الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم تعدد الزوجات والحكمة من مشروعيته
1ـ حكم تعد الزوجات:
تعدّد الزوجات مُباح في أصله، قال تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3].
ومعنى الآية: إن خفتم إذا نكحتم اليتيمات أن لا تعدلوا في معاملتهنّ، فقد أُبيح لكم أن تنكحوا غيرهن، مثنى وثلاث ورُباع.
ولكن قد يطرأ على التعدّد ما يجعله مندوباً، أو مكروهاً، أو محرماً، وذلك تبعاً لاعتبارات وأحوال تتعلق بالشخص الذي يريد تعدد الزوجات:
أـ فإذا كان الرجل بحاجة لزوجة أخرى: كأن كان لا تعفّه زوجة واحدة، أو كانت زوجته الأولى مريضة، أو عقيماً، وهو يرغب بالولد، وغلب على ظنه أن يقدر على العدل بينهما، كان هذا التعدد مندوباً، لأن فيه مصلحة مشروعة، وقد تزوج كثير من الصحابة رضي الله عنهم بأكثر من زوجة واحدة.
ب ـ إذا كان التعدّد لغير حاجة، وإنما لزيادة التنعّم والترفيه، وشك في قدرته على إقامة العدل بين زوجاته، فإن هذا التعدد يكون مكروهاً، لأنه لغير حاجة، ولأنه ربما لحق بسببه ضرر في الزوجات من عدم قدرته على العدل بينهنّ.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " دْع ما يريبُك إلى ما لا يَريبُك "، أي دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه.
رواه الترمذي (أبواب صفة القيامة، باب: أعقلها وتوكل، رقم: 2520) عن حسن بن علي رضي الله عنهما.
ج ـ وإذا غلب على ظنه، أو تأكد أنه لا يستطيع إن تزوج أكثر من واحدة أن يعدل بينهنّ: إما لفقره، أو لضعفه، أو لعدم الوثوق من نفسه في الميل والحيف، فإن التعدد عندئذ يكون حراماً، لأن فيه إضراراً بغيره، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" لا ضرر ولا ضرَارَ ".
(ابن ماجه: كتاب الأحكام، باب: من بني في حقه ما يضرّ جاره. موطأ مالك: الأقضية، باب: القضاء في المرفق).
وقال الله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُواْ} [النساء: 3].
[فواحدة: أي فانكحوا واحدة فقط. ذلك أدنى أن لا تعولوا: أي أقرب إلى عدم الميل والجور، لأن أصل العول: الميل].
ويجب أن يعلم أنه لو عدّد الزوج في الحالتين الأخيرتين، وعقد على ثانية، أو ثالثة، كان العقد صحيحاً، وترتبت على آثاره: من حلّ المعاشرة، ووجوب المهر، والنفقة وغيرها، وإن كان مكروهاً في الثانية، وحراماً في الثالثة، فالحُرمة توجب الإثم، ولا تبطل العقد.
ما هو العدل المطلوب حصوله بين الزوجات؟
والعدل الذي أوجبه الإسلام على الرجل الذي يجمع بين أكثر من زوجة، إنما هو العدل والمساواة في الإنفاق، والإسكان، والمبيت، وحُسن المعاشرة، والقيام بواجبات الزوجة.
أما المحبة القلبية التي لا تولّد ظلماً عملياً لإحداهنّ فليست من
مقوِّمات العدالة المفروض تحصيلها بين الزوجات، لأنه لا سلطان للإنسان على قلبه في موضوع المحبة، ولعلّ هذا هو الذي عناه القرآن الكريم بقوله تعالى:{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ} . [النساء: 129]. أي لا تستطيعون أن تمسكوا بزمام قلوبكم في تحقيق المساواة في المحبة، فلا يحملنكم الميل القلبي إلى إحداهما أكثر من الأخرى على الظلم والإضرار.
أما العدل فيما ذكرنا من النفقة والإسكان، والمبيت وحُسن المعاشرة، فهذا أمر ممكن لكثير من الناس.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ـ بعد عدله في القسمة والمعاملة بين نسائه ـ: " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ".
رواه أبو داود (في النكاح، باب: في القسم بين النساء، رقم: 2134) والترمذي (في النكاح، باب: التسوية بين الضرائر، رقم: 1140) وغيرهما عن عائشة رضي الله عنهما.
