المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث في حديث العين المسروقة إذا وجدها المالك - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٩

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌القول الجلي في حل لبس النساء للحلي

- ‌سؤال عن شأن لبس المعصفر وغيره من سائر أنواع الأحمر

- ‌الأبحاث البديعة في وجوب الإجابة إلى حكام الشريعة

- ‌الجوابات المنيعة على الأبحاث البديعة

- ‌الذريعة إلى دفع الأجوبة المنيعة على الأبحاث البديعة

- ‌منحة المنان في أجرة القاضي والسجان والأعوان

- ‌إرشاد السائل إلى دلائل المسائل

- ‌تشنيف السمع بجواب المسائل السبع

- ‌سؤال عن يمين التعنت التي يطلبها المتخاصمون

- ‌بحث في قبول العدلة في عورات النساء

- ‌إشراق النيرين في بيان الحكم إذا تخلف عن الوعد أحد الخصمين

- ‌بحث في القرائن وهي رد على تظلم رفع إليه من قبل رجل يتظلم من عريف من عرفاء بلاد الروس

- ‌بحث في العمل بالخط ومعاني الحروف العلمية النقطية

- ‌رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين

- ‌بحث في حديث العين المسروقة إذا وجدها المالك

- ‌مناقشة من القاضي العلامة محمد بن أحمد مشحم رحمه الله للبحث السابق (العين المسروقة) وهو السائل

- ‌جواب المناقشة السابقة

- ‌بحث في قاذف الرجل

الفصل: ‌بحث في حديث العين المسروقة إذا وجدها المالك

(151)

49/ 2

‌بحث في حديث العين المسروقة إذا وجدها المالك

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب

ص: 4691

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: بحث في حديث العين المسروقة إذا وجدها المالك.

2 -

موضوع الرسالة: " فقه ".

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ورضي الله عن الصحابة الراشدين وبعد فإنه ورد هذا السؤال. .. .

4 -

آخر الرسالة: وتخصيص المتواتر بالآحاد هو المذهب الراجح والقول الصحيح.

وإلى هنا انتهى الجواب عن السؤال بمعونة ذي الجلال والإفضال بقلم المجيب الحقير محمد بن الشوكاني غفر الله لهما.

5 -

نوع الخط: خط نسخي مقبول.

6 -

عدد الصفحات: 8 صفحات ما عدا صفحة العنوان.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 22 سطرًا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 8 كلمة.

9 -

الناسخ: محمد بن علي الشوكاني.

10 -

الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 4693

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ورضي الله عن الصحابة الراشدين.

وبعد:

فإنه ورد هذا السؤال من بعض الأعلام المبرزين - كثر الله فوائدهم - في علوم الدين، ولفظه:

[السؤال]

من حسناتكم - كثر الله فوائدكم - الكلام على هذه الأحاديث مستوفى بما يزيل شبهة التعارض. أخرج النسائي (1) من حديث أسيد بن حضير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- قضى أنه إذا وجدها يعني السرقة في يد رجل غير المتهم، فإن شاء أخذها بما اشتراها، وإن شاء اتبع سارقه، وقد قضى بذلك أبو بكر وعمر. وقد أخرجه أبو داود في المراسيل (2).

وأخرج النسائي (3) شاهدًا له من حديث أسيد بن ظهير (4).

وأخرج أبو داود (5)، ..............................................

(1) في " السنن " رقم (4679) بإسناد حسن.

والراوي أسيد بن ظهير وقد تحرف في المطبوع إلى حضير. .

(2)

رقم (192).

(3)

في " السنن " رقم (4680) وهو حديث صحيح.

(4)

في حاشية المخطوط ما نصه: "

السائل رحمه الله أن الحديث من رواية أسيد بن حضير وشاهده من رواية أسيد بن ظهير، والذي ظهر بعد البحث أن الحديثين من رواية أسيد بن ظهير وليس لأسيد بن حضير في ذلك رواية حسبما نبه على ذلك المزي في الأطراف وكذا في غيره فليحقق انتهى.

انظر: " تحفة الأشراف في معرفة الأطراف "(1/ 75).

(5)

في " السنن " رقم (3531).

ص: 4697

وأحمد (1)، والنسائي (2)، عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيع من باعه "، وفي لفظ:" إذا سرق من الرجل متاع أو ضاع منه، فوجده بيد رجل بعينه فهو أحق به، ويرجع المشتري على البائع بالثمن " رواه أحمد (3)، وابن ماجه (4). انتهى السؤال.

