الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في مسألة وهو المسمى البغية في مسألة الرؤية
تأليف محمد بن على الشوكاني
حققه وعلى عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط (أ)
1 -
عنوان الرسالة: بحث في مسألة الرؤية وهو المسمى" البغية في مسألة الرؤية"(1).
2 -
موضوع الرسالة: رؤية الله في الآخرة.
3 -
أول الرسالة: قال رضي الله تعالى عنه: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فما له من هاد والصلاة واللام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وآله وصحبه الناصبين رايات الدين الخافضين أعلام العناد. وبعد: فإنا لما جرت المذاكرة وبين بعض الأعلام في مسألة الرؤية التي طال فيها بين الفريقين اللجاج وكثر الخصام ....
4 -
آخر الرسالة: ومهما غفلت عن شيء فلا تغفل عن تلك النصوص القوية التي جاها مدعي التخصيص لأدلة الرؤية فإن عليها حامت طيور النقاد وإليها سافرت أنظار علماء الإنصاف وأئمة الاجتهاد، فخذها مجملة غير مفصلة تستأنس ها عن وجه هذه المسألة المعضلة والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا والصلاة والسلام على سيدنا محمد حبيب الله ورسوله وعلى آله وصحبه.
5 -
نوع الخط: خط نسخط جيد.
6 -
عدد الصفحات: (45) صفحة.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: في بعضها (15) سطرا والبعض الآخر (25) سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 7 - 9.
9 -
الناسخ: حسين بن محسن الأنصاري اليماني.
(1) قدم الأخ العزيز/ عادل حسن أمين/ هذه الرسالة وغيرها من الرسائل المخطوطة إلي خصيصا عندما أحضرها من الهند رجاء التواب والأجر من الله فالله أسأل أن يحفظه ويرعاه ويثبت على الحق حطاه. وأن يغفر لنا وله وللمسلمين أجمعين.
وصف المخطوط (ب)
1 -
عنوان الرسالة: " البغية في مسألة الرؤية ".
2 -
موضوع الرسالة: رؤية الله في الآخرة.
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فما له من هاد. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وآله وصحبه الناصبين رايات الدين الخافضين أعلام العناد. وبعد: فإنا لما جرت المذاكرة بيني وبين بعض الأعلام في مسألة الرؤية التي طال فيها بين الفريقين اللجاج وكثر الخصام ....
4 -
آخر الرسالة:
. تستأنس ها عن وحشة هذه المسألة المعضلة، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد حبيب الله ورسوله وعلى آله وصحبه، كمل من خط جامعه الإمام المجتهد القاضي بدر الدين، العلامة النحرير محمد بن على الشوكاني حفظه الله تعالى، ومتع جميع المسلمين بحياته آمين آمن. وكان التأليف في شهر الحجة الحرام سنة 1203 ثلاث ومائتين وألف وصلى الله وسلم على محمد وآله.
5 -
نوع الخط: خط نسخط معتاد.
6 -
عدد الصفحات: 28 صفحة + صفحة العنوان.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 26 سطرا.
عدد الكلمات في السطر: 15 كلمة تقريبا.
9 -
في هامش الصفحة الأولى ما نصه: " هذه الرسالة إن جمعها في أدام الطب بقصد تقييد الفايدة ".
قال رضي الله تعالى عنه:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فما له من هاد، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وآله وصحبه الناصبين رايات الدين الخافضين أعلام العناد. وبعد:
فإنها لما جرت المذاكرة بيني وبن بعض الأعلام في مسألة الرؤية التي طال فيها بين الفريقين الفجاج، وكثر الخصام، وقفت على كتب الطائفتن وقوف شحيح ونظرت في حجج القبيلين أفي نظر صحيح، فحررت هذه الأحرف اليسيرة مشيرا ها إلى تلك المطولات وأثرت الاختصار في نقل أدلة الفريقين، فجاء بحمد الله من أجل المختصرات. فأقول: قالت العترة (1) والمعتزلة (2) وصفوة الشيعة (3) والمرجئة (4) ........
(1) العترة في اصطلاح الإمام المهدي صاحب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار (ص ش 8) هم القاسمية والناصرية.
والقاسمية: هم أتباع الإمام القاسم ابن إبراهيم الرص الحسني ولد سنة 170 هـ وتوفي بالرس سنة 224هـ وأما أن الناصرية: هم أتباع الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني ولد سنة 230 هـ وتوفي سنة 304 هـ وقيل في " العترة " غير ذلك.
(2)
تقدم التعريف بها (656)
(3)
تقدم التعريف بها
(4)
من أوائل الفرق التي تنتسب إلى الإسلام في الظهور، وقد احتفت مكانا واسعا في أدهان الناس، وفي اهتمام العلماء بأخبارهم وبيان معتقداهم.
والمرجئة هم الذين كانوا يؤخرون العمل عن الإيمان،. بمعنى أنهم كانوا يجعلون مدار الإيمان على المعرفة بالله والمحبة له والإقرار بوحدانيته ولا يجعلون هذا الإيمان متوقفا على العمل.
وأكثر المرجئة يرون أن الإيمان لا يتبعض ولا لزيد ولا ينقص، وبعضهم يقول إن أهل القبلة لن يدخلوا النار مهما ارتبكوا من المعاصي.
انظر: التبصير في الدين (ص: 59 - 61) الفرق بينها الفرق (ص:122 - 125).
والخوار (1) وأكثر الفرق الخارجة عن الإسلام: لا تجوز على الله الرؤية أصلا في الدنيا ولا في الآخرة ولا من نفسه ولا من غيره. وقالت: الأشعرية (2) والمجسمة (3) وضرار بن عمرو (4) أكثر فرق المجبرة (5) أنه يصح أن يرى نفسه، ويصح أن يراه غيره وقيل يصح أن يرى نفسه ولا يصح أن يراه غيره، حكاه الرازي (6) عن بعضهم، وحكاه البعض عق أبي القاسم البلخي (7) وهو غير مشهور عنه.
(1) تقدم التعريف بهم (ص 153 وص 856)
(2)
تقدم التعريف جما (ص 151).
(3)
المجسمة هم القائلون بأن الله جسم من الأجسام، وقد أورد الأشعري في (المقالات)(1/ 102 - 105) آراء حمس فرق من الشيعة الأوائل وكلها تذهب إلى التجسيم مثل قول هشام بن الحكم بأن الله تعالى جسم (طوله مثل عرضه، وعرضه مثل عمقه).
انظر دائرة المعارف الإسلامية مادة جسم (6/ 460 - 461).
(4)
هو ضرار بن عمرو من كبار المعتزلة طمع في رياستهم في بلده فلم يدركها فحالفهم فكفروه وطردوه، صنف نحو ثلاثين كتابا بعضها قي الرد عليهم وعلى الخوارج، وفيها ما كحو مقالات خبيثة شهد عليه الإمام بن حنبل عند القاضي سعيد بن عبد الرحمن الخمس فأفئ بضرب عنقه فهرب.
وقيل: إن يحي بن خالد البرمكي أخفاه، قال الجشمي: ومن عده من المعتزلة فقد أخطأ لأنا نتبرأ منه فهو من المجبرة توفي سنة 190هـ نحو805 م.
انظر: " الملل والنحل " للشهرستاني (1/ 102 حاشية).
(5)
تقدم التعريف ها (ص 252).
(6)
تقدمت ترجمته (ص 268)
(7)
هو عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي المعروف بابي القاسم الكعبي تلميذ الخياط وأحد المعتزلة البغداديين توفي سنة 309 هـ.
وقد خالف قد ثرية البصرة في أشياء منها:
1/ قوله: إن الله تعالى لا يرى نفسه ولا يراه غيره.
2/ قوله: إن الله سبحانه وتعالى لا يسمع ولا يبصر وكان يزعم أن معي وصفه بالسميع والبصير. بمعنى أن عالم بالمسموع والمرئي.
3/ نفى الإرادة عن الله سبحانه وتعالى.
4/ أنه كان يقول بإيجاب الأصح للعبد على الله تعالى، والإيجاب على الله تعالى محال لاستحالة موجب فوقه يوجب عليه شيئا.
انظر المعتزلة وأصولها الخمسة (ص 74، 75)
[الأدلة العقلية للقائلين بامتناع الرؤية]
احتج الأولون على الامتناع بأدلة عقلية ونقليه، وسنشرع في تحرير أدلة الفريقين العقلية.
فمن أدلة المانعين العقلية قولهم: كل محسوس (1) جسم أو عرضي فقط، وكل جسم أو عرض محدث والله ليس. محدث إجماعا. قال: المجوز مجيبا على ذلك لا نسلم كلية الصغرى بقيد فقط بل هو مصادرة على المطلوب، فإنكم جعلتم المدعى أعلى أن كل محسوس جسم أو عرض جزعا من الدليل، وصيرتموه صغرى القياس فيلزم الدور، إذ لا يصح المدعى حتى يصح الدليل بتمام أجزائه، ولا يصح الدليل حتى يصح المدعى إذ هو جزؤه على هذا التقدير، وهو عين الدور المحال.
وأجيب بأن المعقول من الرؤية ما ذكرناه فاستدلالنا مبني عليه فلا مصادرة ودعوى إحساس لا يعقل ليس مما نحن بصدد إبطاله، فإنه يكفينا في نفيه كونه لا يعقل أن تلك الرؤية ذكرتم أنا لا تفتقر إلى شعاع ولا إلى لنطاع ولا إلى غيرهما من الشرائط إحساس فضلا عن إحساس لا يعقل. ورد بأن الرؤية تتعلق بكل موجود. فتكون الصغرى حينئذ جزية هكذا (2) بعض الموتى جسم وعرض ركل جسم وعرض محدث، فبعض الموتى محدث وهو مسلم.
وأجيب بأنا لا نسلم تعلق الرؤية بكل موجود، ودعوى كلية التعلق مبنية على تلك الرؤية التي قلتم إنا لا تفتقر
…
الخ. ولولا ذلك لم تتم لكم الصغرى. فجوابنا السالف
(1) انظر رد ابن تيمية على ذلك في منهاج السنة (3/ 344 - 350).
(2)
هكذا في المخطوط ولا يخفى أن العبارة تفتقد إلى رابط.
شامل لما ذكرتم أنا اشتغلنا عنه بغيره. قالوا منع السند بلا دليل مكابرة. وأجيب بأنه لم يكن منعنا له مجردا على أنا نمنع كونه سندا ونجعله من باب إقحام دعوى على دعوى. قالوا إنما جعلنا ذلك التعلق سندا لأنكم قد اعترفتم بأن الجسم (1) والعرض كل منهما محسوس يصح أن يحس، فقد ثبت أن صحة الرؤية مشترك بين [2] الجسم والعرض، وهذه الصحة لهما علة مختصة بحال وجودهما. وذلك لتحققها عند الوجود كما اعترفتم به وانتفائها عند العدم، فإن الأجسام والأعراض لو كانت معدومة لاستحال كونها مرئية بالضرورة والاتفاق، ولولا تحقق أمر مصحح حال الوجود غير شقق حال العدم- لكان ذلك- أي اختصاص الصحة بحال الوجود- ترجيحا بلا مرجع، لأن نسبة الصحة- على تقدير استغنائها عن العلة- إلى طرفي الوجود والعدم على سواء، وهذه العلة المصححة للزوم لا بد أن تكون مشتركه بين الجوهر والعرض، وإلا لزم تعليل الأمر الواحد- وهو صحة كون الشيء مرتبا بالعلل المختلفة والأمور المختصة- إما بالجواهر وإما والأعراض، وهو غير جائز كما تقرر في محله.
ثم نقول: وهذه العلة إما الوجود وإما الحدوث إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما، فإن الأجسام لا توافق الألوان في صفة عامة بتوهم كونها مصححة سوى هذين، لكن الحدوث لا يصلح أن يكون علة للصحة، لأنه عبارة عن الوجود مع اعتبار عدم سابق، والعدم لا يصلح أن يكون جزاء للعلة، لأن التأثير صفة إثبات فلا يتصف به العدم ولا ما هو مركب منه، وإذا سقط العدم عن درجة الاعتبار لم يبق إلا الوجود، فإذن هي- أي العلة المشتركة- الوجود، فإنا مشتركة بينهما وبن الواجب لما تقرر من اشتراك الوجود بين الموجودات كلها. فعلة صحة الرؤية متحققة في حق الله تعالى بتحقق صحة الرؤية وهو المطلوب.
وأجيب بأنه قد اعترف [3] بركاكة هذا الدليل- الذي هو أشهر أدلتكم- كثير
(1) انظر: مجموع فتاوى 6/ 102 - 108 - 299).
من فضلائكم، وصرح بضعفه كل محققيكم، حتى قال سعد الله: في شرح المقاصد: الإنصاف أن ضعف هذا الدليل جلط، ومع هذا فإنه يرد على قولكم ا: وهذه الصحة لها علة إلخ- أن الصحة معناها الإمكان، وهو أمر اعتباركم فلا يفتقر إلى علة موجودة، فكيفية الحدوث هو أمر اعتباري فيكون هو المصحح لرؤية الجوهر والعرض، وذلك لا يجزئ في الواجب قطعا وعلى قولكم، وإلا لزم تعليل الأمر الخ. أن الممتنع (1) أن يعلل بالعلل المختلفة إنما هو (2) الواحد الشخصي لا الواحد النوعي، كالحرارة بالذي، والنار، فيصح تعليل رؤية الجوهر والعرض. مما لا يلزم أن يكون مشتركا بينهما، بل يكون مختصا بالجوهر تارة وبالعرض أخرى، ومع ذلك لا يلزم إمكان رؤية تعالى، وعلى قولكم، إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما (3) بأن الإمكان مشترك أيضًا بينهما، ولو سلم أنه ساقط من درجة الاعتبار لأن مرجعه إلى العدم والتأثير صفة إثبات تأثير العلة فلا يتصف ها العدم وكذا الحدوث ساقط عن درجة الاعتبار لذلك فمن أين جاء الحصر بقولكم لا مشترك- سلمنا (4)، فالدليل منقوض بصحة المخلوقية والملموسية وغيرهما، فإنا مشتركة بين الجوهر (5) والعرض فيلزم صحة كون الباري تعالى مخلوقا وملموسا لكونه موجودا، أو الوجود هو العلة على ما قررتم حيث قلتم لا علة لصحة الرؤية إلا الوجود، وعلى قولكم إن العلة المشتركة هي الوجود بأنكم قائلون إن وجود كل شيء عينه، وحكمكم باشتراك الوجود يقضى بأن الأشياء كفها متفقة الحقيقة، لا أنا مشتركة فيما هو على لها، واشتراك [4] الشيئيين فيما هو تمام عينيهما قاض بأن حية واحدة وهو. معزل عن المعقول، ويرد عليكم أيضًا على مقتضى ذلك الدليل- أعني صحة
(1) الظاهر أن العبارة أدركها بعض التحريف ولعل كلمة " أن " محرفة من الاسم الموصول " الذي ".
(2)
زيادة من [ب].
(3)
لعل اللفظة "فإن" بالفاء بدل الباء.
(4)
جواب ولو سُلم.
(5)
انظر درء تعارض العقل والنقل (6/ 267 وما بعدها).
الرؤية لكل موجود- أن الطعوم والروائح والأصوات والاعتقادات مرئية وهي لا تدرك بالاتفاق.
قالوا: ندفع الأول. مما قاله الجويني (1) من أنه ليس المراد من العلة ما هو المتبادر من التأثر، أي ليس المراد، بالعلة هو المؤثر في الصحة حتى يرد ما ذكر، بل المراد مجرد ما يصلح متعلقا للرؤية وقابلا لها ولا بد من وجوده، فلا يكون مثل الحوادث كافيا إذ لا تحقق له في الأعيان.
والثاني بأن متعلق الرؤية لا يجوز أن يكون من خصوصيات الجوهر أو العرض، بل يجب أن يكون مما يشتركان فيه، للقطع بأنه قد يرى الشيء من بعيد ولا يدرك منه إلا هويته دون خصوصية كونه جوهرا أو عرضا، فرسا أو إنسانا .. إلى غير ذلك من الخصوصية وهذا معي كون الرؤية المشتركة مشتركة.
والثالث: بأن الإمكان أمر اعتباري فلا يمكن تعلق الرؤية به وأن علية الصحة يجب أن تكون مختصة بحال الوجود والإمكان ليس كذلك كما لا يخفى، وأيضا فالمعدوم متصف بالامكان فيلزم صحة رؤيته وهو باطل بالضرورة.
والرابع:. مما قاله صاحب المواقف (2) متأولاً الكلام. . . .
(1) هو أبو المعالي عبد الله بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني أبو المعالي ركن الدين الملقب بإمام الحرمين: أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي ولد في جوين من نواحي (نيسابور) 419 هـ- 1028م رحل إلى بغداد فمكة حيث جاور أربع سنين. وذهب إلى المدينة فأفئ ودرس جامعا طرق المذاهب.
من مصنفاته: - البرهان في أصول الفقه.
-الإرشاد في الأصول.
- التلخيص.
- الشامل في أصول الدين.
انظر: الأعلام للزركلي (4/ 160).
(2)
للقاضي عضد الدين الإيجي (ت 756 هـ).
