الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاصرًا، فيخشى أن يتلاعب بالنقود، وتكون المصلحة له في إعطائه طعامًا أو لباسًا ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم (1).
استثمار أموال الزكاة:
الزكاة مصرفها بيَّنه الله عز وجل في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (2)، هذه هي مصارف الزكاة، ولم يكن استثمار أموال الزكاة معروفًا على مدار أربعة عشر قرنًا، بل كانت تدفع لهؤلاء الأصناف الثمانية، أو لبعضهم.
ولكن في الوقت الحاضر، مع وجود الجمعيات الخيرية والمراكز الإِسلامية، طُرحت فكرة استثمار أموال الزكاة، فيقول القائمون على تلك المراكز والمؤسسات والهيئات، يقولون: نحن نجمع من الناس أموالًا كبيرة من الزكاة ربما تكون بالألوف بل ربما بالملايين، فلماذا لا تستثمر أموال الزكاة هذه وتوضع في مشاريع خيرية يكون ريعها للفقراء والمساكين؟
نقول: اختلف العلماء المعاصرون في حكم استثمار أموال الزكاة، فمن العلماء من أجاز استثمار أموال الزكاة وقالوا: إن في هذا الاستثمار مصلحة عظيمة، وفيه نفع كبير للفقراء والمساكين وأصحاب الزكوات. وأيضًا قالوا: الشريعة الإِسلامية قد أتت بتحصيل المصالح، وما كان فيه تحصيل المصلحة فإن الشريعة لا تمنع منه، وهذا الاستثمار فيه مصلحة تعود بالدرجة الأولى إلى الفقراء وبقية أصناف الزكاة.
(1) مجلة البحوث الإِسلامية (56/ 124).
(2)
سورة التوبة: 60.
قالوا: فهذا الاستثمار هو استثمار لصالح أهل الزكاة، فهو أشبه باستثمار أموال اليتامى ونحوهم، قالوا: ومما يدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع عنده إبل الصدقة ويسمِّنها، وهذا نوع استثمار؛ لأنها تتكاثر بالتوالد، هذه هي وجهة أصحاب هذا القول.
القول الثاني في المسألة: أنه لا يجوز استثمار أموال الزكاة مطلقًا، وهذا القول هو الذي عليه أكثر العلماء، وأدلة هذا القول:
أولًا: أن الله عز وجل خص الزكاة بثمانية أصناف، ذكرهم في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
…
}، إلى آخر الآية، وختم الآية بقوله:{فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (1)، وحينئذ يجب أن تصرف الزكاة في هذه المصارف الثمانية على الفور؛ لأن الأصل في الأمر الفورية، والزكاة عبادة والأصل في العبادات التوقيف.
ثانيًا: استدلوا بقول الله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (2)، قالوا: والمراد بذلك الزكاة، وهذا أمر والأمر مطلق يقتضي الفورية، وقوله:{يَوْمَ حَصَادِهِ} آتوا حقه يوم حصاده هذا يدل على وجوب إخراج الزكاة على الفور وعدم تأخيرها لأجل استثمارها، وهذه الآية نزلت في مكة، نزلت في الفترة المكية، لما كانت الزكاة واجبة من غير تحديد، فإن الزكاة في مكة فرضت في مكة لكن من غير تحديد، وإنما كان الإنسان يدفع شيئًا من ماله، ثم في المدينة بُيِّنَتْ أنصباؤها، والشاهد هو قوله:{يَوْمَ حَصَادِهِ} ، فهذا فيه إشارة إلى أن الزكاة إنما تخرج يوم الحصاد، يعني وقت وجوبها على الفور.
(1) سورة التوبة: 60.
(2)
سورة الأنعام: 141.
ثالثًا: ما جاء في صحيح البخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم العَصْرَ، فَلَمَّا سلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا في وُجُوهِ القَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ. فَقَالَ:"ذَكرْتُ وَأنا في الصَّلاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا فَأمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ".
قالوا: ففي انصراف النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العصر بسرعة على وجهٍ ملفت للنظر حتى إن الصحابة سألوه عن سبب إسراعه، في هذا دليل على أن الزكاة إنما تخرج على الفور وأنه ينبغي المبادرة بإخراجها، إذ أنه لو جاز التراخي في دفعها لما أسرع النبي صلى الله عليه وسلم ولما قال:"كرهت أن أبيت قبل أن تقسم".
رابعًا: قالوا: إن هذا المال المستثمر هو مال مستحق للفقراء والمساكين وسائر أصحاب الزكاة، وهؤلاء هم الذين يجب تمليكهم هذا المال، وهم إن أرادوا أن يستثمروا أموال الزكاة التي تدفع لهم، فهذا راجع إليهم.
أما أن يريد الجامع لأموال الزكاة استثمار أموال الزكاة نيابة عنهم، فليس له ذلك، فالأموال الزكوية حق للفقراء والمساكين وسائر الأصناف الثمانية.
فالاستثمار في الحقيقة إنما هو راجع لهم إذا ملكوا هذه الأموال، فلو أننا ملَّكنا الفقير أو المسكين مال الزكاة فأراد هذا الفقير أو المسكين أن يستثمره، فهذا راجع إليه.
أما أن يأتي أحد من الناس أو مؤسسة أو جمعية أو هيئة خيرية ويتدخل ويريد أن يحبس أصل مال الزكاة الواجب تمليكه لهؤلاء ويعطيهم فقط من ريعه حتى يستثمره، فليس له ذلك؛ لأنه تصرف في حقهم، ومَنِ الذي خوَّله لكي يستثمر حقهم الذي فرضه الله لهم؟!
خامسًا: إن الاستثمار لا يكون مشروعًا إلَّا إذا كان فيه مخاطرة؛ إذ أن الاستثمار