الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أركان عقد النكاح
والتعريف بكل ركن، وبيان شروطه
للنكاح أركان خمسة: وهي:
صيغة، وزوجة، وزوج، ووليّ، وشاهدان.
الركن الأول: الصيغة:
والصيغة: هي الإيجاب من وليّ الزوجة، كقوله: زوجتك، أو: أنكحتك ابنتي.
والقبول من الزوج كقوله: تزوجت، أو نكحت ابنتك، ويصحّ تقدّم لفظ الزوج على لفظ الوليّ، لأن التقدم والتأخر سواء في إفادة المقصود.
الحكمة من تشريع الصيغة:
والحكمة: هي أنه لما كان عقد الزواج من العقود التي لا بدّ فيها من رضا العاقدين، والرضا أمر خفي لا يُطلع عليه، اعتبر الشرع الصيغة ـ وهي الإيجاب والقبول ـ دليلاً ظاهراً على الرضا في نفس كل من العاقدين.
شروط الصيغة:
ويشترط في الصيغة الشروط التالية:
1ـ أن تكون بلفظ التزويج، أو الإنكاح:
وما يشتق منهما؛ كزوّجتك وأنكحتك، وقبلت تزويجا، أو قبلت نكاحها.
وإنما اشترط لفظ التزويج الإيجابي، وما اشتق منهما، لأنهما اللفظان الموضوعان في اللغة والشرع، للدلالة على عقد الزواج، وهما المستعملان في نصوص القرآن والسنة. ففي القرآن قال تعالى:
{فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وقال تعالى:
{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ
…
..
…
} [الأحزاب: 37]
[وطراً: حاجة، ولم تبق له رغبة فيها. أدعيائهم: الذين ادّعوا أنهم أبناؤهم وهم ليسوا كذلك].
وفي السنّة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج
…
. ".
(انظر دليل مشروعية النكاح).
2ـ التصريح بلفظ الزواج، أو النكاح في الإيجاب وفي القبول:
فلو قال الوليّ: زوجتك ابني، فقال الزوج: قبلت، لم ينعقد النكاح. ولو قال الزوج: زوِّجني ابنتك، فقال الوليّ: قبلت، لم ينعقد النكاح أيضاَ، لأنهما لم يصرحاً بلفظ الزواج، أو النكاح.
عقد النكاح بغير العربية:
ويصحّ عقد النكاح باللغات العجمية، وهي مساعد اللغة العربية. فلو وجد الإيجاب والقبول بلغة عجمية صح عقد النكاح، ولو كان الزواج ووليّ الزوجة يعرفان اللغة العربية، اعتباراً بالمعنى، لأن لفظ الزواج أو النكاح لا يتعلق بهما إعجاز، فاكتفي بترجمتهما.
عقد النكاح بألفاظ الكناية:
لا يصحّ عقد الزواج بألفاظ الكناية بأيّ لغة كانت.
وألفاظ الكناية: هي التي تحتمل الزواج وغيره: كأحللتك ابنتي، أو
وهبتها لك، لأن ألفاظ الكناية تحتاج إلى النّية، والنّية محلّها القلب.
وعقد النكاح يشترط فيه الشهود، والشهود لا يطّلعون على ما في القلوب، حتى يشهدوا: إن كان العاقدان قد نويا النكاح، أو غيره.
عقد النكاح بالكتابة:
وكذلك لا ينعقد النكاح بالكتابة، سواء كان المتعاقدان حاضرين أو غائبين.
فلو كتب وليّ الزوجة إلى غائب، أو حاضر: زوجّتك ابنتي، فوصل الكتاب إلى الزوج، فقرأه، وقال: قبلت زواج ابنتك، لم يصحّ العقد، لأن الكتابة من الكناية، والنكاح لا ينعقد بالكناية.
إشارة الأخرس المفهمة:
أما إشارة الأخرس المفهمة، وهي التي لا يختص بفهم المراد منها الفطنون الأذكياء، فإنها ينعقد بها عقد النكاح لأنها تنزل منزلة اللفظ الصريح.
