الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التفليس
مدخل
…
باب التفليس
الْفَلَسُ: لُغَةً الْعَدَمُ، وَالْمُفْلِسُ الْمُعْدَمُ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ "مَنْ تَعُدُّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ؟ "1 وَمِنْهُ قَوْلُهُ "أَفْلَسَ بِالْحُجَّةِ إذَا عَدِمَهَا"
وَشَرْعًا: مَنْ لَزِمَهُ أَكْثَرُ مِمَّا لَهُ يَحْرُمُ طَلَبٌ وَحَجْرٌ وَمُلَازَمَةٌ بِدَيْنٍ حَالٍّ عَجَزَ عَنْ وَفَاءِ بَعْضِهِ، لِلْآيَةِ، وَكَذَا بِمُؤَجَّلٍ، فَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا يَحِلُّ قَبْلَ مُدَّتِهِ وَعَلَى الْأَصَحِّ وَبَعْدَهَا، كَجِهَادٍ وَأَمْرٍ مَخُوفٍ. وفي الواضح: وحج فلغريمه منعه
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرجه مسلم "2581""59" بنحوه من حديث أبي هريرة.
حَتَّى يَأْتِيَ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ وَلَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهُ وَقَالَ شَيْخُنَا: وَلَهُ مَنْعُ عَاجِزٍ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَمِنْ مَالِهِ قَدْرُ1 دَيْنِهِ الْحَالِّ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَيَتَعَيَّنُ دَفْعُهُ بِطَلَبِهِ.
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْمَدِينِ: يَجِبُ أَدَاءُ الدَّيْنِ عِنْدَ طَلَبِهِ، وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ يَجِبُ إذَنْ عَلَى الْفَوْرِ، وَقِيلَ: وَقَبْلَهُ، وَيُهْمَلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، اتِّفَاقًا، لَكِنْ إنْ خَافَ غَرِيمُهُ مِنْهُ احْتَاطَ عَلَيْهِ بِمُلَازَمَتِهِ أَوْ كَفِيلٍ أَوْ تَرْسِيمٍ عَلَيْهِ، قَالَهُ شَيْخُنَا: وَكَذَا لَوْ طَلَبَ تَمْكِينَهُ مِنْهُ مَحْبُوسٌ أَوْ مُوَكَّلٌ فِيهِ، وَإِنْ أَبَى حُبِسَ، وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ إخْرَاجُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ2 لَهُ أَمْرُهُ أَوْ يُبْرِئَهُ غَرِيمُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبْرِئْهُ وَصَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَمْرُهُ أَخْرَجَهُ، وَلَمْ يَسَعْهُ حَبْسُهُ، نَقَلَ ذَلِكَ حَنْبَلٌ، فَإِنْ أَصَرَّ ضُرِبَ، ذَكَرَهُ فِي المنتخب وغيره، وكذا قال في الفصول3
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في "ط": "يقدر".
2 في "ط": "يتعين".
3 في "ط": "في المنصوص".
وَغَيْرِهِ: يَحْبِسُهُ، فَإِنْ أَبَى عَزَّرَهُ، قَالَ: وَيُكَرِّرُ حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ، كَقَوْلِنَا فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ،
قَالَ شَيْخُنَا: نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ/ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، لَكِنْ لَا يُزَادُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ التَّعْزِيرِ إنْ قِيلَ: يَتَقَدَّرُ وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ وَيَقْضِيَهُ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يَلْزَمُهُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُحْبَسُ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ بَاعَ حَاكِمٌ وَقَضَاهُ، وَظَاهِرُهُ: يَجِبُ، نَقَلَ حَرْبٌ إذَا تَقَاعَدَ بِحُقُوقِ النَّاسِ يُبَاعُ عَلَيْهِ وَيُقْضَى.
وَمَنْ طُلِبَ مِنْهُ دَيْنٌ حَالٌّ يُقَدَّرُ عَلَيْهِ بِلَا سَفَرٍ لَمْ يَتَرَخَّصْ، فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَوْ يَحِلَّ فِي سَفَرِهِ فَقِيلَ: لَهُ السَّفَرُ وَالْقَصْرُ وَالتَّرَخُّصُ، لِكَيْ لَا يُحْبَسَ قَبْلَ طَلَبِهِ1 كَحَبْسِ الْحَاكِمِ، وَقِيلَ: لَا، إلَّا أَنْ يُوَكِّلَ، لِئَلَّا يَمْنَعَ بِهِ وَاجِبًا، وَقِيلَ: إنْ سَافَرَ وَكِيلٌ فِي الْقَضَاءِ قَبْلَهُ لَمْ يَتَرَخَّصْ "م 1". وقد قال
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَمَنْ طُلِبَ مِنْهُ دَيْنٌ حَالٌّ يقدر عليه بلا سفر لم يترخص، في الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُطْلَبْ أَوْ يَحِلَّ فِي سَفَرِهِ فَقِيلَ: لَهُ السَّفَرُ وَالْقَصْرُ وَالتَّرَخُّصُ لِئَلَّا يُحْبَسَ قَبْلَ طَلَبِهِ كَحَبْسِ الْحَاكِمِ، وَقِيلَ: لَا، إلَّا أَنْ يُوَكِّلَ لِئَلَّا يَمْنَعَ بِهِ وَاجِبًا، وَقِيلَ: إنْ سَافَرَ وَكِيلٌ فِي الْقَضَاءِ قَبْلَهُ لَمْ يَتَرَخَّصْ، انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" لَهُ السَّفَرُ وَالْقَصْرُ وَالتَّرَخُّصُ، لِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
"وَالْقَوْلُ الثَّانِي" لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَ فِي قَضَائِهِ، لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ "قُلْت" وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي أنه لا2 يسافر، ذكر هذين
1 في النسخ الخطية: "ظلمه".
