الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم (صرف سهم المجاهدين من الزكاة في تنفيذ مشاريعهم الصحية والتربوية والإعلامية):
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} (1).
يقول ابن الأثير:
"السبيل في الأصل: الطريق، وسبيل الله: -لفظ- عام، يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله عز وجل، بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات، وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد، حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه".
ودلالة مفهوم {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} على الجهاد، هو محل اتفاق بين العلماء وإجماع بين الفقهاء.
ولكن القضية المستجدة هي: هل هذا المفهوم مقصور على الجهاد أم يتجاوزه ليشمل المعنى الأصلي اللغوي؟
فالموسِعون أخذوا المدلول اللغوي الأصلي، وجمهور الفقهاء أخذوا المدلول العرفي للكلمة.
والعمل بالمدلول اللغوي -وبخاصة في هذا الزمان- لا مانع منه، لكونه يحقِّق المصالح العليا للمسلمين، فالجهاد يكون بالقلم واللسان، كما يكون بالسيف والسنان، فهناك الجهاد الفكري، والتربوي، والاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، والعسكري، وكل هذه الأنواع من الجهاد تحتاج إلى الإمداد والتمويل.
(1) سورة التوبة: 60.
"المهم أن يتحقق الشرط الأساسي لذلك كله، وهو أن يكون {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، أي في نصرة الإِسلام وإعلاء كلمته في الأرض، فكل جهاد أريد به أن تكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، أيًّا كان نوع هذا الجهاد وسلاحه".
ولما كان المجاهدون يحتاجون إلى الدعم المادي والمعنوي كان ولا بد من النظر إلى حاجياتهم التي تقوي عزائمهم، ولا يكون ذلك إلَّا بتوفير ما يحتاجونه، ومساعدتهم على أداء مهمتهم، وكذلك توفير ما تحتاجه أسرهم من الرعاية الصحية والتربوية.
ونظرًا لأهمية هذا الأمر صدر من المجمع الفقهي الإِسلامي قرارٌ بشأنه جاء فيه: "وما صدر عن هيئة كبار العلماء في المملكة، واستمع إلى المناقشات حول الموضوع، قرر أن الصرف في الجهات التي تضمنها السؤال جائز من أكثر من جهة:
أولًا: من جهة الاستحقاق بالحاجة، فهم -مجاهدين ومهاجرين- فقراء أو مساكين أو أبناء سبيل، فإن من كان من ذوي الأرض والعقار في بلده أصبح بالهجرة والتشريد من أبناء السبيل بعد انقطاعه. والإنفاق على الفقراء والمحتاجين من أموال الزكاة لا يقتصر على إطعامهم وكسوتهم فقط، بل يشمل كل ما تتم به كفايتهم وتنتظم به حياتهم، ومنها المشاريع الصحية والمدارس التعليمية ونحوها مما يعتبر من ضرورات الحياة المعاصرة. وقد نقل الإِمام النووي عن أصحابه من الشافعية: أن المعتبر في الكفاية: المطعم والملبس والمسكن، وسائر ما لا بد له منه، على ما يليق بحاله، لنفس الشخص ولمن هو في نفقته" (1).
وقوله: "سائر ما لا بد له منه" كلمة عامة مرنة تتسع للحاجات المتجددة والمتغيرة بتغير الزمان والمكان والحال، ومن ذلك في عصرنا: المنشآت الصحية
(1) المجموع (6/ 190).
والتعليمية التي تعتبر من تتمات المحافظة على النفس والعقل وهما من الضروريات الخمس، وقد اعتبر الفقهاء الزواج من تمام الكفاية، وكتب العلم لأهله من تمام الكفاية، نقل في (الإنصاف): أنه يجوز للفقير الأخذ من الزكاة لشراء كتب يحتاجها من كتب العلم التي لا بد منها لمصلحة دينه ودنياه (1).
ثانيًا: من جهة أخرى يعتبر الإنفاق على المشاريع المسؤول عنها داخلًا في مصرف {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} . حتى مع التضييق في مدلوله وقصره على الجهاد بالمعنى العسكري، فإن الجهاد اليوم لم يعد مقصورًا على أشخاص المجاهدين وحدهم، بل أصبح تأمين الجهة الداخلية وقوتها جزءًا لا يتجزأ مما يسمونه (الإستراتيجية العسكرية)، والمهاجرون بكل معاناتهم ومآسيهم هم بعض ثمار الحرب وإفرازها ونتاجها، فلا بد من رعايتهم وتوفير ما يلزم لحياتهم الحياة المناسبة، وتعليم أبنائهم وعلاجهم حتى يطمئن المجاهدون إلى أن أهليهم وراءهم غير مضيعين، فيستمروا في جهادهم أقوياء صامدين، وأي خلل أو ضعف في هذه الجهة يعود على الجهاد بالضرر.
ومما يؤيدنا في هذا من النصوص ما جاء في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَلَفَ غَازِيًا في أَهْلِه بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا". فاعتبر رعاية أسرة الغازي المجاهد غزوًا وجهادًا، فلا غرو أن يكون الإنفاق فيه من باب الجهاد في سبيل الله. وعلى هذا نص بعض الفقهاء: أن الغازي يُعطَى من سهم {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} نفقتَه ونفقةَ عياله ذهابًا ومقامًا ورجوعًا (2).
وأما ما يتعلق بالنشاط الإعلامي، فقد غدا من لوازم الحرب الناجحة في عصرنا، كما يقرر ذلك المختصون من العسكريين؛ فهو لازم لتقوية الروح المعنوية
(1) الإنصاف (3/ 165، 218).
(2)
المجموع (6/ 227).
للمجاهدين وتحريضهم على القتال، وهو لازم لزرع الثقة والأمل في نفس من وراءهم من المدنيين والمساعدين، وهو لازم لبث الرعب في قلوب أعدائهم، وقد يكون النصر بالرعب، وهو لازم لتجنيد الرأي العام العالمي للوقوف بجانبهم ونصرة قضيتهم. والقاعدة الشرعية:"أن ما لا يتم الواجب إلَّا به فهو واجب". ثم هو بعد ذلك من أنواع الجهاد باللسان، الداخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:"جَاهِدُوا المُشْرِكينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأنفُسِكُمْ وَأَلسِنَتِكُمْ". وبناء على هذا يرى المجلس جواز صرف أموال الزكاة فيما جاء في السؤال. والله أعلم" (1).
(1) قرارات المجمع الفقهي الإِسلامي التابع لرابطة العالم الإِسلامي بمكة المكرمة (1/ 47).