الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَبَائِثَ} (1)، ويدل على ذلك أيضًا قوله سبحانه في سورة المائدة:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (2)، ومعلوم أن الدخان ليس من الطيبات فعلم بذلك أنه من المحرمات على الأمة.
أما التحديد بثلاثة أيام فلا أعلم له أصلًا في شيء من الأحاديث الصحيحة وإنما الحكم متعلق بوجود الرائحة؛ فمتى زالت -ولو قبل ثلاثة أيام- زالت كراهية الحضور في المساجد؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ولو قيل بتحريم حضوره المساجدَ ما دامت الرائحة موجودة لكان قولًا قويًا؛ لأن ذلك هو الأصل في النهي، كما أن الأصل في الأوامر الوجوب إلَّا إذا دل دليلَّ خاصٌّ على خلاف ذلك، والله ولي التوفيق" (3).
أثر المرض المعدي في حضور الجمعة والجماعات:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يمنع المريض بمرض مُعْدٍ من المسجد وحضور الجمعة والجماعات، وهذا هو قول جمهور الفقهاء من الشافعية، والحنابلة، وبعض المالكية (4)، وقد استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة منها:
1 -
حديث: "لَا عَدْوَى وَلَا طيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ"(5). ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مخالطة المريض بمرض
(1) سورة الأعراف: 157.
(2)
سورة المائدة: 4.
(3)
مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (12/ 82).
(4)
مواهب الجليل (2/ 184)، حاشية الدسوقي (1/ 389)، التاج والإكليل (2/ 556)، نهاية المحتاج (2/ 160)، مغني المحتاج (1/ 476)، أسنى المطالب (1/ 215)، مطالب أولي النهى (3/ 699).
(5)
أخرجه البخاريُّ معلقًا، كتاب الطب، باب الجذام، حديث رقم (5707)، ومسلمٌ كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيره ولا هامه، حديث رقم (2220).
معد للأصحاء، لئلا يكون قدر الله على المختلط به مثل دائه، وحضور المريض لأداء الصلوات جماعة مظنة لهذا الاختلاط.
2 -
حديث: "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ"(1): حيث إن المصلين يتأذون من المريض المصاب بمرض معد أشد من تأثرهم بمن يأكل البصل والثوم، وقد أمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يقربا المسجد.
القول الثاني: لا يمنع المريض بمرض معد من المسجد وحضور الجمعة والجماعات كصلاة العيد وأداء الحج والعمرة، وهو قول عند المالكية (2).
واستدلوا: بالأثر الذي رواه مالك في الموطأ: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مرَّ بامرأة مجذومة وهي تطوف بالبيت فقال لها: يا أمة الله، لا تؤذي الناس. لو جَلَسْتِ في بيتِكِ! فجَلَسَتْ، فمر بها رجل بعد ذلك قال لها: إن الذي كان نهاك قد مات فاخرجي، فقالت:"ما كنت لأطيعه حيًّا وأعصيه ميتًا"(3).
وجه الاستدلال به: أن عمر رضي الله عنه لم يعزم عليها بالنهي عن الطواف ودخول البيت، وإنما خاطبها على سبيل الرفق من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
القول الثالث: تسقط عنهم صلاة الجمعة والجماعات إذا لم يجدوا موضعًا يتميزون فيه عن الناس، وأما لو وجدوا وجبت عليهم ومنعت المخالطة. وهذا
(1) أخرجه الإِمام أحمد (5/ 326)، وابن ماجه في الأحكام، باب من بني في حقه ما يضر بجاره (2340) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وأخرجه الإمام أحمد (1/ 313)، وابن ماجه (2341) عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجه مالك (2/ 745) مرسلًا، وللحديث طرق كثيرة يتقوَّى بها، ولذلك حسنه النووي في الأربعين (32)، وابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 210)، والألباني في الإرواء (896).
(2)
مواهب الجليل (2/ 184)، حاشية الدسوقي (1/ 389).
(3)
الموطأ (1603).