المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: الطلاق وما يتعلق به وما يشبهه - الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌المقدمة

- ‌أولاً: النكاح وما يتعلق به وما يشبهه

- ‌تمهيد:

- ‌حُكم النِكَاحِ شَرْعُا

- ‌مَكانَة الأُسْرَة في الإسلَام وَرعَايتَهِ لَهَا

- ‌النساء اللاتي يحرم نكاحهن

- ‌حكم تعدد الزوجات والحكمة من مشروعيته

- ‌أركان عقد النكاحوالتعريف بكل ركن، وبيان شروطه

- ‌الصَّدَاقأحكامه ـ المغالاة في المهور

- ‌عقد الزواج وما يترتب عليه

- ‌سنن عقد النكاح:

- ‌ الوليمة

- ‌القسم بين الزوجات وما يتعلق بذلك

- ‌النشوز

- ‌العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاحوالآثار المترتبة على ذلك

- ‌ثانياً: الطلاق وما يتعلق به وما يشبهه

- ‌شروط صحة الطلاق ووقوعه:

- ‌أحكام الرجعة

- ‌مشبهات الطلاق

- ‌أولاً ـ الإيلاء

- ‌ثانياً ـ الظهار:

- ‌ثالثاً ـ اللعان

- ‌العدَّة

- ‌ثالثاً: النفقات وما يتعلق بها

- ‌النفقات

- ‌رَابعاً: الحَصَاَنة وَأَحْكَامُهَا

- ‌الحَضَاَنة:

- ‌خامساً: الرضاع وأحكامه

- ‌الرضاع

- ‌سادساً: ثبوت النسب

- ‌النَّسَبُ

- ‌سَابعًا: أَحْكَامُ اللّقِيط

- ‌اللّقِيطُ

الفصل: ‌ثانيا: الطلاق وما يتعلق به وما يشبهه

‌ثانياً: الطلاق وما يتعلق به وما يشبهه

ص: 117

الطلاق

تعريف الطلاق:

الطلاق في اللغة: الحلّ والانحلال. يقال: أطلقت الأسير: إذا حلَلْتَ إساره، وخلّيت عنه، وأطلقت الناقة من عقالها: أرسلتها ترعى حيث تشاء. ودابة طالق: مُرسلَة بلا قيد.

والطلاق شرعاً: حلّ عقدة النكاح بلفظ الطلاق ونحوه.

دليل مشروعية الطلاق:

والأصل في مشروعية الطلاق: الكتاب، والسنة، والإجماع.

أما الكتاب: فقول الله عز وجل: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

[البقرة: 229] وقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1].

وأما السنّة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ".

[أبو داود: الطلاق، باب: في كراهية الطلاق، رقم: 2178)، وابن ماجه: أول كتاب الطلاق، رقم: 2018].

روى الترمذي (في أبواب الطلاق، باب: ما جاء في الرجل يسأله أبوه أن يطلّق زوجته، رقم: 1189)، وابن ماجه (في الطلاق، باب: الرجل يأمره أبوه بطلاق امرأته، رقم: (2088)، وأبو داود (في الأدب، باب: في برّ الوالدين، رقم: 5138)، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:

ص: 119

كانت تحتي امرأة أحبّها، وكان أبي يكرهها، فأمرني أبي أن أُطلقها، فأبيت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا عبد الله بن عمر، طلِّق امرأتك

أما الإجماع: فقد اتفقت كلمة العلماء على مشروعيته، ولم يخالف منهم أحد.

حكمة مشروعية الطلاق:

الأصل في الزواج هو استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين. وقد شرع الله سبحانه وتعالى أحكاماً كثيرة، وآداباً جمة للزواج، لاستمرار وضمان بقائه، ونمو العلاقة الزوجية بين الزوجين. غير أن هذه الآداب والأحكام قد لا تكون مرعيّة من قبل الزوجين أو احدهما: كأن لا يهتم الزوج بحُسْن الاختيار، أو بأن لا يلتزم الزوجان أو أحدهما آداب العشْرة حتى لا يبقى مجال لإصلاح، ولا وسيلة لتفاهم وتعايش بين الزوجين. فكن لا بدّ ـ والحالة هذه - من تشريع قانون احتياطي، يهرع إليه في مثل هذه الحالة، لحلّ عقدة الزواج على نحو لا تُهدر فيه حقوق أحد الطرفين، ما دامت أسباب التعايش قد باتت معدومة فيما بينهما. وقد قال الله عز وجل:{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً ً} [النساء: 130].

