الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما نظروا إلى ما ذكرنا، وإلى أن لله أحكاماً تتجدد بتجدد الوقائع. كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الناس أحدثوا؛ فأحدثنا لهم، امضوا كتاب القاضي إذا عرفوه من غير احتياج إلى بينة تشهد بما فيه، بل رأوه أضبط من بينة هذا الزمان الذي قل فيه العدل، وانتشر فيه الكذب والزلل، نسأل الله السلامة من شر أهله.
وأما مذهب الحنابلة؛ فقد صرح ابن مبرد، أي ابن عبد الهادي وغيره؛ بأن القاضي إذا عرف خط القاضي اعتمده، إلا إذا بان خطؤه انتهى. ونقلته من خطه بعد الإشارة إليه من شيخنا.
قال في "الإنصاف": وعند الشيخ تقي الدين: من عرف خطه بإنشاء أو إقرار، أو شهادة؛ عمل به كميت. فإن حضر فأنكر مضمونه؛ فكاعترافه بالصوت (1) وإنكار مضمونه.
وقال في كتاب أصدره إلى السلطان في مسألة الزيارة: وقد تنازع العلماء في كتاب الحاكم، هل يحتاج إلى شاهدين على لفظه، أم واحد، أم يكتفي بالكتاب المختوم، أم يقبل الكتاب بلا ختم ولا شاهد؟
على أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره. نقله ابن خطيب السلامية في تعليقه، وذكر الشيخ تقي الدين قولاً في المذهب؛ أنه يحكم بخط شاهد ميت. وقال: الخط كاللفظ إذا عرف أنه خطه، وقال: أنه مذهب جمهور العلماء، وهو يعرف أن هذا خطه، كما يعرف أن هذا صوته.
وقت اتفق العلماء، على أنه يشهد على الصوت من غير رؤية المشهود عليه، والشهادة على الخط أضعف، لكن جوازه قوي أقوى من منعه. انتهى.
ومنه،
فوائد:
الأولى: قال في "الروضة": لو كتب شاهدان إلى شاهدين من بلد المكتوب بإقامة الشهادة عنهما لم يجز، لأن الشاهد
(1) وفي نسخة مكتبة الرياض: (بالصواب).
إنما يصح أن يشهد على غيره إذا سمع منه لفظ الشهادة، وقال: اشهد علي، فأما أن يشهد على خطه؛ فلا، لأن الخطوط يدخلها العلل، فإن قام بخط كل واحد من الشاهدين شاهدان؛ ساغ له الحكم. انتهى.
والذي تقرر لنا أنه إذا عرف خط الثقة العدل بشهادته؛ أنه يجوز له الحكم بها، وجواز حكمه بشهادة الشاهد بخطه حياً أولى منه ميتاً، مع قبولها فيهما (1) على القول، إذ العمل عليه.
وأما نقله شهادة غيره بخطه عنه، وليس بحاكم ولا متحمل؛ فلا، من تقرير شيخنا. وقد حكم بشهادة عبد الله بن حديد مع كونه عامياً بخطه بعد موته، لكنه ثقة، وذلك في مرض الشيخ الذي توفي فيه، هذا من تقرير شيخنا.
ومن جواب لابن صفي الدين الشافعي: وصرح العلماء أن أجرة الكتابة على القاضي مباحة، فإنه ليس عليه أن يكتب. وأما كاتب السلطان، فإذا قال: لا أكتب إلا بكذا، وأعطوه برضاهم؛ فالظاهر من المذهب وكلام الأصحاب؛ أنه عليه حلال، وأما من لم يجب عليه شيء، والتمسوا منه إتيان ذلك الشيء؛ فالظاهر من المذهب أن ما أخذه برضاهم؛ مباح له.
وأما كل ما وجب على القاضي؛ فلا يجوز له أخذ المال من جهته بوجه من الوجوه، فإنه سحت حرام. انتهى.
قال في "الإنصاف" بعد كلام سبق: وإن لم يشهد به أحد، لكن وجده في قمطره في صحيفة تحت ختمه بخطه، فهل ينفذه؟
على روايتين: وأطلقهما في "الشرح" و "شرح ابن منجا" و "الهداية" و "المذهب" و "مسبوك الذهب" و "المستوعب" و "الخلاصة".
(1) وفي نسخة مكتبة الرياض (ميتاً).
أحدهما: ليس له تنفيذه، وهو المذهب، ذكره القاضي وأصحابه. وذكر في "الترغيب": أنه الأشهر، كخط أبيه بحكم أو شهادة؛ لم يشهد ولم يحكم بها إجماعاً، وقدمه في "الفروع" و "الحاوي" و "الرعايتين".
والرواية الثانية: ينفذه، وعنه: ينفذه سواء كان في قمطره، أم لا، اختاره في "الترغيب" وجزم به في "الوجيز" و "منتخب الآدمي البغدادي" و "المنور"، وقدمه في "المحرر" و "النظم". قلت: وعليه العمل. انتهى.
قال في "الفروع": وإن كتبه وختمه، وأشهدهما؛ لم يصح، وعنه: بلى، فيقبله إن عرف خط القاضي وختمه بمجرده، وقيل: لا، وعند شيخنا: من عرف خطه بإنشاء، أو عقد، أو شهادة؛ عمل به كميت، وذكر قولاً في المذهب: أنه يحكم بخط شاهد ميت، وقال: الخط كاللفظ إذا عرف أنه خطه، وأنه مذهب جمهور العلماء. انتهى.
ومن "حاشية ابن قندس" على "الفروع": قوله: وفي "الترغيب" وغيره: لا يجوز الحكم بضد ما يعمله بل يتوقف. قال الطوفي في "شرحه": ولو علم يقيناً خلاف ما شهدت به البينة؛ فينبغي أن يتعين عليه الحكم بما علمه، ويصير بمثابة منكر اختص بعلمه، قادر على إزالته، بل هذا هو عينه، وصورة من صوره، ذكره في "ترتيب الأدلة".
وقال النووي في "فتاويه": أجمع المسلمون على أنه لا يقضي على خلاف علمه وإن شهد به عدول كثيرون. انتهى.
قال في "مغني ذوي الأفهام" موانع الحكم: جهل بما يحكم فيه وعداوة، وأن يحكم لنفسه، أو ولده، أو أبيه، أو زوجته، أو له فيه نفع، أو دفع ضرر، أو كفر، أو فسق، وصغر، وجنون، ورق، وأنوثة، وتغير مستند ولا سبق دعوى، وغيبة خصم عن مجلس لا من مغيب،
وممتنع، ومسافر زائد على مسافة قصر. انتهى. وجملة ما ذكره، عليه إشارة الوفاق.
من "المغني" بعد كلام سبق: وإن كان مع المدعي كتاب فيه خط الشاهدين كتب تحت خطوطهما؛ أو تحت خط كل واحد منهما؛ شهد عندي بذلك. انتهى.
قوله: فلا يسوغ نقض الحكم بإنكار القاضي الكاتب الخ.
أي إذا حكم حاكم بعقد، أو شهادة شهود بحق، ثم أنكر؛ لم يلتفت إلى إنكاره، وبمثل ذلك أجاب الشيخ سليمان بن شمس: بأنه لا يقبل رجوعه، وهو المتبادر إلى الفهم، قاله شيخنا.
قوله: ويلزمه.
أي قول المفتي بالتزامه الظاهر أن هذا ممن يجوز له الفتيا ممن ذكر أولاً بقوله: ومن رزق فهم ذلك أو أكثره؛ صلح للفتيا والقضاء، إلا أن يكون الالتزام إباحة شيء أو تحريمه، ونحو ذلك مما يتعلق بالشخص نفسه بلا خصومة، وأما الخصمان؛ فلابد من الحاكم أو التحكيم منهما، قاله شيخنا.
قوله: وإن تحاكم شخصان الخ. إلى قوله: ويلزم من يكتب إليه قبوله الخ.
هذا بعد ثبوت تحكيمه عند المنفذ، إما بإقرار أو شهادة بينة، ولا يقبل قوله حكماً.
وقوله: قبل شروعه في الحكم.
الذي يظهر أنه إذا حكماه، ثم قال: يدعي المدعي، أو سكت حتى ادعى المدعي؛ أنه ليس لأحد هما الرجوع. وظاهر كلام ابن تيمية: لا يشترط التحكيم؛ فيكفي نفس الخصومة عنده بوصف القصة، والمقدم خلافه، قاله شيخنا.
