الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيقال: كيف يقول هذا وهو حينئذ أسعد من أهل النار بكثير؟
والجواب بأن المراد بالخلق بعضهم، أي غير أهل النار، لا يخفى بُعده إلا أن يقال: يتعيّن القول به جمعًا بين الأدلة.
وعليه، فلا حجّة فيه لمن يذهب إلى أن الخلق جميعًا ينتهي أمرهم إلى دخول الجنة.
* * * *
باب لا تحلفوا بآبائكم
فكنا عند أبي موسى
…
فقال:
…
إني [أتيت]
(1)
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من الأشعريين نستحمله فقال:
«والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم»
فأُتي رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بنهب إبل فسأل عنا فقال: «أين النفر الأشعريون؟» فأمر لنا بخمسِ ذَودٍ غُرِّ الذُّرَى، فلما انطلقنا قلنا: ما صنعنا؟ حلف أن لا يحملنا وما عنده ما يحملنا، ثم حَمَلنا، تَغَفَّلْنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمينَه، والله لا نفلح أبدًا! فرجعنا إليه فقلنا له: إنا أتيناك لتحملنا فحلفت أن لا تحملنا وما عندك ما تحملنا، فقال:«[إنّي] لستُ أنا حملتكم ولكنَّ الله حملكم، والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحلَّلتُها»
(2)
.
قوله: «والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم» ، الظاهر أن الواو عاطفة
(1)
في الأصل: «كنت عند» ، والمثبت من صحيح البخاري.
(2)
رقم (6649).
جملة على جملة. أراد صلى الله عليه وآله وسلم أن يبين لهم أنه لم يمنعهم بخلًا، بل ليس عنده ما يحملهم عليه.
واللفظ يحتمل أن تكون الواو حالية، أي: لا أحملكم في حال أن ليس عندي ما أحملكم عليه.
فعلى الأول يكون حمله صلى الله عليه وآله وسلم لهم ثانيًا نقضًا لليمين بخلاف الثاني. ولم يترجَّح عند أبي موسى وأصحابه أحدُ الوجهين، فكان عندهم محتملًا أنه أراد الأول ولكنه نسي فحملهم، وأن يكون أراد الثاني.
فرجوعهم هو للاحتمال الأول، وقولهم:«فحلفتَ أن لا تحملنا وما عندك ما تحملنا» بيان؛ لأن لفظه عندهم محتمل للثاني.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لستُ أنا حملتكم، ولكن الله حملكم» إعلام لهم بأن حمله لهم ثانيًا خير، بيَّنه صلى الله عليه وآله وسلم ليبني عليه ما بعده، وإرشاد أنه ينبغي أن ينسب الخير إلى الله تعالى، وإن كان العبد هو المباشر له كما ينبغي أن يقال: أنقذني الله على يديك، وأغاثني الله تعالى على يديك، ونحو ذلك كما جاء في:«ما شاء الله ثم شئت» ، و «لا بلاغ لي إلا بالله ثم بك» .
ولا وجه لما قد يُتوهَّم أن حَمْله لهم ثانيًا لا يُعدُّ نقضًا لليمين من حيث إنه إنما حلف أن لا يحملهم هو، ثم حملهم الله تعالى لا هو؛ فإنه توهّم باطل كما لا يخفى.
ثم بين صلى الله عليه وآله وسلم لهم أنه وإن كان حلف أن لا يحملهم فليس حَمْله لهم محرّمًا عليه كما توهّموا؛ لأنه رأى أن حملهم خير من منعهم، كما بينه بقوله:«لستُ أنا حملتكم ولكن الله حملكم» كما مرّ، فرأى أن يحملهم ويكفّر عن
يمينه، وعبّر عن هذا بما هو أعمّ منه بيانًا للحكم وتعميمًا للفائدة.
بقي مناسبة الحديث للترجمة، والظاهر أنها أخذًا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا أحلف على يمين
…
إلا أتيت الذي هو خير وتحلّلتها»، فإنه إخبار أنه لا يحلف على يمين قط إلا تحلّلها إذا رأى غيرها خيرًا منها، فهو يستلزم أنه لا يحلف يمينًا قط إلا واجبة التحليل. واليمين التي هذا شأنها إنما هي ما كان بالله عز وجل، فلزم من ذلك أنه لا يحلف إلا بالله عز وجل، وهو المطلوب.
وفي حواشي السِّنْدي
(1)
توجيه للمناسبة غير واضح، ويظهر لي أنه أراد ما ذكرته، والله أعلم.
* * * *
باب إذا حنث ناسيًا
عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «هزم المشركون يوم أُحُد هزيمةً تُعرف فيهم، فصرخ إبليس: أي عباد الله أخراكم! فرجعتْ أُولاهم فاجتلدت هي وأُخراهم، فنظر حذيفة بن اليمان فإذا هو بأبيه فقال أبي! أبي! قالت: فوالله ما انحجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: غفر الله لكم» ، قال عروة:«فوالله ما زالت في حذيفة منها بقية حتى لقي الله»
(2)
.
«حاشية السِّنْدي»
(3)
: «(منها) أي من قِتْلة أبيه، وقوله:(بقية) أي من
(1)
(4/ 151).
(2)
رقم (6668).
(3)
(4/ 154).