الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَضَاَنة:
تعريف الحصانة:
الحصانة لغة: مأخوذة من الحِضْن، وهو الجنب، لأن الحاضنة من شأنها أن تردّ المحضون إلى جنبها.
والحضانة في اصطلاح الشريعة الإسلامية: هي حفظ مَن لا يستقل بأمر نفسه،
…
وتربيته بمختلف وجوه التنمية والإصلاح، وتنتهي بالنسبة للصغير إلى سن التمييز.
أما رعايته بعد ذلك إلى سن البلوغ، فتسمى: كفالة، لا حضانة.
حكمة مشروعية الحضانة:
إن الحكمة من مشروعية الحضانة، إنما هي تنظيم المسؤوليات المتعلقة برعاية الصغار، وتربيتهم.
إذ ربما تفارق الزوجان، أو اختلفاً، أو تعاسرا فيما يتعلق بالنظر لتربية صغارهما.
فلو ترك الأمر لما ينتهي إليه شقاقهما، أو لما يقرره المتغلب من الطرفين في الخصومة، كان في ذلك ظلم كبير للصغار، وإهدار لمصلحتهم. وربما كان في ذلك رج بهم في أسباب الشقاء والهلاك.
لذلك كان لابدّ من وضع ضوابط تحدد أصناف المسؤولين عن
حضانة الصغار، ورعايتهم، وتصنفهم حسب الأولوية، بحيث لا تتأثر مصلحة الصغار، بأيّ شقاق، أو خلاف يقع بين أولياء أُمورهم.
من هو الأحق بالحضانة؟
إذا فارق الرجل زوجته، وكان له منها ولد، ذكر أو أنثى، وكان دون سن التمييز، فإن الأم أحق من الأدب بحضانته.
أسباب تقديم الأم في الحضانة على الأب:
إن الأم أحق بالحضانة من الأب، للأسباب التالية:
1ـ لوفور شفقتها، وصبرها على أعباء الرعاية والتربية.
2ـ لأنها ألين بحضانة الأطفال، ورعايتهم، وأقدر على بذل ما يحتاجون إليه من العاطفة والحنو.
الدليل على حق الأُم في الحضانة:
والدليل على أن الحضانة من حق الأُم، وأن حقها مقدّم على حق الأب في ذلك: ما رواه أبو داود (الطلاق، باب: مَن أحقّ بالولد، رقم: 2276) عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا، كان بطني له وعاءً، وثديي له سقاءً، وحجري له حواءً، وإن أباه طلّقني، وأراد أن ينزعه منّي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنت أحق به ما لم تنكحي ".
[حواء: الحواء اسم للمكان الذي يحوي الشيء ويضمه].
مَن أحقّ بالحضانة بعد الأم؟
إذا لم توجد أم الطفل، أو وجدت، ولكنها رفضت أن تحضنه، كان الحق في الحضانة لمن بعد الأُم، وكانت الأفضلية لأم الأم. والمقصود بها: جدّة تدلي إلى الطفل بأنثى، تقدّم القربى، فالقربى.
ثم لأم الأب. ثم أُمهاتها، تقدم القربى فالقربى.
ثم للأخت الشقيقة. ثم للأخت من الأب. ثم للأخت من الأم.
ثم الخالة. ثم العمّة.
ثم بنات الأخ، ثم بنات الأُخت.
الحكمة في تقديم الإناث في الحضانة:
والحكمة في هذا التقديم للإناث في حق الحضانة هي ما قلناه في الأُم، فإن الإناث غالباً ما يكن ألين بحضانة الأطفال، ورعايتهم، وأصبر على مشاكلهم، وأقدر على بذل ما يحتاجون إليه من الحنو والعاطفة.
حضانة الرجال:
قلنا إن حق النساء في الحضانة مقدّم، لأنهن أليق بها، ولكن إذا لم يكن هناك امرأة قريبة للطفل، أو كانت، وأبت أن تحضنه، فهل ينتقل هذا الحق إلى الرجال؟ نعم ينتقل حق الحضانة إلى الرجال، فيقدّم منهم المحرم الوارث، على ترتيب الإرث، إلا الجد فإنه يقدّم على الإخوة، ثم الوارث غير المحرم، على ترتيب الإرث أيضاً. فيقدم:
الأب، ثم الجد، وإن علا.
ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، فابن الأخ لأب، ثم العمّ الشقيق، ثم العم لأب. ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب.
وإنما قدّم الأقرب فالأقرب في حق الحضانة، لأن الأقرب أوفر شفقة على الغالب من الأبعد، وأكثر حرصاً على حق الرعاية، وحُسن التربية؛ ومصلحة الصغار.
اجتماع الرجال والنساء من أقرباء الأطفال:
إذا اجتمع ذكور وإناث من أقارب الطفل، وتنازعوا في الحضانة، قدّمت:
الأم، لحديث أبي داود السابق، ولأنها ـ كما قلنا ـ أوفرهم شفقة على الطفل.
