدثه، وذكر دلك أيضًا سبط ابن الجوزي في " مرآة الزمان "(8/ 310) وعمر الملا هذا من كبار الصوفية المبتدعين، ولا يستبعد أن يكون عمل المولد تسرب إلى الشيخ عمر الملا من العبيديين فإنهم أخذوا الموصل سنة 347 كما في " البداية والنهاية "(11/ 232) ومولد المظفر سنة 549 هـ كما في التكملة (3/ 354).
وولي السلطة بعد وفاة أبيه 563 هـ كما في سر أعلام النبلاء (22/ 335).
فإن البدعة في الدين لا تقبل من أي أحد كان لنصوص الأحاديث الواردة في ذم الابتداع، فلا يمكننا أن نعارضها بعمل الملك المظفر وإحداثه ثم عدالته لا توجب عصمته كما لا يخفى ".
(1)
قال ابن تيمية في " مجموع فتاوى "(10/ 370 - 371): " ومعلوم أن كل ما لم يسنه ولا استحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا احد من هؤلاء الذين يقتدي هم المسلمون في دينهم فإنه يكون من البدع المنكرات ولا يقول احد في مثل هذا إنه بدعة حسنة. ".
(2)
أخرجه مسلم في صحيحة رقم (867) من حديث جابر وفيه " .... أما بعد: فان خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد. وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة. ".
(3)
قال أبو حفص تاج الدين الفاكهاني في " المورد في عمل المولد "(ص 20):- لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة ولم ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين بل هو بدعة أحدثها المبطلون وشهوة نفس اعتني بها الآكلون بدليل أنا إذا أدرنا عليها الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجبا أو مندوبا أو مباحا أو مكروها أو محرما وليس هو بواجب إجماعا ولا مندوبا لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشارع من غير ذم على تركه وهذا لم يأذن فيه الشارع ولا فعله الصحابة والتابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت ولا جائزا ولا مباحا لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين فلم يبق إلا أن يكون مكروها أو محرما. ". .
وقال النووي قي " تذهيب الأسماء واللغات " البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى: حسنة وقبيحة. وفي هذا التقسيم نظر.
انظر " حسن المقصد " للسيوطي (ص 15).
وذكر الثاني في كتاب الاعتصام (1/ 111) ما رواه ابن حبيب عن ابن الماجشون قال: سمعت مالكا قول: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمد صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله يقول:{اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا.
البدعة التي يعترف ها من ذلك العموم الذي لا ينكره.
وأما مجرد قال فلان، وألف فلان، فهذا غير نافق. والحق أكبر من كل أحد على أنا إذا عولنا على أقوال الرجال، ورجعنا إلى التمسك بأذيال القيل والقال، فليس القائل بالجواز إلا شذوذ من المسلمين.
أما العترة المطهرة وأتباعهم فلم نجد لهم حرفا واحدا يدل على جواز ذلك، بل كلمتهم كالمتفقة بعد حدوث هذه البدعة أنها من أقبح ذرائع المتمخلعة إلى المفاسد، ولهذا ترى هذه الديار منزهة عن جميع شعابن المتصوفة المتهتكة إلى هذه واحدة منها، ولله الحمد.
