الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(153)
49/ 2
جواب المناقشة السابقة
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحايثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: جواب المناقشة السابقة.
2 -
موضوع الرسالة: " فقه ".
3 -
أول الرسالة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله. كثر الله فوائدكم، وقد أحسنتم وأفدتم بما حررتم آخرًا كما أفدتم.
4 -
آخر الرسالة: ومدّ على الطلاب موائده. وإلى هنا انتهى الكلام على ما أفاد به من المناقشة دامت إفادته حرره المجيب محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما.
5 -
نوع الخط: خط نسخي مقبول.
6 -
عدد الصفحات: 12 صفحة.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 21 سطرًا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 8 كلمات.
9 -
الناسخ: محمد بن علي الشوكاني.
10 -
الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله.
كثر الله فوائدكم، قد أحسنتم وأوفدتم بما حررتم آخرًا كما أفدتم وأجدتم بما حررتم أولاً، واستحسنت الإقدام على الجواب المتضمن للمناقشة، كما استحسنت سابقا الإقدام على جواب أصل السؤال، فأقول: كان عليكم أن تقدموا مقدمة قبل المناقشة قائلة أن المذاهب في الإطلاق والتقييد ثلاثة (1) إطلاقان وتفصيل.
فالإطلاق الأول: البناء مطلقًا من غير نظر إلى من نظر إليه أهل التفصيل.
المذهب الثاني: عدم البناء مطلقًا بل ترك المطلق على إطلاقه وإعمال المقيد فيما قيد به.
المذهب الثالث: التفصيل الناظر إلى اتحاد السبب (2) وعدمه على ما في ذلك التفصيل
(1) انظر " البحر المحيط "(3/ 414) و" الكوكب المنير "(3/ 393).
(2)
اعلم أن الخطاب إذا ورد مطلقًا لا مقيدًا حمل على إطلاقه، وإن ورد مقيدًا عمل على تقييده، وإن ورد مطلقًا في موضع مقيدًا في موضع آخر فذلك على أقسام:
1 -
أن يختلفا في السبب والحكم فلا يحمل أحدهما على الآخر بالاتفاق كما حكاه القاضي أبو بكر الباقلاني في " التقريب والإرشاد "(3/ 309) وإمام الحرمين الجويني في " البرهان "(1/ 432 - 435) والكيا الهراسي وابن برهان والآمدي.
انظر: " البحر المحيط "(3/ 417) و" الأحكام "(3/ 6).
2 -
أن يتفقا في السبب والحكم فيحمل أحدهما على الآخر كما لو قال: إن ظاهرت فأعتق رقبة. وقال في موضع آخر: إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة وقد نقل الاتفاق في هذا القسم القاضي أبو بكر الباقلاني في " التقريب والإرشاد "(3/ 309).
وقال ابن برهان في " الأوسط ": اختلف أصحاب أبي حنيفة في هذا القسم فذهب بعضهم إلى أنه لا يحمل. والصحيح من مذهبهم أنه يحمل.
" البحر المحيط "(3/ 418).
3 -
أن يختلفا في السبب دون الحكم كإطلاق الرقبة في كفارة الظهار وتقييدها بالإيمان في كفارة القتل فالحكم واحد وهو وجوب الإعتاق في الظهار والقتل مع كون الظهار والقتل سببين مختلفين، وهذا القسم هو موضع الخلاف فذهب كافة الحنفية إلى عدم جواز التقييد. حكاه القاضي عبد الوهاب عن أكثر المالكية وذهب جمهور الشافعية إلى التقييد. انظر مزيد تفصيل:" المحصول "(3/ 145 - 146)، " اللمع "(ص24)، " البحر المحيط "(3/ 422).
قال الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص545): وفي المسألة مذهب رابع لبعض الشافعية، وهو أن حكم المطلق بعد المقيد من جنسه موقوف على الدليل، فإن قام الدليل على تقييده قيد وإن لم يقم الدليل صار كالذي لم يرد فيه نص فيعدل عنه إلى غيره من الأدلة. قال الزركشي في " البحر "(3/ 422) وهذا أفسد المذاهب الأربعة لأن النصوص المحتملة يكون الاجتهاد فيها عائدًا إليها ولا يعدل إلى غيره.