فإن استعلمه الزوج وسيلة أخيرة عند مثل هذه الضرورة فذلك علاج ضروري، لا غِنى عنه، وإن جاء مُرّاً في كثير من الأحيان. وأما إن استعمله لتحقيق رعوناته، وتنفيذ أهوائه، فهو بالنسبة له أبغض الحلال إلى الله عز وجل.

والله تعالى يعلم المُصلح من المفسد، وإليه مرجع هذا وذاك.

شرعة الطلاق من مفاخر الشريعة الإسلامية:

ومن خلال ما ذكرنا يتأكد لنا أن مشروعية الطلاق على النحو الذي

ص: 120

نظمت الشريعة الإسلامية أحكامه ونتائجه، تُعدّ من مفاخر الشريعة الإسلامية، ويُعدّ من أكبر الأدلة على أن أحكام هذه الشريعة متسقة تمام الاتّساق مع الفطرة الإنسانية، والحاجات الطبيعية عند الإنسان.

وقد تجلّت هذه الحقيقة عندما رأينا الأمم المختلفة، وهي تتراجع عمّا كانت تلزم نفسها به من حّرمة الطلاق، واعتبار عقد الزواج سجناً أبدياً، يقرن فيه الزوجان إلى بعضهما، كرها ذلك أو رضيا، وذلك بعد أن رأت هذه الأُمم أن هذا الحظر لا يقدّم للمجتمع إلا أسوأ النتائج، وأخطر مظاهر الإجرام، وبعد أن تنبهت إلى أن اقتران اثنين ببعضهما لا يمكن أن يتم بالإكراه، إلا إذا أُريد أن يكون الإكراه ينبوع تعاسة وشقاء للأُسرة كلها، أو بركان دمار وقتل وفتك.

ولقد اهتمت الشريعة الإسلامية بإيجاد أسباب التفاهم، والوداد والتعايش المستمر بين الزوجين.

ولكنها لم تعالج ذلك بربط جسد كل ِّمنهما بالآخر، وإنما عالجته بالتنبيه والإرشاد إلى الضمانات الإيجابية المختلفة التي تغذي الوداد بينهما، وتشبع أسباب التفاهم، وتطرد من بينهما موجبات المشاكسة والتنافر، ولقد كان من أهم هذه الضمانات التي أرشد إليها توفر الدين الصحيح في الزوجين، وقيام كلّ منهما بالواجبات المنوطة به، والتزام كلّ من الزوجين بالسلوك الأخلاقي السليم، على النحو الذي نظمته شرعة الله عز وجل.

هذه الضمانات هي التي تحمي بيت الزوجية عن أن يتهدم، وهي التي تجعل من شرعة الطلاق قانوناً موضوعاً على الرف، يستنجد به عند الضرورة، أي عندما يقصر أحد الزوجين عن تحقيق الضمانات والآداب التي شرعها الله تعالى حفاظاً على الحياة الزوجية، ورعاية للمودّة والألفة بين الزوجين.

والدليل على هذا الذي نقول: أن حوادث الطلاق لا تكاد ترى لها

ص: 121

وجوداً في البيوت والأُسر الصالحة يتقيد أهلها بأحكام الإسلام وآدابه.

وإنما تبصر، أو تسمع بأكثر هذه الحوادث في الأُسر المتحلِّلة من قيود الإسلام، الخارجة على نُظُمه وآدابه.

أنواع الطلاق:

الطلاق له ثلاث تقسيمات، باعتبارات مختلفة:

فباعتبار وضوح اللفظ في الدلالة عليه، وعدم وضوحه ينقسم إلى: صريح وكناية.

وباعتبار حال الزوجة، من طُهر وحيض، وكبر وصغر، ينقسم إلى:

بدْعي، وسُنّي، وإلى ما لا يوصف بسنّي، ولا بِدعي.

وباعتبار كونه على بدل من المال، وبدون بدل: ينقسم إلى خلع، وطلاق عادي.

فلنشرح كلاًُ من هذه التقسيمات الثلاثة على حدة:

التقسيم الأول: (الصريح، والكناية):

إذا لاحظت الألفاظ التي تستعمل للدلالة على الطلاق وجدت أن هذه الألفاظ:

إما أن تكون ذات دلالة قاطعة على الطلاق، بحيث لا تحتمل غيره، فهذه الألفاظ تسمى: صريحة.