وكان آخر الخلفاء الذابين عن ذلك المهدي لدين الله العباس بن المنصور، فإنه منع الموالد، وأمر هدم قبور جماعة من الأموات الذين تعتق! صم العامة، والمرجو من الله تعالى أن يلهم خليفة عصرنا المنصور بالله- حفظه الله- إلى الإقتداء بسلفه الصالح، فإن الأمر كما قيل:
أرى خلل الرماد وميض خمر
…
ويوشك أن يكون لها اضطرام
وسريان البدع أسرع من سريان النار، لا سيما بدعة المولد، فإن أنفس العامة تشتاق إليها غاية الاشتياق، لا سيما بعد حضور جماعة من أهل العلم والشرف والرئاسة معهم، فإنه سيخيل إليهم بعد ذلك أن هذه البدعة من آكد السنن. وقد أحسن من قال:
[4]
فساد كبير عالم متهتك
…
وأفسد منه جاهل متنبك
هما فتنة للعالمين كبيرة
…
لمن بهما دينه يتمسك
ولا شك أن العامة أسرع الناس إلى كل ذريعة من ذرائع الفساد التي يتمكنون معها من شيء من المحرمات كالمولد ونحوه. فإذا انضم إلى ذلك حضور من له شهرة في العلم والشرف والرئاسة فعلوا المحرمات بصورة الطاعات، وخبطوا في أودية الجهالات والضلالات، وتخلصوا من ورطة الإنكار بقولهم: حضر معنا سيدي فلان وفلان وفلان. دع عنك العامة بم فإن بعض الخاصة المتميزين في طلب العلم قعد بين يدي لقراءة بعض علوم الاجتهاد، فأخبرني أنه حضر ليلة ذلك اليوم من هذا الشهر، في بعض الموالد، فأنكرت عليه، وانقبضت منه فقال: حضر معنا سيدي فلان وفلان وفلان، فسألته عن الصفة التي وقعت بحضرة أولئك الأعيان فقال في جملة شرع تلك القضية أنه قرأ المولد رجل سوقي، وأولئك الأعيان يطربون ويسمعون حتى بلغ إلى بعضه ثم قام كأنما نشط من عقال، وهو يقول: مرحبا يا نور عيني مرحبا. وقام بقيامه جميع الحاضرين من الأعيان وغيرهم، وصار ينهق قائما وهم كذلك، فتعب بعض الحاضرين فقعد، فصاح عليه بعض أولئك الأعيان، وقال له: وقد ظهرت عليه سورة الغضب: قم ما هي ملعابه، هذا اللفظ، وهم لا يشكون أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم وصلى إليهم تلك الساعة، ثم تصافحوا وأقبل جماعة من العامة بأيديهم أنواع من الطيب معاجلين مسرعين، كأنهم ينتهزون فرصة بقآئه- صلى الله عليه وآله وسلم فإنا لله وإنا إليه راجعون. أين عزة الدين، فإن ذهبت فأين الحياء والمروؤة والعقل؟. وهب أنه لا يحصل بحضرة هؤلاء الأعيان شيء من المنكرات كما هو الظن هم، ألا يدرون أن العامة تتخذ ذلك وسيلة وذريعة إلى كل منكر، ويصكون بحضورهم وجه كل منكر، ويفعلون في موالدهم التي لا يحضرها إلا سقط المتاع كل منكر، ويقولن: قد حضر المولد فلان وفلان وفلان ويتمسكون بجامع اسم المولد.
ومن ههنا يلوح لك فساد اعتذار بعض المجوزين بأنه إذا لم يحصل في المولد إلا الاجتماع للطعام والذكر فلا بأس به، وأنه لا يلزم من تحريم ما يصحبه من المحرمات تحريمه، لأنا نقول: المولد مع كونه بدعة باعترافك قد صار مصحوبا عادة بكثير من
المنكرات، وذريعة إلى كثير من المفاسد [5]. واتفاق مثل هذه الموالد التي لا تشتمل على غير الطعام والذكر أعز من الكبريت الأحمر.
وقد تقرر أن سد الذرائع (1) وقطع علائق الوسائل إلى ما لا يجوز من قواعد الشريعة المهمة الحط جزم بوجوبها الجمهور، وأنت إن بقيت فيك بقية من إنصاف لا تنكر هذا. وإذا قد تبين لك أنه لم يقل أحد من أهل البيت وأتباعهم بجواز المولد، وأردت أن تعرف قول من عداهم، فنقول: قد قررنا لك الإجماع على أنه بدعة من جميع المسلمين، ولكن للملوك تأثيرا في تقويم البدع وهدمها، فلما كان المبتدع لهذه البدعة ذلك الملك (2) ساعده ابن (3) دحية وألف في ذلك مجلدا سماه: التنوير في مولد البشير النذير، وهو مع توسعه في علم الرواية لم يأت في ذلك الكتاب بحجة نيرة.