وذلك فيما يتعلق بأمر الحب وميل القلب، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة أكثر من بقية نسائه.
2 ـ الحكمة من مشروعية التعدّد.
إن الإسلام أباح تعدد الزوجات من حيث الأصل، ولم يجعله فرضاً لازماً، ولقد أباح الإسلام هذا التعدّد، لأنه يرمي إلى أهداف بعيدة الغور في الإصلاح الاجتماعي، لا يدركها إلا نافذ البصيرة. وإليك بعض هذه الحكم:
أـ ليحمي من لا يمكن أن تعفّهم زوجة واحدة، وهذا أمر فطري، فيمكن أن يجرهم ذلك إلى ما ليس بمشروع.
فخير لهم وللمجتمع أن يتزوجوا امرأة أخرى في ظل سياج من
الرعاية، وتشريع من الحقوق الملزمة، والكرامة اللائقة، من أن يقعوا في الزنى.
ب ـ وشرعه أيضاً ليحمي المرأة من أن يلهث وراءها أصحاب الشهوات، لا بعقد يضمن ويحمي أبناءها، وإنما عن طريق المسافحة والمخادنة، مما يجعل تلك المرأة عُرضة للطرد والحرمان من كل حق، ويجعل أولادها محرومين من حقوق النسب، وعطف الأبوة.
فلأن تكون زوجة ثانية محفوظة الحقوق والكرامة خير لها ألف مرة من أن تظل أيِّما، أو تعيش خدينة أو عشيقة، مما يعرضها في النتيجة للبؤس والشقاء، وحماية المجتمع من الانحلال والفساد، والفوضى الخلقية.
مبررات تعدد الزواج:
وهناك مبررات تجعل تشريع تعدّد الزواج أمراً بادي الحكمة، واضح الفائدة، وسنضرب لذلك بعض الأمثلة:
1ـ رجل عنده نهم في النساء، وعنده امرأة عزوف عن الرجال، إما فطرة، أو لمرض.
فهل الأفضل أن يزني هذا الرجل، فيضيع الدين والمال والصحة؟ أو يبقى منطوياً على حاجته، معذباً نفسه، أو أن يتزوج امرأة أخرى، بشرط القدرة على الإعالة والعدالة، وعدم الظلم في المعاملة؟
ولا شك أن الحل الثالث هو الأفضل لهذا الرجل، وأنفع للمجتمع وأطهر.
2ـ اندلعت نار الحروب ـ والحروب أصبحت اليوم سنّة الحياة ـ فأبادت
الكثير من الرجال، أو شوّهتهم، وأصبح عدد النساء وافراً يزيد على عدد الرجال كثيراً. فهل من الخير للنساء أن يقتصر كل رجل على زوجة واحدة، وتبقى كثرة كاثرة من النساء محرومة من عطف الرجل المُعيل، ومحرومة من إنجاب الولد الذي لا تجد غيره معيناً ومعيلاً عند كبرها، مما قد يضطرها ـ إرواء لحاجتها ـ إلى ارتكاب الإثم والفواحش؟.
أم الأفضل أن نبيح للرجل أن يضمّ إليه أكثر من زوجة في ظل رعاية شرعية كاملة؟.
إننا لا نظلم المنطق والحق في شيء إذا قلنا: إن التعدد في مثل هذه الظروف يعتبر عملاً إنسانياً تفرضه المروءة والغيرة.
ولا نخالف الواقع إذا قلنا: إن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بأكثر من واحدة من نسائه كان معظمه من هذا النوع الإنساني الشريف.
لقد هاجر بعضهنّ وحيدة، وتركت أهلها، أو مات عنها زوجها شهيداً، وتركها أرملة من غير مُعيل، فخفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجدتها، وضمّها إلى بيته، فكان لها خير مُعيل، وكان لها شرف أمومة المؤمنين، وفضيلة الاقتران بسيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم. ولما حرمت أوربه المسيحية التعدّد، فماذا جنت غير الخيانات الزوجية، أو العذاب النفسي، أو الحرمان لكثير من الزواج؟
3ـ إنسان متزوج من امرأة تحبه ويحبها، لكنها عقيم لا تنجب، وهو يتوق إلى الولد، ويحنّ إليه.
