الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(149)
بحث في العمل بالخط ومعاني الحروف العلمية النقطية
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: بحث في العمل بالخط ومعاني الحروف العلمية النقطية.
2 -
موضوع الرسالة: " فقه ".
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أقسم بالعلم وعلم بالقلم فأظهر أفراد الأفكار العقلية.
4 -
آخر الرسالة: "
…
وهذه قضية مقررة محررة متفق عليها في جميع العلوم الشرعية عند جميع أهلها. قال في الأصل كتبه محمد الشوكاني غفر الله له انتهى.
5 -
نوع الخط: خط نسخي مقبول.
6 -
عدد الصفحات: 8 صفحات.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 22 سطرًا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 11 كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الخامس من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أقسم بالعلم، وعلم بالقلم فأظهر أفراد الأفكار العقلية في صور النقوش الخطية، ومعاني الحروف العلمية النقطية، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد النبي الأمي القائل:«العلم أحد اللسانين» ، وعلى آله بدور الدجى، وورثة الحكمة، المنزهين عن كل شين ومين، وعلى أصحابه نجوم الهداية، ومصابيح الرواية، والتابعين لهم بإحسان، فهم حماة الشريعة عن كل منكر ودين، فالمسؤول من مولانا شيخ الإسلام، ومحيي شريعة سيد الأنام، عالم الدين بالاتفاق، وناشر ألوية الدين في جميع الآفاق محمد بن علي الشوكاني - أمتع الله بحياته، وأدام إفاداته، وأعاد علينا من بركاته، ونفعنا بدعواته، وشملنا بمودته - وسلام على الله وتحياته ورحمته وبركاته، الإفادة بما يختاره ويرتضيه في العمل بالخط، وجوازه، فلا يخفى حصول الاختلاف، وميل كل من المفرعين إلى ما ظهر له، فهم بين مثبت للعمل به، وناف. ومنهم من أقام الدليل على مدعاه، ومنهم من جعل تجويز التحرير والتحريف علة المنع في مرماه.
وأما إمام المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه فأورد في صحيحه (1) ما يشفي الغليل، ويهدي إلى سواء السبيل، ولكن في بعض الروايات ما يدل على التقييد بالإشهاد، وفي بعضها الإطلاق، فالمطلوب من مولاي - متع الله بحياته - الإيضاح لما يختاره، فهو نقاد الشريعة الباهر، وبحرها الزاخر الذي عمت بركته الأوائل والأواخر - أطال الله تعالى للمسلمين في عمره -[
…
] (2) سئل عنه وأنطق به، وأنظر إليه بجد ملء المسامع والأفواه والمقل، وهل يلزمه مثل ذلك فيما جرى به عادة كثير من الناس، بينما كبراء أهل البوادي، فإنه قد غلب عليهم الاكتفاء بخطوطهم في مثل إقرار أو وصية، وربما وقع التنازع في حياة الكاتب على نفسه أو بعد موته، وهو الأغلب، فهل يعمل بمجرد
(1) انظر " فتح الباري "(13/ 140).
(2)
كلمة غير مقروءة.
خطه، ويكتفي به، أو يكلف من هو في يده البينة على مدعى [
…
] (1)[1أ] بيانات التجار فيما لهم وعليهم من المعاملات، فإنه يقول أحدهم عند التنازع: ليس لي بينة إلا بياني، فمع قبوله من خصمه لا شك في لزومه، والمفروض التناكر والتنازع، على أنه لا يخفى تعذر الإشهاد في كل ما جرت به المعاملة، بل قد يقع الاجترار عن اطلاع أحد، فهل يكون الظاهر مع صاحب البيان، ويكون القول قوله، أو يرجع إلى الأصل بأن على المنكر اليمين؟.