(1) في " المسند "(5/ 18).

(2)

في " السنن " رقم (4681). وهو حديث ضعيف.

(3)

في " المسند "(5/ 14).

(4)

في " السنن " رقم (2331).

وهو حديث ضعيف. انظر: " الضعيفة "(1627).

ص: 4698

[الجواب]

وأقول: مستعينًا بالله، ومتوكلاً عليه أن الجواب على الوجه الذي طلبه السائل - كثر الله فوائده - ينحصر في وجوه أربعة:

الأول: الكلام على إسناد حديث أسيد بن حضير فأقول: قال النسائي [1أ](1) أخبرني هارون بن عبد الله، حدثنا حماد بن مسعدة عن ابن جريج، عن عكرمة بن خالد قال: حدثني أسيد بن حضير

فذكره. وكل هؤلاء ثقات أثبات من رجال الصحيح، أما هارون بن عبد الله (2) فهو البغدادي الحمال بالمهملة، البزاز، وثقه الحفاظ (3)، وحديثه في صحيح مسلم وغيره، وأما حماد بن مسعدة (4) فهو التميمي أبو سعيد البصري. وقد أخرج حديثه الجماعة كلهم ووثقه الأئمة، وأما ابن جريج (5) فهو الإمام الحجة المشهور، وحديثه في الصحيحين وغيرهما. وأما عكرمة بن خالد (6) فهو المخزومي ثقة مشهور، حديثه في الصحيح وغيره؛ فهؤلاء كلهم ثقات أثبات، حديثهم ثابت في الصحيح، والاحتجاج بهم متفق عليه، وكل واحد منهم أدرك شيخه، وسمع منه.

(1) في " السنن "(7/ 312 - 313) رقم (4679). من حديث أسيد بن حضير كما تقدم.

(2)

انظر " تهذيب التهذيب "(4/ 255).

قال ابن حجر: سمي بذلك لأنه بزازًا فتزهد فصار يحمل الشيء بالأجرة ويأكل منه.

(3)

قال النسائي ثقة، وقال أبو حاتم وإبراهيم الحربي: صدوق، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين.

انظر المرجع السابق.

(4)

انظر " تهذيب التهذيب "(1/ 485).

(5)

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم أبو الوليد وأبو خالد المكي، أصله رومي.

انظر: " تهذيب التهذيب "(2/ 616 - 617).

(6)

انظر " الميزان " للذهبي (3/ 90 رقم 5711). " تهذيب التهذيب "(3/ 131 - 132).

ص: 4699

والأصل عدم وجود العلة القادحة، لا سيما في أحاديث مثل هؤلاء الثقات؛ فالحديث صحيح لصحة إسناده.

الوجه الثاني: في الكلام على إسناد الشاهد الذي أشار إليه السائل - كثر الله فوائده -.

فأقول: سياق إسناده ومتنه هكذا: قال النسائي (1) أخبرنا عمرو بن منصور، حدثنا سعيد بن ذؤيب، حدثنا عبد الرازق عن ابن جريج، أخبرني عكرمة بن خالد أن أسيد بن ظهير الأنصاري، ثم أحد بني حارثة أخبره أنه كان عاملاً على اليمامة، وأن مروان كتب أن معاوية كتب إليه أن أيما رجل سرق منه سرقة فهو أحق بها حيث ما وجدها، ثم كتب بذلك مروان إلي، فكتبت إلى مروان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" قضى بأنها إذا كان الذي ابتاعها من الذي سرقها غير متهم يخير سيدها [1ب] فإن شاء أخذ الذي سرق منه بثمنها، وإن شاء اتبع سارقه " ثم قضى بذلك أبو بكر، وعمر، وعثمان، فبعث مروان بكتاب إلى معاوية، فكتب معاوية إلى مروان: إنك لست أنت ولا أسيد تقضيان علي، ولكن أقضي فيما وليت عليكما، فأنفذ لما أمرتك به فبعث مروان بكتاب معاوية فقلت: لا أقضي بما وليت بما قال معاوية وهذا الإسناد رجاله ثقات.

