الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّدَاق
أحكامه ـ المغالاة في المهور
تعريف الصداق:
الصداق هو المال الذي وجب على الزوج دفعه لزوجته بسبب عقد النكاح.
وسمي صداقاً، لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح.
أحكام الصداق:
للصداق عدة أحكام نذكرها فيما يلي:
أـ حكمه:
الصداق واجب على الزوج بمجرد تمام عقد الزواج، سواء سمي في العقد بمقدار معين من المال: كألف ليرة سورية مثلاُ، أو لم يسمِّ، حتى لو اتفق على نفيه، أو عدم تسميته، فالاتفاق باطل، والمهر لازم.
ب ـ دليل وجوبه:
ودليل وجوب الصداق القرآن، والسنّة، والإجماع.
أما القرآن: فقوله تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] أي عطية، والمخاطب بذلك هم الأزواج. وقوله عز وجل:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24] أي مهورهن. وقال تعالى: {لَاّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] أي تعينوا لهن مهراً.
وأما السنّة: فما رواه البخاري (فضائل القرآن، باب: خيركم مَن تعلم القرآن وعلمه، رقم: 4741)، ومسلم (النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به، رقم: 1425) عن سهل بن سعد رضي الله عنه قالت: " ما لي في النساء من حاجة " فقال رجل: زوِّجنيها، قال:" أعطها ثوباً " قال: لا أجدْ. قال: " أعطها ولو خاتماً من حديد "، فاعْتَلَّ له. فقال:" ما معك من القرآن؟ " قال: كذا وكذا. قال: " فقد زوَّجتُكَها بما معك من القرآن. "
[وهبت نفسها: جعلت له أمرها. فاعتلّ له: تعلل أنه لا يجده].
وأما الإجماع: فقد اتفقت كلمة العلماء على وجوبه من غير نكير من أحد.
ج ـ حكمة تشريع الصداق:
والحكمة من تشريع المهر إنما هي إظهار صدق رغبة الزوج في معاشرة زوجته معاشرة شريفة، وبناءً على حياة زوجية كريمة.
كما أنه فيه تمكين للمرأة من أن تتهيأ للزواج بما تحتاجه من لباس، ونفقات.
وإنما جعل الإسلام الصداق على الزوج، رغبة منه في صيانة المرأة، من أن تمتهن كرامتها في سبيل جمع المال، الذي تقدمه مهراً للرجل.
د ـ تسمية الصداق في العقد:
يسنّ تسمية المهر ـ أي تحديد مقداره ـ في عقد الزواج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُخلِ نكاحاً من تسمية المهر فيه، ولأن في تسميه دفعاً للخصومة بين الزوجين.
وإنما لم يحملوا فعله صلى الله عليه وسلم على الوجوب، للاجتماع على جواز إخلاء
عقد الزواج من تسمية المهر، وإن كان مع الكراهة، لمخالفة فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
هـ ـ ملكية المهر:
والمهر ملك الزوجة وحدها، لا حق لأحد فيه من أوليائها، وإن كان لهم حق قبضه، لكنهم يقبضونه لحسابهم وملكها. قال الله تعالى:{فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [النساء: 20] وقال عز وجل: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} [النساء: 4].
وـ حدّ المهر:
لا حدّ لأقل المهر، ولا لأكثره، فكلّ ما صحّ عليه اسم المال، أو كان مقابلاً بمال، جاز أن يكون مهراً، قليلاً كان أو كثيراً، عيناً أو ديناً، أو منفعة: كسجادة، أو ألف ليرة، أو سكنى دار، أو تعليم حرفة.
ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم
…
} [النساء: 24].
فإنه أطلق المال، ولم يقدره بحدّ معين.
وقال صلى الله عليه وسلم: " أعطها ولو خاتماً من حَديد ".
رواه البخاري (فضائل القرآن، باب: خيركم مَن تعلم القرآن وعلمه، رقم: 4741)، ومسلم (النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به، رقم: 1425)، وروى الترمذي
(النكاح، باب: ما جاء في مهور النساء، رقم: 113) عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه: " أرضيت من نفسك ومالك بنعلين "؟ قالت: نعم، فأجازه. وقال تعالى:{وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاًً} [النساء: 20]. فقد
أباح أن يقدم الزوج لزوجته قنطاراً. والقنطار: المال الكثير فدلّ على أنه لا حدّ للمهر في الكثرة.
لكن يستحب أن لا يقل المهر عن عشرة دراهم، خروجاً من خلاف من أوجب ذلك، وهم الحنفية.