الأشعري (1) وذلك حيث قال بأن مراد الشيخ: أنه ليس في الخارج هويتان إحداهما الوجود والأخرى الماهية، فالاتحاد بينهما بحسب التحقيق لا بحسب المفهوم، فلا ينافي اشتراكهما في مفهوم مطلق الوجود. وأجيب عن الأول بأن تفسير العلة. مما يكون متعلقا للرؤية [5] يقضي أن علة الصحة هي الموجود لا الوجود. أما لو قيل إن متعلق الرؤية هو الوجود كما هو المفروض لم يتم الدفع، لأن الوجود أيضًا لا تحقق له في الأعيان كالحدوث، وإلا لكان موجودا.
[وعن](2) الثاني ما قاله التفتازاني (3) معترضا على ذلك الدفع بلفظ وفيه نظر، لجواز أن يكون متعلقا الرؤية هو الجسمية وما يتبعها من الأعراض من غير اعتبار الخصوصية. وبما قاله اللقاني (4) في شرح الجوهرة من أن مفهوم الهوية أمر اعتباري أيضًا لا تحقق له
في الأعيان فكيف يكون متعلقا للرؤية بل متعلقا ليس إلا خصوصيات المرئيات، ولا يلزم أن يكون كل إدراك صالحا لأن يتوصل به إلى تفصيل المدرك إلى ما فيه من الجواهر والأعراض، بل قد يكون إجمالي من حيث هو مدرك.
(1) تقدمت ترجمته (ص151).
(2)
في المخطوط (من) وسياق البراهين يقتضي أن يكون حرف الجار "عن" أسوة بالباقي.
(3)
مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني سعد الدين: من أئمة العربية، والبيان والمنطق. ولد بتفتازان (من بلاد خراسان) وأقام بسرخس وأبعد تيمورلنك إلى سمرقند. فتوفي فيها. ودفن في سرخس.
كانت في لسانه لكنة. من مكتبة " قذيب المنطق " مقاصد الطالبين في الكلام. " شرح العقائد النسفية " حاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب.
الأعلام للزركلى (7/ 219).
(4)
واللقاني: هو إبراهيم بن إبراهيم بن حسن الفقاني (
…
-1041 هـ) أبو الإمداد، برهان الدين. فاضل متصوف مصري مالكي. نسبته إلى " لقائه من البحيرة. ممصر. توفي بقرب العقبة عائدا من الحج.
له مصنفات منها: جوهرة التوحيد، منظومة قي العقائد، وبهجة المحافل.
انظر: الأعلام للزركلى (1/ 28).
وبما قاله الخيالي (1) من أن حاصل هذا الدفع من أن متعلق الرؤية أمر مشترك في الواقع أي الهوية، وهو لا يدفع الاعتراض المذكور ويستلزم استدراك التعريض لرؤية الجوهر والعرض، وذكرهم لاشتراك الصحة بينهما ولا يستلزم الاشتراك في المعلول الاشتراك في العلة، إذ يكفى أن يقال إذا رأينا زيدا فإنا لا ندرك منه إلا هوية ما، وهى مشتركة بين الواجب والممكن.
وعن الثالث بأن كون الإمكان أمرا اعتباريا قد سبق ما فيه على أن الحدوث أيضًا اعتباري نظرا إلى أنه عبارة عن الوجود مع اعتبار عدم سابق، وهذا المفهوم أمر اعتباري لا وجود له في الأعيان، فما وجه التخصيص للحدوث دون الإمكان؟ وأما كون الرؤية [6] لا تتعلق إلا بالموجود: فإن أريد به أنه لا علة لصحة الرؤية إلا الوجود فذلك عين الدعوى الممنوعة أول البحث، وإن أريد أن الرؤية إنما تتعلق في الواقع بالموجود فلا يضرنا ولا ينفعكم، ولا يلزم منه أن الوجود هو العلة المصححة للرؤية، بل يجوز أن تكون الرؤية متعلقة بخصوص المرئيات من الجوهر والعرض كما سبق.
وعن الرابع:. مما قاله الحواني (2) في شرح العضدية من أن ذلك في غاية البد، ثم قال وقيل: إن الشيخ وإن أنكر اشتراك الوجود فإنما أقام هذا الدليل على سبيل إلزام المخالفين القائلين بالاشتراك.
(1) هو أحمد بن موسى الخيالي شمس الدين فاضل، كان مدرسا بالمدرسة السلطانية في بروسه بتركيا، له كتب منها:" حاشية على شرح السعد على العقائد النسفية ".
الأعلام للزركلى (1/ 262).
(2)
هو محمد بن أسعد الصديقي الدواني جلال الدين، قاض باحث. يعد من الفلاسفة ولد في دوان (من بلاد كازرون) وسكن شيراز. المتوفى سنة 907 هـ.
له مصنفات منها
- شرح العقائد العضدية.
- حاشية على شرح التوضيح لتجويد الكلام.
- حاشية على تحرير القواعد المنطقية للقطب الرازي.
الأعلام للزركلى (6/ 32).
وهذا القائل هو الآمدي (1) لأنه اضطرب في الدفع عن الشيخ ولم يجد إلى الجواب سبيلا، وأيضا متفق الرؤية ليس هو نص مفهوم الوجود، فإن المفاهيم. ممعزلي عن الكون في الأعيان فلا يتم كلا الشيخ الأشعري (2) على ما فيه من البعد.
ثم بعد الإغماض عن هذا كله لا دفع للنقض بصحة المخلوقية والملموسية وغيرهما من الأمور المشتركة كوجوب الوجود بالغير، وسائر الأمور العامة كالماهية والمعلومية وغيرهما وعلى فرض المناقشة في النقض بالأمور العامة فلا مناقشة بالنقض بصحة الملموسية والمخلوقية، إلا أن البعض جعل النقض بصحة الملموسية قويا دون المخلوقية، وفيه نظر يؤخذ من شرح التجريد [القوشجي](3) ثم اعلم أن محقق الأشعرية بعد اعترافهم بركة هذا الدليل العقلي وضعفه معترفون بأن التعويل على الدليل العقلي في هذه المسألة متعذر
(1) هو أبو الحسن علي بن أبي محمد سالم الثعلبي الأصولي الفقيه الملقب سيف الدين الآمدي ولد سنة 551هـ كان أول شبابه، وأول اشتغاله بالعلم حنبلي المذهب انحدر إلى بعداد ثم انتقل إلى المذهب الشافعي.
من مصنفاته: أبكار في علم الكلام اختصره في كتاب سماه " منائح القرائح ورموز الكنوز ".
- دقائق الحقائق.
- الأحكام قي أصول الأحكام.
توفي سنة 631 هـ دفن بسفح جبل فاسيون.
انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان (2/ 456) البداية والنهاية (13/ 140 - 141).
(2)
تقدم التعريف به (ص151).
(3)
علي بن محمد القوشجى. علاء الدين، فلك رياضي، من فقهاء، الحنفية أصلة من سمر قند [
…
- 879 هـ.] كان ألوه خادم الأمير "الغ لك " ملك ما وراء النهر يحفظ له البزاة (ومعنى القوشجي في لغتهم حافظ البازي).
فلا نطول الكلام بنقل حججهم العقلية، وأجودها [7] لديهم الدليل السمي بدليل الوجود وقد أدرجناه فيما سلف.
قال السيد المحقق في شرح المواقف (1) ما نصه: (ولقد بالغ المصنف في ترويج المسلك العقلي لإثبات صحة رؤية الله تعالى لكي لا يلتبس على الفطن النصفي أن مفهوم الهوية المطلقة المشتركة بين خصوصيات الهوايات أمر اعتباري كمفهوم الهوية والحقيقة، فلا تتعلق ها الرؤية أصلا وأن المذكور من الشيخ البعيد هو خصوصيته الموجودة إلا أن إدراكها إجمال لا يتمكن به على تفصيلها، فإن مراتب الإجمال متفاوتة قوة وضعفا كما لا يخفى على ذي بصيرة فليس يجب أن يكون كل إجمالي وسيلة إلى تفصيل أجزاء المدرك وما يتعلق به من الأحوال ألا ترى إلى قولك كل شيء فهو كذا، وفي هذا الترويج تكلفات يطلعك عليها أدنى تأمل.
فإذن الأولى ما قد قيل من أن التعويل في هذه المسألة على الدليل العقلي متعذر فليس إلى ما اختاره الشيخ أبو منصور الماتريدي (2) من التمسك بالظواهر النقلية) (3) انتهى كلامه.
إذا عرفت هذا الاعتراف بتعذر التعويل على أدلة العقل والتصريح بأن لا متمسك إلا أدلة النقل فسنطلعك على نصيب تبصر به إن شاء الله تعالى الحق، ولكنا لما رأينا القائلين بعدم جواز الرؤية مصرحين في كتبهم الكلامية بعكس ما صرح به حذاق الأشعرية حتى
(1) للقاضي عضد الدين الإيجي (ت 756 هـ) المواقف في علم الكلام.
(2)
محمد بن محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي (نسبة إلى ماتريد بسمرقند) توفي سنة 333 هـ من أئمة المتكلمين ورأس الماتريدية، وقد خالف الأشعري في مسائل أوردها أبو عذبة في كتابه " الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية ".
الأعلام (24217). تاريخ الأدب العربي (4/ 41 - 43).
وانظر: الماتريدية (ص 85) وما بعدها.
(3)
انظر أراء الماتريدية في " الرؤية" تلبيس الجهمية (8812) منهاج السنة (2/ 331 - 333).
جزموا بأن الاعتماد في المسألة ليس إلا على أدلة العقل لكونها مفيدة للقطع بخلاف النقل.
قال في شرح القلائد (1) ما نصه: "و قد اقتصر الإمام على العقلية فقط وإنما ذكر السمعية في آخر المسألة معارضة لما احتج به المخالف من [8] السمع، وهذا هو الذي يقتضيه النظر الصحيح لأن كون تلك السمعية مفيدة للقطع محل نزاع مبني على أن كون العموم يفيد القطع والظن، فكان الاقتصار على الأدلة العقلية المفيدة للقطع بكل حال هو الأولى انتهى.
أحببنا (2) نوقفك على ما هو العمدة منها عندهم لتنقطع عن قلبك علائق الشكوك يهون لذلك خطب التهويل، فنقول: قد استكثروا من الأدلة العقلية، وقد ذكرنا فيما سلف طرفا منها، وسنذكر هاهنا أشهر أدلة هذه المسألة عندهم وهو دليلان:(الأول): الموانع. (والثاني) دليل المقابلة. وقد وقع بينهما الخلاف في ترجيح أحدهما على الآخر فمنهم من ذهب إلى ترجيح دليل الموانع وهو المأخوذ من أصول أبي هاشم (3) وبه قال محمود بن الملاحمي (3)، ورجحه المهدي أحمد بن يحط. ومنهم من رجح دليل المقابلة وهو المأخوذ من أصول أبي علي (4) وهو من معتزلة البصرة وقد ترجم له في الرسالة (24) من هذا القسم. (5) وبه قال السيد المؤيد بالله ومنهم من قال بالاستواء وهو القاضي عبد الجبار (6) وغيره.
(1)" شرح القلائد في تصحيح العقائد " تأليف الشيخ عبد الله بن محمد النجري وهذا الشرح في علم الكلام.
مؤلفات الزيدية (174/ 2 رقم 1971).
(2)
لعل الحرف المصدري " أن " سقط من الناسخ.
(3)
هو محمد بن أحمد بن محمد الملاحمي (أبو نصر). وقيل محمود طبقات الشافعية (5/ 231)
(4)
تقدمت ترجمته في الرسالة
(5)
وهو من كبار المعتزلة (ص 264).
(6)
هو أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن الخليل بن عبد الله الهمداني الأسد آبادي ولد سنة 320 هـ على الأرجح وتوفي سنة 415 هـ كان أشعريا ثم انتقل إلى الاعتزال بعد اتصاله بالعالم المعتزلي أبي إسحاق بن عياش. وبقى على هذا المذهب طيلة حياته، عاصر بي بوية وولي القضاء في الري سنة 385 هـ من مؤلفاته: المغني في أبواب العدل والتوحيد، شرح الأصول الخمسة، وتنزيه القران عن المطاعن ومتشابه القرآن معجم المؤلفين (78/ 5، 79) الأعلام للزركلى (3/ 273 - 274)
أما دليل الموانع فتحريره أن يقال: القديم تعالى حاصل على الصفة إلى لو رؤي لما رؤى إلا لكونه عليها، والواحد منا حاصل على الصفة إلى لو رؤي لما رؤي إلا لكونه عليها. من صحة الحاسة وارتفاع الموانع فلو صحت رؤيته لوجب أن [يرى] (1) الآن فهذه ثلاثة أصول:
(الأول): أن القديم حاصل على الصفة .. الخ.
(والثاني): أن الواحد منا .. الخ.
(والثالث): أن لو صحت رؤيته .. الخ.
أما الأول: فلا خلاف في ذلك لأن الأكثر يقولون الشيء إنما تصح رؤيته لأجل صفته المقتضاه، فهو من أحكامها، وعند الشيخ أبي عبد الله أنه لأجل الصفة الذاتية، وعند الأشعريه لأجل الوجود، وعند ضرار (2) لأجل ماهيته (3) التي يختص بعلمها، والله
(1) في [ب] أن نراه
(2)
تقدمت ترجمته (ص 714).
(3)
قال ضرار بن عمرو: إن الباري يستحيل أن يدرك بالحواس الخمس، ولكن يجوز أن يخلق الله تعالى لأهل الثواب حاسة سادسة تخالف الحواس الخمس فيدركونه ها. ثم قال هذا الرجل: لله عز وجل مائية لا يعلمها في رقتنا إلا هو ثم تردد فقال مرة: لا يصح أن يعلم مائية الرب تعالى في الدنيا والعقبى غيرة.
وقال مرة: بل يعلمها من يدرك الرب تعالى ويراه، وهو سبحانه رأى نفسه عالم. ممائيته ونحن إذا رأيناه علمنا مائيته ذكر ذلك ابن تيمية في تلبيس الجهمية (1/ 344 - 349). وانظر الرد عليه هناك
حاصل على كل هذه الأمور [9].
وأما الثاني: فلأن الواحد (1) منا إنما يرى لأجل كونه حيا لشرط صحة الحاسة وارتفاع الموانع ووجود المدرك، وقد اختلف في هذه الأشياء أهي كافية في كون أحدنا مدركا أم لا؟. فقال الجمهور إن كافية، فمن حصلت هذه الأشياء أدرك المدركات، ومن تخلف شيء منها لم تدرك. وقال أبو علي والأشعري: بل لا بد من أمر آخر وهو الإدراك، إذ هو معن عندهم يخلقه الله عند المشاهدة ونحوها من الحواس. واختلف الجمهور الذين قالوا هذه الأمور كافية: هل العلم بذلك ضروري أو اكتسابي؟.
فقال أبو الحسن: (2) هو ضروري فإنا نعلم ضرورة أن أحدنا من كان صحيح الحاسة والموانع مرتفعة والمدرك موجود وجب أن يدرك، ومن تخلف شيء منها استحال أن يدرك. وقال (3) الجمهور بل اكتسابي استدلالي وذلك أنا وجدنا الإدراك يتحصل عند اجتماع هذه الأمور عند انتفاء شيء منها على طريقة واحدة ووتيرة مستمرة، فعلمنا أن كافية في الإدراك وأن لا تفتقر إلى أمر سواها، وإذا ثبت ذلك فلا التباس أن هذه الأمور مجتمعة في أحدنا بالنسبة إلى القديم تعالى، أما صحة الحاسة فظاهر وأما ارتفاع الموانع فلأن الموانع منحصرة في الثمانية المعروفة وكلها إنما تمنع من رؤية الأجسام والألوان، والله تعالى ليس بجسم ولا لون فلا تكون مانعة من فثبت الأصل الثاني. وأمما الثالث فلأنه إذا حصل الموجب للإدراك- وهو كون أحدنا حيا واجتمعت الشرائط- وجب حصول المقتضى وهو الإدراك، وإلا خرج المقتضى عن كونه مقتضيا، وهو محال. فهذا تحرير دليل الموانع [10] على سبيل الاختصار.
(1) انظر تلببس الجهمية (2/ 85 - 86).
(2)
أبو الحسن الأشعري وقد تقدم التعريف به (ص151)
(3)
انظر تلبيس الجهمية (2/ 105 - 107).
وأما دليل المقابلة فتحريره أن يقال: أحدنا إنما يرى بالحاسة والرائي بالحاسة لا يرى إلا ما كان (1) مقابلا أو حالا في المقابل أو في حكم المقابل، والله تعالى ليس بشيء من ذلك، وقد حرر السيد ما ذكرتم في شرح الأصول تحريرا مطولا، وقد يحرر دليل المقابلة على تحرير آخر فرارا من الاعتراض الوارد على هذا التحرير من أن ذلك إنما يحصل باستمرار العادة وإن كان يصح خلافه، أو أن ذلك إنما هو شرط في رؤية الأجسام والألوان، وأما رؤية الله فلا يشترط فيها ذلك.