إذا قال الحاكم في وثيقة بعد حكاية العقد: حضر فلان وفلان؛ فهو كقوله: شهدا عندي، وهو أحوط خروجاً من الخلاف. وإذا وجد في وثيقة، وحكم به؛ فالظاهر أن ذلك الحكم بالموجب، وعند السبكي، فيه احتمالان، هل يبحث عن شروط العقد، أو يمضيه بذلك؟ الأولى عدم البحث إذا كان من فقيه عارف، والبحث أحوط.
وأما من ذكر جميع الشروط المعتبرة شرعاً، ثم قال: وحكم به؛ فهو بالموجب مع كونه ملتزماً للصحة، قاله شيخنا.
"من شرح الروض": ويحرم عليه ولو في غير محل ولايته قبول هدية ممن له خصومة في الحال عنده، ولو عهدت من قبل القضاء، وكذا هدية من لا خصومة في الحال عنده، يحرم عليه في محل ولايته إن لم يعهد منه قبل القضاء كذلك، وتحل له ممن لا خصومة له في محل ولايته؛ إذ ليس سببها العمل ظاهراً، ولا تحرم ممن يعتادها من قبل القضاء إن لم تزد على المعتاد. قال الروياني: إن كانت الزيادة من جنس الهدية؛ جاز قبولها، لدخولها في المألوف، وإلا فلا. والظاهر أن الصدقة كذلك، لكن قال السبكي في "الجليات": للقاضي قبولها ممن ليست له عادة. انتهى.
ومنه: ولا يقضي القاضي بخلاف علمه، وإن قامت به بينة، كأن علم إبراء المدعي مما أعدى، كالمدعي، وأقام بينة؛ فلا يقضي بها في بالإجماع، ولا يقضي في هذه بعلمه، كما صرح به الشاشي، والماوردي، والروياني. انتهى.
ومن "التبصرة" لابن فرحون المالكي: الرضي في التزكية، هو الذي لا يخدع، ولا يلبس عليه، ولا يطمع في غفلته وخدعته، وينبغي لكاتب الوثائق أن يبدأ باسم المشتري؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (1) وإذا ثبت جواز الأخذ على الكتابة؛ فالأولى لمن قدر واستغنى التنزه عن ذلك، واحتساب عمله عند الله، وإذا لم يكن بد من أخذ الأجرة؛ فوجه الإجارة أن تسمى الأجرة ويعين العمل، فإن وافق الكاتب المكتوب له على ذلك، وجاء الكتاب على ما اتفقا؛ فإجارة صحيحة، وتجوز بما اتفقا عليه من كثير وقليل، ما لم يكن المكتوب له على ذلك، وجاء الكتاب على ما اتفقا؛ فإجارة صحيحة، وتجوز بما اتفقا عليه من كثير وقليل، ما لم يكن المكتوب له مضطر إلى الكاتب، إما لكونه مقصوراً عليه، وإما لأنه لا يوجد في ذلك الموضع غيره ممن يقوم بذلك؛ فالأولى حينئذ المسامحة، وإن لم يشارطه؛ فهو أنواع: إن كان فاعل ذلك يقنع بما أعطي على عمله بعد إكماله، وهذا النوع لا يسمى إجارة حقيقة؛ لأن ما يعارضه به مجهول عند الكاتب، لأن إعطاء الناس مختلف بحسب أقدارهم، ومبلغ مروءتهم، وليس من الكتاب على سبيل الهبة المطلقة؛ فعمله محمول على طلب الثواب من المكتوب له، بحسب ما أدته إليه مروءته على طريق المكارم، لا على طريق المكاسبة والمشاحة، وذلك أصل هبة الثواب؛ فإذا ثبت هذا، فإن أعطاه المكتوب له أجرة المثل أو أكثر؛ لزمه القبول، وإن أعطاه أقل؛ فالكاتب مخير بين القبول واسترجاع ما عمل، كما يكون ذلك في هبة الثواب، إلا أن يكون قد تعلق بذلك حق للمكتوب له لا يمكن استرجاع الكتاب؛ لكونه تضمن شهادة الشهود، أو ثبت فيه حق؛ فيكون ذلك فوتاً، ويجبر كل واحد منهما على أجرة المثل، كما في هبة الثواب. انتهى.
ومن "جمع الجوامع": القاعدة الواحدة والأربعون بعد المئة: من فتاوى السبكي: نص الشافعي على أن الحاكم إذا رفع إليه حكم لا يراه؛ أنه يعرض عنه، ولا ينفذه، وذكر الأصحاب وجهاً آخر أنه ينفذه، وعليه العمل. انتهى.
(1) 10/ 111.
ومنه أيضاً: أي من "جمع الجوامع": هل يجوز أن يهدي للقاضي ويقبل؟
اختلف فيه على أقوال: أحدها: المنع مطلقاً. الثاني: الجواز. الثالث: ممن لا حكومة له. الرابع: ممن كان يهدي له قبل ولايته. الخامس: ممن كان يهدي له قبل وليس له حكومة، ومثله: حاكم السياسة وغيره. انتهى.
ومنه أيضاً: القاعدة التاسعة عشرة: يجوز أن يهدي للشاهد أن يتحمل له ليؤدي له، وكل موضع جاز له أخذ الأجرة فيه؛ جاز قبول الهدية. انتهى.
من "حاشية ابن قندس": قال ابن القيم في المجلد الأخير في "إعلام الموقعين": القاعدة الواحدة والأربعون: لو عمل المستفتي بفتيا مفت في إتلاف نفس أو مال، ثم بان خطؤه؛ فقال أبو اسحق الاسفراييني من الشافعية: يضمن المفتي إن كان أهلاً للفتوى وخالف القاطع، وإن لم يكن أهلاً؛ فلا ضمان عليه؛ لأن المستفتي قصر في استفتائه وتقليده، ووافقه على ذلك ابن حمدان، ولم أعرف هذا لأحد من الأصحاب قبله، ثم حكى وجهاً آخر في تضمين من ليس بأهل، قال: لأنه تصدى لما ليس له بأهل، وغر من استفتاه بتصديه لذلك.
قلت: خطأ المفتي كخطأ الحاكم والشاهد، ثم ذكر الروايتين.
قال في "الإنصاف": الثامنة: لو بان خطؤه في إتلاف بمخالفة دليل قاطع؛ ضمن، لا مستفتيه، وفي تضمين مفت ليس أهلاً وجهان: وأطلقهما في "الفروع"، واختار بن حمدان أنه لا ضمان عليه.
قال ابن القيم: لم أعرف هذا القول لأحد قبله، ثم قال: قلت: خطأ المفتي كخطأ الحاكم أو الشاهد. انتهى.
من "الروض وشرحه": ويلزمه أن يحكم بما ثبت عنده. إن سئل
فيه، فيقول: حكمت له بكذا، أو نفذت الحكم به، أو ألزمت خصمه الحق ونحوها. انتهى.
وفي "الأحكام السلطانية" للقاضي أبي يعلي: فأما ضعف البصر، فإن كان يعرف به الأشياء إذا رآها؛ لم تمتنع عليه الإمامة، وإن كان يدرك الأشخاص ولا يعرف؛ منع من عقدها واستدامتها.
قلت: ولم أر من صرح برد تصرف الأعمى بشيء من ذلك، ولعل الحكم واحد. انتهى.
قوله: في القاضي. بصيراً.
أي يعرف المدعي من المدعى عليه، وهل يشترط معرفته الخط، أم لا؟
الظاهر: يشترط، لأنه إذا لم يقدر على ذلك؛ لم يتحقق معرفته.
قوله: يشترط، لأنه إذا لم يقدر على ذلك؛ لم يتحقق معرفته.
قوله: سميعاً لا أصم ولا أطرش، والطرش دون الصمم؛ لأن الأطرش يسمع إذا رفع له الصوت، بخلاف الأصم، قاله شيخنا. انتهى.
قال ابن عطوة: لا يجوز أن ينقض قضاء غيره إذا وافق قولاً لبعض العلماء، ما قاله البرزلي.
الظاهر نقضه إذا خالف نص إمامه، قاله شيخنا.
قال ابن عطوة بخطه: وسئل عن القاضي يأخذ الأجرة على كتابة السجلات، والمحاضر، وغيرها من الوثائق، هل يحل له؟
فالجواب: نعم يحل له، لأن ذلك غير الواجب، إذ الواجب عليه القضاء، وإيصال الحق إلى مستحقه، وأما كتابة الوثائق؛ فعمل بعمله القاضي للمقضي له، وليس له ذلك؛ فيجوز له أخذ الأجرة على ذلك، ولكن ما يطيب له إلا قدر ما يجوز أخذه لغيره.