ثم أُمهات الأم، المدليات بإناث، كما ذكرنا، لأنهنّ في معنى الأم في الشفقة، تقدم القربى، فالقربى.
ثم يقدّم الأب، لأنه الأصل.
ثم الجدّة أُم الأب، ثم الجد أبو الأب.
ثم الأخت الشقيقة، ثم الأخ الشقيق، وهكذا.
فإذا استووا في القرب، وكانوا ذكوراً وإناثاً: كإخوة أشقاء وأخوات شقيقات، قدّم الإناث على الذكور، لما قلنا، من أن الحضانة بهنّ أليق، وهنّ لها أفضل.
وإن كانوا ذكوراً فقط، أو كنّ إناثاً فقط، وتنازعوا في الحضانة، أقرع بينهم، فأيّهم خرجت قرعته، سُلَّم إليه الطفل.
إلى متى تستمر الحضانة للطفل:
تستمر فترة الحضانة شرعاً إلى أن تتكامل في الطفل التمييز، والمقصود بالتمييز أن يستقل الطفل بشؤونه الخاصة، دون الحاجة إلى معونة أحد.
والمراد بشؤونه الخاصة: تناول الطعام والشراب، وقضاء الحاجة، والتنزّه من الأدران، والقيام بأعمال الطهارة، من وضوء ونحوه. وقد حدّد سن التمييز بسبع سنين، إذ يتكامل التمييز عنده غالباً. فإذا أتمّ الطفل السابعة من عمره، وكان مميزاً، فإن مدّة الحضانة تنتهي عند ذلك.
وتبدأ مرحلة أخرى من الرعاية تسمي: كفالة.
فإذا أتمّ الطفل، سن السابعة، وكان مميزاً، فإنه يخيّر إذ ذاك بين أبويه، فأيّهما اختار سلّم إليه.
ودليل ذلك: ما رواه الترمذي (الأحكام، باب: ما جاء في تخيير
الغلام بين أبويه إذا اقترفا، رقم 1357) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاماً بين أبيه وأمه.
وفي رواية عند أبي داود (الطلاق، باب: مَن أحق بالولد، رقم: 2277) وغيره: أن امرأة جاءت، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" استهما عليه " فقال زوجها: من يحاقني في ولدي،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هذا أبوك، وهذه أُمك، فخذ بيد أيّهما شئت " فأخذ بيد أُمه، فانطلقت به.
[بئر أبي عنبة: بئر معين، والظاهر أنه كان في مكان بعيد. وهي تغني: أن ولدها قد كبر، وأصبح يستطيع القيام بما ينفعها، بعد أن قامت بتربيته، حيث كان صغيراً، لا ينفعها بشيء. استهما: أي اقترعا. يحاقني: يخاصمني].
ثم إن اختار المميز أباه، ففقد الأب، أو سقطت أهليته، نزل الجد منزلته، وإن علا، ومثله الأخ والعم، ومثلهما ابن العم عند فَقْد الأخ والعم، على الترتيب الذي ذكرناه سابقاً.
إلا أن تكون فتاة مُشتهاة، أو في سن المراهقة، فلا يجوز بقاؤها في كفالة ابن عمّها، فإن لم يكن غيره، وجي أن تكون عند امرأة موثوقة يعينها ابن العم.
حكمة تخيير الطفل بين أبويه عند بلوغه التمييز:
علمنا سبب تقديم حق الأم في الحضانة على الأب، كما علمنا السبب في انتهاء مدة الحضانة بتكامل التمييز عند الطفل، أو الطفلة، وذلك، لأن فترة ما قبل التمييز عند الطفل، أو الطفلة، وذلك، لأن فترة ما قبل التمييز، لا يستغني فيها الصغير عن رعاية الأم، ولا يكاد يقوم مقامها الأب، أو غيره من الرجال.
غير أن الكفالة، إنما هي رعاية عامة، قد يستوي في القدرة عليها
كلّ من الأب والأم، وذلك بسبب قدرة الطفل على أن يستقل بالكثير من شؤونه، وبسبب توفر الطاقة العقلية عنده في الجملة.
فناسب بعد هذا كله، أن يعطى الطفل الخيار بين أبويه، أو مَن يقوم مقامهما، يختار أيّهما شاء.
شروط الحضانة:
يشترط للحضانة أن يتوفر فيها الشروط التالية:
أولاً: العقل:
فلا حضانة لمجنون، أو مجنونة، ولو كان جنوناً متقطعاً، لأن الحضانة ولاية، وليس المجنون من أهل الولاية، إذ يتأتى منه الحفظ والرعاية، بل هو نفسه محتاج إلى الرعاية والحفظ.
ثانياً: الإسلام:
وذلك إذا كان المحضون مسلماً، ولو حكماً، بأن كان أحد أبويه مسلماً، فإنه يتبع أشرف الأبوين في الدين.