أما إذا كانت إشارته خفية، لا يفهمها إلا الأذكياء الفطنون، فلا ينعقد بها الزواج، لأنها عندئذ تنزل منزلة الكناية، والكناية لا ينعقد بها الزواج.
3ـ اتصال الإيجاب بالقبول:
ومن شروط الصيغة أيضا أن يتصل الإيجاب من الولي بالقبول من الزوج، فلو قال ولي الزوجة: زوّجتك ابنتي، فسكت الزوج مدة طويلة، ثم قال: قبلت زواجها، لم يصح العقد، لوجود الفاصل الطويل بين الإيجاب والقبول، مما يجعل أمر رجوع الوليّ في هذه المدة عن الزواج أمراً محتملاً، أما السكوت اليسير: كتنفس، وعطاس، فإنه لا يضرّ في صحة العقد.
4ـ بقاء أهلية العاقدين إلى أن يتم القبول:
فلو قال وليّ الزوجة: زوّجتك ابنتي ولكن قبل أن يصدر القبول من
الزوج جنّ الولي، أو أغمي عليه، فقبل الزوج، لم يصح النكاح.
وكذلك لو قال الزوج: زوِّجني ابنتك، ثم أغمي عليه قبل أن يقول وليّ الزوجة: زوّجتك، بطل الإيجاب، ولم يصحّ العقد ولو وجد القبول، لفقدان أهليّة أحد العاقدين قبل تمام العقد.
5ـ أن تكون الصيغة منجزة:
فلا تصح إضافة عقد الزواج إلى المستقبل، ولا تعليقه على شروط.
فلو قال ولي الزوجة: إذا جاء رمضان فقد زوّجتك ابنتي، فقال الزوج: تزوجتها، لم يصح العقد.
ولو قال وليّ الزوجة: إن كانت ابنتي قد نجحت في الامتحان فقد زوّجتك إياها، فقال الزوج: قبلت زواجها، لم يصح الزواج أيضاً، لأن عقد الزواج يجب أن يكون منجزاً، تترتب عليه آثاره من حين إنشائه، فإضافته إلى المستقبل، أو تعليقه على شروط يقتضي تأخير أحكام العقد إلى المستقبل، أو إلى وجود الشرط، وهذا يُنافي مقتضى العقد.
6ـ أن تكون الصيغة مطلقة:
فلا يصحّ توقيت النكاح بمدة معلومة: كشهر، أو سنة، أو مجهولة: كقدوم غائب، فلو قال وليّ الزوجة: زوّجتك ابنتي شهراً، أو سنة، أو إلى قدوم فلان، فقال الزوج: قبلت زواجها، لم ينعقد الزواج في هذه الصور، لأن هذا من نكاح المتعة المحرّمة.
روى مسلم (النكاح، باب: نكاح المتعة وبيان أنه أُبيح ثم نسخ
…
.، رقم: 1406) وغيره عن سَبْرَة الجهني رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أيّها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنّ شيء فليخلِّ سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئاً ".
نكاح الشغار:
لا يصحّ نكاح الشغار، وهو: أن يقول وليّ الزوجة لرجل: زوّجتك ابنتي على أن تُزوِّجني ابنتك، ويضع كل واحدة منهما صداق للأُخرى. فيقول الآخر: تزوجت ابنتك، وزوجتك ابنتي على ما ذكرت.
وسبب بطلان هذا الزواج هو تعليق زواج كلِّ من الزوجين على الأخرى، والتعليق مفسد للعقد كما سبق.
وأيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار.
روى البخاري (النكاح، باب: الشغار، رقم: 4822) ومسلم (النكاح، باب: تحريم نكاح الشغار وبطلانه، رقم: 1415) وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن الشِّغار، والشغار: أن يزوّج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته، وليس بينهما صداق.
وسمي هذا الزواج شغاراً أخذاً من قولهم: شغر البلد من السلطان: إذا خلا عنه.
وهذا الزواج قد خلا هو أيضاً من المهر، فأشبه البلد الشاغر من السلطان.
الركن الثاني: الزوجة:
ويشترط في الزوجة ليصحّ نكاحها الشروط التالية:
1ـ خلوّها من موانع النكاح التي مر ذكرها في محرمات النكاح والخطبة.