وصورة ذلك التحرير أن يقال: الواحد منا إنما يرى بالشعاع، والرائي بالشعاع إنما يرى ما كان متحيزا أو مختصا بجهة يتصل ها الشعاع، فلو صحت رؤيته لكان متحيزا ولا مختص بجهة يتصل ها الشعاع، فهذه ثلاثة أصول:
أما الأصل الأول: وهو أن أحدنا إنما يرى بالشعاع، فلأن الرؤية المعقولة في الشاهد إنما هي الرؤية بالشعاع، فإن الله تعالى ركب بنية العين تركيبا مخصوصا وجعل لها شعاعا، وهو أجزاء نور مناسبة لتلك البنية فبمجموعها يحصل الإدراك، ولهذا فإن أحدنا إذا اشتد عليه الظلام زال إدراكه لزوال الشعاع، وإن كانت حاسته في نفسها صحيحة، فعلم أن أحدنا إنما يرى بالشعاع (2).
وأما الأصل الثاني: وهو أن الرائي بالشعاع لا يدرك إلا ما كان متحيزا أو مختصا بجهة يتصل الشعاع- فلأن أحدنا إذا اثبت أنه رأى بالشعاع لم ير إلا ما وقع عليه ذلك الشعاع واتصل به، إذ لو رأى ما لم يتصل به لما كان أحدنا رائيا بالشعاع حينئذ، بل لا يفتقر إليه البتة، بل كان يلزم صحة أن يدرك جميع المدركات، ولو وجد من الموانع ما وجد، إذ تلك الموانع كلها تمنع من اتصال الشعاع، والمعلوم خلافه، فعلم أنه لا بد من اتصال الشعاع المرئي، والشعاع حاصل في الجهات لأنه أجزاء رقيقة نورية
(1) انظر مناقشة ابن تيمية لذلك في تلبيس الجهمية (1/ 359)
(2)
انظر الإرشاد للجويني (ص:160)
حاصلة بين الحاسة والمرئي فلا بد حينئذ من أن يكون المرئي حاصلا في جهة إذ لا يعقل الاتصال بين ما هو في جهة وهو الشعاع وبن ما ليس في جهة وهو المرئي، وأما اللون فمعي اتصال الشعاع به هو أن يتصل. محله وجهة محله، فثبت أن المرئي بالشعاع لا بد أن يكون مختصا بجهة يتصل ها الشعاع.
وأما الأصل الثالث: وهو أن الله تعالى لا يختص إنه فقد ثبت أن اختصاصه. مكان يستلزم أن يكون من جنس الأجسام، وسواء كان جسما مركبا (1) من ثمانية جواهر أو أقل أو أكثر، وإنما قلنا إن القول بذلك يستلزمها لأدت كل (2) ما تمكن في الأماكن أو شغل الجهات فهو متحيز، وكل متحيز فهو من قبيل الأجسام، والجسمية تستلزم الحدوث لما تقرر من أن كل جسم محدث، وهو على هذين الدليلين، أعنه دليل الموانع، ودليلي المقابلة اعتراضات ومناقشات ودفوع.
فمما أورد على دليل الموانع أن قولكم إن أحدنا حاصل على الصفة التي لو ورث لما رئي إلا لكونه عليها- غير مسلم، بل يفتقر إلى أمر آخر وهو الإدراك الذي هو المعني، وأما استدلالكم على نفيه بأن أحدنا إذا كان صحت الحاسة والموانع مرتفعة والمدرك موجود أن تدرك .. الخ. فجوابه أن يقال ما أنكرتم أن الله تعالى قد أجرى العادة أن يخفق الإدراك الذي هو المعني عند اجتماع هذه الأمور ولا يخلقه عند شماء منها، وجعل ذلك مستمرا على طريقة واحدة. وأجيب عن هذا بأنه يستلزم أن كون احدنا أن يكون بين يديه أجسام عظيمة وهو يراها بأن لا يخلق الله له ذلك المعنى، والمعلوم أن أحدنا يعلم أنه لا شطء بحضرته، وأن هذا العلم مسند إلى أنه لو كان شيء بحضرته لرآه.
(1) انظر تلبيس الجهمية (1/ 609 وما بعدها).
(2)
في المخطوط (كلما) وهو خطأ إملائي إذ وردت فيه موصولة كالشرطية "كلما" والصواب ما أثبتناه.
واعترضه المؤيد بالله عليه السلام (1) وغيره أنا لا نسلم أن هذا العلم إلى ما ذكرتم بل يجوز أن يكون علما ابتدائيا يخلقه الله تعالى فينا ابتداء إلى غير ذلك من الاعتراضات على هذا الدليل.
ومما أورد على دليل المقابلة أن قولكم إن أحدنا لا يرى الشعاع معترض بأن يقال إن هذا إنما هو في رؤية الأجسام والألوان فقط في الكريم أن الله لا تصح رؤيته ولا يفتقر فيها إلى شعاع فلا يلزم حينئذ أن يكون صح أصلا في جهة كما ذكرتم.
وأجيب بأنا إنما ننفي عن الله تعالى الرؤية المعقولة والرؤية إلى نعقلها إنما هي بالشعاع كما تقدم. وأما ما لا يعقل فيكفيه نفيا أنه لا يعقل، على أن الرؤية بغير الشعاع كالرؤية بغير الحاسة في أفما لا يسميان رؤية أحمية لغوية إلى غير ذلك من الاعتراضات الواردة على هذا الدليل، على أن أبا هاشم قد ذهب إلى أن الشيء إذا كان تصح رؤيته في نفسه فإنه يصح أن يرى وإن لم يكن مقابلا ولا حالا في المقابل ولا في حكم المقابل، ولهذا أقر جماعة من القائلين بعدم جواز رؤية الله أن اعتمادهم في هذه المسألة ليس إلا على دليل الموانع وممن صرح بذلك النجري (2) في شرح القلائل.
قال: قالت الأشعرية: ورؤيته تعالى بلا كيف، أي لا يرى في جهة من الجهات ولا على صفة من الصفات. وتحقيق ذلك ما قاله الرازي: ونصه: (المراد من الرؤية أن يحصل انكشاف قام بالنسبة إلى ذاته المخصوصة ويجري مجرى الانكشاف الحاصل عند اتصال الألوان والأضواء، وهذا الانكشاف لا أن يكون المكشوف حاصلا في جهة). وقال في موضع آخر: (ربما عاد الخلاف بين أصحابنا
(1) ثم التعليق على هذا " اللفظ " في رسالة " الصوارم الحداد " رقم (24) من مجلدنا هذا.
(2)
ولد (825 - 877 هـ) من مؤلفاته " شرح القلائد في تصحيح العقائد " انظر الأعلام للزركلي (12714) الضوء اللامع (5/ 62).
وبين المعتزلة في هذه المسألة إلى اللفظ وإلى العبارة، يعني أن هذا الانكشاف الذي يسمونه الرؤية بالحاسة هو الذي تسميه المعتزلة علما ضروريا، لكن المشهور أن الخلاف بين الفريقين معنوي" (1) انتهى.
وأجيب على دعوى رؤيته تعالى بلا كيف بأن ذلك مما لا يعقل.
قالوا إنكارنا شيء عما هو معتاد في الرؤية، والحقائق لا تؤخذ من العادات لأنا لا نشترط في الروية ما ذكرتم من الضوء والمقابلة وغير ذلك من الشروط، وخروج الشعاع أو الانطباع أمر عادي قد جرت عادة الله بذلك وهو قادر على خلق الرؤية فينا من غير هذه الشروط ولا يلزم من صحة رؤية الشيء تحقق الرؤية.
ودفع هذا الجواب بأنه سفسطة (2)، وعدم اشتراطكم الضوء والمقابلة واتصال الشعاع بالمرئي إن كان مع بقاء العن على هذا التركيب وهذه البنية المخصوصة فذلك خارج عن العقل، وإن كان لامع البقاء بل إذا شاء الله ذلك وأراده يجعل العن بغير هذه البنية وعلى غير هذا التركيب الخاص فلا نزاع لأحد في هذا لكمال اقتداره تعالى.
وقولهم: الحقائق لا تؤخذ من العادات قلنا قد صرحتم أن تصديق الرسول بالمعجزة وثبوت صدقه وصدق ما جاء به لا طريق له غير العادة، فإذا تركتم أخذ الحقائق من العادات تركتم الشريعة بأسرها ومن جملتها أدلتكم النقلية التي جزمتم بأن المعتمدة في هذا
(1) انظر: تلبيس الجهمية (2/ 75 - 76).
(2)
السفسطة قياس مركب من الوهميات والغرض منه تغليط الخصم وإسكاته كقولنا الجوهر موجود في الذهن وكل موجود في الذهن قائم بالذهن عرض لينتج أن الجوهر عرض.
التعريفات للجرجاني (ص 234).
ومنها السوفسطائية اسم المهنة إلى ها يقدر الإنسان على المغالطة والتمويه والتلبيس بالقول والإيهام
…
وهو مركب في اليوناتيه من (سوفيا) وهي الحكمة رمن (أسطس) وهى المموهة، فمعناه حكمة مموهة: انظر الصفديه لابن تيمية (1/ 97 - 98) ط الرياض سنة 396 هـ.
البحث.
ومما يصلح لدفع هذه الدعوى أعني: أن الرؤية بلا كيف ما أوردوه في هذا المقام مستدلين [4] به على الرؤية كحديث تشبيه رؤية تعالى برؤية البدر والقمر (1)، وحديث أبي هريرة عند مسلم (2) وفيه " فيأتيهم الله تعالى ني صورة غر صورته المط يعرفون* وحديث جابر عند مسلم (3) أيضًا وفيه " فيقول: أنا ربكم. فيقولون: حتى ننظر إليك. فيتجلى لهم تبارك وتعالى ". وغير ذلك فإنها كفها مصرحة بالكيف. وأيضا يشهد على ضعفه أنه خلاف ما عليه جميع الفرق.
قال الرازي: في المحصل ما نصه: (مسألة: الله تعالى يصح أن يكون مرئيا لنا خلافا لجميع الفرق. أما الفلاسفة والمعتزلة (4) فلا إشكال في مخالفتهما وأما المشبهة (5) والكرامية (6) فلأنهم إنما جوزوا رؤيته لاعتقادهم كونه تعالى في المكان والجهة. أما بتقدير
(1) أخر به البخاري رقم (554) ومسلم رقم (633) من حديث جرير بن عبد الله.
(2)
بل في الصحيحين أخرجه البخاري رقم (806) ومسلم رقم (299/ 182).
(3)
في صحيحة رقم (316/ 191).
(4)
تم التعريف بها (ص 656).
(5)
المشبهة: هي فرقة من الشيعة الغالية، والحشويه صرحوا بالتشبيه ومنهم الهشاميين من الشيعة ومضر وهمس وأحمد الهجنمى. قالوا: معبودهم على صورة ذات أعضاء وأبعاض إما روحانية، وإما جسمانية ويجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن.
والمشبهة الحشوية: قد أجازوا على رهم الملامسة والمصافحة وان المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا ولآخر إذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد إلى حد الإخلاص والاتحاد المحض.
وحكى الكعبي عن بعضهم أنه كان يجوز الرؤية في دار الدنيا.
وانظر الملل والنحل (118/ 1 - 123).
(6)
الكرامية: وهم أصاحب أبي عبد الله محمد بن كرام كان ممن يثبت الصفات إلا أنه ينتهي فيها إلى التجسيم والتشبية.
والكرامية طوائف يبلغ عددها ثنى عشرة فرقة، وأصولها ستة العابدية والتونية، والزرينية، رالإسحاقية، والواحدية، وأقرهم الهيصمية ولكل واحد منهم رأي. =
أن يكون هو تعالى منزها عن الجهة فهم يحيلون رؤيته فثبت أن هذه الرؤية المنزهة عن الكيفية مما لا يقول به أحد إلا أصحابنا) انتهى.
تنبيه: قال: ضرار بن عمرو (1) أنه تعالى يرى بحاسة سادسة، وذلك لما رأى باقي إدراكه هذه الحواس من المحالات، ورد قوله بأن هذه الحاسة إن كانت شعاعا لزم كونه جسما لما تقدم في (2) دليل المقابلة، وإن لم يكن شعاعا فغير معقول، على أن تسميتها رؤية ممنوعة، لأن الرؤية اسم للإدراك هذه الحاسة، ومن الإلزامات العامة له، وللأشعرية تجويز أن يكون الله تعالى مطعوما ومسموعا وملموسا ومشموما: إما على وجه غير ما نعقله في الشاهد كما قالت الأشعرية في الرؤية، أو بحواس أخر كما قال ضرار، فإن منعوا ذلك ورد عليهم ما أوردوه على المانعين من الرؤية من أن المنع طعن في قدرة الله وإلا فما الفرق؟
مقدمة ينتفع ها بين يدي الأدلة النقلية
وسنشرع الآن في سرد أدلة الفريقين النقلية والكلام عليها وسنهدي إليك قبل الشروع فيها مقدمة تنتفع ها في هذه المسألة وأخواتها إن كنت ممن رزق الإنصاف، وتستعن ها على السلامة من موبقات التعصب ومزالق الاعتساف.
فنقول: اعلم أن فرقتي الأشعرية (3) والمعتزلة (4) قد اشتهر بينهما من الخلاف ما ملأ الأقطار وظهر بلا مرية ظهور النهار، وأفضى ذلك إلى العصبية التي هي من أقبح المشارب الوبية، ثم تزايد الشر وتضاعف في كل عصر حتى بلغ إلى الترامي بالكفر والفسق، فلا تكاد تقف على كتاب من كتب إحدى الطائفتين في مسائل الخلاف إلا وأشار فيه من
(1) ذكره ابن تيمية في تلبيس الجهمية (1/ 344)
(2)
في [أ]"و" والصواب ما أثبتناه من [ب]
(3)
تم التعريف بها (ص 151).
(4)
تم التعريف ها (ص 656).
التشنيع والتبشيع على الطائفة الأخرى ما تقشعر منه الجلود، فترى كل فرقة تسمي ما تشبثت به في نصرة مذهبها- وإن كان في غاية من الضعف- بالدليل والحجة والواضح والصريح والقطعي والمحكم وتطلق على متشبث الأخرى، وإن كان في غاية القوة اسم الشبهة والمتشابه والخفي ونحو ذلك، وتبالغ في كتم الناهض وإهماله وتستكثر من ذكر المردود وأمثاله محبة للغلب والانتصار للأسلاف، بل ربما أفضى ذلك إلى ما هو أطعم من ذلك وأطعم، ولا أحب التصريح بأنه الافتراء على بعضهم بعضا، وقل من ينجو من هذه البلية التي هي أقبح التغرير والتلبيس على المقصرين، لإيقاعهم (1) في المضايق ولا حط الله علما يكون هذا نتيجته. ولعمري أن الجهل أسلم منه فإن ثمرة العلم النافعة بعد الاهتداء به- الهداية إليه لا الترويج للبدع والمصائب التي لا يفلح من علقت به ولا سيما إن كان من المقصرين المغرورين، ولهذا ترى عندهم من العداوة ما لم تجده عند المحقق [16] والسر في ذلك أن المقصر المقتصر إذا عثر على كتب قومه الذي هو هم حسن الظن قطع بصحة ما فيها وجزم بأن الطائفة الأخرى لا متشبث لها في تلك المسألة إلا تلك الشبهة إلى ذكرها أسلافه فيكون ذلك من أعظم الأسباب الداعية إلى التبديع والتكفير، ثم انضم إلى هذا الترويج التنفير عن كتب الخصوم ورمي من رام العثور عليها بالابتداع. والبلعث على هذا الحذر من أن يعثر المطلع على كتب الخصم على حجة له قوية تخدش في وجه ما قرره له أسلافه، أو يقف على بطلان ما نسبوه إليه فيفتضحوا عنده.
وهذا السبب اتسع الخرق وعظم البلاء، فإياك إن كنت متبصرا أن ينفق عندك شيء من هذا الجنس فتزل بأول قدم، فإن ما دون هذه العداوة بكثير موجب لعدم قبول رواية بعضهم عن بعض وشهادته عليه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بعدم قبول شهادة أرباب الإحن على بعضهم بعضا كما في حديث:" لا تقبل شهادة ذي الظنه والإحنة "(2) وهكذا ما
(1) في المخطوط [أ- ب] العطف بالواو (وإيقاعهم) والصواب ما أثبتناه.
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 201) من طريق الأعرج مركسي وأخرجه الحاكم (4/ 99) من حديت العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة يرفعه مثله
بين من حاله كحال هاتين الطائفتين من الفرق الإسلامية فخذها كلية تنتفع ها انتفاعا جيدا، وعليك- إذا حاولت النظر- بأخذ مذهب كل طائفة ودليلها من كتبها كما فعلناه في هذه الرسالة والله المستعان.
