الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في أطفال الكفار
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققته وعلقت عليه وخرجت أحاديثه محفوظة بنت علي شرف الدين
أم الحسن
وصف المخطوط
1 -
عنوان الرسالة: بحث في أطفال الكفار.
2 -
موضوع الرسالة: مصير أطفال الكفار في الآخرة.
3 -
الرسالة ضمن مجموعة من الرسائل للإمام محمد بن علي الشوكاني.
4 -
أول الرسالة: " الحمد لله وحده. حديث عائشة
…
"
5 -
آخر الرسالة: " أن وجود العمل وعدمه هما المستقلان بالسعادة والشقاوة وجودا وعدما وإثباتا ونفيا هذا ما سدد الله الفهم واستغفر الله ".
6 -
نوع الخط: خط نسخي معتاد.
7 -
عدد الأوراق: أربعة.
8 -
المسطرة:
الورقة الأولى: 17 سطرا.
الورقة الثانية: 20 سطرا.
الورقة الثالثة: 20 سطرا مع سطر بالعرض.
الورقة الرابعة: 21 سطرا مع سطرين بالعرض.
9 -
عدد الكلمات في السطر: 7 - 9 كلمة.
10 -
الناسخ: المؤلف محمد بن علي الشوكاني.
11 -
الرسالة من المجلد الثالث من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).
الحمد لله وحده. حديث عائشة (1) أنها قالت لما توفي صبي من الأنصار: " طوبى له عصفور من عصافر الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه " فقال- صلى الله عليه وسلم: " أو غير ذلك يا عائشة، إن الله تعالى خلق للجنة أهلا خلقهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهي في أصلاب آبائهم" هكذا ساقه مسلم في صحيحه (2).
قال النووي في شرح (3) مسلم عند ذكر ما نصه: " أجمع (4) من يعتد به من علماء
(1) عائشة بنت أبي بكر الصديق، زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. بمكة قبل الهجرة بسنتين. هذا قول أبي عبيدة. وقال غره: بثلاث سنين وهى بنت ست سنين وقيل: بنت سبع، وابتنى بها بالمدينة، وهى ابنة تسع، ولم ينكح رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها، واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكنية فقال لها:" اكتني بابنك عبد الله بن الزبير " يعني ابن أختها.
قال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم علما طيبا مباركا فيه، بلغ مسندها (2210).
اتفق البخاري ومسلم ب (174) حديثا وانفرد البخاري ب (54) وانفرد مسلم بـ (69).
توفيت سنة ثمان وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة، فدفنت بعد الوتر بالبقيع.
انظر: الاستيعاب رقم (3463) وشذرات الذهب (1/ 9) الإصابة رقم (11457) وسير أعلام النبلاء (2/ 135 - 201)
(2)
(4/ 2050 رقم 31/ 2662)
(3)
(16/ 207)
(4)
الإجماع لغة:
1) العزم والتصميم قال تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} [يونس: 71].
2) الاتفاق، يقال: أجمع القوم على كذا، أي اتفقوا.
الإجماع في الاصطلاح: اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع.
انظر: أصول مذهب الإمام أحمد (ص 347)، والأحكام للأمدي (1/ 196)، وتيسير التحرير (3/ 244).
المسلمين أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة، لأنه ليس مكلفا (1). وتوقف منهم بعض من لا يعتد به لحديث عائشة ".
وأجاب العلماء عنه بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع، كما أنكر على سعد بن أبي وقاص في قوله:" أعطه إني لأراه مؤمنا" فقال "أو مسلما هو" .... الحديث (2). ويحتمل أنه- صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة فلما علم قال ذلك كما في قوله [1] " ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث (3) إلا
(1) التكليف: لغة: إلزام ما فيه مشقة، فإلزام مشقة، فإلزام الشيء، والإلزام به: هو تصيره لازما لغره، لا ينفك عنه مطلقا أو وقتا ما.
وقال صاحب القاموس (ص 1099) والتكليف: الأمر. مما يشق، وتكلفه: تجشمه، وقال أيضا: "
ألزمه إياه فالتزمه، إذا لزم شيئا لا يفارقه".
التكليف في الاصطلاح: إلزام مقتضى خطاب الشرع، فيتناول الأحكام الخمسة: الوجوب والندب الحاصلين عن الأمر.
الحظر والكراهة الحاصلين عن النهي.
