الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّسَبُ
تمهيد:
النسب: القرابة. والنسب أساس هام لأحكام كثيرة متنوعة:
كالإرث، والنكاح حلَاّ وحرمة، والولاية، والوصية، وغير ذلك. من أجل ذلك كان لابدّ من بيان الدلائل التي يثبت بها النسب، وضبطها بما لا يدع مجالاً لريبة، أو اضطراب في طريق إثباتها. فكيف يثبت النسب بين شخصين ثبوتاً ِشرعياً، تترتب بموجبه الأحكام الشرعية المتعلقة به؟.
مثبتات النسب: يثبت النسب شرعاً بواحد من الموجبات التالية:
الأول: الشهادة: ويشترط في الشهادة رجلان ممّن توافرت فيهم شروط صحة الشهادة تحملاً وأداء، وقد مّرت هذه الشروط في النكاح، فلا يثبت النسب بشهادة النساء، ولا بشهادة رجل وامرأتين، لأن النسب فرع من النكاح، والنكاح مما لا يطّلع عليه في الغالب إلا الرجال. فلا تقبل شهادة النساء فيه.
الثاني: الإقرار: وذلك بأن يقرّ الرجل أنه والد زيد مثلاً، أو أن يقرّ زيد بأنه ابن ذلك الرجل
شروط صحة الإقرار:
وإنما يعتبر هذا الكلام من كلَّ منهما، ويعُدّ إقراراً، إذا توفرت في الشروط التالية:
1ـ أن لا يكذب هذا الإقرار الحسنَُ، وذلك بأن يكونا في سن يمكن أن يكون هذا الابن من ذلك الأب.
فلو كان في سن لا يتصور أن يكون منه، كأن كان مساوياً له في السن لم يصحّ هذا الإقرار، ولم يثبت به نسب، لتكذيب الحسّن له.
2ـ أن لا يكذب هذا الإقرار الشرعُ. وتكذيب الشرع له: أن الولد المستلحق بالإقرار معروف النسب من غير المقَّر، لأن النسب الثابت من شخص لا ينقل إلى غيره بالإقرار، سواء صدّقة المستلحق أم غيره.
3ـ أن يصدّق المستحلقُ المقرٌَ، إن كان هذا المستلحق أهلاً للتصديق، بأن يكون مكلفاً، لأن له حقاً في نسبه، وهو أعرف به من غيره.
4ـ أن لا يجّر المقر بهذا الإقرار نفعاً إلى نفسه، أو يدفع عنها به ضرراً، فإن استلزم واحداً منهما، لم يُعد يسمى كلامه إقراراً، بل هو ادّعاء، ولا يقبل الادعاء إلا إذا ثبت ببينه من شهادة ونحوها.
مثال ذلك:
أن يقول عن شاب مات عن ثروة من المال: إنه ابني، فلا يقبل كلامه، ولا يعتبر إقراراً، ولا شهادة، لأن الإقرار من شأنه أن يجرّ مَغْرماً، أو مسؤولية على المقرّ.
ولأن الشهادة إنما تعتبر حيث لا تستلزم نفعاً للشاهد، ولا تدفع عنه ضرراً.
ودليل ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تجوز شهادة الظِّنين.
الترمذي (الشهادات، باب: ما جاء فيمن لا تجوز شهادته، رقم: 2299).
والظنِّين: المتهم. والجارّ إلى نفسه نفعاً، والدافع عنها ضرراً متهمان.
وإنما يدخل هذا الكلام عندئذ في الاّدعاء، والاّدعاء لا يقبل إلا إذا عزّرته البيَّنة المعتبرة شرعاً.
ومنها: أن يشهد شاهدان عدلان بصدق كلامه.
الثالث: الاستفاضة: وصورة الاستفاضة: أن ينتسب الشخص إلى رجل، أو قبيلة، والناس في تلك البلدة ينسبونه إلى ذلك الشخص، أو تلك القبيلة، دون وجود مخالف، ودون أن يُحدّ ذلك في فترة قصيرة من الزمن.
فهذه الاستفاضة تنزل منزلة الشهادة الصحيحة، وتعتبر دليلاً شرعياً على صحة الأمر.
بشرط أن يكون الناس ـ الذين استفاض عنهم وبينهم ذلك ـ قد بلغوا من الكثرة مبلغاً، يحيل العقل اتفاقهم على الكذب.
والسبب في تنزيل الاستفاضة في ثبوت النسب منزلة الشهادة الصحيحة: أن النسب من الأمور الثابتة المستمرة مع توالي الأجيال، فإذا طالت مدتها عَسُرَ إقامة البيَّنة على ابتدائها، فمسّت الحاجة إلى إثباتها بالاستفاضة.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم ينتسبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبائلهم، وأجدادهم، فما كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يطالبهم بالشهود الذي يثبتون النكاح رؤية بالعين. بل كان يكتفي باستفاضة الخير بين الناس، دون وجود مخالف. وكانت الأحكام تبنى على ذلك.
ثبوت الرضاعة:
لقد علمت سابقاً أن الرضاعة لها حكم النسب في التحريم. فكذلك لها حكم النسب في طرق الثبوت. فتثبت الرضاعة من المثبتات الثلاثة السابقة:
الشهادة، الإقرار، الاستفاضة.
غير أن شهود الرضاعة، لا يشترط فيهم أن يكونوا ذكوراً، كشهود النسب.
بل تجوز في الرضاع شهادة النساء فقط، لأن الرضاعة مما يغلب أن تطلع عليها النساء
وبناءً على ذلك، فالشهادة المقبولة في ثبوت الرضاع هي:
أـ شهادة رجلين عدلين.
ب ـ شهادة رجل عدل، وامرأتين عادلتين.
ج ـ شهادة أربع نسوة عادلات.
الأحكام المتعلقة بالنسب:
إذا عرفت ما تقدم، فاعلم أن هناك أحكاماً كثيرة تترتب على ثبوت النسب بين شخصين
نذكر منها ما يلي:
أولاً: أحكام النكاح حلاًّ وحرمة
ثانياً: أحكام الفقه، وتنسيق المسؤوليات المتعلقة بها.
ثالثاً: الولاية ودرجاتها.
رابعاً: الميراث، وتوزيع الأنصباء، وتنسيق درجات الوارثين.
خامساً: الوصية وأحكامها من صحة وبطلان، فإن كثيراً من أسباب ذلك إنما يعود إلى النسب، وإلى معرفة: هل الموصى له وارث، أو غير موروث.
هذا عرض مختصر لأهم الأحكام المترتبة على ثبوت النسب. ومثل النسب في بعض هذه الأحكام الرضاع.
أما مجال تفصيل هذه الأحكام، فإن لكلِّ منا باباً خاصاً به، بعض هذه الأبواب قد مرّ ذكرها، وبعضها يأتي بحثه إن شاء الله تعالى، وإننا نحيل إليه تفصيل القول في ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.