لا جرم إجازة ألف (4) دينار كما ذكر ابن خلكان، ومحبة الدنيا تفعل أكر من هذا.
ثم بعد حدوث هذا المولد قام الخلاف على ساق، وكثرت في ذلك المؤلفات من المانع. والمجوز، فمن جمله المؤلفين في ذلك الفاكهاني (5) المالكي، ألف كتابا سماه: المص رد في الكلام على عمل المولد وشنع وبشع، ومن جملة ما أنشده في ذلك الكتاب لشيخه
(1) الذرائع: هي الوسائل، والذريعة، هي الوسيلة والطريق إلى الشيء سواء أكان هذا الشيء مفسدة أو مصلحة، قولا أو فعلا. ولكن غلب إطلاق اسم " الذرائع " على الوسائل المفضية إلى المفاسد فإذا قيل: هذا من باب سد الذرائع، فمعنى: أنه من باب منع الوسائل المؤدية إلى المفاسد.
انظر بكلام الموقعين لابن الجوزي (3/ 135 - 159).
(2)
المظفر أبو سعيد كوكبوري بن زين الدين علي وقد تقدمت ترجمته
(3)
تقدمت ترجمته.
(4)
يقصد ما قدمه الملك لابن دحية مقابل تأليفه للكتاب المذكور أنفا.
(5)
هو عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندري المشهور بـ " تاج الدين الفاكهاني " فقيه، نحوي، مفسر، مقرئ ولد سنة أربع وخمسين وست مائة.
من مصنفاته:- الإشارة في النحو.
- المنهج المبين في شرح الأربعين. =
القشيري (1):
قد عرف المنكر واستنكر المعروف
…
في أيامنا الصعبة
وصار أهل العلم في وهدة
…
وصار أهل الجهل في رتبه
حاروا عن الحق فما للذي
…
ساروا به فيما مضى نسبه
فقلت للأبرار أهل التقى
…
... والدين لما اشتدت الكربه (2)
ومن جملة المؤلفين في المولد الإمام أبو عبد الله (3) في عمل المولد.
= بن الحاج، وحمى كتابه: المدخل (4) - التحرير والتحبير في شرح رسالة ابن أبي زيد القروواني.
انظر: شذرات الذهب (5/ 96) الأعلام (5/ 56)" بغية الوعاة "(2/ 221).
(1)
هو محمد بن علي بن وهب بن مطيع، تقي الدين القشيري، المشهور بابن دقيق العيد، المتوفى سنه 702 هـ.
انظر: تذكرة الحفاظ (ص 1481)، الدرر الكامنة (4/ 91)، طبقات السبكى (6/ 2).
(2)
وبعد هذه الأبيات قال:
لا تنكروا أحوالكم قد أتت
…
نوبتكم في زمن الغربة
(3)
هو محمد بن محمد بن محمد بن الحاج، أبو عبد الله العبدري المالكي الفاسي، نزيل مصر. فاضل تفقه في بلاده، وقدم مصر، وحج، وكف بصره آخر عمره وأقعد، توفي بالقاهرة سنه 737 هـ على نحو 80 عاما.
من مصنفاته:
- مدخل الشرع الشريف.
- شموس الأنوار وكنوز الأسرار.
انظر: الديباج المذهب (ص 327)، والدر الكامنة (23714).
(4)
حيث قال فيه " فصل في المولد " ومن جملة ما أحدثوه من البدع مع اعتقادهم إن ذلك من اكبر العبادات وإظهار الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد، وقد احتوى على بدع ومحرمات جمة.
