المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدَّة تعريف العدة: العدّة ـ لغة ـ اسم مصدر عدّ يعدّ، أما - الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌المقدمة

- ‌أولاً: النكاح وما يتعلق به وما يشبهه

- ‌تمهيد:

- ‌حُكم النِكَاحِ شَرْعُا

- ‌مَكانَة الأُسْرَة في الإسلَام وَرعَايتَهِ لَهَا

- ‌النساء اللاتي يحرم نكاحهن

- ‌حكم تعدد الزوجات والحكمة من مشروعيته

- ‌أركان عقد النكاحوالتعريف بكل ركن، وبيان شروطه

- ‌الصَّدَاقأحكامه ـ المغالاة في المهور

- ‌عقد الزواج وما يترتب عليه

- ‌سنن عقد النكاح:

- ‌ الوليمة

- ‌القسم بين الزوجات وما يتعلق بذلك

- ‌النشوز

- ‌العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاحوالآثار المترتبة على ذلك

- ‌ثانياً: الطلاق وما يتعلق به وما يشبهه

- ‌شروط صحة الطلاق ووقوعه:

- ‌أحكام الرجعة

- ‌مشبهات الطلاق

- ‌أولاً ـ الإيلاء

- ‌ثانياً ـ الظهار:

- ‌ثالثاً ـ اللعان

- ‌العدَّة

- ‌ثالثاً: النفقات وما يتعلق بها

- ‌النفقات

- ‌رَابعاً: الحَصَاَنة وَأَحْكَامُهَا

- ‌الحَضَاَنة:

- ‌خامساً: الرضاع وأحكامه

- ‌الرضاع

- ‌سادساً: ثبوت النسب

- ‌النَّسَبُ

- ‌سَابعًا: أَحْكَامُ اللّقِيط

- ‌اللّقِيطُ

الفصل: ‌ ‌العدَّة تعريف العدة: العدّة ـ لغة ـ اسم مصدر عدّ يعدّ، أما

‌العدَّة

تعريف العدة:

العدّة ـ لغة ـ اسم مصدر عدّ يعدّ، أما المصدر: فهو (عدّ) والعدّة: مأخوذة من العدد، لاشتمالها عليه، من الأقراء، والأشهر.

والعدة اصطلاحاً: اسم لمدة معينة تتربصها المرأة، تعبداً لله عز وجل، أو تفجعاً على زوج، أو تأكداّ من براءة الرحم.

دليل مشروعية العدة:

لقد ثبتت مشروعية العدّة بعدد من آيات القرآن الكريم، وبكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وانعقد إجماع الأمة على مشروعيتها.

وسيأتي ـ أثناء البحث ـ الكثير من أدلة الكتاب والسنّة التي تفصل أحكام العدّة وتبيِّنها، وتدل على مشروعيتها.

الحكمة من مشروعية العدة:

ـ أما المتوفى عنها زوجها، فقد شرعت العدة في حقها، للمعاني التالية:

أولاً: للوفاء بحق زوجها الراحل، فإن ما قد فرضه الله عليها من التقدير والوفاء وحُسن المعاملة له، لا يتناسب مع إعراضها عنه بمجرد وفاته، ورحيله عنها.

ثانياً: للتعويض عن العُرْف الجاهلي، الذي كان يفرض على الزوجة

ص: 157

إذا مات زوجها أن تحبس نفسها في وكر مظلم عاماً كاملاً، وأن تضمخ نفسها خلال ذلك بالسواد، وتلبس البشع المستقذر من ثيابها.

ذلك لأن القضاء على عادة متطرفة في المجتمع، لا يتم إلا إذا ملىء مكان تلك العادة بمبدأ معتدل سليم، يحقّق محاسن العادة الأولى دون أن يجرّ على الناس شيئاً من مساوئها.

ـ وأما المفارقة بفسخ أو طلاق:

فإن كانت الزوجة من ذوات الحيض، أو كانت حاملاً: فإن الحكمة من وجوب العدّة في حقها: ضبط الأنساب، وحفظ المسؤوليات، والتأكد من براءة الرحم، والأمر في ذلك واضح.

أما إن كانت الزوجة صغيرة، أو آيسة لا تحيض، فالحكمة من وجوب العدّة عليها تظهر فيما يلي.

1ـ المعنى التعبدي، الذي يتضمن الانصياع لأمر الله عز وجل، وهذا في الحقيقة معنى جدير بالوقوف عنده، وهو يتناول العدّة بكل أنواعها.