وإما أن تكون قاطعة في دلالتها، بحيث تحتمل غير الطلاق، فهذه الألفاظ تسمى: كناية.

إذاً فالطلاق ينقسم إلى القسمين التاليين: 1 - صريح. 2 - كناية.

1ـ فالطلاق الصريح: هو ما لا يحتمل ظاهر اللفظ إلا الطلاق، وألفاظه

ص: 122

ثلاثة: هي: الطلاق، والسراح، والفراق، وما اشتق من هذه الألفاظ.

كقوله: أنتِ طالق، أو مسرّحة، أو طلّقتك، أو فارقتك، أو سرّحتك.

وإنما كانت هذه الألفاظ صريحة في دلالتها على الطلاق لورودها في الشرع كثيراً، وتكرارها في القرآن الكريم بمعنى الطلاق. قال الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1].

وقال عز وجل: {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب: 28]. وقال سبحانه وتعالى:

{أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2].

ومن الصريح: ترجمة لفظ الطلاق بالعجمية ـ أي غير اللغة العربية ـ لشُهرة استعمال هذه اللغات عند أهلها، كشهوة استعمال العربية عند أهلها.

2ـ والكناية: وهي كل لفظ يحتمل الطلاق وغيره. وألفاظها كثيرة: كقوله:

ـ أنت خلية: أي خالية مني.

ـ أنت بريّة: أي منفصلة عني.

ـ أنت بتّة: أي مقطوعة الوصلة عني.

ـ الحقي بأهلك.

ـ اذهبي حيث شئت.

ـ اعزُبي: أي تباعدي عني.

ـ اغرُبي: أي صيري غريبة عني.

ـ حبلك على غاربك: أي خلّيت سبيلك، كما يخلّى البعير.

والغارب: ما تقدم من الظهر، وارتفع من العنق.

ـ أنت عليَّ حرام.

فكلّ هذه الألفاظ ـ وغيرها كثير ـ تعتبر كناية في دلالتها على الطلاق، لاحتمالها الطلاق وغيره.

ص: 123

دليل استعمال ألفاظ الكناية في الطلاق:

ودليل استعمال ألفاظ الكناية في الطلاق:

ما رواه البخاري (في الطلاق، باب: من طلّق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، رقم: 4955) عن عائشة، رضي الله عنهما أن ابنه الجون، لما أُدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال:" لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك ".

حكمُ كلّ من ألفاظ الصريح والكناية:

إذا عرفت ما ذكر، فاعلم أن الطلاق بالألفاظ الصريحة يقع، سواء توفرت فيه نيّه الطلاق أم لا. لأن صراحة اللفظ، وقطعية دلالته على المعنى، يغنيان عن اشتراط النيّة، عند التلفظ به.

أما ألفاظ الكناية ـ ولو اشتهرت على ألسنة الناس في الطلاق: كعليّ الحرام، وأنت عليّ حرام، فلا يقع الطلاق بها إلا إذا قصد بها الزوج الطلاق.

فإذا قصد بها شيئاً آخر غير الطلاق، أو لم يقصد بها شيئاً، لم يقع بها شيء.

ودليل ذلك ما رواه البخاري (في المغازي، باب: حديث كعب بن مالك رضي الله عنه

رقم: 4156) ومسلم (في التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم: 2769) في توبة كعب بن مالك رضي الله عنه حينما تخلّف عن غزوة تبوك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعتزل امرأته، فقال أُطلقها، أم ماذا؟ قال: بل اعتزلها، فلا تقربنّها، قال: فقلت لامرأتي: الحق بأهلك.

فلما نزلت توبته رجعت زوجته إليه، ولم يؤمر بأن يعقد عليها من جديد. فدلّ ذلك على أن (الحقي بأهلك) لا يقع به الطلاق إلا بالنيّة

ص: 124

وحيث إن كعباً رضي الله عنه لم ينو به الطلاق، فإنه لم يقع به شيء، ورجعت زوجته إليه.

التقسيم الثاني (السنّي البدعي ،غيرهما):

المرأة التي يقع عليها الطلاق لا تخلو من واحد من أحوال ثلاثة:

الحالة الأولى: أن تكون المرأة طاهرة عن الحيض والنفاس، ولم يقربها زوجها في ذلك الطهر بعد.