وكذلك يستحب أن لا يزيد عن خمسمائة درهم، لأنه الوارد في مهور بناته وزوجاته، عليه الصلاة والسلام.
روى أحمد وأصحاب السنن ـ وصححه الترمذي (النكاح، باب: ما جاء في مهور النساء، رقم: 1114) ـ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لا تغلوا صدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى في الآخرة، لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثني عشرة أوقية).
والأوقية: أربعون درهماً، فيكون مجموع المهر: أربعمائة وثمانين درهماً. وهذا المقدار يساوي نصابين ونصف للزكاة تقريباً كما هو معلوم في نصاب الزكاة الذي تجب فيه الزكاة من الفضة، وذلك يختلف حسب نقد البلد وتقويم هذا المقدار من الفضة.
ز ـ تعجيل المهر وتأجيله:
لا يشترط تعجيل المهر، بل يصحّ تعجيله كله قبل الدخول، ويصحّ تأجيله كله، أو تأجيل بعضه إلى ما بعد الدخول، ولكن يشترط أن يكون الأجل محدداً، وذلك لأن المهر ملْك الزوجة، فلها الحق في تعجيل وتأجيل ما شاءت منه.
وإذا كان المهر معجّلاً، كان للزوجة الحق في حبس نفسها عن زوجها حتى تقبض معجّل مهرها.
أما إذا كان المهر مؤجلاً، فلا حق لها في حبس نفسها عن زوجها، لأنها رضيت بالتأجيل، فسقط حقها في حبس نفسها.
ح ـ استقرار المهر، أو نصفه، وسقوطه:
تبين مما ذكرنا سابقاً أن المهر يجب للزوجة على لزوج بالعقد الصحيح.
وسنذكر الآن الحالات التي يستقر بها المهر على الزوج كله، أو نصفه، والحالات التي يسقط فيها المهر:
1ـ استقرار كل المهر:
ويستقر المهر كله في حالتين:
الأولى: فيما دخل الزوج بزوجته، سواء كان ذلك الدخول في حال حل: كما إذا كانت المرأة طاهرة من حيض، أو كان في حال حُرمه: كما إذا كانت حائضاً. فإذا دخل بها لزمه المهر كله، لأنه استوفى المعقود عليه وهو الاستمتاع، فلزمه العَوَض.
دلّ على ذلك قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}
[النساء: 24] والمراد بالاستمتاع هنا الدخول والتلذّذ بالجماع، والمراد بالأجور المهور، وسمي المهر أجراً لأنه استحقّ بمقابل المنفعة، وهي ما ذكر من التلذّذ والاستمتاع.
وروى مالك في الموطأ (النكاح، باب: ما جاء في الصداق والحياء: 2/ 526) عن عمر رضي الله عنه: (أيُّما رجل تزوج امرأة
…
. فمسَّها فلها صداقها كاملاً). فمسّها أي دخل بها ووطئها.
الثانية: موت أحد الزوجين، سواء حصل الموت قبل الدخول، أو بعده.
ودليل ذلك إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
2ـاستقرار نصف المهر:
ويستقر على الزوج نصف مهر زوجته في حالة واحدة، وهي:
ما إذا طلقها بعد عقد صحيح، سمي المهر فيه تسمية صحيحة، وكان هذا الطلاق قبل أن يدخل بها.
ودليل هذا الحكم قول الله عز وجل: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237].
ومعنى من قبل أن تمسُّوهن: أي من قبل أن تدخلوا بهنّ. ومعنى فرضتم: أي سمّيتم لهن مهراً.
3ـ سقوط المهر كله:
ويسقط المهر كله عن الزوج إذا فارقت الزوجة زوجها قبل الدخول بها، وكان هذا الفراق ناشئاً بسبب منها، كما إذا أسلمت، فانفسخ النكاح، أو ارتدّت، أو فسخت النكاح لعيب في الزوج، أو فسخ الزوج النكاح لعيب فيه، فإنه يسقط المهر في هذه الحالات كلها، لأنها هي السبب في هذه الفرقة، وهي المختارة لها، فكأنها أتلفت المعوّض قبل التسليم، فسقط العوَض.
والمعرض: هنا: هو تمكينها زوجها من نفسها. والعوض: هو المهر.
ط ـ مهر المثل:
تعريف مهر المثل:
ومهر المثل: هو المال الذي يطلب في الزواج لمثل الزوجة عادة.
تقديره:
ويقدّر مهر المثل بالنظر لأقرباء المرأة بالنسب من جهة أبيها.