قال: والتقدير. إن كانت الوثيقة بمال يبلغ آلفاً؛ ففيه خمسة دراهم، وفي ثلاثة آلاف؛ خمسة عشر، إلى عشرة آلاف، كل ألف خمسة حتى
تكون خمسين في عشرة آلاف، ثم ما زاد؛ ففي كل ألف درهم يضم إلى الخمسين الواجبة في عشرة الآلاف، فإن كانت أقل من الألف، ينظر. إن لحقه من المشقة قدر ما يلحقه في وثيقة الألف؛ ففيه خمسة دراهم، وإن كان ضعفه؛ فعشرة. وإن كان نصفه؛ فدرهمين ونصف، قال ذلك، وذكره أبو شجاع، ومن خطه نقلت.
ومن جواب لشيخنا عبد الله: وحكم الحاكم بشهادة عدلين بعقد ونحوه؛ ففي المسألة خلاف.
المقدم لا يجوز، والمعمول في هذه الأزمنة الجواز.
قال الشيخ منصور: ولا ينقض حكم الحاكم بذلك، وأما الحاكم إذا رأى خط القاضي الذي يعتمد عليه في بيع ونحوه، وليس فيه حكم، فإن ذكر صحة العقد وعدالة الشهود، أو كانوا مشهوري العدالة؛ جاز العمل به كحكمه، لا فرق في ذلك. انتهى.
وأجاب عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين الأحسائي الشافعي: وإذا رأى الحاكم خط حاكم يعتمد عليه في بيع أو نحوه بلا حكم، بل ذكر صحة العقد وعدالة البينة، أو كانوا مشهوري العدالة؛ جاز العمل به كحكمه، لا فرق بين تصحيحه للعقد، وحكم به، وللحاكم الثاني إنفاذه وإن لم يره صحيحاً. انتهى.
قال في "القواعد": ولو حكم الحاكم في مسألة مختلف فيها بما يرى أن الحق في غيره؛ أثم وعصى بذلك؛ ولم ينتقض حكمه إلا أن يكون مخالفاً لنص صريح، ذكره ابن أبي موسى.
وقال السامري: ينقض؛ لأن صحته لشرط الحكم موافقة الاعتقاد، ولهذا: لو حكم بجهل؛ لنقض حكمه، مع أنه لا يعتقد بطلان ما حكم به، فإذا اعتقد بطلانه؛ فهو بالرد أولى، وللأصحاب وجهان فيما ينقض فيه حكم الحاكم الجاهل والفاسق.
أحدهما: ينتقض جميع أحكامه؛ لفقد أهليته، وهو قول أبي الخطاب.
والثاني: تنقض، إلا ما وافق الحق المنصوص المجمع عليه، وينقض ما وافق الاجتهاد؛ لأنه ليس من أهله، وهو اختيار صاحب "المغني". انتهى.
والذي تحرر لنا أنه لا ينقض حكم الحاكم ولو مقلداً إلا أن يخالف النص، والإجماع، أو القياس، فإن كان في المسألة روايتان، أو قولان، أو وجهان، فحكم بأحدهما؛ لم ينقض حكمه، بخلاف الحكم بقول بعض الأصحاب المخالف لنص الإمام؛ ينقض، قاله شيخنا. والحكم بالصحة؛ فهو إذا اجتمعت الشروط منصوصاً عليها والحكم بالموجب حكم على العاقد بمقتضى عقده أو إقراره، ولو لم ينص على اجتماع الشروط لدخولها ضمناً، قاله شيخنا.
قال ابن عطوة: لا يحكم الحاكم إلا بعد تحرير الدعوى. فإن خالف وحكم؛ لم ينفذ. والتحرير: بحيث يصير المدعى به معلوماً عند الحاكم. قاله شيخنا.
وفي "العباب": لو لم يرزق القاضي من المصالح؛ فله أخذ عشر ما يتولاه من أموال الأيتام والوقف للضرورة، والعشر مثال. ويتعين النظر إلى كفايته، وقدر المال، والعمل. انتهى.
قال في "الروض وشرحه": إذا كان الطفل في بلد، وماله في آخر؛ فوليه قاضي بلده، لأن الولاية عليه ترتبط بماله، كمال الغائبين، لكنه محمول في تصرفه فيه بالحفظ والتعهد، وبما يقتضيه الحال من الغبطة اللائقة إذا أشرف على التف. انتهى.
ومنه أيضاً: لو كان ليتيم مال غائب عن محل ولاية قاضي بلده؛ تولى قاضي بلد المال، وحفظه، وتعهده؛ لأن الولاية عليه ترتبط بماله، ولا يتصرف فيه للتجارة والاستنماء، ولا ينصب قيماً لهما، بل ذلك لقاضي
بلد اليتيم، لأنه وليه في النكاح؛ فكذا في المال. انتهى.
ومن جواب لابن عطوة: الحمد لله الهادي، إذا كان الأمر كما ذكر؛ فالحاكم ولي من لا ولي له في بلده، أو تحت حكمه ما دام كذلك، لا مطلقاً، ولا يتبع الولد الحاضن في بلده مع بينونة الولد عن بلد الحاضن؛ فالعبرة ببلد المحضون، فكونه في بلدة، ومقامه فيها؛ هي بلده التي يترتب عليها أحكامه فيها، والمميز له اختيار، ذكره الأصحاب في مسائل
…
إلى أن قال: فجواز اختياره إلى بعض بلد أقاربه أولى بالجواز، والانتقال العارض لا عبرة به، النقل لغرض الناقل، وتمامه فيه.
وله أيضاً: مرا د الأصحاب بالحاكم الحاكم الذي مات الأب والولد في بلده، بشرط كونها وطناً للأب.
فلو كان الأب لم يستوطنها، بل كان مسافراً، وإنما أقام فيها لعارض؛ لم يكن لحاكمها ولاية على ولده والحالة هذه، وكذلك لا ولاية له عليه إذا انتقل عن بلده انتقالاً سائغاً شرعاً، إلا أن يكون صدر منه تصرف في ماله في حال ولايته عليه الثابتة شرعاً، وتمامه فيه.
وله أيضاً: مراد الأصحاب بالحاكم، الحاكم الذي مات الأب والولد الحاكم، وتحت حكمه، أما إذا انتقل الولد عن بلد ذلك الحاكم انتقالاً سائغاً شرعياً؛ فلا ولاية حينئذ للحاكم المذكور عليه، وتصير الولاية عليه لحاكم البلد الذي انتقل إليها، والحكم منوط في الانتقال بنفسه، لا بحاضنه؛ فلا عبرة بابتداء الولاية، بل الولاية عليه منوطة به وجوداً وعدماً، فلو قدر أنه انتقل إلى الشام أو غيرها؛ فالولاية عليه لحاكم البلد الذي انتقل إليها، وكتبه أحمد بن يحيى بن زيد التميمي، ونقلته من خطه.
قوله: فينقضه الإمام أو غيره الخ.
هذا مخالف لما تقدم من أن الناقض له حاكمه، والذي ظهر أنه يرجع إلى حال الحاكم، فإن كان فقيهاً محققاً؛ فالأولى أنه هو الناقض له فقط، قاله شيخنا.
من "الإنصاف" قوله: بغير ما يعلمه. أي لا يحكم في مسألة لا يعلم الحكم فيها. انتهى. إذا كان قاصر في بلد، وماله في آخر؛ فالولاية عليه، أي مال القاصر، من بيع وإجارة وغيرهما لحاكم البلد الذي فيه القاصر؛ لأن الولاية عليه ترتبط بماله، إلا إن كان بينهما مسافة قصر؛ فهو مال غائب، ولايته لحاكم البلد الذي فيه المال، قاله شيخنا.
قوله "في المنتهي": وقريب منه أن يولي الشاهد الباقي في القضاء للعذر الخ.
بأن يكون شاهداً مع غيره مثلاً قبل ولايته، ومات صاحبه وولي القضاء، وارتفعا إليه؛ فإنه يحكم بعلمه إذاً والحالة هذه؛ لئلا يضيع حق المشهود له.
وقوله: للعذر. فيه شيء، إلا إن كان للعذر، بأن لا يوجد غيره، أو يحكم بعلمه للعذر، قاله شيخنا.
قوله: في الحكم بالموجب، وقيل: لا فرق بينهما في الإقرار، أي في الحكم به.
الظاهر أن هذا آخر العبارة.
فقوله: وقيل: مقابل لما تقدم، ثم قوله: والحكم بالإقرار ونحوه كالنكول؛ كالحكم بموجبه في الأصح.
هذه عبارة مستقلة حكماً ولفظاً، لا تعلق لها بقيل بلا تردد، وهذه صحيحة، والعمل عليها.