أما عمرو بن منصور (2) فهو النسائي أبو سعيد، أخرج حديثه النسائي وقال: إنه ثقة، مأمون، ثبت (3)، وأما سعيد بن ذؤيب (4) فهو المروزي، أخرج له النسائي، ووثقه، وذكره ابن حبان في الثقات (5)، وأما عبد الرازق فهو الإمام الكبير الحجة، وأما ابن

(1) في " السنن " 7/ 313 رقم 4680 ().

(2)

انظر " تهذيب التهذيب "(3/ 306).

(3)

ذكره ابن حجر في " التهذيب "(3/ 306). والذهبي في " الميزان "(3/ 289 رقم 6453).

(4)

انظر " تهذيب التهذيب "(3/ 16). " ميزان الاعتدال "(2/ 135 رقم 3167).

(5)

(8/ 270).

ص: 4700

جريج (1)، وعكرمة بن خالد (2) فقد تقدم أنهما من رجال الصحيح، وأما أسيد بن ظهير (3) فهو صحابي أوسي، شهد الخندق، وله حديثان، هذا أحدهما (4)، ومات (5) في أيام مروان بن الحكم؛ فرجال الإسناد ثقات. وقد وقع في بعض النسخ مكان أسيد بن ظهير أسيد بن حضير، وهو وهم منشؤه من كون معنى الحديثين واحدًا، وكون الراوي عن كل واحد منهما عكرمة بن خالد، والراوي عنه ابن جريج. ولكن لا يصح ذلك، لأن أسيد بن حضير (6) مات سنة عشرين من الهجرة، وذلك في خلافة عمر، والقصة المذكورة واقعة في أيام معاوية، وإمارة مروان.

وأسيد بن ظهير من جهته، وذلك إنما كان من سنة بعد أربعين من الهجرة، فكيف يدرك ذلك أسيد بن حضير! إنما أدركه أسيد بن ظهير؛ فإنه تأخر موته إلى أيام مروان [2أ] بن الحكم كما هو معروف (7).

الوجه الثالث: في الكلام على إسناد حديث سمرة:

فأقول: أخرجه أبو داود (8) عن عمرو بن عون، عن هشيم، عن موسى بن السائب عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، وأخرجه النسائي (9) فقال: حدثنا محمد بن داود، قال: حدثنا عمرو بن عون، حدثنا هشيم عن موسى بن السائب، عن قتادة، عن

(1) تقدم ذكرهما.

(2)

تقدم ذكرهما.

(3)

انظر " تهذيب التهذيب "(1/ 176 - 177).

(4)

في حاشية المخطوط. أورد له الترمذي حديثًا في مسجد قباء وقال: لا يصح له غيره.

(5)

ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب "(1/ 176 - 177).

(6)

انظر " تهذيب التهذيب "(1/ 176).

" الاستيعاب "(1/ 185 - 186 رقم 54). " الكاشف "(1/ 133). " الإصابة " رقم (185).

(7)

انظر " الإصابة " رقم (185).

(8)

في " السنن " رقم (3531).

(9)

في " السنن "(7/ 313 - 314 رقم 4681).

ص: 4701

الحسن، عن سمرة؛ فرجال إسناديهما متحدون، إلا أن النسائي لم يرو عن عمرو بن عون إلا بواسطة، ولم يرو عنه كما روى عنه أبو داود، ومحمد بن داود (1) الذي روى النسائي عنه هو المصيصي. أخرج له أبو داود غير هذا الحديث كما أخرج له النسائي، وقال لا بأس به (2)، وقال أبو داود: ما رأيت أعقل منه، وقال في التقريب (3) إنه ثقة فاضل، وأما بقية رجال السند فعمرو بن عون هو السلمي الواسطي، وهو ثقة حجة. أخرج له الجماعة كلهم (4)، وأما هشيم (5) فهو الإمام المشهور، وكذلك قتادة والحسن، وأما موسى بن السائب (6) فقد وثقه أحمد بن حنبل، وليس العلة هاهنا إلا ما قيل من أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة (7). وقيل لم يسمع منه شيئًا. فالحديث لهذه العلة ضعيف، إلا ما قيل من تدليس بعض رجال الإسناد؛ فإن رجال الحديث المعتبرين لم

(1) هو محمد بن داود بن صبيح أبو جعفر المصيصي.

" تهذيب التهذيب "(3/ 557).

(2)

ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب "(3/ 557).

(3)

(2/ 160 رقم 200).