وكذلك لا يخفى على مولاي - متع الله بحياته - بأنه قد اشتهر عنه - حفظه الله - منع العمل بصور الشيم والأوراق والأحكام، وإطلاق المنع على ما تظهر صحته أو عدمها بحسبما يقتضيه المقام، فالمطلوب من حسناته - أحسن الله جزاءه، وضاعف ثوابه - إيضاح وجه المنع، وهل ذلكم المنع مطلقًا في كل صورة، سواء عرف عدالة الناقل أو مقيد الجهالة، أو ظهور عدم عدالته؟ فإنا نجد في بعض الصور ما يتوجه العمل به لعدالة الناقل، والجزم منه بصحة ما نقله، بل قد يكون من بعض رجال السند مثل سيدي العلامة أحمد بن عبد الرحمن الشامي (2)، ومثل سيدنا العلامة يحيى بن عبد الله (3) ومثل سيدنا الوالد العلامة إسماعيل بن يحيى الصديق (4) وغيرهم من أعيان العلماء ممن مارس
(1) هنا كلمة غير مقروءة.
(2)
ابن عز الدين بن الحسن الشامي. ولد سنة 1095هـ وكان من أكابر علماء صنعاء. قرأ في فنون العلم على مشايخها، فبرع في الآلات والفقه والحديث. توفي سنة 1172هـ.
" البدر الطالع " رقم (43)، " نشر العرف "(1/ 148 - 154).
(3)
ابن الحسين ابن الإمام القاسم بن محمد الصنعاني، أخذ العلم بصنعاء عن جماعة من العلماء. وكان غالب اشتغاله بالطب. توفي سنة 1200هـ.
" البدر الطالع " رقم (583)، " نيل الوطر "(2/ 400).
(4)
الصعدي ثم الذماري ثم الصنعاني ولد بعد سنة 1130هـ. فقرأ الفقه على الحسن بن أحمد الشبيبي، فبرع فيه، وصار محققًا للأزهار وشرحه. توفي سنة 1209هـ.
وله شرح على " مقدمة بيان " ابن المظفر.
شرع في شرح (المسائل المرتضاة) للإمام المتوكل على الله ولم يكمل ورسالة في البسملة.
" البدر الطالع " رقم (99)، " نيل الوطر "(1/ 306).
القضاء - شملهم الله برحمته ورضوانه، وأسكنهم فسيح جناته وحباهم بحر مغفرته - وكذلك مثل ساداتنا الأعلام الآخذين عنكم - جعلني الله منهم - فإنه قد يرد منهم ما يقتضي العمل، وهل يجري ذلك مجرى نقل العدول من المنصفين لكتب سيد المرسلين - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أجمعين - مثل كتاب عمرو بن حزم (1) وغيره من كتبه صلى الله عليه وآله وسلم- للإقطاعات وآل الملوك (2) وغيرها (3)، فكثيرًا ما يؤتى فيه بلفظ وصورة ما كتبه، أو لفظه من كتبه مع أنا نشاهد من الضرر في عدم العمل والتضرر من المتمسكين ما يحرج به الصدر، وأوجب المذاكرة، فإن المتمسك بين خطرين [ .... ](4) سيما في هذه الأزمنة التي المخافات فيها مستمرة، وأيدي العدوان فيها مشتهرة. فقد يبسط باسط على الأموال ومالكه نازح عن بلد المال [1ب]، فيحتاج إلى المشاجرة وإظهار مستند ملكه، فإن أرسل بالأصل ختم الضياع، وإن اتكل على الصورة حسم عدم العمل والاتباع، وكذلك الحاكم يبقى في محارة عظيمة، وورطة جسيمة إن بنى على العمل قال له الخصم: هذا غير نافذ عند مرجع الأحكام والحكام شيخ الإسلام، وإن بنى على المنع قبل معرفة لوجهه ولا وجه لمعرفته، وتم للغاصب مراده، وذهب مال المطالب، وحجته، وزاده على أن ليس للحكام طريقة إلا الاشتهار عن شيخ الإسلام - حفظه الله تعالى - بالمنع، وهو ممن يمنع التقليد ولا يرتضيه، ويجدل أهله وذويه، ومع
(1) وهو حديث صحيح. انظر الرسالة رقم (1)(ص139).
(2)
منها ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4424) باب رقم (82، 83) كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر.
(3)
انظر " السيرة النبوية "(3/ 440).
(4)
كلمة غير واضحة.