فهل من الأفضل أن نحرم هذا الإنسان الزواج من ثانية، وندعه مظلوم الفؤاد محروم الولد؟
أم نأمره بأن يطلق زوجته التي يحبها، أم نبيح له الزواج بامرأة أخرى، مع حماية الأولى من الظلم؟
إن هذا الحل هو الأفضل من كل ما سبق، فقد راعى مصالح الرجل والمرأة على السواء.
4ـ إن الشعوب التي حرمّت تعدد الزوجات وقعت بما هو أشدّ خطراً، وأكثر ضرراً من ضرر التعدّد المزعوم. لقد كثر فيهم الفساد، وانتشرت فيهم الخيانات الزوجية، والمخادنات السريّة، مما يجعل عُقلاءهم يصرخون مُطالبين بتشريع يحل التعدّد، ويقضي على تلك المفاسد المدمرة لحياتهم الاجتماعية.
تنبيه:
إن إساءة استعمال بعض الجَهَلة لحق التعدّد لا يغضّ من حكمة الإسلام، ولا يحمِّله تبعة رعونة وسفاهة أولئك الجاهلين، وسوء تصرفهم.
فالإسلام، ما أباح التعدّد ليكون سلاحاً للجرح، أو الذبح، أو سوء المعاملة، وإنما شرعة تلبية للحاجة، ووقاية للمجتمع، ورعاية للأفراد، وقضاء على الرزيلة.
لكن تلك المبررات، وبتلك الشروط الشرعية أباح الإسلام التعدّد، ولم يوجبه، وأحاطه بسياج من الضمانات الأخلاقية الحقوقية.
فالإسلام أشبه (بصيدلية) وَعَت جميع الأدوية التي تفي بحاجة الناس جميعهم، يأخذ كل فرد الدواء الذي يتفق وحاجته ومرضه، ليس معقولاً أن نقلِّل من أهمية هذه (الصيدلية) أو نقلِّص من موادها بحيث لا تفي بالحاجة العامة لجميع الأفراد، أو نُبيح جميع ما فيها لكل فرد، ولو بغير حاجة.
هذا وإذا كان أعداد الإسلام لا يعجبهم هذا التشريع، لأنه لا يتفق وأمزجتهم المنحرفة، وأذواقهم الفاسدة، وشهواتهم الرخيصة، فليموتوا بغيظهم، والله من ورائهم محيط.
مقدمات الزواج
تمهيد:
إن سعادة الأسرة، ونجابة الأولاد، واستمرار الحياة الزوجية تتوقف على حسن اختيار كل من الزوجين للآخر، اختياراً واعياً، غير متأثر بعاطفة هوجاء، أو مصلحة مؤقتة، وإنما يكون قائما على أساس يبقى، ويقوى مع مرور الزمن؛ ولما كان عقد الزواج عقداً خطير الأثر، طويل الأمد، كثير التكاليف، كان لابدّ قبل إجراء هذا العقد من خطوات تتخذ من قِبَل كل من الخاطب والمخطوبة، حتى إذا أقدما على عقد الزواج كانا قد أقدما عليه، وقد اطمأن كل منهما إلى الصفات والمؤهلات التي تحقق أغراضه، وتطمئن نفسه إلى مستقبل ارتباطه مع زوجه.
وهذه الخطوات هي:
أولاً: البحث عن الصفات التي تطلب في كل من الزوجين.
ثانيا: رؤية المخطوبة والنظر إليها.
ثالثاً: الخطبة.
أولاً: البحث عن الصفات التي ينبغي أن تطلب في كل من الزوجين:
لقد أرشد الإسلام إلى عدة من الصفات تكون في المخطوبة، كما تكون في الخاطب، وحث على تلمسها، والبحث عنه، وهذه الصفات هي:
1ـ الدين الصحيح والخلق القويم:
يُطلب في الزوج يُختار أن يكون ديناً، ذا خلق حسن، كما يطلب في الزوجة أن تكون دينة، وذات خلق حسن، وإلى ذلك أرشد النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام حين قال:" إذا خطب إليكم من ترْضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض "
(رواه الترمذي في النكاح، باب: ما جاء إذا جاءكم مَن ترضون دينه فزوِّجوه، رقم: 1084)
وقال صلى الله عليه وسلم: " تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يداك ".
