الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب البيع
مدخل
مدخل
…
كِتَابُ الْبَيْعِ
يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بَعْدَهُ بِلَفْظٍ دال على الرضا، وعنه: بعت
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و: اشتريت فَقَطْ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا، فَقَالَ: أَنَا آخُذُهُ، لَمْ يَصِحَّ، بَلْ أَخَذْته، نَقَلَهُ مُهَنَّا، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ بِمَاضٍ أَوْ طَلَبٍ صَحَّ، وَعَنْهُ: بِمَاضٍ، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، كَنِكَاحٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِ رِوَايَةً، اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ تَرَاخَى عَنْهُ فِي مَجْلِسِهِ صَحَّ إنْ لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا، وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَا نِكَاحٌ، وَعَنْهُ: لَا يبطل بالتفرق، وعنه: مع غيبة الزوج.
وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُعَاطَاةِ، نَحْوُ أَعْطِنِي بِدِرْهَمٍ خُبْزًا، فَيُعْطِيَهُ مَا يُرْضِيهِ، أَوْ خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ فَيَأْخُذَهُ. وَعَنْهُ: فِي الْيَسِيرِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَعَنْهُ:
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لَا، وَمِثْلُهُ وَضْعُ ثَمَنِهِ عَادَةً وَأَخْذُهُ، وَكَذَا هِبَةٌ، فَتَجْهِيزُ بِنْتِهِ بِجِهَازٍ إلَى زَوْجٍ تَمْلِيكٌ، فِي الْأَصَحِّ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ صِحَّةَ الْهِبَةِ. وَلَا بَأْسَ بِذَوْقِهِ حَالَ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشِّرَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا أَدْرِي إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ.
وَلَهُ شُرُوطٌ:
"أَحَدُهَا" الرِّضَا، فَإِنْ أُكْرِهَ بِحَقٍّ صَحَّ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ مَالٍ فَبَاعَ مِلْكَهُ كُرِهَ الشِّرَاءُ، وَيَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ بَيْعُ الْمُضْطَرِّ، وَنَقَلَ حَرْبٌ تَحْرِيمَهُ وَكَرَاهَتَهُ، وَفَسَّرَهُ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ: يَجِيئُك مُحْتَاجٌ فَتَبِيعُهُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِعِشْرِينَ، وَلِأَبِي دَاوُد1، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عَامِرٍ كَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ، أَوْ قَالَ عَلِيٌّ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ، وَبَيْعِ الْغَرَرِ، وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَ. صَالِحٌ لَا يُعْرَفُ، تَفَرَّدَ عَنْهُ هُشَيْمٌ، وَالشَّيْخُ لَا يُعْرَفُ أَيْضًا.
وَلِأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مُسْنَدِهِ2: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ الْكَوْثَرِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ "أَلَا إنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّينَ حَرَامٌ، أَلَا إنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّينَ حَرَامٌ". الْكَوْثَرُ ضَعِيفٌ بِإِجْمَاعٍ، قَالَ أَحْمَدُ: أَحَادِيثُهُ بَوَاطِيلُ، لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: رَأَيْت بِخَطِّ ابْنِ عَقِيلٍ حَكَى عَنْ كِسْرَى أَنَّ بَعْضَ عُمَّالِهِ أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ نَهْرًا، فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي إلَّا فِي بَيْتٍ لِعَجُوزٍ، فَأَمَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا، فَضُوعِفَ لَهَا الثَّمَنُ فَلَمْ تَقْبَلْ، فَكَتَبَ كِسْرَى أَنْ خُذُوا بَيْتَهَا فَإِنَّ الْمَصَالِحَ الْكُلِّيَّاتِ تغفر فيها المفاسد
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في سننه "3382".
2 لم نقف عليه.
الْجُزْئِيَّاتُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَجَدْت هَذَا صَحِيحًا، فَإِنَّ اللَّهَ وَهُوَ الْغَايَةُ فِي الْعَدْلِ - يَبْعَثُ الْمَطَرَ وَالشَّمْسَ، فَإِنْ كَانَ الْحَكِيمُ الْقَادِرُ لَمْ يُرَاعِ نَوَادِرَ الْمُضَارِّ لِعُمُومِ الْمَنَافِعِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى.
"الثَّانِي" الرُّشْدُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ تَصَرُّفُ مُمَيِّزٍ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: إنْ تَزَوَّجَ الصَّغِيرُ فَبَلَغَ أَبَاهُ فَأَجَازَهُ جَازَ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَوْ أَجَازَهُ هُوَ بَعْدَ رُشْدِهِ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ شَيْخُنَا: رِضَاهُ بِقَسْمِهِ هُوَ قِسْمَةُ تَرَاضٍ، وَلَيْسَ إجَازَةً لِعَقْدِ فُضُولِيٍّ، وَقَالَ: إنْ نَفَذَ عِتْقُهُ الْمُتَقَدِّمُ أَوْ دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ عَتَقَ، كَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ كَالْأَحْرَارِ، وَعَنْهُ: لَا يَقِفُ. ذَكَرَهَا الْفَخْرُ. وَفِي الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ صِحَّةَ بَيْعِهِ وَنِكَاحِهِ، وَفِيهِ نَقَلَ ابْنُ مُشَيْشٍ صِحَّةَ عِتْقِهِ إذَا عَقَلَهُ، وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ صِحَّةُ عِتْقِهِ، وَأَنَّ أَحْمَدَ قَالَهُ. وَفِي الْمُبْهِجِ وَالتَّرْغِيبِ: فِي عِتْقِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَابْنِ عَشْرٍ وَابْنَةِ تِسْعٍ وَفِي الْمُوجَزِ وَمُمَيِّزٍ رِوَايَتَانِ، وَهُمَا فِي الِانْتِصَارِ: فِي سَبْقِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُ، وَأَنَّ شَيْخَهُ قَالَ: الصَّحِيحُ عِنْدِي فِي عُقُودِهِ كُلِّهَا رِوَايَتَانِ، وَقَدَّمَ فِي التَّبْصِرَةِ صِحَّةَ عِتْقِ مُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ، نَقَلَ صَالِحٌ: إذَا بَلَغَ عَشْرًا زَوَّجَ وَتَزَوَّجَ وَطَلَّقَ وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ وَنُفُوذِهِ بِلَا إذْنِ وَلِيٍّ وَإِبْرَائِهِ وَإِعْتَاقِهِ وَطَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ. وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَالسَّفِيهُ مِثْلُهُ إلَّا فِي عَدَمِ وَقْفِهِ، وَيَجُوزُ إذْنُهُ لِمَصْلَحَةٍ، وَيَصِحُّ فِي يَسِيرٍ مِنْهُمَا، وكذا من دون المميز في أحد الوجهين "م 1" وَمِنْ عَبْدٍ، وَشِرَاؤُهُ فِي ذِمَّتِهِ وَاقْتِرَاضُهُ لا يصح، كَسَفِيهٍ، فِي الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَالرِّوَايَتَانِ فِي إقْرَارِهِ. وَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ منه لإعساره.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ فِي يَسِيرٍ مِنْهُمَا يَعْنِي من المميز والسفيه وكذا من
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: مِنْ بَائِعِهِ بَعْدَ مَا عَلِمَ أَنَّ مَوْلَاهُ حَجَرَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ هُوَ أَتْلَفَ مَالَهُ
وَفِي قَبُولِهِمْ هِبَةً وَوَصِيَّةً بِلَا إذْنٍ أَوْجُهٌ "الثَّالِثُ": يَجُوزُ مِنْ عَبْدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُغْنِي1: يَصِحُّ قَبُولُ مُمَيِّزٍ "م 2" وَكَذَا قَبْضُهُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَيُقْبَلُ مِنْ مُمَيِّزٍ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: دُونَهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ بِهَا، وَإِذْنُهُ فِي دُخُولِ دَارٍ. فِي جَامِعِ الْقَاضِي: وَمِنْ فَاسِقٍ وَكَافِرٍ، وذكره الْقُرْطُبِيُّ "عِ" وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: إنْ ظُنَّ صِدْقُهُ، وَهَذَا مُتَّجَهٌ. قَالَ: وَإِنْ حَذَّرَ مِنْ سلوك طريق
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
دُونِ الْمُمَيِّزِ2، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ، قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: وَفِي قَبُولِهِمْ يَعْنِي الْمُمَيِّزَ وَالسَّفِيهَ وَالْعَبْدَ هِبَةً وَوَصِيَّةً بِلَا إذْنٍ أَوْجُهٌ، الثَّالِثُ: يَجُوزُ مِنْ عَبْدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُغْنِي1: يَصِحُّ قَبُولُ مُمَيِّزٍ، انْتَهَى. وَأُطْلِقَ الْقَبُولُ وَعَدَمُهُ فِي السَّفِيهِ وَالْمُمَيِّزِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، فِي الصَّغِيرِ.
"أَحَدُهُمَا" يَصِحُّ مِنْ الْجَمِيعِ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ5 وَالْحَاوِي فِي قبول المميز.
1 6/7.
2 في "ح": "السفيه".
3 6/8.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/12.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/19.
لَزِمَ قَبُولُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ: لَا، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي التَّمْهِيدِ مَسْأَلَةَ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ: أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِلُصُوصٍ فِي طَرِيقِهِ وَظُنَّ صِدْقُهُ لَزِمَهُ تَرْكُهُ. وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ1 عَنْ الْمُخَالِفِ فِي خَبَرِ وَاحِدٍ، وَلَوْ حَذَّرَ فَاسِقٌ مِنْ طَرِيقٍ وَجَبَ قَبُولُهُ عُرْفًا، فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ، لِاحْتِمَالِ قَصْدِ تَعْوِيقِهِ أَوْ التَّهَزِّي، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ. وَمَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْجَامِعِ ذَكَرَهُ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، قَالَ: لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ وَالْهَدِيَّةَ مَوْضُوعُهُمَا عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ، بِدَلِيلِ قَبُولِهِ مِنْ الصَّبِيِّ، وَالْقِبْلَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، لِعَدَمِ قَبُولِهِ مِنْ الصَّبِيِّ. وَيُحْتَجُّ لِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبِلَ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ وَهِيَ عَلَى أَيْدِي كُفَّارٍ2، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ هَذَا مَعَ قَرِينَةٍ رُبَّمَا أَفَادَتْ الْعِلْمَ فَضْلًا عَنْ الظَّنِّ، نَحْوُ مُكَاتَبَةٍ وَعَلَامَةٍ بِرِسَالَةٍ وَغَيْرِهَا، فَلَا يُفِيدُ الْإِطْلَاقُ، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى.
"الثَّالِثُ" أَنْ يَكُونَ مُبَاحَ النَّفْعِ وَالِاقْتِنَاءِ بِلَا حَاجَةٍ، كَعَقَارٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ، وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا، لَا إنْ نَجِسَا، قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَدُودِ قَزٍّ، وَحَرَّمَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَبِزْرِهِ3. وَفِيهِ وَجْهٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ: كَبَيْضِ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يَصِحُّ"4. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: لَا يَصِحُّ قَبْضُ مُمَيِّزٍ هِبَةً وَلَا قَبُولُهَا، عَلَى أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ "قُلْت": وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدْ مَرَّ لِلْمُصَنِّفِ فِي بَابِ ذِكْرِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ4"5.
"وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ" يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هذا المذهب
1 4/363.
2 أخرج البخاري "2616"، ومسلم "2469"، عن أنس: أن أكيدر دومة أهدى لللنبي صلى الله عليه وسلم
3 هو: بيض دود القز، تشبيها له ببزر البقل. "المصباح":"بزر".
4 ليست في "ح".
5 4/373.
مَا لَا يُؤْكَلُ، وَلَا حَشَرَاتٍ وَآلَةِ لَهْوٍ وَكَلْبٍ وَخَمْرٍ وَلَوْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ، ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَسَرْجَيْنِ نَجِسٍ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ دُهْنٍ نَجِسٍ. وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ السَّلَفِ فِي الْبَعْرِ وَالسَّرْجَيْنِ قَالَ: لَا بَأْسَ. وَأَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ فِي بَيْعِ نَجَاسَةٍ قَوْلَيْنِ، وَسُمٍّ قَاتِلٍ، مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَقْتُلُ بِهِ مُسْلِمًا، وَيَجُوزُ بَيْعُ السَّقَمُونْيَا1 وَنَحْوِهِ.
وَفِي بَيْعِ عَلَقٍ لِمَصِّ دَمٍ وَدِيدَانٍ لِصَيْدِ سَمَكٍ وَمَا يُصَادُ عليه كبومة شباشا2 وَجْهَانِ "م 3 و 4"
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 3 و 4" قَوْلُهُ: وَفِي بَيْعِ عَلَقٍ لِمَصِّ دَمٍ وَدِيدَانٍ لِصَيْدِ سَمَكٍ وَمَا يُصَادُ عَلَيْهِ كَبُومَةٍ شَبَاشَا وَجْهَانِ. انْتَهَى. ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 3" بَيْعُ الْعَلَقِ لِمَصِّ دَمٍ وَبَيْعُ الدِّيدَانِ لِصَيْدِ سَمَكٍ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْفَائِقِ.
"أَحَدُهُمَا" يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى "قُلْتُ": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يَصِحُّ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 4" بَيْعُ مَا يُصَادُ عَلَيْهِ كَبُومَةٍ شَبَاشَا هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ6 وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الحاوي الكبير.
1 مادة مسهلة تستخرج من تجاويف نبات السقمونيا. "القاموس": "سقم".