أن حاجة الناس إلى ذلكم ضرورية لما سبق أولاً، ولما صار عملهم سلفًا وخلفًا على التعامل بذلكم، ويجدون في صدورهم حرجًا عن عدم العمل بما هنالكم، وقد يؤدي إلى انتقاض ذلك الناقل العالم الفاضل، وتوهين أمره، والخروج في حقه بما لا ذنب له فيه، فمن حسناتكم الإيضاح بما يكون عليه العمل المرضي عند الحكم الحق جل جلاله وعز شأنه - حرره السائل الحقير يحيى بن إسماعيل الصديق مصليًا ومسلمًا على النبي الكريم، وآله وصحبه، حامدًا شاكرًا لربه، باذلاً للدعوات في الخلوات والجلوات، مستمدًا من مولاي ذلكم - جزاه الله خيرًا - وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم آمين.
الجواب بخط مولانا شيخ الإسلام - متع الله بحياته -.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله الأكرمين، ورضي الله عن صحبه الأنجمين.
وبعد:
فإنه وصل سؤال ولدي قرة العين - كثر الله فوائده، ومد على طلاب العلم موائده - وليعلم أن الخط قد وردت الأدلة الصحيحة بقيام الحجة به، والعمل بما اشتمل عليه، فمن ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم- كان يبعث بكتبه إلى ملوك الأقطار (1)، ثم ترتب على ذلك غزوهم والدعاء عليهم، ومنها أمره صلى الله عليه وآله وسلم- بكتب المصالحة بينه وبين قريش (2)، ومنها كتب الأمانات، ومنها كتب الإقطاعات (3)
(1) كتب صلى الله عليه وسلم إلى اثني عشر ملكًا، منهم كسرى ملك الفرس وقيصر ملك الروم.
" زاد المعاد "(1/ 30)، " أعلام الموقعين "(1/ 90).
(2)
كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبًا في الصلح والمعاهدات، أهمها صلح الحديبية وقد تم كتابه، وصلح دومة الجندل.
" الأموال لأبي عبيد "(ص381)، " زاد المعاد "(3/ 7).
(3)
روى أبو عبيد في " الأموال "(ص388) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع تميمًا الداري أرضًا في الشام وفلسطين وكتب له كتابًا وهو: " هذا كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تميم الداري أن له قرية جيرون وبيت عينون
…
ولعقبه من بعده لا يحاقه فيها أحد، ولا يلجهما عليه أحد بظلم، فمن ظلم واحدًا منهم شيئًا فإن عليه لعنة الله ".
وانظر: " فتح الباري "(5/ 37).
جيرون: باب دمشق وكانت سقيفة على عمد وحولها مدينة تحيط بها.
بيت عينون من قرى القدس وقيل هي الخليل.
قال أبو عبيد فلما استخلف عمر وظهر على الشام جاء تميم الداري بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر: أنا شاهد ذلك فأعطاه إياه.
ومنها كيف عقد الذمة والصلح، ومنها كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ الصحابة رضي الله عنهم كثيرًا من الأحكام الشرعية منه.
وقد روى مسندًا ومرسلاً، فمن رواه مسندًا [2أ] أحمد (1)، والنسائي (2)، وأبو داود في كتاب المراسيل (3)، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وأبو يعلى الموصلي، ويعقوب ابن سفيان في مسانيدهم، ورواه الحسن بن سفيان النسوي، وعثمان بن سعيد الدارمي، وعبد الله بن عبد العزيز البغوي، وأبو زرعة الدمشقي، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وحامد بن محمد بن سعيد البلخي، والحافظ الطبراني (4)، وأبو حاتم ابن حيان البستي في صحيحه (5)، وجماعة غيرهم.
وأما المرسل فرواه النسائي (6)، وأبو داود (7)، والشافعي (8)، وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم. ومن ذلك حديث البخاري (9) ومسلم (10) وغيرهما (11) عن ابن عمر أنه
(1) في " المسند "(2/ 217).
(2)
في " السنن "(8/ 57 - 58).
(3)
رقم (52) ورجاله ثقات.
(4)
انظر " التلخيص "(4/ 34 - 35).
(5)
في صحيحه رقم (6559).
(6)
في " السنن "(8/ 57).
(7)
في " المراسيل " رقم (257).
(8)
في " الرسالة "(ص422).
انظر: " نصب الراية "(1/ 196 - 197)، " التلخيص "(4/ 34 - 35).
وهو حديث صحيح.