2ـ أن تكون الزوجة معينة، فلو قال وليّ الزوجة لرجل: زوّجتك إحدى بناتي، لم يصحّ العقد، لعدم تعيين البنت التي يزوجها.
3ـ أن لا تكون الزوجة مُحْرِمَةً بحج أو عمرة.
روى مسلم (النكاح، باب: تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته، رقم: 1409) وغيره عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا يُنكَح المحرم، ولا يُنكَح، ولا يَخْطب " أي لا يتزوج المحرم، ومثله المحرَمَة، ولا يزوّجه غيره امرأة محرمة، أو غير محرمة، سواء كان بولاية، أو وكالة، ولا يطلب امرأة للتزويج.
الركن الرابع: الزوج:
ويشترط فيه الشروط التالية:
1ـ أن يكون ممّن يحل للزوجة التزوّج به، وذلك بأن لا يكون من المحرمين عليها.
2ـ أن يكون الزوج معيناً، فلو قال الوليّ: زوّجت ابنتي إلى أحدكما، لم يصحّ الزواج، لعدم تعيين الزوج.
3ـ أن يكون الزوج حلالاً، أي ليس محرماً بحج أو عمرة، للحديث السابق " لا يَنْكِح المحرم، ولا يُنكَح، ولا يخطب ".
الركن الرابع: الوالي:
معنى الولاية:
الولاية في اللغة: تأتي بمعنى المحبة والنصرة. وعليه قوله تعالى:
{وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56].
والولاية في الشرع: هي تنفيذ القول على الغير، والإشراف على شؤونه.
والمراد بالغير: القاصر والمجنون، والبالغة في ولاية الاختبار.
ويعرّفها بعضهم: بأنها تنفيذ القول على الغير، شاء أو أبى، فتشمل على هذا ولاية الإجبار.
ويسمى مَن أعطته الشريعة حق الولاية: ولياً.
قال الله تعالى: {فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا
يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282].
حكمة مشروعية الولاية:
والحكمة من مشروعية الولاية على الصغار والقاصرين إنما هي رعاية مصالحهم، حتى لا تضيع هدراً، وحفظ حقوقهم، وتدبير شؤونهم.
وجود الولي واجب في عقد الزواج:
لابد في تزويج المرأة بالغة كانت أو صغيرة، ثيّباً كانت أو بكراً، من وليّ يلي عقد زواجها.
فلا يجوز لامرأة تُزوَّج نفسها، ولا أن تزوَّج غيرها، بإذن أو بغير إذن سواء صدر منها الإيجاب، أو القبول.
ودليل ذلك ما رواه الدارقطني (في النكاح 3/ 227) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزوَّج المرأةُ المرأة، ولا تزوَّج نفسها " وكنا نقول: التي تزوِّج نفسها هي الفاجرة. وفي رواية: هي الزانية.
الحكمة من اشتراط الولي في زواج المرأة:
والحكمة من اشتراط الوليّ أنه لا يليق بمحاسن العادات دخول المرأة في مباشرة عقد الزواج، وذلك لما يجب أن تكون عليه من الحياء.
5ـ دليل وجوب الوليّ في عقد زواج المرأة:
واستُدل على وجوب الوليّ في عقد زواج المرأة بالقرآن الكريم، والسنّة النبوية:
أما القرآن الكريم: فقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ
…
. } [البقرة: 232.
قال الشافعي رحمة الله تعالى: هذه الآية أصرح دليل على اعتبار الوليّ، إذ لو لم يكن معتبراً لما كان لعضله معنى.
والعضل: منع المرأة من الزواج.
وأما السنّة: فما رواه ابن حبّان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا نكاحَ إلا بَوِلّي وشاهدَيْ عدْل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل ".
(موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: النكاح، باب: ما جاء في الوليّ والشهود). وروى أبو داود (النكاح، باب: في الوليّ، رقم: 2085)، والترمذي (النكاح، باب: لا نكاح إلا بوليّ، رقم: 1101) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا نِكَاح إلا بوَليّ ".