فقوله: الأصح. أي من الوجهين، هكذا قرر لنا الشيخ محمد، قاله شيخنا. وهو صحيح، قاله شيخنا، ذكر شيخنا أنه اطلع على عبارة
عند الشافعية أن للحاكم التورط في الخلاف عند الحاجة الخ.
فإذا كان الأمر لا يمكن التوصل إليه على المذهب، ككونه بين أيتام، أو أوقاف، ووجد طريق خلاص لهم على القول؛ عمل به، لأن ترك الأمر على ما هو عليه يؤدي إلى فساد أو مضرة، قاله شيخنا.
قوله: قدم قول طالب، فلو تساويا الخ.
فإذا كان كل واحد من الخصمين أقرب لحاكم وكلهما في بلد واحد، ما الحكم؟
فالأظهر القرعة، فإن كانا في مجلس واحد؛ فالأقرب منهما فيه، قاله شيخنا.
قوله: اعلم. الوالي، هو السلطان، أو الباشا ونحوهما.
قوله: وإن قال: حاكم معزول
…
إلى أن قال: ما لم يشتمل على إبطال حكم حاكم قبله، فإذا حكم حاكم بحكم، ثم قال آخر غير معزول: كنت حكمت في هذا الأمر قبلك بخلاف حكمك، هل يقبل قوله، لأن قوله كوثيقته، ولأنه إن لم يقبل؛ لم يكن في التقدم فائدة، أم لا لاشتماله على إبطال حكم حاكم؟
فيها تردد، والأظهر قبول قوله، ولأنه غير معزول، ولوقوع حكمه موقعه، بخلاف الثاني، قاله شيخنا.
من "جمع الجوامع": ومن جواب للسبكي، بعد كلام سبق: فإن قلت: إذا حكم القاضي بالقول الضعيف، لم لا ينفذ؟
قلت: قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "قاض قضى بالحق وهو لا يعلمه؛ فهو في النار". فمتى أقدم القاضي على حكم وهو لا يعتقده؛ كان
(1) 5/ 50.
حاكماً بغير ما أنزل الله، وقاض بشيء لا يعلمه؛ فلا يحل للقاضي أن يحكم بشيء حتى يعتقد أنه الحق.
فإن قلت: هذا في المجتهد، أما المقلد؛ فمتى قلد وجهاً، ضعيفاً كان في نفس الأمر، أو قوياً؛ جاز.
قلت: ذلك في التقليد في العمل في حق نفسه، أما في الفتوى والحكم؛ فقد نقل ابن الصلاح الإجماع على أنه لا يجوز، ثم قال: أما الخلاف الشاذ، والاحتمال البعيد الذي يعتقده خطأه، فكيف لا ينقض؟
ثم قال: فما تصنع أنت؟
قلت: استخير الله، وأحكم للتي بنصيب أختها، وفيا جميعه، مضافاً إلى نصيبها، وأحكم عليهم بمنعهم منه؛ لأن الله يقول:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (1) ويقول: {الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} (2). ويقول صلى الله عليه وسلم: "قاض قضى بالحق وهو يعلمه؛ فهو في الجنة"، ويقول:"أعط كل ذي حق حقه".
فأنا أتقرب إلى الله بالحكم لهذه بحقها، والحكم على غيرها بمنعه من لا يستحق، والله أرجو أن يوفقني للخير والخلاص، ويثيبني من سعة فضله بمنه وكرمه، وكتبه علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي في يوم الأربعاء رابع عشر من ذي القعدة سنة 747.
ومن جواب لشيخنا: ومسألة الغائب؛ فالنظر للحاكم فيه صريح، تعرفون النص فيه، وشيخ البلد المطاع طاعة مطلقة، إذا ولى عدلاً ثقة؛ فنائبه كنائب الحاكم في ذلك، فإن لم يكن في البلد شيخ مطاع؛ فلا
(1) 4/ 59.
(2)
9/ 113.
نحفظ إلا قول الشيخ مرعي في الحجر، فإن عدم الحاكم؛ فأمين يقوم مقامه.
ثم قال: وهذا ينفعك في كل موضع؛ فاعتمده، وطال عند الشيخ محمد البحث فيه، وهو ظاهر في الجملة، أي في بعض الصور. انتهى.
لو كان في الرفقة في السفر امرأة لا ولي لها فيما دون مسافة القصر، واحتاجت إلى النكاح، رفعت أمرها إلى عدل في الرفقة، وحكمته هي والخاطب، فزوجها بإذنها؛ جاز وإن لم يكن متأهلاً للقضاء؛ للضرورة، والرفقة مثال، والمراد: الموضع البعيد من الحكام أو المحكمين.
قال الأذرعي: هذا صحيح، نقلته من خط مرشد بن دبيان، وذكر أنه نقله من خط بدر الدين حسين بن عثمان، ونقلته من خط شيخنا.
قال في الموصى إليه في "المغني" و "الشرح" و "المنتهى" و "الإقناع"، وغيرها. فإن مات رجل لا وصي له ولا حاكم في بلده؛ فظاهر كلام أحمد أنه يجوز لرجل من المسلمين أن يتولى أمره، ويبيع ما دعت الحاجة إلى بيعه، وتمامه فيه.
ظاهره: سواء أكان عدلاً أو فاسقاً، لا سيما إن كان الميت من الظلمة والفسقة؛ فإنه يكره العدل الدخول في أمواله خوف التبعة بلا حق، فإذاً يجوز تولي الفاسق والحالة هذه مع العدم، لأجل الضرورة، أيترك ماله يذهب، ويموت ولده جوعاً؟ قاله شيخنا.
من "الآداب الكبرى": ما ثبت عند حاكم ببينة؛ يسمى سجلاً، وما بمجلسه بإقرار أو نكول؛ فهو محضر. انتهى.
وقال في "النظم":
وما قد حوى حكماً ببينة هو السجل ويسمى غيره محضراً قد.
ومن "روضة ابن عطوة": ومن جعل نفسه واسطة بين القاضي وبين الناس فيما يأخذه من الجمائل، وأقام زماناً متظاهراً بذلك،
ويستنهض الناس بمثل هذا ويوفق بينهم وبينه، ويقبض من الناس ما يعطي القاضي، وربما أخذ لنفسه منه؛ فعليه الضرب الموجع مع السجن، ويلزمه غرم ما أخذ لنفسه، وما دفع بيده. ثم إن قامت له بينة أنه دفع ذلك للقاضي؛ رجع عليه، إلا إن شاء الدافع تركه وإتباع القاضي؛ فله ذلك. وإن غرمه ذلك؛ رجع على القاضي، لأن ما أخذ من الظلم ليدفعه إلى من ظلم؛ فهو في ذمته يغرمه، ثم يرجع على الظالم إن قدر عليه، وأعوان الظالم فيما أخذوا من الظلم؛ كالظالم. وإن لم يأخذوا لأنفسهم؛ فهو واجب عليهم، ولمن أخذ منه أن يرجع على الظالم أو من قبضه منه، قاله البرزلي المالكي.
هذا إن كان قبضه بغير حق؛ لأنه كالمغصوب. وإن كان قبض ما يباح للقاضي؛ فلا تبعة على واحد منهما، قاله شيخنا.
سئل القاضي حسين الشافعي عن المقلد: فقال: يشترط في حقه معرفة الحكم، لا معرف الدليل ولا العلة.
وسئل هل يجب على القاضي أن يكتب حكمه؟
فأجاب: إن سأله المحكوم له ذلك؛ فيجوز أن يشترط على ذلك أجرة، لكن يندب له أن لا يزيد على أجرة الكتابة وثمن القرطاس.
وإذا بذلك له على ذلك أكثر؛ جاز له أخذه، والورع معلوم. انتهى.
هل يجوز للقاضي أن يقبل الهدية بنية المكافآت، وعلى تقدير الجواز، هل يلزمه أن يكافئ، أم لا؟
أجاب محمد بن عثمان بن ناصر الشافعي: الذي ذكره أئمتنا أنه إذا أهدى إليه من له خصومة أو من لا خصومة له، ولم يهد إليه قبل ولايته؛ حرم قبولها، ولا يملكها. وإن أهدى إليه من عادته أن يهدي له قبل الولاية، ولا خصومة له حاضرة، ولا متوقعة؛ جاز قبولها إذا كانت بقدر العادة. وإذا جاز له القبول؛ فالأولى أن يثيب عليها، أو يردها،
أو يضعها في بيت المال، والأولى سد باب القبول مطلقاً. ولم يذكروا جواز القبول بنية المكافآت.
فظاهر إطلاقهم عدم الجواز. انتهى.
ومن "الروض وشرحه": ولكل أهل بلد اصطلاح في اللفظ؛ فلا يجوز أن يفتي أهل بلد بما يتعلق باللفظ، كالأيمان والأقارير، والوصايا من لا يعرف اصطلاحهم. انتهى.