2 ليست في "ط".
ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مِنْ إفْرَادِ الْبُخَارِيِّ: الْحَبْسُ عَلَى الدَّيْنِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ حَبِسَ عَلَى الدَّيْنِ شُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَمَضَتْ السُّنَّةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ عَلَى الدُّيُونِ وَلَكِنْ يَتَلَازَمُ الْخَصْمَانِ، فَأَمَّا الْحَبْسُ الَّذِي هُوَ الْآنَ عَلَى الدَّيْنِ لَا أَعْرِفُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُجْمَعُ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ بموضع يضيق عَنْهُمْ غَيْرُ مُتَمَكِّنِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، وَرُبَّمَا رَأَى بَعْضُهُمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ، وَإِنْ كَانُوا فِي الصَّيْفِ آذَاهُمْ الْحَرُّ، وَفِي الشِّتَاءِ آذَاهُمْ الْقُرُّ، وَرُبَّمَا يُحْبَسُ أَحَدُهُمْ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، وَرُبَّمَا يَتَحَقَّقُ الْقَاضِي أَنَّ ذَلِكَ الْمَحْبُوسَ لَا جُدَّةَ لَهُ، وَأَنَّ أَصْلَ حَبْسِهِ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الحيلة من أن ذلك الكاتب
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْوَجْهَيْنِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي بَابِ قَصْرِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ "قُلْت": وَيُحْتَمَلُ بِنَاءُ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا لَمْ يُطَالِبْهُ عَلَى وُجُوبِ الدَّفْعِ قَبْلَ الطَّلَبِ،"1 فإن قلنا: يجب لم يكن له الترخص وإلا ترخص والصحيح من المذهب أنه لا يجب الدَّفْعِ قَبْلَ الطَّلَبِ1" وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ.
"وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ" إنْ سَافَرَ وَكِيلٌ فِي الْقَضَاءِ قَبْلَهُ لَمْ يَتَرَخَّصْ.
"تَنْبِيهٌ" الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الْآخَرَ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا هَذَا الْقَوْلُ مِنْ مَفْهُومِ مَسْأَلَةٍ قَدَّمَ فِيهَا حُكْمًا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ وَوَكَّلَ من يقضي مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَسَافَرَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَهَلْ يَتَرَخَّصُ أَمْ لَا؟ قَدَّمَ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ، بِدَلِيلِ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَاَللَّهُ أعلم..
1 ليست في "ط".
لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِ كَتَبَ مَا لَمْ يَعْلَمْ لِجَهْلِهِ فَأَسْجَلَ1 فِيهِ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ مِنْ إقْرَارِهِ بِالْمَلَاءَةِ، وَأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ حَاكِمٌ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ قَدْ وَكَّلَ فُلَانًا الْمُدِيرَ2 وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَعْرِفْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَا الْمَقْصُودُ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] وَقَالَ {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282] وَقَالَ {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا قَدْ حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَقَدْ حَرَصْت مِرَارًا عَلَى فَكِّ ذَلِكَ فَحَالَ دُونَهُ مَا قَدْ اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْهُ، وَأَنَا فِي إزَالَتِهِ حَرِيصٌ. هَذَا كَلَامُهُ. وَلَا عُذْرَ بِفَوْتِ رُفْقَةٍ وَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَ شَيْخُنَا: مَنْ أَقَرَّ بِالْقُدْرَةِ فَادَّعَى إعْسَارًا وَأَمْكَنَ عَادَةً قُبِلَ، وَلَيْسَ لَهُ إثْبَاتُهُ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ حَبَسَهُ بِلَا إذْنِهِ، فَدَلَّ أَنَّ حَاكِمًا لَا يَثْبُتُ بِسَبَبِ نَقْضِ حكم3 حاكم آخر
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في الأصل و "ر": "فاستحل".
2 في الأصل: "المدير" وفي "ب": "المدين".
3 ليست في النسخ الخطية.
وَيَنْقُضُهُ بَلْ مِنْ حُكْمٍ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَغَيْرِهِ فِي الْأَعْذَارِ: إنْ كَانَ قَادِحٌ فَبَيِّنْهُ عِنْدِي، وَحَكَمَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ الزَّوَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ بِإِرَاقَةِ دَمِ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ جَمَالِ الدِّينِ الْبَاجِرْبَقِيُّ2 وَإِنْ تَابَ وَأَسْلَمَ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ حَكَمَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ سُلَيْمَانُ الْمَقْدِسِيُّ بِحَقْنِ دَمِهِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ عَدَاوَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، وَنَفَّذَ حُكْمَهُ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ الْأَذْرَعِيُّ، فَقَالَ الزَّوَاوِيُّ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى حُكْمِي، فَاخْتَفَى الْبَاجِرْبَقِيُّ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْحُكَّامِ.