وفي المسألة حكم خامس وهو أن يعتبر أغلظ الحكمين في المقيد فإن كان حكم المقيد أغلظ حمل المطلق على المقيد ولا يحمل على إطلاقه إلا بدليل لأن التغليظ إلزام وما تضمنه الإلزام لا يسقط التزامه باحتمال.
قال الشوكاني: هذا أبعد المذاهب عن الصواب.
4 -
أن يختلفا في الحكم نحو: أكس يتيمًا، أطعم تميميًا عالمًا. فلا خلاف في أنه لا يحمل أحدهما على الآخر بوجه من الوجوه سواء كانا مثبتين أو منفيين أو مختلفين اتحد سببهما أو اختلف وقد حكى الإجماع جماعة من المحققين آخرهم ابن الحاجب.
انظر: " مختصر ابن الحاجب "(2/ 156)، " اللمع "(ص280).
من الخلاف والمذاهب، وبعد أن تذكروا هذا يقولون: إن كان المجيب يقول بالأول فيرد عليه كذا، أو بالثاني فكذا، أو بالثالث فكذا.
فإن قلتم: إن مصير المجيب إلى مذهب التفصيل حتم عليه، وأنه مذهبه شاء أم أبى، فهو مع هذا الحتم والإلزام يجد في مذهب التفصيل ما يدفع ما أوردتم عليه، وبيانه أن الحديثين المسئول عنهما قد اتحدا سببًا وحكمًا. أما السبب فظاهر؛ لأن المورد هو العين المسروقة، وأما [1ب] الحكم، فالرواية المطلقة التي في حديث سمرة الحكم فيها هو الرد وهو لا يخالف ما في حديث أسيد، والكلام إذا أردت إيضاحه، معناه هكذا: العين المسروقة يأخذها مالكها إذا وجدها في يد رجل، والعين المسروقة يأخذها مالكها إذا
وجدها في يد رجل متهم بسرقتها، فإن كان ما في الحديثين يؤدي هذا المعنى ويفيده فأي خلل في هذا الإطلاق والتقييد، وأي مناقشة ترد على الحمل.
إن قال المجيب - كثر الله فوائده -: إن مثل هذا التركيب الذي جعلناه مثالاً لا يستفاد من الحديثين، وأنه يمنع ذلك حتى نقرره بوجه يوجب التسليم.
فنقول: أما الرواية (1) التي في حديث سمرة فهي في السؤال الذي كتبه السائل - كثر الله فوائده - هكذا. وفي لفظ: " إذا سرق من الرجل متاع، أو ضاع منه فوجده بيد رجل بعينه فهو أحق به ". ولا شك ولا ريب أن هذا اللفظ يتضمن المثال الذي ذكرناه سابقًا، وهو قولنا: العين المسروقة يأخذها مالكها إذا وجدها في يد رجل، ويتضمن ما يؤدي هذا المعنى من أمثلة يكثر تعدادها.
وأما حديث أسيد فقد صرحت في الجواب تصريحًا لا يبقى بعده ارتياب بأنه قد اشتمل على طرفين.
أحدهما: التصريح بحكم غير المتهم.
الثاني: السكوت عن حكم المتهم مع استفادته من المقابلة (2)، ومن مفهوم [2أ] ....
(1) تقدم تخريجها.
(2)
قال الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص591): مفهوم المخالفة هو حيث المسكوت عنه مخالفًا للمذكور في الحكم إثباتًا ونفيًا، فيثبت للمسكوت عنه نقيض حكم المنطوق به.
وجميع مفاهيم المخالفة حجة عند الجمهور إلا مفهوم اللقب وأنكر أبو حنيفة الجميع.
انظر: " البحر المحيط "(4/ 15)، " تيسير التحرير "(1/ 94).
وللقول بمفهوم المخالفة شروط:
1 -
أن لا يعارضه ما هو أرجح منه من منطوق أو مفهوم موافقة وعليه تفصيل. انظر: " البحر المحيط "(4/ 18).