الحالة الثانية: أن تكون متلبسة ـ بعد دخول الزوج بها ـ بحيض أو نفاس، أو تكون في طُهر جامعها فيه زوجها.

الحالة الثالثة: أن تكون صغيرة لم تَحِضْ بعد، أو آيسة تجاوزت سن المحيض، أو حاملاً ظهر حملها، أو غير مدخول بها بعد، أو طالبة للخلع.

فإن وقع الطلاق في الحالة الأولى، سمي:(طلاقاً سنّياً).

وإن وقع في الحالة الثانية سمي: (طلاقاً بدعياً).

وإن وقع في الحالة الثالثة لم يكن: (سنياً، ولا بدعياً).

فأقسام الطلاق بهذا الاعتبار إذاً ثلاثة:

1ـ طلاق سني.

2ـ طلاق بدعي.

3ـ طلاق لا يوصف بسنّي، ولا بدعي.

حكم كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة:

1ـ الطلاق السني: إن الطلاق السني جائز وواقع، وهو الشكل المطابق للتعاليم الشرعية في كيفية الطلاق، إذا كان الزواج، ولابدّ مطلقاً، سواء أوْقَع الزوج طلقة واحدة، أم أوقع ثلاث طلقات مجتمعات.

ولكن يسنّ أن يقتصر على طلقة، أو طلقتين في الطهر الواحد كي يتمكن من إرجاعها إذا ندم.

ص: 125

ودليل الطلاق السني: قوله عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}

[الطلاق: 1]. أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدّة، وهو الطهر، إذ زمن الحيض لا يحسب من العدة.

2ـ الطلاق البدعي: إن الطلاق البدعي محرم، ولكنه واقع، ويلزم وقوعه الإثم، لمخالفته للصورة المشروعة للطلاق التي وردت في قوله تعالى:{إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]

ويسنّ له الرجعة، فقد روي البخاري (في أول كتاب الطلاق، رقم 4953)، ومسلم

(في الطلاق، باب: تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، رقم: 1471) عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلّق امرأته، هي حائض، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مُرْهُ فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلّق قبل يمسّ، فتلك العدّة التي أمر اله أن تطلقّ لها النساء ". أي بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي لاستقبال عدّتهن.

والمعنى: ليتركها بعد الرجعة حتى تطهر، وعندئذ يوقع طلقة واحدة إذا شاء، فإذا حاضت ثم طهرت أوقع طلقه أُخرى إذا شاء، فإذا طهرت للمرة الثالثة فلينظر: إن شاء أمسكها بعد الرجعة، وإن شاء أوقع طلقة ثالثة، وتكون قد بانت بذلك منه.

سبب تحريم الطلاق البدعي:

وسبب تحريم الطلاق البدعي ما يستلزمه من الإضرار بالمرأة، إذ يطول بذلك أجل عدّتها، لأن حيضتها لا تحسب من العدّة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار ".

ص: 126

أخرجه مالك في الموطأ (الأقضية، باب: القضاء في المرفق، رقم: 2/ 745)، وابن ماجه في سننه (الأحكام، باب: مَن بني في حقه ما يضرّ بجاره، رقم: 188، 2340، 2341).

أما حرمة الطلاق في طهر جامع زوجته فيه: فلاحتمال الحمل فيه، وهو لا يرغب في تطليق الحامل، فيكون في ذلك الندم.

3ـ الطلاق الذي لا يوصف بسنّة ولا بدعة: إن الطلاق الذي لا يوصف بسنّة ولا بدعة جائز، وواقع، وليس حراماً، إذ لا ضرر يلحق الزوجة بسببه، إذ الصغيرة والآيسة تعتدّان بالأشهر، فلا يلحقهما ضرر إطالة العدّة، وكذلك الحامل، فإن عدّتها على كل حال بوضع الحمل، وكذلك طالبة الخلع، لأن افتدائها نفسها من الزوج بالمال دليل على حاجتها إلى الخلاص منه، ورضاها بطول التربص.

التقسيم الثالث: (الطلاق العادي والخلع).

1ـ الطلاق العادي: وهو الطلاق الذي يقع برغبة من الزوج، وهذا الطلاق ينطبق عليه الأحكام التي ذكرناها قبل.