وَيُقْضَى دَيْنُ الْغَرِيمِ بِمَالٍ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ، ذَكَرَهُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ وغيره عن أحمد، قال شيخنا: لأنه لا3 تَبْقَى شُبْهَةٌ بِتَرْكِ وَاجِبٍ، وَكُلُّ الْخَلْقِ عَلَيْهِمْ وَاجِبَاتٌ مِنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَقَرِيبِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَتَرْكُ ذَلِكَ ظُلْمٌ مُحَقَّقٌ، وَفِعْلُهُ بِشُبْهَةٍ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، فَكَيْفَ يَتَوَرَّعُ عَنْ ظُلْمٍ مُحْتَمَلٍ بِظُلْمٍ مُحَقَّقٍ؟ وَلِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ الْمَالَ يَعْبُدُ بِهِ رَبَّهُ وَيُؤَدِّي بِهِ أَمَانَتَهُ، وَيَصُونُ به نفسه، ويستغني به عن الخلق.
وَمَنْ مَطَلَ غَرِيمَهُ حَتَّى أَحْوَجَهُ إلَى الشِّكَايَةِ فَمَا غَرِمَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ لَزِمَ الْمُمَاطِلَ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا أَرَى بَيْعَ السَّوَادِ فِي حج ولا غيره. وإن ادعى الإعسار حلف وخلي.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 14/70.
2 هو: تقي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عمر رأس فرقة ضالة تدعى الباجربقية. أهله من باجربق، من قرى بين النهرين، صنف كتابا سماه:"اللمعة" أو "الملحمة". "ت 724هـ""الأعلام" 6/200.
3 ليست في "ط".
وَفِي التَّرْغِيبِ: يُحْبَسُ، إلَى ظُهُورِ إعْسَارِهِ. وَفِي الْبُلْغَةِ: إلَى أَنْ يَثْبُتَ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ كَمَنْ عُرِفَ بِمَالٍ أَوْ دَيْنِهِ عَنْ عِوَضٍ أَخَذَهُ، كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ، فَيُحْبَسُ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِتَلَفِ مَالِهِ، وَيَحْلِفُ مَعَهَا، فِي الْأَصَحِّ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ خَبِيرَةٍ بِبَاطِنِهِ بِعُسْرَتِهِ، وَلَمْ يَحْلِفْ، فِي الْأَصَحِّ، لِئَلَّا يَكُونَ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى1 عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: يَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَتِهِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ، لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِالظَّاهِرِ.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في الإرشاد ص 335-336.
وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ حَلَفَ أَنَّهُ قَادِرٌ حَبَسَهُ، وَإِلَّا حَلَفَ الْمُنْكِرُ عَلَيْهِمَا وَخُلِّيَ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: يُحْبَسُ إنْ عُلِمَ لَهُ مَا يَقْضِي.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ عُرِفَ بِمَالٍ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ بِهِ وَحَلَفَ غَرِيمُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ حُبِسَ.
وَفِي الْمُغْنِي1: إذَا حَلَفَ أَنَّهُ ذُو مَالٍ حُبِسَ.
وَفِي الْكَافِي2: يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمَطْلُوبُ تَلَفًا أَوْ إعْسَارًا أَوْ يَسْأَلُ سُؤَالَهُ فَتَكُونُ دَعْوَى مُسْتَقِلَّةً، فَإِنْ كَانَ لَهُ بِبَقَاءِ مَالِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ بَيِّنَةٌ فَلَا كَلَامَ، وَإِلَّا فَيَمِينُهُ بِحَسْبِ جَوَابِهِ، كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، وَهَذَا أَظْهَرُ، وَهُوَ مُرَادُهُمْ، لِأَنَّهُ ادَّعَى الْإِعْسَارَ وَأَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَأَنْكَرَهُ، وَمَتَى لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ فَطَلَبَهَا فَنَكَلَ لَمْ يُحْبَسْ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يُحَلِّفْهُ فَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ حَبْسِهِ..
قَالَ شَيْخُنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا: فَإِذَا حُبِسَ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَبْلَ الْحَبْسِ يَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهَا بَعْدَ الْحَبْسِ، كَحَبْسِهِ فِي دَيْنِ غَيْرِهَا، فَلَهُ إلْزَامُهَا مُلَازَمَةَ بَيْتِهِ وَلَا يَدْخُلُ إلَيْهِ أَحَدٌ بِلَا إذْنِهِ، فَإِنْ خَافَ3 أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ بِلَا إذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يسكنها حيث لا يمكنها الخروج، كما
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 6/585.
2 3/228.
3 في "ط": "خالف".