2 -
أن لا يكون المذكور قصد به الامتنان كقوله تعالى: {لتأكلوا منه لحما طريا} فإنه لا يدل على منع أكل ما ليس بطري.
3 -
أن لا يكون المنطوق خرج جوابًا عن سؤال متعلق بحكم خاص ولا حادثة خاصة بالمذكور وهكذا قيل ولا وجه لذلك فإنه لا اعتبار بخصوص السبب ولا بخصوص السؤال.
انظر مزيد تفصيل: " البحر المحيط "(4/ 22)، " تيسير التحرير "(1/ 99).
4 -
أن لا يكون المذكور قصد به التفخيم وتأكيد الحال كقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد " وهو حديث متفق عليه.
فإن التقيد بالإيمان لا مفهوم له وإنما ذكر لتفخيم الأمر.
" الكوكب المنير "(3/ 492).
5 -
أن يذكر مستقلاً، فلو ذكر على وجه التبعية لشيء آخر فلا مفهوم له كقوله تعالى:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: 187].
فإن قوله: في المساجد لا مفهوم له؛ لأن المعتكف ممنوع من المباشرة مطلقًا.
" البحر المحيط "(4/ 23).
6 -
أن لا يظهر من السياق قصد التعميم فإن ظهر، فلا مفهوم له كقوله تعالى:{والله على كل شيء قدير} [البقرة: 284].
للعلم بأن الله سبحانه قادر على المعدوم والممكن وليس بشيء فإن المقصود بقوله: {كل شيء} للتعميم.
7 -
أن لا يعود على أصله الذي هو منطوق بالإبطال، أما لو كان كذلك فلا يعمل به.
انظر " الكوكب المنير "(3/ 495 - 496)، " البحر المحيط "(4/ 23).
الشرط (1)، وجعلت الرواية من حديث سمرة مطلقة مقيدة بما في حديث أسيد في المتهم، ولا ريب أن ما تضمنه (2) ما في حديث أسيد في المتهم يتضمن ما ذكرته، وهو العين المسروقة يأخذها مالكها إذا وجدها في يد رجل متهم بسرقتها، بل هذا هو معناه ومفاده الذي سيق له. وقيل فيه: لأن معناه الذي وقع التصريح بحكمه قد أفاد أن مقابله وهو
(1)(1) مفهوم الشرط: الشرط في اصطلاح المتكلمين ما يتوقف عليه المشروط ولا يكون داخلاً في المشروط ولا مؤثرًا فيه.
وفي اصطلاح النحاة ما دخل عليه أحد الحرفين (إن) أو (إذا)، أو ما يقوم مقامهما مما يدل على سببية الأول ومسببية الثاني، وهذا هو الشرط اللغوي وهو المراد هنا.
" إرشاد الفحول "(ص598).
(2)
كذا في المخطوط ولعله هناك سقط.
المتهم له حكم يقابله، فإذا كان الحكم مع غير المتهم هو الأخذ بالقيمة كان الحكم مع المتهم هو الأخذ بغير قيمة، والذي جعلناه مقيدًا لإطلاق الرواية التي في حديث سمرة هو مفهوم حديث أسيد لا منطوقه. وقد صرحت بهذا تصريحًا في غاية الوضوح في الجواب فقلت ما لفظه: ووجه عدم المعارضة أن لفظ رجل هاهنا مطلق، والرواية الأولى تقيده، لأن فيها التفصيل بين المبهم وغيره، وذكر حكم الموجود من السرقة في يد أحدهما منطوقًا، وحكم الموجود في يد الآخر مفهومًا، فيحمل هذا المطلق على المقيد، ويكون هذا الرجل هو المتهم انتهى.
فلو فرضنا التردد في الإشارة في قولي: فيحمل هذا المطلق على ذلك المقيد، هل يعود إلى المنطوق أو المفهوم؟ لكان قولي بعد ذلك: ويكون هذا الرجل هو المتهم رافعًا لذلك التردد رفعًا لا يبقى عنده شك ولا ريب [2ب]. هذا مع أن أهل الأصول قد صرحوا بأنه كما يكون التقييد بما يتضمنه المقيد من الحكم يكون أيضًا بنقيض ذلك الحكم كما قالوا في مثل: اعتق عني رقبة مع لا تملكني رقبة كافرة، قالوا: فإنه يجب تقييد المطلق حينئذ بضد قيد المقيد، وهو الإيمان.