أدلة المانعين من الرؤية
إذا عرفت هذا فنقول: استدل المانع من الرؤية بعد الاستدلال بالأدلة العقلية بقول الله عز وجل: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] وتقرير الاستدلال ها أن الإدراك المسند إلى الأبصار إنما هو الرؤية أو هما متلازمان، والآية نفت أن تراه الأبصار وذلك [17] بتناول جميع الأبصار بواسطة اللام الاستغراقية، والوقوع في سياق النفي في مقام المبالغة في جميع الأوقات، لأن قولك: فلان تدركه الأبصار لا يفيد عموم الأوقات فلا بد أن يفيده ما يقابله فلا يراه شيء من الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولأنه تعالى [بأنه لا يرى](1)، لأنه ذكر في اثنان المدائح. وما كان من الصفات عدمه مدح كان وجوده نقصا يجب تنزيه الله عنه، كالقدم ينفي الصاحبة والولد، فيكون انتفاء الرؤية كانتفائها بشهادة الذوق السليم من كل جزء سالم الفطرة، واعترض على هذا التقرير بوجوه (منها): أن الإدراك هو الإحاطة (2) بجوانب المولى إذ هو في الأصل النيل والوصول البلوغ ثم نقل إلى الرؤية
= قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وخالفه الذنهي وقال على شرط البخاري قال الحافظ في التلخيص (4/ 204) وفي إسناده نظر.
* الإحنة: الحنة الذي بينك وبينة عداوة.
(1)
هكذا في المخطوط والكلمة محرفة بلا شك أو مشكلة قراءتها وكأها (بائن لا يرى)
(2)
قال ابن القيم في حادي الأرواح (ص 370): وأنة لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به، فإن الإدراك هو الاحاطة بالشيء، وهو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى:{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا} [الشعراء: 61 - 62] فلم ينف موسى- صلوات الله عليه نفى إدراكهم إياهم بموله: (كلا) وأخبر الله سبحانه أنة لا يخاف دركهم بقوله: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} [طه: 77] الروية والإدراك كل منهما يوجد مع الأخر وبدونه، فالرب يرى، ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط به وانظر الدر المنثور (3/ 37) الإبانة عن أصول الديانة (ص30).
المحيطة لكونها أقرب إلى تلك الحقيقة، وهذه الرؤية المكيفة بكيفية الإحاطة أخص مطلقا من الرؤية المطلقة، وسلب الأخص لا يستلزم سلب الأعم.
وأجيب: بأن اعتبار فقد الإحاطة في الإدراك ممنوع لا يثبت في شيء من أصلا، لا فيما هو الأصل على زعمكم- أعني- النيل والوصول والبلوغ، ولا في المنقول إليه أعني الرؤية، على أن الإدراك إذا اقترن بالبصر كان حقيقة في مجرد الرؤية، سواء قلنا إنه حقيقة لغوية (1) كما هو الظاهر أو عرفية (2) فدعوى النقل ممنوعة أيضا، وأيضًا
(1) الحقيقة ويراد ها ذات الشيء وما هيته، كما يقال حقيقة العالم: من قام به العلم.
وتطلق. بمعنى اليقين. وتطلق ويراد ها المستعمل في اصل ما وضعت له في اللغة.
وقال ابن سيده في " المحكم " الحقيقة في اللغة: ما أقر في الاستعمال على اصل رضعه.
وتنقسم الحقيقة إلى لغوية، وعرفية وشرعية لأن الوضع المعتبر فيه إما اللغة وهي اللغوية كالأسد للحيوان المفترس أولا. وهو إما وضع الشارع وهي الشرعية كالصلاة للأركان وقد كانت في اللغة للدعاء أولا. وهي العرفية المنقولة عن موضوعها الأصلي إلى غره بعرف الاستعمال ولتتبه لأمرين.
1/: أن اللغوية أصل الكل، فالعرف نقلها عن اللغة إلى العرف والشرع نقلها عن اللغة والعرف.
2/:أن الوضع في اللغوية غر الوضع في الشرعية والعرفية، فأنه في اللغة تعليق اللفظ بإزاء معنى لم يعرف به يخر ذلك الوضع.
وأما الشرعية والعرفية فبمعنى غلبة الاستعمال دون المعني السابق.
انظر البحر المحيط (153/ 2 - 155). والكوكب المنير (1/ 149).
(2)
والحقيقة العرفية إما أن تكون عامة، وهي أن لا يختص تخصيصها بطائفة دون أخرى (كدابة) فإن وضعها بأصل اللغة لكل ما يدب على الأرض من ذي حافر وغيره، ثم هجر الوضع الأول- وصارت في العرف حقيقة الفرس) ولكل ذات حافر.
وكذا ما شاع استعماله في غير موضوعه اللغوي كالغائط والعذرة والراوية فإن حقيقة الغالي المطمئن من الأرض والعذر في فناء الدار والرعية: الجمل يستقى عليه الماء.
أن تكون (خاصة) وهي ما خصته كل طائفة من الأسماء بشيء من مصطلحاتهم، كمشد وخبر، وفاعل
…
في اصطلاح النحاة انظر: الكوكب المنير (1/ 150).
نفط الرؤية المحيطة بالجوانب كما ذكرتم مشعر بأن له تعالى جوانب وحدودا، لأنه يصير الكلام في قوة أنه لا يرى تعالى رؤية محيطة بجوانبه وحدوده، ولو سلم عدم إشعاره بذلك فلا أقل من إبهامه له لأن توجه النفط إلى القيد أكثري، وأنه باطل قطعا وإجماعا: ومنها أن إلا تدركه الأبصار) موجبة كلية لا موضوعة جمع يحلى باللام الاستغراقية وقد [18] دخل عليها النفي فرفعها. ورفع الموجبة الكلية سالبة جزئية كما هو مقرر في محله. ولهذا جعل المنطقيون ليس (كل) من أسرار السالبة الجزئية. هذا إذا ثبت أن اللام للاستغراق وإلا عكسنا القضية إلا تدركه الأبصار) سالبة مهملة وهي في قوة الجزئية، فالآية في قوة: بعض الأبصار لا تدركه ونحن نسلمه، لأن الرؤية مختصة بالمؤمنين دون الكافرين.
وأجيب: بأن الشائع في الاستعمال، والمأنوس في المقامات الخطابية- باتفاق أهل التحقيق- أن النفط الداخل على (1) الجمع المحلى باللام الاستغراقية لعموم السلب لا
(1) قال صاحب البحر المحيط (3/ 95): "
…
إن قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} الأنعام:103، أنه الاستغراق دون الجنس وان المعني لا يدركه كل بصر، وهو سلب العموم اعني نفي الشمول فيكون سلبا جزئيا، وليس معنى لا يدركه شيء من الأبصار ليكون عموم السلب، أي شمول النفي لكل واحد، فيكون سلبا كليا، كما أن الجمع المعرف باللام في الإثبات لإيجاب الحكم لكل فرد فكذلك هو في النفط لسلب الحكم عن كل فرد كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المنافقون:6] وأجاب بعضهم بجواز أو بكون ذلك باعتبار أنه للجنس، والجنس في النفط يعم وبأن الآية الأولى تعم الأحوال والأوقات وبأن الإدراك بالبصر أخص من الرؤية فلا يلزم من نفيه نفيها
سلب العموم، حتى قال بعضهم إنه لا يوجد في التنزيل واستعمال فصحى إلا بالمعنى الأول.
وقد اعترف هذا سعد الدين (1) في شرح المختصر والمطول وشرح المقاصد، ومن أحب الوقوف على حقيقة ذلك فلينظر المطول في شرح قول القزويني: واستغراق المفرد أشمل .. الخ. وقد أطال تحقيق ذلك في شرح المقاصد ما خلاصته: أن النسبة قد تعتبر أولا إلى الكل ويعتبر دخول النفط عليه فتفيد سلبه، وقد يعتبر دخول النفط أولا ثم النسبة إلى الكل فلا يكون النفط متوجها إليه وإنما يتوجه إلى ما دخل عليه من الكلام الخالي عن حلية العموم فيفيد عموم السلب، والأول يفيد سلب العموم .. الخ. حتى قال: وبالجملة فالأول من قبيل نفى الجمع، والثاني من قبيل نفي المفرد وهو أشمل كما صرحوا به. وهذا جار في جميع القيود لا في مجرد العموم، ثم ذكر لذلك شواهد قرآنية. ثم قال: إلى ما لا يحصى في الكتاب والسنة وغيرهما من كلام الفصحى جار كفه على الاعتبار الثاني. وقال الكابي في " شرح المتحصل ". وهو إمام- ما نصه: " إنه تعالى عن بقوله لا تدركه الأبصار أي [19] لا يدركه واحد من الأبصار وذلك يقتض بأنه لا يدركه شيء من الأبصار في شيء من الأوقات أصلا، لأن قولنا تدركه الأبصار بالإطلاق العام ينقض قولنا لا تدركه الأبصار، بدليل أنه يستعمل كل واحد منهما في كذب الأخر، وإنما يتناقضان لو كان المراد من السالبة المذكورة هو السالبة الكلية الدائمة لما عرفت في المنطق أن المطلقتين القائمتين لا تتناقضان لجواز صدق كل واحدة منهما مع الأخرى في زمان، فإذا كان وثبت صدق قولنا لا يدركه شيء من الأبصار في شيء من الأوقات لزم كذب قولنا تدركه الأبصار لأن صدق أحد النقيضين يوجب كذب الآخر، وإذا ثبت كذب
(1) تقدمت ترجمته أنفا (ص 719).
قولنا تدركه الأبصار ثبت كذب قولنا يدركه بصر واحد أو بصران لعدم القائل بالفرق والفصل انتهى.
ولم يتعرض للقدح فيه بل قال إنا نقول. موجبه، وجاء. مما سبق من أن نفى الإدراك لا يستلزم نفط الرؤية قوله: وإلا عكسنا. أجيب بأنا لو سلمنا عدم العموم لكانت القضية قبل دخول حرف السلب موجبة جزئية فحصل بحرف السلب رفع الإيجاب الجزئي وهو سلب كلى فثبت المطلوب ولا نسلم ما ادعيته من الإهمال، ولو سلم لكان في قوة: لا يدرك بعض شيء من الأبصار، والبعض نكرة ني سياق النفي فيعم.
ومنها أن الإدراك غير موضوع بالحقيقة للرؤية أصلا لكنه قد يستعمل في رؤية الشيء المحدود على سبيل المجاز، وقد تقرر في أصول الفقه أنه لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بدون دليل إجماعا (1) فيجب حمل الإدراك على حقيقته التي هي اللحوق، فإذا قام الدليل [20] على العدول إلى المجاز وجب أن يلاحظ المجاز الموافق حكمه حكم الحقيقة وهو الرؤية، مع بعد الاحاطة بجوانب المرئي وحدوده، فما لا جوانب لذاته ولا حد له يمتنع فيه ذلك بالضرورة، فيجب العدول عن هذا المجاز أيضًا والحمل على إبصار العقول وإدراكها كما مر.
وأجيب. منع اعتبار نعت الإحاطة في اللحوق، وأنه لو لم يوجد في اللغة أصلا كما سلف، وبمنع أن الإدراك مجاز في الرؤية، بل حقيقة لغوية أو عرفية كما سبق وإبصار العقول مجاز بلا خلاف فلا يصار إليه إذ لا بد في المجاز من غرض صحيح ونكتة مقتضية له وقرينة وعلاقة، وليس مهنا شيء من ذلك إلا ما غالطتم به وقد منعناه.
(ومنها) أن الآية (2) محمولة على نفط الرؤية في الدنيا لا في الآخرة، جمعا بين الأدلة وذلك لأنها وإن عمت في الأشخاص على مدعاكم، فهي لا تعم في الأزمان لأنها سالبة
(1) انظر البحر المحيط (2/ 231 - 232) والكوكب المنير (1/ 196 - 198)
(2)
انظر حادي الأرواح لابن القيم (ص371).
مطلقة لا موجهة دائمة.
وأجيب: بأن عموم الأزمان لقد سبق أنه مستفاد من الآية، وملاحظة القدح يأبى هذا التخصيص لأن عدم الرؤية في الدنيا ليس فيما يختص به الباري جل جلاله لجريه في أشياء كثيرة فلم يبق للتمدح فائدة يعتد ها ثم لا فرق بين قول من قال إن العام في الأشخاص عام في الأوقات والأحوال، وقول من قال إنه مطلق فيها كما حققه ابن دقيق (1) العيد في "شرح العمدة".
(ومنها) أنكم إما أن تحملوا الأبصار على حقيقتها، أو تجعلوها. بمعنى المبصرين: إن قلتم بالأول لم يصح لكم الاستدلال لأنا نقول إن الأبصار هي المذكورة، وإنما يدركه المبصرون، وإن قلتم بالثاني لزمكم في قوله تعالى:{وهو يدرك الأبصار} (2) أن يكون معناه وهو تعالى مبصر [21] مدرك فيدرك نفسه، وكل من قال بأنه يدرك نفسه قال بأنه يدركه غيره.
وأجيب بأن المراد بالأبصار ليس معناه الحقيقة إذ لا مدح حينئذ، ولا المبصرين مطلقا إذ لا دليل على ذلك بل المبصرين بالأبصار فيكون المعنى لا يدركه أهل الأبصار وهو يدرك أهل الأبصار، والقديم ليس من أهل الأبصار فاندفع الإشكال.
غاية ما يلزم ألا لا يكون في الآية دليل على نفى إدراكه لنفسه صريح، بل إدراك أهل الأبصار فقط، لكن يلزم من ذلك نفط إدراكه لنفسه، لأن كل من قال بأنه لا يدركه غيره قال بأنه لا يدرك نفسه.
(ومنها) أن التمدح بنفي الرؤية يدل على صحتها لأنها لو امتنعت ما حصل التمدح بنفيها إذ لا مدح للمعدوم بأنه لا يرى حيث لم يكن له ذلك.
وأجيب:. منع الملازمة، والسند التمدح بنفي الصاحبة والولد مع امتناعهما غاية
(1) هو العلامة الشيخ الدين أبو الفتح الشهر بابن دقيق العيد المتوفى سنة 702 هـ
(2)
[الأنعام:103]
الامتناع. وقولكم "لا مدح للمعدوم" مريدين بذلك أنها لو كانت مدحا له تعالى بأنه لا يرى لشاركه المعدوم في ذلك لأنه لا يرى- باطل، لأن الله تعالى قد تمدح بأنه لمس كمثله شيء (1) وأيضا فإن الممتنع لا يجوز التمدح به إلا إذا كان على ضرب من الكناية، كالتمدح بانتفاء الرؤية لانتفاء لازمها من الجهة ونحوها، إذ لا معنى للتمدح بانتفاء الرؤية من حيث ذات الرؤية فقط، فإن المعدوم لا يرى ولا مدح في عدم رؤية، وقس على ذلك التمدح بانتفاء السنة والنوم والولد والصاحبة، وأيضا فأنتم قائلون بأن قوله تعالى:{ولا يظل ربك أحدا} (2) من قبيل التمدح [22] بانتفاء الممتنع لذاته، إذ الظلم محال لا يقدر عليه تعالى عندكم فما بالكم أبيتم ذلك (3) هنا. (ومنها): سلمنا دلالة الآية على ما ذكرتم، وعدم ورود شيء من هذه الأمور التي أسلفناها، فعمومها مخصص بالأحاديث البالغة رتبة التواتر كما صرح به الإمام محمد بن إبراهيم الوزير في "الروض الباسم (4) وغره، والعلامة السيوطي في "البدور السافرة في أمور الآخرة (5) حتى جزم الإمام المذكور أنها تزيد على ثمانين حديثا من طريق أكثر من ثلاثين صحابيا منهم: أبو هريرة (6)، وأبو سعيد الخدري (7)، .................................
(1)[الشورى: 11]
(2)
[الكهف: 49]
(3)
انظر حادي الأرواح (ص: 369 - 371)
(4)
(1/ 182 - 183)
(5)
(477 - 491)
(6)
تقدم أيضًا (ص730)
(7)
أخرجه البخاري رقم (7439) ومسلم في صحيحة رقم (302/ 183) وهو حديث طويل وفيه " ..... فيقول ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا (مرتين أو ثلاثا) حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب. فيقول هل بينكم وبينه آية، فتعرفونه ها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى
وأبو موسى (1)، وعدي بن حاتم (2)، وانعمن بن مالك (3)، وجرير بن عبد الله (4)، وكل هؤلاء أحاديثهم متفق عليها مخرجة في صحيح البخاري ومسلم معا، وفي غيرهما من كتب الحديث. ومنهم بريدة بن الحصيب (5)، وأبو رزين العقيلي (6)، ..............
(1) أخرجه البخاري في صحيحة رقم (8784) ومسلم في صحيحة رقم (180)، من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" جنتان من فضة، بنيتها وما فيهما وجنتان من ذهب. آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبن أن ينظروا إلى ربهم إلا، داء الكبر على وجهه في جنة عدن".
(2)
أخرجه البخاري في صحيحة رقم (1413) ومسلم رقم (1016) من حديث حاتم بر عدي ..... ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب، ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له: أولائك مالا؟ فليقولن: بلى ثم ليقولن أرسل إليك رسولا؟ فليقولن: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا اذر ثم ينظر عن كاله فلا يرى فليتقين أحدكم اذر ولو بشق تمرة، بان أ يجد فبكلمة طيبة.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحة رقم (1413) ومسلم في صحيحة رقم (132/ 1059) من حديث أنس مرفوعًا وفيه" .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أعطي رجالا حديث عهدهم بكفر، أما ترضون أن بذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم فو الله ما تنقلبون به " خير مما ينقلبون به " قالوا: بلى يا رسول قد رضينا. فقال لهم:" سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على الحوض " قال أنس: فلم نصبر.