فمن ذلك استعمالهم آلات الطرب من الطار المصرصر والشبابة. ثم أطال الكلام قي ذلك وذكر ما يفعل فيه من المنكرات من العناء والرقص واختلاط الرجال والنساء ثم قال بعد ذلك: ألا ترى أنهم لما خالفوا السنة المطهرة، فعلوا المولد لم يقتصروا على فعله بلى زادوا عليه ما تقدم ذكره من الأباطيل المتعددة، فالسعيد من شد على امتثال الكتاب والسنة والطريق الموصلة إلى ذلك وهي اتباع السلف الماضين لأنهم أعلم بالسنة منك إذ هم أعرف بالمقال وأفقه بالحال. وكذلك الإقتداء. كلن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وليحذر من عوائد أهل الوقت وممن يفعل العوائد الرديئة.
[نقله السيوطى في حسن المقصد (ص 56 - 57)].
وإمام القرى الجزري (1)، وعى كتابه: التعريف بالمولد الشريف، والإمام الحافظ ابن ناصر (2)، وعى كتابه: مورد الصادي في مولد الهادي.
والعلامة السيوطي، وحمى كتابه: حسن المقصد في عمل المولد (3).
فمنهم من جزم بعدم جوازه، ومنهم من جوزه بشرط أن لا يصحبه (4) منكر، مع
(1) هو محمد بن عبد الله، شمس الدين الجزري الشافعي، متأدب، متفقه، رحل إلى عدن، وكتب بعض أعيانها إلى الملك المظفر (الرسولي) بتعز مات بعد سنه 660 هـ.
الأعلام للزركلي (6/ 233).
(2)
وهو الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي.
(3)
وقد ضمنه أقوال العلماء منهم:-
ابن حجر، ابن رجب، ابن الحاج، الجزري، الحافظ الدمشقي.
(4)
قال رشيد رضا في " فتاوى "(5/ 2112 - 2115). سئل الحافظ ابن حجر عن الاحتفال بالمولد النبوي، هل هو بدعة أم له أصل؟
فأجاب بقوله: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن ضدها فمن جرد عمله في المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة ومن لا فلا.
ويقال: إنما يصح قول الحافظ ابن حجر في كون حفلة المولد بدعه حسنة بشرط خلوها من المساوئ والمعاصي المعتادة فيها إذا كان القائمون بها لا يعدونها من القرب الثابتة في الشرع. بحيث يكفر تاركها أو يأثم أو يعد مرتكبا للكراهة الشرعية، فإن البدعة التي تعتريها
الاعتراف بأنه بدعة، ولم يأت بحجة أصلا. وأما تخريجه من حديث (1) أنه- صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله (2) تعالى كما فعل ابن حجر، أو من حديث أنه- صلى الله عليه وآله وسلم عق عن نفسه (3) بعد النبوة.
= الأحكام الخمسة، ويقال: إن منها حسنة وسيئة هي البدع في العادات.
وأما البدع في الدين فلا تكون إلا سيئة، كما صرح به المحققون وذكر ذلك الفقيه ابن حجر الهتيمي المكي في الفتاوى الحديثة (ص 60).
(1)
أخرجه البخاري في صحيحة رقم (2004) ومسلم في صحيحة رقم (1130) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال:"ما هذا " قالوا:
هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله نبي إسرائيل من عدوهم. فصامه موسى. قال: فأنا أحق. بموسى منكم " فصامه وأمر بصيامه ".
(2)
يقال لهم: صحيح أن النعم تستوجب الشكر عليها والنعمة الكبرى على هذه الأمة هي بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وليس مولده: إذ القرآن لم يشر إلى المولد رسم يهتم به وإنما أشار إلى بعثته صلى الله عليه وسلم على أنها نعمة ومنة من الله تعالى قال جل وعلا: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم} [آل عمران: 164].
وقال جل شأنه: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آيته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} [الجمعة: 2].
وهذا هو الشأن في جميع الرسل، فان العبرة ببعثهم لا. بمولدهم كما قال قال:{كان الناس أمة وحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنزرين} [البقرة: 213].
وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطغوت} [النحل:36]. .