فلو أردنا أن المقيد هو الحكم المذكور في حديث أسيد منطوقًا لكان المعلوم أن التقييد المراد منه هو تقييد حديث سمرة باعتبار تلك الرواية المصرحة بالسرقة بضد الحكم المذكور فيه، وهو لا يخالف الرواية التي في حديث سمرة فلم يختلف الحكم. هذا على التسليم والتنزيل، وإلا فقد صرحنا بالمقيد تصريحًا لا يشك فيه.
وأما إذا كان ما في الحديثين يؤدي معنى ما ذكرنا من المثال ويتضمنه فالمناقشات التي أوردها - كثر الله فوائده - مندفعة، وبيانه أن قوله في صدر البحث ما نصه: الأول: حمل المطلق على المقيد لا يتم إلا فيما اتحد حكمهما (1)
…
إلخ.
يجاب عنه بالقول بموجبه، فإن كان هذا الكلام مناقشة لما أجبت به في تقرير
(1) تقدم توضيحه في بداية الرسالة.
الإطلاق والتقييد فهو لا يرد، لن الحكم في ذلك التقرير متحد لا مختلف، وإن كان مناقشة لغيره فما هو حتى ننظر فيه؟.
قوله - كثر الله فوائده -: ومن ثم اختلفوا
…
إلخ.
أقول: هذا جعله تأييدًا، فإنه من الوضوح بمكان لا يخفى، فتقرير الاعتراض وتقريبه بمثل مثال الرقبة، ومثل هذا إنما [3أ] يحسن في خطاب من هو خالي الذهن عن ذلك.
قال (1) - كثر الله فوائده -: وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن الحكم في قوله صلى الله عليه وآله وسلم
…
إلخ.
أقول: لم يرد هذا الذي سبق إليه فهم السائل - عافاه الله - بل أردنا ما سبق تقريره على أنا لو أردنا هذا لما كان في ذلك من ضير؛ لأنه سيكون التقييد بحكم الضد، وهو سائغ شائع فكان على السائل - عافاه الله - أن يقول عند تحرير هذا: إن المجيب إن أراد التقييد بنفس الحكم فهو مخالف لحكم المطلق، وإن أراد التقييد بضد حكمه فهو موافق ولا بأس، ولكنه حمل كلام المجيب على ما صرح بخلافه، وأوضح أنه مراده، ثم لم يحمل كلام المجيب بعد قلب كلامه على المحمل الذي يصح الكلام عليه، بل على المحمل الذي يرد الاعتراض به، فكان على هذا الاعتراض اعتراضات:
الأول: عدم تدبر كلام المجيب كما ينبغي.
الثاني: عدم التنبه لما صرح به من أن التقييد وقع بأحد معنيي حديث أسيد.
الثالث: عدم استيفاء ما يحتمله كلام المجيب على فرض أنه أراد التقييد بالمعنى المصرح بحكمه بالمنطوق، فإنه كما يحتمل التقييد بعين الحكم المذكور فيه: يحتمل التقييد بنقيضه.
الرابع: أنه لو كان هذا الذي فهمه السائل - كثر الله فوائده - هو مراد السائل قطعًا وبتًا لكان عليه حمله على ما يصح، وهو التقييد بالضد، لا على ما يبطل، وهو التقييد،
(1) السائل في الرسالة رقم (152).
يعني الحكم.
الخامس: أنه قد ذكر في كلامه هذا - كثر الله فوائده - ما كان في تأمله دفع ما أورده، وهو ما أشار إليه من الاختلاف في تأخر المقيد عن المطلق، فإنهم قد أحالوا الكلام في الإطلاق والتقييد على الكلام في التعميم والتخصيص، في جميع الأحكام المتفق عليها، والمختلف فيها.
ومن جملة ما صرحوا به في مباحث التخصيص هو التخصيص (1) بالمفهوم، فكان عليه - عافاه الله - أن يتنبه لهذا حتى يعلم أن كلام المجيب لو كان محتملاً لكان حمله على ما يصح أولى من حمله على ما يبطل.