لَوْ سَافَرَ عَنْهَا أَوْ حَبَسَهُ غَيْرُهَا، وَلَا يَجِبُ حَبْسُهُ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ، بَلْ الْمَقْصُودُ تَعْوِيقُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ حَتَّى يُؤَدِّيَ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ حَبْسُهُ فِي دَارٍ وَلَوْ فِي دَارِ نَفْسِهِ، بِحَيْثُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ وَتُرَسَّمَ هِيَ عَلَيْهِ إذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الْغَرِيمَ بِمُلَازَمَةِ غَرِيمِهِ وَقَالَ لَهُ "مَا فَعَلَ أَسِيرُك" 1 وَإِنَّمَا الْمُرَسَّمُ وَكِيلُ الْغَرِيمِ فِي الْمُلَازَمَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَنْ يَحْفَظُ امْرَأَتَهُ غَيْرُ2 نَفْسِهِ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَحْبِسَهُمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَتَمْنَعَهُ هِيَ مِنْ الْخُرُوجِ، وَيَمْنَعَهَا هُوَ مِنْ الْخُرُوجِ، فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَهُ عَلَيْهَا حَبْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ، وَلَهَا عَلَيْهِ حَبْسَهُ فِي دَيْنِهَا، وَحَقُّهُ عَلَيْهَا أَوْكَدُ، فَإِنَّ حَقَّ نَفْسِهِ فِي الْمَبِيتِ ثَابِتٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، بِخِلَافِ حَبْسِهَا لَهُ فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ إعْسَارِهِ، لَا يَكُونُ حَبْسُهُ مُسْتَحَقًّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذْ حَبْسُ الْعَاجِزِ لَا يَجُوزُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَلِأَنَّ حَبْسَهَا لَهُ عُقُوبَةٌ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَحَبْسُهُ لَهَا حَقٌّ يَثْبُتُ بِمُوجَبِ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ بِعُقُوبَةٍ، بَلْ حَقُّهُ عَلَيْهَا كَحَقِّ الْمَالِكِ عَلَى الْمَمْلُوكِ، وَلِهَذَا كَانَ النِّكَاحُ بِمَنْزِلَةِ الرِّقِّ وَالْأَسْرِ لِلْمَرْأَةِ. قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: النِّكَاحُ رِقٌّ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يَرِقُّ كَرِيمَتَهُ3.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: الزَّوْجُ سَيِّدٌ فِي كتاب الله وقرأ قوله: {وَأَلْفَيَا
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرجه ابن ماجه "2428".
2 في "ط": "عن".
3 لم نقف عليه عن عمر وأخرجه العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 2/43 عن عائشة.
سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} 1 [يوسف:25] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ" 2 وَالْعَانِي: الْأَسِيرُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا مِنْ الْحَبْسِ أَعْظَمُ مِمَّا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ، إذْ غَايَةُ الْغَرِيمِ أَنْ يَكُونَ كَالْأَسِيرِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَعَ حَبْسِهَا فِي مَنْزِلِهِ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا مَتَى شَاءَ، فَحَبْسُهُ لَهَا دَائِمًا يَسْتَوْفِي فِي حَبْسِهَا مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا، وَحَبْسُهَا لَهُ عَارِضٌ إلَى أَنْ يُوفِيَهَا حَقَّهَا. وَالْحَبْسُ الَّذِي يَصْلُحُ لِتَوْفِيَةِ الْحَقِّ مِثْلُ الْمَالِكِ لِأَمَتِهِ، بِخِلَافِ الْحَبْسِ إلَى أَنْ يُسْتَوْفَى الْحَقُّ، فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَبْسِ الْحُرِّ لِلْحُرِّ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْغَرِيمُ مَنْعَ الْمَحْبُوسِ مِنْ تَصَرُّفٍ يُوفِي بِهِ الْحَقَّ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ حَوَائِجِهِ إذَا احْتَاجَ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَبْسِ مَعَ مُلَازَمَتِهِ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَحْبُوسِ أَنْ يَقْبَلَ مَا يَبْذُلُهُ لَهُ الْغَرِيمُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنَّةٌ فِيهِ.
وَيَمْلِكُ الرَّجُلُ مَنْعَ امْرَأَتِهِ مِنْ الْخُرُوجِ مُطْلَقًا إذَا قَامَ بِمَا لَهَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ ذَلِكَ، وَبِهَذَا وَغَيْرِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهَا وَيَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ أَكْثَرَ مِمَّا لَهَا أَنْ تُلْزِمَهُ وَتَمْنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ حَبْسِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ مُلَازَمَتِهَا، وَهَذَا حَرَامٌ بِلَا رَيْبٍ.
وَلَا يُنَازِعُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حَبْسَ الرَّجُلِ إذَا تَوَجَّهَ تَتَمَكَّنُ مَعَهُ امْرَأَتُهُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَإِسْقَاطُ حَقِّهِ عَلَيْهَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ لأحد من
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 ينظر: "تفسيرالطبري" 16/51.
2 أخرجه الترمذي "1163"، وابن ماجه "3055".