والإباحة الحاصلة عن التخير إذا قلنا: إنها من خطاب الشرع. ويكون معناه في المباح وجوب اعتقاد كونه مباحا.
انظر: الكوكب المنير (1/ 483) المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 58.
(2)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (27) ومسلم رقم (236/ 150) و (131/ 150) وأبو داود رقم (4683)
(3)
الحنث: الإدراك والبلوغ. وقيل إذا بلغ مبلغا جرى عليه القلم بالطاعة والمعصية.
وقوله: لم يبلغوا الحنث: أي لم يبلغوا مبلغ الرجال، ويجري عليهم القلم فيكتب عليهم الحنث والطاعة.
وقيل: الحنث الحلم. وقيل: الحنث: الإثم.
لسان العرب (3/ 354) مادة حنث.
وانظر: الصحاح (1/ 280)
أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم" (1) وغير ذلك من الأحاديث (2). والله أعلم. انتهى
(1) أخرجه البخاري رقم (1248) و (1381) وفي الأدب المفرد رقم (151) من حديث أنس بن مالك.
(2)
(منها): حديث أبي هريرة قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لها، فقالت: يا نبي الله ادع الله له. فلقد دفنت ثلاثة. قال: "دفنت ثلاثة ". قالت: نعم. قال: " لقد احتظرت بحظار شديد من النار".
أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم (144و 147) ومسلم رقم (2636) وابن أبي شيبة في المصنف (3/ 352) والبيهقي
(4/ 67). وهو حديث صحيح.
(ومنها): حديث أبي حسان- خالد بن غلاق- قال: قلت: لأبي هريرة: انه مات لي ابنان.
فما أنت محدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم: " صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهما أباه- أو قال أبويه- فيأخذ بثوبه- أو قال: بيده- كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى، أو قال: فلا ينتهي- حتى يدخله الله وأباه الجنة ".
أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم (145) ومسلم رقم (2635) وأحمد في المسند (2/ 488و509 - 510) هو حديث صحيح. . "
دعاميص الجنة " الدعاميص: جمع دعموص، وهى دويبة تكون في مستنقع الماء والدعموص أيضا: الدخال في الأمور: أي أنهم سياحون في الجنة دخالون في منازلهم لا يمنعون من موضع، كما أن الصبيان في الدنيا لا يمنعون من الدخول على الحرم ولا يحتجب منهم أحد.
النهاية
(2/ 120). (ومنها): حديث أبي سلمة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بخ بخ ما أثقلهن في الميزان!!! لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر. والعبد الصالح يتوفى للمسلم ليحتسبه". .
أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة رقم (167) وابن أبي عاصم في السنة رقم (781) وابن حبان رقم (2328 - موارد) والحاكم في المستدرك (1/ 511) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح.
انظر: الصحيحة رقم (1204).
كلامه (1) منقولا من باب معنى " كل مولود يولد على الفطرة .... " وقال (2) في باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه ما لفظه: " وفي هذه الأحاديث دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة. وقد نقل جماعة فيه إجماع المسلمين ".
وقال المازري (3): " أما أولاد الأنبياء- صلوات الله عليهم وسلامه- فالإجماع متحقق على أنهم في الجنة، وأما أطفال من سواهم من المؤمنين فجماهير العلماء على القطع لهم بالجنة (4).
ونقل جماعة الإجماع في كونهم من أهل الجنة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (5). وتوقف بعض (6) المسلمين فيها،
(1) أي كلام النووي في صرحه لصحيح مسلم (16/ 182)
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (16/ 180 - 183)
(3)
في " المعلم بفوائد مسلم "(3/ 180)
(4)
للحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1382) عن عدي بن ثابت أنه سمع البراء رضي الله عنه قال: لما توفي، إبراهيم عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن له مرضعا في الجنة"
(5)
[الطور: 21]
(6)
قال القرطبي في الجامع " لأحكام القرآن "(17/ 66 - 67): " واختلف في معناه فقيل عن ابن عباس أربع روايات:
الأولى: إن الله لرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقر كم عينه.
وقيل: أن الله يجمع لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم، وبمزاوجة الحور العين وبموانسة الإخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم ونسلهم هم.
الثانية: وعن ابن عباس أنه قال: إن الله ليلحق بالمؤمن ذريته الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان.
الثالثة: وقال ابن عباس: إن المراد بالذين أمنوا المهاجرون والأنصار والذرية التابعون.
