الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً ـ اللعان
تعريف اللعان:
اللعان ـ لغة ـ مصدر لاعن، وهو الطرد، والإبعاد.
منه: لعنه الله، أي طرده وأبعده.
وسمي بذلك لبعد الزوجين كلّ منهما عن الآخر.
وأما اللعان شرعاً: فهو كلمات معينة، جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطّخ فراشة، وألحق العار به.
وسمي لعاناً، لاشتمال هذه الكلمات على لفظ اللعن، ولأن كلا من المتلاعنين يبتعد عن الآخر باللعان.
الحكمة من مشروعية اللعان:
أعلم أن حكم اللعان جاء مخالفاً لما يقتضيه عموم حكم القذف، من استحقاق القاذف الحدّ، وبراءة المقذوف حكماً مما قد رماه به القاذف.
فما هي حكمة هذه المخالفة؟ ولماذا لم تنطبق أحكام القذف على مَن جاء بقذف زوجته بالفاحشة؟
والجواب: أن غير الزوج بالنسبة لزوجته غير مضطر إلى أن يرمي أحداً من الناس بالفاحشة، صادقاً كان في ذلك أم كاذباً.
بل الأدب الإسلامي يقضي بأن يستر المسلم ما قد ينكشف له من عيوب الآخرين، ويكتفي بالنصح لهم، في ستر ونَجْوة من الناس.
أما الزوج بالنسبة لزوجته، فإنه يشبه أن يكون مضطراً إلى الكشف عن حقيقتها، وواقع أمرها في ارتكاب الفاحشة، لأن ارتكابها ذلك تلطيخ لفراشه، وإلحاق للعار به. وهو عذر شرعي يعطيه حق الانفصال عنها.
ولو انفصل عنها بطلاق لاستلزم ذلك أن يقع في ظلم آخر يلحقه
بنفسه، وهو الحكم لها بكامل المهر، دون أن تستحق شيئاً منه بسبب سوء سلوكها.
لذلك كان لابدّ ـ لإنصافه ـ من أن يشرع حكم خاص بهذه الحالة، يضمن بقاء كل من الزوجين في كنف العدالة، دون أن يذهب واحد منهما ضحّية لظلم الآخر.
وكان هذا الحكم هو: حكم اللعان، الذي سنقف على موجز لتفاصيله.
وبهذا تدرك الحكمة من أن قذف الزوج لزوجته، إذا جاء على النحو الذي رسمته الشريعة الإسلامية، لا يستوجب حدّاً أبد له، فإن القاذف إنما يُحدّ لاتهامه بالكذب من جانب، ولعدم اهتمامه بستر حال المسلمين من جانب آخر.
أما الزوج فإنه يبعد جداً أ، يقذف زوجته كاذباً، لم يلحقه بسبب هذا الكذب من العار، وسوء السمعة، وهو معذور في أن لا يستر حال زوجته، لأن ستره لها إلحاق للعار به، وهو إسقاط لمروءته وحُسن سيرته بين الناس.
حكم قذف الزوجة:
القذف: هو أن يرمي زوجته بالزنى، وللزوج الحق في أن يرميها بذلك إذا علم زناها، أو ظنه ظناً مؤكداً: كظهور زناها بفلان من الناس، مع رؤيتهما في خلوة منفردين. هذا الحكم ـ وهو إباحة رمي الزوجة بالزنى ـ إذا لم يكن هناك ولد، أما إذا كان هناك ولد، والزوج يعلم أنه ليس منه، فإنه والحالة هذه يجب عليه أن يرمي زوجته، وينفي الولد عن نفسه، لأن ترك نفسي الولد عن نفسه يتضمن استلحاقه، واستلحاق من ليس منه حرام، كحرمة نفي مَن هو منه، لكن كيف يعلم أن هذا الولد ليس منه.
طريق العلم بذلك أن يكون لم يطأ زوجته، أو أن زوجته قد أتت
بالولد لدون ستة أشهر من الوطء، التي هي أقل مدة الحمل، أو ولدته لأكثر من أربع سنين من الوطء، التي هي أكثر مدة الحمل، ففي هذه الحالات يثبت أن الولد ليس من هذا الزوج، وعندئذ يجب نفيه عن نفسه، لئلا يلحق به.
كيفية لعان الزوج:
إذا رمى الرجل زوجته بالزنى فعليه حدّ القذف، إلا أن يقيم البيّنة، والبيّنة أربعة شهداء، بما فيهم الزوج.
وهذا هو الحكم العام لمقتضى القذف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهلال بن أُمية رضي الله عنه لما قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم:" البينّة أو حدّ في ظهرك " فقال هلال: والذي نعثك بالحق إني صادق، فَلْينزلنّ الله ما يبرئ ظهري من الحدّ.
وقد نزل حكم اللعان، فكان السبيل الذي يدرأ به الزوج عن نفسه حدّ القذف، إذا قذف زوجته بالزنى، فكيف تكون الملاعنة إذاً؟
الملاعنة: أن يقول الزوج عند الحاكم أمام جَمْع من الناس، يسنّ أن يكونوا من وُجهائهم، وصالحيهم، وأن يكون ذلك في المسجد، فوق مكان مرتفع، كمنبر وغيره، يقول
أشهد بالله إنني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنى، وأن هذا الولد
(إن كان لها ولد، أو حمل) من الزنى وليس منّي.