(4)

ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب "(3/ 296).

(5)

هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية بن أبي حازم الواسطي.

" تهذيب التهذيب "(4/ 280 - 282).

(6)

هو موسى السائب أبو سعدة البصري ويقال الواسطي.

" تهذيب التهذيب "(4/ 175).

(7)

أخرجه أحمد (5/ 7 - 8، 12، 17 - 18، 22) وأبو داود رقم (2838) والترمذي رقم (1522) والنسائي (7/ 166 رقم 4220) وابن ماجه رقم (365) والحاكم (4/ 237) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح.

وقد روى البخاري والنسائي عن الحسن أنه سمع هذا الحديث من سمرة فانتفت شبهة التدليس.

انظر: " فتح الباري "(564). وانظر (الإرواء) رقم (1165).

ص: 4702

يقبلوا من الحفاظ المتقنين الذين يقع منهم التدليس نادرًا إلا ما لم يدلسوا فيه وإن كان معنعنًا. وللبحث عن هذا موضع آخر ليس هذا موضعه [2ب].

الوجه الرابع: في بيان معاني متون هذه الأحاديث:

أما حديث أسيد بن حضير ففيه الفرق بين وجود العين المسروقة في يد المتهم بسرقتها وبين وجودها في يد غير المتهم. وفيه بيان أحد الطرفين، وهو إذا وجدها في يد غير المتهم بأنه إن شاء أخذها بما اشتراها به، وإن شاء تبع السارق.

وأما الطرف الآخر وهو وجودها في يد المتهم لسرقتها مسكوت عنه، وقد يكون حكمه مستفادًا من حكم المقابلة باعتبار مفهوم الشرط، فإن قوله: قضى أنه إذا وجدها في يد الرجل غير المتهم بكذا يدل على أن الحكم إذا وجدها في يد المتهم هو غير الحكم الثابت عند وجودها في يد غيره، فلا تعارض الرواية المذكورة في حديث سمرة بلفظ:" إذا سرق الرجل متاع، أو ضاع منه، فوجده بيد رجل بعينه فهو أحق به، ويرجع المشتري على البائع بالثمن ". ووجه عدم المعارضة أن لفظ رجل هاهنا مطلق، والرواية الأولى تقيده لأن فيها التفصيل بين المتهم وغيره، وذكر حكم الموجود من السرقة في يد أحدهما منطوقًا (1)، وحكم الموجود في يد الآخر مفهومًا (2)، فيحمل هذا المطلق على ذلك المقيد، ويكون هذا الرجل هو المتهم، فاندفع التعارض بينهما من هذه الحيثية، وكذلك لا تعارض بين حديث أسيد [3أ] بن حضير، وبين الرواية الأولى من حديث سمرة بلفظ: من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيع من باعه، وبيان عدم التعارض أن عين ماله اسم جنس مضاف (3)، وهو من صيغ العموم، فهو يشمل العين

(1) تقدم توضيح معناه.

(2)

تقدم توضيح معناه.

(3)

قال الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص416): تعريف الإضافة وهو من مقتضيات العموم كالألف واللام من غير فرق بين كون المضاف جمعًا نحو عبيد زيد أو اسم جمع نحو جاءني ركب المدينة أو اسم جنس نحو: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} .

انظر: " تيسير التحرير "(1/ 219).

ص: 4703

المسروقة وغيرها، فيكون حديث أسيد بن حضير المصرح بحكم العين المسروقة مخصصًا له، لا سيما بعد تقييد العين المسروقة بأن يوجد في يد غير المتهم، فعلى هذا قد أمكن الجمع بين الحديثين، وهو مقدم على الترجيح فلا يصار إليه.

وأما حديث أسيد بن ظهير الذي يشهد لحديث أسيد بن حضير، فهو وإن خالف حديث أسيد بن حضير في بعض ألفاظه، فهو موافق لمعناه، فيكون الجمع بينه وبين حديث سمرة كالجمع بين حديث أسيد بن حضير، وبين حديث سمرة.

فإن قلت: حديث الحسن عن سمرة من قسم الضعيف لعدم سماعه منه، فلم يثبت حكم العام بدليل صحيح أو حسن.