2ـ تفخيم أمر النكاح، وإعطاؤه الأهمية الشرعية التي تناسبه. وواضح أنه لا يتناسب مع شيء من هذا التفخيم والأهمية أن تتحول الزوجة في اليوم التالي من فراقها إلى زوج آخر، وإن كانت صغيرة، أو آيسة مقطوعاً ببراءة رحمها من الحمل من زوجها. إن هذه السرعة في التنقل تُذيب أهمية النكاح، وهيبته أمام الأنظار، وتثير في النفس والخيال شأن السفاح وصورته، وكيف تنتقل البغي من شخص إلى آخر دون أي انتظار

3ـ مزيد من الحيطة للتأكد من براءة الرحم، إذ لا يؤمن عدم وقوع أحوال ووقائع شاذة عن القانون والعُرْف الطبيعي، بين كل حين وآخر من الزمن.

ص: 158

أنواع العدّة:

تنقسم العدّة التي تلزم بها المرأة إلى قسمين:

1ـ عدة وفاة.

2ـ وعدة فراق.

أولاً: عدّة الوفاة:

أما عدّة الوفاة، فهي التي تجب على من مات عنها زوجها:

أـ فإن كانت حاملاً منه أثناء الوفاة فعدّتها تنتهي بوضع الحمل، طالت المدة أو قصرت.

ب ـ وإن كانت المرأة غير حامل، أو كانت حاملاً بحمل لا يمكن أن يكون من زوجها المتوفى عنها، كأن يكون زوجها غير بالغ، أو ثبت غيابه عنها منذ أكثر من أربع سنوات، فعدّتها تنتهي بنهاية أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء دخل بها الزوج، أو لم يدخل.

دليل ذلك:

والدليل على ما ذكر قول الله عز وجل: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. وقوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 234].

[يتربصن: ينتظرن. بلغن أجلهنّ: انقضت عدّتهنّ ومدّتهنّ المذكورة. فلا جناح: لا خرج ولا إثم. فيما فعلن في أنفسهنّ: أي من التزين، والتعرّض للخطاب، وللزواج. بالمعروف: بالوجه الذي يقرّه الشرع، ولا ينكره].

فالآية الثانية من الآيتين عامّة تشمل المرأة الحامل وغيرها، أما الأولى منهما فقد أخرجت من ذلك العموم النساء الحوامل، وجعلت لهنّ

ص: 159

حكماً خاصاً بهنّ، فكان هذا هو دليل التفريق بين عدّة المرأة التي توفي عنها زوجها وهي حامل منه، وبين عدّة المرأة التي توفي عنها زوجها وهي غير حامل.

والدليل من السنة أن الحامل تنتهي عدّتها بوضع الحمل: ما رواه البخاري (الطلاق، باب: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ

. }، رقم: 5014) عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه: أن سُبيْعة الأسلمية رضي الله عنها نُفسَتْ بعد وفاة زوجها بليال، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه أن تنكح، فأذن لها، فنكحت. [نفست: ولدت].

ثانياً: عدة الفراق:

وأما عدّة الفراق فهي التي تجب على المرأة التي فارقت زوجها، بفسخ أو طلاق، بعد وطئها:

أـ فإن كانت حاملاً فعدّتها تنتهي بوضع الحمل. ودليل ذلك عموم قول الله عز وجل:

{وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].

ب ـ وإن كانت حامل، وهي من ذوات الحيض، فعدّتها بمرور ثلاثة أطهار من بعد الفراق.

ودليل ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة: 228]

ج ـ وإن كانت لا ترى حيضاً: بأن كانت صغيرة، أو آيسة، أي متجاوزة سن الحيض ذلك قول الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن

ص: 160

نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4].

[واللائي لم يحضن: الصغيرات، فعدّتُهنّ أيضاً ثلاثة أشهر. إن ارتبتم: شككتم في حكمهنّ، ولم تعرفوا كيف يعتدن].

المطلّقة قبل الدخول بها:

أما المرأة التي فارقها زوجها بفسخ، أو طلاق، قبل الدخول بها، فلا يجب عليها أن تلتزم بأيّ عدّة.

ودليل ذلك قول الله عز وجل ّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب: 49].

أحكام العدة وما تفرضه من التزامات:

هناك أحكام والتزامات تفرضها العدّة، وسنبيّنها فيما يلي:

أولاً عدّة الطلاق:

إذا كانت المرأة معتدّة من زوجها عدّة طلاق، فإما أن يكون طلاقها: رجعياً، أو بائناً

الأول: فإن كانت معتدّة من طلاق رجعي ترتب على عدّتها الأحكام التالية:

أـ وجوب المسكن لها مع الزوج، والأفضل أن يكون مسكن طلاقها، إن كان لائقاً بها، ولم يمنع منه مانع شرعي، ونحوه.