يقول ذلك أربع مرات، يشير في كل مرة بيده إلى زوجته، إن كانت حاضرة.
ثم يقول في المرة الخامسة: بعد أن يعظه الحاكم، ويحذّره من الكذب، يقول: وعلىّ لعنة الله إن كنت من الكاذبين.
دليل هذا اللعان:
ويستدلّ على تشريع اللعان بالنسبة للزوج يقول الله عز وجل:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ {6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 6 - 7]
ويستدل من السنة بما رواه البخاري (الطلاق، باب: التلاعن في المسجد، رقم: 5003) ومسلم (أول كتاب اللعان، رقم: 1429) عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رجلاً من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله. أرأيتَ رجلاً وجد من امرأته رجلاً، أيقتله، أم كيف يفعل؟ فأنزل الله في شأنه ما ذُكرَ في القرآن من أمر المتلاعنين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" قد قضى الله فيك وفي امرأتك ". قال فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد.
وفي رواية: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأحكام التي تترتب على لعان الزوج:
إذا لاعَنَ الزوج زوجته، على الكيفية التي ذكرناها، ترتب على ذلك خمسة أحكام:
1ـ سقوط حدّ القذف عن الزوج.
2ـ وجوب حدّ الزنى على الزوجة، إلا أن تلاعن هي أيضاً.
3ـ زوال الفراش، أي انقطاع النكاح بينهما.
4ـ نفي الولد، وانقطاع نسبه عن الزوج إن نفاه في لعانه، وإلحاقه بالزوجة.
5ـ حُرمة كلّ من الزوجين على الآخر إلى الأبد.
روى البخاري (الطلاق، باب: يلحق الولد بالملاعنة، رقم: 5559)، ومسلم (في اللعان، رقم: 1494) عن ابن عمر رضي الله
عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعَنَ بين رجل وامرأته، فانتفى مَن ولدها، ففرق بينهما، وألحق الولد بالمرأة.
وروى أبو داود (الطلاق، باب: في اللعان، رقم: 2250) عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: مضت السنّة بعدُ في المتلاعنين أن يفرّق بينهما، ثم لا يجتمعان أبداً.
كيفية لعان الزوجة:
كما أن لعان الزوج هو السبيل الذي يدرأ عنه حدّ القذف، فإن لعان الزوجة هو السبيل الذي يدرأ عنها حدّ الزنى، الذي يتعلق بها بسبب لعان الزوج.
إما كيفية لعان الزوجة، فهو أن تقول:
أشهد بالله أن فلاناً من الكاذبين فيما رماني به من الزنى. تقول ذلك أربع مرات، ثم تقول في المرة الخامسة: وعلىّ غضب الله إن كان من الصادقين. فإذا قالت ذلك سقط عنها حدّ الزنى
دليل لعان الزوجة:
والدليل على ذلك قول الله عز وجل: {وَيَدْرَأُ {7} عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ {8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 8ـ9].
من أهم شرائط اللعان:
1ـ أن يتقدم القذف على اللعان.
2ـ أن يتقدم لعان الزوج على لعان الزوجة.
3ـ أن يلتزم كل من الزوج والزوجة نصّ الكلمات التي ذكرناها، فلو أبدل أحد الزوجين لفظ الشهادة بغيرها: كالحلف، أو القسم، أو أبدل لفظ
الغضب باللعن، أو العكس، لم يصحّ اللعان. لأن ألفاظ اللعان وردت بنصّها في صريح كتاب الله عز وجل، فيجب المحافظة عليها في صيغة الملاعنة.
4ـ أن يكون بين الشهادات الخمس التي يشهدها كل من الزوجين موالاة وتتابع، فلا يجوز أن يقع ما يعدّ في العُرف فاصلاً بينهما.
5ـ يجب على الحاكم أن ينصح كلاً من الزوجين، ويحذره الكذب ومغبّته، وأن يقول لهما: حسابكما على الله، أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب.
روى الترمذي (الطلاق، باب: ما جاء في اللعان، رقم: 1202) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الرجل، فتلا عليه الآيات، ووعظه وذكره، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها.
ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما صدق.
قال فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات إنه لمن الصادقين، والخامسة إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
ثم ثنى بالمرأة، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم فرّق بينهما.
وفي رواية عند البخاري (الطلاق، باب: قول الإمام للمتلاعنين: أحدكما كاذب
…
.، رقم: 5006) قال النبي صلى الله عليه وسلم لهما " حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها ".
وروى البخاري (الطلاق، باب: يبدأ الرجل بالتلاعن، رقم: 5001) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن هلال بن أمّية قذف امرأته، فجاء
فشهد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الله أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب ".
وروى أبو داود (الطلاق، باب: التغليظ في الانتفاء، رقم 2263) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية المتلاعبين: " أيّما امرأة أدخلت على قوم مَن ليس منهم، فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته. وأيما رجل جحد ولده، وهو ينظر إليه احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين ".
نسأل الله تعالى اللطف في الدنيا والآخرة.