الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما بالنسبة لهذه الديون فهي:
إما أن يكون الميت دخل بكفالة -يعني كفله شخص-، فنقول: ليس هناك داعٍ لحبس جثة الميت، وإنما الكفيل هو الذي يقوم بتسديد المبلغ الذي عليه ثم بعد ذلك يرجع على التركة.
وإما أن يكون الميت معسرًا ليس عنده شيء، فالآن فسدت ذمته، يعني ليس له ذمة صحيحة، فكيف يطالب وليس هناك مسوِّغ شرعي لحبس جثة الميت؛ لأنه ليس عنده شيء، وورثته لا يجب عليهم أن يسددوا الديون ولا يُطالَب الورثة باتفاق العلماء؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (1).
وإما أن يكون مُوسرًا له تركة، فإن حقه يتعلق بمال الميت في التركة ولا يتعلق ببدن ولا بجثة الميت، فنقول: المستشفى كسائر من له دين على هذا الميت؛ فيرجع على التركة ويأخذ حقه من تركته؛ كما قال الله-عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (2)، فتقدم الديون والوصايا ثم بعد ذلك إن بقي شيء فيكون للورثة.
ما يتعلق بتشريح جثة الميت:
ينقسم التشريح إلى ثلاثة أقسام:
* الأول: التشريح لغرض التحقق عن دعوى جنائية.
* الثاني: التشريح لغرض التحقق عن أمراض وبائية؛ لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها.
* الثالث: التشريح للغرض العلمي تعلُّمًا وتعليمًا.
(1) سورة فاطر: 18.
(2)
سورة النساء: 11.
حكم هذه الاقسام الثلاثة؟
بالنسبة للقسمين الأول والثاني: فحكمهما الجواز؛ تحقيقًا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية، ومفسدةُ انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورةٌ في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك.
وأما بالنسبة للقسم الثالث، وهو التشريح للغرض التعليمي، فنظرًا إلى أن الشريعة الإِسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدَرْءِ المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها.
وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان.
وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة.
فإننا نرى: جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة، إلَّا أنه نظرًا إلى عناية الشريعة الإِسلامية بكرامة المسلم ميتًا كعنايتها بكرامته حيًّا؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"كسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِه حَيًّا"(1)، ونظرًا إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيُّسر الحصول على جثث أموات غير معصومة: فإننا نرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين والحال ما ذكر (2).
قلنا: ومع القول بجواز التشريح إلَّا أن هناك شروطًا لا بد منها وهي:
(1) رواه أحمد (24783)، ابن ماجه (1616)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4478).
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة (8/ 428)، الفتوى رقم (3913).