فلو كان الاحتفال جائزا لكان الأولى به ذكرى بعثته صلى الله عليه وسلم وليس مولده، وصوم الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وهو مشرع ومبلغ عن ربه لا يجوز لنا أن نقيس عليه فنبتدع، إذ المطلوب هنا أن نتبع ولا نبتدع.
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (994) والبزار في مسنده (2/ 74 - كشف) قال البزار: تفرد به عبد الله بن المحرر، وهو ضعيف جدا إنما يكتب عنه ما لا يوجد عند غيره. وأورده الهيثمي في المجمع (4/ 59) وقال: رجال الطبراني رجال الصحيح خلا الهيثم بن جميل وهو ثقة وشيخ الطبراني أحمد بن مسعود الخياط المقدسي ليس هو في الميزان ".
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (13/ 244) عنه: المحدث الإمام لقيه الطبراني ببيت المقدس سنه 274 هـ.
قلت: في سنده عبد الله العمري وهو ضعيف.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 300) وعبد الرزاق في المصنف (4/ 29 رقم 7960) وقال عبد الرزاق إنما تركوا عبد الله بن المحرر لهذا الحديث كما في تحفة المودود (ص 104) بتحقيقي.
وقال البيهقي، وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن قتادة، ومن وجه ثان عن أنس وليس بشيء ثم أضاف النووي في المجموع (8/ 432) بعدما أورد كلام البيهقي قائلا: فهو حديت باطل، وعبد الله بن المحرر ضعيف متفق على ضعفه، قال الحفاظ: هو متروك.
كما فعل السيوطي، فمن الغرائب التي أوقع في مثلها [6] محبة تقويم البدع.
والحاصل أن المجوزين (1) وهم شذوذ بالنسبة إلى المانعين قد اتفقوا على أنه لا يجوز
(1) يشير بعض المجوزين للاحتفال بالمولد النبوي بعض الشبهات لجعله مشروعا أو مباحا على الأقل واليك بعضها مع الرد عليها ومناقشتها:
1/ قول النبى صلى الله عليه وسلم: " إياكم ومحدثات الأمور، بان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ".
وهو حديث صحيح أخرجه أحمد (4/ 126 - 127) وأبو داود رقم (4607) والترمذي رقم (2676) وابن حاج رقم (43، 44) والحاكم (1/ 95 - 97) من حديث العرباض بن سارية.
قولهم فيه: لا يدل على أن جميع البدع ضلالة، لأن " كل " ليست تشمل الجميع ومن العلماء من قال: تنقسم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، ومنهم من قال البدعة تنقسم إلى بدعة واجبة وبدعة مستحبة وبدعة مباحة وبدعة مكروهة وبدعة محرمة.
والجواب عن ذلك: إن الحديث على ظاهرة يدل أن جميع البدع في الدين ضلالة بدون استثناء، لأن " كل " تفيد الاستغراق أي: استغراق جميع الأفراد خاصة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم عليها أداة التحذير " وإياكم ومحدثات الأمور" فهل يمكن مع كل هذا أنه يريد البعض؟
ونقول أي عبارة أبلغ من قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث- للدلالة على رفض البدع كلها وأما قول من قال من العلماء إن البدعة تنقسم إلى الأحكام الخمسة- تقدم التعليق على ذلك.
2// قولهم: إن الاحتفال بالمولد ليس بدعة، بل هو سنة حسنة، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل ها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل ها إلى يوم القيامة. .
أخرجه مسلم في صحيحة رقم (69/ 1017) من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
والجواب: أن السنة الحسنة تكون فيما له أصل في الشرع كالصدقة التي هي سبب ورود الحديث فقد روى أن قوما قدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم في حاله يرثى لها من الحاجة والفاقة فحث الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على التصدق لهؤلاء القوم وجاء رجل بصرة من الدراهم عجزت عن حملها يده فتسابق القوم إلى التصدق مقتدين هذا الرجل.
وعندها قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، وأما الاحتفال بالمولد فهر بدعة أحدثت بعد مضى القرون المفضلة.
