الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سؤال عن شأن لبس المعصفر وغيره من سائر أنواع الأحمر
للطف الله بن أحمد بن لطف الله جحاف
ويليه:
جواب القاضي العلامة: محمد بن علي الشوكاني:
القول المحرر في حكم لبس المعصفر وسائر أنواع الأحمر
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: " سؤال عن شأن لبس المعصفر وغيره من سائر أنواع الأحمر، للطف الله بن أحمد بن لطف الله جحاف. ويليه: جواب القاضي العلامة: محمد بن علي الشوكاني: القول المحرر في حكم لبس المعصفر وسائر أنواع الأحمر ".
2 -
موضوع الرسالة: " فقه ".
3 -
أول الرسالة: الحمد لله على نعمائه الفرادى والثنى، فهو المستحق لكل حمدٍ صادق وله لا لغيره الثناء. . . .
4 -
آخر الرسالة: ". . . إلى شمول القول له صلى الله عليه وسلم بطريق التنصيص أو الظهور أو اختصاصه بسائر الأمة دونه، وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية، والله ولي التوفيق، حرر الجواب في سلخ شهر ربيع الآخر سنة 1209 ".
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: 13 صفحة.
7 -
عدد الأسطر: 26 سطرًا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 14 كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
[صورة صفحة عنوان المخطوط]
[صورة الصفحة الأولى من المخطوط] سؤال لطف الله جحاف
[صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط] سؤال لطف الله جحاف
[صورة الصفحة الأولى من جواب الشوكاني المخطوط]
[صورة الصفحة الأخيرة من جواب الشوكاني المخطوط]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمائه الفرادى والثنى، فهو المستحق لكل حمد صادق، وله - لا لغيره - الثناء والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه وجنده.
وبعد: فهذه رسالة سائلة بلسان الحال عن جواز لبس الحمرة لا للنساء، بل للرجال، وهل ألفاظ السنة النبوية قاضية بالتحريم أم الإباحة للرجال في لبسها كالإباحة للحريم؟ والمقصود الاطلاع على بدور الأدلة والإشراف على شمس الحقيقة الهادية لا المضلة، وقد وجهتها إلى من أفاد الله بعلومه ومعلوماته، وزينه بالعلم وزاده جسام هباته، وقد سقت بعد المنظوم شيئًا مما لدي من الأدلة، وقلت:
بدر الهدى بالحق أنت الصادع
…
ولربقة التقليد أنت الخالع
ولأنت في القوم المعد لفادح
…
ذهل اللبيب له وحار البارع
كم بالسهام رمى فكان مصابه
…
آراء قوم في الضلال تتابعوا
وأباد منتصبًا لحفظ ظواهر التنزيل
…
وهو لدين ربي رافع
قد عم كلاً هديه مذ خصني
…
بفواضلٍ قل - للضلال - صوادع
إن كان صمتًا عظمته أولو النهى
…
أو فاه فهو لكل سمعٍ قارع
والحق أعطى ما رقمت بواترًا
…
في حدها سم المنايا قاطع
فلذاك عزت شرعة المختار واز
…
هدّت لشرع الجاهلين صوامع
وبرفعها فرقت ودون محلها
…
شمس الضحى والبدر ذاك الطالع
ومنعت غير الكفء منها إنها
…
أخذت عليك وللعهود شرائع
وإذا أتاها خاطئ متمذهب
…
فحذار لا أسفًا يكون الواقع
وأنه العواذل واجعل التقوى لها
…
تاجًا لئلا يطمعن الطامع
واصدع بأمرك ما استطعت وعد عن
…
لاحٍ فما ضر الحليم مقاطع
فدقائق التنزيل في كاساتها
…
بنمير فطنتك احتساها الشاجع
ورأى الذليل الجاهل المتكاسل
…
الغر الحرام بها فظل ينازع
وهي الحلال وأي هادٍ موصل
…
جنات بارينا سواها شافع
وإليك أنهيت الشكاية بعد مدح
…
من أناس للشريعة ضاجعوا
وهم اللصوص وأيم ربي إنهم
…
جعلوا الهداية وصلةً وتراجعوا [1]
وهم الحقيقون الجدير صنيعهم
…
بالقتل إذ عرفوا النصوص وخادعوا
والله أسأله السلامة منهم
…
وبه أعوذ وما سواه نافع
وإليك لطف الله أنهى سؤله
…
إذ أنت للسؤل القويم التابع
وأقول أما بعد فالتحريم في
…
لبس المعصفر وهو قان ناصع
فحديث ما شاهدت من ذي لمةٍ
…
في حلةٍ حمراء حديث شائع
والأمر بالإحراق والإيذان
…
بالنهي الصريح يعد عندي مانع
والقول إن ما دل وهو معارض
…
بالفعل فهو لمقتضاه الدافع
والحق مطلوب ولست مشاححًا
…
في قول عمرو وارتضاه مجاشع
أو ما يقرر بالرموز لمذهب
…
يحكونه وله دليل ضائع
بل حائم حول الدليل بمنهل
…
التصحيح إن أومأ إليه الشارع
وإلى محمد اللبيب نصًا منا
…
متوجه وعلى خبير واقع
نجم التقى المهدي ومن كمحمد
…
في العلم وهو النور فينا الساطع
فجوابه شافٍ وسحر نظمه
…
لكن حلال للبديع مطاوع
لا زال في الإنعام من خلاقه
…
ولكل خير في البرية جامع
[وما](1) أشرنا إليه من لبس المعصفر هو الذي طفحت الأدلة بالمنع منه، وكذلك أحاديث وردت في لبس الحمرة على الإطلاق، وقد أشرت إلى [الأدلة المانعة والمجيزة](2).
(1) في المخطوط (وأما) والصواب ما أثبتناه.
(2)
في المخطوط (أدلة المانعة والمجيز) والصواب ما أثبتناه.
أما الأدلة التي في المنع فكثيرة واسعة: فمنها ما أخرجه مسلم (1) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: " رآني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: أمك أمرتك بهذا؟! قلت: أغسلهما يا رسول الله؟ قال: بل أحرقهما " زاد في رواية (2) أن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما. هذه رواية مسلم.
وفي رواية للنسائي (3)" أنه رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليه ثوبان معصفران فقال: هذه ثياب الكفار. . .، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: اذهب فاطرحهما عنك، قال: أين يا رسول الله، قال: في النار ".
ولأبي داود (4) قال: " هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بيته، فالتفت إليّ وعليّ ريطة مضرجة بالعصفر، فقال: ما هذه الريطة عليك؟ فعرفت ما كرهه، فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورًا لهم فقذفتها فيه، وأتيته من الغد فقال: يا عبد الله ما فعلت الريطة؟ فأخبرته فقال: أفلا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بها للنساء ".