قلت: الحكم المستفاد من حديث سمرة هو معلوم من كليات الشريعة المطهرة وجزئياتها، أما كلياتها فكل دليل يدل على أن المالك لا يزول ملكه عنه إلا باختياره، ورضائه، وطيبة نفسه، فهو يدل على ما دل عليه حديث سمرة؛ لأن غاية ما في حديث سمرة أن الرجل وجد ماله الباقي في ملكه الذي [3ب] لم يخرج عن يده برضائه كما قال الله تعالى:{تجارة عن تراض} (1) ولا بطيبة نفسه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه "(2)، وما خرج بغير ذلك فهو داخل تحت قوله تعالى:{لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} (3)، وتحت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام "(4) ونحو ذلك من الأدلة المتبالغة في الكثرة.

وأما كون هذا الحكم معلومًا من جزئيات الشريعة فهي كثيرة جدًا، ومن أقربها إلى

(1)[النساء: 29].

(2)

وهو حديث صحيح تقدم مرارًا.

(3)

[النساء: 29].

(4)

وهو حديث صحيح تقدم.

ص: 4704

معنى حديث سمرة، وألصقها به ما أخرجه الجماعة (1) كلهم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس فهو أحق به من غيره "، وفي لفظ (2) قال:" في الرجل الذي يعدم إذا وجد عنده المتاع، ولم يفرقه إنه لصاحبه الذي باعه " أخرجه مسلم (3)، والنسائي (4)، وفي لفظ:" أيما رجل أفلس، فوجد رجل عنده ماله ولم يكن اقتضى من ماله شيئًا فهو له " رواه أحمد (5).

وأخرج أحمد (6) من حديث سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من وجد متاعه عند مسلم مفلس بعينه فهو أحق به ".

وأخرج مالك في الموطأ (7)، وأبو داود (8) في المراسيل (9) من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " أيما رجل ابتاع متاعًا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقتض الذي باعه من ثمنه شيئًا، فوجد متاعه بعينه

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2402) ومسلم رقم (22/ 1559) وأحمد (2/ 228) وأبو داود رقم (3519) والترمذي رقم (1262) والنسائي (7/ 311) وابن ماجه رقم (2358).

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (23/ 1559).

(3)

(23/ 1559).

(4)

في " السنن "(7/ 311).

(5)

في " المسند "(2/ 525).

(6)

في " المسند "(5/ 13).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3531) والنسائي (7/ 313 رقم 4681).

وقال ابن حجر في " الفتح "(5/ 64) إسناده حسن ولكن سماع الحسن من سمرة فيه مقال معروف.

وهو حديث ضعيف.

(7)

(2/ 678 رقم 87).

(8)

في " السنن " رقم (3520) وهو حديث مرسل، وأبو بكر بن عبد الرحمن تابعي.

(9)

رقم (173).

ص: 4705

فهو أحق به، وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة [4أ] الغرماء ".

وقد أسنده أبو داود (1) من وجه آخر، فإذا كان هذا الحكم ثابتًا في السلعة التي في يد المفلس وقد صارت إليه برضى مالكها وطيبة نفسه من دون غصب، ولا سرق، فكيف بالعين التي خرجت لا برضائه، ولا بطيبة نفسه!.

فإن قلت: إذا كان ما في حديث سمرة معلومًا من كليات الشريعة وجزئياتها، فكيف ساغ العمل بما في حديث أسيد بن حضير، وأسيد بن ظهير!.

قلت: قد ثبتا عن الشارع، وهو الذي جاءنا بتلك الكليات والجزئيات، وأعلمنا بأن المالك أولى بملكه، وأحق به، فالكل شريعة ولا معارضة حتى يرجح القطعي على الظني، والمعلوم على مظنون، بل قد أمكن الجمع ببناء العام على الخاص، وتخصيص المتواتر بالآحاد هو المذهب الراجح (2)، والقول الصحيح.

وإلى هنا انتهى الجواب عن السؤال بمعونة ذي الجلال والإفضال بقلم المجيب الحقير محمد بن علي الشوكاني - غفر الله لهما [4ب]-.

(1)" السنن " رقم (3522) وهو حديث صحيح.

(2)

قال الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص524): وكما يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد كذلك يجوز تخصيص العموم المتواتر من السنة بأخبار الآحاد.

وانظر مزيد تفصيل: " البرهان "(1/ 246 - 430)، " المسودة "(ص19)، " البحر المحيط "(3/ 362).

ص: 4706