13/ قولهم: لقد ظهرت بدع كثرة حسنة رضي بها علماء الإسلام وسار عليها المسلمون إلى يومنا هذا مثل جمع عمر بن الخطاب المسلمين في صلاة التراويح على إمام واحد.
أخرجه البخاري رقم (2010) عن عبد الرحمن بن عبد القاري.
الجواب:- إن الأثر صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكن قول الصحابي ليس حجة إذا خالف الحديث الصحيح.
2/ أن صلاة القيام مشروعة بنص الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (2009) ومسلم رقم
(174)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة فيقول: " من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلاقة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر على ذلك.
3/ أن صلاة القيام جماعة مشروعة بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها أخبرت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرج ليلة قي جوف الليل فصفى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم، فصلى فصفوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة، عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال:" أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك.
أخرجه اليخاري رقم (2012) ومسلم رقم (178/ 761).
قلت: لقد اتضح من الحديثين السابقين أن صلاة القيام في رمضان مشروعة، وصلاتها جماعة مشروعة، وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الحضور في الليلة الرابعة نحافة أن تفرض على المسلمين، فلما انقطع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم أمن ما خاف منه الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الحلة تدور مع المعلول وجوداوعدما، فبقيت السنة للجماعة لزوال العارض، فجاء عمر بن الخطاب، أمر بصلاتها جماعة، إحياء للسنة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا تعلم أن مفهوم البدعة لا ينطق على فعل عمر! ه ويقول ابن تيمية في " اقتضاء الصراط " (ص
275 -
277): " أكثر ما قي هذا تسمية عمر تلك البدعة مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية ".
4// في الأثر التاريخي وهو: ما روي من أن أبا لهب الخاسر رؤى في المنام، فسئل فقال: إنه يعذب في النار، إلا أن يخفف عنه كل ليلة اثنين، ويمص من بين أصبعيه ماء بقدر هذا وأشار إلى رأس أصبعه. وان ذلك كان له بسبب إعتاقه جاريته ثويبة لما بشرته بولادة محمد صلى الله عليه وسلم لأخيه عبد الله بن عبد المطلب وبإرضاعها له صلى الله عليه وسلم.
والرد على ذلك بأوجه منها:
1/ أن أهل الإسلام مجمعون أن الشرع لا يثبت برؤى الناس المنامية مهما كان ذو الرؤيا في إيمانه وعلمه وتقواه، إلا أن يكون نبي الله فإن رؤيا الأنبياء، والوحي حق.
2/ أن صاحب الرؤيا العباس بن عبد المطلب، والذي رواها عنه بالواسطة فالحديث مرسل، والمرسل لا يحتج به، ولا تثبت به عقيدة ولا عبادة مع احتمال أن الرؤيا التي رآها العباس قبل إسلامه، ورؤيا الكافر حال كفره لا يحتج ها إجماعا.
3/ أكثر أهل العلم من السلف والخلف على أن الكافر لا يثاب على عمل صالح عمله إذا مات على كفره وهو الحق لقول الله سبحانه {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} [الفرقان: 23].
5// رمن عللهم- سماع بعض الشمائل المحمدية ومعرفة النسب النبوي الشريف.
فالجواب: إن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن تعرف نسب نبيه صلى الله عليه وسلم وصفاته كما يعرف الله تعالى بأسمائه وصفاته هذا لابد له من تعليم ولا يكفي فيه مجرد سماع تلاوة قصة المولد مرة في كل عام.
6// ومن عللهم- الاجتماع على ذكر اللة سبحانه من قرائه القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
فالجواب: هذه علة فاسدة باطلة لأن الاجتماع على الذكر بصوت واحد لم يكن معروفا عند السلف فهو في حد ذاته بدعة منكرة.
