الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ زَمْزَمَ لِمَا أَحَبَّ، وَيَتَضَلَّعُ1. وفي التبصرة: ويرش. عَلَى بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ2: قَوْلُهُ عليه السلام لِأَبِي ذَرٍّ: "إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ" أَيْ تُشْبِعُ شَارِبَهَا كَالطَّعَامِ. وَيَقُولُ مَا ورد.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَاكَ إذَا لَمْ نَقُلْ إنَّهُ رُكْنٌ أَنَّ الْمُقَدَّمَ أَنَّهُ يَجْبُرُهُ بِدَمٍ، فَيَكُونُ وَاجِبًا، وَهُنَا أُطْلِقَ الْخِلَافُ، أَوْ يُقَالُ: لَمْ يُقَدِّمْ هُنَاكَ حُكْمًا، وَهُنَا حَرَّرَ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّ كَلَامَهُ هُنَاكَ مُحْتَمِلٌ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لَيْسَا بِالرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ، وَإِنَّمَا هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقُلْ إنَّهُ رُكْنٌ، فَهَلْ يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً؟ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الرَّاجِحِ وَالْمُقَدَّمِ مِنْهُمَا وَالصَّحِيحِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَالَهُ أَوَّلًا، وَذَكَرَ هُنَاكَ مَنْ اخْتَارَ كُلَّ رِوَايَةٍ مِنْهُمَا، وَأَمَّا هُنَا فَبَعْضُ الْأَصْحَابِ رَجَّحَ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَبَعْضُهُمْ رَجَّحَ أَنَّهُ سُنَّةٌ إذَا لَمْ نَقُلْ إنَّهُ رُكْنٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ واجب.
1 تضلع: امتلأ شبعا أو ريا حتى بلغ الماء أضلاعه. "القاموس": "ضلع".
2 أخرجه مسلم "2473""132"، من حديث أبي ذر، ولم نجده عند البخاري.
فصل: ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي ظُهْرَ يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى
نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، لِلْخَبَرِ1 فَيَبِيتُ بِمِنًى ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَيَرْمِي فِي غَدٍ بَعْدَ الزَّوَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَبْلَ الزَّوَالِ. وَفِي الْوَاضِحِ: بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، إلَّا ثَالِثَ يَوْمٍ، وَأَطْلَقَ أَيْضًا فِي مَنْسَكِهِ أَنَّ لَهُ الرَّمْيَ مِنْ أَوَّلِ، وَأَنَّهُ يَرْمِي فِي الثَّالِثِ كَالْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ، ثُمَّ يَنْفِرُ.
وَيَرْمِي إلَى الْمَغْرِبِ الْجَمْرَةَ الْأُولَى، وَتَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، ثُمَّ الْوُسْطَى، وَيَدْعُو عِنْدَهُمَا طَوِيلًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: رَافِعًا يديه، نقل حنبل: يستحب رفع
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرجه مسلم "1308""335"، عن ابْنِ عُمَرُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى.
يَدَيْهِ عِنْدَ الْجِمَارِ، ثُمَّ الْعَقَبَةِ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِيَ. فَإِنْ نَكَسَهُنَّ أَوْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ مِنْ السَّابِقَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَعَنْهُ: إنْ جَهِلَ، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِرَمْيِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَجْعَلُ الْأُولَى يَسَارَهُ وَالْأُخْرَيَيْنِ يَمِينَهُ، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعٍ، وَعَنْهُ: سِتٍّ، وَعَنْهُ: خَمْسٍ، ثُمَّ الْيَوْمُ الثَّانِي كَذَلِكَ.
وَعَنْهُ: يَجُوزُ رَمْيٌ مُتَعَجَّلٌ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَيَنْفِرُ بَعْدَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إن رمى عند. طُلُوعِهَا مُتَعَجِّلٌ ثُمَّ نَفَرَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ دَمًا، وَإِنْ أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى الْغَدِ رَمَى رَمِيَّيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَمَى الْكُلَّ وَيَوْمُ النَّحْرِ آخَرُ أَيَّامِ مِنًى أَجْزَأَ أَدَاءً، وَقِيلَ: قَضَاءً.
وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا لَزِمَهُ دَمٌ، وَلَا يَأْتِي بِهِ كَالْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى، وَتَرْكُ حَصَاةٍ كَشَعْرَةٍ، وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ: يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَعَنْهُ: عَمْدًا، وَعَنْهُ: دَمٌ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْأَصْحَابِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: ضَعَّفَهُ شَيْخُنَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، وَعَنْهُ: فِي ثِنْتَيْنِ كَثَلَاثٍ، فِي الْمَنْصُوصِ، وَكَجَمْرَةٍ وَجِمَارٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: وَاحِدَةٌ هَدَرٌ، وَعَنْهُ: وَثِنْتَانِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: إذَا لَمْ يَقُمْ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَطْعَمَ شَيْئًا، وَدَمٌ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يُطْعِمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَفِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيَالِيِ مِنًى دَمٌ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وعنه
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 15" إذَا قُلْنَا إنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ وطاف طواف الإفاضة، فهل
يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَلَيْلَةً كَذَلِكَ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ: كَشَعْرَةٍ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نُسُكًا بِمُفْرَدِهَا، بِخِلَافِ مُزْدَلِفَةَ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَمٌ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ1 شَيْءٌ، فَإِنْ شَاءَ تَعَجَّلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَهُوَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ لَا يَضُرُّ رُجُوعُهُ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ،
وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَمْيُ. الْيَوْمِ، الثَّالِثِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَيَدْفِنُ بَقِيَّةَ الْحَصَى، فِي الْأَشْهَرِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: فِي الْمَرْمَى، وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: أَوْ يَرْمِي بِهِنَّ كَفِعْلِهِ فِي اللَّوَاتِي قَبْلَهُنَّ، فَإِنْ غَرَبَتْ شَمْسُهُ بَاتَ وَرَمَى بَعْدَ الزَّوَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: أَوْ قَبْلَهُ، وَهُوَ النَّفْرُ الثَّانِي.
وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْمُقِيمِ لِلْمَنَاسِكِ التَّعْجِيلُ لِأَجَلِ مَنْ يَتَأَخَّرُ، قَالَهُ أصحابنا، ذكره القاضي وغيره وشيخنا، وَلَا مَبِيتَ بِمِنًى عَلَى سُقَاةِ الْحَاجِّ وَالرُّعَاةِ، ولهم الرمي2 بِلَيْلٍ وَنَهَارٍ، فَإِنْ غَرَبَتْ وَهُمْ بِهَا لَزِمَ الرِّعَاءُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَكَذَا عُذْرُ خَوْفٍ وَمَرَضٍ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: أَوْ خَوْفِ فَوْتِ مَالِهِ أَوْ مَوْتِ مَرِيضٍ.
وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ ثَانِيَ أَيَّامِ مِنًى، نَقَلَ الْأَثْرَمُ: مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُلْ: يَزُورُ الْبَيْتَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ الْإِقَامَةَ بِمِنًى، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُفِيضُ كُلَّ لَيْلَةٍ3، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: مَنْ شَاءَ طاف أيام التشريق4. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
يَحِلُّ قَبْلَ السَّعْيِ أَمْ لَا؟ أُطْلَقَ الْخِلَافُ فيه.
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 في "ط": "الرمل".
3 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" نشرة العمروي 312، والبيهقي في "السنن الكبرى" 5/164.
4 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" نشرة العمروي 312.
ثُمَّ يَطُوفُ لِلْوَدَاعِ إنْ لَمْ يُقِمْ، قَالَ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ: إنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَزْمِ. عَلَى الْخُرُوجِ. وَاحْتَجَّ بِهِ شَيْخُنَا عَلَى أَنَّهُ ليس من الحج "وش" وَكَذَا فِي التَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يتعلق به "1في من وطئ بعد التحلل1"
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"أَحَدُهُمَا" يَحِلُّ "قُلْت": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ; لأنهم أطلقوا الإحلال
1 ليست في "ب" و "س".
ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُقَبِّلُ الْحَجَرَ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: كُلَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ دَخَلَ كَمَا وَصَفْنَا، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ الْوَدَاعِ لِغَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَوْ شِرَاءِ حَاجَةٍ بِطَرِيقِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: أَوْ قَضَى بِهَا حَاجَةً أَعَادَ، وَسَأَلَهُ صَالِحٌ: إنْ وَقَفَ وَقْفَةً أَوْ رَجَعَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا قَدْرَ غَلْوَةٍ؟ قَالَ: أَرْجُو، وَنَصُّهُ فِيمَنْ وَدَّعَ وَخَرَجَ ثُمَّ دَخَلَ لِحَاجَةٍ: يُحْرِمُ، وَإِذَا خَرَجَ وَدَّعَ، كَمَنْ دَخَلَ مُقِيمًا، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أبي داود: ودع
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
بَعْدَ طَوَافِ الْإِضَافَةِ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
"وَالْوَجْهُ الثاني" لا يحل حتى يسعى.