(4)
تقدم تخريجه آنفا (ص730).
(5)
أخرجه الدارقطني في الرؤية" رقم (251) عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر بسند ضعيف.
(6)
أخربه أحمد (4/ 11،12) وعبد الله في السنة رقم (448 و450 و451 و454 و455) وابن أبي عاصم في السنة رقم (459 - 460) واللالكائي رقم (837،838، 839) وابن خزيمة في التوحيد
وجابر بن عبد الله (1)، وأبو أمامة (2) ، وزيد بن ثابت (3)، وعمار بن ياسر (4)، وعبد الله
(1) تقدم تخريجه (ص 730).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (4322) وابن ماجة رقم (4077) وعبد الله بن أحمد في السنة رقم (1008). والدارقطني قي الرؤية رقم (78) من حديث أبي أمامة مرفوعًا بلفظ" خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطته ما يحدثنا عن الدجال وذكر الحديث بطوله وقال فيه: فإنه سيبدأ فيقول: أناني ولا في بعدي، ثم يثن فيقول: أنا ربكم ولن تروا ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور. وهو حديث ضعيف.
(3)
أخرجه اللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" رقم (846) بسند ضعيف عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلن يدعو: اللهم إني أسألك برد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائد في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة"
(4)
أخرجه النسائي (5013 - 54) وابن حبان رقم (509 موارد) والحاكم في المستدرك (1/ 24 - 25) والطبراني في الدعاء رقم (624) من طرق وهو حديث ضعيف من حديث عمار بن ياسر قال: أما إني قد دعوت فيها بدعاء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يدعو به" اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أن ما كانت الحياة خسيرا لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الإخلاص في الرضاء والغضب وأسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بالقضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك وأعوذ بك من ضراء مضرة وفتنه مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين.
بن عمر (1) وعمارة بن روبية (2) وأبو بكر الصديق (3) وعائشة أم المؤمنين (4) وعمار ابن ياسر (5) وحذيفة (6). . . . . . . .
(1) أخرجه البخاري في صحيحة رقم (4685) ومسلم في صحيحة رقم (2768) قال رجل لابن عمر: كيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال: سمعته يقول: " يدنوا المؤمنون يوم القيامة من ربه عز وجل حتى يضع كنفه عليه، فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف، فيقول: فإني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها اليوم لك، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكافر والمنافق ينادي هم على رؤوس الأشهاد {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [هود: 18].
(2)
عن عمارة بن روبية عن أبية قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم القمر ليلة البدر سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضارون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروها فافعلوا أخرجه ابن بطة في "الإبانة" كما في "حادي الأرواح" لابن القيم (ص: 405 - 406).
(3)
عن عامر بن سعد أن أبا بكر الصديق صلى الله عليه وسلم قال: في هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} بزيادة، أيونى: 126 قال " الزيادة النظر إلى وجه وهم تبارك وتعالى" أخرج الأثر عبد الله بن أحمد في السنة رقم (47،471) وابن أبي عاصم في السنة رقم (474) واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (784) وغيرهم. وهو أثر صحيح.
(4)
لا خلاف بين أهل العلم أن عائشة رضي الله عنها إنما نفت الرؤية في الدنيا وقد اتق أهل السنة على أن أهل الجنة يرون رهم عيانا بغير إحاطة ولا كيفية وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والعقل وخالف في ذلك أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج الإمامية انظر فتح الباري (13/ 426) مجموع فتاوى (1/ 26)، (3/ 137) الاقتصاد في الاعتقاد (ص:41) التوحيد لابن حزيمة (1/ 406 - 476).
(5)
مكرر في المخطوط.
وقد تقدم تخريج حديث عمار (ص741).
(6)
أخرج اللالكائي في" شرح أصول اعتقاد أهل السنة" رقم (784) وعبد الله أبن أحمد في " السنة "رقم (278) وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (474) عن حذيفة في قول الله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [سورة يونس:26] قال: النظر إلى وجه الله عز وجل وفيه عنعنة أبي إسحاق
وعبد الله بن العباس (1)، وعبد الله بن عمرو بن العاص (2) وكعب بن عجرة (3)، وفضالة بن عبيد (4)، والزبير بن العوام (5)، ولقيط بن صبرة (6)، وعمر بن ثابت الأنصاري (7)، وعبد الله
(1) أخرج الأجري في كتاب " التصديق بالنظر إلى الله في الآخرة "(ص:65) رقم (44) عن عبد الله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنا أهل الجنة يزورون ربهم عز وجل في كل يوم جمعة في رمال الكافور، وأقرنهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة، وأبكرهم غدوا بإسناد ضعيف.
(2)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 8):- وفيه" .... فإذا كان يوم القيامة وتجلى لهم تعالى، ونظروا إلى وجهة الكريم قالوا: سبحانه ما عبدناك حق عبادتك "
(3)
أخرجه عبد الله بن احمد في السنة رقم (484) بإسناد ضعيف واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهلي السنة والجماعة رقم (781) عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [سورة يونس:26] قال: الزيادة: النظر إلى وجه رهم عز وجل.
(4)
أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (123) وابن أبي عاصم في السنة رقم (427) وأحمد (324/ 5) واللالكالي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة رقم (847) بإسناد صحيح.
عن أبي الدرداء أن فضالة بن عبيد كان يدعوا يقول: " اللهم أسالك الرضى بعد القضاء وبسرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لظنك في يخر ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ".
(5)
فلينظر من أخرجه.
(6)
أخرجه الحاكم في المستدرك (58614) وابن أبي عاصم في السنة رقم (636) والطبراني في الكبير (211/ 19) بإسناد ضعيف من حديث لقيط بن صبرة "
قال: قلت يا رسول الله كيف وهو شخص واحد، ونحن ملء الأرض ننظر إلية وينظر إليها قال: أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله: الشمس والقمر صغيران وترونها في ساعة واحدة وتريانكم ولا تضامون في رؤيتهما، ولعمري إلهك لهو على أن يراكم وترونه) قدر منهما على أن يريانكم وتروها
(7)
أخرجه مسلم في صحيحة (4/ 2245 رقم 169) قال ابن شهاب، أخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حذر الناس الدجال " أف مكتوب بين عينية كافر، يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن " وقال: " تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت
ابن بريدة (1)، وأبو برزة الأسلمي (2)، وأبو الدرداء (3)، وأبو ثعلبة الخشني (4)، وعبادة بن الصامت (5)، وأبي بن كعب (6). وعلى الجملة فإن أحاديث الرؤية مروية في جميع دواوين الإسلام من طرق كثيرة حتى رووه من طريق زيد بن على (7)، وفي الصحيحين منها ثلاثة عشر حديثا اتفقا منها على
(1) أخرجه عبد الله بن أحمد في السمة رقم (469) وفي سنده أبو خالد القرشي- عمرو بن خالد- متروك ورماه وكيع بالكذب مات بعد سنة 120 هـ.
انظر التقريب (2/ 69).
قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما منكم من أحد إلا سيخلو الله عز وجل به يوم القيامة ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان ".
(2)
لم أعثر عليه.
(3)
انظر حديث فضالة بن عبيد (ص 743).
(4)
لم أعثر عليه.
(5)
أخرجه أبو داود رقم (0 432) وأحمد (5/ 324) وابن أبي عاصم في السنة رقم (428) عن عبادة ابن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا فإن أشكل عليكم منه شيء فاعلموا أنه أعور وأن ربكم ليس بأعور وإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " وهو حديث صحيح.
(6)
أخرجه الدارقطني في الرؤية رقم (119) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة رقم (849).
(7)
أخرجه اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " رقم (852) بإسناد رآه. عن زيد ابن على عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم " يزور أهل الجنة الرب تبارك وتعالى في كل جمعة ". وذكر ما يعطون. قال ثم يقول تبارك وتعالى اكشفوا حجابا فيكشف حجاب ثم حجاب ثم يتجلى لهم تبارك وتعالى عن وجهه فكأنه لم يرو نعمة قبل ذلك وهو قوله تبارك وتعالى: {ولدينا مزيد}
ثمانية أحاديث وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بثلاثة أحاديث وقد استوفى [23] الحافظ النفيس العلوي اليمني (1) في كتابه (شرح الأربعين)(2) أحاديث الرؤية ورواها من طريق نحو خمسين صحابيا، وهكذا ابن القيم في "حادي الأرواح (3) وكلها مصرحة برؤية المؤمنين له يوم القيام فهلا خصصتم ها عموم الآية؟
وأجيب بأن هذه الأحاديث تتضمن الجبر والتشبيه فيجب القطع بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقلها وإن قالها فعلى جهة الحكاية عن قوم، والراوي حذف الحكاية ونقل الخبر، ودعوى التواتر ممنوعة، وقد اعترف بأنها أحاديثه جماعة من محققيكم من جملتهم شارح التجريد الكوسجى وغيره، وأيضا فإنها مخالفة لدليل العقل والنقل، وللآيات التي ذكرنا بعضها، وسنذكر بقيتها ولأن قوله ليس كمثله- شيء (4) يستلزم أنه سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار، لأنها لو أدركته لي الأشياء، ولو سلم ذلك لكان المراد بالرؤية المذكورة في الأحاديث العلم (5)، أي: ستعلمون ربكم والرؤية هذا مما نطق به
(1) هو محدث اليمن في وقته: سليمان بن إبراهيم بن عمر أبو ربيع التعزي الحنفي (ت هـ) الضوء اللامع (3/ 259) والبدر الطالع (1/ 265)
(2)
ذكر السخاوي أن الحافظ ابن حجر خرج له أربعين حديث وورطاها " الأربعين المهذبة " ولعله الجزء الذي جمعه منه الحافظ كما في " المجمع المؤسس ": (3/ 115)
(3)
(ص: 373).
(4)
[الشورى: 11]
(5)
قال القاضي عياض في "الإيمان من إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم (2/ 774) وتأولت المعتزلة أن معنى الرؤية هنا العلم وأن المؤمنين يعرفون الله يوم القيامة ضرورة وهذا خطأ لأن رؤية العلم تتعدى إلى مفعولين ورؤية العين إلى واحد .... ".
قال ابن تيميه في منهاج السنة (313/ 2): وأما الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين، كمالك والتوري والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي حنيفة وإلى يوسف وأمثال هؤلاء، وسائر أهل السنة والحديث والطوائف المنتسبين إلى السنة والجماعة كالكلايبة والأشعرية والسالية وغيرهم، فهؤلاء كلهم متفقون على إثبات الرؤية له تعالى، والأحاديث ها
القرآن وورد به كلام الفصحاء، قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} (1)، وقال:{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} (2) وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (3)، وقال:{} (4)، وقال الشاعر:
رأيت الله إذ سمي نزارا
…
وأسكنهم. بمكة قاطنينا
وقال حاتم (5):
أماوي إن يصح صداي بقفرة
…
من الأرض لا ماء لدي ولا خمر
ترى أن ما أنفقت لم يك ضرني
…
وأن يدي مما بخلت به صفر
وأيضا قد أسلفنا أن الرؤية المذكورة في الأحاديث مكيفة، وأنتم تقولون بلا كيف؟. قالوا هذه الأحاديث واردة مورد البشارة، وأي بشارة في أم يعلمون الله تعالى في
(1)[الفرقان: 45]
(2)
الأنبياء: 30
(3)
البقرة:246
(4)
التكاثر:6 - 7
(5)
أي حاتم الطائي
دار الآخرة 1241 ومعلوم أنه يعلمونه في دار الدنيا. "
وأجيب: بأن المبشر به هو العلم الضروري وهو غير حاصل في دار الدنيا، ومثله قوله تعالى {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} (1) فإن كل مؤمن بالوعد والوعيد شأنه الإيمان بالنار في الدنيا، قالوا: وأي فائدة في البشارة بالعلم الضروري أيضا؟.
وأجيب: بأنه موجب للاستراحة من مؤمنة النظر وتعب الفكر، قالوا: فيجب على هذا لاشتراك جميع العباد في ذلك من مؤمن وكافر لحصول العلم الضروري (2) هنالك لجميعهم.
وأجيب بأن المنافقين والكفار إذا علموا الله ضرورة لم يكن حالهم كحال المؤمنين لأن علم المؤمنين موجب لحصول البشارة، وعلم من عداهم موجب لحصول الكآبة والحسرة.
قالوا: أجمع على أن (رأى) إذا كان قلبيا اقتضى مفعولين (3)، ثانيهما عبارة عن الأول وإن كان بصريا فلا يقتضى إلا مفعولا واحدا، فإن جعل قوله "سترون ربكم كما ترون القمر (4) مفعولا مطلقا، أي: سترون ربكم رؤية مثل رؤية القمر، كان رؤية بصرية قطعا، لأنه متعد إلى مفعول واحد حينئذ ولا مجال لدعوى الحذف. وإن جعلناها قلبية فلا بد أن يكون كالقمر هو المفعول الثاني لعدم صلاحية (يوم القيامة وليلة البدر) لذلك ويلزمهم حينئذ الفساد لأن المقرر في النحو الثاني عبارة عن الأول محمول عليه حمل مواطأ فيكون معني الحديث: ستعلمون مثل القمر، والمثل. معني المماثل أي ستعلمون ربكم، مماثلا للقمر، وهو تشبيه بلا تجسيم صحيح، فإن المتماثلين هما المتشاركان في
(1) التكاثر:6.
(2)
انظر الإبانة (ص: 43 - 44).
(3)
انظر الإيمان من "إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم"(2/ 774).
(4)
تقدم آنفا.
النوع، وهو ظاهر البطلان بالضرورة والاتفاق، فبطل أن تكون الرؤية. معني العلم. وأجيب بأن [25] يلزم أولاً: من جعل القمر مفعولا مطلقا كما ذكرتم أن تكون هذه الرؤية من نوع رؤية القمر، وإذا تشاركا في النوع لم يتميز أحدهما من الآخر فيلزم الجهة والكيف، فانكي مطلوبكم، وإذا جعلنا الرؤية. معني العلم لم يلزم شيء من ذلك، وسواء كان المفعول الثاني محذوفا لأغني ذكر المفعول المطلق عنه أي المفهوم من قوله كالقمر، أو مذكورا هو نفس (كالقمر) وقوله لا مجال للدعوى باطل لتصريح فحول النحاة بجواز الحذف مع القرينة كابن مالك، وجار الله (1) في تفسير قوله تعالى:{لترون الجحيم} [التكاثر:6] وإنما أطلق بعض النحاة المنع، نظرا إلى أن أصل الكلام مبتدأ وخبر، لكنك قد علمت جواز حذف أحدهما مع القرينة، وشواهد الحذف مما لا ينكره من له متمسك بالفن، ولنقتصر في الكلام على هذه الآية على هذا المقدار وإن كان الكلام عليها من الجانبين في غاية الطول.
تنبيه: اعلم أن بعض القائلين بعدم جواز الرؤية جاء في دفع هذه الأحاديث الحط جاء ها المجوز بكلام ينادي على صاحبه بقصر الباء وحقارة الإطلاع.
فقال: إنه لم يرد في الرؤية إلا خبر واحد، وهو، سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر (2) وهو من رواية: قيس بن أبي حازم (3) عن جرير بن عبد الله
(1) أي الزمخشري في الكشاف (6/ 425).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
واسمه حصين بن عوف ويقال عوف بن عبد الحارث وبقال: عبد عوف بن الحارث بن عوف البجلي الأحمدي، أبو عبد الله الكوفي أدرك الجاهلية، ورحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه، فقبض وهو في الطريق وأدوه له صحبة.
قال الذهني أجمعوا على الاحتجاج به، ومن تكلم فيه فقد أذى نفسه. =
البجلي، وقيس مطعون فيه من جهة أنه كان يرى رأي الخوارج (1)، وأنه خولط في عقله آخر عمره، هذا معنى ما صرح به [السيد مانكديم](2) في شرح جامع الأصول الخمسة (3)، وتبعه جماعة، وهو باطل من جهات:
(الأولى): أن أحاديث الرؤية قد أسلفنا أنها أكثر من ثمانين حديثا عن أكثر من ثلاثين صحابيا، والقدح في حديث منها لا يستلزم [26] القدح في جميعها.
(الثانية): أن قيس بن أبي حازم وإن صح عنه رأي الخوارج (4) لم يوجب طرح رواية، لما تقرر من قبول رواية المبتدع فيما لا يقوي بدعته، كما روي ذلك عن جماعة من العلماء، حتى روى المنصور بالله (5) في "المهذب (6) و"الصفوة (7) الإجماع على
= وقال ابن معين: هو أوثق من الزهري. وقال مرة ثقة.
مات سنة سبع أو ثمان وتسعين وقيل مات في آخر خلافة سليمان.
انظر الإصابة رقم (7310). وتذهيب التهذيب (3/ 444 - 445).
(1)
انظر: المصادر السابقة.
(2)
هو قوام الدين مانكديم أحمد بن أبي الحسين بن أبي هاشم المعروف بششديو.
(3)
انظر مؤلفات الزيدية (2/ 136رقم 1883)
وهو في علم الكلام أوله " قال قاضى القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد رحمة الله في الشرح لسؤال الأصول الخمسة "
(4)
الأسلم النفي بـ[لا]
(5)
الإمام المنصور عبد الله بن حمزة الحسني اليمني [561 - 614 هـ] إمام مجتهد، مجاهد.