قال المنذري [2] في مختصره (5): وأخرجه ابن ماجه (6): نعم ومفهوم قوله: " فإنه لا
(1) في صحيحه رقم (27، 28/ 2077).
قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 190) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وابن سعد في " الطبقات "(4/ 265) من طرق. . .
وهو حديث صحيح.
(2)
في " صحيحه "(27/ 2077).
(3)
في " السنن "(8/ 203) رقم (5316، 5317).
(4)
في " السنن " رقم (4066).
(5)
(6/ 39).
(6)
في " السنن " رقم (3603).
قلت: وأخرجه أحمد (6/ 196) وابن أبي شيبة في " المصنف "(8/ 369) والحاكم في " المستدرك "(4/ 190) وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وقد اتفق الشيخان رضي الله عنهما على النهي عن لبس المعصفر للرجل على حديث علي رضي الله عنه وهو حديث حسن.
ريطة: بفتح الراء المهملة وسكون المثناة ثم طاء مهملة، ويقال: رائطة.
قال المنذري في " مختصر السنن "(6/ 39): هي كل ملاءة منسوجة بنسج واحدٍ.
وقيل: كل ثوب رقيق لين، والجمع ريط رياط.
" النهاية "(2/ 289).
بأس بها للنساء ".
يعني وأما الرجال ففيها بأس لهم.
وأخرج أبو داود (1) والترمذي (2) عن عبد الله بن عمرو قال: " مر رجل وعليه ثوبان أحمران، فسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم السلام " وقال الترمذي (3): حسن غريب من هذا الوجه.
وأخرج مسلم في صحيحه (4)" عن علي رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لباس المعصفر ".
وأخرج الطبراني (5) عن عمران بن حصين بلفظ " إياكم والحمرة، فإنها أحب الزينة إلى الشيطان " وأخرج عبد الرزاق (6) عن الحسن مرسلاً " الحمرة زينة الشيطان ".
وأخرجه الحاكم في الكنى (7)، وابن قانع (8)،
(1) في " السنن " رقم (4069).
(2)
في " السنن " رقم (2807).
(3)
في " السنن "(5/ 116). وهو حديث ضعيف.
(4)
في " صحيحه " رقم (31/ 2078).
(5)
أخرجه الطبراني بإسنادين في أحدهما يعقوب بن خالد بن نجيح البكري العبدي ولم أعرفه، وفي الآخر بكر بن محمد يروي عن سعيد عن شعبة، وبقية رجالهما ثقات. كما في " مجمع الزوائد "(5/ 130).
(6)
في " المصنف "(11/ 79 - 80 رقم 19975) مرسلاً.
(7)
لم أجده في القسم المطبوع من الكنى.
(8)
لم يخرجه ابن قانع في " معجم الصحابة " المطبوع.
وابن عدي (1) والبيهقي في الشعب (2) عن رافع بن زيد بلفظ: " إن الشيطان يحب الحمرة، فإياكم والحمرة وكل ثوب ذي شهرة ".
وأخرج ابن ماجه (3) عن عبد الله بن عمر - وفي بعض نسخ ابن ماجه: ابن عمرو - بلفظ: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المفدم ".
قال ابن الأثير في النهاية (4): وفيه " أنه نهى عن الثوب المفدم " وهو الثوب المشبع حمرة، كأنه الذي لا يقدر على الزيادة عليه لتناهي حمرته، فهو كالممتنع من قبول الصبغ، ومن حديث (5) علي عليه السلام: " نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقرأ
(1) في " الكامل "(3/ 1172).
قلت: وأورده ابن حجر في " الإصابة " في الترجمة رقم (2555) وابن الأثير في " أسد الغابة "(2/ 247 رقم الترجمة 1605) وابن كثير في " جامع المسانيد والسنن "(12/ 108 رقم 94305). والمتقي الهندي في " كنز العمال " رقم (41161).
والطبراني في الأوسط رقم (7708) وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد "(5/ 130) وقال: فيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف.
قلت: بل هو متروك.
وذكر الجوزجاني هذا الحديث في كتاب " الأباطيل "(2/ 248 رقم 646) وقال: باطل وإسناده منقطع.
ورده الحافظ في " الإصابة "(2/ 371) وقال: وقوله باطل مردود، فإن أبا بكر الهذلي لم يوصف بالوضع. وقد وافقه سعيد بن بشير، وإن زاد في السند رجلاً فغايته أن المتن ضعيف. أما حكمه عليه بالوضع فمردود ".
وخلاصة القول أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(2)
رقم (6327).
(3)
في " السنن " رقم (3601).
(4)
(3/ 421).
(5)
أخرجه أحمد (1/ 114) ومسلم رقم (2078) وأبو داود رقم (404) والترمذي رقم (1737) والنسائي (2/ 217) و (8/ 167 - 168) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأبو يعلى رقم (415) وأبو عوانة (2/ 171) والطيالسي رقم (103) والبزار في " المسند "(919). وهو حديث صحيح.
وأنا راكع أو ألبس المعصفر المفدم " وفي حديث عروة أنه كره المفدم للمحرم ولم ير بالمصرح بأسًا. المصرح دون المفدم وبعده المورد. انتهى كلام النهاية، قال في الصحاح (1): ثوب مفدم، ساكنة الفاء، إذا كان مصبوغًا بحمرة مشبعًا.
وأخرج البخاري (2) والترمذي (3) عن البراء قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المياثر الحمر والقسي ".
وأخرج الترمذي، (4) وأبو داود، (5) عن عمران بن حصين بلفظ:" نهى عن ميثرة الأرجوان "(6) قال في النهاية: إن الميثرة تعمل من حرير أو ديباج.
والأرجوان: صبغ أحمر يتخذ كالفراش الصغير، ويحشى بقطن أو صوف، يجعلها الراكب تحته، قال: ويدخل في هذا سائر السروج؛ لأن النهي يشمل كل ميثرة حمراء، سواء كانت
(1)(5/ 2001).
(2)
في صحيحه رقم (5849) ولفظه عن البراء قال: " أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع: عيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونهانا عن لبس الحرير، والديباج، والقسي، والإستبرق، والمياثر الحمر ".
(3)
في " السنن "(3/ 299).
(4)
في " السنن " رقم (2808).
(5)
في " السنن " رقم (4051).
من حديث علي رضي الله عنه قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب، وعن لبس القسي، وعن الميثرة ".
(6)
" النهاية "(4/ 378).
وقال في " النهاية "(4/ 59): القسي هو ثياب من كتان مخلوط بحرير يؤتى بها من مصر، نسبت إلى قرية على شاطئ البحر قريبًا من تنيس يقال لها: القس، بفتح القاف، وبعض أهل الحديث بكسرها. وقيل: أصل القسي: القزي بالزاي، منسوب إلى القز، وهو ضرب من الإبرسيم، فأبدل من الزاي سينا.
على رحل أو سرج، هذا لفظه في النهاية (1).