رواه البخاري (النكاح، باب: الأكفاء في الدين، رقم: 4802) ومسلم (الرضاع، باب: استحباب نكاح ذات الدين رقم: 1466)
[تربت يداك: افتقرت، وهذه كلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولكن يريدون بها الحثّ والتحريض، والمراد بالدين والأخلاق: فعل الطاعات، والأعمال الصالحات، والعفّة عن المحرمات، والقيام بحقوق الزوجية].
2ـ الحكمة من تفصيل ذات الدين والخلق:
إن الحكمة من ذلك هي أن الدين يقوى على مرور الزمن، والخلق يستقيم مع توالي الأيام وتجارب الحياة.
فإذا اختار كلِّ من الزوجين الآخر لدينه وخلقه، كان ذلك أضمن لاستمرار الحب، ودوام المودّة.
ولا يُفهم مما ذكرنا أن على الإنسان أن يعزف عن الحَسَب والجمال، وإنما يجب أن يفهم أنّ هذه الصفات إذا انفردت في المخطوبة، كان الدين أفضلها، وإذا اجتمعت كانت نوراً على نور.
3ـ النسب في كل من الزوجين:
ومعنى النسب: طيب الأصل، وكرم المنبت، ودليل ذلك ما جاء في حديث الصحيحين السابق تنكح المرأة لأربع، وذكر منها:(ولحسبها).
كذلك يسنّ في الزوج أن يكون ذا حسب، وأصل طيب، لأن ذلك أعون على استدامة الحياة الزوجية، وأقرب إلى طيب العشرة، لأن صاحب الأصل الطيب لا يصدر عنه إلا العِشْرة الكريمة، إذا أحبّ أكرم، وإذا أبغض لا يظلم.
4ـ أن لا يكون بين الزوجين قرابة قريبة:
وقد نصّ الشافعي رحمة الله تعالى على أنه لا يتزوج الرجل من عشيرتيه: أي الأقربين.
وقد علل الزنجاني ذلك بقوله: إن من مقاصد النكاح اتصال القبائل، لأجل التعاضد والمعاونة، وهذا حاصل في القرابة القريبة من غير زواج.
وقد روى: (لا تنكحوا القرابة القريبة، فإن الولد يُخلق ضاوياً) أي نحيفاً، وذلك لضعف الشهوة بين القرابة. ذكر هذا الشربيني في شرحه لمنهاج النووي.
لكن ذكر ابن الصلاح أنه لم يجد لهذا الحديث أصلاً معتمداّ، وقد ذكره ابن الأثير في كتابه [النهاية في غريب الحديث والأثر].
ولا يطعن في هذا الحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد زوّج فاطمة من على رضي الله عنهما، لأنه فعل ذلك لبيان الجواز، أو لأنه ليس بينهما قرابة قريبة جداً، ففاطمة هي بنت ابن عم علي، فهي بعيده عنه بالجملة.
5ـ الكفاءة:
ويقصد بالكفاءة: مساواة حال الرجل لحال المرأة اليوم في عدة وجوه:
أـ الدين والصلاح، فليس الفاسق كفؤاً لعفيفة صالحة، قال تعالى:
{أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18].
ب ـ الحرفة، فصاحب حرفه دنيئة، ككنّاس وحجّام وراع وقيِّم حمام، ليس كفؤا لبت عالم وقاض وتاجر.
ج ـ السلامة من العيوب المثبتة للخيار في فسخ النكاح، فمَن به جنون أو برص ليس كفؤاً للسليمة منها.
والكفاءة في الزواج من حق الزوجة وأوليائها، وهي وإن لم تكن شرطاً في صحة النكاح، لكن مطلوبة ومقررة دفعاً للعار عن الزوجة وأوليائهما، وضماناً لاستقامة الحياة بين الزوجين، وذلك لأن أسلوب حياتهما، ونوع معيشتهما يكونان متقاربين، ومألوفين لهما، فلا يضطر أحدهما لتغيير مألوفة.
فللزوجة وأوليائها إسقاط حق الكفاءة، فلو زوَّجها وليها غير كفء برضاها صحّ الزواج، لأن الكفاءة حقها وحق الأولياء، فإن رضوا بإسقاطها، فلا اعتراض عليهم. ويشير إلى مراعاة الكفاءة، قول النبي صلى الله عليه وسلم:" تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاءَ وانكحوا إليهم ".
رواه الحاكم (النكاح، باب: تخيروا لنطفكم .. ، رقم: 2/ 163) وصححه.
