الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
امرأته، لم يقع عليه طلاق، وإن مضت الأربعة أشهر، حتى يوقف: فإما أن يطلّق، وإما أن يفيء.
وروى
…
مثل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ومثل هذا الحكم لا يقال من قبل الرأي، لذلك كان لهذا الحديث حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً ـ الظهار:
تعريف الظهار:
الظهار ـ لغة ـ مأخوذ من الظهر، لأن صورته الأصلية أن يقول الرجل لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي.
وتعريف الظهار في الاصطلاح: أن تشبّه الزوج زوجته في الحرمة بإحدى محارمه: كأمه، وأخته.
وكان العرب في الجاهلية يعتبرون الظهار أسلوباً من أساليب الطلاق. ولكن الشريعة الإسلامية أعطته اعتباراً آخر، وبَنَت عليه أحكاماً أخرى غير الطلاق.
حكم الظهار من حيث الحلّ والحرمة:
الظهار حرام بإجماع المسلمين، وهو كبيرة من الكبائر، بدليل أن الله عز وجل سماه منكراً من القول وزوراً، قال تعالى:{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة: 2]
ألفاظ الظهار:
تنقسم الألفاظ التي تعتبر دالّة على الظهار إلى قسمين: صريح، وكناية.
أما اللفظ الصريح: وهو الذي لا يحتمل غير الظهار ـ فهو أن يقول
لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي. أو أنت عندي - كظهر أُمي. فإذا تلفظ بهذا الكلام، فهو مظاهر من زوجته، سواء وجت نيّة ذلك لديه أم لم توجد، مادام ممّن يصحّ منهم الطلاق، أما دام رشيداً واعياً لمعنى ما يقول.
أما اللفظ الكنائي ـ وهو ما يحتمل الظهار وغيره ـ فهو مثل أن يقول لزوجته: أنت عليّ كأمي وأختي، أو: أنت عندي مثل أمي وأختي.
فإذا نطق بمثل هذه الألفاظ، فإنها تنصرف إلى المعنى الذي أراده عند التلفّظ بها.
فإن كان قصد بها الظهار كان مظاهراً، وإن كان قصد بها تشبيه زوجته بأمه أو أخته في الكرامة والتقدير لم يكن مظاهراً، وليس عليه شئ أبداً.
أحكام الظهار:
إذا نطق الزوج بلفظ الظهار الصريح، أو بشيء من ألفاظه الكنائية، وأراد بذلك معنى الظهار، وهو تشبه الزوجة بمحارمه في الحرمة عليه، فإنه ينظر:
ـ فإن أتبع كلامه هذا بالطلاق، فإن حكم الظهار يندرج في الطلاق، ولا يبقى له من أثر، إذ يأتي الطلاق بمثابة تفسير للفظ الظهار، فيلغو حكم الظهار، ويستقر الطلاق.
ـ أما إن لم يتبع ذلك بالطلاق، ولم يحصل ما يقطع النكاح، فإنه يعتبر عائداً في كلامه، مخالفاً لما قاله، فإن عدم انفصاله عن زوجته، وقد شبّهها في الحرمة بمحاربة ـ يعتبر نقضاً منه لهذا التشبيه، ومخالفة لمقتضاه. وعندئذ تلزمه كفّارة، يُكلف بإخراجها على الفور.
كفارة الظهار:
وكفّارة الظهار مرتبة ـ حسب الإمكان ـ وفق ما يلي:
1ـ عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المُخلّة بالكسب والعمل، كالزمانة، أو فَقْد عضو، كرجْل مثلاً.
2ـ فإن لم يكن رقيق كعصرنا اليوم، أو كان، ولكنه عجز عنه، فصيام شهرين قمريين متتابعين.
3ـ فإن لم يستطيع الصوم، أو لم يستطيع الصبر على تتابع الصوم، لمرض، أو هرم، فإطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين مدّ من غالب قوت البلد.
دليل ترتيب الكفّارة:
والدليل على هذا الترتيب في كفّارة الظهار ـ ما سيأتي في أحكام الظهار عامة ـ وما رواه الترمذي (الطلاق، باب: ما جاء في كفارة الظهار، رقم: 1200) وغيره: أن سلمان بن صخر الأنصاري، أحد بني بياضة، جعل امرأته عليه كظهر أُمه، حتى يمضي رمضان، فلما مضى نصف من رمضان، وقع عليها ليلاً، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أعتق رقبة ". قال: لا أجدها، قال:" فصم شهرين متتابعين ". قال: لا أجد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفروة بن عمرو: " أعطه ذلك العرق " وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعاً، أو ستة عشر، إطعام ستين مسكيناً.
كفارة الظهار تخرج فوراً:
إن كفّارة الظهار يُطالب بها الزوج على الفور، أي إنه لا يحلّ له وطء زوجته قبل التفكير بأيّ الأنواع الثلاثة التي سبق ذكرها، فإذا وطىء زوجته قبل التفكير، فقد عصى، ولزمته الكفّارة، لأن الوطء قبل التفكير حرام. لقول الله عز وجل:{مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}
[المجادلة: 3].
روى الترمذي (الطلاق، باب: ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر، رقم: 1199)، وابن ماجه (الطلاق، باب: المظاهر يجامع قبل أن يكفر، رقم: 2065) وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً
أتى النبي صلى الله عليه وسلم قد ظاهر من امرأته، فوقع عليها، فقال: يا رسول الله، إني قد ظاهرت من زوجتي، فوقعت عليها قبل أن أُكفّر، فقال:" وما حملك على ذلك، يرحمك الله "؟ يرحمك الله "؟ قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال: " فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به ".
دليل أحكام الظهار عامة:
ويستدل لأحكام الظهار جملة: بما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة أوس بن الصامت رضي الله عنها جاءت تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله، أكل شبابي ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سنّي وانقطع ولدي ظاهر مني، اللَّهمّ إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات:{قَدْ سَمِعَ}
رواه ابن ماجه (الطلاق، باب: الظهار، رقم: 2063)، وأبو داود (الطلاق، باب: في الظهار، رقم: 2214)، والحاكم (في المستدرك: التفسير، تفسير سورة المجادلة: 2/ 481) ..
والآيات هي:
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {1} الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ {2} وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {3} فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: 1 - 4].