6ـ حكم الزواج بغير وليّ وما يترتب عليه:
فإذا زوجت المرأة نفسها من غير وليّ اعتبر زواجها باطلاً، ثم إن أعقب هذا الزواج دخول وجب التفريق بينهما، لبطلان العقد، ووجب للمرأة مهر المثل، سواء سمي لها في العقد مهر، أم لم يُسَمّ.
ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أيُّما امرأُة نكحت بغير إذْن وليِّها فنكاحُها باطلّ ـ ثلاثاً ـ فإن دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها، فإن تشاجروا، فالسلطانُ وليّ من لا وليَّ له).
رواه أبو داود (النكاح، باب: في والولي، رقم: 2083) وابن ماجه (النكاح، باب: لا نكاح إلا بوليّ، رقم (1881)، والترمذي (النكاح، باب: إلا بوليّ، رقم: 1102) عن عائشة رضي الله عنها.
ولا يجب على الواطئ في هذا النكاح الباطل ـ الذي تمّ بغير وليّ. حدّ الزنى، لشبهة اختلاف العلماء في صحة النكاح بغير وليّ.
والحدود تدرأ بالشبهات، لكن فيه التعزيز.
والتعزيز عقوبة دون الحدّ يقدّرها القاضي بما يراه رادعاً ومؤدباً.
7ـ الأولياء في الزواج حسب ترتيبهم:
والأولياء في الزواج هي على الترتيب الآتي:
الأب.
ثم الجد أبو الأب.
ثم الأخ الشقيق.
ثم الأخ من الأب.
ثم ابن الأخ الشقيق.
ثم ابن الأخ من الأب.
ثم العم الشقيق.
ثم العم من الأب.
ثم ابن العم الشقيق.
ثم ابن العم من الأب.
وهكذا سائر العصبات، فإن عُدمت العصبات فالقاضي، لما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم:
" فالسلطان وليّ من لا وليّ له ".
8ـ ولاية الابن في الزواج:
هذا ولا ولاية للابن، ولا لابن الابن في الزواج، فلا يزوج ابن أمه بولاية البنوة، لأنها لا مشاركة بينه وبينها في النسب، إذ انتسابها إلى أبيها، وانتساب الابن إلى أبيه. إلا أن يكون من أبناء العمومة لأُمه، فإن كان ابن ابن عمّها، ولم يوجد وليّ أقرب منها جاز له أن يزوِّجها.
9ـ شروط الولي:
ويشترط في الوليّ، أبا كان أو غيره، الشروط التالية:
أـ الإسلام:
فلا يزوّج الكافر المسلمة، لأنه لا ولاية لكافر على مسلم. قال الله تعالى:{وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 1401].
ولأن ولاية الزوج مبنية على التعصب في الإرث، ولا توارث بين مسلم وكافر.
ويزوج كافر كافرة، ولو اختلف اعتقادها، فيزوج اليهودي نصرانية، والنصراني يهودية، لأن الكفر كله ملة واحدة. قال الله تعالى:{وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [الأنفال: 73].
ب ـ العدالة:
والمقصود بالعدالة: عدم ارتكاب الكبائر من الذنوب، وعدم الإصرار على الصغائر، وعدم فعل ما يخلّ بالمروءة: كالبول في الطرقات، والمشي حافيا، وغير ذلك.
فلا يُزوّج الفاسق مؤمنة، بل ينتقل حق تزويجها إلى الوليّ الذي يليه، إن كان عدلاً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاحَ إلا بوَليّ مُرْشِد " رواه الشافعي في مسنده بسند صحيح.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: المراد بالمرشد في الحديث: العدل.
ولأن الفسق نقص يقدح في الشهادة، فيمنع الولاية في الزواج.
وفي قول: لا تشترط العدالة في الزواج، لأن الولاية في الزواج مبنية على التعصب، والعصبة تحمله وفرة الشفقة على تحرّي مصلحة موليته، وهذه الشفقة لا تختلف بين العدل وغيره.
ولأن اشتراط العدالة قد يؤدي إلى حرج كبير لقلّة العدول، ولاسيما في هذه الأيام، ولم يعرف أن الفسقة كانوا يُمنعون من تزويج بناتهم في أيّ عصر من العصور.