ثُمَّ نَفَرَ يَشْتَرِي طَعَامًا يَأْكُلُهُ ; قَالَ لَا يَقُولُونَ حَتَّى يَجْعَلَ الرَّدْمَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ. وَإِنْ تَرَكَتْهُ غَيْرُ حَائِضٍ لَمْ تَطْهُرْ قَبْلَ مُفَارِقَةِ الْبُنْيَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ: وَأَهْلُ الْحَرَمِ رَجَعَ، فَإِنْ شَقَّ وَالْمَنْصُوصُ: أَوْ بَعْدَ مَسَافَةِ قَصْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ، وَمَتَى رَجَعَ الْقَرِيبُ لَمْ يَلْزَمْهُ إحْرَامٌ، قَالَ الشَّيْخُ: كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَالْبَعِيدُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ وَيَأْتِي بِهَا وَيَطُوفُ لِوَدَاعِهِ. وَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ أَوْ لِلْقُدُومِ كَفَاهُ عَنْهُمَا، وَعَنْهُ: يُوَدِّعُ."*".
وَإِنْ وَدَّعَ ثُمَّ أَقَامَ بِمِنًى وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ فَيَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ، وَإِنْ خَرَجَ غَيْرَ حَاجٍّ فَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا لا يودع..
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"*" تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: "وَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ: أَوْ لِلْقُدُومِ كَفَاهُ عَنْهُمَا، وعنه: يودع"، انتهى. تَأْخِيرُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَفِعْلُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ كَافٍ عَنْهُ وَعَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدَّمَ أَنَّ تَأْخِيرَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَفِعْلَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ لَا يَكْفِي عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ: يُجْزِئُهُ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ، زَادَ فِي الْهِدَايَةِ: مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. إذَا عَلِمَ ذَلِكَ، فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ،
مِنْهَا: حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ،
وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَهُمَا كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ،
وَمِنْهَا: أَنَّ كَلَامَهُ أَوْهَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِهَذَا الْقَوْلِ نَصٌّ عَنْ أَحْمَدَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحْمَدَ نص عليه،
وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ وَالْحِجْرُ مِنْهُ بِلَا خُفٍّ وَنَعْلٍ وَسِلَاحٍ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَتَعْظِيمُ دُخُولِهِ فَوْقَ الطَّوَافِ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الْعِلْمِ، قَالَهُ فِي الْفُنُونِ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِ عِبَادَةٌ، قَالَهُ أَحْمَدُ. وَفِي الْفُصُولِ: وَرُؤْيَتُهُ لِمَقَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَوَاضِعِ الْأَنْسَاكِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَوُقُوفُهُ بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ، وَيَلْتَزِمُهُ مُلْصِقًا بِهِ جَمِيعَهُ وَيَدْعُو.
وَالْحَائِضُ تَقِفُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَأْتِي الْحَطِيمَ وهو تحت الميزاب فيدعو، وذكر شيخنا:. ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ زَمْزَمَ، وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: إذَا قَدِمَ1 مُعْتَمِرًا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ عُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ، فَإِنْ الْتَفَتَ وَدَّعَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ، وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى النَّدْبِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ: لَا يُوَلِّي ظَهْرَهُ حَتَّى يَغِيبَ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ هَذَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: ثُمَّ يَأْتِي2 الْأَبْطَحَ الْمُحَصَّبَ فَيُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ والعصر والمغرب والعشاء ويهجع به.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَمِنْهَا أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِمُوَافَقَتِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ، فَيَتَقَوَّى الْقَوْلُ الثَّانِي بِقَطْعِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ وَبِالنَّصِّ عَنْ أَحْمَدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
لَكِنَّ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ عُسْرٌ، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ إجْزَاءِ طَوَافِ الْقُدُومِ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدِمَ مَكَّةَ لِضِيقِ وَقْتِ الْوُقُوفِ، بَلْ قَصَدَ عَرَفَةَ، فَلَمَّا رَجَعَ وَأَرَادَ الْعَوْدَ طَافَ لِلزِّيَارَةِ ثُمَّ لِلْقُدُومِ، إمَّا نِسْيَانًا أَوْ غَيْرَهُ، فَهَذَا الطَّوَافُ يَكْفِيهِ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ، والله أعلم.
1 في الأصل: "دخل".
2 في الأصل: "يجيء".
وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ وَقَبْرِ صَاحِبِيهِ رضي الله عنهما، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلًا لَهُ لَا لِلْقِبْلَةِ "هـ" ثُمَّ يَسْتَقْبِلُهَا وَيَجْعَلُ الْحُجْرَةَ عَنْ يَسَارِهِ وَيَدْعُو، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قَرُبَ مِنْ الْحُجْرَةِ أَوْ بَعُدَ. وَفِي الْفُصُولِ نَقَلَ صَالِحٌ وَأَبُو طَالِبٍ: إذَا حَجَّ لِلْفَرْضِ لَمْ يَمُرَّ بِالْمَدِينَةِ ; لِأَنَّهُ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ كَانَ فِي سَبِيلِ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَدَأَ بِالْمَدِينَةِ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُهُ وَيَدْعُو، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُكْرَهُ قَصْدُ الْقُبُورِ لِلدُّعَاءِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَوُقُوفُهُ عِنْدَهَا لَهُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَمَسُّحُهُ بِهِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: بَلْ يُكْرَهُ، قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْعِلْمِ كَانُوا لَا يَمَسُّونَهُ، نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: يَدْنُو مِنْهُ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ يَقُومُ حِذَاءَهُ فَيُسَلِّمُ، كَفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ1، وَعَنْهُ: بَلَى، وَرَخَّصَ فِي الْمِنْبَرِ "م" ; لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم منه2 ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى وَجْهِهِ3، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ: وَلْيَأْتِ الْمِنْبَرَ. فَلْيَتَبَرَّكْ بِهِ تَبَرُّكًا بِمَنْ، كَانَ يَرْتَقِي عَلَيْهِ، قَالَ شَيْخُنَا: يَحْرُمُ طَوَافُهُ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، اتِّفَاقًا، قَالَ: وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهُ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ الشِّرْكِ، وَقَالَ: وَالشِّرْكُ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ أَصْغَرَ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا تُرْفَعُ الْأَصْوَاتُ عِنْدَ حُجْرَتِهِ عليه السلام، كَمَا لَا تُرْفَعُ فَوْقَ صَوْتِهِ ; لِأَنَّهُ فِي التَّوْقِيرِ وَالْحُرْمَةِ كَحَيَاتِهِ، رأيته في مسائل لبعض أصحابنا.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/403.
2 ليست في "س""ب" و"ط".
3 مجموع الفتاوى لابن تيمية 27/80.
وَفِي الْفُنُونِ: قَدِمَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ الْمَدِينَةَ، فَرَأَى ابْنَ الْجَوْهَرِيِّ1 الْوَاعِظَ الْمِصْرِيَّ يَعِظُ، فَعَلَا صَوْتُهُ، فَصَاحَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّبِيُّ فِي الْحُرْمَةِ وَالتَّوْقِيرِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَحَالِ حَيَاتِهِ، فَكَمَا لَا تُرْفَعُ الْأَصْوَاتُ بِحَضْرَتِهِ حَيًّا وَلَا مِنْ وَرَاءِ حُجْرَتِهِ، فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ، انْزِلْ، فَنَزَلَ ابْنُ الْجَوْهَرِيِّ، وَفَزِعَ النَّاسُ لِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لِأَنَّهُ كَلَامُ صِدْقٍ وَحَقٍّ وَجَاءَ عَلَى لِسَانِ مُحِقٍّ، فَنَحْكُمُ عَلَى سَامِعِهِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ هَذَا أَدَبٌ مُسْتَحَبٌّ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لِلْإِنْصَاتِ لِكَلَامِهِ إذَا قَرَأَ بَلْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْقِرَاءَةِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ، فَهُنَا أَوْلَى، وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ. وَفِي مَبَاحِثِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ مَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُهُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ2. قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَيُّوبَ، فَسَمِعَ لَغَطًا فَقَالَ: مَا هَذَا اللَّغَطُ، أَمَا بَلَغَهُمْ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَرَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ؟ وَعَنْ السَّرِيِّ بْنِ عَاصِمٍ3 أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ فَسَمِعَ كَلَامًا فَقَالَ: مَا هَذَا كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ فَسَمِعَ كَلَامًا فَقَالَ: مَا هَذَا؟ كَانُوا يَعُدُّونَ الْكَلَامَ عِنْدَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كرفع الصوت فوق صوته.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 هو: أبو الفضل عبد الله بن الحسين المصري واعظ العصر وكان أبوه من العلماء العاملين. "ت: 480هـ" سير أعلام النبلاء 18/495
2 هو: حماد بن زيد بن درهم أبو إسماعيل الأزدي الجهضمي وكان ثقة ثبتا حجة كثير الحديث. "ت: 179هـ" تهذيب التهذيب 1/480
3 هو: السري بن عاصم أبو سهل الهمداني متروك الحديث. "ت 258هـ". تاريخ بغداد 9/192-193.