(6)
المهذب من الفتاوى " فتاوى الإمام المنصور عبد الله بن حمزة الحسني اليمني.
جمعها محمد بن أسعد بن علي بن إبراهيم المراد كما، فضم كل جنس إلى بابه وألحقه بنوعه.
(7)
صفوة الاختيار " للإمام المنصور عبد الله بن حمزة الحسين اليمني فصول في قواعد الأصول بشيء من التوسع تضم المهم من أقوال العلماء ويخص أصول الأئمة
قبول المبتدع فيما لا يقوي بدعته، وكذا الإمام يحي بن حمزة (1) في " الانتصار (2)، والقاضي زيد (3) في شرحه (4)، والشيخ أبو الحسن البصري في " المعتمد (5)، والشيخ الحسن الرصاص (6) في كتابه وحفيده ........................
(1) الإمام المؤيد بالله يحي بن حمزة بن على بن إبراهيم احد أعلام الفكر الإسلامي في اليمن إمام مجتهد ولد بصنعاء 271 صفر سنة 669 هـ توفي سنة 749 هـ له مصنفات منها- إكليل التاج وجوهرة الوهاج.
- الأزهار الصافية شرح مقدمة الكافية.
أعلام المؤلفين الزيدية (ص 1124 رقم 1193).
(2)
الانتصار الجامع لمذاهب علماء الأمصار في ثمانية عشر مجلدا، وهو في تقرير المختار من مذاهب الأئمة وأقاويل علماء الأمة في المباحث
الفقهية والمضطردات الشرعية وكان مشغولا به في سنوات (743 - 748).
مؤلفات الزيدية (42/ 11 رقم 433).
(3)
زيد بن محمد بن الحسن الكلاري نسبة إلى كلار من بلاد الجبل أحد علماء الزيدية في الجبل والديلم. أعلام المؤلفين الزيدية (ص: 449 رقم 438).
(4)
الجامع في تشرح وهو المعروف بشرح لتحرير وشرح لقاضى زيد لتحرير وشرحه للإمام أبي طالب الهروني وهو في معاني مجلدات أعلام المؤلفين الزيدية (ص 444)
(5)
(2/ 134)
(6)
ذكره ابن الوزير في الروض الباسم (482/ 2).
أحمد (1) في " الجوهرة (2) وعبد الله بين زيد في " الدار المنظومة (3) والحاكم (4) في "شرح العيون (5)، هكذا قال السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله.
(الثالثة): أن قيسا وإن خول (6) في آخره، فذلك غير موجب المقدح رواه من هذه الحيثية، إلا إذا علم أن ما رواه كان في آخر عمره.
وقد تنازع الفريقان في قول الله تعالى: حاكيا عن موسى عليه السلام: " {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143]، فقال المانع: هي من أدلة مذهبه، وقال المجوز: مثله. واحتج كل منهم بحجج سنورد بعضها.
(1) أحمد بن محمد الرصاص.
(2)
جوهرة الأصول " إلي هي مدرس الزيدية في هذه الأعصار ما لفظه: واختلفوا في قبول الفاسق من جهة التأويل، فذهب الفقهاء بأسرهم أنه يقبل خبره، وهو قول القاضي وأبي رشيد
…
"
(3)
ذكره ابن الوزير في العواصم (326/ 2). والروض الباسم (2/ 482)
(4)
الشيخ العلامة الحاكم أبي سعد المحسن بن محمد بن كرامة انظر " العواصم "(2/ 328).
(5)
حيث قال الفاسق من جهة التأويل يقبل خبره عند جماعة الفقهاء وهو قول القاسم البلخي، وقاضي القضاة وأبي رشيد. انظر:" العواصم"(3/ 328).
(6)
انظر تذيب التهذيب (3/ 445)
أما المجوز فقال: هي حجة له، على جواز الرؤية، واحتج على ذلك بوجهين:(الأول): أن موسى- عليه السلام سأل الرؤية ولو امتنع كونه تعالى مرئيا لما سأل، لأنه إن علم امتناعه، فالعاقل لا يطلب المحال، وإن جهله فالجاهل. مما لا يجوز على الله لا يجوز أن يكون نبيا.
(الثاني): أنه علق تعالى الرؤية على استقرار الجبل، واستقرار الجبل أمر ممكن عقلا، وما علق على الممكن ممكن، إذ لو كان ممتنعا لأمكن صدق اللازم بدون الملزوم وهو محال.
[27]
وأجيب عن هذين الوجهين من جهة المانع بوجوه (منها)، أن موسى- عليه السلام إنما سأل الرؤية بسبب قومه لا لنفسه، لأنه كان عالما بامتناعها، لكن قومه اقترحوا عليه وقالوا:(أرنا الله جهرة (1)، وإنما نسبه إلى نفسه في قوله:(أرني أنظر إليك)(1)، ليمنع عن الرؤية، فيعلم قومه امتناعها بالنسبة إليهم بالطريق الأولى، وفيه مبالغة لقطع دابر اقتراحهم، وفي أخذ الصاعقة لهم دليل على امتناع المسئول وهذا تأويل الجاحظ (2) وأتباعه (3) ا لزمخشري (4). ودفعه المجوز: بأن ذلك خلاف الظاهر، حيث لم يقل ننظر إليك فلابد له من دليل، ومع ذلك لا يستقيم، لأن موسى، لو كان بينهم لكفاه أن يقول: هذا ممتنع، بل كان ذلك هو الواجب عليه، لا تأخير الرد، وتقرير الباطل لا يجوز على مثله، ولأن موسى أيضًا زجرهم وردعهم لما قالوا:{أرنا الله جهرة} (5)، وعن السؤال، بأخذ
(1) الأعراف: 143
(2)
تقدمت ترجمته
(3)
كذا في المخطوط وصوابه واتبعه
(4)
في الكشاف (1/ 270 - 271)
(5)
النساء:153
الصاعقة، فلم يحتج موسى إلى زجرهم إلى سؤال الرؤية وإضافتها إلى نفسه، وليس في اخذ الصاعقة دلاله على امتناع المسئول، لجواز أن يكون الأخذ لقصد إعجاز موسى عن الإتيان. مم طلبوه تعنتا مع كونه ممكنا، فأنكر الله ذلك عليهم كما أنكر قولهم:{لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} (1) وقولهم: {فأسقط علينا كسفا من السماء} (2) بسبب التعنت وإن كان المسئول أمرا ممكنا في نفسه، فأظهر الله عليهم ما يدل على صدقه لقصد الإعجاز والردع.
قال المانع: أما قولكم إن ذلك خلاف الظاهر، فلا يقوله إلا مكابر، فإن قول موسى- عليه السلام:{أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} (3)، قوله:{فقد سألوا موسى أكبر من ذالك} (4) وقوله- حاكيا عنهم-: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهره} (5) قد بلغ في الظهور إلى الغاية. وأما قولكم حيث لم يقل " ينظرون
(1) الإسراء: 90
(2)
الشعراء: 187
(3)
الأعراف: 155
(4)
النساء:153
(5)
البقرة: 55
[28]
إليك " فمندفع. مما في الكشاف (1)، حيث قال: " فإن قلت هلا قال " أرهم ينظرون إليك "، قلت لأن الله سبحانه إنما كلم موسى- عليه السلام فلما جمعوا كلام رب العزة، أرادوا أن يرى موسى ذاته، فيبصروه معه كما أجمعهم كلامه، إرادة مبنية على قياس فاسد فلذلك قال موسى:{أرنا أنظر إليك} (2) ولأنه [إنما](3) زجر عما طلب وأنكر عليه في ثبوته واختصاصه ولفته عند الله. وقيل: لن يكون ذلك (4) كان غيره أولى {} بالإنكار ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم إمام أمته، فكان ما يخاطب به راجعا إليهم. وقوله: أنظر إليك، وما فيه من معي المقابلة الذي هي محض التشبيه والتجسيم دليل أنه ترجعه عن مقترحهم وحكاية لقولهم " إلى آخر كلامه وأما قولكم:" لو كان موسى مصدقا بينهم ".
فجوابه: أفم كانوا على عظيم من اللجاج، أو ليسوا هم القائلين أنزل علينا مائدة والمجيبين عليه حيث قال لهم:{اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (5)، بقولهم:{نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} (6) والمجيبين عليه بقولهم: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (7) الآيات. أن مجرد كونه مصدقا لا يكف في ردعهم. وهذا لا تعلم
…
(1)(2/ 503)
(2)
سورة الأعراف: 143
(3)
في المخطوط [أ، ب] إذا والصواب ما أثبتناه.
(4)
العبارة غير واضحة ولعلها " إذا لم يكن ذلك
(5)
[المائدة: 112]
(6)
المائدة:113
(7)
البقرة:67
وأما قولكم: وليس في أخذ الصاعقة الخ. فباطل، إذ ما ساقه الله تعالى من حكايتهم، دال على أفم قد فهموا أن هذه الصاعقة بسبب الرؤية إلى اقترحتموها وترجم موسى عن مقترحهم، وحصل عندهم علم ضروري بذلك، كيف وقد قال الله تعالى:{فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (1) وقد عرفتم أنه ليس هناك إلا صاعقة واحدة، وسؤال واحد وإنما حكاه الله تعالى في مقامين كما حكا غيره من قصص الأنبياء في مواضع، ثم قوله تعالى:{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} (2)، دليل واضح على أن الظلم هو سؤال رؤية رب العزة.
وأما قولكم: " فأنكر الله ذلك عليهم ". ففاسد. ولو كان الإنكار عليهم ليس إلا من هذه الحيثية لما كان لوصف سؤالهم كونه جهرة معي يعتد به.
(ومنها) أن موسى، لم يسأل الرؤية، بل تجوز ها عن العلم الضروري لأنه لازمها، وإطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع، فكأنه قال: اجعلني عالما بك علما ضروريا، وهذا تأويل أبي الهزيل العلاف (3)، وتبعه فيه الجبائي (4) وأكثر البصريين.
وأجيب: بأن الرؤية المطلوبة في " أرنا " لو كانت. معي العلم لكان النظر المترتب عليها. بمعناه أيضا، واستعمال النظر المعدي بإلى بمعنى العلم إن ثبت مخالف للظاهر، فلا يجوز إلا بدليل ولا دليل، فوجب حمله على الرؤية البصرية.
ومما يدل على امتناع حملها على العلم هاهنا استلزام السؤال ألا يكون موسى عالما
(1)[البقرة:55]
(2)
النساء:153
(3)
هو أبو الهزيل محمد بن الهزيل بن عبد الله، البصري العلاف شيخ المعتزلة أخذ الاعتزال عن عثمان ابن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، واختلف في وفاته فقيل سنة 266 هـ وقيل 235 هـ. وله فضائح كثيرة فيما أحدثه من البدع انظر: الملل والنحل (1/ 64) شذرات الذهب (2/ 85).
(4)
تقدمت ترجته (264).
بربه ضرورة مع أنه يخاطبه وذلك لا يعقل لأن المخاطب في حكم الحاضر المشاهد. والجواب ب " لن تراني " وهو لنفى الرؤية البصرية لا العلم، بإجماع المنكرين، ولهذا جعلوه دليلا لهم، ومطابقة الجواب للسؤال لازمة.
ودفعه المانع بقوله: أما قولكم: واستعمال النظر المعدي بإلى. الخ نحن نسلم أكثريته في البصري، ولا مانع من استعمال الشيء في القليل، لا سيما مع قيام الدليل المانع من استعماله في الأكثر، وهو ما حررناه سابقا من الدليل العقلي على امتناع الرؤية فكيف قلتم: ولا دليل على أن الأكثرية. ممجردها غير كافيه في دعوى النص على المطلوب، وقولكم يلزم ألا يكون موسى عالما بربه
…
الخ. مبثت على عدم تفاوت مراتب الضروري [30] قوة وضعفا، ومعلوم أن المحسوس بالنظر أقوى من المعلوم بحاسة السمع. وأما قولكم: والجواب على تراني
…
الخ ".
فجوابه: ما ذكره العلامة في الكشاف (1): من قوله: " وتفسير آخر وهو أن يريد بقوله: {أرنا أنظر إليك}، عرفني نفسك تعريفا واضحا جليا كأنه رآه في جلائها بأية مثل آيات القيامة التي تضطر الخلق إلى معرفتك: أنظر إليك: أعرفك معرفة اضطرار وكأني أنظر إليك، كما جاء في الحديث: " سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر " (2) يعني: ستعرفونه معرفة جلية هي في الجلاء، كإبصاركم القمر إذا امتلأ واستوى، قال: " لن تراني " لن تطيق معرفتي على هذه الطريقة
…
" إلى آخر كلامه.
وكون هذا التأويل خلاف الظاهر غير مضر، لأن العدول عن الظاهر لقيام الدليل على خلافه، وليس في هذا التأويل من مخالفة الظاهر ما في تأويل الرازي (3) لقوله:{لا تدركه الأبصار} (4)
(1) الكشاف (2/ 501 - 504)
(2)
تقدم تخريجه في هذه الرسالة
(3)
انظر التفسير الكبير (13/ 25 - 126)
(4)
الأنعام: 103
حيث قال لا تدركه العقول كما سلف.
(ومنها): أن موسى عليه السلام، سأل الرؤية لنفسه وإن علم استحالتها بالعقل ليتأكد دليل العقل بدليل السمع، فيتقوى علمه بتلك الاستحالة.
وأجيب بأن موسى- عليه السلام كان يمكنه طلب التأكيد من غير ارتكاب سؤال ما هو محال، ودفع: بأن السؤال لم يكن في الحقيقة طلبا للمحال بل كان طلبا لإظهار ما يردع بعض الأوهام عن الضلالي ولاستفادة ما لم يخطر له على بال ويظهر لقومه امتناع رؤية الكبير المتعال. فرسخ الأمر عندهم كرسوخ الجبال. كما قال من قال: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} (1) وقال: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} (2) مع إمكان غير [31] المطالبة لهم بسؤالهم لكونها أنفع وأقطع.
وإلى هنا انتهت الوجوه المعترض على الوجه الأول.
واعترض على الوجه الثاني باعتراضات أحسنها أنه علق الرؤية على استقرار الجبل، إما حال سكونه أو حال حركته، الأول ممنوع والثاني مسم.
بيانه: أنه علق وجود الرؤية (3) عليه حال سكونه للزوم وجود الرؤية بحصول الشرط الذي هو الاستقرار وهو باطل، فإذن قد يقال إنه علقه عليه حال حركته، ولا خفاء في أن الاستقرار حال الحركة محال، فيكون تعليق الرؤية عليه تعليقا بالمحال فلا يدل على إمكان المعلق بل على استحالته.
وأجيب: بأنه علقه عليه من حتى هو من غير قيد نشط، والراجح عين المرجع فيكون مطلقا عن القيد أيضًا وإلا لزم الإضمار في الكلام وهو خلاف الأصل الذي لا
(1) البقرة:260
(2)
الأنبياء:63
(3)
انظر: التفسير الكبير للرازي (14/ 231 - 232)
يصار إليه إلا بدليل، ولا دليل. ولا شك أن استقرار الجبل من حيث هو ممكن.
ودفع بأن التعليق على استقرار الجبل من حيث هو لا مانع له إذ الواقع في الخارج لا يكون مطلقا إنما يكون مقيدا، والتعليق ليس على ما يقع في الخارج- أعي: المعلق المعقول من دون قيد حركة ولا سكون- وعلى الجملة فإن التعليق في ظاهر الأمر بادئ بدء تعليق على ممكن، لكن عدم استقرار الجبل كشف عن كون التعليق على غير ممكن.
فمن نظر إلى انه علق على ممكن كصاحب الغايات فقد نظر إلى بادي الأمر، ومن نظر إلى عاقبة الأمر وقال المانع: هي- أعني قوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} (1) في دالة على عدم وقوع الرؤية في جميع الأزمان لوجهين
[32]
: (الأول): أن لن لتأبيد النفط وتأكيده كما صرح بذلك الزمخشري في مؤلفاته، نص على التأبيد في النموذج (2) والتأكيد في كشافه (3) ومفصله قال المحلى في " شرحه على جمع الجوامع ": وقد نقل التأبيد عن غير الزمخشري ووافقه في التأكيد كثير، حتى قال بعضهم: إن منعه مكابرة، انتهى.
وقد ذكره السيوطي على هذا في الإتقان (4) ناقلا عن بعضهم وحكى موافقة ابن عطية (5) على التأييد.
وأجيب عن ذلك. مما ذكره ابن مالك (6) من أنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها
(1) الأعراف:143
(2)
ذكره صاحب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (1/ 284).
(3)
(502/ 2 - 504).
(4)
(551/ 1 - 552)
(5)
ذكره السيوطي في الإتقان (1/ 552).
(6)
في شرح الكافية الشافية لا بن مالك (1515/ 3) حيث يقول ابن مالك في الكافية وقال محمد محي الدين عبد الحميد في عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك (4/ 136 - 137) التعليقة رقم (2).
ادعى جار الله الزمخشري دعويين كل منهما غير مسلمة له.