2ـ الخلع: وهو الطلاق الذي يقع برغبة من الزوجة وإصرار منها على ذلك، وقد شرع لذلك سبيل الخلع، وهو أن تفتدي نفسها من زوجها بشئ يتفقان عليه من مهرها تعطيه إياه.

فالخلع إذا قسم من الطلاق: وهو كل فُرْقةٍ جرت على عوض تدفعه الزوجة للزوج.

دليل مشروعية الخلع:

ويستدل لمشروعية الخلع: بالكتاب، والسنّة.

أما الكتاب: فقول الله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} البقرة: 229].

ص: 127

وأما السنّة: فما رواه البخاري (في الطلاق، باب: الخلع وكيف الطلاق، رقم: 4971) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة ثابت بن قس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أتردّين عليه حديقته " قالت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة ".

[لا أعتب عليه: لا أعيب عليه. أكره الكفر في الإسلام: أكره جحود حقوق الزوج وأنا مسلمة]

أحكام الخلع:

للخلع أحكام نلخصها فيما يلي:

1ـ الخلع جائز، ولا يقع إلا بعوَض مالي تفرضه الزوجة للزوج. ثم إن كان العَوَض في الخلع معلوماً مذكوراً في الخلع وجب ذلك العَوَض المعلَوم، وإن لم يكن مذكوراً على وجه التحديد صحّ الخلع، ووجب مهر المثل للزوج.

أما إن استعمل الزوج لفظ الخلع، ولم ينص علي عوَض، ولم يخطر بباله العوض أيضاَ، فهو طلاق عاديّ جرى بلفظ الخلع كناية. أي فهو كنايات الطلاق، ويقع به الطلاق رجعياً.

2ـ لا يقع الخلع من غير الزوجة الرشيدة، لأن غير الرشيدة لا تتمتع بأهلية الالتزام، فلا تملك التصرّف، فإن خالعها الزوج وقع طلاقاً رجعياً عادياً، ولا يثبت له به شيء من مهرها.

3ـ إذا خالع الرجل امرأته، ملكت المرأة بذلك أمر نفسها، ولم يبق للزوج عليها من سلطان، فلا رجعة له عليها أثناء العدّة، كما هو الشأن ف الطلاق العادي، لأن الخلع طلاق بائن، إنما السبيل إلى ذلك عقد جديد تملك فيه المرأة كامل اختيارها، وبمهر جديد أيضاً.

ص: 128

4ـ لا يلحق المرأة المُخالعة أي طلاق، أو ظهار، أو إيلاء ـ أثناء العدّة ـ من زوجها الذي خالعها، أي لا أثر لشيء من ذلك عليها، لأنها أصبحت بالخلع أجنبية عن الزوج، فلا يسرى إليها تطليق، ولا ظهار، ولا إيلاء. بخلاف المطلّقة طلاقاً عادياً رجعياً، فإن الزوج يملك أن يطلّقها طاقة ثانية، أو يظاهر منها أثناء العدة، ويسري أثر ذلك عليها.

5ـ يجوز أن يُخالع الرجل زوجته في الحيض والطهر الذي جامعها فيه، ما دامت رشيدة. ذلك لأنها لا تتضرر بذلك، إذ الخلع إنما هو تحقيق لرغبتها في التخلّص من الزوج، فلا يرِد فيه ما يمكن إيراده على الطلاق العادي الذي يكون برغبة من الزوج، من الإضرار بالزوجة.

ما يملكه الزوج من الطلقات:

من المعلوم أن الطلاق حقُ للزوج في الأصل. ودليل ذلك قول الله عز وجل:

{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237]. والذي بيده عقدة النكاح إنما هو الزوج.

غير أن الزوجة أيضاً تصبح صاحبة حق في ذلك، في حالات خاصة، من أهمها:

ـ أن ينالها ضرر من الزوج.

ـ أن يقصر في أداء شيء من حقوقها، ثم تعذّر إصلاح الأمر بينهما. فعندئذ يُوقع عنها القاضي طلقة بناءً على رغبتها.

بعد هذا نقول:

كَم هي الطلقات التي يملكها الزوج، ما دام هو صاحب هذا الحق في الأصل؟

لقد أجاب القرآن على ذلك، وقرر عدد الطلقات التي يملكها الزوج: قال الله عز وجل:

{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ

ص: 129