(9)
في صحيحه رقم (2738).
(10)
في صحيحه رقم (1627).
(11)
كأحمد (2/ 57، 80) وأبو داود رقم (2862) والترمذي رقم (974) والنسائي (6/ 238) وابن ماجه رقم (2699).
- صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " ومنها أمره صلى الله عليه وآله وسلم- بكتابة القرآن؛ ومنها ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم- أنه كتب كتابًا وختمه (1)، وأمر بسرية تعزم إلى حيث يريد، وأنهم لا يقرؤون الكتاب إلا حيث عينه لهم (2)، ويعلمون بما فيه، ومنها قول (3) أمير المؤمنين رضي الله عنه وقد سئل هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء؟ فقال: لا إلا ما في هذه الصحيفة، وفيها أحكام شرعية، ومنها قوله عز وجل:{قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} (4) وذلك يستلزم العمل بما فيها من الكتابة. ومن ذلك قوله عز وجل: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل} (5) فلو كانت الكتابة غير معمول بها، لم يأمر عز وجل عباده بالكتابة.
ومنها ما ثبت في الصحيح (6) من أمره صلى الله عليه وآله وسلم- بالكتابة لأبي شاه، وما ثبت في الصحيحين (7) من إذنه صلى الله عليه وآله وسلم- لعبد الله بن
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (65) ومسلم رقم (2092) من حديث أنس بن مالك وقد تقدم (ص229).
(2)
تقدم ذكره.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6915) من حديث أبي جحيفة وانظر تخريجه مفصلاً في الرسالة رقم (21 ص901).
(4)
[آل عمران: 93].
(5)
[البقرة: 282].
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2434) ومسلم رقم (447/ 1355) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
ليس في الصحيحين.
بل أخرجه أحمد (2/ 162، 192) وأبو داود رقم (3646) والدارمي (1/ 125) والحاكم (1/ 105 - 106) وقال عقبة: " رواة هذا الحديث قد احتج بهم عن آخرهم غير الوليد هذا، وأظنه (الوليد بن أبي الوليد الشامي) فإنه (الوليد بن عبد الله) وقد غلبت على أبيه الكنية، فإن كان كذلك فقد احتج به مسلم " ووافقه الذهبي.
قال الألباني في الصحيحة (4/ 46) كلام الحاكم: " كذا قال، وإنما هو الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث مولى بني الدار حجازي وهو ثقة كما قال ابن معين وابن حبان ". وصححه الألباني في " صحيح الجامع " رقم (1196).
عمرو بالكتابة. ومن ذلك عمله صلى الله عليه وآله وسلم- بما جاء من كتب عماله كما رواه البيهقي (1) من حديث البراء بن عازب. ومن ذلك إجماع الصحابة على العمل بالخط، رواه أبو الحسين البصري في المعتمد (2)، والرازي (3)، ويعقوب بن سفيان الحافظ، وإسماعيل بن كثير الحافظ، والإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة. ومن الحاكين لإجماع الصحابة على العمل بالخط الرازي في المحصول (4). وأما من بعد الصحابة فيدل عليه إجماعهم الفعلي على الاحتجاج لذلك، والعمل به في معاملاتهم، وفي المصنفات في الفنون العلمية على اختلاف أنواعها، ومنها عملهم بالوجادة (5) التي صرح العلماء (6) بقبولها.
(1) في " المدخل "(ص80).
(2)
(2/ 628).
(3)
في " المحصول "(4/ 451) وانظر " أعلام الموقعين "(2/ 1888).
(4)
في " المحصول "(4/ 451) وانظر " أعلام الموقعين "(2/ 1888).
(5)
الوجادة: فإن مادة " وجد " متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر بحسب اختلاف المعاني، فيقال في الغضب، موجدة. وفي المطلوب وجودًا، وفي الضالة وجدانًا بكسر الواو، وفي الحب وجدًا بالفتح، وفي المال وجدانًا، بالضم، وفي الغنى جدة بالكسر وتخفيف الدال المفتوحة وإجدانًا بكسر الهمزة.
" القاموس المحيط "(ص413 - 414).