6 -
البكارة:
والبكر: هي التي لم يسبق لها أن تزوجت، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم سبب اختيار الزوجة البكر، حين قال:" عليكم بالأبكارَ، فإنهنّ أعْذَُبُ أفواهاً، وأنتقُ أرحاماً، وأرضى باليسير ".
رواه ابن ماجه في (النكاح، باب: تزوج الأبكار، رقم: 1860).
[أعذب أفواهاً: ألين كلاماً، فهو كناية عن حُسن كلامها وقلّه بذائها
وفحشها مع زوجها، لبقاء حيائها، لأنها لم تُخالط زوجاً قبله. أنتق أرحاماً: أكثر أولاداً].
وروى البخاري ومسلم واللفظ له:
عن جابر رضي الله عنه قال: تزوجت امرأة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا جابر، تزوجت؟ قلت: نعم. قال: بكر أم ثِّيب؟ قلت: ثِّيب. قال: فهلاِّ بكراً تلاعبها؟ قلتْ: يا رسول الله: إن لي أخوات، فخشيت أن تدخل بيني وبينهنّ. قال فذاك إذاً، إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك ".
(البخاري: النكاح، باب: تزويج الثيِّبات. ومسلم: الرضاع، باب: استحباب نكاح ذات نكاح ذات اليدين).
وكذلك يستحبّ أن يكون الزوج بكراً، لم يسبق له أن تزوج، لأن النفوس جُبِلت على الاستئناس بأول مألوف.
الولود: وتُعرف البكر الولود بأقاربها، كأختها، وعمتها، وخالتها ، ويُعرف الرجل الولود أيضاً بأقربائه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تزوجوا الولود الودود فإني مُكاثر بكم الأمم يوم القيامة ".
رواه أحمد، وابن حبّان، والحاكم، وصحّح إسناده. (المستدرك: النكاح، باب، تزوّجوا الودود الولود: 2/ 162)
ثانياً: رؤية المخطوبة والنظر إليها:
ومن الأمور المستحبّة التي رغّب فيها الإسلام أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة قبل الخطبة، إذا قصد نكاحها، ورجا رجاء طاهراً أن يجاب إلى طلبه، وإن لم تأذن له، أو لم تعلم بنظره، اكتفاء بإذن الشرع له، ولئلا تتزين له، فيفوت غرضه.
وله تكرير النظر ثانياً وثالثاً إن احتاج إليه، ليتبين هيئتها، فلا يندم بعد النكاح، إذ لا يحصل الغرض غالباً بأول نظرة.
روى الأمام الترمذي وحسّنه (النكاح، باب: ما جاء في النظر إلى المخطوبة، رقم: 1087)، وابن ماجه (النكاح، باب: النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، رق: 1865) وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه وقد خطب امرأة ـ أي عزم على خطبتها ـ: " انظر إليها فإنه أحرى أنْ يؤدَمَ بينكما ".
ومعنى يؤدم بينكما: أن تدوم المودّة والألفة بينكما.
وروى البخاري (النكاح، باب: النظر إلى المرأة قبل التزويج، رقم: 4833)، ومسلم (النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن .. ، رقم: 1524) عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، جئت لأهبَ لك نفسي، فصعَّد النظر إليها وصَّوبه، ثم طأطأ رأسه.
[لأهب لك: أجعل أمري لك: تتزوجني بدون مهر، أو تزوِّجني لمن ترى. فصعد النظر إليها وصوبه: نظر إلى أعلاها وأسفلها وتأملها. طأطأ رأسه: خفض رأسه، ولم يُعد النظر إليها].
وروى مسلم (النكاح، باب: ندب النظر إلى وجه المرأة وكفّيها لمن يريد تزوجها، رقم: 1434) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل، فأخبره أن تزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنظرتَ إليها؟ " قال: لا. قال: " فاذهب فانظر إليها، فإنَّ في أعين الأنصار شيئاً " أي يختلفن عن أعين غيرهنّ ربما لا يعجبك.
وعن أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خطب أحدكم امرأة فلا جُناح عليه أن ينظر منها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته، وإن كانت لا تعلم ".
رواه أحمد (5/ 424)
هذا ويحق لها أيضاً أن تراه، إذا أرادت الزواج منه، لتتبين هيئته، ولا تندم بعد النكاح، فإنها يعجبها منه ما يعجبه منها.