ج ـ البلوغ:
فلا ولاية لصبي على غيره من الزواج، لأنه لا ولاية له على نفسه، فلا ولاية له على غيره من باب أولى.
د ـ العقل:
فلا ولاية لمجنون، لأنه لا ولاية له على نفسه، فأولى أن لا يكون له ولاية على غيره
هـ ـ السلامة من الآفاق المُخلّة بالنظر:
فلا ولاية لمختلِّ النظر بسبب هرم، أو خبل، لعجز هؤلاء عن اختيار الأكفّاء، فإن كان مريضاً يغمى عليه انتظرت إفاقته، لأن الإغماء قريب الزوال كالنوم.
وـ أن لا يكون محجوراً عليه بسفه:
والمحجور عليه بسفه: هو الذي يبذر ماله، لأن السفيه لا ولاية له على نفسه، فأولى أن لا يكون له ولاية على غيره.
زـ أن يكون حلالاً:
فلا يزوّج المُحْرمُ بحج أو عمرة غيره، وهو محرم، لما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم:" لا ينكح المحرم ولا ينكح ".
رواه مسلم (النكاح، باب: تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته، رقم: 1409).
تنبيه:
إذا فقدت هذه الشروط التي ذكرت في وليّ قريب من الأولياء، انتقل حق الولاية إلى الوليّ الذي يليه، ممّن توفرت فيه شروط الولاية كاملة، إلا المُحرم، فإنه لا تنتقل الولاية عنه إلى الأبعد منه، لأن الإحرام لا يسلب الولاية، لبقاء الرشد والنظر، وإنما يمنع النكاح، ولكن ينتقل حق التزويج إلى السلطان عند إحرام الوليّ القريب.
10ـ أقسام الولاية:
تنقسم الولاية في الزواج إلى قسمين:
الأول: ولاية إجبار.
والثاني: ولاية اختيار.
ولاية الأَجبار:
وولاية الإجبار ثابتة للأب، والجد أبي فقط، ولا ولاية إجبار لغيرهما.
وولاية الإجبار إنما تكون في تزويج البنت البكر، صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة.
فلأبيها ـ وكذلك لجدها أبي أبيها ـ أن يزوِّجها بغير إذنها ورضاها، لأنه أدرى بمصلحتها، ولوفرة شفقته عليها لا يختار لها إلا ما فيه مصلحة لها.
واحتجّوا لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم: " الأيّم أحقّ بنفسها من وليِّها
…
" وسيأتي بعد قليل ـ فإنه يدل بمفهومه أن البكر وليّها أحق بها من نفسها، لأن الأيم هي الثيب، وهي غير البكر.
لكن شرطوا لصحة هذا الإجبار ثلاثة شروط:
أـ أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة.
ب ـ أن يكون الزوج كفؤاً.
ج ـ أن يكون الزوج موسراً بمعجل المهر.
الترغيب في استئذان البكر في الزواج:
إذا قلنا إن ولاية الأب ـ ومثله أبو الأب ـ هي ولاية إجبار، فليس معنى ذلك أن الأفضل أن يجبرها على الزواج، ويمهل رأيها، بل الأفضل والمستحب أن يستأذنها في تزويجها، تقديراً لها، وتطبيقاً لقلبها.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تٌُنْكحٌ الأيم حتى تستأمر، ولا تنكحُ البكرُ حتى تستأذنُ، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنُها؟ قال: أن تسكُت ".
رواه مسلم (النكاح، باب: استئذان الثّيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، رقم: 1419) والترمذي (النكاح، باب: ما جاء في استئذان البكر والثيب، رقم: 2107) وروى مسلم (النكاح، باب استئذان الثّيب
في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، رقم: 1421) عن ابن عباس رضي الله عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكرُ تستأذنُ في نفسها، وإذنُها صُماتُها ". ورواه الترمذي أيضاً (النكاح، باب: ما جاء في استئذان البكر والثيّب، رقم: 1108).
[والأيّم في الحديثين: هي الثيّب].
والحديثان محمولان على الندب في حق البكر.
ولاية الاختيار:
ولاية الاختيار: فهي ثابتة لكل الأولياء الذين ذكرناهم، وعلى الترتيب الذي قدّمناه.