ومنه: المحاضر هي ذكر ما جرى من غير حكم، والسجلات ما يشتمل على الحكم. انتهى.
ومنه: ويكتب الكاتب في المحضر حضور الخصمين عند القاضي
…
إلى أن قال: ويؤرخ ما يكتبه، ويكتب القاضي على رأس المحضر علامته، من الحمولة وغيرها. فلو كان مع المدعي كتاب فيه خط الشاهدين، وكتب تحت خطهما: شهدا عندي بذلك، وأثبت علامته في رأس الكتاب، واكتفى بذلك عن المحضر؛ جاز. انتهى.
من "حاشية ابن قندس": قوله: وإن قال: لا أعلم مزيلاً؛ قبل، كعلم الحاكم أنه يلبس عليه بهذه الشهادة، فيكون تقدير الكلام: إن قال: ولا أعلم له مزيلاً؛ قبل وإلا فلا، كعلم الحاكم أنه يلبس عليه. انتهى.
قال في "الإنصاف": السادسة: من كان من أمناء الحاكم للأطفال، والوصايا التي لا وصي لها، ونحوه بحاله؛ أقره، لأن الذي قبله ولاه، ومن فسق؛ عزله، ويضم إلى الضعيف أميناً، وجزم به في "المغني"
و "الشرح"، وقدمه في "الفروع" وغيره. انتهى.
ومن "المغني": وإن رفع إليه حكماً مختلفاً فيه، وأقر أن نافذ الحكم حكم به إلخ. هل يشترط تسمية الحاكم؟ أو قولهم: نافذ الحكم يكفي فقط؟ أو هذا إن كانا يعرفان النافذ من غيره. انتهى.
قال في "التوضيح": ورده وحكم بمذهبه.
قلت: المراد وسألاه. انتهى. وذكر في "الإنصاف" عن الشيخ تقي الدين: قد يقال: قياس المذهب أنه كالبينة إن عين الحاكم. انتهى.
فظهر أنه لابد من تسمية الحاكم الذي قالا: حكم به، لا سيما إن كانا عاميين لعدم معرفتهما بالنافذ وغيره، قاله شيخنا في آخر طريق الحكم. وكذا لو شهد أن فلاناً وفلاناً شهدا عندي بكذا الخ.
قال منصور في "شرحه": لو لم يوجد ما في شروط الشهادة، وهو المقدم، قاله شيخنا.
قوله: فلا يسوغ نقض الحكم بإنكار القاضي الكاتب الخ.
أي إذا حكم بعقد، ثم أنكر؛ لم يلتفت إلى إنكاره، وقد أجاب بمثل ذلك سيبان بن شمس، قاله شيخنا.
قوله في كتاب القضاء: وإن كان المستنيب قاضياً، فعزل نوابه أو زالت ولايته؛ انعزلوا الخ.
هذا في نوابه في الحكم، كما صرح به في "آداب القاضي"، بخلاف وكلاء الغياب، وولاة الأيتام، ونظار الوقف؛ فلا ينعزلوا بعزله أو موته.
قوله: لم ينعزلوا بموته ولا عزله.
ظاهره: وتصح تولية الثاني، ولكل منهما الحكم والتصرف.
وقول الشيخ مرعي في القضاء: أو زالت ولايته، أي القاضي؛ فينعزلوا الخ.
الذي يظهر أن العمل على خلافه، وأنهم لا ينعزلون، كما صرح به الشيخ منصور في "آداب القاضي"، قاله شيخنا.
قال في "الآداب الكبرى": وكل قاض مات، أو عزله من ولاه؛ انعزل نائبه في شغل معين، كسماع بينة خاصة، وبيع تركة ميت. وفي خلفائه ونوابه في الحكم في كل ناحية، وبلدة، وقرية، وقيم الأيتام، وناظر الوقف ونحوهم أوجه
…
إلى أن قال: قلت: نائبه في الفروض والفسوخ؛ كنائبه في الحكم في ذلك، وعزله أظهر، ولا ينعزل ناظر الوقف، وقيم الأيتام ونحوهما بذلك، وقيل: بلى.
ومنها أيضاً: يشترط أهلية النائب لما تولاه من حكم، أو إثبات، أو سماع بينة، أو استخلاف أو غير ذلك
…
إلى أن قال: قلت: ويجوز الآن تولية فقيه مقلد بنقل الفقه، مع قصوره عن تحريره وتقريره إلا يسيراً. انتهى.
قوله: ويقبضان، أي الشاهدان الكتاب الخ.
الذي يظهر: يقبضه أحدهما، وإلا كتب كل واحد منهما نسخة به، أي يكتب الشاهد معه نسخة كالأصل، قاله شيخنا.
قال في "الإنصاف": فوائد: الأولى: مثل ذلك في الحكم كل عقد لمصلحة المسلمين، كوال، ومن ينصبه لجباية مال أو صرفه، وأمير الجهاد، ووكيل بيت المال، ومحتسب، ذكره الشيخ تقي الدين.
قال في "الفروع": وهو ظاهر كلام غيره.
وقال أيضاً: في الكل لا ينعزل بانعزال المستنيب وموته، حتى يقوم غيره مقامه.
قال في "المغني": وإذا أخبر القاضي بحكمه في غير موضع ولايته؛
فظاهر كلام "الخرقي": أن قوله مقبول، وخبره نافذ؛ لأنه إذا قبل قوله بحكمه بعد العزل وزوال ولايته بالكلية؛ فلأن تقبل مع بقائها في غير موضع ولايته أولى.
وقال القاضي: لا يقبل قوله. وقال: لو اجتمع قاضيان في غير موضع ولايتهما، كقاضي دمشق، وقاضي مصر، اجتمعا ببيت المقدس، فأخبر أحدهما الآخر بحكم حكم به، أو شهادة ثبتت عنده؛ لم يقبل أحدهما قول صاحبه، ويكونان كشاهدين أخبر أحدهما صاحبه بما عنده، وليس له أن يحكم به إذا رجع إلى عمله؛ لأنه خبر من ليس بقاض في موضعه. وإن كانا جميعاً في عمل أحدهما، كأن اجتمعا بدمشق؛ فإن قاضي دمشق لا يعمل بما يخبره قاضي مصر، لأنه يخبره في غير عمله. وهل يعمل قاضي مصر بما أخبره قاضي دمشق إذا رجع مصر؟
فيه وجهان: بناء على القاضي، هل له أن يقضي بعمله على الروايتين، لأن قاضي دمشق أخبره به في عمله، ومذهب الشافعي هذا؛ كقول القاضي هنا. انتهى.
ومن "المغني" أيضاً: ثم ينظر في أمناء الحاكم، وهو من رد إليه الحاكم النظر في أمر الأطفال، وتفرقة الوصايا التي لم يعين بها وصي، فإن كانوا بحالتهم؛ أقرهم، لأن الذي قبله ولاهم. انتهى.
ومن "حاشية ابن قندس": وكذا إن حكما مفتياً في مسألة اجتهادية وهل يفتقر ذلك إلى تعيين الخصمين وحضورهما، أو يكفي وصف القضية له؟
الأشبه أنه لا يفتقر، بل إذا تراضيا بقول في قضية موصوفة مطابقة لقضيتهم؛ فقد لزم. انتهى.
ومنها قوله: وإن اعتدل عنده قولان، وقلنا: يجوز هكذا في بعض النسخ، والذي ظهر لي، وقلنا: يجوز تعادل قولين، بناء على القاعدة
المذكورة في الأصول، وهي: هل يجوز تعادل دليلين ظنيين، أم لا؟ وفيه قولان.
قوله: وله تخيير من استفتاه بين قوله وقول مخالفه.
الظاهر أن هذا مفرع على المسألة المذكورة، وهي ما إذا اعتدل عنده قولان، وكذلك هو ظاهر "الرعاية".
ومنها أيضاً، أي الحاشية المذكورة: وجدت بخط ابن شيخ السلامية أحد فضلاء الحنابلة.
فصل: جرت مذاكرة مع بعض فضلاء الحنابلة في فعل الحاكم، هل هو حكم، أم لا؟ وكذلك في إذنه.
فقلت له: ليس هذا على الإطلاق، وإنما هذا في فعل استفادة الحاكم بولاية الحكم، مثل إن زوج امرأة لا ولي لها إلا هو، ومثل بيعه مال المفلس، وتخصيص صاحب السلعة بسلعته دون سائر الغرماء، ونحو ذلك، لا في فعل لم يستفده بذلك، كما لو باع عقاراً لنفسه غائباً، أو فعل فعلاً مختلفاً فيه استفاد فعله من غير طريق الحكم، كبيع على يتيم هو وصيه ونحو ذلك، أو كان وكيلاً في عقد عن ولي خاص في عقد على يتيم. انتهى.
