الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في «مسلم»
(1)
في باب النهي عن الوصال
عن أنس قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلِّي في رمضان فجئت فقمت إلى جنبه
وجاء رجل آخر فقام أيضًا حتى كنا رهطًا، فلما حسَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّا خلفه جعل يتجوَّز في الصلاة ثم دخل رحله فصلى صلاة لا يصلِّيها عندنا. قال: قلنا له حين أصبحنا: أفطِنْتَ لنا الليلة؟ قال: فقال: «نعم، فذلك الذي حملني على الذي صنعت» ....
أقول: فيه صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم النافلة في المسجد لغير حاجة.
فإن قيل: يحتمل أن يكون معتكفًا.
قلتُ: المعتكف تكون حجرته في المسجد بمنزلـ[ـة] بيته، فيصلِّي النفل فيها، لا في باقي المسجد. وصلاته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث كانت في غير المعتكَف لقوله:«ثم دخل رحله فصلَّى» .
فإن لم يكن معتكفًا فالمراد دخل بيته. وإن كان معتكِفًا فالمراد دخل معتكَفه؛ لأن المعتكِف لا يدخل بيته. وعلى التقديرين
(2)
فالصلاة كانت في المسجد في غير الحجرة المعتكَف [فيها].
فإن قيل: لعلَّه لبيان الجواز.
قلتُ: الذي يُفعل لبيان الجواز إنما يكون في مظنَّة مشاهدة الناس، وظاهر السياق هنا يخالف ذلك.
(1)
برقم (1104/ 59).
(2)
في الأصل: «التقدير» سبق قلم.
فإن قيل: لعلَّ هذا خاص بقيام رمضان.
قلتُ: يردُّه سبب قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فإن صلاة المرء في بيته خيرٌ له إلا المكتوبة»
(1)
؛ فإن السبب في هذا الحديث قيام رمضان، ودخول السبب ضروري.
فما بقي إلا أن يدَّعى أن المعتكِف يصلِّي أينما شاء في المسجد، ولو في غير حجرته أو يخصُّ تفضيل الصلاة في البيت على المسجد بما إذا كان هناك من يعلم به. فأما إذا أمكنه أن يصلِّي في المسجد في حين يظن أنه لا يعلم به أحد، فالصلاة في المسجد مساوية للصلاة في البيت أو أفضل، وتكون العلة حينئذ خشية العجب والرئاء وثناء الناس؛ فإن ثناء الناس ينقص من الأجر، وإن لم يكن هناك عجب ولا رئاء.
أو يقال: هذا من فعله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يُخصُّ به عموم قوله، فيكون في حقه صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة في بيته وفي مسجده سواء. وأما غيره ففي البيت أفضل إلا المكتوبة كما دلَّ عليه عموم الحديث والله أعلم.
ولعل هذا الأخير أقرب إلى القواعد.
* * * *
الحمد لله.
في «صحيح مسلم»
(2)
عن ابن عبَّاس: «ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
(1)
أخرجه البخاري (731، 6113، 7290) ومسلم (781/ 213).
(2)
(1132/ 131).
صام يومًا يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم (يوم عاشوراء) ولا شهرًا إلا هذا الشهر. يعني رمضان».
في هذا دليل على تساوي ما عدا يوم عاشوراء من الأيام في مشروعية التطوّع بالصيام. فلا يُعْدَل عن هذه الكلية إلا بحجَّة صحيحة.
والمقصود أنه لا يكفي في معارضة هذا ما جاء من الأحاديث الضعاف، وإن مُشي على رأي النووي ومن تابعه في جواز العمل بالضعيف بشرطه. والله أعلم.
* * * *
الحمد لله.
في حديث تلبية النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن عمر وابنه عبد الله كانا يزيدان فيها
(1)
. فقد يُستدل به على جواز الزيادة على الأدعية المأثورة.
والجواب: أن غاية ما فيه دلالته على أنهما كانا يريان جواز الزيادة في التلبية، وهو لا يدلُّ على أنهما يريان الجواز في غيرها من الأدعية والأذكار.
وفي حديث جابر
(2)
: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يلبُّون بغير تلبيته، فلم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولزم هو تلبيته. فيحتمل أن منهم من كان يلبِّي مثل تلبيته صلى الله عليه وآله وسلم ويزيد عليها ولم ينكر عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ عمر وابنه بذلك.
والمقصود أن جواز الزيادة هنا عُلِم من تقريره صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يدل على جواز
(1)
مسلم (1184).
(2)
أخرجه مسلم (1218/ 147).