قلت: والافتراش يسمى لبسًا لغة كما في حديث أخرجه أبو داود (2) وفيه: " فقمنا على حصير قد اسود من طول ما لبس فنضحناه " هذا معنى الحديث أو قريب من معناه.
قال العلامة المقبلي رحمه الله في المنار (3) كأنه أراد بالكراهة التحريم.
كما يأتي في اللباس وكما هو مقتضى النواهي، ويرى علماء الشافعية (4) في عصرنا كأنهم ما سمعوا حديثًا يتخيرون الأحمر القاني.
وساق كلامًا لابن القيم (5) وفيه: فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لبعض الأحمر القاني، كلا لقد أعاذه الله منه.
وإنما وقعت الشبهة من لفظ الحلة الحمراء، انتهى كلام ابن القيم، وساق حديثًا بعد هذا [3] أخرجه الطبراني (6)، والظاهر أن كلام ابن القيم في جمعه بين النهي وفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند لبسه للحلة لا يصح حيث قال: وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود.
وذكر بعده بيسير أن في بعض السير أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(1)(4/ 378).
(2)
في " السنن " رقم (658).
وأخرجه النسائي رقم (738). وأخرج نحوه البخاري في صحيحه رقم (380) عن أنس بن مالك وفيه ". . . فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء. . . ".
(3)
(2/ 266).
(4)
انظر " المجموع "(4/ 336).
(5)
انظر " زاد المعاد "(1/ 134).
(6)
ذكره المقبلي في " المنار "(2/ 266) من حديث عبادة بن الصامت: بصر رسول الله برجل عليه ملحفة معصفرة، فقال:" ألا رجل يستر بيني وبين هذه النار ".
فرأى على رواحلهم أكيسة فيها خطوط حمر، وقال:" ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم، فقمنا سراعًا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نفر بعض إبلنا فأخذنا الأكيسة فنزعناها " رواه أبو داود (1). فإن حمله على أن الحلة التي لبسها ذات خطوط بعيد. وهذا الحديث يقضي باختلال تأويله، والله أعلم.
وأما المجيز فاستدل بما أخرجه الإمام أحمد (2) والبخاري (3) ومسلم (4)، عن البراء بن عازب قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مربوعًا بعيد ما بين المنكبين له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئًا قط أحسن منه " وأخرجه أبو داود (5) والترمذي (6) والنسائي (7) بنحوه مثله، وبوب له الترمذي (8) باب (9) ما جاء [في الرخصة] (10) في الثوب الأحمر للرجال. وأخرجه ابن ماجه (11) بلفظ: " ما رأيت أجمل
(1) في " السنن " رقم (4070) بسند ضعيف.
قال الشوكاني في " النيل " في أثناء شرح الحديث (20/ 563): وهذا الحديث لا تقوم به حجة؛ لأن في إسناده رجلاً مجهولاً - هو الرجل من بني حارثة.
(2)
في " المسند "(4/ 290).
(3)
في " صحيحه " رقم (3551).
(4)
في " صحيحه " رقم (2337).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (4072) والترمذي رقم (3635) والنسائي (8/ 183) وابن ماجه رقم (3599).
(5)
في " السنن " رقم (4072).
(6)
في " السنن " رقم (1724).
(7)
في " السنن "(8/ 202).
(8)
في " السنن "(4/ 219).
(9)
رقم (4).
(10)
زيادة من سنن الترمذي.
(11)
في " السنن " رقم (3599).
من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مترجلاً في حلة حمراء ".
وأخرج أبو داود (1) عن عامر بن عمرو المزني قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنىً وهو يخطب على بغلة وعليه برد أحمر، وعليٌّ عليه السلام أمامه يعبر عنه " وذكر المنذري (2) أن في إسناده اختلافًا وأبانه.
وهذا ما لدي من أدلة المجيز والمانع، والمعول عليه في تقوية الراجح لما يرضي الصانع، أو إظهار الجمع الصحيح إذا لم يكن بينهما تمانع.
ولله الحمد رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
كمل تحرير السائل صبح يوم الأحد، لعله رابع وعشرون شهر ربيع الآخر سنة 1209 [4].
(1) في " السنن " رقم (4073).
(2)
في " مختصره "(6/ 43) وقال: اختلف في إسناده فقيل: انفرد بحديثه أبو معاوية الضرير، وقيل: إنه أخطأ فيه؛ لأن يعلى بن عبيد قال فيه: عن هلال بن عمرو عن أبيه. وصوب بعضهم الأول.
وعمرو هذا هو ابن رافع المزني، مذكور في الصحابة، وقال بعضهم فيه:" عمرو بن رافع عن أبيه " وذكر له هذا الحديث.
القول المحرر في حكم لبس المعصفر وسائر أنواع الأحمر
" بسم الله الرحمن الرحيم "
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وعلى آله الطاهرين، ورضي الله عن الصحابة الراشدين.
بدر بأفلاك البلاغة طالع
…
در على جيد الإجادة لامع
أم نظم من لباه من أوج العلا
…
ما رام فهو له مطيع سامع
شكل الذكاء وينتجه (1) الفهم الذي
…
ما كاد يطمع في مداه الطامع
يا مغنيًا عصر الشبيبة جاهدًا
…
في كل علم للعلائق قاطع
يمشي على نص الدليل مباينًا
…
للرأي وهو بنص طه قانع
وغدا بهدي محمد وصحابه
…
متلبسًا ولما عداه خالع
ظفرت يداك بمنبع العلم الذي
…
[من عين أسرار النبوة نابع](2)
[نفسي الفداء لعصبة نبوية
…
مرضية نحو الدليل تسارع] (3)
[لم يلهها عن منهج الحق الذي
…
يروي عن المعصوم رأي خادع] (4)
إن امرأً يأبى الدليل تعصبًا
…
فهو الذي للأنف منه جادع
من كان قدوته مقال محمد
…
فهو الضليع ومن عداه الضالع
كم بين من قال الرسول قضى بذا
…
وله به سند صحيح قاطع
وفتىً يقول أبو فلان قدوتي
…
أرضى بما يرضاه لست أنازع
(1) في " الديوان "(ص231) نتيجة.
(2)
كذا في المخطوط، والذي في الديوان (ص232) يروي عن المعصوم، رأي خادع.
(3)
زيادة من المخطوط غير موجود في الديوان (ص232).
(4)
زيادة من المخطوط غير موجود في الديوان (ص232).