2 طائر يخيط الصائد عينيه ويربطه لتجتمع الطير إليه. "المطلع" 386، والمعنى: أن يوضع طائر في الشرك ليصاد به طائر آخر. "شفاء الغليل" للخفاجي: 139.
3 6/362.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/28.
5 6/361.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/32.
وَيَجُوزُ بَيْعُ طَيْرٍ لِقَصْدِ صَوْتِهِ، قَالَهُ الْجَمَاعَةُ"*"، وَعِنْدَ شَيْخِنَا: إنْ جَازَ حَبْسُهُ، وَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَقِيلٍ "م 5" وَفِي الْمُوجَزِ: لَا يَصِحُّ إجارة ما قصد صوته، كَدِيكٍ وَقُمْرِيٍّ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَصِحُّ إجَارَةُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَغَنَمٍ وَدَجَاجٍ وَبُلْبُلٍ وَقُمْرِيٍّ. وَفِي الْفُنُونِ: يُكْرَهُ. وَفِي بَيْعِ هِرٍّ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"أَحَدُهُمَا" يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يَصِحُّ، صَحَّحَهُ الناظم.
"مسألة 5" قوله: ويجوز بيع طير لقصد1 صوته ذكره جماعة، وعند شَيْخِنَا يَجُوزُ إذَا جَازَ حَسْبُهُ. وَفِيهِ احْتِمَالَانِ لابن2 عَقِيلٍ انْتَهَى، قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: فَأَمَّا حَبْسُ الْمُتَرَنِّمَاتِ مِنْ الْأَطْيَارِ، كَالْقَمَارِيِّ وَالْبَلَابِلِ، لِتَرَنُّمِهَا فِي الْأَقْفَاصِ، فَقَدْ كَرِهَهُ أَصْحَابُنَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَاجَاتِ إلَيْهِ، لَكِنَّهُ مِنْ الْبَطَرِ وَالْأَشَرِ وَرَقِيقِ الْعَيْشِ، وَحَبْسُهَا تَعْذِيبٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرَدَّ الشَّهَادَةُ بِاسْتِدَامَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُرَدَّ، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَقَدْ مَنَعَ مِنْ هَذَا أَصْحَابُنَا وَسَمَّوْهُ سَفَهًا، انْتَهَى. فَقَطَعَ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي بِالْمَنْعِ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابَ، وَهُوَ قَوِيٌّ، وَقَالَ فِي بَابِ الصَّيْدِ: نَحْنُ نَكْرَهُ حَبْسَهُ لِلتَّرْبِيَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّفَهِ، لِأَنَّهُ يَطْرَبُ بِصَوْتِ حَيَوَانٍ صَوْتُهُ حُنَيْنٌ إلَى الطَّيَرَانِ وَتَأَسُّفٌ عَلَى التَّخَلِّي فِي الْفَضَاءِ.
"*" تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بَيْعُ طير لقصد1 صَوْتِهِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ "قُلْت": مِنْ الْجَمَاعَةِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ المصنف
1 في النسخ الخطية و "ط""لأجل"، والمثبت من "الفروع".
2 في النسخ الخطية و "ط""ذكرهما ابن" والمثبت من الفروع.
3 6/359.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/33.
وَمَا يَعْلَمُ الصَّيْدَ أَوْ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ كَفِيلٍ وَفَهْدٍ وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَعُقَابٍ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَشَاهِينَ وَنَحْوِهَا رِوَايَتَانِ، فَإِنْ جَازَ فَفِي فَرْخِهِ وبيضه وجهان "م 6 - 8"
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 6 - 8" قَوْلُهُ: فِي بَيْعِ الْهِرِّ وَمَا يَعْلَمُ الصَّيْدَ أَوْ1 يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ كَفِيلٍ وَفَهْدٍ وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَعُقَابٍ وَشَاهِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ جَازَ فَفِي فَرْخِهِ وَبَيْضِهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6" بَيْعُ الْهِرِّ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ2 وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ وَيَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْكَافِي3 وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرُهُمْ.
والرواية الثانية لا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَصَاحِبُ الْهَدْيِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْهِرِّ، فِي أصح الروايتين، للنهي الصحيح عن بيعه4.
1 في النسخ الخطية و "ط": "مما"، والمثبت من الفروع
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/28.
3 3/9
4 أخرج مسلم "1569""42"، عن أبي الزبير قال: سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور؟ قال: زجر النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ.
وإن لم يقبل الفيل وَالْفَهْدُ التَّعْلِيمَ لَمْ يَجُزْ، كَأَسَدٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وغراب.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7" بَيْعُ مَا يَعْلَمُ الصَّيْدَ، كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ، هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْكَافِي وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرُهُمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَصِحُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اخْتَارَ الصِّحَّةَ هُنَا اخْتَارَهَا فِي الْهِرِّ، إلَّا صَاحِبَ الْهَدْيِ وَالْفَائِقِ وَابْنَ رَجَبٍ، وَأَظُنُّ وَالشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ، فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوا عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْهِرِّ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. "تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ: وَمَا يَعْلَمُ الصَّيْدَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ كَفِيلٍ، وَإِلَى آخره، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْفِيلُ أَوْ الْفَهْدُ التَّعْلِيمَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَأَسَدٍ إلَى آخِرِهِ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ تَعْلِيمَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَتَعْلِيمُ الْفِيلِ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِمَا، وَتَعْلِيمُ غَيْرِهِ لِلصَّيْدِ، إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ تَعْلِيمَ الْفِيلِ لِلصَّيْدِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ الْأُولَى، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَعْهَدْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ فِيمَا يُصَادُ بِهِ، وَلِشَيْخِنَا عَلَيْهِ كَلَامٌ فِي حَوَاشِيهِ.
"الْمَسْأَلَةُ 8 الثَّالِثَةُ" إذَا قُلْنَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، فَهَلْ يَصِحُّ بَيْعُ فِرَاخِهِ وَبَيْضِهِ أَمْ لا؟ أطلق
قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَنَسْرٍ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ: وَنِمْرٍ، وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدُ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْفُهُودِ وَجُلُودِهَا وَجِلْدِ النِّمْرِ. وَكَذَا بَيْعُ قِرْدٍ لِلْحِفْظِ "م 9" وَقِيلَ: وَغَيْرُهُ، قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ بَيْعِ الْقِرْدِ وَشِرَائِهِ فَكَرِهَهُ، وَيَجُوزُ بَيْعُ عَبْدٍ جَانٍ، في المنصوص، كمرتد، فلجاهل أرشه وفي
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْخِلَافَ "قُلْت": وَعَلَى قِيَاسِهِ وَلَدُ الْفَهْدِ الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْبَيْضِ.
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ فِيهِمَا إذَا كَانَ الْبَيْضُ يُنْتَفَعُ بِهِ، بِأَنْ يَصِيرَ فَرْخًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي1 وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: إنْ قَبِلَ التَّعْلِيمَ جَازَ، عَلَى الْأَشْهَرِ، كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ لنجاسته، ورده الشارح، وهو كما قال.
"المسألة مَسْأَلَةٌ 9" قَوْلُهُ: "وَكَذَا بَيْعُ قِرْدٍ لِلْحِفْظِ" يَعْنِي أَنَّ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُطْلَقُ الَّذِي فِي سِبَاعِ الْبَهَائِمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 إطْلَاقُ الْخِلَافِ كَالْمُصَنِّفِ:
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ "قُلْت": هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ أَقْبَلُ لِلتَّعْلِيمِ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَعُمُومَاتُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ كَرَاهَةَ بَيْعِ الْقِرْدِ. وَقَالَ فِي آدَابِ الرِّعَايَتَيْنِ: يُكْرَهُ اقْتِنَاءُ قِرْدٍ لِأَجْلِ اللَّعِبِ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا، انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يُكْرَهُ اقْتِنَاؤُهُ لِغَيْرِ اللَّعِبِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عبدوس في تذكرته.
1 3/10
2 6/361.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/32.
مَسْأَلَةِ مُرْتَدٍّ احْتِمَالُ ثَمَنِهِ وَمَرِيضٍ، وَقِيلَ: غَيْرُ مَأْيُوسٍ. وَفِي مُتَحَتِّمٍ قَتْلُهُ لِمُحَارَبَةٍ وَلَبَنِ آدَمِيَّةٍ وَقِيلَ: أَمَةٍ وَجْهَانِ "م 10 و 11". قَالَ أَحْمَدُ: أكره
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 10 و 11" قَوْلُهُ: وَفِي مُتَحَتِّمِ الْقَتْلِ لِلْمُحَارَبَةِ وَلَبَنِ آدَمِيَّةٍ وَقِيلَ: أَمَةٍ وَجْهَانِ انْتَهَى ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ.
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى" هَلْ يَصِحُّ بَيْعُ الْمُتَحَتِّمِ الْقَتْلَ لِلْمُحَارَبَةِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْكَافِي1 وَالْمُقْنِعِ2 وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ2 وَالنَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ والحاوي الكبير.
1 3/10
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/34.
3 6/254.
لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَبِيعَ لَبَنَهَا، وَاحْتَجَّ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم قَضَوْا فِيمَنْ غَرَّ بِأَمَةٍ بِضَمَانِ الْأَوْلَادِ، وَلَوْ كَانَ لِلَّبَنِ قِيمَةٌ لَذَكَرُوهُ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ عِنْدَهُ أَمَةُ رَهْنٍ فَسَقَتْ وَلَدَهُ لَبَنًا وُضِعَ عَنْهُ بِقَدْرِهِ. وَفِي مَنْذُورٍ عِتْقُهُ نَظَرٌ، قَالَهُ القاضي والمنتخب والأشهر المنع"*" وفي
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ، قَالَ الْقَاضِي: إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ، انْتَهَى. وَهُوَ قَوِيٌّ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ" هَلْ يَصِحُّ بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي1 وَالْمُقْنِعِ2 وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، صَحَّحَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٌ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ: ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْكَرَاهَةَ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَصِحُّ مِنْ الْأَمَةِ دُونَ الْحُرَّةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ.
"*" تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَفِي مَنْذُورٍ عِتْقُهُ نَظَرٌ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُنْتَخَبِ يَعْنِي نَذْرَ تَبَرُّرٍ لَا نَذْرَ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَالْأَشْهَرُ الْمَنْعُ، انْتَهَى. الْأَشْهَرُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ بَيْعُهُ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي
1 3/10.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/34.
جواز بيع المصحف "وهـ" وكراهته "وم ش" وَتَحْرِيمِهِ رِوَايَاتٌ "م 12" فَإِنْ حَرُمَ قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ وَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنٍ، وَلَوْ وَصَّى ببيعه لم يبع، نص
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
حَوَاشِيهِ: وَلَا تَرَدُّدَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: قُلْت: إنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ صَحَّ بَيْعُهُ قَبْلَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ الصواب
"المسألة 12" قَوْلُهُ: وَفِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَكَرَاهَتِهِ وَتَحْرِيمِهِ روايات. انتهى.
إحْدَاهُنَّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِي بَيْعِهِ رُخْصَةً، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَالْكَافِي2 وَالشَّرْحِ3 وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، صَحَّحَهُ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُ "قُلْت": وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُقْنِعِ3.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ" يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فَمَنْ بَعْدَهُ.
"*" تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَإِنْ حَرُمَ قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ: هَذَا سَهْوٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَصَوَابُهُ فَإِنْ جَازَ قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ، وَإِنْ حرم لم يقطع، انتهى، وهو
1 6/367.
2 3/13.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/39.
عَلَيْهِمَا، وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بَيْعُ التَّعَاوِيذِ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، وَالتَّعْلِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ بَيْعِ التَّعَاوِيذِ.
وَفِي الْقِرَاءَةِ فِيهِ بِلَا إذْنٍ وَلَا ضَرَرً وَجْهَانِ "م 13" وَجَوَّزَهُ أحمد لمرتهن، وعنه. وفيه: يُكْرَهُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي بِلَا إذْنِهِ. وَيَلْزَمُ بَذْلُهُ لِحَاجَةٍ وَقِيلَ: مُطْلَقًا، وَقِيلَ عَكْسُهُ، كَغَيْرِهِ. وَإِجَارَتُهُ كَبَيْعِهِ "م 14" وَكَذَا إبْدَالُهُ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
كَمَا قَالَ، "1اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّحْرِيمَ مَعَ الصِّحَّةِ، وَهُوَ أَوْلَى، وَفِي عِبَارَتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَالَ: وَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَكَرَاهَتِهِ وَتَحْرِيمِهِ. مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ حَرُمَ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ الثَّانِي، يَعْنِي مَعَ الصِّحَّةِ1"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 13" قَوْلُهُ: وَفِي الْقِرَاءَةِ فِيهِ بِلَا إذْنٍ وَلَا ضَرَرٍ وَجْهَانِ، انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي باب الرهن "قُلْت": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3، فَإِنَّهُمَا قَالَا:"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يَجُوزُ رَهْنُهُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا رَهَنَ مُصْحَفًا لَا يَقْرَأُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي بِلَا إذْنِهِ. "وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يَجُوزُ بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ، اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ جَوَّزَ الْقِرَاءَةَ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ: تَجِبُ إعَارَةُ الْمُصْحَفِ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْ مُصْحَفًا غَيْرَهُ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ لَهُ: أَنَّ الْأَصْحَابَ عَلَّلُوا قَوْلَهُمْ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمُصْحَفِ، فَإِنَّ لَهُ فِيهِ حَقُّ النَّظَرِ لِاسْتِخْرَاجِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ إذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ، وَعَلَى صَاحِبِهِ بَذْلُهُ لِذَلِكَ، انْتَهَى. وَهُنَا يَقْوَى الْجَوَازُ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ.