حدود النظر:
ولا يجوز للخاطب أن ينظر من المخطوبة إلاّ وجهها وكفّيها ظهراً وبطناً، لأنها مواضع ما يظهر من الزينة المُشار إليها، في قوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]
والحكمة من الاقتصار على الوجه والكفّين، أن الوجه يستدل به على الجمال، واليدين يستدل بهما على خصب البدن ولينه.
وإن لم يتيسر له أن ينظر إليها، أرسل امرأة تتأملها، وتصفها له.
لأنه صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم إلى امرأة، وقال:" انظري عرقوبيها، وشمي عوارضها ".
رواه الحاكم (في النكاح: 2/ 166) وصححه.
[العرقرب: عصب غليظ فوق عقب الإنسان. وشمّي عوارضها: أي رائحة جسمها "
ويؤخذ من الحديث أن للمبعوث أن يصف للباعث زائداً على ما ينظره بنفسه، فيستفيد بالبعث ما لا يستفيده بنظره.
حكم نظر الأجنبي إلى المرأة:
ويحرم نظر رجل بالغ عاقل مختار ـ ولو شيخاً، أو عاجزاً، وكذلك المراهق وهو مَن قارب البلوغ ـ إلى أيّ جزء من جسم المرأة أجنبية كبيرة. والكبيرة هي من بلغت حدّاً تشتهى فيه، ولو كانت غير بالغة، ولو كان ذلك الجزء الوجه والكفّين، ولو لم تكن هناك فتنة على الصحيح في المذهب.
وكذلك يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل لغير حاجة. قال الله
تعالى:
{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 3 - 31].
وروي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت عند ميمونة رضي الله عنها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ إذ أقبل ابن أمّ مكتوم رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احتجبا منه، فقلت: يا رسول الله: أليس هو أعمى لا يبصر ولا يعرفنا؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه "
رواه الترمذي (الأب، باب: ما جاء في احتجاب النساء من الرجال، رقم: 2779) وقال: حديث حسن صحيح.
هذا، وحيث حرّم النظر فيما ذكر حرّم المسّ، لأنه أبلغ منه في التلذذ وإثارة الشهوة.
أما النظر إلى الصغيرة التي لا تُشتهى، والصغير الذي هو دون المراهقة، فإنه لا يحرم النظر إلا إلى الفرج منهما. لأن النظر إليهما ليس في مظنة شهوة، فلا يحرم ذلك.
النظر إلى المحارم:
ويجوز نظر الرجل إلى محارمه من النساء إلا ما بين السرّة والركبة.
وكذلك المرأة تنظر إلى محارمها من الرجال ما عدا ما بين السرّة إلى الركبة.
متى يباح النظر إلى الأجنبية؟
واعلم أن ما تقدم من حُرمة النظر إلى المرأة الأجنبية، والمسّ لهما، إنما هو حيث لا تدعوا الحاجة إليهما، وأما إذا دعت الحاجة إلى النظر، أو المسّ، فإن ذلك يُباح، وليس فيه حرج.
والحاجة تظهر في الأمور الآتية:
1ـ عند المداواة، لأن في التحريم حرجاً، والإسلام دين اليُسْر ورفع الحرج. قال تعالى:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحرج: 78]. فيُنظر إلى المواضع التي يحتاج إليها.
روى مسلم (السلام، باب: لكل داء ودواء واستحباب التداوي، رقم: 2206) عن جابر رضي الله عنه: (أن أم سلمة رضي الله عنهما استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة أن يحجمها). فللرجل مداواة المرأة إذا كانت الضرورة تتطلب ذلك، ولم توجد امرأة تعالجها، وكذلك للمرأة مداواة الرجل إذا لم يوجد رجل يعالجه، ودعت الضرورة إلى ذلك، لكن لا يعالج الرجل المرأة إلا بحضرة مَحرَم، أو زوج، أ، امرأة ثقة.
وإذا وجد الطبيب المسلم، لا يعدل إلى غيره.
2ـ عند المعاملة من بيع وشراء، إذا كانت هناك حاجة لمعرفة تلك المرأة، ولم تعرف دون النظر إليها.