فالعلم كل العلم إنصاف الفتى
…
وبه أتى النص الصريح الشائع
من كان أعرف بالصواب فحظه
…
في العلم حظ في الحقيقة واسع
أما الذي جعل التعصب مذهبًا
…
فهو امرؤ في الجهل عندي واقع [5]
لو كان في كل المعارف مفردًا
…
وإليه كل في الدقائق راجع
وأقول قد وافى إلينا منك يا
…
بدر الهدى بحث بديع رائع
عن حكم لبس للمعصفر ما الذي
…
قد صح مما قال فيه الشارع
وكذاك سائر كل ثوب أحمر
…
هل جاء عنه من الأدلة مانع
واعلم بأن الأمر فيه تخالف
…
في السنة الغرآ وفيه تنازع
والجمع بالإجماع صار مقدمًا
…
ولديه ترجيح الأدلة ضائع
وأراه فيما نحن فيه ممكنًا
…
وهو الذي للشك عندي رافع
قد تم مسلكه بغير تعسف
…
فاسلكه فهو لما تفرق جامع
والحق أبلج والدليل محكم
…
والكل [من نهر](1) النبوة كارع
فاستمل ما أمليه دمت منعمًا
…
يحبوك بالصنع الجميل الصانع
واعذر فهذا النظم غير مهذب
…
ما فيه مما يهوى البليغ البارع
لكنه في بحث علم بيننا
…
والشعر للمقصود منه تابع
اعلم أن الثوب المعصفر هو نوع من الثياب الحمر؛ لأن العصفر إذا صبغ به الثوب صار أحمر، كما صرح بذلك جماعة من أهل العلم، فلا يظن أن المعصفر له لون آخر غير لون الحمرة، والأحاديث الواردة في تحريم لبس مطلق الأحمر وفي تحريم لبس نوع منه خاص وهو المعصفر معارضة بأحاديث أخر.
وسنتكلم هاهنا على ذلك بحسب ما تبلغ إليه الطاقة، فنقول: أما الأحاديث الواردة في المنع من لبس مطلق الأحمر، فمنها حديث عبد الله بن عمرو عند أبي .....................
(1) في المخطوط (في نهر) والصواب ما أثبتناه.
داود (1)، والترمذي (2) وقال: حسن (3): " أنه مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل وعليه ثوبان أحمران، فسلم فلم يرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ".
وهذا الحديث لا تقوم به حجة؛ لأن في إسناده أبا يحيى القتات (4)، وهو كوفي لا يحتج بحديثه. قال أبو بكر البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بن عمرو، ولا نعلم له طريقًا إلا هذا الطريق، ولا نعلم رواه عن إسرائيل إلا إسحاق بن منصور.
قال الترمذي (5): بعد أن ساقه: معناه عند أهل الحديث أنه كره المعصفر. قال: ورأوا أن ما صبغ بالحمرة من مدر (6) أو غيره فلا بأس به إذا لم يكن معصفرًا.
قال الحافظ في الفتح (7): هو حديث ضعيف، وإن وقع في نسخ الترمذي أنه حسن، ومنها حديث " أن امرأة من بني أسد قالت: كنت يومًا عند زينب امرأة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[6] ونحن نصبغ ثيابها بمغرة، والمغرة صباغ أحمر، قالت: فبينما نحن كذلك، إذ طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأى المغرة (8) رجع، فلما رأت ذلك زينب علمت أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد كره ما فعلت، وأخذت فغسلت ثيابها، ووارت كل حمرة، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه
(1) في " السنن " رقم (4069).
(2)
في " السنن " رقم (2807) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وهو حديث ضعيف كما تقدم.
(3)
أي الترمذي في " السنن "(5/ 116).
(4)
قال ابن حجر في " التقريب "(2/ 489): " لين الحديث ".
(5)
أي الترمذي في " السنن "(5/ 116).
(6)
المدر - محركة -: قطع الطين اليابس - والمراد هاهنا هو الطين الأحمر الذي يصبغ به الثوب فيصير أحمر.
(7)
(10/ 306).
(8)
المغرة: المدر الأحمر الذي تصبغ به الثياب " النهاية "(4/ 345).
وآله وسلم -رجع، فاطلع فلما لم ير شيئًا دخل ". الحديث أخرجه أبو داود (1). وجهالة المرأة المذكورة غير قادحة؛ لأنها صحابية، وجهالة الصحابي مغتفرة؛ لأدلة ناهضة استوفيتها في القول المقبول في رد رواية المجهول من غير صحابة الرسول (2). ولكن في إسناد الحديث المذكور إسماعيل بن عياش (3) وابنه محمد بن إسماعيل (4)، وفيهما مقال مشهور، ومنها حديث رافع بن خديج عند أبي داود (5) قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فرأى على رواحلنا وعلى إبلنا أكسية فيها خيوط عهن حمر، فقال: ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم! فقمنا سراعًا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذنا الأكسية فنزعناها عنها ". ولا تقوم بالحديث حجة؛ لأن في إسناده رجلاً مجهولاً (6)، وذلك لأن محمد بن عمرو بن عطاء المذكور في إسناده قال: عن رجل من بني حارثة عن رافع بن خديج، وهذه الثلاثة الأحاديث على فرض صلاحيتها للاحتجاج بها ليس فيها ما يدل على تحريم لبس الأحمر، بل غاية ما فيها الدلالة على الكراهة فقط.
ومن أدلتهم ما أخرجه البخاري (7) وغيره من حديث البراء " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المياثر الحمر ". ولا يخفى أن هذا الدليل أخص من الدعوى.
(1) في " السنن " رقم (4071) بسند ضعيف.
(2)
انظر الرسالة رقم (42).
(3)
هو إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي، أبو عتبة الحمصي: صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم.
" التقريب " رقم (473).
(4)
هو محمد بن إسماعيل بن عياش الحمصي، عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع. قلت: وخلاصة القول أنه ضعيف.
" التقريب " رقم (5735).
(5)
في " السنن " رقم (4070) بسند ضعيف.
(6)
تقدم ذكره.
(7)
تقدم في السؤال.
وغاية ما فيه تحريم الميثرة الحمراء، فما الدليل على تحريم ما عداها من الملبوس وغيره مع ثبوت لبسه صلى الله عليه وآله وسلم للأحمر مرات كما سيأتي.
فإن قيل: إن إلحاق غيرها بها بالقياس فسيأتي ما يدل على عدم صحته.
ومن أدلتهم حديث رافع بن برد أو رافع بن خديج كما قال ابن قانع مرفوعًا بلفظ: " إن الشيطان يحب الحمرة، فإياكم والحمرة وكل ثوب ذي شهرة ".
أخرجه الحاكم في الكنى (1)، وأبو نعيم في المعرفة (2)، وابن قانع (3)، وابن السكن (4)، وابن منده (5)، وابن عدي (6)، والبيهقي (7)، ويشهد له ما أخرجه الطبراني (8) عن عمران بن حصين بلفظ " إياكم والحمرة فإنها أحب الزينة إلى الشيطان ".
وأخرج نحوه عبد الرزاق (9) من حديث الحسن مرسلاً، وهذا لو صح كان أنص ما احتجوا به على مطلوبهم، ولكنه سيأتي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس الحلة الحمراء في غير مرة، ويبعد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن يلبس ما حذرنا من لبسه معللاً ذلك بأن الشيطان يحب الحمرة ".