ب ـ وجوب النفقة لها بسائر أصنافها: من مؤنة، وكسوة، وغير ذلك، سواء كانت حاملاً، أو حائلاً، وذلك لبقاء سلطان الزوج عليها، وانحباسها تحت حكمه، حيث يمكنه أن يرجعها ما دامت في العدّة.

ج ـ يجب عليها ملازمة مسكنها، فلا تفارقه إلا لضرورة. ودليل هذه

ص: 161

الأحكام الثلاثة قول الله عز وجل: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وقال الله تعالى:

{َا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1].

د ـ يحرّم عليها التعرّض لخطبة الرجال، إذ هي لا تزال حبيسة على زوجها، وهو الأحقّ والأولى من سائر الرجال. قال الله عز وجل:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلَاحاً} [البقرة: 228].

الثاني:

إن كانت معتدّة بفراق بائن، وهي عندئذ: إما أن تكون حاملاً، وإما أن تكون حائلاً، أي غير حامل:

فإن كانت حاملاً: ترتب على ذلك الأحكام التالية:

أـ وجوب المسكن لها على الزوج، ودليل ذلك قوله تعالى في الآية السابقة:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1]. والآية هذه عامّة في المطلّقة الرجعية والبائنة.

ب - النفقة بأنواعها المختلفة، ودليل ذلك قول الله تعالى:{وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6)

ج - ملازمة البيت الذي تعتدّ فيه، فلا تخرج منه إلا لحاجة، كأن تحتاج إلى طعام ونحوه، أو تحتاج إلى بيع متاع لها تتكسب منه، وليس ثمة مَن يقوم مقامها في ذلك، أو كانت موظفة في عمل، ولا يسمح لها بالبقاء في بيتها مدة عدّتها، أو كانت تضطر - إزالة لوحشتها - أن تسمر عند جارة لها، فلا يحرم خروجها من بيتها لمثل ذلك.

ص: 162

أما دليل المنع من الخروج لغير حاجة، فقول الله تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1)

أما دليل جواز الخروج للحاجة: فما رواه مسلم (الطلاق، باب: جواز خروج المعتدّة البائن .. لحاجتها، رقم: 1483) عن جابر رضي الله عنه قال: طلّقت خالتي، فأرادت أن تجُدَّ نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي رضي الله عنه فقال:" بلى اخرجي، فجُدّي نخلك، فإنك عسى أن تَصَدَّقَي، أو تفعلي معروفاً ".

وإن كانت حائلاً: ترتب كل ما ذكر في الفقرة السابقة، إلا النفقة بأنواعها المختلفة من مؤنة، وملبس، وغير ذلك. فلا تثبت لها، وإنما يجب لها المسكن، وتجب عليها ملازمته.

ودليل ذلك: ما رواه أبو داود (الطلاق، باب: في نفقة المبتوتة، رقم: (229) في قصة فاطمة بنت قيس، حين طلّقها زوجها تطليقة كانت بقيت لها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: " لا نفقة لك إلا أن تكوي حاملاً

ثانياً: عدّة الوفاة:

وإن كانت المرأة معتدّة من وفاة، وجبت في حقّها الأحكام التالية:

أـ الإحداد على الزوج: بأن تمتنع عن مظاهر الزينة والطيب، فلا تلبس ثياباً ذات ألوان زاهية، ولا تكتحل، ولا تستعمل شيئاً من الأصباغ، ولا تتزين بشيء من الحلي: ذهباً أو فضة، أو غيرهما، فإن فعلت شيئاً من ذلك فهي آثمة.

ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحدّ على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ".

رواه البخاري (الطلاق، باب: تحدُ المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً، رقم: 5024)، ومسلم (الطلاق، باب: وجوب الإحداد

ص: 163

في عدّة الوفاة رقم: 1486ـ 1489) عن أُم حبيبة رضي الله عنها.

دلّ هذا الحديث على حرمة إحداد المرأة على غير الزوج، ووجوبها على الزوج أربعة أشهر وعشرة أيام. ورخّص صلى الله عليه وسلم في إظهار الحزن، وأمر بالتعزية خلال ثلاثة أيام فقط، لأن النفوس لا تستطيع فيها الصبر، وإخفاء الحزن.

وروى البخاري (الحيض، باب: الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض، رقم 307) ومسلم (الجنائز، باب: نهي النساء عن اتباع الجنائز، رقم: 938) عن أُم عطية الأنصارية، رضي الله عنها قالت: كنا نُنهى أن نحدّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا نكتحل، ولا نتطيب، ولا نلبس ثوباً مصبوغاً، إلا ثوب عَصْب، وقد رخص لنا عند الطهر، إذا اغتسلت إحدانا من محيضها، في نُبْذة من كست أظفار، وكنا ننهى عن اتّباع الجنائز.