وولاية الاختيار إنما تكون في تزويج المرأة الثيب، فلا يصح تزويجها من قبل أي من أوليائها ـ ولو كان أباً ـ إلا بإذنها ورضاها.
ودليل ذلك حديث مسلم والترمذي السابق: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر).
وحديث مسلم والترمذي أيضاً: (الأيم أحق بنفسها من وليها).
والثيِّب: هي التي زالت بكارتها بوطء حلال أو حرام، ولا بمرض أو سقطة، أو غير ذلك.
الحكمة من استئمار الثِّيب:
والحكمة من استئمار الثيب، وعدم تزويجها إلا برضاها هي أنها عرفت مقصود النكاح، فلا يجبر عليه، ولأنها لممارستها الزواج لا تستحي من التصريح به، بخلاف البكر فإنها تستحي من التصريح به.
تزويج الثيب الصغيرة:
الثَّيب الصغيرة التي هي دون البلوغ، لا يجوز لأبيها، ولا لأي ولي من
أوليائها تزويجها حتى تبلغ، لأن إذن الصغيرة غير معتبر، فامتنع تزويجها حتى تبلغ، فيكون إذنها معتبراً.
عضل الولّي:
العضل: منع المرأة من الزواج.
فإذا طلبت امرأة بالغة عاقلة الزواج من كفء، وجب علي وليِّها أن يزوجها، فإذا امتنع الولي ـ ولو أبا ـ من تزويجها، زوّجها السلطان، لأن تزويجها حق على أوليائها إذا طلبها الكفؤ، فإذا امتنعوا من وفاته لها، وفّاه الحاكم.
ودليل
…
ذلك: ما رواه أبو داود (النكاح، باب: في الولي، رقم 2038)، والترمذي (النكاح، باب: ما جاء لا نكاح إلا بولي، رقم 1102) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " السلطان ولي من لا ولي له ".
لكن إذا عيّنت هو كفؤاً، وعّين الولي كفؤاً غيره، كان له أن يمنعها من الكفء الذي عيّنته، ويزوجها من الكفء الذي عيّنه، إذا كانت بكراً، لأنه أكمل نظراً منها.
غيبة الولّي:
إذا تعدد الأولياء، وغاب الوليّ الأقرب، فإن كان مكان غيبته بعيداً ـ مرحلتين فأكثر، والمرحلتان مسيرة يوم وليلة ـ فإنه لا ينتقل حق الولاية إلى الولي الأبعد منه، وإنما يزوجها سلطان بلده، لأن الغائب وليّ، والتزويج حق له، فإن تعذر استيفاء حق الزوجة منه لغيبته، ناب عنه الحاكم.
أما إذا كان مكان غيبته قريباً ـ أي أقل من مرحلتين ـ فلا يزوج السلطان إلا بإذنه، لقصر المسافة، وإمكان مراجعته، فإما أن يحضر، أو يوكِّل، كما لو كان مقيماً.
اجتماع أولياء في درجة واحدة.
إذا اجتمع أولياء المرأة وكانوا في درجة واحدة من النسب، كإخوة
أشقاء أو لأب، استحب أن يزوِّجها أفقههم بباب النكاح، لأنه أعلم بشرائطه.
وبعده يزوجها أورعهم، لأنه أشق وأحرص على طلب الأغبط لها.
ثم أسنّهم لزيادة تجربته.
ويزوَّجها كل واحد من هؤلاء برضا الآخرين، لتجتمع الآراء، ولا بتشوش بعضهم باستئثار بعض بالعقد. فإن اختلف الأولياء، وقال كل واحد منهم أنا أزوِّج، أقرع بينهم وجوباً قطعاً للنزاع، فمن خرجت قرعته زوَّجها.
فلو زوجها المفضول، أو غير مَن خرجت قرعته، وكانت قد أذنت لكل منهم أن يزوجها، صح تزويجه لها للإذن فيه، أما لو كانت أذنت لواحد منهم، فزوّجها غيره، فإنه لا يصحّ لعدم إذنها ورضاها.
فقدان الأولياء:
إذا انعدم الأولياء انتقلت الولاية إلى القاضي، لأنه منصوب لتحقيق مصالح المسلمين.