أما في اصطلاح المحدثين: وهي وجدان الراوي شيئًا من الأحاديث مكتوبًا (بخط الشيخ) الذي يعرفه، ويثق بأنه خطه، حيًا كان الكاتب، أو ميتًا على الصحيح.
انظر: " تدريب الراوي "(2/ 58)، " مقدمة ابن الصلاح "(ص86).
(6)
انظر " الكوكب المنير "(2/ 527 - 528)، " نهاية السول "(2/ 322).
إذا عرفت هذا فاعلم [2ب] أن هذه الكتابة التي وردت في الكتاب والسنة، وأجمع عليها المسلمون هي الكتابة الصحيحة التي لا يدخلها احتمال بتغيير، ولا تبديل، ولا زيادة، ولا نقصان، كما هو معلوم أن ما كان عرضة لذلك لا ينتفع به ولا يرتفع عند النزاع، ولا ينقطع به الخلاف.
وقد أجمع العلماء أجمع على أن ما احتمل ذلك لا يحتج به على خصم، ولا يستند إليه حكم، ولو كان من كتب الله المنزلة على أنبيائه إذا احتمل التغيير، أو التبديل، أو الزيادة، أو النقص لم يجر العمل به. وإذا دخل الاحتمال في النقض لم يجر العمل بالباقي، لأن التجويز كائن وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- يكتب كتبه، ويختمها بخاتمه مع رسوله المعروف، فيعلم ذلك القريب والبعيد، ولا يشكون فيه، وكانوا عربًا لم يكن عندهم هذه المراوغات الحادثة بعد اختلاط طوائف العالم، والتحيلات بكل ممكن، والحرص على تنفيق ما يوافق الغرض وإن كان باطلاً، ثم كذلك ما كان يجري في أيام الصحابة من الكتابات هو على وجه لا يتطرق إليه احتمال، ولا تغيير، ولا تبديل، بل ما اشتملت عليه الكتابة هو معروف بينهم لا ينكرونه، وهكذا الكتب العلمية التي يأخذها الناس بالوجادة، فإنه لا بد أن يكون كاتبها ومن قرئت عليه، ومن قرأها معروفين لا يتطرق إلى خطوطهم ظن التزوير والتغيير.
ثم هكذا ما أجمع عليه الصحابة ومن بعدهم، فإنه الخط الصحيح المعروف الذي لا يحتمل تبديلاً ولا تغييرًا. وأما ما كان كذلك، فلو قيل بقبوله لأكل الناس أموال بعضهم البعض بهذه الوسيلة المكذوبة، والذريعة الباطلة. ومن القسم المعمول به خطوط العلماء المعروفين، والحكام المشهورين إذا كانت تلك الخطوط معروفة، ولا شك ولا ريب أن خطوط أكابر العلماء والحكام يعرفها من جاء بعدهم، ولو بعد مئين من السنين، فما كان سبيله هذا السبيل فهو من المعمول به لقيامه مقام الرواية، والمراد أنه يسوغ للمطلع عليه أن يقول هذا خط فلان.
ويلزم بما يشتمل عليه من حكاية المعاملات والمداينات، إلا أن يعارضه ما هو أقوى
منه، وذلك لا يخالف كونه خط فلان، بل يخالف استصحاب [3ا] كونه باقيًا على ثبوت ما فيه، وذلك مثل أن تجد بخط حاكم معروف أن فلانًا أقر بأن عنده لفلان ألف دينار، ثم تجد بخط من بعده من الحكام المعروفين أن فلانًا الذي عليه الألف دينار قد قضاها وبرئت ذمته منها فلا شك أن العمل على الخط المتأخر، ولا يكون ذلك قادحًا في كون الخط الأول خط فلان، بل هو خطه، لكنه وجد الناقل عنه والرافع لما فيه، وهكذا إذا تطاول الزمن، وكان أحد الخصمين ثابت اليد على ما يحكى في رقم من الحكام المعروفة خطوطهم أنه لفلان، وكانت الأرض يد الشريعة فيها قاهرة، فإن استصحاب كونها لثابت اليد أقوى من استصحاب كونها لصاحب الرقم بطول المدة، لا سيما مع انقراض المكتوب له، والمكتوب عليه، والكاتب.