قال - كثر الله فوائده -: نعم. قد يحمل المطلق على التقييد مع اختلاف حكمهما (2)
…
إلخ.
أقول: هذا منه تجريد للنظر إلى أحكام المنطوق، وإغماض عن حكم المفهوم بالمرة، وإلا فمعلوم أن مثل:" في الغنم السائمة زكاة "(3)، ومثل:" لا زكاة في المعلوفة "، وإن كان الحكم المنطوق به مختلفًا، لكن لا زكاة في المعلوفة وجوب الزكاة في غير المعلوفة وصف عدم وجوب الزكاة في غير السائمة فلو كان أحد المنطوقين أعم من أحد المفهومين أو العكس أو كان أحدهما مطلقًا والآخر مقيدًا لم يمتنع البناء ولا الحمل وهذا إنما هو مجرد إيضاح وتصوير فلا يشترط تطبيقه على محل النزاع، ومع هذا فقد صرح أهل الأصول بما هو أعم مما ذكره من تخصيص ذلك بما إذا كان المطلق مترتبًا على المقيد، فإنهم قالوا إن اقتضى المطلق لأمر ينافيه حكم المقيد إلا عند تقييده بضده مسوغ لتقييده
(1) انظر " إرشاد الفحول "(ص528 - 529، ص596)، " البحر المحيط "(3/ 381).
(2)
تقدم ذكره.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1454) وأبو داود رقم (1567) والنسائي (5/ 18 - 23 رقم 2447) من حديث أنس.
ناقش الشوكاني هذا الموضوع مفصلاً في " إرشاد الفحول "(450، 493، 596، 597).
بذلك الضد وما نحن فيه.
قال (1) - كثر الله فوائده -: الثاني: أن حمل المطلق على المقيد فيه جمع بين الدليلين
…
إلخ.
أقول: نحن نقول بموجب هذا. قولكم: وهذا الذي ذكره المجيب ليس فيه إلا أن المقيد بقي على حالته، والمطلق حمل على ضد المقيد.
قلنا: ممنوع والسند أن المطلق حمل على عين المقيد، وهو المستفاد من مفهوم الشرط سلمنا أن المقيد هو المذكور صريحًا، والمطلق حمله على ضده، فكان ماذا؟ وأي بأس في مثل هذا؟ فإن حمل المطلق على ضد المقيد إذا أفاد تقليلاً [4أ] لشيوعه وانتشاره كان صحيحًا. وقولكم: فإن المقيد هو الرجل غير المتهم لا المتهم.
قلنا: هذا ممنوع، فنحن نطالبكم بالدليل على هذا الجزم، فإن كان الدليل شيئًا وجدتموه في جوابي فما هو؟ فإني أقول: إني قد صرحت فيه بما يفيد ضد هذا الجزم كما سبق، وإن كان الدليل على هذا الجزم شيئًا آخر فما هو، وأين هو؟ على أنه لو وجد ما يفيد هذا لم يكن فيه ما يقتضي الاعتراض، فالتقييد بنقيض الحكم كالتقييد بعينه، والتخصيص كذلك، فما معنى قولكم، وهذا شيء غير حمل المطلق على المقيد؟ فإن هذا شفيع دعوى ممنوعة بدعوى ممنوعة، وضم ما هو شبيه بالمصادرة إلى ما هو شبيه بالمصادرة.
قال - كثر الله فوائده -: وخلاصته إلى قوله: وهذا أشبه شيء بتخصيص العام.
أقول: هذا تقول بموجبه، فحمل المطلق على المقيد أشبه شيء بتخصيص العام، ولا فرق بينهما إلا مجرد كون العام شموليًا (2)، والمطلق بدليًا، وليس المطلوب من الحمل في
(1) أي السائل.