الرابعة: وفي رواية عن ابن عباس قال: إن كان الآباء أرفع درجة رفع الله الأبناء إلى الآباء، وإن
كان الأبناء أرفع درجة رفع الله الآباء إلى الأبناء. فالآباء داخلون في اسم الذرية.
وقال ابن زيد: المعنى " واتبعتهم ذريتهم بإيمان " ألحقنا بالذرية أبنائهم الصغار الذين لم يبلغوا العمل، فالهاء والميم على هذا القول للذرية انظر: الجامع لأحكام القرآن (17/ 67)
وأشار أنه لا يقطع لهم كالمكلفين .... والله أعلم. انتهى (1).
وأقول: التأويل للحديث (2) متعين لقيام البرهان على ثبوت الحكمة، ولا ريب أن تعذيب من لا ذنب له ينافيها، هذا على فرض وجود وجه يصح الحمل عليه كالحمل على أنه دال ذلك قبل أن يعلم حكم أطفال المسلمين، ولو فرضنا [2] عدم وجود وجه يسوغ الحمل عليه لكان هذا الحديث معارضا. مما يوجب سقوطه ظاهرا كالآية المذكورة. وحديث "كل مولود يولد على الفطرة."(3).
(1) أي كلام المازوري في " المعلم بفوائد مسلم " ص 180 - 181
(2)
أي حديث عائشة المتقدم.
(3)
أخرجه البخاري رقم (1319) ومسلم رقم (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة. فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء ".
وفي صحيح مسلم ألفاظ منها:
الحديث رقم (22/ 2658): "ما من مولود إلا ولد على الفطرة أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء".
الحديث رقم (00/ 2658): ولفظه " ما من مولود إلا يولد على الفطرة".
الحديث رقم (00/ 2658) ولفظه " ما من مولود يولد إلا وهو على الملة".
الحديث رقم (00/ 2658) ولفظه " ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه".
الحديث رقم (24/ 2658) ولفظه "من يولد على هذه الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه".
الحديث رقم (25/ 2658). ولفظه " كل إنسان تلده أمة على الفطرة فأبواه بعد يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فإن كانا مسلمين فمسلم ".
الحديث رقم (27/ 2658) ولفظه: "فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه فقال رجل: يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك. قال الله أعلم بما كانوا عاملين".
وفي رواية رقم (27/ 2659): " أرأيت من يموت صغيرا منهم" وأما معنى الحديث فللعلماء فيه أربعة أقوال:
1/وهو الذي نختاره عليه أكثر العلماء أم المراد بالفطرة الطبع السليم المهيأ لقبول الدين وذلك من باب إطلاق القابل على المقبول.
فإن الفطرة هي الخلقة. يقال فطره أي خلقه وخلقه الآدمي فرد من ذلك وتهيأ لقبول الدين وصف لها فهذه ثلاث مراتب وذلك المقبول وهو الدين أمر رابع فاسم الفطرة أطلق عليه فكأنه قال: " كل مولود يولد مسلما بالقوة ".
لأن الدين وهو الإسلام حق مجاذب للعقل غير ناء عنه وكل مولود خلق على قبول ذلك وجبلته وطبعه وما ركزه الله فيه من العقل لو ترك لاستمر على لزوم ذلك ويفارقه إلى غيره وإنما يعدل عنه لأفة من آفات البشر والتقليد كما يعدل ولد اليهودي وولد النصراني والمجوسي بتعليم آبائهم وتلقينهم الكفر لأولادهم فيتبعوهم ويعدلون بمن عن الطريق المستقيم الذي فطرهم الله عليه وأنعم عليه به.
2/ أن معناه أن كل مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به فليس أحد يولد إلا وهو يقر بأن له صانعا وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره.
وهذا القول بينه وبين الأول تقارب في شيء وتفاوت في شيء والأول خير منه.
3/ أن الفطرة ما قضي عليهم من السعادة والشقاوة. وقالوا: الفطرة البداءة واحتجوا بقوله تعالى: {كما بدأكم تعودون} ، [الأعراف:29].
4/ أن الفطرة الإسلام ونسب هذا القول إلى أبي هريرة والزهري وعامة السلف في قوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الروم: 30.
ومعنى الحديث على هذا خلق الله سليما من الكفر مؤمنا مسلما على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية أدم واحتجوا بحديث " إن الله خلق آدم على صورته ونبيه حنفاء مسلمين" أخرجه البخاري رقم (6227) ومسلم رقم (2841) من حديث أبي هريرة.