وفي تزويج مَن لا ولي لها مصلحة يجب تحقيقها، وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم:" السلطان ولي من لا ولي له ".
رواه الترمذي (النكاح، باب: ما جاء لا نكاح إلا بولي، رقم: 1102).
الوكالة في الزواج:
يصحّ للوليّ المجبرـ وهو الأب والجد أبو الأب ـ في تزويج البكر، التوكيل في تزويجها بغير إذنها.
ولا يشترط في صحة هذه الوكالة أن يعين الولي للوكيل الزوج، لأن الولي يملك التعيين في التوكيل، فيملك الإطلاق به، وإذا أطلق الولي الوكالة، وجب على الوكيل أن يحتاط لمصلحة الزوجة، فلا يزوِّجها من غير
كفء، لأن التوكل عند الإطلاق يحمل على الكفء.
أما غير المجبر من الأولياء ـ وهو غير الأب والجد أبي الأب ـ فلا يجوز له التوكيل في التزويج إلا بإذن المرأة، لأنه لا يملك تزويجها بغير إذنها، فأولى أن لا يملك أن يوكل من يزوّجها بغير إذنها.
الركن الخامس: الشاهدان:
تمهيد:
إن عقد الزواج، وإن كان كغيره من العقود التي يشترط فيها الرضا والإيجاب والقبول، لكن الإسلام أحاط هذا العقد بهالة من التعظيم والتفخيم، وطبعه بطابع ديني، وصبغه صبغة تعبدية، فجعل الإقدام عليه طاعة لله عز وجل، وقربة من القربات التي يثاب عليها.
ولما كان لعقد النكاح نتائج خطيرة تترتب عليه ـ من حل المعاشرة بين الزوجين، ووجوب المهر والنفقة، وثبوت نسب الأولاد، واستحقاق الإرث، ووجوب المتابعة، ولزوم الطاعة، وكانت هذه النتائج عرضة للجحود والكنود من كل من الزوجين ـ احتاط الدين لها، وأوجب حضور شاهدين ـ على الأقل ـ يشهدان عقد الزواج، وشرط فيهما شروطاً تجعلهما مكان الثقة والاطمئنان لإثبات تلك النتائج، إذا ما دعت الحاجة إلى شهادتهما، فيما إذا دبّ شقاق بين الزوجين، أو تنكر منهما أحد لحقوق هذا العقد ونتائجه.
دليل وجوب الشاهدين في عقد النكاح:
والدليل على وجوب شاهدين في عقد النكاح قوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان غير ذلك فهو باطل ".
رواه ابن حبان في صحيحه. انظر موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (النكاح، باب: ما جاء في الولي والشهود، رقم: 1247).
شروط الشاهدين:
يشترط في الشاهدين الشروط التالية:
أـ الإسلام:
فلا يصح عقد النساء بشهادة غير المسلمين، لأن لعقد الزواج اعتباراً دينياً، فلابدّ أن يشهده من يدين بدين الإسلام، ولأن غير المسلم لا يوفّق بشهادته على المسلمين.
أضف إلى ذلك أن الشهادة ولاية، فلا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم، لأنه لا ولاية له عليه. قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة: 71] وقال تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141].
ب ـ الذكورة:
فلا ينعقد عقد الزواج بشهادة النساء، ولا برجل وامرأتين. قال الزهري رحمه الله:
(مضت السنّة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود، والنكاح والطلاق) والزهري تابعي، ومثل هذا القول من التابعي في حكم الحديث المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قرره العلماء.
ج ـ العقل والبلوغ:
فلا ينعقد عقد الزواج بحضور المجانين والصبيان فحسب، لأن عقد الزواج له مكانته الخطيرة، فالاقتصار على حضور المجانين والصبيان استخفاف به.
د ـ العدالة ولو ظاهراً:
يجب أن يكون الشاهدان عدلين، ولو من حيث الظاهر، أي بأن يكونا مستوري الحال، غير ظاهري الفسق.
فلا ينعقد الزواج بشهادة الفاسقين المُجاهرين بفسقهم لعدم الوثوق بشهادتهم.