ولا يصح أن يقال هاهنا: إن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بنا كما صرح بذلك أئمة الأصول (10)[7] لا نقول: تلك العلة - وهي كون الشيطان يحب
(1) لم أجده في القسم المطبوع من الكنى.
(2)
(5/ 2675 - 2676 رقم 2883) في ترجمة (نافع بن يزيد الثقفي).
(3)
لم يخرجه ابن قانع في " معجم الصحابة " المطبوع.
(4)
عزاه إليهما ابن حجر في " الإصابة "(2/ 371 رقم الترجمة 2555) وقال ابن منده: رواه سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن رافع نحوه.
(5)
عزاه إليهما ابن حجر في " الإصابة "(2/ 371 رقم الترجمة 2555) وقال ابن منده: رواه سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن رافع نحوه.
(6)
في " الكامل "(3/ 1172).
(7)
تقدم تخريجه في السؤال.
(8)
تقدم تخريجه.
(9)
في " المصنف "(11/ 79 - 80 رقم 19975).
(10)
انظر تفصيل ذلك في " إرشاد الفحول "(170)" نهاية السول "(3/ 37 - 38).
الحمرة - مشعرة بعدم اختصاص الخطاب.
إذ تجنب ما يحبه الشيطان أو يلابسه هو صلى الله عليه وآله وسلم أحق الناس به. وأيضًا الحديث المذكور في إسناده أبو بكر البدلي وهو ضعيف، وقد صرح الحافظ (1) بتضعيفه، وبالغ الجوزقاني (2) فقال: باطل. فعرفت بهذا أن ما تقدم ذكره من الأدلة لا ينتهض للاحتجاج به على فرض انفراده عن المعارض، فكيف وقد ثبت في الأمهات كلها من حديث البراء قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مربوعًا، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئًا قط أحسن منه "(3).
وأخرج البخاري (4) وغيره (5) عن أبي جحيفة: " أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في حلة حمراء مشمرًا، صلى إلى العنزة بالناس ركعتين ".
وأخرج أبو داود (6) بإسناد فيه اختلاف عن عامر المزني قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى وهو يخطب على بغلة وعليه برد أحمر، وعليٌّ عليه السلام أمامه ".
قال في البدر المنير وإسناده حسن. وأخرج البيهقي (7) عن جابر " أنه كان له صلى الله عليه وآله وسلم ثوب أحمر يلبسه في العيدين والجمعة ".
وروى ابن خزيمة في صحيحه (8) نحوه بدون ذكر الأحمر، وقد ثبت لبسه - صلى الله
(1) في " الإصابة "(2/ 371).
(2)
في كتاب " الأباطيل "(2/ 248 رقم 646).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
في " صحيحه " رقم (376).
(5)
كمسلم في " صحيحه " رقم (250/ 503) وأحمد (4/ 308).
(6)
في " السنن " رقم (4073) وهو حديث صحيح.
(7)
في " السنن الكبرى "(3/ 247).
(8)
لم أجده في المطبوع.
عليه وآله وسلم - للأحمر بعد حجة الوداع، ولم يلبث بعدها إلا أيامًا يسيرة.
وقد زعم ابن القيم (1) أن الحلة الحمراء التي لبسها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمراء مع الأسود، وغلط من قال: إنها كانت حمراء بحتًا، قال: وهي معروفة بهذا الاسم. ولا يخفاك أن ما تقدم من الصحابة وصفوا ذلك الملبوس بالحمرة، وهم من أهل اللسان، والواجب الحمل على المعنى الحقيقي وهو الحمراء البحت؛ لأن إطلاق لفظ الأحمر أو الحمراء على ما بعضه أحمر دون بعض مجاز لا يحمل ذلك الوصف عليه إلا لموجب، فإن أراد أن ذلك معنى الحلة الحمراء لغة فليس في كتب اللغة ما يشهد لذلك، وإن أراد أن ذلك حقيقة شرعية فيها فالحقائق الشرعية لا تثبت بمجرد الدعوى، والواجب حمل ما قاله ذلك الصحابي على لغة العرب؛ لأنها لسانه ولسان قومه إلا أن يكتب بالنقل اصطلاح للشارع بخلاف الوضع اللغوي وجب حمل ما أطلق من ألفاظه صلى الله عليه وآله وسلم وألفاظ أصحابه عليه، كما تقرر في الأصول (2) أنها تقدم الحقيقة الشرعية فالعرفية فاللغوية، فإن ابن القيم (3) إنما فسرها بذلك التفسير؛ للجمع بين الأدلة، فمع كون كلامه يأبى ذلك لتصريحه بتغليط من قال: إنها الحمراء البحت لا ملجئ إليه لإمكان الجمع بدونه كما سيأتي، مع أن حمله الحلة الحمراء على ما ذكر ينافي ما احتج به [8] في أثناء كلامه من إنكاره صلى الله عليه وآله وسلم على القوم الذين رأى على رواحلهم أكسية فيها خطوط حمر (4) كما سلف، وفيه دليل على كراهة ما كان فيه خطوط حمر، فلم ينفعه ذلك التفسير الذي فسر به الحلة؛ لاعترافه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنكر على أولئك القوم ما فيه خطوط حمر، ولكنه لا يليق لمنصف الجزم بتحليل الثوب
(1) في " زاد المعاد "(1/ 132).
(2)
انظر تفصيل ذلك:
" إرشاد الفحول "(ص107 - 112)" البحر المحيط "(2/ 158 - 159)" المحصول "(1/ 298).
(3)
في " زاد المعاد "(1/ 132).
(4)
تقدم تخريجه.
الأحمر على العموم، فإن الثوب المعصفر نوع من الثياب الحمر كما سلف، وقد صح النهي عن لبسه، فأخرج أحمد (1) ومسلم (2) والنسائي (3) عن عبد الله بن عمرو قال:" رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: إن هذه ثياب الكفار، فلا تلبسها ".
وعنه أيضًا قال: " أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية، فالتفت إليَّ وعليَّ ريطة مضرجة بالعصفر، فقال: ما هذه! فعرفت ما كره، فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورهم، فقذفتها فيه، ثم أتيته من الغد، فقال: يا عبد الله ما فعلت الريطة؟ فأخبرته فقال: ألا كسوتها بعض أهلك " أخرجه أحمد (4)، وأبو داود (5)، وابن ماجه (6) وزاد " فإنه لا بأس بذلك للنساء ".
والريطة - بفتح الراء المهملة وسكون المثناة من تحت ثم طاء مهملة، ويقال: رايطة. قال المنذري (7): جاءت الرواية بهما، وهي كل ملاءة منسوجة نسج واحد. وقيل: كل ثوب رقيق لين، والجمع ريط ورياط (8). والمضرجة - بفتح الراء المشددة - أي: الملطخة بالعصفر.
وأخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أيضًا قال: " رأى عليَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثوبين معصفرين فقال: أمك أمرتك بهذا؟ قال: قلت: أغسلهما يا رسول [الله]؟ قال: بل أحرقهما " وهذه الرواية تنافي الرواية الأولى، وقد جمع بعضهم بين الروايتين بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر أولاً بإحراقهما ندبًا، ثم لما أحرقهما قال له
(1) في " المسند "(2/ 162).
(2)
في " صحيحه " رقم (27/ 2077).
(3)
في " السنن "(8/ 203) وهو حديث صحيح وقد تقدم.
(4)
في " المسند "(4/ 96).
(5)
في " السنن " رقم (4066).
(6)
في " السنن " رقم (3603) وهو حديث حسن وقد تقدم.
(7)
في " مختصر السنن "(6/ 39).
(8)
" النهاية "(2/ 289).
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لو كسوتهما بعض أهلك " إعلامًا له بأن هذا كان كافيًا لو فعله، وأن الأمر للندب.
ولا يخفى ما في هذا من التكليف الذي عنه مندوحة؛ لأن القضية لم تكن واحدة حتى يجمع بين الروايتين بمثل هذا، بل هما قضيتان مختلفتان، وغايته أنه صلى الله عليه وآله وسلم في أحد القضيتين غلّظ عليه وعاقبه فأمره بإحراقهما، ولعل هذه المرة التي أمره فيها بالإحراق كانت بعد تلك المرة التي أخبره فيها بأن ذلك غير واجب، وهذا وإن كان بعيدًا من جهة أن صاحب القصة يبعد أن يقع منه اللبس للمعصفر مرة أخرى بعد أن سمع فيه ما سمع المرة الأولى، ولكنه دون البعد الذي في الجمع الأول؛ لأن احتمال النسيان كائن، وكذا احتمال عروض شبهة توجب الظن بعدم التحريم، ولا سيما وقد وقعت منه صلى الله عليه وآله وسلم المعاتبة على الإحراق.
قال القاضي عياض (1)[9]: " أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالإحراق من باب التغليظ والعقوبة " انتهى.
وأخرج مسلم (2) وأبو داود (3) والترمذي (4) والنسائي (5) عن علي عليه السلام قال: " نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التختم بالذهب، وعن لباس القسي، وعن القراءة في الركوع والسجود وعن لباس المعصفر " وقد قيل: إن هذا النهي مختص بعلي عليه السلام؛ ولهذا ثبت في رواية (6) عنه أنه قال: " ولا أقول نهاكم " ويجاب بأن
(1) في " إكمال المعلم بفوائد مسلم "(6/ 589).
(2)
في " صحيحه " رقم (2078).
(3)
في " السنن " رقم (4044).
(4)
في " السنن " رقم (1737) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(5)
في " السنن "(2/ 217)(8/ 167 - 168) وهو حديث صحيح.
(6)
". . . . بأن ظاهر قوله: " نهاني " أن ذلك مختص به؛ ولهذا ثبت في رواية عنه أنه قال: ولا أقول نهاكم. وهذا الجواب ينبني على الخلاف المشهور بين أهل الأصول في حكمه صلى الله عليه وسلم على الواحد من الأمة هل يكون حكمًا على بقيتهم أو لا. والحق الأول، فيكون نهيه لعلي وعبد الله نهيًا لجميع الأمة، ولا يعارضه صبغه بالصفرة على تسليم أنها من المعصفر؛ لما تقرر في الأصول من أن فعله الخالي عن دليل التأسي الخاص لا يعارض قوله الخاص بأمته.
فالراجح: تحريم الثياب المعصفرة، والعصفر وإن كان يصبغ صبغًا أحمر كما قال ابن القيم - زاد المعاد (1/ 136) - فلا معارضة بينه وبين ما ثبت في الصحيحين - تقدم من حديث البراء - من أنه " صلى الله عليه وسلم كان يلبس حلة حمراء "؛ لأن النهي في هذه الأحاديث يتوجه إلى نوع خاص من الحمرة، وهي الحمرة الحاصلة عن صباغ العصفر.
وقال البيهقي في " معرفة السنن والآثار "(2/ 452 - 454) رادًا لقول الشافعي: إنه لم يحك أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الصفرة إلا ما قال علي: " نهاني ولا أقول نهاكم " واعلم أن الأحاديث تدل على أن النهي على العموم، ثم قال بعد ذلك: ولو بلغت هذه الأحاديث الشافعي رحمه الله لقال بها.
ذلك ينبني على الخلاف المشهور في الأصول (1) في حكمه صلى الله عليه وآله وسلم على الواحد من الأمة، هل يكون حكمًا على بقيتهم أو لا؟ والحق الأول، وأيضًا لفظ أبي داود وغيره نهي، وهو يفيد العموم؛ لما تقرر في علم المعاني أن حذف (2) المتعلق من المشعرات بالتعميم.
وأخرج أبو داود (3) من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو قال: " رآني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليَّ ثوب مصبوغ بعصفر مورد، فقال: ما هذا؟ قال: فانطلقت فأحرقته، فقال صلى الله عليه وآله وسلم ما صنعت بثوبك؟ فقلت: أحرقته، فقال: أفلا كسوته بعض أهلك " وفي إسناده إسماعيل بن عياش وشرحبيل بن مسلم الخولاني، وهما ضعيفان.
وأخرج أبو داود (4) من حديث عمران بن حصين أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم
(1) انظر " إرشاد الفحول "(ص444) وقد تقدم توضيحه مرارًا.
(2)
انظر " إرشاد الفحول "(ص453) و" البحر المحيط "(3/ 195).
(3)
في " السنن " رقم (4068) وهو حديث ضعيف.
(4)
في " السنن " رقم (4048) وهو حديث ضعيف.
قال: " لا أركب الأرجوان ولا ألبس المعصفر " وهو من رواية الحسن عن عمران بن حصين، ولم يسمع منه فهو منقطع.
وأخرج الطبراني (1) عن عبادة بن الصامت قال: " بصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل عليه ملحفة معصفرة، فقال: ألا رجل يستر بيني وبين هذه النار؟ " فهذه الأحاديث قاضية بمنع لبس ما كان من الثياب الحمراء (2) المصبوغة بالعصفر، فيتعين الجمع بين الأحاديث المختلفة المتقدمة بأن يحمل ما روي من لبسه صلى الله عليه وآله وسلم للأحمر على ما كان مصبوغًا بغير العصفر، ويحمل ما روي من النهي عن مطلق
(1) أورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 156) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(2)
قال الحافظ في " الفتح "(10/ 306): إن في لبس الثوب الأحمر سبعة مذاهب:
الأول: الجواز مطلقًا جاء عن علي، وطلحة، وعبد الله بن جعفر، والبراء، وغير واحد من الصحابة، وعن سعيد بن المسيب، والنخعي، والشعبي، وأبي قلابة، وطائفة من التابعين.