قال في "الرعاية الكبرى": وإن ادعى على غائب عن عمله في مسافة قصر فأزيد، وقيل: فوق نصف يوم أو أقل، أو على مستتر في البلد، أو متعزز، أو متغلب فيه أو في غيره، أو على ميت، أو غير مكلف، ولا بينة له؛ لم تسمع دعواه، وإلا سمعها وحكم بها، وحلفه معها على الأصح؛ على بقاء حقه، وأنه لم يقبضه ولا شيئاً منه، ولا عوضه ولا شيئاً منه، ولا أبرأ منه ولا شيئاً منه، ولم يحل به ولا شيئاً منه، ولم يحتل به ولا شيئاً منه، وأنه يستحق أخذه من مال الحي وتركة الميت أو ورثته. انتهى.
ومنها أيضاً: وإن ثبت في ذمة غائب ونحوه حق، وله مال حاضر؛
وفاه الحاكم منه
…
إلى أن قال:
قلت: وللحاكم الذي في بلد اليتيم طلب ماله، ليتصرف له فيه لمصلحته أو حاجته، ولا ينفذ تصرفه فيه قبل نقله إليه. انتهى.
ومن "التبصرة": ولا بأس أن يلقن القاضي أحدهما حجة عمي عنها، وإنما كره له أن يلقنه حجة الفجور.
وقال أشهب: للقاضي أن يشد عضد أحدهما إذا رأى ضعفاً، وقال ابن الحكم: لا بأس أن يلقنه حجة لا يعرفها.
ومنها: أن الشاهد إذا غلط في مجلس القاضي في نص الشهادة؛ فعلى القاضي أن يأمر الخصمين أن لا يعرضا له، لا المدعي بتلقين، ولا المدعى عليه بتوبيخ. انتهى.
ومنها: إذا جاء المستفتي في أمر يسأله ينوي فيه، فروى ابن القاسم: يشهد بما سمع، وفي رواية عيسى: لا يشهد بما سمع، وبه العمل. ومثل ذلك ذكر ابن أبي زمنين في "منتخبه"، عد ذلك في موانع الشهادة. فظاهره: يحرم على الثاني، وهو الذي رجحه، والله أعلم.
قال ابن شعبان في كتاب الوكالات: يجوز قبول المعرف بالمرأة المشهود عليها، وإن لم يكن عدلاً.
فرع: وتقدم البينة الناقلة على المستصحبة.
مثاله: أن تشهد بينة أن هذه الدار لزيد، بناها منذ مدة، ولا يعلمونها خرجت عن ملكه إلى الآن، وتشهد البينة الأخرى أن هذا اشتراها منه بعد ذلك، فالبينة الناقلة علمت، والمستصحبة لم تعلم؛ فلا تعارض بينهما. انتهى.
ومن "الإنصاف" وينعزل بانعزاله خليفته ولو في الأمر العام، كما في الخاص، كمبيع على ميت وغائب، أو سماع شهادة في حادثة معينة، لا قيم يتيم ووقف؛ فلا ينعزل بعزل القاضي؛ لاختلاف مصالحهما.
ولا ينعزل قاض ووال بموت الإمام، كما لا ينعزل بانعزاله بغير موته لشدة الضرر؛ فلا يبطل بموته، كما لا يبطل النكاح بموت الولي. انتهى.
من "شرح الروض": قال الأذرعي: وقد استخرت الله تعالى، وأفتيت فيمن سئل من قضاة العصر عن مستند قضائه؛ أنه يلزمه بيانه، لأنه قد يظن ما ليس بمستند مستنداً، كما هو كثير أو غالب. انتهى.
من "الإنصاف": تنبيه: وكذا الحكم في أن الدعوى لا تصح ولا تسمع، وتسمع البينة قبل الدعوى في كل حق آدمي غير معين، كالوقف على الفقراء، أو مسجد، أو رباط، أو وصية لأحدهما.
قال الشيخ تقي الدين: وفي حفظ وقف وغيره؛ بإثبات عن خصم مقدر يسمع الدعوى والشهادة فيه بلا خصم، وهذا قد يدخل في كتاب القاضي، وفائدته كفائدة الشهادة، وهو مثل كتاب القاضي إذا كان فيه ثبوت محض؛ فإنه هناك يكون مدع فقط بدون مدعى عليه حاضر، لكن المدعى عليه متخوف، وإنما المدعي يطلب من القاضي سماع البينة أو الإقرار، كما يسمع ذلك شهود الفرع، فيقول القاضي: ثبت ذلك عندي بلا مدعى عليه.
قال: وقد ذكره قوم من الفقهاء، وفعله طائفة من القضاة، فلم يسمعها طائفة من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، لأن القصد بالحكم فصل الخصومة. ومن قال بالخصم المسخر: نصب الشر، ثم قطعه، وذكر الشيخ تقي الدين ما ذكره القاضي من اختيار الحنفية على سماع البينة من غير وجود مدعى عليه؛ فإن المشتري المقر له بالبيع قد قبض المبيع وسلم الثمن؛ فهو لا يدعي شيئاً، ولا يدعي عليه شيء، وإنما غرضه تثبيت الإقرار والعقد، والمقصود سماع القاضي البينة، وحكم بموجبها من غير وجود مدعى عليه، ومن غير مدع على أحد. لكن خوفاً من
حدوث خصم مستقبل؛ فيكون هذا الثبوت حجة بمنزلة الشهادة. فإن لم يكن القاضي؛ يسمع البينة بلا هذه الدعوى، وإلا امتنع من سماعها مطلقاً، وعطل هذا المقصود الذي احتالوا فيه.
قال الشيخ تقي الدين: وكلامه يقتضي أنه هو لا يحتاج إلى هذا الاحتيال، مع أن جماعات من القضاة المتأخرين من الشافعية، والحنابلة دخلوا مع الحنفية في ذلك، وسموه الخصم المسخر، قال: وأما على أصلنا الصحيح، وأصل مالك، فإما أن تمتنع الدعوى على غير خصم منازع؛ فتثبت الحقوق بالشهادات على الشهادات، كما ذكره من ذكره من أصحابنا، وإما أن تسمع الدعوى والبينة بلا خصم، كما ذكره طائفة من المالكية والشافعية، وهو مقتضى كلام أحمد وأصحابه في مواضع؛ لأنا نسمع الدعوى والبينة على الغائب والممتنع، وكذا على الحاضر في البلد المنصوص، فمع عدم خصم أولى.
قال: وقال أصحابنا: كتاب الحاكم؛ كشهود الفرع، قالوا: لأن المكتوب إليه يحكم بما قام مقامه غيره، لأن إعلام القاضي للقاضي قائم مقام الشاهدين، فجعلوا كل واحد من كتاب القاضي، وشهود الفرع قائماً مقام غيره، وهو بدل عن شهود الأصل، وجعلوا كتاب القاضي كخطابه، وإنما خصوه بالكتاب؛ لأن العادة تباعد الحكمين، وإلا فلو كانا في محل واحد؛ كان مخاطبة أحدهما الآخر أبلغ من الكتاب، وبنوا ذلك على أن الحاكم يثبت عنده خبره بالشهادة ما لم يحكم به، وأنه يعلم به حاكم آخر ليحكم به، كما يعلم الفروع بشهادة الأصول.
قال: وهذا كله إنما يصح إذا سمعت الدعوى والبينة في غير وجه خصم، وهو يفيد أن كل ما يثبت بالشهادة على الشهادة؛ يثبته القاضي بكتابه، قال: ولأن الناس لهم حاجة إلى إثبات حقوقهم بإثبات القضاة، كإثباتها بشهادة الفروع، وإثبات القضاة أنفع لكونه كفى مؤونة النظر
في الشهود، وبهم حاجة إلى الحكم فيما فيه شبهة أو خلاف لرفعه، وإنما يخافون من خصم حادث. انتهى.