"مَسْأَلَةٌ 14" قَوْلُهُ: وَإِجَارَتُهُ كَبَيْعِهِ. انْتَهَى. قَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الرِّوَايَاتِ التي
1 ليست في "ح".
2 6/462.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 12/381.
وَشِرَاؤُهُ وَالْأَصَحُّ لَا يَحْرُمَانِ "م 15" رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: رضي الله عنه لَا تَبِيعُوا الْمَصَاحِفَ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي الْبَيْعِ، فَكَذَا يَكُونُ الصَّحِيحُ فِي الْإِجَارَةِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 15" قَوْلُهُ: وَكَذَا إبْدَالُهُ وَشِرَاؤُهُ، وَالْأَصَحُّ لَا يُحَرَّمَانِ، انْتَهَى. انْتَفَى التَّحْرِيمُ مِنْ إطْلَاقِ الْخِلَافِ، وَبَقِيَ رِوَايَةُ الْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِيهِمَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي1 وَالْمُقْنِعِ2 وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ والبلغة والحاويين والفائق وغيرهم.
إحْدَاهُمَا لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَقَدْ رَخَّصَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي شِرَائِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ فِي الشِّرَاءِ وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ كَرَاهَةَ الشِّرَاءِ، وَعَدَمَ كَرَاهَةِ الْإِبْدَالِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُبَادَلَةِ هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَمْ لَا رِوَايَتَيْنِ، وَأَنْكَرَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَقَالَ: هِيَ بَيْعٌ، بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا أَجَازَ أَحْمَدُ إبْدَالَ الْمُصْحَفِ بِمِثْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرَّغْبَةِ عَنْهُ وَلَا عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ بِخِلَافِ أَخْذِ ثَمَنِهِ، ذَكَرَهُ فِي القاعدة الثالثة والأربعين بعد المئة
1 3/13
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/39.
وَلَا تَشْتَرُوهَا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: وَدِدْت أَنَّ الأيدي تقطع فِي بَيْعِهَا، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا بَيْعَهَا وَشِرَاءَهَا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَهُ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَعَنْهُ وَعَنْ جَابِرٍ ابْتَعْهَا وَلَا تَبِعْهَا1. قَالَ الْقَاضِي: وَيَجُوزُ وَقْفُهُ وَهِبَتُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَاحْتَجَّ بِنُصُوصِ أَحْمَدَ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِكَافِرٍ "هـ ق" وَيَجُوزُ نَسْخُهُ بِأُجْرَةٍ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَفِيهِ لِمُحْدِثٍ بِلَا حَمْلٍ وَلَا مَسٍّ رِوَايَتَانِ "م 16" وَكَذَا كَافِرٌ، وَفِي النِّهَايَةِ: يُمْنَعُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ الله أَنَّ الْمَصَاحِفَ يَكْتُبُهَا النَّصَارَى، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ2، وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ مِنْ كَتَبَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى. وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي كُتَّابِ الْمُصْحَفِ، عَنْ الْبَغَوِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: نَصَارَى الْحِيرَةِ كَانُوا يَكْتُبُونَهَا، لِقِلَّةِ مَنْ كَانَ يَكْتُبُهَا، قِيلَ لَهُ: يُعْجِبُك هَذَا؟ قَالَ: لَا، مَا يُعْجِبُنِي، قَالَ فِي الْخِلَافِ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهُ فِي حَالِ كِتَابَتِهِمْ. وَقَالَ في الجامع: ظاهره: كراهته
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 16" قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ نَسْخُهُ بِأُجْرَةٍ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ففيه3 لِمُحْدِثِ بِلَا مَسٍّ وَلَا حَمْلٍ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى.
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الزَّرْكَشِيّ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، وَلِلْمَجْدِ: احْتِمَالٌ بِالْجَوَازِ لِلْمُحْدِثِ دُونَ الْجُنُبِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ، وَحَكَاهُنَّ أَوْجُهًا، وَقِيلَ: هُوَ كَالتَّقْلِيبِ، وَقِيلَ: لا يجوز وإن جاز التقليب بالعود.
1 أخرج هذه الآثار البيهقي في "السنن الكبرى" 6/ 16-17.
2 لم نقف عليه من رواية ابن عباس والذي في المصاحف ص 133 عن عبد الرحمن بن عوف أنه استكتب رجلا من أهل الحيرة نصرانيا مصحفا ومثله عن علقمة.
3 في النسخ الخطية و "ط": "وفي جواز ذلك" والمثبت من "الفروع".
لِذَلِكَ، وَكَرِهَهُ لِلْخِلَافِ، وَقَالَ: وَيُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ يَكْتُبُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَحْمِلُهُ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ "م 17" أَنَّهُ يَجُوزُ، لِأَنَّ مَسَّ القلم للحرف كمس العود للحرف، وَيَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ تَقْلِيبُ الْوَرَقِ بِعُودٍ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَيَتَوَجَّهُ مِنْ الْمَنْعِ تَخْرِيجُ: لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ بِأُجْرَةٍ، لِاخْتِصَاصِ كَوْنِ فَاعِلِهِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، قَالَ أَحْمَدُ: نَفْسُ مَا فِي الْمُصْحَفِ يُكْتَبُ كَمَا فِي الْمُصْحَفِ، يَعْنِي لَا يُخَالِفُ حُرُوفَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْدَ كَلَامِ أَحْمَدَ: إنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى كَتْبِهِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ فَلَمْ تَحْسُنْ مُخَالَفَتُهُ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا تُبَاعُ كُتُبُ الْعِلْمِ، وَكَرِهَهُ "م" وَقِيلَ:
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 17" قَوْلُهُ: وَهُمَا فِي كَافِرٍ وَفِي النِّهَايَةِ يُمْنَعُ1 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ الله أن المصاحف2 تكتبها النصارى
…
قال3: يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَا إذَا كَتَبَهُ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ وَلَا حَمْلٍ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. انْتَهَى، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ
إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْكَافِرِ عَلَى كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ إذَا لَمْ يَحْمِلْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَيْضًا
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ، قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: يُعْجِبُك أَنْ تَكْتُبَ النَّصَارَى الْمَصَاحِفَ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: فَأُخِذَ مِنْ ذلك رواية بالمنع، انتهى "قلت": رواية المنع
1 بعدها في النسخ الخطية و"ط": "منه"، والمثبت من الفروع.
2 بعدها في النسخ الخطية و "ط": "يجوز أن"، والمثبت من الفروع.
3 بعدها في النسخ الخطية و"ط": "القاضي"، والمثبت من الفروع.
لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهَا مُحْتَاجٌ.
وَيَصِحُّ شِرَاءُ كُتُبِ زَنْدَقَةٍ وَنَحْوِهَا لِيُتْلِفَهَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَزَادَ: لَا خَمْرٍ لِيُرِيقَهَا، لِأَنَّ فِي الْكُتُبِ مَالِيَّةُ الْوَرَقِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَبْطُلُ بِآلَةِ اللَّهْوِ، وَسَقَطَ حكم مالية الخشب وَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِدُهْنٍ نَجِسٍ رِوَايَتَانِ "م 18" نقل الجماعة: ما لم يمسه بيده،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي حَقِّ الْكَافِرِ أَقْوَى مِنْ رِوَايَةِ الْمَنْعِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"*" تَنْبِيهٌ يُحْتَمَلُ أن قوله "وكذا1 في كافر "لَا يَقْتَضِي إطْلَاقَ الْخِلَافِ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُجَرَّدَ إخْبَارٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِلَافَ مُطْلَقٌ عِنْدَهُ، وَتَقْدِيرُهُ: وَالرِّوَايَتَانِ الْمُطْلَقَتَانِ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْمُحْدِثِ مُطْلَقَتَانِ فِي جَوَازِ ذَلِكَ مِنْ الْكَافِرِ، فَلِذَلِكَ صححنا الخلاف وبينا المذهب، والله أعلم.
"المسألة 18" قَوْلُهُ: وَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ رِوَايَتَانِ انتهى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي2 وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَمُخْتَصَرِ ابن تميم والشرح3 وشرح ابن منجا والمذهب الأحمد
1 في النسخ الخطية و"ط": "وهما"، والمثبت من الفروع
2 13/347.
3 3/16
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/52.
يَأْخُذُهُ بِعُودٍ. وَخُرِّجَ مِنْهُ جَوَازُ بَيْعِهِ، كَبَيْعِهِ لكافر عالم به، في رواية
الرَّابِعُ" الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ "و" وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ "و" وَقِيلَ: لَا يَأْلَفُ الرُّجُوعَ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفُنُونِ وَأَنَّهُ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ، وَأَنْكَرَهُ مَنْ لَمْ يُحَقِّقْ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُ وَمَكَانُهُ مُغْلَقٌ أَوْ أَخْذُ سَمَكٍ فِي مَاءٍ مِنْ مَكَان لَهُ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ فَلَمْ يَسْهُلْ أَخْذُهُ لَمْ يَجُزْ، لِعَجْزِهِ فِي الْحَالِ وَالْجَهْلِ بِوَقْتِ تَسْلِيمِهِ، وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: بَلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ أَحْمَدَ بجهالته، وإلا فوجهان "م 19" وصححه بعضهم فِي الْأُولَى، لِقِصَرِ الْمُدَّةِ، وَلَا بَيْعُ مَغْصُوبٍ إلَّا لِغَاصِبِهِ "و" وَعَلَى الْأَصَحِّ: أَوْ قَادِرٍ عليه
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
والرعاية الصغرى "1والحاويين والفائق وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ فِي التصحيح والخلاصة والرعاية الكبرى1" قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَنَصَرَهَا فِي الْمُغْنِي2، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.
"مَسْأَلَةٌ 19" قَوْلُهُ: فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُ يَعْنِي الطَّيْرَ وَمَكَانُهُ مُغْلَقٌ أَوْ أَخْذُ سَمَكٍ فِي مَاءٍ مِنْ مَكَان لَهُ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ فَلَمْ يَسْهُلْ أَخْذُهُ لَمْ يَجُزْ. وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: بَلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، انْتَهَى. يَعْنِي إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَأَمْكَنَ أَخْذُهُ وَلَكِنْ بِتَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ فَهَذَا مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ:
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يصح والحالة هذه، اختاره القاضي.
1 ليس في "ص"
2 13/347.
"وهـ" وَكَذَا آبِقٌ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في موضع "وهـ" وَكَذَا آبِقٌ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في موضع "وهـ م" وَالْأَشْهَرُ الْمَنْعُ. وَإِنْ عَجَزَ فَلَهُ الْفَسْخُ.
وَيَصِحُّ بَيْعُ النَّحْلِ بِكِوَارَتِهِ1 أَوْ فِيهَا مُفْرَدًا، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَالْأَكْثَرُ إذَا شُوهِدَ دَاخِلًا، قَالَ جَمَاعَةٌ: لَا بِمَا فِيهَا مِنْ نَحْلٍ وعسل، وظاهر كلام بعضهم صحته
"الْخَامِسُ" مَعْرِفَتُهُ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِرُؤْيَةٍ مُقَارِنَةٍ لَهُ أَوْ لِبَعْضِهِ إنْ دَلَّتْ عَلَى بَقِيَّتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَرُؤْيَةُ أَحَدِ وَجْهَيْ ثَوْبٍ خَامٍ2 تَكْفِي، لَا مَنْقُوشٍ وَلَا بَيْعُ الْأُنْمُوذَجِ، بِأَنْ يُرِيَهُ صَاعًا وَيَبِيعَهُ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ جنسه، وقيل: ضبط
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" لَوْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ فِي تَحْصِيلِهِ جَازَ بَيْعُهُ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خلاف فضعيف، والله أعلم.
1 شيء يتخذ من القضبان أو الطين ضيق الرأس أو هو عسلها في الشمع "القاموس". "كور".
2 هو الذي لم يقصر. "المصباح": "خوم".
3 6/290.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/90.
الْأُنْمُوذَجِ كَذِكْرِ الصِّفَاتِ. نَقَلَ جَعْفَرٌ فِيمَنْ يَفْتَحُ جِرَابًا وَيَقُولُ: الْبَاقِي بِصِفَتِهِ، إذَا جَاءَهُ عَلَى صِفَتِهِ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، وَاحْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لِنَوْعٍ مِنْ الْعَرْضِ عُرِفَ فِي الْمُعَامَلَةُ فَهُوَ كَالْوَصْفِ، وَالشَّرْطُ كَالثَّمَنِ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَمَا عَرَفَهُ بِلَمْسِهِ أَوْ شَمِّهِ أَوْ ذَوْقِهِ فَكَرُؤْيَتِهِ، وَعَنْهُ: وَيَعْرِفَ صِفَةَ الْمَبِيعِ تَقْرِيبًا، فَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ غَيْرِ جَوْهَرِيٍّ جَوْهَرَةً، وَقِيلَ: وَشَمُّهُ وَذَوْقُهُ، وَعَلَى الْأَصَحِّ: أَوْ رُؤْيَةٌ سَابِقَةٌ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ ظَاهِرًا، وَقِيلَ: بِغَيْرِ ظَنِّ بَقَاءِ مَا اصْطَرَفَا بِهِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ: أَوْ بِصِفَةٍ تَكْفِي فِي السَّلَمِ ق فَيَصِحُّ بَيْعُ أَعْمَى وَشِرَاؤُهُ، كَتَوْكِيلِهِ "و" وَعَنْهُ: أَوْ لَا يَكْفِي "خ" وَعَنْهُ: وَبِغَيْرِ صِفَةٍ "وهـ" اخْتَارَهُ شَيْخُنَا فِي مَوْضِعٍ، وَضَعَّفَهُ أَيْضًا، هَذَا إنْ ذَكَرَ جِنْسَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، فَعَلَيْهَا: لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَهُ قَبْلَهَا فَسْخُ الْعَقْدِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَإِمْضَائِهِ.
وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِمَوْتٍ وَجُنُونٍ، وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ، بِخِلَافِ رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ صِفَةٍ، لَا مُطْلَقًا "هـ ق" عَلَى التَّرَاخِي إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ سَوْمٍ وَنَحْوِهِ، لَا بِرُكُوبِهِ الدَّابَّةَ فِي طَرِيقِ الرَّدِّ، وَعَنْهُ: عَلَى الْفَوْرِ، وَعَلَيْهَا مَتَى أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ رَدِّهِ فَلَا أَرْشَ، فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا قَبْلَ قَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ بِعُمُومِ كَلَامِهِ إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْمَبِيعِ هَلْ يَتَحَالَفَانِ أَوْ قَوْلُ الْبَائِعِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَسَيَأْتِي، وَعِنْدَ م قول البائع
وَبَيْعُ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ يَصِحُّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اعْتِبَارًا بِلَفْظِهِ، وَالثَّانِي لَا، وَحَكَاهُ شَيْخُنَا عَنْ أَحْمَدَ، كَالسَّلَمِ الْحَالِّ. وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ إنْ كَانَ مِلْكَهُ "م 20" فَعَلَى الْأَوَّلِ حُكْمُهُ كَالسَّلَمِ، ويعتبر قبضه أو ثمنه في
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 20" قَوْلُهُ: وَبَيْعُ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ يَصِحُّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اعْتِبَارًا بِلَفْظِهِ، وَالثَّانِي: لَا، وَحَكَاهُ شَيْخُنَا عَنْ أَحْمَدَ، كَالسَّلَمِ الْحَالِّ، وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، انْتَهَى.
أَحَدُهَا: يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَالْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: صَحَّ الْبَيْعُ، فِي الْأَقْيَسِ، انْتَهَى. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السَّلَمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، "قُلْت": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَصِحُّ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُقْنِعِ3 حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ لِيَمْضِيَ وَيَشْتَرِيَهُ وَيُسَلِّمَهُ.
"تَنْبِيهٌ" كَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ فِي الْعِبَارَةِ يَصِحُّ فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ أَوْ الْأَوْجُهِ، لَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا قُلْنَا وَلَكِنْ سَبَقَ الْقَلَمُ مِنْهُ أَوْ من الكاتب، والله أعلم.
1 6/34.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/95.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/60.
الْمَجْلِسِ، فِي وَجْهٍ. وَفِي آخَرَ: لَا "م 21" فَظَاهِرُهُ لَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ ثَمَنِهِ، وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: يُعْتَبَرُ، وَهُوَ أَوْلَى، لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَجَوَّزَ شَيْخُنَا بَيْعَ الصِّفَةِ وَالسَّلَمِ حَالًا إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، قَالَ: وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عليه السلام لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: "لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك" 1 فَلَوْ لَمْ يجز السَّلَمُ حَالًا لَقَالَ: لَا تَبِعْ هَذَا، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ أَوْ لَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِقَصْدِ التِّجَارَةِ وَالرِّبْحِ، فَيَبِيعُهُ بِسِعْرٍ، وَيَشْتَرِيهِ بِأَرْخَصَ، وَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ، وَقَدْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَقَدْ لَا وَقَدْ لَا تَحْصُلُ لَهُ تِلْكَ السِّلْعَةُ إلَّا بِثَمَنٍ أَعْلَى مِمَّا تَسَلَّفَ فَيَنْدَمُ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِسِعْرٍ أرخص من ذلك ندم
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 21" قَوْلُهُ: فَعَلَى الْأَوَّلِ حُكْمُهُ كَالسَّلَمِ وَيُعْتَبَرُ قَبْضُهُ أَوْ ثَمَنُهُ فِي الْمَجْلِسِ، فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ: لَا، انْتَهَى.
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: هُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وغيرهم وجزم به في الوجيز. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي أَوَّلِ بَابِ السَّلَمِ، فَإِنَّهُ قَالَ: الثَّالِثُ مَا لَفْظُهُ لَفْظُ الْبَيْعِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى السَّلَمِ، كَقَوْلِهِ: اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، وَلَا يَكُونُ مَوْجُودًا وَلَا مُعَيَّنًا، فَهَذَا سَلَمٌ، وَيَجُوزُ التَّفَرُّقُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، انْتَهَى. وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ "بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ" أَنَّ الْقَبْضَ يَحْصُلُ فِي الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: ظَاهِرُهُ لَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ ثَمَنِهِ، وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: يُعْتَبَرُ، وَهُوَ أَوْلَى، لِيَخْرُجَ مِنْ بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنَى بِظَاهِرِ الْمُسْتَوْعِبِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ.
1 أخرجه أبو داود "3503"، والترمذي "1232"، والنسائي 7/289، وابن ماجه "2187".
2 11/34.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/95.
الْمُسَلِّفُ. إذْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ هُوَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَصَارَ هَذَا مِنْ نَوْعِ الْمَيْسِرِ وَالْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ، كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ يُبَاعُ بِدُونِ ثَمَنِهِ، فَإِنْ حَصَلَ نَدِمَ الْبَائِعُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ نَدِمَ الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا مُخَاطَرَةُ التِّجَارَةِ فَيَشْتَرِي السِّلْعَةَ بِقَصْدِ أَنْ يَبِيعَهَا بِرِبْحٍ وَيَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ،
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: لَا يَصِحُّ اسْتِصْنَاعُ سِلْعَةٍ، لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَيْسَ عنده على غير وجه السلم، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ ثَوْبٍ نُسِجَ بَعْضُهُ عَلَى أَنْ يُنْسَجَ بَقِيَّتُهُ، لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ سَلَمٌ فِي أَعْيَانٍ، وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْبَغْلَ، فَبَانَ فَرَسًا، لَمْ يَصِحَّ. وَقِيلَ: لَهُ الْخِيَارُ، وَفِي الِانْتِصَارِ: مَعَ مَعْرِفَةِ مُشْتَرٍ بِجِنْسِهِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَجْهُولٍ مُفْرَدٍ كَحَمْلٍ "ع" وَهُوَ بَيْعُ الْمَضَامِينِ وَهُوَ الْمَجَرُ قِيلَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا "م 22" وَلَبَنٍ فِي ضرع "م" وقال شيخنا: إن
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 22" قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَجْهُولٍ مُفْرَدٍ كحمل، وهو بيع المضامين
بَاعَهُ لَبَنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ وَاشْتَرَطَ كَوْنَهُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ جَازَ، وَاحْتَجَّ بِمَا فِي الْمُسْنَدِ1 أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسْلَمَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ، قَالَ: فَإِذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَقَالَ أَسْلَمْت إلَيْك فِي عَشْرَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرِ هَذَا الْحَائِطِ جَازَ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: ابْتَعْت مِنْك عَشَرَةَ أَوْسُقٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ وَلَكِنَّ التَّمْرَ يَتَأَخَّرُ2 قَبْضُهُ إلَى كَمَالِ صَلَاحِهِ، هَذَا لَفْظُهُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَالْمِسْكُ فِي فَارَتِهِ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ وَاحْتِمَالُ: يَجُوزُ، لِأَنَّهَا وِعَاءٌ لَهُ تَصُونُهُ وَتَحْفَظُهُ، فَيُشْبِهُ مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ، وَتُجَّارُ ذَلِكَ يَعْرِفُونَهُ فِيهَا، فَلَا غَرَرَ، واختاره في الهدي3،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَهُوَ الْمَجَرُ قِيلَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا انْتَهَى. الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ. إذْ الْأَصْحَابُ لَيْسَ لَهُمْ فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَإِنَّمَا مَرْجِعُهُ إلَى اللُّغَةِ. وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ لَمَّا لَمْ يَرَ أَنَّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ أَتَى بِهَذِهِ الصِّيغَةِ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ قَوِيٌّ فِي نَفْسِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ اللُّغَةِ اخْتَلَفُوا فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا، وَهُوَ بَعِيدٌ.
"تَنْبِيهٌ" تَزِيدُ شَيْئًا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: الْمَجَرُ بِسُكُونِ الْجِيمِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْقُتَيْبِيُّ: هُوَ بِفَتْحِهَا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. فَيَصِيرُ فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ، مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 برقم "5129"، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
2 هنا بداية السقط في النسخة "ب".
3 5/728.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَعَبْدٌ مُبْهَمٌ فِي أَعْبُدَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ: يَصِحُّ إنْ تَسَاوَتْ الْقِيمَةُ. وَفِي الِانْتِصَارِ: إنْ ثَبَتَ لِلثِّيَابِ عُرْفٌ وَصِفَةٌ صَحَّ إطْلَاقُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، كَالنُّقُودِ، أَوْمَأَ إلَيْهِ. وَفِي مُفْرَدَاتِ أَبِي الْوَفَا: يَصِحُّ بَيْعُ عَبْدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَلَا هَؤُلَاءِ الْعَبِيدَ إلَّا وَاحِدًا مُبْهَمًا، وَلَا عَطَاءَ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، وَلَا رُقْعَةَ بِهِ، وَعَنْهُ: بَيْعُهَا بِعَرْضٍ مَقْبُوضٍ، قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَالُ عَلَى رَجُلٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، وَالْعَطَاءُ مَعِيبٌ. وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي بَيْعِهَا بِعَرْضٍ: لَا بَأْسَ بِهِ.
وَلَا بَيْعُ الْمَعْدِنِ وَحِجَارَتِهِ وَالسَّلَفُ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي مَنْ يَتَقَبَّلُ الْآجَامَ1 أَوْ الطَّرْحَ لَا يَدْرِي مَا فِيهِ: أَشَرُّ مَا يَكُونُ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ.
وَلَا مُلَامَسَةً وَمُنَابَذَةً، نَحْوُ أَيَّ ثَوْبٍ لَمَسْته أَوْ نَبَذْته أَوْ إنْ لَمَسْت أَوْ نَبَذْت هَذَا فَهُوَ بِكَذَا. وَلَا صُوفٍ عَلَى ظَهْرٍ، وَعَنْهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ جَزِّهِ فِي الْحَالِ "وم". وَلَا فُجْلٍ وَنَحْوِهِ قَبْلَ قَلْعِهِ، فِي الْمَنْصُوصِ، وَقِثَّاءٍ وَنَحْوِهِ، إلَّا لُقْطَةً لُقْطَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، إلَّا مَعَ أَصْلِهِ، وَجَوَّزَ ذَلِكَ شَيْخُنَا وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا "وم" لِقَصْدِ الظَّاهِرِ غَالِبًا. وَلَا ثَوْبٍ مَطْوِيٍّ.
وَيَصِحُّ بَيْعُ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ الْمُسْتَتِرَةِ فِي أَكْمَامِهَا، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي إبْقَائِهِ فِيهِ صَلَاحٌ ظَاهِرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وإنما نهى الشارع عن بيع الغرر2
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 الآجام جمع أجمة محركة: الشجر الكثير الملتف. والطرح محركة: المكان البعيد. "القاموس""أجم، طرح".
2 تقدم ص 120.
وَرَخَّصَ فِي الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَبَعْضُهُ مَعْدُومٌ. وَيَصِحُّ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ إنْ عَلِمَا زِيَادَتَهَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: وَمِنْ صُبْرَةِ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ، وَلَوْ تَلِفَتْ إلَّا قَفِيزًا فَهُوَ الْمَبِيعُ، وَلَوْ فَرَّقَ الْقُفْزَانَ فَبَاعَهُ أَحَدَهَا مبهما فاحتمالان"م 23" أظهرهما يصح
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مسألة 23" قوله: ولو فرق القفزان1 ثُمَّ بَاعَهُ أَحَدَهَا مُبْهَمًا فَفِيهِ احْتِمَالَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي الصِّحَّةُ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخِلَافِ صِحَّةَ إجَارَةِ عَيْنٍ مِنْ أَعْيَانٍ مُتَقَارِبَةِ النَّفْعِ، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَفَاوَتُ كَالْأَعْيَانِ، انْتَهَى "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ، صَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ "قُلْتُ": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كانت متساوية الأجزاء.
1 في النسخ الخطية و"ط": "قفزانها"، والمثبت من الفروع.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الصُّبْرَةُ: الْكَوْمَةُ الْمَجْمُوعَةُ مِنْ الطَّعَامِ سُمِّيَتْ صُبْرَةً لِإِفْرَاغِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّحَابِ فَوْقَ السَّحَابِ: صَبِيرٌ.
وَإِنْ بَاعَ ذِرَاعًا مُبْهَمًا مِنْ أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ لَمْ يَصِحَّ، فِي الْأَصَحِّ، بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، لِأَنَّهُ لَا مُعَيَّنًا وَلَا مَشَاعًا، إلَّا أَنْ يَعْلَمَا ذَرْعَ الْكُلِّ فَيَصِحُّ مَشَاعًا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الثَّوْبِ: إنْ نَقَصَهُ الْقَطْعُ فَلَا، وفي
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بَيْعِ خَشَبَةٍ فِي سَقْفٍ وَفَصٍّ فِي خَاتَمٍ الْخِلَافُ، وَإِنْ بَاعَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ وَعَيَّنَ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الِابْتِدَاءَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الِانْتِهَاءَ لَمْ يَصِحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ: بِعْتُك نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ الَّذِي يَلِينِي، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.