وليس هذا من ترك العمل بالخط، بل من العمل بما هو أرجح منه، مع تسليم كونه خط فلان. وقد تقع المعارضة بين خطين معروفين لمرجح آخر وهو أن يكون الكاتب أحدهما متثبتًا متحريًا متحفظًا من قبول التغرير والتدليس، والآخر ليس بهذه الصفة أو بعضها، فإنه هاهنا كان العمل بالترجيح القوي المعلوم عقلاً ونقلاً وعادة.
وعلى المتعاملين أن يمتثلوا ما أمر الله عز وجل به من أن يكتب بينهم كاتب بالعدل، وبالإشهاد على التبايع، فإنه إذا وقع العمل على ما شرعه الله - سبحانه - لعباده ارتفعت أسباب الخصومات، وانقطعت دوافع التغريرات.
وأما ما يجري به العرف في خص الأمكنة فإن خط صاحب المال من التجارة وغيرها مقبول على من يقابله، فإن هذا بالجهل أشبه منه بالعلم؛ لأنه قبول لدعوى مجردة إلا إذا كان من عليه الحق يوافق من له الحق بأنه لا يكتب إلا حقًا كان المستند لثبوت ذلك هو هذا الإقرار، لا مجرد الكتابة.
وينبغي أن يتنبه هاهنا لدقيقة قد تخفى على كثير من الناس، وهي أن فرقًا ظاهرًا أو واضحًا بين ما يرقمه الحكام المعرفون بخطوطهم المعروفة على طريقة الحكم وعلى طريقة الإقرار، فإن ما كان على طريقة الحكم جزمًا كان قبوله متحتمًا، لأنه لا يجزم بذلك مع كونه موثوقًا بدينه وعلمه إلا بمستند ظاهر [3ب]
واضح، وأما ما يرقمونه على طريقة حكاية الإقرار، أو للفظ شهادة شهدوا لديه أو نحو ذلك من دون جزم منه بذلك فإن هذا ليس من باب الحكم، بل من باب الرواية، فهو قد روى مثلاً صدور الإقرار لديه، أو قيام البينة عنده؛ لكون خطه معروفًا لا يشك فيه، ولكن إذا تبين خلل ذلك الإقرار بوجه من الوجوه المعتبرة فيه، أو خلل الشهادة بأمر يوجب القدح فيها كان العمل بذلك واجبًا.
وحاصل الأمر أنه لا شك أن العمل بالخط على الوجه المعتبر شريعة قائمة (1)، وسنة
(1) اتفق الفقهاء والمحدثون على جواز الاعتماد على الخط والكتابة في نقل الحديث والروايات التي حفظها الراوي عنده للتحديث منها والنقل عنها، وفي تدوين الأحكام الشرعية والقواعد الفقهية، وتدوين الحديث، ولو لم يعتمد على ذلك لضاع الإسلام بضياع السنة الصحيحة والأحكام الفقهية التي نقلت لنا خلفًا عن سلف بطريق الكتابة، ولو لم تكن الكتابة مقبولة عند الفقهاء، وحجة في النقل لما عولوا عليها في تدوين الكتب والمؤلفات.
الكتابة هي الوسيلة التي حفظ الله بها الشريعة، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابة الوحي واتخذ كتابًا للوحي بلغ عددهم أربعين كاتبًا
* ثم اختلف الفقهاء في مشروعية الكتابة باعتبارها وسيلة من وسائل الإثبات بشكل عام وكامل.
(أ): القول الأول: أن الكتابة وسيلة من وسائل الإثبات ليست مشروعة ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء ورواية عن أحمد.
" تبصرة الحكام "(1/ 356).
ومن أدلتهم على ذلك:
1 -
): أن الخطوط تتشابه ويصعب تمييزها، وقد يخيل للشخص أن الخطين متشابهان وأن صاحبهما واحد.
فالخط أو الكتابة يحتمل التزوير والافتعال فلا تكون حجة ودليلاً في الإثبات؛ لأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
ويعترض على ذلك بأن التشابه نادر فلا يبنى عليه الحكم، وإن تشابه الخط كتشابه الأصوات والصور، وإن كشف التزوير ممكن لأهل الخبرة والفطنة والاختصاص، الذين يعرفون الخطوط ويميزون الأصلي من المقلد وخط كل كاتب يتميز عن خط غيره، كتمييز صورته وصوته.