3ـ عند الشهادة تحملاً وأداء، لأن الحاجة تدعوا إلى النظر إلى المشهود عليه، أو المشهود له
4ـ عند التعليم: وذلك فيما ذكر، فإنما يُباح بقدر الحاجة فقط، لأن النظر إنما أبيح للضرورة أو الحاجة، والضرورة والحاجة تقدر بقدّر ما يرفع الحرج ويحقق الغرض.
ثالثاً: الخطبة:
فإذا تمّ الوثوق من الصفات الحسنة، وتحقق بالرؤية والنظر الرضا والرغبة، جاء دور الخطبة.
والخطبة ـ بكسر الخاء ـ هي التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة.
متى تحل الخطبة، ومتى تحرم:
1ـ تحل الخطبة تصريحاً وتعرضاً، إذا كانت المخطوبة خليَّة من نكاح، وعدة، ومن كل موانع النكاح التي مر ذكرها في المحرمات.
2ـ تحل الخطبة تعريضاً فقط لا تصريحاً، إذ كانت المرأة معتدّة من وفاة، أو طلاق بائن. قال الله تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَاّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَاّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلَا تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة " 235]
[لا جُناح: لا إثم ولا حرج. أكننتم: أخفيتم. لا تواعدوهنّ سرّاً: لا تعدوهن بالنكاح خفية. قولاً معروفاً: موافقاً للشرع، وهو التعريض. ولا تعزموا عقدة النكاح: لا تحققوا العزم على عقد الزواج. حتى يبلغ الكتاب أجَلَه: حتى تنقضي العدّة، وهي المدة التي فرضها الله على المعتدّة في كتابه أن لا تتزوج خلالها].
3ـ وتحرم الخطبة تعريضاً وتصريحاً فيما عدا ما ذكر، في الفقرة الأولى والثانية.
فتحرم خطبة امرأة ما تزال على عصمة زوجها. كما تحرم خطبة كل امرأة ذكرت في محرمات النكاح، سواء كانت محرمة مؤبدة أم محرمة مؤقتة.
وتحرم خطبة المرأة المعتدّة من طلاق رجعي، سواء كان ذلك بالتعريض أم بالتصريح، لأنها زوجة، أو في معنى الزوجة، لأن لزوجها الحق في مراجعتها، قال تعالى:
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلَاحاً ً} [البقرة: 228].
معنى التصريح بالخطبة:
والتصريح في الخطبة معناه: كل لفظ يقطع بالرغبة في النكاح: كأُريد أن أنكحك، أو: إذا انقضت عدتك تزوجتك.
معنى التعريض بالخطبة:
والتعريض بالخطبة معناه: أن يستعمل لفظاً يحتمل الرغبة في النكاح، وعدمها، كأن يقول للمعتدّة: أنت جميلة، أو: ربّ راغب فيك، مَن يجد مثلك، أو نحو ذلك.
الخطبة على الخطبة:
وتحرم خطبة إنسان على خطبة أخيه، إذا كان قد صرح له بالإجابة، إلا بإذنه.
فإن لم يجب ولم يرد لم تحرم الخطبة.
وهذه الحرمة حرمة توجب الإثم، ولا توجب بطلان العقد، فيما إذا خطب على خطبة أخيه، وعقد عقد الزواج.
ودليل هذا التحريم: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب ".
رواه البخاري (النكاح، باب: لا يخطب على خطبة أخيه ..
…
، رقم: 4848)، ومسلم (النكاح، باب: تحريم الخطبة على خطبة أخيه .. ، رقم: 1412) عن ابن عمر رضي الله عنه
حكم الاستشارة في خاطب أو مخطوبة:
مَن استُشير في خاطب أو مخطوبة وجب عليه أن يذكر من العيوب والمساوئ ما يعرف بصدق، ليحذر، وذلك بذلاً للنصيحة، ولا يعدّ ذلك من الغيبة المحرّمة. هذا إذا احتيج إلى ذكر العيوب، أما إذا اندفع بدون ذكر ذلك، كقوله مثلاُ: هذا لا يصلح لك، أو هذه لا تصلح لك، وجب الاقتصار على ذلك. دليل هذا الحكم حديث فاطمة بنت قيس رضي الله
عنهما عند مسلم (الطلاق، باب: المطلّقة ثلاثاً لا نفقة لها، رقم: 1480)، والترمذي (النكاح، بباب: ما جاء في أن الرجل لا يخطب على خطبة أخيه، رقم: 1135) أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أما أبو جهم فلا يَضَعُ عصاه عن عاتقه، وأما معاويةُ فصعلوكّ لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة، فنكحته، فجل الله فيه خيراً، واغتبطتْ ".