وأما المدائح والقصائد بالأصوات المطربة الشجية فهذه بدعه أقبح ولا يفعلها إلا المتهوكون - المتحيرون المتهورون المضطربون في الدين- والعياذ بالله تعالى مع أن المسلمين العالمين يجتمعون كل يوم وليلة طوال العام في الصلوات الخمس في المساجد رفي حلق العلم لطلب العلم والمعرفة وما هم بحاجة إلى جلسة سنوية الدافع عليها في الغابي الحظوظ النفسية من سماع الطرب والأكل والشرب.
وقفة: ما هو المولد النبوي؟
إن المولد النبوي الشريف في عرف اللغة العربية: هو المكان أو الزمان الذي ولد فيه خاتم الأنبياء وإمام المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم فمولده المكاني: هو دار أبي يوسف المقام عليها اليوم مكتبة عامة. مكة المكرمة.
ومولده الزماني: هو يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل على أشهر الروايات وأصحها. الموافق لأغسطس من عام سبعين وخمسمائة من تاريخ ميلاد المسيح عيسى عليه السلام. الخلاصة:
خلاصة القول أنه لا يجوز الاحتفال بالمولد النبوي للأسباب التالية:
1/ أنه بدعة في الدين والأدلة الشرعية تحذر من البدع في الدين وأن الأعياد والاحتفالات من أمور الشريعة.
2/ أن القرون الثلاثة المفضلة وهم أشد حبا للرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتفل أحد منهم بالمولد.
3/ أن هذا الاحتفال أدى إلى مفاسد ومخالفات في الدين، والقواعد الشرعية تقضى بأن المباح- وهذا على فرض أنه مباح- إذا أدى إلى محرم، فإنه يحرم من باب سد الذرائع.
4/ لأنه من الغلو الذي في الله ورسوله عنه. ه/ لأنه من الإطراء الذي في عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6/ لأن الرافضة هم الذين ابتدعوا ذلك، والرافضة هم أكثر الفرق الإسلامية ابتداعا، وهل يليق بأهل السنة الاقتداء بالرافضة في ابتداعهم.
7/ أن الاحتفال تقليد للنصارى في احتفالهم بعيسى والنصوص الشرعية تقتضي مخالفتهم وعدم التشبه هم.
8/ أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحقق بالاحتفال. بمولده وإنما تتحقق بالعمل بسنته وتقديم قوله على كل قول وعدم رد شيء من أحاديثه.
9/ أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد وسعهم دين الله من غير احتفال. بمولده، إذا فليسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
إلا بشرط أن يكون لمجرد الطعام والذكر. وقد عرفناك أنه صار من ذرائع المنكرات.
ولا يخالف فيه أحد هذا الاعتبار. وأما المولد الذي يقع الآن من هذا الجنس، فهو ممنوع منه بالاتفاق. وفي هذا المقدار كفاية، وإن كان المقام محتاج إلى بسط طويل، مشتملا على إيراد كلمات المجوزين وردها.
ولكن ذلك لا يتم إلا في كراريس، ولا بد أن يلهم الله أحد أرباب الأمر إلى المنع من هذه القضية، فإنها تنحسم بأمر يسير، وهو أن يمنع ذلك النشاد الذي صار يدعى لعمل المولد، ويزجر. وهذا أمر يتمكن منه كل أحد، وأما ما سألتم عنه من الواقعة العظيمة في القطر التهامي، وهي أنهم يزخرفون ويطوفون حولها كما يطاف حول الكعبة ويزار.
فقد وصل إلى محبكم سؤال من بعض السادات الساكنين في قامة على يد سيدي محمد بن أحمد النعم! ط (1)، وأجبت فيه بجواب فيه طول، فانظروه إن أمكن، فإن ذلك
(1) السيد محمد بن عز الدين النعمي التهامي. قال الشوكاني في البدر رقم (472): ولد تقريبا سنه 1180 هـ بالعذير وهى بقرب بندر اللحية من بنادر قامة. ثم ارتحل إلى صنعاء فقرأ في علم الفروع على شيخنا العلامة احمد بن محمد الجزري وغيره.