" الطرق الحكمية "(ص207).
2 -
): الكتابة قد تكون للتجربة واللعب والتسلية فلا تعتبر حجة ودليلاً للآخر لعدم القصد وتوجيه الإرادة نحوها والقاعدة الفقهية تقول العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
* وهذا دليل مستغرب ومستبعد أن يجرب الإنسان خطه. أو يمارس اللعب والتسلية بكتابة الحقوق وإثبات الديون للآخرين، وهو احتمال هزيل. والقاعدة التي ذكرت حجة عليهم لا لهم.
3 -
): تنحصر في الإقرار والبينة والنكول، وأن الكتابة ليست من أدلة الإثبات. والكتابة زيادة على النص والزيادة على النص نسخ عند الحنفية، أو هو اعتبار لما ليس من الدين فهو حدث وبدعة، ويعترض على ذلك بأن الكتابة وسيلة لإبلاغ الشريعة إلى الملوك والرؤساء، وقد أمر القرآن بالكتابة والتوثيق بها. وعمل بها الرسول الأعظم وأمر صحابته بتعلم الكتابة من أسرى بدر واتخذ الكتاب لكتابة الوحي وكتابة الرسائل والأحكام إلى عماله وأمرائه وولاته.
وقبلها المسلمون واستعملوها في حياتهم دون إنكار، سواء ذلك في رواية الحديث وتلقي العلم وكتابة الأحكام الشرعية وفي المعاملات والقضاء وجميع شؤون الدولة.
القول الثاني: أن الكتابة باعتبارها وسيلة من وسائل الإثبات مشروعة ذهب إلى ذلك المالكية وأحمد في رواية بعض السلف.
" تبصرة الحكام "(1/ 356)، " الطرق الحكمية "(ص207).
ومن أدلتهم على ذلك:
من الكتاب: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} وقال سبحانه: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب} [البقرة: 282].
* وسواء كان الأمر للفرض أو الندب، فالآية تقرر اعتبار الكتابة وثيقة في المعاملات، وفائدة ذلك الاعتماد على تلك الوثيقة عند الإنكار والجحود. والاحتجاج بها أمام القاضي.
من السنة: تقدم من حديث أبي هريرة وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " اكتبوا لأبي شاه ".
وانظر: " زاد المعاد "(3/ 7)، " الأموال لأبي عبيد "(ص381)، " فتح الباري "(13/ 141).
من المعقول: أن الكتابة كالخطاب والكتابة أشد دلالة على جزم الإرادة؛ لأن الإنسان قد يتلفظ سهوًا، وينطق خطأ، وقد يسبقه لسانه وقد يتكلم مزحًا وهزلاً، أما الكتابة، فإن العقل والفكر متجهان نحوها اتجاهًا جازمًا ويتأمل بما يكتبه، ويفكر في دلالته ومعناه ومقصوده، ولذلك قال الحنفية والمالكية: إن الكتابة المستبينة المعنوية صريحة الدلالة، خلافًا للشافعية، فقالوا إن الكتابة كناية، وقد قال الحنابلة: الكتابة صريحة إلا في النكاح والطلاق.
" المجموع "(9/ 177). " الطرق الحكمية "(ص207).
الراجح والله أعلم:
القول بمشروعية الكتابة في إثبات الحقوق لقوة الأدلة، ولحاجة الناس إلى استعمالها واللجوء إليها؛ ولأن القول بعدم حجية الكتابة في الإثبات يؤدي إلى الحرج والمشقة في المعاملات بين الناس فتتعطل مصالحهم وتضيع حقوقهم وأموالهم لعدم تيسير الشهود دائمًا
وقال ابن تيمية: والعمل بالخط مذهب قوي بل هو قول جمهور السلف.
" مختصر الفتاوى المصرية " لابن تيمية (ص601، 608)، " الطرق الحكمية "(ص10).
قال ابن حجر في " الفتح "(13/ 1441) تعليقًا على قول البخاري في باب رقم (15) الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من ذلك، وما يضيق عليه وكتاب الحاكم إلى عماله، والقاضي إلى القاضي.