وقوله صلى الله عليه وسلم " .... وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم. وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " من حديث عياض بن حمار المجاشعي.
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (63/ 2865).
فالطفل على الميثاق الأول وله ميثاق ثاني وهو قبول الفرائض بعد وجوده وأهلية التكليف فمن مات قبل ذلك مات على الميثاق الأول فدخل الجنة. ولا نعتقد أن أصحاب هذا القول يقولون انه يولد- معتقد الإسلام. هذا لا يقوله عاقل وإنما أرادوا أن يجري عليهم حكم الإسلام على من أسلم حقيقة ثم نام أو مات الذي أقر به في الميثاق الأول.
انظر: فتح القدير (4/ 313 - 314) والجامع لأحكام القرآن (14/ 25 - 30).
وقال ابن عطية: والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي معده ومهيأة لأن يميز ها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: أقم وجهك للدين الذي هو الحنيف، وهو فطرة الله الذي على الإعداد له فطر البشر، لكن تعرضهم العوارض، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه"، فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثرة.
الجامع لأحكام القرآن (14/ 29).
فائدة: إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق. وقد دل على صحة هذا المعنى قوله:"كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ".
يعني أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة سليما من الآفات، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقى كاملا بريئا من العيوب، لكن يتصرف فيه فيجدع أذنه ويوسم وجهه فتطرأ عليه الآفات والنقائص فيخرج عن الأصل، وكذلك الإنسان، وهو تشبيه واقع ووجهه واضح.
الجامع لأحكام القرآن (14/ 29)
وحديث " من مات له من الولد .... "(1) وسائر الأحاديث المقتضية لرفع (2) قلم
(1) أخرجه أحمد في المسند (3/ 306) والبخاري في الأدب المفرد رقم (146) وعزاه الحافظ في الفتح (11/ 243) لأحمد وقال: رجاله موثقون.
وأورده الهيثمي في المجمع (3/ 7) وقال أخرجه أحمد ورجاله ثقات.
من حديث جابر بن عبد الله قال: جمعت رسول الله يقول: "من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل الجنة" قلنا: يا رسول الله واثنان؟ قال: "واثنان" قلت لجابر: والله أرى لو قلتم: وواحد؟ لقال. قال: وأنا أظنه والله.
وهو حديث حسن.
(2)
(منها) حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاث، فذكر: الصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق" أخرجه أبو داود رقم (4398) والنسائي (6/ 156) وابن ماجه رقم (2041) والدارمي (2/ 171) وأحمد (6/ 100 - 101) وابن حبان رقم (1496 - موارد) والحاكم (2/ 59). وهو حديث صحيح.
وله شواهد من حديث علي بن أبي طالب وابن عباس، وأبي هريرة وغيرهم
التكليف عن غير البالغ.
ولكنه يمكن أن يقال أن حديث عائشة خاص صحيح يصلح لتخصيص هذه العمومات، وإن خالف في ذلك بعض الطوائف باعتبار عموم القرآن، ولهذا قلنا ظاهرا. ويمكن أن يقال أنه لا إشكال في الحديث، وبيانه أن قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: " أو غير ذلك
…
" (1) لم يقع بيانه بأن هذا الطفل قد يكون في النار بل قال " بأن الله خلق للنار خلقا وللجنة خلقا ". وفي ذلك إشارة إلى الأحاديث الصحيحة (2) الواردة في كتب السعادة والشقاوة عند وضع النطفة.
فيتوجه اعتراضه- صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة إلى ما ذكرته في آخر كلامها لتعليل كونه عصفورا من عصافير الجنة قائلة لم يعمل السوء ولم يدركه فأرشدها- صلى الله عليه وآله وسلم إلى شيء يخالف هذا التعليل ببيان خلق الجنة وخلق النار، وأنه قد جف القلم (3). مما فيه، وكأنه قال لها: هاهنا مقتضى [3] آخر
(1) تقدم تخريجه
(2)
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا، يقول يا ربي نطفة، يا رب علقة يا رب مضغة، فماذا أراد أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى أم سعيد، فما الرزق والأجل فيكتب في بطن أمه". .
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (312) ومسلم رقم (5/ 2646)
(3)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه الترمذي رقم (2516) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال.
عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال لي: يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف"
للثواب والعقاب، وهو أن الله خلق للجنة خلقا وللنار خلقا، وهم في أصلاب الرجال، وليس المقتضى مجرد العمل.
وفي ذلك إشارة إلى حديث: " سددوا وقاربوا، واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله"(1) قيل ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته" فهذا
(1) أخرجه البخاري رقم (6467) ومسلم رقم (2818) من حديث عائشة رضي الله عنها.
قال الحافظ في الفتح (11/ 295): " قال ابن بطال في الجمع بين هذا الحديث وقوله تعالى:
{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72].
ما محصله أن تحمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال، فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، وأن يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها.
ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فصرح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال، وأجاب بأنه لفظ مجمل بينه الحديث، والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها. مما كنتم تعملون، وليس المراد بذلك أصل الدخول. ثم قال: ويجوز أن يكون الحديث مفسرا للآية. والتقدير ادخلوها. مما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم لأن اقتسام منازل الجنة برحمته. وكذا أصل دخول الجنة هو برحمته حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك. ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله وقد تفضل عليهم ابتداء بإيجادهم ثم برزقهم ثم بتعليمهم، وقال عياض طريق الجمع أن الحديث فسر ما أجمل في الآية.
وبعد ذلك نقل الحافظ كلام ابن الجوزي: يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة:
الأول: أن التوفيق للعمل من رحمة الله، ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الإيمان ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة.
الثاني: أن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه، فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله.
الثالث: جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله، واقتسام الدرجات بالأعمال.
الرابع: أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير والثواب لا ينفد فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا. بمقابلة الأعمال ثم ذكر الحافظ بعد ذلك كلام ابن القيم فقال:
قال ابن قيم الجوزية في كتابه " مفتاح دار السعادة " كما في الفتح (11/ 296) الباء المقتضية للدخول غير الباء الثانية، فالأولى السببية الدالة على أن الأعمال سبب الدخول المقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، والثانية باء المعاوضة نحو اشتريت منه بكذا فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا رحمة الله لعبده لما أدخله الجنة، لأن العمل. بمجرده ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة، ولا أن يكون عوضا لها.
لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله لا يقاوم نعمة الله، بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة، فتبقى سائر نعمة مقتضية لشكرها وهو لم يوفها حق شكرها. ا هـ.
انظر فتح الباري (11/ 296)
الحديث. بمجرده يسوغ الاعتراض على من جعل السعادة والشقاوة منوطة بالعمل فقط. وعائشة- رض الله عنها- قد جعلت ما يقتضيه كلامها من سعادة هذا الصبي معللة بعدم عمل السوء مع أنه يمكن أن تكون العفة في سعادته هي ما جرى له من اللطف بتوفي الله له في تلك السن، فإن ذلك. بمجرده لطف مع قطع النظر عن العمل.
فالحاصل أنه- صلى الله عليه وآله وسلم أبان لها مقتضيا آخر للسعادة، وهو أن الله لطف به وتغمده برحمته بقبضه في ذلك الوقت، ولو كان العمل هو سبب الشقاوة والسعادة كما قالت عائشة لما تم ما تلاه عليها- صلى الله عليه وآله وسلم من أن الله خلق للجنة خلقا وللنار خلقا، وهم في أصلاب آبائهم. ويقوي هذا ما وقع في غير صحيح مسلم بلفظ: " أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلا
…
" (1). فإن جعل عدم الدراية عنوانا لما أرشدها إليه (2) يشعر بأن إيصال الدراية
(1) تقدم تخريجه
(2)
والخلاصة: أن القول الصحيح الذي ذهب إليه المحققون من العلماء وارتضاه جمع من المفسرين والمتكلمين هو أن أطفال الكافرين في الجنة والله أعلم.
وانظر: فتح الباري (3/ 246 - 252). وطريق الهجرتين لابن القيم (387 - 401). وبحث مصير أطفال الكافرين في الآخرة إعداد محمد صبحي بن حسن حلاق ص 43 - 58
إليها هو المقصود، ومنشأ ذلك ما فهمه- صلى الله عليه وآله وسلم من عدم الدراية عندها لما جرى على لسانها من تعليل السعادة بعدم العمل المستفاد منه أن وجود العمل وعدمه هما المستقلان بالسعادة والشقاوة وجودا وعدما، وإثباتا ونفيا. هذا ما سبق إليه الفهم وأستغفر الله [4].
((انتهى البحث))