وَإِنْ اسْتَثْنَى مِنْ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ رَأْسُهُ وَجِلْدُهُ وَأَطْرَافُهُ صَحَّ، فِي الْمَنْصُوصِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَحْدَهُ، لِعَدَمِ اعتياده1 وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِبْقَاءٌ وَهُوَ يُخَالِفُ الْعَقْدِ الْمُبْتَدَأِ، لِجَوَازِ اسْتِبْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ إلَى رَفْعِهِ الْمُعْتَادِ. وَبَقَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمُرْتَدَّةِ، وَلِصِحَّةِ بَيْعِ الْوَرَثَةِ أَمَةً مُوصًى بِحَمْلِهَا، لَا بَيْعِ الْحَمْلِ. فَإِنْ أَبَى ذَبْحَهُ لَمْ يُجْبَرْ، فِي الْمَنْصُوصِ، وَلَهُ قِيمَتُهُ، قَالَهُ أَحْمَدُ: نَقَلَ حَنْبَلٌ مِثْلَهُ. وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ بِعَيْبٍ يَخْتَصُّ هَذَا الْمُسْتَثْنَى، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ، وَيَتَوَجَّهُ: لَا، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَذْبَحْهُ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ2، ولعله مرادهم،
1 في "ط": "اعتباره".
2 من حديث عمر بن راشد قال: باع رجل من الحي ناقة كانت له مرضت واشترط ثناياها فصحت، فرغب فيها....فقال علي: اذهبا بها فأقيماها في السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها فأعطه ثمن "ثناياها" من ثمنها أخرجه عبد الرزاق في المصنف "14850".
وَمِثْلُهُ إنْ اسْتَثْنَى حَمْلًا مِنْ حَيَوَانٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ رِطْلًا مِنْ اللَّحْمِ، أَوْ الشَّحْمِ، أَوْ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ، وَقِيلَ: أَوْ شَجَرَةٍ، لَمْ يَصِحَّ، في ظاهر المذهب"*""وهـ ش" كَاسْتِثْنَاءِ الشَّحْمِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ. نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَشِنْدِيّ فِي حَمْلٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْوَفَاءِ الْمَذْهَبُ فِي رِطْلٍ مِنْ اللَّحْمِ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي آصُعٍ مِنْ بُسْتَانٍ، كَاسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مَشَاعٍ مَعْلُومٍ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ فَوْقَ ثُلُثِهَا "م" وَكَبَيْعِ صُبْرَةٍ بِأَلْفٍ إلَّا بِقَدْرِ رُبْعِهِ لَا مَا يُسَاوِيهِ، لِجَهَالَتِهِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي: إلَّا بِقَدْرِ رُبْعِهِ، مَعْنَاهُ إلَّا رُبْعَهَا، لِأَنَّهُ إذَا بَاعَهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَكُلُّ رُبْعٍ بِأَلْفٍ، فَكَأَنَّهُ بَاعَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ.
وَيَصِحُّ بَيْعُ حَيَوَانٍ مَذْبُوحٍ أَوْ لَحْمِهِ أَوْ جِلْدِهِ. وَفِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ لَحْمٍ فِي جِلْدٍ أَوْ مَعَهُ اكتفاء برؤية الجلد، بل بيع رءوس
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَثْنَى
…
صَاعًا مِنْ ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ، وَقِيلَ: أَوْ شَجَرَةٍ، لَمْ يَصِحَّ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. فَقَدَّمَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ صَاعٍ مِنْ شَجَرَةٍ يَصِحُّ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ وَشَرْحِهِ، وَقَاسَهَا عَلَى سَوَاقِطِ الشَّاةِ، وَهِيَ إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُخْرَى هِيَ كَاسْتِثْنَاءِ صَاعٍ مِنْ ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ وَالشَّارِحِ وَابْنِ رَزِينٍ وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ والمحرر والرعايتين والوجيز والحاوي الصغير وغيرهم.
وَسُمُوطٍ1. قَالَ شَيْخُنَا فِي حَيَوَانٍ مَذْبُوحٍ: يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ جِلْدِهِ جَمِيعًا، كَمَا قَبْلَ الذَّبْحِ، كَقَوْلِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا يَعْلَمُهُ إذَا رَآهُ حَيًّا، وَمَنَعَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ، ظَانًّا أَنَّهُ بَيْعُ غَائِبٍ بِدُونِ رُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ، قَالَ شَيْخُنَا: وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ وَحْدَهُ وَالْجِلْدِ وَحْدَهُ. وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ اشْتَرَيَا مِنْ رَجُلٍ شَاةً وَاشْتَرَطَا لَهُ رَأْسَهَا وَجِلْدَهَا وَسَوَاقِطَهَا وَكَذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُهُ عليه السلام يَتَبَايَعُونَ2.
"السَّادِسُ" مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ، فَلَا يَصِحُّ بِرَقَمٍ مَجْهُولٍ، أَوْ بِمَا يَنْقَطِعُ سِعْرُهُ، أَوْ كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ، عَلَى الْأَصَحِّ فيهن، وصححه شيخنا بثمن المثل، كنكاح،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 هو مانتف عن الشاة المذبوحة من صوف حار. متن اللغة: "سمط".
2 هنا انتهى السقط في النسخة "ب".
وَأَنَّهُ مَسْأَلَةُ السِّعْرِ، وَأَخَذَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ التَّحَالُفِ وَمِنْ جَهَالَةِ الثَّمَنِ: بِعْنِي هَذَا بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أَرْهَنَ بِثَمَنِهِ بِالْمِائَةِ الَّتِي عَلَيَّ هَذَا. وَلَا بِمِائَةٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَبَنَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى إسْلَامِ ثَمَنٍ فِي جِنْسَيْنِ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ إقْرَارَهُ بِذَلِكَ مُنَاصَفَةً، وَيَتَوَجَّهُ هُنَا مِثْلُهُ "وهـ" وَلَا بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ "و" وَقِيلَ: يَصِحُّ، فَتَنْقُصُ قِيمَتُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كُلِّهِ، وَلَا بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ وَهُنَاكَ نُقُودٌ، وَالْأَصَحُّ يَصِحُّ، وَلَهُ الْغَالِبُ، فَإِنْ عَدِمَ لَمْ يَصِحَّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَلَهُ الْوَسَطُ، وَعَنْهُ: الْأَدْنَى، وَلَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ عِشْرِينَ نَسِيئَةً، فِي الْمَنْصُوصِ، مَا لَمْ يَفْتَرِقَا عَلَى أَحَدِهِمَا،
وَيَصِحُّ بِوَزْنِ صَنْجَةٍ1 لَا يَعْلَمَانِ وزنها، وصبرة، في الأصح.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 هي: عيارة الميزان تعريب سنجة. "معجم الألفاظ الفارسية"108.
وَصَحَّحَهُ فِي التَّرْغِيبِ فِي الثَّانِيَةِ، وَمِثْلُهُ: مَا يَسَعُ هَذَا الْكَيْلَ، وَنَصُّهُ: يَصِحُّ، "ش وم" بِمَوْضِعٍ فِيهِ كَيْلٌ مَعْرُوفٌ. وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، لَا مِنْهَا، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ بَاعَهُ مِنْ الصُّبْرَةِ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ، لِتَسَاوِي أَجْزَائِهَا، بِخِلَافِ: مِنْ الدَّارِ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، لِاخْتِلَافِ أَجْزَائِهَا،
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: إذَا بَاعَهُ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يصح،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ1 كُلَّهَا وَلَا قَدْرًا مَعْلُومًا، بِخِلَافِ أَجَّرْتُك دَارِي كُلُّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، لِلْعِلْمِ بِهِ وَبِقِسْطِهِ من الأجرة. وَيَصِحُّ بَيْعُ دُهْنٍ فِي ظَرْفٍ مَعَهُ مُوَازَنَةُ كُلِّ رِطْلٍ بِكَذَا، مَعَ عِلْمِهِمَا بِمَبْلَغِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنْ عَلِمَا زِنَةَ الظَّرْفِ "م 24" وَإِنْ احْتَسَبَ بِزِنَةِ الظَّرْفِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مَبِيعًا وَعَلِمَا مَبْلَغَ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، أَوْ بَاعَهُ جُزَافًا بِظَرْفِهِ أَوْ دُونَهُ صَحَّ، وَإِنْ بَاعَهُ إيَّاهُ فِي ظَرْفِهِ كُلُّ رِطْلٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يَطْرَحَ مِنْهُ وَزْنَ الظَّرْفِ صح "وهـ م ش" قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: إذَا بَاعَهُ جَامِدًا فِي ظَرْفِهِ كَدَقِيقٍ وَطَعَامٍ مُوَازَنَةً عَلَى شَرْطِ حَطِّ الظَّرْفِ، فِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ لَهُمْ، وَذَكَرَ أَيْضًا قَوْلَ حَرْبٍ لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَبِيعُ الشَّيْءَ فِي الظَّرْفِ مِثْلَ قُطْنٍ فِي جَوَالِيقَ2 فَيَزِنُهُ ويلقي للظرف كذا وكذا؟ ، قال: أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ، وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ حَكَيْنَا عَنْ الْقَاضِي بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلَمْ أَجِدْهُ ذَكَرَ إلَّا قَوْلَ الْقَاضِي الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ إذَا بَاعَهُ معه، والله أعلم.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 24" قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ بَيْعُ دُهْنٍ وَنَحْوِهِ فِي ظَرْفٍ مَعَهُ مُوَازَنَةُ كُلِّ رِطْلٍ بِكَذَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِمَبْلَغِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فِيمَا إذَا عَلِمَا زِنَةَ الظَّرْفِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَاهُ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرعاية الكبرى والحاوي الكبير.
1 في "ر": "يبعها".
2 عدل كبير منسوج من صوف أو شعر معرب كواله، والشوال لغة فيه. "معجم الألفاظ الفارسية" ص43.
وَإِنْ اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ زَيْتًا فِي ظَرْفٍ فَوَجَدَ فِيهِ رُبًّا صَحَّ فِي الْبَاقِي بِقِسْطِهِ، وَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُ الرُّبِّ.
وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا بَيْنَهُمَا، أَوْ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ، أَوْ عَبْدًا وَحُرًّا، أَوْ خَلًّا وَخَمْرًا، صَحَّ فِيمَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: لَا، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ الصِّحَّةَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَمَتَى صَحَّ فَقِيلَ بِالثَّمَنِ، وَالْأَشْهَرُ يُقَسَّطُ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ، وَالْخَمْرُ قِيلَ يُقَدَّرُ خَلًّا، كَالْحُرِّ عَبْدًا، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا عِنْدَ مَنْ لَهَا قِيمَةٌ عِنْدَهُ "م 25 و 26" وعند صاحب
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مسألة 25 و 26" قوله: وإن1 بَاعَهُ عَبْدًا بَيْنَهُمَا، أَوْ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ، أَوْ عَبْدًا وَحُرًّا، أَوْ خَلًّا وَخَمْرًا، صَحَّ ثم قال: ومتى صح فقيل2 بِالثَّمَنِ كُلِّهِ وَالْأَشْهَرُ بِقِسْطِهِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ، وَالْخَمْرُ قِيلَ يُقَدَّرُ خَلًّا، كَالْحُرِّ يُقَدَّرُ عَبْدًا. وَقِيلَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا عِنْدَ مَنْ لَهَا3 قيمة عنده، انْتَهَى، ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ.
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 25" إذَا بَاعَهُ ذَلِكَ وَقُلْنَا يَصِحُّ، فَهَلْ يَأْخُذُ مَا صَحَّ بَيْعُهُ كُلَّهُ أَوْ يُقَسِّطُهُ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَشْهَرُ يقسط4، وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ "قُلْت": وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَإِتْيَانُ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فِيهِ نَظَرٌ، قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي بَابِ الضَّمَانِ: يَصِحُّ الْعَقْدُ بِكُلِّ الثمن أو برد، قال ابن رجب فِي آخِرِ الْفَوَائِدِ: وَهَذِهِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخُصَّ هَذَا بِمَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ وَإِنَّ بَعْضَ الْعُقُودِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ قَدْ دَخَلَ عَلَى بَدَلِ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ خَاصَّةً كَمَا يَقُولُ فِيمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وميت يعلم
1 في النسخ الخطية و "ط": "وغذا"، والمثبت من الفروع.
2 بعدها في النسخ الخطية و "ط": "يأخذه" وليست في الفروع
3 في النسخ الخطية و "ط": "أهلها" والمثبت من الفروع
4 في النسخ الخطية و "ط": "بقسطه" والمثبت من الفروع.
التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: إنْ عَلِمَا بِالْخَمْرِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا إنْ تَفَرَّقَا وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقْ وَكِيلَاهُمَا فِي صَرْفٍ أَوْ سَلَمٍ عَنْ قَبْضِ بَعْضِهِ وَلَوْ بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا تُجْهَلُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ، فَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِكَذَا فَوَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ أَوْ جَهَالَةُ الثَّمَنِ فِي الْحَالِّ "م 27" وإن
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَوْتَهُ: إنَّ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا لِلْحَيِّ، انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَأْخُذُ عَبْدَ الْبَائِعِ بِقِسْطِهِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا فِي بَابِ الشَّرِكَةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ أَنَّ الثَّمَنَ يُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِ الْمَبِيعِ لَا الْقِيمَةِ، ذَكَرَاهُ فِيمَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ، قَالَ فِي آخِرِ الْفَوَائِدِ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، وَلَا أَظُنُّهُ يَطَّرِدُ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 26" هَلْ يُقَدَّرُ الْخَمْرُ خَلًّا، كَالْحُرِّ يُقَدَّرُ عَبْدًا؟ أَوْ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي التَّلْخِيصِ.