فلا تجوز حضانة الكافر للمسلم، ذلك لأن الحضانة، ولاية ـ كما قلنا ـ ولا ولاية للكافر على المسلم.
ولأن الكافر، ربما يفتن الصغير عن دينه، بشتى الوسائل والأساليب.
لكن إذا كان المحضون كافراً، كان لكلّ من المسلم والكافر حضانته.
ثالثاً: العفة والأمانة:
والمراد بالعفة والأمانة: أن لا يكون الحاضن فاسقاً، إذ الفاسق لا يلي، ولا يؤتمن على شيء، وإنما ينبغي أن يكون عدلاً ذا عفّة ودين.
ثم إن العدالة تثبت بالظاهر المشاهد، ولا يشترط لثبوتها شهادة وبيِّنات، إلا إذا وقع نزاع في أهلية الحاضن، وعدالته، فلا بدّ عندئذ من
ثبوت عدالته عند القاضي بناءً على الأدلة والبيِّنات.
رابعاً: الإقامة:
وذلك بأن يكون صاحب الحق في الحضانة مقيماً في بلد الطفل.
فلو سافرت الأم ـ وهي صاحبة الحق في حضانة طفلها ـ سفر حاجة:
كحج، وتجارة ونزهة ونحوها، لم تمكن من أخذ الطفل معها، وكان المقيم عنده أولى منها إلى أن تعود من السفر، فيسلّم الولد إلى جدته إلى أن تعود الأم.
أما السفر الذي يكون انتقالاً إلى بلدة أخرى، بدون قصد العودة، فإنه لا يستوجب سقوط حق الحضانة، إذا كان الطريق آمناً، وكانت البلدة التي تقصد الحاضن الاستيطان فيها آمنة أيضاً:
فإذا اضطر كل من الأبوين إلى السفر لحاجة، بقي حق الأُم، ولم يعد السفر عندئذ مانعاً من الحضانة:
خامساً: الخلو من زوج أجنبي:
فإذا تزوجت الأم سقط حقها في الحضانة، وإن لم يدخل بها الزوج بعد، أو رضي زوجها أن يدخل الولد داره.
والدليل على ذلك من السنة: فما رواه أبو داود (2276) وذكرناه سابقاً " أنت أحقّ به ما لم تنكحي "(1).
والدليل من المعقول على سقوط حق الأم في الحضانة إذا تزوجت، هو أن الأم إذا تزوجت شغلت عن ولدها بحق الزوج، فلا توجد ضمانة لرعاية شأن الطفل، والنظر في أمره
لكن يستثنى من ذلك حالتان:
(1) انظر الدليل على حق الأم في الحضانة (صفحة 192).
الحالة الأولى: أن يتراضى والد الطفل مع زوج الأم أن يبقى الولد عند أمه، فإن ذلك يبقي حقّها في الحضانة، ويسقط حق الجدّة.
الحالة الثانية: أن يكون زوج الأُم الجديد قريباً للطفل، ممّن له حق حضانته، وإن كانت درجته بعيدة، فإن الأم في حضانة ولدها لا يسقط حينئذ إذا رضي زوجها بحضانته.
ذلك لأن له حقاً في رعايته، ولأن له من الشفقة عليه ما يحمله على التعاون مع أُمه على كفالته، والاهتمام بشأنه.
سادساً: الخلو من الأمراض الدائمة والعادات المؤثرة:
فلو كانت الأُم تعاني من مرض عضال: كالسل، والفالج، أو كانت عمياء، أو صّماء، لم يكن لها حق في حضانته، لأن من شأنها ما يشغلها عن القيام بحق الطفل.
ما يترتب على فَقْد شيء من شروط الحضانة:
إذا فُقِدَ شرط من هذه الشروط الستة التي ذكرناها لاستحقاق الحضانة، سقط حق الحاضنة، وانتقل هذا الحق من يليها، مَن جدة، ثم أخت، ثم خالة، وهكذا.
كيف يتم التأكد من فوات شرط من شروط الحضانة:
يعتمد في التأكد من فوات شرط من شروط الحضانة على واحد من الأمور الثلاثة التالية
الأمر الأول: إقرار الحاضنة:
فإذا أقرّت الأم بأنها متزوجة، أو أنها تعاني من مرض عضال دائم العلّة، سقط حقها في الحضانة.
الأمر الثاني: دعوى المعارض:
إذا ادّعى المعارض في الحضانة: أن الحاضنة فقدت شرطاً من
شروط الحضانة، وكانت دعواه تلك مصحوبة بالبيِّنات المعتمدة، فإن حقها في الحضانة يسقط عندئذ.
ثالثاً: تحقيق القاضي:
تحقيق القاضي، أو الحاكم، وذلك عندما يرتاب ويشكّ في توفر الشروط عند الحاضنة، فإذا ثبت لديه بموجب تحرياته فقدان شرط من شروط الحضانة، فإنه يسقط الحضانة عندئذ في الحضانة.
والله سبحانه وتعالى أعلم
…
.