وُلَاةِ الْأُمُورِ وَالْحُكَّامِ فِعْلُ ذَلِكَ، حُرَّةً عَفِيفَةً كَانَتْ أَوْ فَاجِرَةً، فَإِنَّ مَا يُفْضِي إلَى تَمْكِينِهَا مِنْ الْخُرُوجِ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَا سِيَّمَا وَذَلِكَ مَظِنَّةٌ لِمُضَارَّتِهَا لَهُ أَوْ فِعْلِهَا لِلْفَوَاحِشِ إلَى أَنْ قَالَ: فَرِعَايَةُ مِثْلِ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إهْمَالُهَا، قَالَ: وَهِيَ إنَّمَا تَمْلِكُ مُلَازَمَتَهُ، وَمُلَازَمَتُهُ تَحْصُلُ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ وَهُوَ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَلَوْ طَلَبَ مِنْهَا الِاسْتِمْتَاعَ فِي الْحَبْسِ فَعَلَيْهَا أَنْ تُوفِيَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِالْحَبْسِ أَوْ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْغَرِيمَ يُلَازِمُهُ حَتَّى يُوفِيَهُ حَقَّهُ، وَلَوْ لَازَمَهُ فِي دَارِهِ جَازَ، فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يُفْضِي إلَى أَنْ يَمْطُلَهَا وَلَا يُوفِي، فَالْجَوَابُ: أَنَّ تَعْوِيقَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ هُوَ الْحَبْسُ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْمَقْصُودِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ امْتِنَاعُهُ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ قَادِرٌ وَامْتَنَعَ ظُلْمًا، عُوقِبَ بِأَعْظَمَ مِنْ الْحَبْسِ بِضَرْبٍ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يُؤَدِّيَ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرُهُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ" 1 وَالظَّالِمُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ تُسْتَحَقُّ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ" 2 وَمَعَ هَذَا لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ الَّذِي عَلَى امْرَأَتِهِ، بَلْ يَمْلِكُ حَبْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ.
وَأَمَّا تَمْكِينُ مِثْلِ هَذَا يَعْنِي الْمُمْتَنِعَ عَنْ الْوَفَاءِ ظُلْمًا مِنْ فَضْلِ الْأَكْلِ وَالنِّكَاحِ فَهَذَا مَحَلُّ اجْتِهَادٍ، فَإِنَّهُ مِنْ نَوْعِ التَّعْزِيرِ، فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يُعَزِّرَهُ بِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، إذْ التَّعْزِيرُ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرجه البخاري "2287"، ومسلم "1564".
2 أخرجه أبو داود "3628"، والنسائي "234"، وابن ماجه "3627".
وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي تَنَوُّعِهِ وَقَدْرِهِ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ، وَلَكِنْ الْمَحْبُوسُونَ عَلَى حُقُوقِ النِّسَاءِ لَيْسُوا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ بِحَبْسِهِمَا جَمِيعًا إمَّا لِعَجْزِ أَحَدِهِمَا عَنْ حِفْظِ الْآخَرِ أَوْ لِشَرٍّ يَحْدُثُ بَيْنَهُمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمْكَنَ أَنْ تَسْكُنَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، مِثْلُ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي رِبَاطِ نِسَاءٍ أَوْ بَيْنَ نِسْوَةٍ مَأْمُونَاتٍ فَعَلَ ذَلِكَ، فَفِي الْجُمْلَةِ لَا يجوز "1حبسه لها1" وَتَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ، بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَرِعَايَةِ الْمَصْلَحَتَيْنِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ ذَهَابُهَا مَظِنَّةً لِلْفَاحِشَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ حَقًّا لِلَّهِ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ رِعَايَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الزَّوْجُ.
وَفِي إنْظَارِ الْمُعْسِرِ فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَأَبْلَغُ الْأَخْبَارِ فِيهِ2 عَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ" 3 رَوَاهُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ نُفَيْعٍ أَبِي دَاوُد وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ بُرَيْدَةَ.
وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِمُعَيَّنٍ لَهُ فَأَنْكَرَ وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ لِأَحَدٍ، أَوْ قَالَ: لِزَيْدٍ، فَكَذَّبَهُ، قُضِيَ مِنْهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فَوَجْهَانِ "م 2" وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ للمدين، لأنه
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِمُعَيَّنٍ لَهُ فَأَنْكَرَ وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ لِأَحَدٍ، أَوْ قَالَ: لِزَيْدٍ، وَكَذَّبَهُ، قُضِيَ مِنْهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فَوَجْهَانِ، انتهى.
1 في "ب" و "ر" و "ط": "حبسها له".
2 ليست في النسخ الخطية.
3 أخرجه أحمد "23046" وابن ماجه "2418".
لَا يَدَّعِيهِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ لَهَا تَقَدُّمُ دَعْوَى، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ قُدِّمَتْ لِإِقْرَارِ رَبِّ الْيَدِ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي، لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ.. وَيَحْرُمُ أَنْ يَحْلِفَ مُعْسِرٌ لَا حَقَّ عَلَيْهِ وَبِتَأَوُّلٍ نُصَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَأَلَ عَنْ غَرِيبٍ وَظَنَّ إعْسَارَهُ شَهِدَ. وَإِنْ وَفَّى مَالَهُ بِبَعْضِ دَيْنِهِ لَزِمَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِطَلَبِ غُرَمَائِهِ، وَالْأَصَحُّ: أَوْ بَعْضِهِمْ.
وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ زَادَ دَيْنُهُ عَلَى الْمَالِ وَقِيلَ: أَوْ هُوَ مِنْ الْحَاكِمِ. وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ نَافِذٌ، نُصَّ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ إنْ أَضَرَّ بِغَرِيمِهِ، ذَكَرَهُ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ. وَقِيلَ: لَا يَنْفُذُ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَاخْتَارَهُ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا1 رِوَايَةً. وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَيَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: الشَّيْءُ الْيَسِيرُ، وَقَضَاءُ دَيْنِهِ أَوْجَبُ عَلَيْهِ.
وَعَنْهُ: لَهُ مَنْعُ ابْنِهِ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ بِمَا يَضُرُّهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ تصدق
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"أَحَدُهُمَا" يَكُونُ لِزَيْدٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ، وَيَحْلِفُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ مُضَارَبَةً قَبْلَ قَوْلِهِ بِيَمِينِهِ إنْ صَدَّقَهُ زَيْدٌ أَوْ كَانَ غَائِبًا.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يَكُونُ لَهُ، وَهُوَ قَوِيٌّ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُرْجَعَ فِي ذلك إلى القرائن خوفا من التهمة.
1 بعدها في "ط": "في أفراد من الفتاوى"
2 6/584.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 13/344.
وَأَبَوَاهُ فَقِيرَانِ: رُدَّ عَلَيْهِمَا، إلَّا لِمَنْ دُونَهُمَا، لِلْخَبَرِ1، وَلَا يَصِحُّ بَعْدَهُ، نُصَّ عَلَيْهِ، إلَّا فِي ذِمَّتِهِ، وَعَنْهُ: وَعِتْقٌ كَتَدْبِيرٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَصَدَقَةٌ بِيَسِيرٍ. وَإِنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ، وَنَقَلَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ إنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ طَلَبِ رَبِّ الْعَيْنِ لَهَا جَازَ، لَا بَعْدَهُ.
وَإِنْ بَاعَ مَالَهُ لِغَرِيمٍ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَوَجْهَانِ "م 3". وَمِنْ دَيْنِهِ ثَمَنُ مَبِيعٍ وَجَدَهُ وَلَوْ هَزَلَ، وَقِيلَ: وَنَسِيَ صَنْعَةً وَقِيلَ: أَوْ صَارَ الْحَبُّ زَرْعًا وَعَكْسُهُ، أَوْ النَّوَى شَجَرًا، وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ حَجْرِهِ جَاهِلًا بِهِ، وَقِيلَ: أَوْ عَالِمًا، فَلَهُ أَخْذُهُ بحقه، لتعيينه كَوَدِيعَةٍ، وَقِيلَ: بِحَاكِمٍ، بِنَاءً عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ: وَإِنْ بَاعَ مَالَهُ لِغَرِيمٍ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَوَجْهَانِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ بَاعَ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ أَوْ بَعْضِهِمْ بِكُلِّ الدَّيْنِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" لَا يَصِحُّ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ، وَلِلْجَهْلِ بِالثَّمَنِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يَصِحُّ بَيْعُ ذَلِكَ، لِرِضَاهُمَا بِهِ "قُلْت": يَتَوَجَّهُ الصِّحَّةُ إنْ عُلِمَ الدين، وإلا فلا.
1 هو قوله صلى الله عليه وسلم: "وابدأ بمن تعول" أخرجه البخاري "1426" ومسلم "1034""95" من حديث أبي هريرة.
مُتَرَاخِيًا، وَقِيلَ: فَوْرًا.
وَفِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ: وَعَلَى الْأَصَحِّ أَوْ مَاتَ الْبَائِعُ وَلَوْ مَعَ بَذْلِ غَرِيمٍ ثَمَنَهُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ الْمُفْلِسُ: إنَّمَا لَك ثَمَنُهُ فَأَنَا أَبِيعُهُ وَأُعْطِيك، فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِهِ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ.
وَإِنْ مَاتَ الْمُفْلِسُ، أَوْ بَرِئَ مِنْ بَعْضِ ثَمَنِهِ، أَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ بَعْضِهِ بِتَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَعَنْهُ: وَلَوْ أَنَّهُ عَيْنَانِ، أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ شُفْعَةٍ، فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: مَعَ طَلَبِهِ، أَوْ جِنَايَةٌ أَوْ رَهْنٌ، أَوْ تَغَيَّرَ بِمَا يُزِيلُ اسْمَهُ، أَوْ خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ، أَوْ وَطِئَ الْبِكْرَ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَقِيلَ: أَوْ الثَّيِّبَ، أَوْ صَبَغَهُ، أَوْ قَصَّرَهُ، فِي وَجْهٍ فِيهِمَا، كَنَقْصِهِ بِهِمَا، فِي الْأَصَحِّ، فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.