(2)
قال الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص397): اعلم أن العام عمومه شمولي وعموم المطلق بدلي، وبهذا يتضح الفرق بينهما، فمن أطلق على المطلق اسم العموم فهو باعتبار أن موارده غير منحصرة فصح إطلاق اسم العموم عليه من هذه الحيثية. والفرق بين عموم الشمول وعموم البدل أن عموم الشمول كلي يحكم فيه على كل فرد فرد، وعموم البدل كلي من حيث إنه لا يمنع تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه، ولكن لا يحكم فيه على كل فرد فرد، بل على فرد شائع في أفراده يتناولها على سبيل البدل ولا يتناول أكثر من واحد منها دفعة.
انظر: " تيسير التحرير "(1/ 194 - 195).
المطلق إلا تقييد ما كان بدليًا ببعض الأبدال، كما أنه ليس المطلوب من بناء العام على الخاص إلا إخراج بعض الأفراد من تحت حكم العام، وهي الأفراد التي يتناولها الخاص، وينبغي أن تعلم أن هذه الخلاصة التي جاء بها السائل - نفع الله بعلومه - قد أشارت إلى الوفاق بكف سوي تأدت باندفاع ما قدمه بصوت علي قوي، فإن الرجل المذكور في حديث سمرة قد كان لفرد منتشر بين أفراد المتهم وغير المتهم، فكان تقييده بالمتهم المذكور مفهومًا في حديث أسيد [4ب] مقللاً لانتشاره، وموجبًا لحمله على بدل من تلك الأبدال. وإذا كان الأمر هكذا باعتراف السائل - عافاه الله - فما بقي للخلاف معنى، بل صار النزاع ضائعًا.
قال - كثر الله فوائده -: لا يستقيم إلا في الرجل غير المتهم
…
إلخ.
أقول: لعله بني على هذا التلازم بين كون الرجل متهمًا، وبين كونه سارقًا وهذا ممنوع، فإنه لا تلازم لا عقلاً، ولا شرعًا، ولا عادة. أما عقلاً فظاهر؛ إذ ليس من أحكام العقول أن يقضي بأن كل من كان متهمًا بشيء فهو فاعله، وأما شرعًا فلعدم اكتفاء الشارع بمجرد التهم، بل قال:" على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين "(1).
وأما عادة فكم من متهم بأمر ينكشف مظلومًا مبهوتًا! وإذا كان الظن أكذب الحديث (2)، وكان منهيًا عن اتباعه والعمل عليه، فكيف يكون مجرد تهمة رجل لرجل لا
(1) وهو حديث صحيح تقدم تخريجه.
(2)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (6064) ومسلم رقم (2563، 2564) وأبو داود رقم (4917) والترمذي رقم (1988) من حديث أبي هريرة قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم
…
".
تبلغ حد الظن تصلح للحكم بها على خصمه وغريمه!.
وإذا تقرر هذا علمت أن ما ذكره - دامت إفادته - إنما يتم لو كان المتهم هو السارق قطعًا وبتًا، أما إذا كان الاحتمال كائنًا فالواجب البقاء على الأصل حتى ينقل عنه ناقل، ولا سيما في إثبات مثل هذا الأمر المستلزم للعقوبة في البدن والمال، والموجب للشناعة والعار، فلا مانع من رجوع المتهم في اعتقاد صاحب العين على من باعها منه إن كان قد باعها منه بائع، فلا يتم قوله - دامت إفادته -: أن حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم له برجوعه بالثمن يفيد أنه غير المتهم
…
إلخ [5أ].
قال - كثر الله فوائده -: وقد مشى على هذا الظاهر أعني: أن الرجل في حديث سمرة مشتر [أخرجه](1) ابن ماجه في سننه فقال: باب من سرق له شيء فوجده في يد رجل اشتراه
…
إلخ.
أقول: هذا التبويب، بل وقوله في متن الحديث: يبيعه ليس في شيء منهما ما يمنع من الإطلاق والتقييد الذي أشرنا إليه، لما قدمنا من أن المتهم لا يلزم أن يكون هو السارق لا عقلاً ولا شرعًا، ولا عادة، فلا يمتنع أن يكون مشتريًا غير سارق مع كونه متهمًا، وهذا ظاهر لا يخفى، فيكون مجرد كونه متهمًا بالسرق عند صاحب العين مسوغًا لأخذ العين منه، وهو إذا كان في الواقع غير سارق، بل صارت إليه العين بشراء أو غيره فلا ظلم عليه، لأنه سيرجع بما سلمه على من باع منه.