أما الدعوى الأولى فذكرها في كتابه الأنموذج، وحاصلها أن لن تدل بحسب وضعها على تأبيد النفي، وأنه لا غاية له ينتهي بليها، وعلى قوله: هذا يبطل تقسيمنا نفى لن إلى الضربين اللذين ذكرناهما وهما نفى له غاية ينتهي إليها- ونفي لن مستمرا إلى غير غاية- ويكون نفى نوعا واحدا، رقد استدل لما ذهب إليه بنحو قوله تعالى:{لن يخلقوا ذبابا} .
ولا صحة لما ادعاه، ولا دليل له فيما استدل به، فأما عدم صحة دعواه فيدل له ثلاثة أمور:
أولاً: أن لن لو كانت دالة على تأبيد النفط في كل مثال ترد فيه لكان ذكر طر00ف دال على
وقت معين معها تناقضا وقد ذكر القران الكريم لفظ (اليوم) معها في قوله: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} إذ كيف ينتفي تكليمها إنسيا نفيا مستمرا لا إلى غاية ثم يقيد ذلك بقوله اليوم في أفصح كلام وأبعده عن التناقض والاختلاف.
الوجه الثاني: أن لن لو كانت تدل كلما ذكرت على تأبيد النفي لكان ذكر لفظ (أبدا) معها تكرار لأن المفروض أنه مستفاد منها، وقد ورد ذكر أبدأ معها في القرآن في نحو قوله تعالى:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} والقرآن مصون عن التكرار.
الوجه الثالث: أنها لو كانت دالة على تأبيد النفي لم يصح أن يذكر معها ما يدل على انتهاله نحو ما ذكرنا من قوله تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} وقوله جلت كلمته: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} وأما استدلاله على أنها تدل على تأبيد النفط بقوله تعالى نم لن يخلقوا ذبابا " فغير صحيح، لأن الدلالة على استمرار عجزهم عن خلق الذباب لم تدل عليه لن، وإنما يدل عليه دليل عقلي كما قلناه في أول كلامنا، وكلامه في دلالة لن وضعا، ولئن سلمنا جدلا دلالتها على تأبيد النفي في هذه الآية. معونة العقل فأنا لا نسلم أنها في كل تعبير ترد فيه تدل على تأبيد النفط فبطلت دعواه ولم يسلم له استدلاله وأما دعواه الثانية فإنه ذكر في الكشاف في تفسير قوله تعالى لموسى:{لن تراني} أن لن
باليوم في {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} (1) و لم يصح التوقيت في {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} (2) ولكان ذكر الأبد في {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} (3) تكرارا إذ الأصل عدمه، ودفع بأن التقييد المذكور من أقوى الأدلة على أنها للتأبيد، فانعكس مطلوبكم وأما ذكره التأبيد في قوله تعالى:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} (4) فهو تأييد لا تأسيس وإلا لزم أن يكون قيدا فيتوجه النفط إليه على ما هو الأكثر في الاستعمال فيفسد المعني، ولا يقدح في ذلك مخالفة التأكيد للأصل في العربية.
(والثاني) أن الرؤية علقت على أمر لا يكون، ولا يمكن من استقرار الجبل مكانه حين تدكدكه، أي حصول التدكدك والاستقرار معا، وإلا لم يبق لما في الآية- من التعليق وذكر التدكدك- وجه. ومعلوم أن ذلك ليس إلا بيان امتناع وقوع المعلق عليه لا بيان لإمكانه، ولأن المراد الاستقرار بدل التدكدك في زمانه، وعلى فرض التسليم فلا نسلم المقدمة المقابلة أن ما علق على الممكن ممكن أو لا نسلم كليتها، والسند ما سلف. وقد سبقت الإشارة إلى مثل هذا الكلام في جواب المانع على المجوز [33] عند استدلاله هذه الآية على مذهبه وسبق دفع ذلك (5) ودفع الدفع فراجعه.
(1) مريم: 26
(2)
طه:91
(3)
البقرة:95
(4)
البقرة:95
(5)
قال صاحب العقيدة الطحاوية (ص: 206 - 208) تعليقا على الآية {لن تراني} الأعراف:143 في الاستدلال منها على ثبوت رؤيته سبحانه تعالى من وجوه
1/ أنه لا يظن بكليم الله ورسوله وأعلم الناس بربه في وقته أن يسأل مالا يجوز عليه، بل هو عندهم من أعظم المحال.
2/ أن الله لم ينكر عليه سؤاله، ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر سؤاله وقال سبحانه:{إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} هود: 146
3/ أنه تعالى قال: {لن تراني} ولم يقل: إني لا أرى، أو لا تجوز رؤيتي أو لست. مرئي والفرق بين الجوابين ظاهر.
وهذا يدل على أن الله سبحانه مرئي، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوى
البشر فيها عن رؤيته سبحانه وتعالى.
4/ ويوضح ما تقدم قوله تعالى: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} الأعراف: 143.
فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلط في هذه الدار، فكيف بالبشر الذي خلق من أن الله سبحانه قادر على أن يجعل الجبل مستقرا، وذلك ممكن، وقد علق به الرؤية، ولو كان محالا لكان نظير أن يقول: إن استقر الجبل فسوف احمل وأشرب وأنام. والكل عندهم سواء.
6/ وقوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} الأعراف: 143.
فإذا جاز أن يتجلى للجبل، الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسوله وأوليائه في دار كرامته؟ ولكن الله أعلم موسى أن الجبل إذا لم بثبت لرؤيته في هذه الدار، فالبشر أضعف.
7/أن الله كلم موسى ناداه وناجاه، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبه كلامه بغر واسطة- فرؤيته أولى بالجواز، ولهذا لا يتم إنكار رؤيته إلا بإنكار كلامه وقد جمعوا- المعتزلة- بينهما، وانظر: تلبيس الجهمية لابن تيمية (358/ 359) الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (ص: 68).
ومن أدلة المانعين ما قالته عائشة كما ثبت ذلك في " الصحيح (1) عنها لما سمعت من
(1) أخرجه البخاري في صحيحة رقم (4855) - والفظ له- ومسلم في صحيحة رقم (287/ 177) من حديث مسروق.
ذكر الرؤية كما لقد قف شعري وقالت مرة أخرى (1) من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ".
وأجيب: بأن احتجاج عائشة بذلك على من زعم أن محمدا رأى ربه ليلة المعراج. ومحل النزاع رؤيته في الآخرة، على أن عائشة كانت إذ ذاك في أوان ولادتها، وقد ألفها جماعة من الصحابة، وقد جزم النووي (2) وغيره بأن عائشة لم تنفي الرؤية بحديث مرفوع، إنما اعتمدت على الاستنباط على ما ذكرت من ظاهر الآية (3) وقد ذكر ابن حجر (4) عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قيل له ما تقول في قول عائشة من زعم أن محمدا رأى، فقد أعظم على الله الفريلي" بم تدفع قولها، قال: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " رأيت ربي (5) وقول النبي صلى الله عليه وسلم أكبر.
ودفع بأنه عائشة رض الله عنها إن لم تعلم ذلك من قبيل المشاهدة فقد علمته من قبيل الرواية الصحيحة عن بعض نسائه، وإن جزم النووي بذلك يخالف ما في صحيح مسلم الذي شرحه (6) بنفسه، من طريق داود بن هند عن الشج عن مسروق، أنه قال لها- أي عائشة- لم أنكرت الرؤية؟ أ لم يقل الله} وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى & (7) فقالت (8): أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله ع! عن ذلك، فقال: " إنما هو
(1) أخرجه البخاري في صحيحة رقم (4855) ومسلم في صحيحة رقم (287/ 177) واللفظ له.
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (3/ 5).
(3)
قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} الأنعام: 103 وقوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا} الشورى: 151
{.
(4)
في فتح الباري (8/ 607) حيث قال روى الخلال في كتاب " السنة " عن المروزي
(5)
أخرجه مسلم رقم (177/ 287).
(6)
أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (9 - 513).
(7)
النجم:13
(8)
أخرجه البخاري رقم (4855) ومسلم رقم (177/ 287).
جبريل، أو هذا جبريل " وهذا خبر مرفوع وبأن المخالف لها من الصحابة ليس إلا ابن عباس (1)، وقد قال بقولها ابن [34] مسعود (2) وأبو ذر الغفاري (3)، كيف وقد أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " نور إني أراه
…
الخ"، كما في رواية مسلم (4)، وبقوله: " قد رأيت نورا، كما في رواية أحمد وبقوله كل: رآه بقلبه ولم يره بعينه كما في رواية ابن خزيمة (5) عنه.
قالوا: سلمنا جميع ذلك، وليس فيه إلا نفى الرؤية ليلة المعراج فمن أين يدل على النفط الأبدي، على أنكم لا ترضون بقوله صلى الله عليه وسلم:" نور أني أراه ". بل تؤولونه باستفهام الإنكار فتقولون: أنور هو؟ كيف! أراه، كما صرح بذلك محققكم السيد مانكديم (7) في " شرح الأصول الخمسة ".
ومن أدلة المانعين ما أورد السيد أمانكدمم (6) سابقا في " شرح الأصول " عن جابر ابن عبد الله (7) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:" لن يرى الله أحد في الدنيا والآخرة ".
(1) فقد روي عنه من طرق لا تحصى كثرة قال: رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه فقد أخرج مسلم في صحيحة رقم (176/ 284) والترمذي في السنن رقم (3281) وابن أبي عاصم في " السنة " رقم (439) وهو حديث صحيح.
عن عطاء عن ابن عباس قال رآه بقلبه وأخرج مسلم في صحيحة رقم (176/ 285) عن ابن عباس قال ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى قال رآه بفؤاده مرتين.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحة رقم (174/ 280) وأحمد (1/ 460) بسند صحيح
(3)
أخرجه مسلم في صحيحة رقم (178) وابن خزيمة في " التوحيد " رقم (305) وهو حديث صحيح. (4): في صحيحة رقم (178).
(4)
في المسند (5/ 157،171،175) من طرق.
(5)
في " التوحيد " (516/ 2 رقم
…
) بسند صحيح.
(6)
في المخطوط [أ. ب] ما نكدم والصواب ما أثبتناه من مؤلفات الزيدية (2/ 136) وهو قوام الدين مانكديم أحمد بن أبي الحسين بن أبي هاشم المعروف بششديو.
(7)
خبر باطل ليس له وجود في دواوين الإسلام.
وما روي عن على (1) رض الله عنه وقد قيل: هل رأيت ربك؟ قال: " ما كنت أعبد شيئا لم أره، فقيل كيف رأيت؟ فقال: لم تره الأبصار. مشاهدة العيان، لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، موصوف بالدلالات، معروف بالآيات، هو الله الذي لا إله إلا هو الحط القيوم ".
وأجيب عن ذلك بأن الخبر مما لا وجود له في دواوين الإسلام ولا فيما يلتحق ها ولا أصل له في الصحة والأثر عن علي عليه السلام ولا يدل على المطلوب، وغاية ما فيه نفط (2) الرؤية في الدنيا بشهادة لم القابلة لمعنى المستقبل إلى المضي كما عرف في موضعه،
(1) أثر باطل ليس له وجود في دواوين الإسلام
(2)
هذه المسألة- رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه- وقع الخلاف فيها قديما وحديثا.
القول الأول: ذهب قوم إلى إنكارها وأن النبي صلى الله عليه وسلم ربه، ومن هؤلاء. عائشة وابن مسعود وأبو هريرة.
أخرج البخاري في صحيحة رقم (8855) ومسلم رقم (177) عن عائشة رضي الله عنها قالت: " ثلاث من حدثك هن فقد كذب، من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب
…
" واللفظ للبخاري. القول الثاني: إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه، وهذا قول ابن عباس وأنس وإليه ذهب عكرمة والحسنى، والربيع بن سليمان، وابن خزيمة والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وأبو إسماعيل الهروي وكعب الأحبار والزهري، وعروة بن الزبر، ومعمر- وهو قول الأشعري وغالب أتباعه ورجحه النووي.
القول الثالث: التوقف في المسألة ذكره القاضي عياض حيث قال: ووقف بعض مشايخنا في هذا وقال: ليس عليه دليل واضح لكنه جائز
.. " وقال القرطي في المفهم (1/ 402): " والوقف في هذه المسألة أرجح وذكر أنه ليس في الباب دليل قاطع وغاية ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل، قال وليست المسألة من العمليات فيكتفي فيها بالأدلة الطيه، وإنما هي من المعتقدات فلا يكتفي فيها إلا بالدليل القطعي.
القول الراجح:- قال ابن حجر في الفتح (8/ 608) وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفى عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب. ثم المراد برؤية الفوائد روية القلب لا مجرد حصول العلم، لأنه كان عالما بالله على الدوام. بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه
وإلى هنا انتهت أدلة المانع النقلية.
أدلة القائلين بالرؤية
وأما المجوز فاستدل بأدلة (منها) ما سبق من الأحاديث الكثيرة التي قال الإمام العلامة محمد بن إبراهيم الوزير (1) متواترة وتابعه على وصفها بالتواتر العلامة الأسيوطي (2) وقد ذكرنا أنها رويت من طريق ثلاثين صحابيا وأن متونها تزيد على ثمانين حديثا ومنها قوله تعالى: {رب أرني أنظر إليك} (3) الآية وقد سلف الكلام على ذلك.
ومنها قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (4) والنظر معنى الرؤية والإبصار، لا سيما مع اقترانه بالوجوه. والآية قد دلت على الوقوع فرع الجواز والصحة فه! دليل على الصحة بلا شبهة.
(1) في الروض الباسم (1/ 182 - 183)
(2)
في البدور السافرة في أمور الآخرة (ص: 477 - 491)
(3)
الأعراف: 143
(4)
القيامة: 22 - 23
تمنعون أن يكون النظر إلى الله في جهة مع الجهات، وقلتم إنه لا يستلزم إثبات الكيف والجهة أصلا، فلا بد لكم من تأويل النظر إليه تعالى بالنظر إلى جهته في العرف، وهي الجهة المعلومة إلى يلتفت إليها عند الرجوع إليه تعالى كما تقتضيه العادة والفطرة، وهي التي يترقب فيها نزول الرحمة والفيض، فيكون المعنى أن النظر حينئذ ينتهي إلى جهة رحمته ومكان ملائكته وحملة عرشه "، فلا يصح أن يكون المعنى أن النظر ينتهي إليه تعالى فإن ذلك باطل محال قطعا وإجماعا. فالآية على هذا حجة عليكم لا لكم، وقد اعترف سعد الدين وكيره من الأشاعرة بأنها لا تفيد القطع ولا تنفي الاحتمال، ودفع بأن هذا لا يستلزم الحذف، وهو خلاف الأصل، ودعوى المحالية مصادرة على المطلوب، وقد شهد. مما قلناه الحديث (1) الصحيح الذي رواه ابن عمر رض الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعمه وخدمه [36] وسرره مسيرة ألفي سنة. وأكرم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (2) رواه الإمام أخض (3) والترمذي (4) وابن أبي شيبة (5) وعبد بن حميد (6) واللالكائي في السنة (7) وابن جرير (8)
(1) بل هو حديث ضعيف
(2)
القيامة:22 - 23
(3)
في المسند (13/ 2،64).
(4)
في السنن رقم (2553).
(5)
في المصنف (13/ 111 رقم 15847).
(6)
في المنتخب رقم (817) ط: دار الأرقم.
(7)
في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " رقم (866)
(8)
في جامع البيان (14/ج: 29/ 193).
وابن المنذر (1) والدارقطني في الرؤية (2)، والحاكم (3) وابن مردويه (4) والبيهقى لم، وهذا نمى في أن النظر. معي الرؤية والإبصار.
قال المانع: العدول عن الأصل لازم لا محالة إذا لم يقر محذوف ضرورة أن " إلى "
لا تكون حينئذ للانتهاء الذي هو الأصل في وضعها، بل لا بد من التجوز فيها مع أنكم قد عرفتم أن المطرزي والسكاكي (5) والقزويي والسعد التفتازاني (6) وغيرهم قائلون بأن الحذف (8) إذا لم يتغير به الحكم الإعراب لا يكون من المجاز في شيء، فلا يكون الذهاب
(1) عزاه إليه السيوطي في الدر المنثور (8/ 350).
(2)
(190،191).
(3)
في المستدرك (2/ 559 - 510).
(4)
عزاه بليه السيوطي في الدر المنثور (8/ 350)
(5)
في البعث والنشور (ص: 251 - 252 رقم 432)
(6)
قال الحاكم: " حديث مفسر في الرد على المبتدعة، وثوير، وإن لم يخرجاه فلم ينقم عليه غير التشيع
إليه عدولا عن الأصل، والحديث ليس فيه زيادة على ما في الآية أصلا، وقد عرفتم ما فيها، والآية الكريمة فيها مقابلة بين الوجوه الناضرة والوجوه الباسرة، فمقابل الناضرة هي الباسرة الظانة أن يفعل ها فاقرة، ومقتضى هذه المقابلة أن يكون نظرها إلى ربها. معنى الرجاء ليقابل الخوف الذي هو معنى الظن، وجعله. معني الرجاء مجاز مشهور، ولهذا أسمى به العلامة في الكشاف (1) وشيء آخر وهو أن النظر لفظه مشترك بين [37] معان (2) خمسة: تقليب الحدقة،
(1)(6/ 270 - 271).