فيراعي في المرأة المطلوب مهر مثلها أقرب مَن تنتسب إليه من نساء العصبة.
وأقربهنّ: أخت لأبوين، ثم لأب، ثم بنات أخ، ثم عمّات.
كما يراعى كونهنّ مساويات لها في الصفات التي سيأتي ذكرها.
فإن فقدَ نساء العصبة، أو لم ينكحن، اعتبر مهر الأقرب فالأقرب من أرحامها، وهنّ أقرباؤها من جهة أمها، كأم، وجدّة، وخالة، وبنات أخوات، لأنهنّ أولى من الأجنبيات.
فإن فقدت القريبات من جهة الأم أعتبر مثلها من الأجنبيات في بلدها، ممّن يساويها في الصفات الآتية.
الصفات المعتبرة في تقدير مهر المثل:
ثم يعتبر في تقدير مهر المثل مع النسب المساواة في الصفات التالية:
السن، والعقل، والجمال، واليسار، والعفّة، والدين، والتقوى، والعلم، والبكارة، والثيوبة، وكل ما اختلف به غرض صحيح، لأن المهور تختلف باختلاف هذه الصفات.
دليل مشروعية مهر المثل:
ويستدل لثبوت مهر المثل وتقريره: بما رواه أبو داود (النكاح، باب: فيمن تزوج ولم يسمِّ صداقاً حتى مات، رقم: 2114)، والترمذي (النكاح، باب: ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنه قبل أن يفرض لها، رقم: 1145) بسند حسن صحيح، وغيرهما: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن رجل تزوج امرأة، ولم يفرض لها مثل صداقاً ولم نسائها، ولا وَكْسَ، ولا شَطَطَ، وعليها العدَّةُ، ولها الميراثُ، فقام معقل بن منّا، مثل الذي قضيتَ، ففرح بها ابن مسعود رضي الله عنه.
موجبات مهر المثل:
ويجب مهر المثل للأسباب التالية:
أـ إذا كان عقد النكاح فاسداً، وذلك كأن فَقَدَ العقد شرطاً من شروط صحته، كأن تزوجت من غير شهود، أو من غير وليّ. ثم تبع ذلك
العقد الفاسد دخول بالزوجة. فإنه يجب لها مهر المثل، لفساد العقد والمسمى، مع وجوب التفريق بينهما.
ويقدّر مهر المثل وقت الدخول بها، لا وقت العقد عليها، لأن العقد الفاسد لا اعتبار له
ب ـ إذا فسخ المهر بسبب الخلاف بين الزوجين في تسميته، أو مقداره. فإذا اختلف الزوج والزوجة في تسمية المهر، فقالت الزوجة: سمّيت لي مهراً في العقد، وقال الزوج: لم أسَم مهراً، حلفت الزوجة على ما تدّعي، وحلف الزوج على ما يدّعي، ثم يفسخ المهر، ويجب مهر المثل.
كذلك إذا اختلفا في مقدار المهر، فقالت الزوجة: إن ألفان، وقال الزوج: إنه ألف، فإنهما يتحالفان، ويفسخ المهر، ويجب مهر المثل.
ج ـ إذا سمي المهر تسمية فاسدة:
ويكون فساد في مسائل نذكر منها ما يلي:
المسألة الأولى: أن يكون المهر المسمى غير مال شرعاً: كخمر، وخنزير، وآلة لهو، ونحو ذلك مما لا يُعدّ مالاً في عُرف الشرع، لأن الشرع أوجب أن يكون المهر مالاً، أو مقابلاً بمال، وهذه ليست مالاً شرعاً.
المسألة الثانية: أن يكون المال الذي سمّاه مهراً غير مملوك له: كأن أصدقها سجادة مغصوبة
المسألة الثالثة: أن ينكح امرأتين أو أكثر بمهر واحد، فإن النكاح صحيح، والمهر فاسد، ويجب مهر المثل لكل واحدة، للجهل بما يخصّ كل واحدة من المهر عند العقد.
المسألة الرابعة: أن يزوّج الوليّ صغيراً بأكثر من مهر المثل من مال الصبي، أو أن يزوّج صغيرة، أو بكراً كبيرة بغير إذنها بأقل من مهل المثل، فإن المهر يفسد في ذلك، ويجب مهر المثل، لأن الوليّ مأمور بفعل ما فيه المصلحة لهما، والمصلحة منتقية هنا.