ومن "المغني": فصل: وإذا تحاكما إلى رجل حكماه بينهما ورضياه، وكان ممن يصلح للقضاء فحكم بينهما؛ جاز ذلك ونفذ حكمه، وبهذا قال أبو حنيفة، وللشافعي قولان: أحدهما: لا يلزمهما حكمه إلا بتراضيهما، لأن حكمه إنما يلزم بالرضى به، ولا يكون الرضى به إلا بعد المعرفة بحكمه
…
إلى أن قال: إذا ثبت هذا؛ فإنه لا يجوز نقض حكمه فيما لا ينقض فيه حكم من له ولاية، وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: للحاكم نقضه إذا خالف رأيه. انتهى. من "المغني": فإن قال في ولايته: حكمت لفلان بكذا؛ قبل قوله، سواء قال: قضيت عليه بشاهدين عدلين، أو قال: سمعت ببينة وعرفت عدالتهم، أو قال: قضيت عليه بنكوله، أو قال: أقر عندي فلان لفلان بحق كذا فحكمت به، وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي، وأبو يوسف. وحكى عن محمد بن الحسن أنه لا يقبل حتى يشهد معه رجل عدل، لأنه إخبار بحق على غيره؛ فلم يقبل فيه قول واحد، كالشهادة.
ولنا أنه يملك الحكم؛ فملك الإقرار به، فأما إن قال: حكمت بعلمي، أو بالنكول، أو بشاهد ويمين في الأمول؛ فإن يقبل أيضاً.
وقال الشافعي: لا يقبل قوله في القضاء بالنكول، وإن قال: حكمت على فلان لفلان بكذا، ولم يضف حكمه إلى بينة ولا غيرها؛ وجب قبوله. انتهى.
ومن "الروض وشرحه": ولو شهدا عنده أنك حكمت بكذا ولم يذكر ذلك؛ لم يؤثر، أي لم يحكم بقولهما إلا أن يشهدا بالحق بعد تجديد الدعوى
…
إلى أن قال: فإن توقف، فشهدا على حكمه عند قاض غيره؛ نفذ شهادتهما بحكم الأول، وليس لأحد أن يدعي عليه،
أي على القاضي في محل ولايته عند قاض آخر أنك حكمت لي بكذا، كما في نظيره في الشهادة، ولو كان معزولاً أو في غير ولايته؛ سمعت البينة عليه بذلك الإقرار، لأنه لا يقبل بعد عزله، ولا في غير محل ولايته، ولا يحلف، سواء كان في محل، أم لا، كما لا يحلف الشاهد إذا أنكر الشهادة.
فرع: لو كتب إليه بحكم لا ينقض ولا يعتقده، بل رأى غيره أصوب؛ أعرض عنه ولا ينفذه، كما لا ينقضه، لأن ذلك إعانة على ما يعتقده خطأ. ولو استقضى مقلداً للضرورة، فحكم بمذهب غير من قلده؛ لم ينقض بناء على أن للمقلد للضرورة، فحكم بمذهب غير من قلده؛ لم ينقض بناء على أن للمقلد تقليد منه شاء. انتهى.
قوله: وتنفيذ الحكم يتضمن الحكم الخ.
هذا المقدم، وما عليه العمل، وما بعده على أقوال، قاله شيخنا.
قوله: ملك حيازته احتياطاً عن كونه ملكه.
لكن بيد غاصب؛ فالحوز كاليد. قوله: والحكم بالإقرار ونحوه؛ كالنكول بموجبه.
يعني إذا قال: حكمت بإقراره أو بنكوله؛ فهو كما لو قال: حكمت بموجب إقراره أو نكوله، لاستلزامه له، قاله شيخنا.
الذي ظهر لنا: المقدم اشتراط الدعوى، ولا تشترط على مقابله، والعمل على الثاني من أزمنة متطاولة، ولا ينقض حكم حاكم به، قاله شيخنا.
قال في "شرح المنتهي" لمؤلفه: لأن سماع ذلك في غير محل عمله؛ كسماعه قبل التولية. انتهى.
هذا مما يفيد عدم قبول خط المفتي شهادة غيره، قاله شيخنا.
إذا وجدنا بخط معروف الخط في ورقة: شهد بذلك فلان، سواء
كان حياً أو ميتاً، قبلناها، بخلاف ما إذا قال: أقر فلان لفلان بكذا فقط، أو نحو ذلك، قاله شيخنا.
قال في "الإنصاف": فائدة: لو رآها، أي الأخرس بخطه؛ فقد توقف أحمد، ومنعها أبو بكر، وهو احتمال للقاضي، وخالفه في "المحرر" فاختار فيه قبولها.
قلت: وهو الصواب. قال في "النكت": وكان وجه الخلاف بينهما أن الكتابة، هل هي صريح، أم لا؟ . انتهى.
قوله: لأنا نسمعها على غائب وممتنع ونحوه؛ كميت الخ.
الظاهر أنه ثبت عند القاضي بينة كاملة، وكذا شاهد، ويمين صاحب الحق بعد أداء الشاهد الشهادة، وتزكيته بحق على ميت لشخص، أو وصية له بمعين أو معلوم؛ أنه يجوز للحاكم الحكم له به بلا خصومة من الورثة على ما فيه من الخلاف، قاله شيخنا.
ومن "حاشية الإقناع": وإن لم تقل: وهي ملكه؛ لم تسمع، لأن مجرد الشراء لا يوجب نقل الملك، لجواز أن يقع من غير مالك؛ فلم يكن بد من إضافة الملك للبائع.
قال في "الإنصاف": واعلم أن فرض هذه المسألة فيما إذا كانت العين في يد غير البائع كما صرح به في "الكافي" وغيره. انتهى.
الذي تحرر لنا أنه لابد من شهادة البينة بالملك، سواء كانت بيد البائع أو غيره؛ فلا فرق، فإما هذا على غير المذهب، وإما على خلاف الذي في "الكافي" بأنه هل يشترط الملك، وتكفي اليد والتسليم؟
فيكون الخلاف فيما إذا كانت العين في يد غير البائع فقط؛ فليتأمل، من تقرير شيخنا.
قال في "حاشية المحرر" لابن قندس، بعد كلام سبق: فعلى "المصحح في الفروع": والمقدم عند المصنف، إذا ادعى شخص شراء
شيء أو هبته ونحو ذلك، فلابد أن يدعي أنه اشتراها منه وهي في ملكه، مأذون له في بيعها، سواء كانت العين في يد المدعى عليه البيع، أو في يد غيره، ولا يكفي أنه سلمها إليه، ولا شهادة البينة بذلك؛ كل لابد من دعوى الملك والشهادة به. وأما على اختيار الموفق: أنه لا يشترط ذكر الشروط؛ فهو إذا لم تكن العين في يد الغير، بل كانت في يد البائع أو المشتري، أما إذا كانت في يد الغير؛ مثل أن تكون في يد زيد، فادعى بكر أنه اشتراها من خالد وهي ملكه، أو سلمها إليه، وشهدت البينة بذلك. انتهى.
من "حاشية الفروع" لابن قندس، قوله: وإن أقام كل واحد منهما بينة بشرائها من زيد بكذا، وقيل: ولو لم تقل وهي ملكه، بل تحت يده وقت البيع الخ
…
إلى أن قال: وقال في "المقنع": وإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد؛ لم تسمع البينة على ذلك حتى يقول: وهي ملكه وتشهد البنية به.
فظاهره أن الشهادة بالتسليم فقط؛ لا يحكم له بها بمجردها، بل لابد من الشهادة بالملك، وظاهر "الكافي" أن الشهادة بالتسليم كافية في الحكم له بها، والمصنف ذكر الخلاف هنا بقوله: ولم تقل: وهي ملكه.
فظاهره أن المقدم اشتراط الشهادة بالملك، كما هو ظاهر "المقنع"، ثم قال: واعلم أن على ما صححه المصنف، وقدمه في "المحرر" أنه يشترط في الشهادة من ذكر الملك، أو الإذن من المالك، سواء كانت العين في يد البائع أو غيره؛ لأن ذلك من شروط صحة العقد. وأما على اختيار الموفق أنه لا يشترط ذكر شروطه؛ فذلك فيما إذا لم تكن بيد ثالث، بل كانت بيد البائع أو المشتري، أما إذا كانت في يد الغير، وادعى أنها اشتريت من غيره، وادعاها لنفسه، وشهدت بينة أن المدعي اشتراها من
الغير؛ فلابد أن تشهد بالملك أو التسليم. انتهى.
ومن جواب للشيخ سليمان بن علي: وأما إذا شهدت بينة بوقف شخص مكلف لعقاره الفلاني، وأنه في ملكه وقت الوقف، أو لم تشهد بالملك، لكن شهدت به بنية غيرها، ولم تشهد بالوقف؛ صح ذلك، والله أعلم.
ومن جواب له أيضاً: وأما إذا ادعى مع أن أباه خلف هذا العقار تركة، أي مات وهو في ملكه، وأقام به بنية؛ سمعت في ظاهر كلامهم، وأما أهل بلدنا، الشيخ محمد ومن قبله؛ فيوجبون على الشاهد أنه ملكه الآن، أو يبين سبب يد الثاني، وهو الذي نعمل به، وعليه العمل؛ لأنه لو يفتح هذا؛ لصار به ضرر عظيم على كل قابض، ومع عدم البينة؛ له يمين صاحب اليد، والله أعلم.