أَحَدُهُمَا: يُقَدَّرُ خَلًّا وَيُقَوَّمُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا1 عِنْدَ أَهْلِهَا، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: قُلْت: إنْ قُلْنَا نَضْمَنُ لَهُمْ، انْتَهَى. "قُلْت": وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ، وَأَيْضًا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَإِطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فِيهِ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 27" قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا تُجْهَلُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ. فَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِكَذَا فَوَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ2 الْمَنْعِ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ أَوْ جَهَالَةُ الثَّمَنِ فِي الْحَالِّ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وغيرهم، قال في
1 في "ص": "قيمتهما".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
باعه بمائة ورطل خمر فسد. وفي الانتصار بتخريج صحة الْعَقْدِ فَقَطْ عَلَى رِوَايَةٍ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ سُلِّمَ أَنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ فِي الْجَمِيعِ فَلِأَنَّ الْخَمْرَ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي حَقِّنَا بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ بَلْ يَبْقَى الْعَقْدُ بِالْمِائَةِ وَيَبْقَى الرِّطْلُ شَرْطًا فَاسِدًا، فَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ، وَدَخَلَ عَلَى الْكُلِّ فَفَسَدَ كُلُّهُ، قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ إذَا اشْتَرَى دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ كُلَّهُ، قَالَ وَلَا يَلْزَمُ إذَا اشْتَرَى دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ كُلَّهُ، لِأَنَّ الدِّرْهَمَ مَتَى قُوبِلَ بِالدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمُقَابَلَةُ وَزْنًا يُقَدَّرُ شَرْعًا فَيَبْطُلُ، فَيَبْقَى الثَّوْبُ ربا فيفسد العقد، وإن باع عبده وعبد غيره
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
التَّلْخِيصِ: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ إنْ قُلْنَا الْعِلَّةُ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ قُلْنَا الْعِلَّةُ جَهَالَةُ الثَّمَنِ فِي الْحَالِّ صَحَّ الْبَيْعُ، وَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ يَدْخُلُ الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ وَنَظَائِرُهَا. انْتَهَى. فَالْمُصَنِّفُ تَابَعَ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ عَلَى ذَلِكَ.
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ فِي الْمَعْلُومِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا عَلَّلَ بِهِ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ، لِمَا علله به صاحب التلخيص والمصنف.
"تَنْبِيهٌ" أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْجَهَالَةَ، وَحَرَّرَ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: مَجْهُولًا تُجْهَلُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا، يَعْنِي بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ: مَجْهُولًا لَا تَطْمَعُ فِي قِيمَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُمْ صَوَّرُوا الْمَجْهُولَ بِالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَإِنْ جُمِعَ بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ وَقِيلَ يَتَعَذَّرُ عِلْمُ قِيمَتِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ قَوْلًا، وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَاهُ، وَاَللَّهُ أعلم.
1 6/335.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/151.
بِإِذْنِهِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَحَّ، فِي الْمَنْصُوصِ، فَيَسْقُطُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ. وَمِثْلُهُ بَيْعُ عَبْدَيْهِ لِاثْنَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدٌ، أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُمَا، وَفِيهَا فِي الْمُنْتَخَبِ وَجْهٌ عَلَى عَدَدِهِمَا، فَيَتَوَجَّهُ فِي غَيْرِهَا، وَمِثْلُهَا الْإِجَارَةُ.
وَإِنْ جَمَعَ مَعَ بَيْعٍ إجَارَةً أَوْ صَرْفًا أَوْ خُلْعًا1 صَحَّ فِيهِنَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً، وَبَيْنَ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ يَصِحُّ النِّكَاحُ، فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْبَيْعِ وَجْهَانِ "م 28" وَبَيْنَ كِتَابَةٍ وَبَيْعٍ يَبْطُلُ الْبَيْعُ، فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ "م 29" وَقِيلَ: نَصُّهُ: صحتها، ويقسط على قيمتهما، وإن
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"المسألة 28" قَوْلُهُ: إنْ جُمِعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ صَحَّ فِي النِّكَاحِ، فِي الْأَصَحِّ. وَفِي الْبَيْعِ وَجْهَانِ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي2 وَالْمُغْنِي3 وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ.
4 أَحَدُهُمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ آخر، وجزم به في المنور.
"المسألة 29" قَوْلُهُ: وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ5
1 في "ب": "جعلا"، ينظر:"شرح منصور البهوتي" 3/154.
2 3/50
3 6/335
4 ليست في "ص"
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/162.
تَأَخَّرَ قَبَضَ فِيمَا يُعْتَبَرُ لَهُ فَفُسِخَ الْعَقْدُ فَفِي فَسْخِ الْآخَرِ مَا سَبَقَ
"السَّابِعُ" أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ حَتَّى الْأَسِيرِ، أَوْ مَأْذُونًا فِيهِ وَقْتَ إيجَابِهِ وَقَبُولِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مُعَيَّنٍ لَا يَمْلِكُهُ لِيَشْتَرِيَهُ وَيُسَلِّمَهُ، وَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِمَالِ غَيْرِهِ أَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ قَالَهُ شَيْخُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي طَلَاقِ زَوْجَةِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيَقِفُ على الإجازة "وهـ" قَالَ بَعْضُهُمْ فِي طَرِيقَتِهِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ فِي الْحَالِّ "هـ" وَعَنْهُ: صِحَّةُ تصرف غاصب
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
المحرر وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ. وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ. قَالَ فِي الْفُصُولِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ وَالشَّارِحُ: وَهَلْ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ؟ يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. أَحَدُهُمَا يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَالشَّارِحِ الْمُتَقَدِّمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ، وفي الكبرى في موضع آخر.
وَالرِّوَايَاتُ فِي عِبَادَتِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ صَحَّ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فِي الْعَقْدِ، وَقِيلَ: أَوْ سَمَّاهُ، ثُمَّ إنْ أَجَازَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَقِيلَ: الْإِجَازَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ مَنْ اشْتَرَاهُ يَقَعُ الشِّرَاءُ لَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: إنْ سَمَّاهُ فَأَجَازَهُ لَزِمَهُ، وَإِلَّا بَطَلَ، وَيَحْتَمِلُ إذَنْ: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَقَدَّمَهُ فِي التلخيص هـ" إلْغَاءً لِلْإِضَافَةِ.
وَإِنْ قَالَ: بِعْته مِنْ زَيْدٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْت لَهُ، بَطَلَ، وَيَحْتَمِلُ يَلْزَمُهُ إنْ أَجَازَهُ، وَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ إجَازَتِهِ صَحَّ مِنْ الْحُكْمِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَيُتَوَجَّهُ كَالْإِجَازَةِ. وَفِي الْفُصُولِ فِي الطَّلَاقِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَنَّهُ يُقْبَلُ الِانْبِرَامُ وَالْإِلْزَامُ بِالْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ لَا يُنْشِئُ الْمِلْكَ بَلْ يُحَقِّقُهُ.
وَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِعَيْنِ مَالِهِ مَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي واختار الشيخ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وُقُوفَهُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَمِثْلُهُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ وَإِنْ ظَنَّهُ لِغَيْرِهِ فَبَانَ وَارِثًا أَوْ وكيلا فروايتان ذكرهما أبو المعالي وغيره "م 30"
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ، كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَنَحْوِهَا. وعنه يصح "وهـ ق" ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَذَكَرَهُ قَوْلًا لَنَا، وَقَالَ: جَوَّزَ أَحْمَدُ إصْدَاقَهَا، وَقَالَهُ جَدُّهُ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى نَفْعِهَا، وَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ: يَبِيعُ ضَيْعَتَهُ الَّتِي بِالسَّوَادِ وَيَقْضِي
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"المسألة 30" قَوْلُهُ: وَإِنْ ظَنَّهُ لِغَيْرِهِ فَبَانَ وَارِثًا أَوْ وَكِيلًا فَرِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ حَكَى الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأُصُولِيَّةِ، وَالْمُغْنِي1 فِي آخِرِ الْوَقْفِ.
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: صَحَّ، عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي2 فِي بَابِ الرَّهْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، قَالَ الْقَاضِي: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ مَنْ بَاشَرَ امْرَأَةً بِالطَّلَاقِ يَعْتَقِدُهَا أَجْنَبِيَّةً فَبَانَتْ امْرَأَتَهُ، أَوْ وَاجَهَ بِالْعِتْقِ مَنْ يَعْتَقِدُهَا حُرَّةً فَبَانَتْ أَمَتُهُ، فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْحُرِّيَّةِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى. "قُلْت": قَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَأْتِي تَصْحِيحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهَا، وَلِلشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ بْنِ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ قَاعِدَةٌ بِذَلِكَ فِيمَنْ تَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كان يملكه.
1 لم نقف عليه.
2 6/453.
دَيْنَهُ؟ قَالَ: لَا. قُلْت: يُعْطِيهَا مِنْ صَدَاقِهَا؟ قَالَ: امْرَأَتُهُ وَغَيْرُهَا بِالسَّوَادِ، لَكِنْ يُسَلِّمُهَا إلَيْهَا.
وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَبِيعُ مِنْهُ وَيَحُجُّ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، أَوْ قَالَ: دَعْهُ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ الشِّرَاءُ، وَعَنْهُ: لِحَاجَتِهِ وَعِيَالِهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَمْقُت السَّوَادَ وَالْمَقَامَ فِيهِ، كَالْمُضْطَرِّ يَأْكُلُ مِنْ الْمَيْتَةِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَتَجُوزُ إجَارَتُهَا. وَعَنْهُ: لَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، كَرِبَاعِ مَكَّةَ،
قَالَ جَمَاعَةٌ: أَقَرَّ عُمَرُ1 الْأَرْضَ فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا فِي كُلٍّ عَامٍ، وَلَمْ يُقَدِّرْ مُدَّتَهَا، لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا. وَقَالَ فِي الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ اجْتِمَاعِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ: إنَّ الْخَرَاجَ: عَلَى أَرْضِ الصُّلْحِ إذَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا سَقَطَ عَنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ عَنْ رِقَابِهِمْ، وَيَجِبُ الْعُشْرُ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِبَنِي تَغْلِبَ2. وَهَذَا الْخَرَاجُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْأُجْرَةِ عَنْ الْأَرْضِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ أُجْرَةً وَهِيَ إجَارَةٌ إلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ؟ قِيلَ: إنَّمَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي أَمْلَاكِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا فِي أَمْلَاكِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ فِي حُكْمِ أَمْلَاكِهِمْ فَجَائِزٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمِيرَ لَوْ قَالَ: مَنْ دَلَّنَا عَلَى الْقَلْعَةِ الْفُلَانِيَّةِ فَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ، صَحَّ وَإِنْ كَانَتْ جَعَالَةً بِجُعَلٍ مَجْهُولٍ، كَذَا هَذَا لَمَّا فَتَحَ عُمَرُ السَّوَادَ وَامْتَنَعَ مِنْ قِسْمَتِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَوَقَفَهُ3 عَادَ بِمَعْنَاهُ الْأَوَّلِ، فَصَارَتْ فِي حكم أملاك المشركين، فصح ذلك فيها،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرج أثر عمر أبو يوسف في "الخراج" ص24-25.
2 أخرج هذا الأثر يحيى بن آدم في كتاب "الخراج" ص68
3 بعدها في النسخ الخطية و "ط": "لأحد".
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ أُجْرَةً لَمْ تُؤْخَذْ عَنْ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إجَارَةُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ، قِيلَ: لَهُ الْمَأْخُوذُ هُنَاكَ عَنْ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّ الْأُجْرَةَ اخْتَلَفَتْ لِاخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ، فَالْمَنْفَعَةُ بِالْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا النَّخْلُ أَكْثَرُ، كَذَا قَالَ. وَقِيلَ لَهُ: لَوْ كَانَ الْخَرَاجُ أُجْرَةً لَمْ يَكْرَهْ أَحْمَدُ الدُّخُولَ فِيهَا، وَقَدْ كُرِهَ ذَلِكَ قِيلَ: إنَّمَا كَرِهَ أَحْمَدُ ذَلِكَ لِمَا شَاهَدَهُ فِي وَقْتِهِ، لِأَنَّ السُّلْطَانَ كَانَ يَأْخُذُ زِيَادَةً عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ، وَيَضْرِبُ وَيَحْبِسُ، وَيَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ.
وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ كَلَامِهِ إلَى الْخَرَاجِ الَّذِي أُمِرَتْ الصَّحَابَةُ بِهِ وَدَخَلَتْ فِيهِ، وَجَوَّزَهَا فِي التَّرْغِيبِ مُؤَقَّتَةً، لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يُقَدِّرْ الْمُدَّةَ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، احْتَمَلَ فِي وَاقِعَةٍ كُلِّيَّةٍ. قَالَ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُ شَيْءٍ مِمَّنْ وَقَعَ بِيَدِهِ مِنْ آبَائِهِ، وَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِي غَلَّتَهُ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتٍ، وَالْمُزَارَعَةُ أَوْلَى، وَالْمُؤَثِّرُ بِهَا أَحَقُّ، قَالَ شَيْخُنَا: بِلَا خِلَافٍ.