الثاني: المنع مطلقًا، ولم ينسبه الحافظ إلى قائل معين، إنما ذكر أخبارًا وآثارًا يعرف بها من قال بذلك.
الثالث: يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفًا، جاء ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد.
الرابع: يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهرة، ويجوز في البيوت والمهنة. جاء ذلك عن ابن عباس.
الخامس: يجوز لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج، ويمنع ما صبغ بعد النسج، جنح إلى ذلك الخطابي.
السادس: اختصاص النهي بما يصبغ بالعصفر، ولم ينسبه إلى أحد.
السابع: تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله، وأما ما فيه لون آخر غير أحمر فلا، حكى عن ابن القيم أنه قال بذلك بعض العلماء.
قال الحافظ: والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الأحمر إن كان من أجل أنه لبس الكفار، فالقول فيه كالقول في المثيرة الحمراء، وإن كان من أجل أنه زي النساء، فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء، فيكون النهي عنه لا لذاته، وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة فيمنع، حيث يقع ذلك، وإلا فلا فيقوي ما ذهب إليه مالك في التفرقة بين لبسه في المحافل وفي البيوت.
الأحمر وإنكاره على المقيد بكونه مصبوغًا بالعصفر، فيكون الممنوع لبسه من أنواع الأحمر هو المصبوغ بالعصفر فقط دون غيره، وهذا الجمع متعين وهو الراجح عندي (1).
ويؤيده ما أخرجه أحمد (2) وأبو داود (3) والنسائي (4) عن ابن عمر: " أنه كان يصبغ ثيابه ويدهن بالزعفران، فقيل: لم تصبغ ثيابك وتدهن بالزعفران؟ فقال: إني رأيته أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدهن به ويصبغ به ثيابه " ولا شك أن المصبوغ بالزعفران يكون أحمر.
ولا يعترض على هذا بأن يقال قد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر " أنه قال: وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها " لأنا نقول: المراد بالصبغ هاهنا خضاب اللحية.
قال المنذري (5): واختلف الناس في ذلك، فقال بعضهم: أراد الخضاب للحية بالصفرة. وقال آخرون: أراد تصفير الثياب. انتهى. وقد جزم الخطابي (6) بأن المراد [10] خضاب اللحية، ولكنه زاد أبو داود (7) والنسائي ما لفظه: وكان يصبغ بها ثيابه كلها، ولا يخفاك أن الذي جزمنا بمنعه هو المصبوغ بالعصفر فقط، والمذكور في هذا الحديث الصبغ بالصفرة، وقد قدمنا أن العصفر (8) يصبغ صباغًا أحمر، حتى قال ابن القيم (9):
(1) انظر " نيل الأوطار "(1/ 146 - 153) و" المفهم "(5/ 400).
(2)
في " المسند "(2/ 97).
(3)
في " السنن " رقم (4064).
(4)
في " السنن "(8/ 140) وهو حديث صحيح.
(5)
في " مختصر السنن "(6/ 38).
(6)
في " معالم السنن "(5/ 338 - هامش السنن).
(7)
في " السنن " رقم (4064).
(8)
انظر " القاموس "(ص567).
(9)
في " زاد المعاد "(1/ 131).
إن ذلك معلوم والصباغ بالصفرة خارج عما نحن بصدده، وهذا الجمع الذي رجحناه وهو المروي عن أهل الحديث كما تقدم عن الترمذي (1) في أول البحث، وفي لبس الأحمر خلاف منتشر، ومذاهب متعددة بلغت إلى سبعة كما في فتح الباري (2).
قال النووي في شرح مسلم: واختلف العلماء في المعصفرة هل هي المصبوغة بعصفر؟ فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك، لكنه قال: غيرها أفضل منها، وفي رواية أنه أجاز لباسها في البيوت وأفنية الدور.
وكرهه في المحافل والأسواق ونحوها. وقال جماعة من العلماء: هو مكروه كراهة تنزيه، وحملوا النهي على هذا؛ لأنه ثبت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس حلة حمراء "(3).
وفي الصحيحين (4) عن ابن عمر قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصبغ بالصفرة ".
وقال الخطابي (5): النهي منصرف إلى ما صبغ من الثياب بعد النسج، فأما ما صبغ غزله ثم نسج، فليس بداخل في النهي، وحمل بعض العلماء النهي هنا على المحرم بالحج أو العمرة؛ ليكون موافقًا لحديث (6) ابن عمر:" نهى المحرم أن يلبس ثوبًا مسه ورس أو زعفران " انتهى.
(1) في " السنن "(4/ 116).
(2)
(10/ 306) تقدم ذكرها.
(3)
تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
(4)
البخاري في " صحيحه " رقم (166) ومسلم رقم (1187).
(5)
في " معالم السنن "(5/ 338 - حاشية السنن).
(6)
أخرجه البخاري في " صحيحه " رقم (5852) ومسلم رقم (3/ 1177) وابن ماجه رقم (2930)(2932) والبيهقي في " السنن "(5/ 50) وابن حبان رقم (3787) وأحمد (2/ 66) من طرق. وهو من حديث عبد الله بن عمر.
قال البيهقي (1) في السنن: نهى الشافعي رحمه الله الرجل عن المزعفر، وأباح له المعصفر، قال الشافعي: إنما رخصت في المعصفر؛ لأني لم أجد أحدًا يحكي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم النهي عنه إلا ما قال علي رضي الله عنه: " نهاني ولا أقول نهاكم " قال البيهقي (2) وقد جاءت أحاديث تدل على النهي على العموم، ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو المتقدم وأحاديث أخرى ثم قال: لو بلغت هذه الأحاديث الشافعي رحمه الله لقال بها، ثم ذكر بإسناده ما صح عن الشافعي رحمه الله أنه قال: إذا صح حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلاف قولي فاعملوا بالحديث ودعوا قولي. وفي رواية (3): فهو مذهبي.
قال البيهقي (4): وقد كره المعصفر بعض السلف، وبه قال أبو عبد الله الحليمي، ورخص فيه جماعة. والسنة أولى بالاتباع. انتهى.
وحكى الإمام المهدي رحمه الله في البحر (5) عن العترة وأبي حنيفة أنه يكره للرجل لبس المشبع صفرة وحمرة في غير الحرب، واستدل بحديث عليٍّ عليه السلام المتقدم، وظاهر تلك الحكاية عمن ذكر عدم الفرق بين الأحمر بالعصفر أو بغيره.