ومن مكتوب لأحمد بن بسام، بعثه الشيخ محمد في هذه المسألة. الحمد لله. ما قول العلماء وفقه الله للصواب عن هذه المسألة. قال ابن النجار في "المنتهى وشرحه": وإن شهدا أن هذا ابن أمته، يعني شهد شاهد أن هذا العبد بن أمة هذا؛ لم يحكم له به، لجواز أن يكون ولدته قبل أن يملكها؛ حتى يقولا: ولدته وهي في ملكه، أو أى إنسان ثمرة شجرة، فشهد له شاهدان أنها ثمرة شجرته؛ لم يحكم له بها حتى يقولا: وإنها أثمرتها وهي في ملكه، فإذا شهدت بذلك؛ حكم له بالعبد والثمرة؛ لأن البينة تشهد أن ذلك نماء ملكه، ونماء ملكه له، ما لم يرد سبب بنقله عنه، فإن قيل: فقد قلتم: لا تقبل الشهادة بالملك السابق على الصحيح، وهذه شهادة بملك سابق؛ قلنا: الفرق بينهما على تقدير التسليم أن النماء تابع للملك، ولأن البينة ههنا شهدت بسبب الملك، وهو ولادة الجارية، أو وجود الثمرة في ملكه؛ فقويت بذلك، ولهذا: لو شهدت بالسبب في الزمن الماضي، فقالت: أقرضه ألفاً، أو باعه
سلعة بألف. ثبت الملك وإن لم يذكر، فمع ذكره أولى.
وقال: وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه، أو شهدا أن هذا الدقيق من حنطته، أو شهدا أن هذا الطير من بيضته؛ حكم له به، ولأنه لا يتصور أن يكون الغزل من قطنه قبل ملكه، أو يكون الدقيق من حنطته قبل ملكه الحنطة، أو يكون الطير من بيضته قبل ملكه البيضة، لا إن شهدا أن هذه بيضة من طيره؛ فإنه لا يحكم له بالبيضة حتى يشهدا أنها باضتها في ملكه، كما قلنا في ابن أمته بجواز أن تكون الطيرة باضتها قبل أن يملكها، أو شهد شاهدان أنه اشترى هذا العبد، أو هذه الدار، أو هذا الثوب من زيد، أو شهدا أن زيداً أوقفه عليه، أو شهدا لعبد زيد أن زيداً أعتقه؛ لم يحكم بشيء من ذلك حتى يقولا: وهو في ملكه، ولأنه لو لم يشترط ذلك؛ لتمكن كل من أراد أن ينزع شيئاً من يد غيره أن يتفق هو وشخص، ويبيعه إياه بحضرة شاهدين، ثم ينزعه المشتري من يد صاحبه، ثم يقتسمانه، وفي ذلك ضرر عظيم لا يرد الشرع بمثله. وفي "الإقناع" مثل ذلك بالحرف.
وقال في "الفروع": وإن شهدا أنه لجده إلى موته، ولم يثبت أنه مخلف عن موروثه تركة؛ لم ينزع بذلك، لأن أسباب انتقاله أكثر الخ.
وقال في "المغني": وإن ادعى أن أباه خلفه وله أخ غائب، ولا وارث له سواهما، وترك داراً في يد هذا الرجل، فأنكره صاحب اليد، وأقام المدعي بينة بما ادعاه؛ ثبتت الدار للميت وانتزعت من يد المنكر، ودفع نصفها إلى المدعي، وجعل نصفها في يد أمين للآخر الغائب يكريها له.
وقال أيضاً: وإذا كان في يد رجل دار، فادعاها آخر، وأنكر صاحب اليد، وأقام المدعي بينة أنها ميراثه من أبيه؛ حكم له بها، لأنها شهدت بالسبب، وقال ابن عطوة: وسألت شيخنا: إذا كان في يد رجل عقار أو غيره، وادعى عليه مدع قد مات موروثه وهو في ملكه، فأقام من بيده
العقار بينة أنه ملكه، ما الحكم؟
فأجاب: بينة مدعي الملك لنفسه أولى من بينة مدعي الملك لأبيه، وإن لم يقم بينة له؛ عمل ببينة الملك لمورثه، لأنها مثبتة للسبب؛ إذ الأملاك لا تنتقل عن أيدي ملاكها إلا بأمر متيقن، والملك متيقن، وزواله مشكوك فيه؛ فلا يزول متيقن بمشكوك فيه. انتهى.
والذي يظهر أنهما إذا أقاما بينتين؛ فهي بينة الداخل والخارج، والمذهب تقديم بينة الخارج، والله أعلم.
فصل: من "المغني": إذا كان في يد زيد دار، فادعاها عمرو، وأقام بينة بأنه اشتراها من خالد بثمن مسمى نقده إياه، أو أن خالداً وهبه تلك الدار؛ لم تقبل بينة بهذا حتى تشهد أن خالداً باعه إياها، أو وهبها له وهو يملكها، وإنما لم تسمع البينة بمجرد الشراء والهبة؛ لأن الإنسان قد يبيع ما لا يملكه، ويهبه، فلا تقبل شهادتهم به. فإذا انضم إلى ذلك الشهادة للبائع بالملك، أو شهدوا للمشتري بالملك، أو شهدوا بالتسليم؛ فقد شهدوا بتقديم اليد، وهذا مذهب الشافعي، وإنما قبلناها وهي بملك ماض، لأنها شهدت بالملك مع السبب، والظاهر استمراره، بخلاف ما إذا لم يذكر السبب. انتهى.
وتحته: أي هذه العبارات، وهي بخط الشيخ أحمد بن محمد بن بسام، نقلها لشيخه محمد بن إسماعيل، فكتب الشيخ محمد تحتها بخطه حقيقة لا لبس معها:
الحمد لله. جميع هذا المذكور، المنقول من الكتب المذكورة؛ صريح بقبول البينة بالملك السابق، إذا كان سببه مذكوراً كما ذكروه رحمهم الله، ونفعنا ببركاتهم، كتبه محمد بن إسماعيل، ومن خطه نقلت.
فالذي تحرر لنا أن هذا هو الصحيح المعمول به، ويمكن حمل
عباراتهم التي استدل بها الشيخ محمد وغيره أولاً، وهي قولهم: ومن ادعى أنه ملكه الآن الخ. على إذا كانت الدعوى بملك مطلق، بخلاف ما إذا ذكرت المسبب، من عقد، أو إرث ونحو ذلك؛ فتسمع بلا ترد.
ومن "المستوعب": فإذا ادعى داراً بيد زيد، فأنكره زيد، وقال: هي لي، وأقام المدعي بينة أنه اشتراها من عمرو، أو أن عمراً أوقفها عليه؛ لم يحكم بها للمدعي، إلا أن تشهد البينة أن عمرواً باعه إياها، أو أوقفها عليه وهي ملكه. انتهى.
ومن "حاشية ابن قندس": قوله: لأن المطلقة، أي البينة المطلقة، وهي التي تشهد بالملك المطلق، مثل أن تشهد أن العين ملكه؛ فهي تقتضي بزوال الملك من وقت أداء الشهادة؛ لأنها لم تذكر ما قبله، بخلاف التي تشهد بملك سابق، مثل أن تشهد أنه اشتراها من سنتين أو أكثر؛ فإنها تقتضي زوال الملك من حين التاريخ المذكور. انتهى.
ومن جواب للشيخ سليمان بن علي: وبعد قولهم: من شهد بعقد؛ فلابد من ذكر شروطه، ومن ادعى شراء عين من زيد، أو وقفها عليه؛ فلابد من قول: وهي ملكه في الدعوى وفي الشهادة؛ فهذا قطع بالتحقيق لا إشكال فيه، وأما مسألتكم: فإذا أقام بعض الورثة بينة أن أباه خلف هذا العقار تركة، وأقام الآخر بنية أن أباه وقفه عليه؛ فإن الوقف يصح، وتقدم البينة الشاهدة به، ولا يشترط في شهادتها قول: وأنه ملكه حين الوقف، لأن الخصم قامت بينة بإثبات الملك، وقامت بينة هذا المدعي أن أباه خلف هذا العقار تركة؛ لأوجبنا على مدعي الوقف أنه في مللك الواقف، وهذا بلا إشكال. ومسألة هذا الوقف؛ هي مسألة الرجل الذي ادعاه أن أباه خلف هذه الدار تركة، وأقام بذلك بينة، وادعت امرأته أن أباه أصدقها إياها؛ سواء لا فرق.