وَفِي الْمُوجَزِ: إنْ أَحْدَثَ صَنْعَةً كَنَسْجِ غَزْلٍ وَعَمَلِ الدُّهْنِ صَابُونًا فَرِوَايَتَانِ.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَفِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَأْخُذُهُ، وَعَنْهُ: بَلَى، قَالَ: وَيُشَارِكُهُ الْمُفْلِسُ فِي الزِّيَادَةِ.. وَلَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى مِلْكِهِ، "1فَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ، وَقِيلَ: بَلَى إنْ رَجَعَ بِفَسْخٍ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا1"، فَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا، فَقِيلَ: الْبَائِعُ الْأَوَّلُ، لِسَبْقِهِ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ "م 4 وَ 5" وَيَأْخُذُهُ بزيادة منفصلة ومتصلة، نص عليه. وقال جَمَاعَةٌ: الْمُنْفَصِلَةُ لِلْمُفْلِسِ، وَالْمُتَّصِلَةُ تُمْنَعُ. وَفِي الْإِرْشَادِ2 وَالْمُوجَزِ: تُمْنَعُ مُتَّصِلَةً، وَفِي مُنْفَصِلَةٍ رِوَايَتَانِ، وَهُمَا فِي التَّبْصِرَةِ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى يُمْنَعُ الولد الرجوع في "3ولد، و3"
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مسألة 4 و 5" قوله: وَلَوْ4 أَفْلَسَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى مِلْكِهِ، فَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ، وَقِيلَ: بَلَى إنْ رَجَعَ بِفَسْخٍ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا، فَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَقِيلَ: الْبَائِعُ الْأَوَّلُ، لِسَبْقِهِ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ، انْتَهَى. ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ.
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 4" إذَا أَفْلَسَ بَعْدَ رُجُوعِ السِّلْعَةِ إلَى مِلْكِهِ، فَهَلْ لَهُ بِهَا الرُّجُوعُ أَمْ لَا؟ أَوْ يَرْجِعُ إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِفَسْخٍ وَإِلَّا فَلَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ6 وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيِّ، وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ فِي الْكَافِي7 وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا" لَهُ الرُّجُوعُ. قَالَ الناظم:
عاد الرجوع على القوي،
1 ليست في "ط".
2 ص 261.
3 ليست في "ب" و "ط".
4 في النسخ الخطية و "ط""إن"، والمثيت من "الفروع".
5 6/563.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 13/274.
7 3/240.
إنْ كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَكَذَا عِنْدَ الرجوع فوجهان "م 6 و 7" والأصح:
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هُوَ كَعَوْدِ الْمَوْهُوبِ إلَى الِابْنِ بَعْدَ زَوَالِهِ هَلْ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. "قُلْت": الصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ" لَهُ الرُّجُوعُ إنْ عَادَتْ السِّلْعَةُ إلَيْهِ بِفَسْخٍ، كَالْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَبَيْعٍ1 وَهِبَةٍ وَإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَرْجِعْ، وَهُوَ قَوِيٌّ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 5" إذَا قُلْنَا لَهُ الرُّجُوعُ فَاشْتَرَاهَا ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهَا الْبَائِعُ الْأَوَّلُ لِسَبْقِهِ أَوْ يُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ الثَّانِي؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ.
"أَحَدُهُمَا" يَخْتَصُّ بِهَا الْبَائِعُ الْأَوَّلُ لِسَبْقِهِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ. "قُلْت": وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا الْبَائِعُ الثَّانِي وَيَكُونَ الْقَوْلُ بِالرُّجُوحِ مَخْصُوصًا بِغَيْرِ الْبَيْعِ..
"مَسْأَلَةٌ 6 وَ 7" قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَكَذَا عِنْدَ الرُّجُوعِ فَوَجْهَانِ. انْتَهَى، شَمِلَ مَسْأَلَتَيْنِ.
"مَسْأَلَةٌ 6" مَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ.
"وَمَسْأَلَةٌ 7" مَا إذَا حَدَثَ حَمْلٌ وَوُجِدَ عِنْدَ الرُّجُوعِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَبْنَى الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَالْمُنْفَصِلَةَ لَا تَمْنَعُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَلْحَقُ الْحَمْلُ بِالْمُتَّصِلَةِ أَوْ الْمُنْفَصِلَةِ؟ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ، فَمَنْ أَلْحَقَهُ بِالْمُتَّصِلَةِ مَنَعَ الرُّجُوعَ وَمَنْ أَلْحَقَهُ بِالْمُنْفَصِلَةِ لَمْ يَمْنَعْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ مُنْفَصِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ إذَا كَانَتْ حائلا عند البيع
1 في النسخ الخطية: "وبيع".
لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَلْعِ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ، فيضمن غريم نقصا حصل به، ويسوي
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ، لَا أَنَّهَا تَكُونُ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ مُتَّصِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعِ لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ، كَالسِّمَنِ، وَإِنْ كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْبَيْعِ مُنْفَصِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ فَوَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ: وَالْحَمْلُ كَالسِّمَنِ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ فَوَجْهَانِ.