المسألة الخامسة: المفّوضة: وهي أن تقول امرأة رشيدة ـ بكراً كانت أو ثيباً ـ لوليّها: زوِّجني بلا مهر، فزوجها وليها ونفي المهر، أو زوجها وسكت عن المهر، فإنه يجب لها مهر المثل، ولكن لا بنفس العقد، وإنما بالدخول بها، لأن الدخول بها لا يُباح بالإباحة، لما فيه من حق الله عز وجل، ويعتبر مهر المثل عند العقد، لا عند الدخول.
ولها أن تطالب الزوج أن يفرض لها مهراً قبل الدخول، وأن تحبس نفسها عنه حتى يفرض لها مهر مثلها.
المسألة السادسة: أن يشترط في عقد الزواج أن يكون جزء من المهر لغير الزوجة: كأبيها، أو أخيها، فإن النكاح صحيح، والمهر فاسد، ويجب لها مهر المثل.
تنبيه:
الشروط في عقد النكاح على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون الشرط موافقاً لمقتضى النكاح: كأن شرطت عليه أن ينفق عليها، وأن يقسم لها.
فهذا الشرط لغو، وعقد النكاح والمهر المسمى صحيحان.
القسم الثاني: أن يكون الشرط مخالفاً لمقتضى النكاح، لكنه غير مُخلّ بمقصود النكاح الأصلي وهو الوطء، كأن تشترط عليه في عقد الزواج أن لا يتزوج عليها، أو يشترط عليها أن لا ينفق عليها.
فإن عقد النكاح صحيح لعدم الإخلال بمقصوده الأصلي، والشرط
فاسد، سواء كان له، أو لها. لقوله صلى الله عليه وسلم: " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل.
رواه البخاري (المساجد، باب: ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، رقم: 444).
ويفسد المهر أيضاً تبعاً لفساد الشرط، لأن الرضا بالمهر قد علِّق على شرط، فلما فسد الشرط فسد المهر، لانتقاء الرضا بالمهر بغير ما شُرط فيه.
القسم الثالث: أن يكون الشرط مخلاً بمقصود النكاح الأصلي، وهو الوطء: كأن شرطت عليه في العقد أن لا يطأها، أو أن يطلقها بعد النكاح.
فالنكاح باطل، لأن هذا الشرط ينافي مقصود النكاح، فيبطله.
المتعة
تعريف المتعة:
المتعة ـ بضم الميم ـ مشتقة من المتاع، وهو ما يستمتع به وينتفع به.
والمراد بها هنا: مال يجب على الزوج دفعه لامرأته المُفارِقة له بطلاق، أو فراق.
لمن تجب المتعة:
المتعة واجبة للمرأة في الحالات التالية:
أـ إذا طُلٌَّقت بعد الدخول بها.
ب ـ إذا طُلَّقت قبل الدخول بها، ولم يكن سمّي لها مهر في عقد الزواج.
ج ـ إذا حكم بفراقها لزوجها، وكان الفراق بسبب منه، كردّته، ولعانه، وكان هذا الفراق قد وقع بعد الدخول ولكن بشرط أن لا يكون قد سمي لها مهر في عقد الزواج.
أما المرأة المطلّقة قبل الدخول، وقد سمي لها مهر في عقد الزواج، فلا متعة لها، لأنها قد نالت نصف المهر، وهي لم تبذل لزوجها شيئاً بعد.
دليل وجوب المتعة:
أما دليل المتعة ذكرنا فهو قوله عز وجل: {لَاّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن
طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] وقال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}
[البقرة: 241].
مقدار المتعة:
عند تقدر المتعة إما أن يتفق الزوجان على مقدارها، وإما أن يختلفاً:
فإن اتفقنا على مقدار معين من المال ـ قل ذلك المال أو كثر ـ كان ذلك لها، وصحّت المتعة على ما اتفقنا عليه.
وإن اختلفا في تقديرها، فإن القاضي هو الذي يتولى تقديرها، معتبراً حالهما: من يسار الزوج وإعساره، ونسب الزوجة وصفاتها. قال الله تعالى:{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ} [البقرة: 236] وقال عز وجل: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241]
لكن يستحبّ في المتعة أن لا تنقص علن ثلاثين درهماً، أو ما قيمته ذلك، وأن لا تلغ نصف مهر المثل.
الحكمة من تشريع المتعة:
والحكمة من تشريع المتعة تطييب قلب المرأة المطلقة، عند مفارقتها بيت الزوجية، والتخفيف من استيحاشها بسبب ما يلحقها من مفارقة زوجها، وكسر حدّة الألم والكراهية التي قد يسببهما هذا الفراق.