يريد أن يقول بذلك لا يكون على التعميم إثباتًا ونفيًا، بل لا يمنع ذلك مطلقًا فتضيع الحقوق، ولا يعمل بذلك مطلقًا فلا يؤمن فيه التزوير فيكون جائزًا بشروط.
وانظر: " تبصرة الحكام "(2/ 11).
متبعة، وإجماع صحيح. ولكن هذا الخط هو الخط الذي تقوم به الحجة عند الترافع والتخاصم، أو عند الاختلاف في الرواية، ولا تقوم الحجة بالإجماع إلا بخط معروف من ثقة معروف لا يتطرق إليه وهم، ولا يعتريه احتمال زيادة، أو نقصان، أو تحريف، أو تغيير، أو تبديل.
أما إذا كان هكذا، فلا تقوم به حجة قط. ولا يقول قائل بأنه يتوجه العمل به، فإن الإقرار الذي هو أقوى الحجج الشرعية إذا تطرق إليه احتمال كذب المقر يعرض له، أو لإكراه واقع عليه، أو لتغرير وتلبيس وقع فيه فليس بحجة بالإجماع، ولا يثبت له حق.
وهكذا الشهادة التي هي حجة بعد حجية الإقرار إذا ظهر فيها وجه قادح بوجه من الوجوه المعتبرة لم يكن، فمن عمل بمثل هذا الإقرار أو البينة فهو عمل بباطل من القول، وزور من الكلام. ومثله مثل من يعامل الوصية المخالفة للشريعة، أو النذر المشتمل على
ما لا يأذن به الله معاملة الوصية الشرعية، والنذر الحقيقي، وهو في معاملته هذا شبيه بمن يسمي الخمر ماء يشربه، أو يسمي الحرام حلالاً ثم يأكله، والكلام في هذا يطول.
وأما ما سأل عنه - كثر الله فوائده - من الصور التي يرقمونها على أصل، ويجعلونه في الاحتجاج به بمثابة الأصل فلا شك ولا ريب أنه إذا كان بخط ثقة معروف الحال، مثبتًا فيما يكتبه، متحريًا فيما ينقله، فهو مقبول. لكن إذا تطرق الاحتمال بوجه [4أ] من الوجوه ثم يحل العمل به على ما قدمناه في الحجج القوية إذا تطرق إليها الاحتمال، وقد وقفنا من هذا على عجائب وغرائب يقع في الأصل زيادات دقيقة معماة بوجه من وجوه التعمية تتفق على كثير فيمن لم يكن متثبتًا، وقد يكون الكاتب رقيق الدين فيواطئه من أراد نقل تلك الصورة على جعل فيكتب ويتعامى عن التغيير والزيادة والنقصان، ويكتب أن ذلك الفرع كالأصل بلا زيادة ولا نقصان، ثم يذهب إلى الثقة من القضاة والعلماء فيجعلون على ذلك خطوطهم، ويحتج على خصمه بهم، وهم لم يطلعوا على الأصل، بل قد لا يمرون نظرهم على الصورة، فمن هذه الحيثية لم أقتنع عند التخاصم بمجرد الصورة، بل أطلب الأصل الذي تغلب عليه تلك الصورة، فإن امتنع إحضار الأصل، فذلك لعلة تنكشف بإحضار الأصل، وكذلك إذا ادعى أن الأصل قد ضاع عليه فهو لعله هذا في الغالب، ولا شك عندي أن فعل المثبت الثقة ظاهره الصحة، ولكن مع الاحتمال لا يحل أن يجعل الصورة مستندًا حتى يظهر أصلها، أو يرجع الحاكم إلى القرائن التي يستفاد منها الصحة، أو ما يقاربها؛ ليكون الحاكم على بصيرة يبرئ بها ذمته، ويسلم من الخطاب. ولا شك أن التثبت مع الاحتمال واجب على الحاكم.
أما ما يطلب الأصل أو بالنظر إلى ما يدل على مستند الحكم وإلا كان جازمًا في محل الاحتمال، وذلك خطأ بين بالاتفاق بين أهل العلم في كل ما يتطرق إليه الاحتمال، وهذه قضية مقررة محررة متفق عليها في جميع العلوم الشرعية عند جميع أهلها. قال في الأصل: كتبه: محمد الشوكاني - غفر الله له - انتهى [4ب].