وقال الشوكاني: ولازمني مدة طويلة فقرا على النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان والأصول والحديث والفقه وصار أحد العلماء المشار إليهم، ولما نال ما كان سببا للارتحال عاد إلى دياره التهامية وهو بلا مدافع أعلم الموجودين من السادة النعامية. وكثيرا ما يكتب إ؟ من تلك الجهات فيما يعرض له من المهمات.
مات في قامة سنه 1232 هـ.
البدر الطالع رقم (472) وكواكب يمنية (ص 636 - 638).
السؤال اشتمل على أنهم يعتقدون ني أولئك الأموات (1)، وتلك الأحجار أنها تضر وتنفع، وهذا من الكفر الذي لا شك فيه.
ولا مرية، وهو من أشد من كفر الوثنية، لأنهم قالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، وهؤلاء قالوا: نعبدهم ليضروا وينفعوا، فأي مصيبة أشد من الكفر. وأي منكر أطم منه ".
وكيف يدعى القادر على إنفاذ الأوامر أنه من. المؤمنين، وهؤلاء إخوانه من المسلمين قد صاروا في الكفر الصريح. إنا لله، وإنا إليه راجعون. ورحم الله المهدي لدين الله العباس بن المنصور، فإنه قام في إزالة هذا المنكرا (2) كل مقام.
والله يلهم خليفة العصر إلى القيام لهذا الواجب الأهم، وعلى الجملة الاستدلال على قبح هذه الوصية لا يحتاج إليه أحد، فإنه لا يشك أحد من المسلمين في أن ذاك كفر، ولا يخالف في قبح الكفر أحد منهم، والقرآن والسنة مشحونان بالأدلة القاضية بقبح الكفر الناعية على الكافرين ما هم فيه، ومن اخذ المصحف وقرا فيه ورقة وجد مها مسن أدلة التوحيد، أو تقبيح الشرك، أو الكفر ما يشفى ويكفي، فلا فائدة في التطويل، ولو رام الإنسان أن يستفضي ما ورد في ذلك من أدلة النقل والعقل لجأ في مجلدات. اللهم أنت تعلم أنا نجد قدرنا متقاصرة عن القيام بدفع هذه المفاسد، وهدم [7] هذه المنكرات.
وليس في وسعنا إلا الإنذار والإبلاغ، وقد فعلنا.
(1) انظر: " اقتضاء الصراط " لابن تيمية (ص 299).
مصرع الشرك والخرافة (ص 512).
(2)
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط (ص 299): فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغرهم يتعين إزالتها هدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه ولا تصح عندنا لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك ولأحاديث أخر ". وقد تقدم في كل من الرسائل التالية:(1) و (2) و (24) ر (25).
اللهم فاغضب لدينك وطهره من أدناس هؤلاء الشياطين القبوريين، وأرحنا من هذه الأوساخ التي كدرت صفوة الدين المتن (1).
انتهى من تحرير المجيب محمد بن على الشوكاني- وفقه الله لما يحبه ويرضاه- بحق محمد وآله وصحبه. من شهر ربيع الأول سنة 1206 هـ.
تم القسم الأول- العقيدة- من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني ولله الحمد والمنة ويليه القسم الثاني- القرآن وعلومه- إن شاء الله
(1) قد أجاب الله سبحانه دعوة شيخنا الإمام- رحمه الله فإنها هدمت هذه القبور في أيام الخليفة المتوكل بن المنصور، وثم خارج القطر التهامي فأزيلت بالكلية على كثرتها في عصر والده المنصور، على يد أهل نجد، والمرجو من الله تعالى التيسر لإزالة كل ما بقي من منكر، وكل معتقد مثل قبر ابن علوان في تعز، وصاحب الغراس، وغير ذلك إنا نسأله تعالى معونته. أمين.
تم بحمد الله والمنة المجلد الأول من كتاب الفتح الرباني
ويليه
المجلد الثاني إن شاء الله