ثانياً ـ المغالاة في المهور
يجعل كثير من الناس المهر كثمن للمرأة، ويظن أن المغالاة فيه إشعار برفعة أُسرتها، وعظيم منزلتها، فذلك يشتطّون في مقدار المهر، ويغالون في تكبيره وتكثيره إظهاراً منهم لقيمة المخطوبة، وتعزيزاً لمكانة
أسرتها، ومفاخرة على أمثالها في تجهيزها، وأثاث بيتها.
لقد غاب عن خاطر هؤلاء أن المهر لا يعني شيئاً من هذا أبداً. وإنما هو رمز لصدق الرغبة في الزواج، وعطِيّة لتكريم المرأة والتودّد إليها في بناء الحياة الزوجية الكريمة.
كما غاب عن خاطرهم المفاسد الاجتماعية التي تنجم عن هذا الشَطط الممقوت، والضرر الذي يصيب المجتمع، والرجل والمرأة نفسها، كنتيجة لهذا الغلو البشع.
وغاب عن خاطرهم أيضاً: أنهم يخالفون سنّة النبي صلى الله عليه وسلم يسلكون غير طريق البَركَة التي يسببّها يُسْر المهر وبساطته.
ـ أما المفاسد الاجتماعية التي تنجم عن المغالاة في المهور فكثيرة نذكر بعضاً منها:
إن المغالاة في المهور تصرف الشباب عن الزواج، ولاسيما الفقراء منهم، وتحول بينهم وبين الزواج، مما يجعلهم يسيرون في طريق الشيطان، ويلجؤون إلى الفاحشة، ويبحثون عن الرذيلة، فيتبدل الصلاح فساداً، والطمأنينة ثورة، فتتلوّث الأغراض، وتختلط الأنساب، وتكثر الأمراض.
ولو كان للشباب أزواج يعففنهم لحفظوا أخلاقهم، وحصّنوا دينهم، وضمنوا لمجتمعهم السلامة من الإثم والفجور.
ـ وأما المفاسد التي تصيب المرأة نفسها كنتيجة للمغالاة فيكفي أن نذكر منها:
إن كثيراً من النساء سوف يبقين عوانس محرومات من أخص ما تتطلبه فطرتهنّ، وتهفوا نحوه نفوسهنّ، وسيظللن يشعر بفراغ مؤرق يقض مضاجعهنّ، ويشتقن إلى البيت الذي يقضي على وساوسهنّ، ويُشعرهنّ
بنعمة الهدوء والاستقرار، فلا يجدنه، ولا يظفرن به، لان آباءهن طلبوا مهوراً أعجز الكثير من خّطابهنّ.
هذا إذا لم يخرجن إلى الطرقات يعرضن فتنتهنّ، ويفسدن مجتمعهنّ.
أما إذا خرجن ـ كما هو الغالب على هؤلاء العوانس ـ فالضرر عليهنّ أبلغ، والكارثة أعمّ وأفدح.
ـ أما مخالفة السنّة النبوية، فلنستمع إلى ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم في المهر:
روى أحمد (6/ 82) عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أعظم النكاح بركة أيسره مَؤونةً ".
وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيرُ النكاح أيسَرُه " رواه أبو داود (النكاح، باب: في التزويج على العمل يعمل، رقم: 2117) والحاكم وصححه.
فلا بركة إذاً ولا خير إذا أصبح المهر تجارة يطلب من ورائها الثراء، ووسيلة للمكاثرة والمفاخرة بين الأقران.
وروى البخاري (النكاح، باب: كيف يدعى للمتزوج، رقم: 4860) ومسلم (النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به، رقم: 1427) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أثر صُفوة، فقال:" ما هذا "؟ قال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال:" بارك الله لك، أولِمْ ولو بشاة ".
[أثر صفوة: أي صبغ على ثوبه. نواة: بزرة التمر].
لقد دعا له بالبركة كثرة الخير ـ والبركة كثرة الخير - في هذا الزواج وما كان المهر فيه إلا وزن نواة من التمر.
فما هو نصيب هؤلاء المُغالين من هذه البركة؟
وعن أبي العوجاء قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لا تغلو صُدُقَ النساء، فإنها لو كانت مكرُمة في الدنيا، أو تقوى في الآخرة، لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصْدِقت امرأة من بناته، أكثر من ثنتي عشرة أُوقية.
رواه الخمسة، وصححه الترمذي (النكاح، باب: ما جاء في مهور النساء، رقم: 1114).
والخلاصة: أن المغالاة في المهور مكروهة شرعاً، وأن اليُسْر في المهور مندوب، ومن أسباب البركة والخير للرجال والنساء، والمجتمع.