وَقَالَ فِي الْكُبْرَى وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ فَوَجْهَانِ، وَمَعَ الرُّجُوعِ لَا أَرْشَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ فَهُوَ كَالسِّمَنِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الرُّجُوعِ كَمَا يَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ، انْتَهَى. وَقَطَعَ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَهِيَ حَامِلٌ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَكَذَا قَطَعَ: لَوْ كَانَتْ حَامِلًا حِينَ الْبَيْعِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ. وَقَالَ الشيخ الموفق والشارح: لَوْ اشْتَرَاهَا حَامِلًا وَأَفْلَسَ وَهِيَ حَامِلٌ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ قَدْ زَادَ بِكِبَرٍ وَكَثُرَتْ قِيمَتُهَا بِسَبَبِهِ فَيَكُونُ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ، وَإِنْ أَفْلَسَ بَعْدَ وَضْعِهَا فَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِمَا بِكُلِّ حَالٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. قَالَ الشَّيْخُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّا إنْ قُلْنَا لَا حُكْمَ لِلْحَمْلِ فَهُوَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا لَهُ حُكْمٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ وَالْأُمُّ قَدْ زَادَا بِالْوَضْعِ فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَزِيدَا جَازَ الرُّجُوعُ فِيهِمَا، وَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ تَلِفَ بَعْضُ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْبَيْعِ حَائِلًا وَحَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ وَزَادَتْ قِيمَتُهَا فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَإِنْ أَفْلَسَ بَعْدَ الْوَضْعِ فَزِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَإِنْ وَجَدَهَا حَامِلًا انْبَنَى عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ حُكْمٌ فَيَكُونُ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً يُتَرَبَّصُ بِهِ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ لَا حُكْمَ لَهُ فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ مُلَخَّصًا، وَقَدْ اخْتَارَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنَّ الْحَامِلَ فِي الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِ كَأَحَدِ عَيْنَيْنِ، فَنُلَخِّصُ أَنَّ ابْنَ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَنَّ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ جَعَلَ الْحَمْلَ عِنْدَ الرُّجُوعِ كَالسِّمَنِ. وَاخْتَارَ أَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الرُّجُوعِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ: إن الحمل كالسمن، فمرادهم والله أعلم
حَفْرًا، وَإِنْ أَبَى قَلْعَهُ فَلِلْبَائِعِ فِي الْأَصَحِّ أَخْذُهُ وَقَلْعُهُ وَضَمَانُ نَقْصِهِ، وَإِنْ أَبَى فَلَا رُجُوعَ وَيَرْجِعُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي أَرْضٍ، وَهَلْ يُبَاعُ الْغَرْسُ مُفْرَدًا أَوْ الْجَمِيعَ وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ على القيمة؟ فِيهِ وَجْهَانِ "م 8" وَلَوْ كَانَ ثَمَنُهُ مُؤَجَّلًا أخذه عند الأجل، وقيل: في الحال، وَقِيلَ: يُبَاعُ. وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ قَرْضِهِ أَوْ غَيْرَهُ فَكَمَبِيعٍ، وَكَذَا عَيْنًا مُؤَجَّرَةً، وَقِيلَ: وَلَوْ مَضَى بَعْضُ الْمُدَّةِ وَكَذَا مُكْرٍ نَفْسَهُ. وَرُجُوعُ الْبَائِعِ فَسْخٌ لِلْمَبِيعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ وَلَا إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلَوْ رَجَعَ فِيمَنْ أَبَقَ صَحَّ وَصَارَ لَهُ، فَإِنْ قَدَرَ أَخَذَهُ، وَإِنْ تَلِفَ فَمِنْ مَالِهِ وَإِنْ بَانَ تَلَفُهُ حِينَ اسْتَرْجَعَهُ بَطَلَ اسْتِرْجَاعُهُ. وَإِنْ رَجَعَ فِي مَبِيعٍ اشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ قُدِّمَ تَعْيِينُ الْمُفْلِسِ، لِإِنْكَارِهِ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الْبَائِعِ، وَإِنْ مَاتَ بَائِعٌ مَدِينًا فَمُشْتَرٍ أَحَقُّ بِطَعَامٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قبل قبضه، نص عليه.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إذَا تَجَدَّدَ بَعْدَ الْبَيْعِ، سَوَاءٌ بَقِيَ حَمْلًا إلَى الرُّجُوعِ أَوْ لَا، فَشَمِلَ مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ الثَّانِيَةَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَمَوْلُودًا عِنْدَ الرُّجُوعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهِمَا مُطْلَقًا، وَأَنَّ الشَّيْخَ فَصَّلَ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ.
"مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ: وَهَلْ يُبَاعُ الْغَرْسُ مُفْرَدًا أَوْ الْجَمِيعَ وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى الْقِيمَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَظَاهِرُ الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 إطْلَاقُ الْخِلَافِ أَيْضًا.
أَحَدُهُمَا" يُبَاعُ الْجَمِيعُ، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يُبَاعُ الْغِرَاسُ مُفْرَدًا، قَدَّمَهُ في الرعاية الكبرى.
1 6/557.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 13/297.