فإن قلت: كيف كان مجرد كونه متهمًا مسوغًا لأخذ العين منه بغير موجب! ومجرد كونه غير متهم مانعًا لأخذ العين منه إلا بتسليم العوض.
قلت: لأن من كان غير متهم بالسرقة عند صاحب العين المسروقة فهو بريء عنده من السرقة، فيكون أخذ العين منه بلا عوض ظلمًا بحتًا في اعتقاد الآخذ فضلاً عن غيره.
(1) زيادة استلزمها السياق.
وأما من كان متهمًا عند صاحب العين فهو لا يعتقد أنه مظلوم إذا أخذها منه، وبعد هذا كله فهذا حكم من الشارع الحكيم، فليس لنا أن نستنكره بعقولنا.
قال - عافاه الله -: ولا شك أن ما كثرت طرقه وعاضدته كليات الشريعة
…
إلخ.
أقول: هذا الترجيح إن كان [5ب] مبنيًا على ما قدمه من تسليم كون حديث سمرة، وحديث أسيد في غير المتهم بالسرقة فهو ممنوع كما عرفت، وإن كان الترجيح لا باعتبار هذه الرواية في حديث سمرة، بل باعتبار الرواية الأخرى المذكورة فيه، وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيع من باعه ". فلا شك ولا ريب أن هذه الرواية أعم مطلقًا من حديث أسيد بن حضير، ومن حديث أسيد بن ظهير، ومن الرواية المصرحة بالسرقة في حديث سمرة.
أما على ما صرح به السائل - عافاه الله - في جوابه من أن حديث سمرة وأسيدًا بما هما في غير المتهم بالسرقة فواضح لا يخفى، وأما على ما قررنا من الإطلاق والتقييد، فلأن غاية ما في ذلك أن حديث أسيد بن حضير [6أ]، وحديث أسيد بن ظهير قد صرحا بحكم وجود العين المسروقة في يد غير المتهم، وهذا الحكم هو التخيير، وتلك الرواية المصرحة بالسرقة في حديث سمرة قد تضمنت بحكم حمل المطلق على المقيد أنها في الرجل المتهم، وجميع هذا المستفاد من هذه الروايات أخص مطلقًا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث سمرة:" من وجد عين ماله عند رجل " فكيف صار السائل - كثر الله فوائده - إلى التعارض بين عام وخاص في غاية الظهور والوضوح! وقد علم أن بناء العام على الخاص (1) متفق عليه في الجملة عند من يعتد بقوله من علماء الأصول وغيرهم كما هو معروف مشهور.
ووقوع الخلاف في بعض الأسباب والشروط لا يقدح في الإجماع على الجملة كما هو معروف، فإن كان هذا الإهدار لوجود قادح في الخاص فما هو؟ فقد أوضحنا الكلام
(1) تقدم ذكره. وانظر: " إرشاد الفحول "(ص455)، " البحر المحيط "(3/ 198).
على أسانيد تلك الأحاديث في جواب السؤال، وإن كان لمجرد الذهول عن كون قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" من وجد عين ماله " أعم مطلقًا من قول الراوي: قضى في العين المسروقة، ومن قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" إذا وجد العين المسروقة " فمثله - عافاه الله - في فهمه وعلمه يتخلص عن هذا الذهول بأدنى التفات، وإن كان لكون هذا العام قد صار بالمعاضدة قاعدة كلية قطعية لا يخصص [6ب] بالآحاد. فهذا وإن كان مذهبًا (1) مشهورًا لبعض أهل العلم لكنه بمكان من الضعف، وموضع من السقوط لا يخفى على مثل السائل - كثر الله فوائده، ومد على الطلاب موائده -.
وإلى هنا انتهى الكلام على ما أفاد به من المناقشة - دامت إفادته -.
حرره المجيب محمد بن علي الشوكاني - غفر الله لهما [7أ]-.
(1) ذكره الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص523)، " البرهان "(1/ 426 - 430).