(2)
قال ابن الجوزي في نزهة الأعين النواظر (ص: 587).
النظر: قي الأصل: إدراك المنظور إليه بالعين ويسمى ما يقع به النظر من العين: الناظر- وقد يستعار في مواضع تدل عليها القرينة. ويقال: نظرت فلانا:. معني انتظرته. ونظرته: أخرته.
والنظرة: التأخير. والنظير: المثل: وهو الذي إذا نظر إليه وإلى نظيره كانا سواء.
وقيل النظر على وجوه:- ا/ الإدراك بحاسة البصر.
2/.معنى الانتظار.
3/.معنى الرحمة.
4/.معنى المقابلة والمحاذاة يقال: دورهم تتناظر، أي تتقابل.
5/. معنى الفكرة في حقائق الأشياء لاستخراج الحكم.
وذكر أهل التفسير أن النظر في القران على أربعة أوجه:-
أحاط: الرؤية والمشاهدة ومنه قوله تعالى: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23]
الثاني: الانتظار: ومنه قوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35]{وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [ص: 15]
الثالث: التفكر والاعتبار ومنه قوله تعالى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ} [الأنعام:99]{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]
والانتظار، والفكر، والرحمة، والتقابل، قال النجري (1) في " شرح القلائد " هكذا قال أصحابنا واحتجوا على كل من هذه المعاني بشيء من كلام العرب. واختار الإمام المهدي أنه مشترك بين الثلاثة الأول فقط، وأما الأخيران فإنما يستعمل فيهما على سبيل التجوز، فحمل النظر في الآية الكريمة على الرؤية حمل على المجاز إذ ليس الرؤية من معانيه، وحمله على الانتظار حمل على الحقيقة، وحمل كلام الله على الحقيقة مهما أمكن هو الأولى، فيحمل النظر حينئذ على انتظار ثوابه، وهذا التأويل مروي عن على لمحبه ومجاهد والحسن البصري وغيرهم (2) انتهى.
قال في " شرح الأصول"(3) والنظر. معنى الانتظار قد ورد، قال تعالى:{فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (4) وقال حاكيا عن بلقيس: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35] أي منتظرة، وقال الشاعر (5):
فإن يكون صدر هذا اليوم ولى
…
فإن غدا لناظره قريب
وقال آخر (6):
(1) هو عبد الله بن محمد بن أبي القاسم بن علي الزيدي العبسي المعروف بالنجري فقيه زيدي. نسبه إلى نجرة من قرى عبس حجة باليمن. البدر الطالع (1/ 397)
(2)
أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(14/ 29\ 191 - 192)
(3)
للقاضي عبد الجبار (ص: 242).
(4)
البقرة:280
(5)
نسبه القاضي في الشرح (ص: 44) إلى المثقب العبدي أو الممزق.
والمثقب: هو عائذ بن محصن بن ثعلبة.
والممزق: شأس بن فار بن الأسود.
طبقات فحول الشعراء (ص: 271 - 272) جامعة الإمام.
(6)
قال فخر الدين الرازي: إنه موضوع والرواية الصحيحة.
نراه على قرب وإن قرب المدى
…
... بأعين آمال إليك نواظر [38]
وقال آخر (1):
وجوه يوم بدر ناظرات
…
إلى الرحمن يأتي بالخلاص
وقال الخليل: " إنما أنظر إلى الله وإلى فلان من بين الخلائق، أي أنظر خيره وخر فلان " وجعل في الأساس من ذلك قوله تعالى حاكيا عن الأشقياء: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} (2) أي انتظرونا، وقوله تعالى:{وَقُولُوا انْظُرْنَا} (3) أي انتظرنا.
قال المجوز: إذا لم يكفكم الآجال في وجه الاحتجاج بالآية، فاسمعوا على التفصيل لينزاح عنكم الإشكال وينحل عن قلوبكم عقد هذا الإعضال.
فنقول: النظر في اللغة (4) جاء. معنى الانتظار، ويستعمل بغير صلة بل يتعدى بنفسه قال تعالى:{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} (4) أي: انتظرونا، وقال:{وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} (5) أي ما ينتظرون، ومعنى قوله:{فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (6)
(1) انظر التعليقة السابقة
(2)
الحديد:13
(3)
البقرة:104
(4)
الحديد:13
(5)
ص:15
(6)
النمل:35
أي منتظرة (1)، وكذا قول الشاعر (2):
فإن غدا لناظره قريب
وجاء. معنى التفكر (3) والاعتبار، ويستعمل حينئذ بفي يقال نظرت في الأمر الفلاني أي: تفكرت، وجاء. معنى الرأفة والتعطف، ويستعمل حينئذ باللام، يقال: نظر الأمور [39] لفلان أي رأف به وتعطف، وجاء. معنى الرؤية ويستعمل بإلى قال الشاعر (4):
نظرت إلى من أحسن الله وجهه
…
فيا نظرة كادت على وامق تقضي (5)
والنظر في الآية موصول "بإلى"(6) مقرون بالوجوه فوجب حمله على الرؤية فتكون واقعة في ذلك اليوم، وهو فرع الصحة فاستشهادكم. مما هو متعد بنفسه خارج عن محل
(1) الخلاصة: ليس قول من قال إن (ناظرة). معنى منتظرة. مستقيم لأن نظرة إذا كانت. معنى الأنظار لا يدخل عليها حرف الغاية.
يقال: نظرت فلافا أي أنظرته، ولا يقال نظرت إليه وقول من قال من- غلاة المعتزلة- إن (إلى) هنا اسم. معنى النعمة وهو واحد، أي: منتظرة نعمة رها ليس. مستقيم أيضا، لأن الله تعالى أخبر عن الوجوه أنها ناعمة، فدخل النعيم ها وظهرت أماراته عليها، فكيف تنظر ما اخبر الله عز وجل أنه حال فيها، إنما ينظر إلى الشيء الذي هو غر موجود والوجه الذي ليه الجمهور: أن المراد رؤية الله سبحانه وتعالى ومن اعتقد غير ذلك فهو مبتدع انظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (4/ 576 - 577)." الدر المصون "(1/ 574).
(2)
سبق ذكره
(3)
أي تعدى بـ (في) قال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (لأعراف:184).
(4)
أورده الإيجي في "المواقف"(ص: 305).
(5)
في المخطوط [أ] تقصر.
الوامق: ومق ومقة وومقا أحبه، وقيل الوامق: العشق، لسان العرب (15/ 409).
ومعلوم أن الذي يقضي على الوامق هو رؤية المعشوق لا تقليب الحدقة ونحوه. "الأربعين "للرازي (ص: 201، 202).
(6)
قال صاحب العقيدة الطحاوية (ص: 305): فإن تعدى ب (إلى) فمعناه: المعاينة بالأبصار، فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر
النزاع، وبما هو متعد بإلى كقوله:" وجوه يوم بدر ناظرات " يحتمل أن يكون المعنى " ناظرات إلى جهة الله في العرف وهو العلو، ولذلك ترفع الأيدي في الدعاء مع الاعتقاد بأن الله منزه عن أن يكون جسما أو ذا جهة، والمعنى: ناظرات إلى آثار أفعاله لنصرة المؤمنين يوم بدر.
فإن قلت: الأصل عدم الحذف قلت: والزيادة فما هو جوابكم في منتظرات؟ فهو جوابنا هنا على أنه قد ذكر بعض الرواة أن الرواية هكذا: " وجوه ناظرات يوم بكر " وأن قائله شاعر من أتباع مسلمة (1) الكذاب، والمراد بيوم بكر يوم القتال مع بني حنيفة، وإلا لما جاز أن يقال: نظرت إلى الهلال فلم أره. ولم لا يجوز أن تكون [40] ناظرة. معنى منتظرة، مع تعدية بإلى كما قال ابن جني (2) في كتابه الموسوم ب "الخصائص"(3) أن
(1) تقدمت ترجمته.
(2)
هو عثمان بن جني كان الوه جني روميا يونانيا وكان مملوكا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي ومن ثم ينتسب ابن بكما أزديا بالولاء ولد بالموصل قبل الثلاثين والثلاثمائة من الهجرة. وقيل كانت وفاته سنة302.
أخذ النحو عن الأخفش، فتح ابن جني في العربية أبوابا لم يتسنى فتحها لسواه ووضع أصولا في الاشتقاق ومناسبة الألفاظ والمعاني.
وكان حنفي المذهب في الفقه. وذكر السيوطي في المزهر (1/ 7) أن ابن جما كان معتزليا كشيخه أبي على.
من مصنفاته:- الخصائص.
- سر الصناعة.
- تفسير ديوان المتنبي.
- اللمع في العربية.
- المقتضب. وغيرها كثير.
انظر: " البغية "(ص 391)، نزهة الألباء (ص 408) ط أولى.
(3)
(2/ 308).
الفعل إذا كان. معنى فعل آخر وكان أحدهما يتعدى بحرف الآخر بآخر فإن لعرب قد "تتسع فتوقع"(1) أحد الحرفين موقع ناحبه إيذانا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر ثم قال (2): ووجدت في اللغة من هذا شياء كثيرة لا يكاد يحاط به، ولعله لو جمع أكثره لا جميعه لجاء كتابا ضخما، وقد عرفت طريقته، فإذا مر بك شيء عنه فاقبله وانس به فإنه فصل من العربية لطيف حسن. انتهى.
وقد نقله السيوطي في " الأشباه والنظائر "(3) والقاضي كريا ونقل مثله " شارح شواهد المغني"(4) عن ابن عصفور (5) وقال ابن هشام في المغني (6): قد يشربون لفظا معنى لفظ فيعطون حكمه ويسمى ذلك تضمينا " انتهى.
وقد صرح صاحب (7)[41] القاموس (8) وهو من الأشعرية بأن النظر الذي هو العامل وتقليب الحدقة كما يتعدى بإلى كذلك يتعدى بنفسه، بل قدم تعديته بنفسه. فإن قلت: إن ذلك مجاز، فالمجاز قد شحن به القرآن، ولك أن تقول هو من باب: أنا ناظر إلى من عند الله، أي: ملتفت إليه فإن قلت: يلزم على هذا التأويل العدول إلى المجاز أو إلى الإضمار وكلاهما خلاف الأصل والظاهر قلت: العدول إلى مثل ذلك سائغ مع قيام الدليل بالإجماع ولك أن تقول ناظرة إلى ثواب رها ناظرة، لا يقال هذا غير تام: أما أولا فلأن الثواب ليس مرئيا في نفسه وإنما المرئي أثره فيلزم الإضمار الكثير وهو
(1) في [ب] تمنع وقوع
(2)
أي ابن جئ في الخصائص (31012)
(3)
(7813 - 0 8)
(4)
(8218)
(5)
ذكره السيوطي في الأشباه والنظائر في النحو (3/ 751).
(6)
(685/ 2).
(7)
أي الفيروز آبادي
(8)
(ص: 623).
خلاف الأصل وأما ثانيا فلأن النظر يمتنع أن يكون معه رؤية لا للثواب ولا لأثره. أما الثواب فكما ذكرناه، وأما أثره فلأن النظر في الآية قبل أوان أثر الثواب بدليل مقابلة [42] تظن أن يفعل بها فاقرة {(1) إذ لا معنى للظن بعد الوقوع، فلا وقوع للعقاب ولا للثواب كما هو مقتضى المقابلة فالنظر بلا رؤية إنما هو عبارة عن مجرد تقليب الححقة كما هو حقيقته وهو غم أي تقليب الحدقة إلى المرثي بلا رؤية، والآية في سياق النعم على فريق الجنة فإن يومئذ في سرور لا غم فيه، لأنه يقال في الجواب عن الأول بأن إطلاق الثواب (2) على أثره مطابق للتنزيل في كذا وكذا آية، بل لم يطلق الثواب في الكتاب والسنة وسائر الكلام إلا على أثره، ولا معنى لإطلاقه على [43] نفس الثواب، أي المصدر في مقام الوعد والإضمار وإن كان خلاف الظاهر والأصل، إلا أفم قد صرحوا بأنه من أكثر أنواع الكلام ورودا.
على أن الذاهب إلى القول بالرؤية من هذه الآية لا بد له من المجاز لأن الرؤية على وجه الإحاطة بذاته تعالى ممتنعة الفاقا، ولا شك أن حمل قول القائل رأيت زيدا على وجه الإحاطة مجاز، وقد حاول القاضي زكريا دفع هذا فما جاء بشيء. وعن الثاني، بأن تقليب الحدقة إلى محل الرجاء والتلفت نحو المطلوب فرع من فروع توقعه لا محالة، هذا هو المفهوم من الآية ولا شبهة أن الاستشراف بحصول المعلوم بالوعد الصادق من الكريم المطلق تعالى في مقام إنجازه سرور وحبور، ومما يخش في وجه الاستدلال هذه الآية ما ذكره العلامة جار الله في "كشافه"(3) في تفسير هذه الآية قال " تنظر إلى ربها خاصة لا تنظر إلى غيره وهذا معنى تقلم المفعول، ألا ترى إلى قوله:} إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ {(3)} إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ & (4)
(1) القيامة:25
(2)
انظر لسان العرب (2/ 145)
(3)
القيامة:12
(4)
القيامة:30
{إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (1)، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (2)، {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (3){عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (4)، كيف دل التقديم فيها على معنى الاختصاص، ومعلوم أفم ينظرون إلى أشياء لا يحيط ها الحصر ولا تدخل تحت العدد في محضر يجتمع فيه الخلائق كلهم، فإن المؤمنين نظارة ذلك اليوم لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظورا إليه محال فوجب حمله على معنى يصح به الاختصاص. والذي يصح معه الاختصاص أن يكون من قول الناس- أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي- معنى التوقع والرجاء، ومنه قول القائل (5):
وإذا نظرت إليك من ملك
…
والبحر دونك زدتني نعما
وسمعت سروية (6)[44] مستجيبة. بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون إلى مقايلهم تقول: عيني نويظرة إلى الله وإليكم" (7) انتهى كلامه (8)
(1) الشورى:53
(2)
البقرة:245
(3)
آل عمران:28
(4)
هود:88
(5)
من (الكامل) كذا ذكره الزمخشري في الكشاف (6/ 270) وصاحب " الدر المصون "(10/ 576).
(6)
السروية: النسبة إلى بلدة بطبرستان يقال لها: سارية.
وانظر القاموس (سري)(ص: 1669 - 1670).
(7)
ذكره صاحب الدر المصون (10/ 576 - 578).
(8)
أي الزمخشري في الكشاف
(6/ 270). والمعنى أفم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم " فقال صاحب الدر المصون (10/ 577) تعقيبا على ذلك: وهذا كالحوم على قول من يقول: إن " ناظرة ". بمعنى منتظرة. إلا أن مكيا قد رد
وإلى هنا انتهى ما قصدنا إيراده من الكلام على هذه المسألة وقد جلبنا إليك من أدلة الفريقين ما تصير به بعون الله قرير عين، وأوردنا من حجج الطائفتين ما يذهب به عن قلبك كل صدى ورين،- وجمعنا في هذا المختصر بين الضب والنون (1)، وخلطنا فيه الخاص به عند أرباب الاصطلاح بفنون، وقررنا فيه الغث بالسمن اتكالا على تمييز الناظرين، وحكينا لك فيه الأقوال وأوضحنا مقامات الجدال والنضال، ولم نتعقب ما ركب به قائله كأهل الاعتساف، وخرج به عن أرباب الفطن عن مسالك الإنصاف، لأن الناظر في هذا المختصر إنها كامل قد استغنى بعرفانه عن التعريف أو مقصر لا يفرق وإن بالغت في التبيين بين قوي وضعيف، ومهما غفلت عن شيء فلا تغفل عن تلك النصوص القوية إلى جاء ها مدعى التخصيص لأدلة الرؤية فإن عليها حامت طيور النقلد، وإليها سافرت أنظار علماء الإنصاف وأئمة الاجتهاد فخفها مجملة غير مفصلة، نستأنس عن وحشة هذه المسألة المعضلة، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا والصلاة والسلام على سيدنا محمد حبيب الله ورسوله وعلى آله وصحبه
[45]
. أكمل من خط جامعه الإمام المجتهد، القاضي بدر الدين، العلامة النحرير محمد بن علي الشوكاني حفظه الله تعالى، ومتع جميع المسلمين بحياته آمين.
وكان التأليف في شهر الحجة الحرام سنة 1253 هـ ثلاث ومائتين وألف. وصلى الله وسلم على محمد وآله (2)
= هذا القول في إعراب مشكل القران (2/ 431) فقال: ودخول "إلى" مع النظر يدل على أنه نظر العين، وليس من الانتظار ولو كان من الانتظار ولم تدخل معه " إلى " ألا ترى أنك لا تقول: انتظر إلى زيد وتقول: نظرت إلى زيد. ف " إلى " تصحب نظر العين ولا تصحب نظر الانتظار، فمن قال: إن " ناظرة ". معنى منتظرة فقد أخطأ في المعنى وفي الإعراب ووضع الكلام في غير موضعه.
(1)
تقدم توضيح ذلك (ص 253).
(2)
زيادة من المخطوط [ب]