وَبَيْعُ بِنَاءٍ لَيْسَ مِنْهَا وَغَرْسٍ مُحْدَثٍ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَيَعْقُوبُ الْمَنْعَ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ، وَهُوَ ذَرِيعَةٌ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْبِنَاءِ، وَجَوَّزَهُ فِي غَرْسٍ، وَجَوَّزَ جَمَاعَةٌ بَيْعَ الْمَسَاكِنِ مُطْلَقًا. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: أَوْصَى بِثُلُثِ مِلْكِهِ وَلَهُ عَقَارٌ فِي السَّوَادِ؟ قَالَ: لَا تُبَاعُ أَرْضُ السَّوَادِ إلَّا أَنْ تُبَاعَ آلَتُهَا. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ الْمَنْعَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمَا التَّسْوِيَةُ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَإِنْ أَعْطَى إمَامٌ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ وَقَفَهَا فَقِيلَ: يصح
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَفِي النَّوَادِرِ: لَا "م 31" وَاحْتَجَّ بِنَقْلِ حَنْبَلٍ: مَثَلُ السَّوَادِ كَمَنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى رَجُلٍ أَوْ عَلَى وَلَدِهِ لَا يَحِلُّ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا عَلَى مَا وَقَفَ. وَفِي الْمُغْنِي1: وَلَوْ جاز تخصيص قوم بأصلها لَكَانَ مَنْ افْتَتَحَهَا أَحَقَّ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ لِلْإِمَامِ الْبَيْعَ، لِأَنَّ فِعْلَهُ كَحُكْمٍ وَأَنَّهُ يَصِحُّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، كَبَقِيَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُعْجِبُنِي بَيْعُ مَنَازِلِ السَّوَادِ وَلَا أَرْضِهِمْ، قِيلَ لَهُ فَإِنْ أَرَادَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَهُ ذَلِكَ، يَصْرِفُهُ كَيْفَ شَاءَ إلَّا الصُّلْحَ لَهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إذَا جَعَلَهَا الْإِمَامُ فَيْئًا صَارَ ذَلِكَ حُكْمًا بَاقِيًا فِيهَا دَائِمًا، فَإِنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى الْغَانِمِينَ، وَلَيْسَ غَيْرُهُمْ مُخْتَصًّا بِهَا وَفُتِحَ بَعْضُ الْعِرَاقِ صُلْحًا وَالْحِيرَةُ وَأُلَّيْسَا وَبِانِقْيَاءُ وَأَرْضُ بَنِي صَلُوبَا.
وَلَا يُمْلَكُ مَاءٌ عِدٌّ2 وَكَلَأٌ وَمَعْدِنٌ جار بملك الأرض قبل حيازته "وهـ"
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 31" قَوْلُهُ: وَإِنْ أَعْطَى الْإِمَامُ هَذِهِ الْأَرْضَ لِأَحَدٍ أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ فَقِيلَ: يَصِحُّ. وَفِي النَّوَادِرِ لَا، انْتَهَى. يَعْنِي بِهِ أَرْضَ مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَفِي حُكْمِ الْأَرَاضِي الْمَغْنُومَةِ: وَلَهُ إقْطَاعُ هَذِهِ الْأَرَاضِي وَالدُّورِ وَالْمَعَادِنِ إرْفَاقًا لَا تَمْلِيكًا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي3 فِي بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ: وَحُكْمُ إقْطَاعِ هَذِهِ الْأَرْضِ حُكْمُ بَيْعِهَا، وَقُدِّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَلَا يُخَصُّ أَحَدٌ بِمِلْكِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَوْ جَازَ تَخْصِيصُ قَوْمٍ بِأَصْلِهَا لَكَانَ الَّذِينَ فَتَحُوهَا أَحَقَّ بِهَا "قُلْت": وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ بِالْأَوْلَى مِنْ الْبَيْعِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: يَصِحُّ ذلك.
1 6/467.
2 بكسر العين: الماء الذي لا انقطاع له، مثل ماء العين وماء البئر "المصباح":"عدد".
3 4/196.
فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ "وهـ" كَأَرْضٍ مُبَاحَةٍ "ع" فَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعٍ بَلْ مُشْتَرٍ أَحَقُّ بِهِ، وَعَنْهُ: يَمْلِكُهُ فَيَجُوزُ1، لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ أَرْضِهِ كَالنِّتَاجِ "وش م" فِي أَرْضٍ عَادَةُ رَبِّهَا يَنْتَفِعُ بِهَا لَا أَرْضِ بُورٍ، وَجَوَّزَهُ شَيْخُنَا فِي مُقَطَّعٍ مَحْسُوبٍ عَلَيْهِ يُرِيدُ تَعْطِيلَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ زَرْعٍ وَبَيْعِ2 الْمَاءِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْكَلَأِ وَنَحْوِهِ إذَا نَبَتَ لَا عَامَيْنِ "و" فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَدْخُلُ الظَّاهِرُ مِنْهُ فِي بَيْعٍ إلَّا بِشَرْطِهِ، قَالَ: بِحُقُوقِهَا أَوْ لَا، صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا،
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ احْتِمَالًا: يَدْخُلُ، جَعْلًا لِلْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ كَاللَّفْظِ، وَلَهُ الدُّخُولُ لِرَعْيِ كَلَأٍ وَأَخْذِهِ وَنَحْوِهِ إذَا لَمْ يُحَطْ عَلَيْهَا بِلَا ضَرَرٍ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَعَنْهُ: مُطْلَقًا، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: عَكْسُهُ، وَكَرِهَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَالْوَسِيلَةِ وَالتَّبْصِرَةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَمْلِكُ بِأَخْذِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ عَدَمَهُ، وَخَرَّجَهُ رِوَايَةً مِنْ أَنَّ النَّهْيَ يَمْنَعُ التَّمَلُّكَ وَيُحَرِّمُ مَنْعَهُ، وَالطُّلُولُ الَّتِي يَجْنِي مِنْهَا النَّحْلُ كَالْكَلَأِ وَأَوْلَى، وَنَحْلُ رَبِّ الْأَرْضِ أَحَقُّ، فَلَهُ مَنْعُ غَيْرِهِ إنْ أَضَرَّ بِهِ، ذكره شيخنا
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 ليست في الأصل و "ر".
2 في "ب": "نبع".
فصل: وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا قُصِدَ بِهِ الْحَرَامُ
كَعَصِيرٍ لِمُتَّخِذِهِ خَمْرًا، قَطْعًا، نَقَلَ الْجَمَاعَةُ: إذَا عَلِمَ، وَقِيلَ: أَوْ ظَنَّا، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إذَا كَانَ عِنْدَك يُرِيدُهُ لِلنَّبِيذِ فَلَا تَبِعْهُ، إنَّمَا هُوَ عَلَى قَدْرِ الرَّجُلِ، قال أحمد:
أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَرِهُوا بَيْعَ الْعَصِيرِ وَسِلَاحٍ فِي فِتْنَةٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ،1 قَالَهُ أَحْمَدُ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ يَقْتُلُ بِهِ، وَيَكُونُ لَا يَقْتُلُ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ذَرِيعَةٌ، لَهُ أَوْ الْحَرْبِيِّ، وَمَأْكُولٍ وَمَشْمُومٍ لِمَنْ يَشْرَبُ عَلَيْهِمَا الْمُسْكِرَ، وَأَقْدَاحٍ لِمَنْ يَشْرَبُهُ فِيهَا، وَجَوْزٍ لِقِمَارٍ، وَأَمَةٍ وَأَمْرَدَ لِوَاطِئِ دُبُرٍ
وَيَصِحُّ بَيْعُ مَنْ قَصَدَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا، ذَكَرُوهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ قُبَيْلَ الْجِهَادِ وَمَنْ اُتُّهِمَ بِغُلَامِهِ فَدَبَّرَهُ فَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يُحَالُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ فَاجِرًا مُعْلِنًا، وَهَذَا كَمَا نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَجُوسِيِّ تُسْلِمُ أُخْتُهُ يُحَالُ بَيْنَهُمَا إذَا خَافُوا عَلَيْهِ يَأْتِيهَا، قِيلَ لِأَحْمَدَ: مَاتَ وَتَرَكَ سُيُوفًا؟. قَالَ: لَا تُبَاعُ بِبَغْدَادَ وَتُبَاعُ بِالثَّغْرِ. وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ نَدْبٌ. وَفِي الْمَنْثُورِ: مَنَعَ مِنْهُ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْفِتَنِ غَالِبًا، وَيَحْرُمُ فِيهَا.
وَلَا بَيْعُ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بِلَا حَاجَةٍ، وَعَنْهُ: وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: مَرِيضٌ وَنَحْوُهُ بِنِدَائِهَا الثَّانِي، وَعَنْهُ الْأَوَّلِ وَعَنْهُ أَوْ الْوَقْتِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَهِيَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَالتَّرْغِيبِ: بِالزَّوَالِ. وَقِيلَ: وَبِنِدَاءِ صَلَاةٍ غَيْرِهَا وَإِنْ تَضَيَّقَ وَقْتُهَا فَوَجْهَانِ "م 32" وَقِيلَ: إنْ لم تلزم أحدهما
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
المسألة -32: قَوْلُهُ: وَإِنْ تَضَيَّقَ وَقْتُهَا فَوَجْهَانِ، انْتَهَى، يَعْنِي إذَا ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى قَبْلَ فِعْلِهَا يَصِحُّ أَمْ لَا؟ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ، أَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ.
"أَحَدُهُمَا" لَا يَصِحُّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: الْبُطْلَانُ أَقْيَسُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْجُمُعَةِ: وَلَوْ ضَاقَ وَقْتُ صَلَاةٍ فَكَذَا حُكْمُهُ فِي التَّحْرِيمِ وَالِانْعِقَادِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ
1 أخرج البيهقي في السنن الكبرى 5/327، عن عمران بن حصين قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة.
لم تحرم عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُصُولِ: يَحْرُمُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَيَأْثَمُ فَقَطْ، كَالْمُحْرِمِ يَشْتَرِي صَيْدًا مِنْ مُحِلٍّ، ثَمَنُهُ حَلَالٌ لِلْمُحِلِّ وَالصَّيْدُ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، كَذَا قَالَ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الكل، وَيَحْرُمُ وَاحِدُ شِقَّيْهِ، كَهُوَ،
وَتَحْرُمُ مُسَاوَمَةٌ وَمُنَادَاةٌ، وَلَا تَحْرُمُ بَاقِي الْعُقُودِ، وَاخْتِيَارُ إمْضَاءِ الْبَيْعِ، فِي الْأَصَحِّ.
وَلَا بَيْعُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ، كَنِكَاحٍ وَاسْتِرْقَاقٍ "هـ" وَعِنْدَهُ: يُؤْمَرُ بِبَيْعِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي طَرِيقَتِهِ رِوَايَةً، وَلَهُ رَدُّهُ بِعَيْبٍ، كَمَا يَرِثُهُ، زَادَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي طَرِيقَتِهِ مِلْكُ الْوَارِثِ مِلْكُ بَقَاءٍ لَا مِلْكُ ابْتِدَاءٍ وَقَالَ: لِهَذَا يَبْنِي حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِهِ وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ عَتَقَ بِالشِّرَاءِ فَرِوَايَتَانِ "م 33" وَإِنْ وَكَّلَهُ مُسْلِمٌ فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: إنْ سُمِّيَ الْمُوَكِّلُ فِي
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِانْعِقَادِ النَّافِلَةِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ، وَالصَّحِيحُ فِيهَا عدم الانعقاد، فكذا هنا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَشْهَرُ "قُلْت": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامٍ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
"المسألة 33" قَوْلُهُ فِي أَحْكَامِ شِرَاءِ الْكَافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا: وَإِنْ عَتَقَ بِالشِّرَاءِ فَرِوَايَتَانِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي1
1 6/368.
العقد صَحَّ "م 34" وَفِي الْوَاضِحِ: إنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ وكل من يشتريه له
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْكَافِي1 وَالْمُقْنِعِ2 وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ2 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
"إحْدَاهُمَا" يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي أَوَاخِرِ الْعِتْقِ: وَإِنْ اشْتَرَى الْكَافِرُ أَبَاهُ الْمُسْلِمَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَعَتَقَ، انْتَهَى، وَاخْتَارَهُ ابْنِ عَبْدُوسٌ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ "قُلْت". وَهُوَ الصَّوَابُ. وَيُغْتَفَرُ هَذَا الزَّمَنُ الْيَسِيرُ لِأَجْلِ الْعِتْقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَصِحُّ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَقَالَ: نَصَّ عليه، وقدمه الناظم.
"المسألة 34" قَوْلُهُ: وَإِنْ وَكَّلَهُ مُسْلِمٌ فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ، إنْ سُمِّيَ الْمُوَكِّلُ فِي الْعَقْدِ صَحَّ3 وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي4 وَالنَّظْمِ.
"أَحَدُهُمَا" لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَصِحُّ "قُلْت": وَهُوَ قَوِيٌّ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: فَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْت لِمُوَكِّلِي، صَحَّ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ، لَمْ يَصِحَّ، وَفِيهِ احتمال
1 3/59.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/173.
3 بعدها في النسخ الخطية و "ط": "وإلا فلا".
4 6/368.