عرض الوليّ موليته على ذوي الصلاح والتقوى:
ويسن لولي المرأة التي يرغب في تزويجها أن يعرض زواجها على أهل الصلاح والتقوى، تأسياً بما فعل شعيب عليه الصلاة والسلام مع موسى صلى الله عليه وسلم حين عرض بنته عليه، لما عُرِف من أمانته وعفافه. قال تعالى حاكياً قصتهما:
{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {26} قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ {27} قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 26 ـ 28] .. وتأسياً أيضاً بما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما عرض ابنته حفصة رضي الله عنها على عثمان، ثم على أبي بكر، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم.
(البخاري: النكاح، باب: عرض الإنسان ابنته أو أُخته على أهل الخير).
سنن الخطبة:
ويستحبّ للخاطب، أو وكيله، تقديم خُطبة ـ بضم الخاء ـ قبل الخطبة ـ بكسر الخاء ـ وقبل العقد، يبدؤها بحمد الله والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم لحديث:" كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر ".
(ابن ماجه: النكاح، باب: خطبة النكاح، رقم: 1849).
ثم يوصي بتقوى الله عز وجل، ثم يظهر رغبته، فيقول: جئتكم خاطباً كريمتكم.
ويستحب أيضا لوليّ المخطوبة أن يخطب، ويقول: بعد حمد الله والصلاة والسلام على النبي وآله والوصية بقوى الله عز وجل: ليس بمرغوب عنك.
والخُطبة قبل العقد آكد من الخُطبة قبل الخِطبة، لورود ذلك عن السلف الصالح رضي الله عنه.
وقد تبرك الأئمة رضي الله عنهم بما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً ومرفوعاً قال: إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من نكاح وغيره، فليقل: (إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70ـ 71]
(انظر شرح الشربيني على المنهاج: كتاب النكاح: 3/ 138).
حكم الخلوة بالمخطوبة والاختلاط بها قبل العقد:
لقد شاع وانتشر في بعض الأوساط المسلمة، البعيدة عن روح الإسلام في الزواج، أن الخاطب بمجرد أن يعلن خطبته يبدأ بالاختلاط
بخطيبته، والخلوة بها، مدعياً أنه يفعل ذلك ليتعرف أخلاقها وطباعها، وهو مقتنع في قرارة نفسه أنه لن يستطيع أن يكشف من حقيقة أخلاقها شيئاً، لأنه كان يفكر هو بأن أمامها ـ تصنعاً ـ بأنه فارس أحلامها المنشود في كرمه، وتسامحه، وكياسته، فإنها هي أيضاً تتصنع له أكثر مما يتصنع لها، وتحاول أن تفهمه أنها هي الفتاة التي رسمها في خيالها رقة وأنوثة، وذوقاً، وأدباً وأخلاقاً وسلوكاً.
إن اختلاط الخاطب بالمخطوبة وخلوته بها قبل عقد الزواج أمر حرام لا يقره شرع الله عز وجل، ولا يرضى به. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يخلون رجل بامرأة إلا ومعهما ذو محرم ".
رواه البخاري (النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة
…
، رقم: 4935) ومسلم (الحج، باب: فرض الحج والعمرة مرة في العمر، رقم: 1314).
عن ابن عباس رضي الله عنهما. والخطيبة قبل العقد تعتبر امرأة أجنبية.
إن الفتاة العاقلة هي التي تمتنع عن الظهور أما خطيبها بعد أن رآها رؤية الخطبة حتى يتم العقد، لأن من الواجب عليها أن تفكر في مستقبلها، وتحسب الحساب للعواقب التي يمكن أن تواجهها، وتفكر بأن هذا الخاطب إذا فسخ خطبته لها فلن يتقدم شاب آخر لخطبتها، وهو يعلم علاقتها بخطيبها السابق.
أما إذا تم العقد، فقد حلّت الخلوة والخلطة لأنها أصبحت زوجة له، يرى منها وترى منه ما بدا لهما، من غير إثم ولا حرج.