وحكى أيضًا عن مالك والشافعي عدم الكراهة. وحكى أيضًا عن الإمام يحيى رحمه الله أنه لا يكره المصبوغ بالفوه والبقم، وقد [11] اقتصر الإمام المهدي على حكاية الكراهة فقط لمذهب العترة كما في البحر (6) في كتاب اللباس وكتاب الصلاة، والمعروف من مذهب الزيدية التحريم.
وقد صرح في الغيث (7) أنهم صححوا التحريم؛ ولهذا جعل لبس المشبع صفرة وحمرة
(1) في " معرفة السنن والآثار "(2/ 454 رقم 3434).
(2)
في " معرفة السنن والآثار "(2/ 454 رقم 3434).
(3)
أخرجه البيهقي في " معرفة السنن والآثار "(2/ 454 رقم 3435).
(4)
انظر " معرفة السنن والآثار "(2/ 454 - 455).
(5)
(4/ 360).
(6)
(4/ 360).
(7)
تقدم التعريف به.
في الأزهار (1) في باب اللباس من جملة المحرمات، والراجح ما أسلفناه، ويؤيده ما تقدم عن ابن عمر أنه كان يصبغ ثيابه بالزعفران (2).
ويحكى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " أنه كان يصبغ ثيابه به "(3).
وأخرج الترمذي (4) من حديث قيلة بنت مخرمة: " أنها رأت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليه مليتان كانتا بزعفران وقد نفضتا ومعه عسيب نخلة ".
وأخرج أيضًا (5) من حديث سمرة مثله، فهذه ثلاثة أحاديث عن ثلاثة من الصحابة مصرحة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصبغ ثيابه بالزعفران وهو يصبغ أحمر كما لا يخفى. وفي ذلك إرشاد إلى ما ألمحنا إليه من أن المحرم نوع مخصوص من الأحمر وهو المعصفر.
وذكر الجلال في ضوء النهار (6): أنه يجمع بين الأحاديث بحمل النهي على الكراهة، ويبعد ذلك ما تقدم من أمره صلى الله عليه وآله وسلم لمن لبس بأن يحرقه، ولا يعاقب على ارتكاب المكروه بمثل هذا، يؤيده بعدًا قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها "(7) فإن المجيء بالنهي بعد بيان أنها مختصة بالكفار يفيد أنه للتحريم؛ لما تقرر من أن التشبه بالكفار حرام، وجعل النهي عن المعصفر مقترنًا بالنهي عن الحرير وخاتم الذهب كما تقدم في حديث عليٍّ عليه السلام مما يؤيد التحريم.
قال المقبلي في المنار (8): والظاهر أن ما ساوى المعصفر في نصوع الحمرة فهو مثله،
(1)(3/ 284 - مع السيل).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
لم أجده.
(5)
في " السنن "(4/ 219).
(6)
(4/ 1999 - 2002).
(7)
تقدم تخريجه.
(8)
(2/ 266).
كالأصباغ التي تكون في شيء من الجوخ هي أقنى وأزين من المعصفر إن لم تزد عليه لم تنقص. والشافعية اقتصروا عليه ولا وجه لذلك؛ لأنه لا خصوصية للمعصفر، فيتعدى الحكم بالقياس بعدم الفرق.
وأحاديث كراهة الحمرة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " ألا إن هذه الحمرة قد علتكم "(1) تقوي التعميم، غايته أن المحقق المشبع كما ذكره المصنف، وقد مر في الصلاة ما هو أبسط من هذا. انتهى كلامه (2).
وأقول هذا مبني على ما ذكره ابن القيم (3) من التأويل في الحلة الحمراء التي لبسها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم، وقد عرفت عدم صحته، والمقبلي رحمه الله قد قلده في ذلك، ونقل كلامه في كتاب الصلاة من حاشية المنار (4)، فاستراح بذلك من الأحاديث الواردة في الصحيح وغيره أنه صلى الله عليه وآله وسلم لبس الحلة الحمراء والثوب الأحمر كما سلف؛ ولهذا رجح العمل بالقياس لما فيه من حمرة من الثياب مطلقًا على ما كان منها مصبوغًا بالعصفر، ولا يتم ذلك على ما قررنا من أن المعنى الحقيقي لما وصفه [12] الصحابي بالحمرة هو أن جميعه أحمر لا بعضه. وأيضًا ما كان البعض منه أحمر منهيًا عنه كما اعترف به ابن القيم (5).
ولا يخفى أن إلحاق كل ما كان أحمر بما كان معصفرًا استلزم على ذلك التقرير إهدار الأحاديث الواردة بلبسه صلى الله عليه وآله وسلم للأحمر أو التكليف لدعوى الاختصاص به، وكل ذلك غير مناسب، أما الأول فلا شك أن اطراح دليل صحيح بدليل آخر دونه في الصحة أو مثله بلا مرجح مما لا يقع فيه منصف، وعلى تسليم وجود المرجح كأن
(1) تقدم تخريجه.
(2)
المقبلي في " المنار "(2/ 266).
(3)
في " زاد المعاد "(1/ 131).
(4)
" المنار "(2/ 266).
(5)
في " زاد المعاد "(1/ 131).
يقال فيما نحن بصدده مثلاً، الأحاديث القاضية بتحريم الأحمر أقوال وهي أرجح من الأفعال، فلا يتم ذلك أيضًا؛ لأنه مصير إلى الترجيح مع إمكان الجمع وهو غير جائز إجماعًا. وأما الثاني فقد تقرر بنص الكتاب والسنة.
أن التأسي بأفعاله صلى الله عليه وآله وسلم ثابت على الأمة كالتأسي بأقواله، فالقول بالاختصاص في غير ما تبين وجهه خلاف الظاهر بالإجماع فلا يصار إليه إلا لموجب.
إذا تقرر هذا عرفت أن ما ذكرناه من الجمع بتحريم المعصفر وحده متعين، لا يتم العمل بجميع الأدلة المختلفة على وجه حسن، وعدم الترك لبعضها أو التعسف في تأويل ما لا ملجئ إلى تأويله إلا به. وهذا على فرض عدم العلم بالتاريخ، فكيف وقد علم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس الأحمر بعد حجة الوداع (1)، ولم يلبث صلى الله عليه وآله وسلم بعدها إلا نحو ثلاثة أشهر!.
وقد تقرر في الأصول (2) أن المتأخر ناسخ للمتقدم مع عدم إمكان الجمع، سواء كان المتأخر قولا أو فعلا مصحوبًا بدليل التأسي الخاص والعام على خلاف في ذلك، مرجعه إلى شمول القول له صلى الله عليه وآله وسلم بطريق التنصيص أو الظهور، أو اختصاصه بسائر الأمة دونه.
وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية، والله ولي التوفيق، حرر الجواب في سلخ شهر ربيع الآخر سنة 1209 [13].
(1) انظر " فتح الباري "(10/ 259، 306).
(2)
انظر " البحر المحيط "(4/ 127)، و" إرشاد الفحول "(ص605) وما بعدها. انظر " فتح الباري "(10/ 306).