هـ ـ السمع:
فلا ينعقد الزواج بشهادة أصمّين، أو نائمين، لأن الغرض من الشهادة
لا يتحقق بأمثالها، ولأن المشهود عليه قول، فلابدّ من سماعه.
وـ البصر:
فلا ينعقد بشهادة العميان، لأن الأقوال لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع.
الإشهاد على رضا الزوجة:
يستحبّ الإشهاد على رضا الزوجة بعقد النكاح، وذلك بأن يسمع شاهدان ـ الشروط المذكورة في شروط الشاهدين ـ إذنَ المرأة ورضاها: بأن تقول: رضيت بهذا العقد، أو أذنت فيه، وذلك احتياطاً، ليؤمن إنكارها بعد ذلك.
إعفاف الأب أو الجد:
يجب على الولد، سواء كان ذكراً أم أنثى، مسلماً أم كافراً، إعفاف الأب، ومثله الجد، سواء كان من جهة الأب، أو من جهة الأم، وسواء كان مسلماً أم كافراً: وذلك بأن يعطيه مهر امرأة حرّة، أو يقول له: تزوج وأنا أُعطيك المهر.
لكن يشترط لوجوب ذلك على الولد ثلاثة شروط:
أـ أن يكون الولد موسراً بالمهر.
ب ـ أن يكون الأب ـ ومثله الجد ـ معسراً بالمهر.
ج ـ أن يكون الأب، أو الجد محتاجاً إلى الزواج، وذلك بأن كانت نفسه تتوق إليه.
ووجهه: أن هذا الإعفاف للأب ـ أو الجد ـ من وجوه حاجاته المهمة: كالنفقة والكسوة.
ولئلا يعرّضه للزنى المفضي إلى الهلاك، وذلك لا يليق بحرمة الأبوة، وليس هو من وجوه المصاحبة بالمعروف، المأمور بها بقوله تعالى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}
[لقمان: 15].
أنكحة الكفار:
نكاح الكفار فيما بينهم صحيح، ودليل ذلك حديث غيلان وغيره، ممّن أسلم وعنده أكثر من أربعة نسوة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يمسك أربعاً ويفارق سائرهنّ.
فلم يسأله صلى الله عليه وسلم عن شرائط نكاحهنّ، فلا يجب البحث عن ذلك.
ولو ترافعوا إلينا لم نبطل أنكحتهم، ولو أسلموا أقررنا نكاحهم.
إسلام الكفّار بعد زواجهم:
إذا كان الرجل كافراً، وكان عنده امرأة كافرة، فأسلما معاً، دام نكاحهما. وذلك لأن الفرقة إنما تقع باختلاف الدين، ولم يختلف دينهما في الكفر ولا في الإسلام.
روى الترمذي (النكاح، باب: ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما، رقم: 1144)، وأبو داود (الطلاق، باب: إذا أسلم أحد الزوجين، رقم: 2283) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء مسلماً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت امرأته مسلمة، فقال: يا رسول الله، إنها كانت أسلمت معي فرُدَّها عليّ، فردها عليه.
أما إذا أسلم هو، وأصرّت هي على الكفر:
فإن كانت الزوجة كتابية دام نكاحه لها، لجواز نكاح المسلم الكتابية.
وإن كانت وثنية، أو ملحدة، ولم تسلم أثناء عدّتها، تنجزت الفرقة بينهما من حين إسلام زوجها.
أما إذا أسلمت في العدّة، فإنه يبقى النكاح بينهما.
ولو أسلمت المرأة، وأصرّ الزوج على الكفر، فإنه يفرّق بينهما من حين إسلامها، إلا أن يسلم، وهي ما تزال في العدّة، فإنها ترُدّ إليه بنفس النكاح السابق.
أما إن عاد وأسلم بعد انقضاء عدّتها، فإنها لا ترجع إليه إلا بعقد جديد.
روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ بنته زينب على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد.
أخرجه الترمذي (النكاح، باب: ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما، رقم: 1142).
قال الترمذي: هذا حديث في إسناده مقال، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم ز وجها وهي في العدّة، أن زوجها أحقّ بها ما كانت في العدّة.