[ثوباً مصبوغاً: مما يعدّ لبسه زينة في العادة. ثوب عَصْب: نوع من الثياب، تشدّ خيوطها، وتصبغ قبل نسجها. نبذة: قطعة صغيرة كُسْت أظفار: نوع من الطيب].

ب ـ يجب عليها ملازمة بيتها الذي تعتدّ فيه، فلا تخرج إلا لحاجة، كالتي ذكرناها بالنسبة للمعتدّة من الطلاق.

روى الترمذي (الطلاق، باب: أين تعتدّ المتوفى عنها زوجها، رقم: 1204) وأبو داود (الطلاق، باب: في المتوفى عنها تنتقل، رقم: 2300) وغيرهما، عن زينب بنت كعب بن عجرة: أن الفُريْعة بنت مالك بن سنان ـ وهي أُخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أخبرتها أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرة، وأن زوجها خرج في طلب أعبد له أبَقُوا، حتى إذا كان بطوف القدوم لحقهم، فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى

ص: 164

أهلي، فإن زوجي لم يترك لي مسكناً يملكه، ولا نفقة. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم ". قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة (أو في المسجد) ناداني رسول الله ـ أو أمر بي فنوديت له ـ فقال: زوجني. قال: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً.

قالت: فلما كان عثمان رضي الله عنه، أرسل إلي فسألنيّ عن ذلك، فأخبرته، فاتبعه وقضى به.

أما ما يتصوره كثير من العوّام من أنه لا يجوز للمعتدّة أن تكلم أحداً، وأن أحداً من الناس لا يجوز أن يسمع صوتها، فلا أصل له، وإنما حكمه أثناء العدة وخارج العدة سواء.

خلاصة في أحكام العدة:

والحاصل أن جميع أنواع العدّة تخضع لقدر مشترك من الحكم، وهو:

ـ حُرمة الخروج من المسكن الذي تعتدّ فيه المرأة إلا لحاجة. ثم تختصّ المعتدّة بالوفاة بحكم مستقل، وهو: وجوب الإحداد على الزوج، وذلك بأن تمتنع عن الطيب والزينة، على نحو ما قدّمنا.

كما تختصّ المعتدّة بالطلاق الرجعي مطلقاً، والطلاق البائن إن كانت حاملاً بوجوب المسكن، وجميع أنواع النفقة لها.

وتختصّ المعتدّة بالطلاق البائن - إن لم تكن حاملاً - بوجوب المسكن فقط، دون سائر أنواع النفقات ..

خاتمة:

ونختم هذا البحث ببيان أمر هام، ألا وهو حُرمة إحداد النساء على

ص: 165

مَن عدا الزوج من أقاربهنّ، نساءً وذكوراً، وهو إحداد بشع يتخذ شكلاً من أشكال الجاهلية العتيقة، حيث تلزم المرأة التي توفي لها قريب أو قريبة لبس السواد، أو ما يشبهه، إعلاناً عن حزنها، وتتجنب حضور الأماكن العامة، والظهور في مواسم الأفراح ومناسباتها، وتظل على ذلك عاماً، أو يزيد، وربما كانت نفسها خلال أكثر العام لا تنطوي على أيّ حزن أو كرب، ولكنها تتصنع ذلك أمام أبصار الناس، وتتكلفه، وتتباهى به أمامهم.

إن هذا الالتزام ليس إلا معارضة صريحة وحادة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثة الواضح الصحيح: " لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله وباليوم الآخر أن تُحدّ على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ".

رواه البخاري (الطلاق، باب: تحدُّ المتوف عنها زوجها.، رقم: 5024) ومسلم

(الطلاق، باب: وجوب الإحداد في عدّة الوفاة، رقم: (1486ـ 1498) عن أم حبيبة رضي الله عنها.

وقد روى البخاري ومسلم، عن زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على زينب بنت جحش رضي الله عنهما حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: والله ما لي في الطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً "(البخاري ومسلم المواضع السابقة).

ولا فرق في هذا الحكم بين هذا التصنّع المتكلَّف الممجوج الذي تلتزمه النساء فيما بينهنّ، وما يفعله الرجال من التزام شعارات الحزن، في ربطة العنق، ونحوها، وهو تقليد أجنبي بشع مغموس في الحُرمة والإثم.

نسأل الله تعالى أن يحقّقنا بمعنى العبودية الخالصة له، وأن يلبسنا كسوة الرضى بحكمه، والتجمّل بشرعه، وهدي نبيّه، عليه الصلاة والسلام.

ص: 166