وَيُعْتِقُهُ. وَفِي الِانْتِصَارِ لَا يَبِيعُ آبِقًا، وَيَصِحُّ أن يوكل فيه من هو بيده
وَيَحْرُمُ سَوْمُهُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ مَعَ الرِّضَى صَرِيحًا، وَقِيلَ: أَوْ ظَاهِرًا، وَقِيلَ: أَوْ تَسَاوَى الْأَمْرَانِ، وَقِيلَ: وَلَا يَصِحُّ، كَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ عَلَيْهِ زَمَنَ خِيَارٍ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ رَدَّهُ أَوْ بَذَلَ لِمُشْتَرٍ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا فَوَجْهَانِ "م 35 و 36"
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"المسألة 35 وَ 36" قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ سَوْمُهُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ مَعَ الرِّضَا صَرِيحًا، وَقِيلَ: أَوْ ظَاهِرًا، وَقِيلَ: أَوْ تَسَاوَى الْأَمْرَانِ وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، كَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ عَلَيْهِ زَمَنَ خِيَارٍ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ رَدَّهُ أَوْ بَذَلَ لِمُشْتَرٍ بِأَكْثَرِ مِمَّا اشْتَرَاهَا فَوَجْهَانِ، انْتَهَى. ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ.
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى"-35: لَوْ رَدَّهُ فَهَلْ تَحْرُمُ الْمُسَاوَمَةُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الخلاف، ولم تظهر لِي صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ سَاوَمَ شَخْصًا سِلْعَةً وَرَدَّهُ مِنْ بَيْعِهَا صَرِيحًا وَقُلْنَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ السَّوْمُ لَوْ تَسَاوَى الْأَمْرَانِ فَهَلْ يَحْرُمُ السَّوْمُ إذَا رَدَّهُ؟ أَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادَهُ فَاَلَّذِي يَقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مُسَاوَمَةُ الثَّانِي مَعَ رَدِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا قَالَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَغَيْرِهِمَا أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَبِيعُك خَيْرًا مِنْهَا بِثَمَنِهَا، أَوْ يَعْرِضُ عَلَيْهِ سِلْعَةً يَرْغَبُ فِيهَا الْمُشْتَرِي لِيَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَعْقِدَ مَعَهُ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ وَهُوَ بَعِيدٌ فالصحيح أن ذلك ملحق بالبيع والشراء، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، وَعِبَارَتُهُ لَا تُعْطِي ذَلِكَ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ" لَوْ بَدَّلَ لِمُشْتَرٍ سِلْعَةً بِأَكْثَرِ مِمَّا اشْتَرَاهَا فَهَلْ يَحْرُمُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: فَإِنْ بَدَّلَ لِلْمُشْتَرِي أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْبَيْعِ سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا فَفِي جَوَازِ ذَلِكَ احْتِمَالَانِ، انْتَهَى. "قُلْت": ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَدَمُ3 التَّحْرِيمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَى هَذِهِ المسألة أيضا، ولا رأيتها
1 6/306
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 11/177.
3 ليست في "ص".
وَعِنْدَ شَيْخِنَا: لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِالسِّلْعَةِ وَأَخْذُ الزِّيَادَةِ أَوْ عِوَضِهَا. وَقَسَّمَ فِي عُيُونِ المسائل السوم كالخطبة على خطبة أخيه
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْطُورَةً "1إلَّا مَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ1"، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ ذَكَرَ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كُلِّهِ هُنَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيرٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
"تَنْبِيهَانِ"
"*" أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ "كَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ عَلَيْهِ زَمَنَ خِيَارٍ" أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارَيْنِ لَا غَيْرُ، أَعْنِي خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَخِيَارَ الشَّرْطِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ "قُلْت": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْ تَعَالِيلِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ النَّوَوِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ: وَمَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَى قَوْلٍ بِأَنَّهُ عَامٌّ فِي الْحَالَيْنِ، يَعْنِي مُدَّةَ الْخِيَارِ وَبَعْدَهَا وَلَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ أَظْهَرُ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْفَسْخِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ إذا. رَغِبَ فِي رَدِّ السِّلْعَةِ الْأُولَى عَلَى بَائِعِهَا فَإِنَّهُ يَتَسَبَّبُ إلَى رَدِّهَا بِأَنْوَاعٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمُقْتَضِيَةِ لِضَرُورَةٍ وَلَوْ بِالْإِلْحَاحِ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَمَا أَدَّى إلَى ضَرَرِ الْمُسْلِمِ كَانَ مُحَرَّمًا، انْتَهَى. وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الْبَغْدَادِيَّةِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ مِثْلِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَمَنِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ، فَمَا أَطْلَقَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَيْدُ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِيمَا أَظُنُّ، وَأَبُو حَكِيمٍ وَصَاحِبُهُ السَّامِرِيُّ، وَأَسْعَدُ بْنُ مُنَجَّى وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُمْ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَهُ، وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي كِتَابِ إبْطَالِ التَّحْلِيلِ1".
"*" التَّنْبِيهُ الثاني" قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ وَيَبْطُلُ تَفْرِيقُ الْمِلْكِ بِبَيْعٍ وَقِسْمَةٍ وَغَيْرهِمَا بَيْنَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، انْتَهَى هَذَا المذهب، وعليه الأصحاب. قال الموفق: قال أصحابنا
1 ليست في "ح".
وَإِنْ حَضَرَ بَادٍ لِبَيْعِ شَيْءٍ بِسِعْرِ يَوْمِهِ جَاهِلًا بِسِعْرِهِ وَقَصَدَهُ حَاضِرٌ يَعْرِفُ السِّعْرَ وَعَنْهُ: أَوْ لَا وَبِالنَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ هَذَا الشَّرْطَ حَرُمَ وَبَطَلَ، رَضُوا أَوْ لَا، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا. وَعَنْهُ: مِثْلُهُ إنْ قَصَدَ الْحَاضِرُ أَوْ وُجِّهَ بِهِ إليه ليبيعه، نقله ابن هانئ. ونقل الْمَرُّوذِيُّ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، جَزَمَ بِهِمَا الْخَلَّالُ. وَإِنْ أَشَارَ حَاضِرٌ عَلَى بَادٍ وَلَمْ يُبَاشِرْ لَهُ بَيْعًا لَمْ يُكْرَهْ "م" وَيُتَوَجَّهُ إنْ اسْتَشَارَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالسِّعْرِ لَزِمَهُ بَيَانُهُ، لِوُجُوبِ النُّصْحِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْهُ فَفِي وُجُوبِ إعْلَامِهِ إنْ اعْتَقَدَ جَهْلَهُ بِهِ نَظَرٌ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ النُّصْحِ عَلَى اسْتِنْصَاحِهِ؟ وَيُتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ لَا يُخَالِفُ هَذَا. وَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ لَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا يَشْتَرِي لَهُ.
وَيَحْرُمُ وَيَبْطُلُ تَفْرِيقُ الْمِلْكِ بِبَيْعٍ وَقِسْمَةٍ وَغَيْرِهِمَا، كَأَخْذِهِ بِجِنَايَةٍ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، رَضُوا أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: قَبْلَ الْبُلُوغِ إلَّا بِعِتْقٍ وَافْتِدَاءِ أَسِيرٍ، وَعَنْهُ: وَفِيهِمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الْعِتْقِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْحَضَانَةِ، وَيَبْطُلُ بَيْعٌ وَنَحْوُهُ، وَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ أَوْ الْأَرْشُ إنْ ظَهَرَ بَعْدَ الْبَيْعِ عَدَمُ النَّسَبِ. وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُد: اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ مِنْ السَّبْيِ عَلَى أَنَّهُمَا أختان فإذا ليست بينهما
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إلَّا الْخِرَقِيَّ: فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْعَمَّةُ مَعَ ابْنِ أَخِيهَا، وَالْخَالَةُ مَعَ ابْنِ أُخْتِهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ اخْتِصَاصُ الْأَبَوَيْنِ وَالْجَدَّيْنِ وَالْأَخَوَيْنِ بِذَلِكَ، نَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2. وَقِيلَ: ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بالأبوين، ولم يذكر المصنف هذين القولين
1 6/370
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 10/104.
قَرَابَةٌ؟ قَالَ: إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، قُلْت: بِإِقْرَارِهِمَا، قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، قُلْت: فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُمَا إلَى الْمُقَسِّمِ قَالَ: لَمْ يَلْزَمْهُ قُلْت: اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ مَعَهَا أُمُّهَا فَتَخَلَّى عَنْ الْأُمِّ بِبَلَدِ الرُّومِ لِيَكُونَ أَثْمَنَ لِابْنَتِهَا قَالَ: هَذِهِ يُطْمَعُ فِي إسْلَامِهَا، وَكَرِهَ أَنْ يُخَلِّيَ عَنْهَا. قُلْت: فَإِنْ تَهَاوَنَ فِي تَعَاهُدِهَا رَجَاءَ أَنْ تَهْرُبَ؟ فَقَالَ: هَذَا قَدْ اشتهى أن تهرب، وكأنه كرهه وَبَيْعُ التَّلْجِئَةِ وَالْأَمَانَةِ وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَا بَيْعًا لَمْ يَلْتَزِمَاهُ بَاطِنًا بَلْ خَوْفًا مِنْ ظَالِمٍ دَفْعًا لَهُ بَاطِلٌ. قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ: كَهَازِلٍ. وَفِيهِ وَجْهَانِ "م 37" فَفِي الِانْتِصَارِ يُقْبَلُ منه بقرينة، قال في الرعاية ومن
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 37" وَقَوْلُهُ: وَبَيْعُ التَّلْجِئَةِ وَالْأَمَانَةِ بَاطِلٌ كَهَازِلٍ. وَفِيهِ وَجْهَانِ "انْتَهَى"
"أَحَدُهُمَا" هُوَ بَاطِلٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَتَبِعَهُ فِي الْأُصُولِيَّةِ: الْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يَصِحُّ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأُصُولِيَّةِ.
"تَنْبِيهَانِ"
"*" الْأَوَّلُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ "كَهَازِلٍ، وَفِيهِ وَجْهَانِ" أَنَّ فِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ وَالْأَمَانَةِ وَجْهَيْنِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: إنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ وَالْأَمَانَةِ بَاطِلٌ، وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَا بَيْعًا لَمْ يَلْتَزِمَاهُ بَاطِنًا بَلْ خَوْفًا مِنْ ظَالِمٍ دَفْعًا لَهُ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَالشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي1، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا: وَمَنْ خَافَ أَنْ يَضِيعَ مَالُهُ أَوْ يُنْهَبَ أَوْ يُسْرَقَ أَوْ يُغْصَبَ أَوْ يُؤْخَذَ ظُلْمًا صَحَّ بيعه،
1 6/308.
خَافَ ضَيْعَةَ مَالِهِ، أَوْ نَهْبَهُ أَوْ سَرِقَتَهُ أَوْ غَصْبَهُ أَوْ أَخْذَهُ ظُلْمًا صَحَّ بَيْعُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَ شَهَادَةً فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي أَبِيعُهُ أَوْ أَتَبَرَّعُ بِهِ خَوْفًا وَتَقِيَّةً أَنَّهُ يَصِحُّ "م" فِي التَّبَرُّعِ، قَالَ شَيْخُنَا: مَنْ اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكِ رَجُلٍ بِلَا حَقٍّ فَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ فَجَحَدَهُ أَوْ مَنَعَهُ إيَّاهُ حَتَّى يَبِيعَهُ إيَّاهُ فَبَاعَهُ إيَّاهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهَذَا مُكْرَهٌ1 بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ أَسَرَّا الثَّمَنَ أَلْفًا بِلَا عَقْدٍ، ثُمَّ عَقَدَا بِأَلْفَيْنِ فَفِي أَيِّهِمَا الثَّمَنُ وَجْهَانِ "م 38" وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: اشترني من زيد
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فَقَطَعَ الْأَصْحَابُ بِالْأَوَّلِ، وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَكَلَامُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ الثَّانِي لَيْسَ فِي بَيْعِ التلجئة والأمانة، والله أعلم.
"*" الثَّانِي: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ، وَهُوَ كَوْنُهُ جَعَلَ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْهَازِلُ أَصْلًا لِلْمَقِيسِ وَهُوَ التَّلْجِئَةُ وَالْأَمَانَةُ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، لِأَنَّ التَّلْجِئَةَ وَالْأَمَانَةَ هُمَا الْأَصْلُ، لِكَوْنِهِمَا لَا خِلَافَ فِيهِمَا، وَالْهَازِلُ فِيهِ الْخِلَافُ، وَإِنَّمَا يُقَاسُ عَلَى الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى مَا فِيهِ الْخِلَافُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعُذْرُهُ أَنَّهُ تَابَعَ الشَّيْخَ فِي الْمُغْنِي2، فَإِنَّ التَّلْجِئَةَ وَالْأَمَانَةَ قَاسَهُمَا عَلَى الْهَازِلِ، لَكِنْ الشَّيْخُ قَطَعَ بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْهَازِلِ، فَقَاسَ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى مَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُ، وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ. وَالْمُصَنِّفُ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْهَازِلِ، وَهُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ، فَحَصَلَ مَا حَصَلَ، وَلَوْ قَالَ:"وَقَالَ الشَّيْخُ كَهَازِلٍ وَفِيهِ وَجْهَانِ" سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ، وَالْوَاقِعُ كَذَلِكَ.
"مَسْأَلَةٌ 38" قَوْلُهُ: فَإِنْ أَسَرَّا الثَّمَنَ أَلْفًا بِلَا عَقْدٍ ثُمَّ عَقَدَاهُ بِأَلْفَيْنِ فَفِي أَيِّهِمَا الثَّمَنُ وَجْهَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ "أَحَدُهُمَا" الثَّمَنُ مَا أَسَرَّاهُ، قَطَعَ به ناظم المفردات وقال:
بنيتهما عَلَى الصَّحِيحِ الْأَشْهَرُ،
وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَنْ الْقَاضِي "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ قريب
1 في الأصل: "نكرة".
2 6/308